المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الماركسية



مجد لينين
09-23-2004, 11:24 AM
يبدو ان معرفتكم بالديالكتيك المادي او الماركسية بشكل عام تقتصر على قراءتكم لكتاب نقض الاشتراكية الماركسية لغانم عبدو .. وكتاب صراع مع الملاحدة لعبد الرحمن الميداني وكتاب مذاهب فكرية معاصرة لمحمد قطب وسماعكم لعدة خطب منفرة من الشيوعية و بعض المقالات من هنا وهناك ..
ولافيدكم هناك ايضا كارل بوبر وجيمس درومي وجان كيركباترك وروبرت كونكست والكثير الكثير من الرأسمالين الذين انتقدوا الماركسية .. لكنكم قطعا لم تقرأو الفكر الماركسي ولو من بابا المعرفة .. دائما تذهبون للنقد او النقض مباشرة .. هذا ليس من شيم طالب العلم الحق :d ..
اي انكم لستم وحدكم انتم المتدينون من فكر بنقد او نقض الماركسية .. لكنها باقية رغم ذلك .. هذا هو الجيد في الماركسية وهو السعي نحو تطوير نفسها وليس ان تبقى نصوص جامدة في محتواها تطبق منذ مئات السنين .. او ان تؤخذ كنصوص مقدسة لا يمكن تغييرها او تطويرها .. فلم ولن تسمعونا يوما نقول ان ماركس او لينين هم مرجعنا الاول والاخير .. نحن نقول بان ماركس اخطأ في ناحية او اخرى كذلك لينين وهذا ما يدفعنا الى تطوير افكارنا وطريقتنا في التعامل مع معطيات الحياة ..
الماركسية يا اعزائي ليس عقيدة جامدة متحجرة بل هي الية تحليل وطريقة عمل و فكر حر .. نستطيع تطويرها باستمرار ولا تقف عند نقطة ثابتة لا تتقدم ابدا .. ولا تعود بالعقل الى 1400 سنة مضت لتقول لنا ان العالم لم يتغير ...

سوف اترككم لمدة اسبوع او اكثر بسبب انشغالي بامور هامة .. في هذه الفترة القصيرة اقترح عليكم قراءة بعض المقالات من كتاب الماركسية نفسها وانصح بالذهاب مباشرة لكتب ماركس وانجلز ولينين وتروتسكي .. ابحثوا عنها في الانترنت ... هناك ارشيف الماركسيين على الانترنت وهناك موقع الحوار المتمدن والكثير من المواقع اليسارية التي تستطيعون القراءة منها ...
هكذا يكون المنطق الصحيح في دراسة الفكر .. ان تذهب لقراءة الفكر نفسه لا ان تقفز مباشرة الى نقض الفكر
الى لقاء قريب ...

سوف نعرض هنا افكار الماركسية بشكل عام و نفتح رابط اخر للنقاش ويترك هذا الرابط دون تعليقات
والتعليقات تكون هنا (http://www.altwhed.com/vb/showthread.php?p=420#post420)

مجد لينين
09-23-2004, 11:25 AM
يثير مذهب ماركس, في مجمل العالم المتمدن, أشد العداء والحقد لدى العالم البرجوازي, كله (سواء الرسمي أم الليبرالي), إذ يرى في الماركسية ضربا من "بدعة ضارة". ليس بالإمكان توقع موقف آخر, إذ لا يمكن أن يكون ثمة علم اجتماعي "غير متحيّز" في مجتمع قائم على النضال الطبقي. فكل العلم الرسمي الليبرالي يدافع, بصور أو بأخرى, عن العبودية المأجورة, بينما الماركسية أعلنتها حربا لا هوادة فيها ضد هذه العبودية, أن تطلب علما غير متحيّز في مجتمع قائم على العبودية المأجورة, لمن السذاجة الصبيانية كأن تطلب من الصناعيين عدم التحيز في مسألة ما إذا كان يجدر تخفيض أرباح الرأسمال من اجل زيادة أجرة العمال.
ولكن ليس ذلك كل ما في الأمر, فان تأريخ الفلسفة وتأريخ العمل الاجتماعي يبينان بكل وضوح أن الماركسية لا تشبه "الانعزالية" بشيء بمعنى أنها مذهب متحجر منطو على نفسه, قام بمعزل عن الطريق الرئيسي لتطور المدنية العالمية. بل بالعكس, فان عبقرية ماركس كلها تتقوم بالضبط في كونه أجاب على الأسئلة التي طرحها الفكر الإنساني التقدمي, وقد ولد مذهبه بوصفه التتمة المباشرة الفورية لمذهب أعظم ممثلي الفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية.
إن مذهب ماركس لكـلّي الجبروت, لأنه صحيح, ومتناسق وكامل ويعطي الناس مفهوما منسجما عن العالم, لا يتفق مع أي ضرب من الأوهام ومع أية رجعية, ومع أي دفاع عن الطغيان البرجوازي. وهو الوريث الشرعي لخير ما أبدعته الإنسانية في القرن التاسع عشر: الفلسفة الألمانية, الاقتصاد السياسي الانجليزي, و الاشتراكية الفرنسية.
و إننا سنتناول بإيجاز مصادر الماركسية الثلاثة هذه, التي هي في الوقت نفسه أقسامها المكوّنة الثلاثة.

1

إن المادية هي فلسفة الماركسية, في غضون كل تأريخ أوروبا الحديث, لاسيما في أواخر القرن الثامن عشر, في فرنسا, حيث كان يجري نضال حاسم ضد كل نفايات القرون الوسطى, ضد الإقطاعية في النهاية, و الأمينة لجميع تعاليم العلوم الطبيعية, والمعادية للأوهام ولتصنّع التقوى و..الخ, ولذا بذل أعداء الديموقراطية كل قواهم لـ"دحض" المادية, لتقويضها, للافتراء عليها؛ ودافعوا عن شتى أشكال المثالية الفلسفية التي تؤول ابرادا, على نحو أو آخر, إلى الدفاع عن الدين أو إلى نصرته.
وقد دافع ماركس و انجلس بكل حزم عن المادية الفلسفية وبيّنا مرارا عديدة ما في جميع الانحرافات عن هذا الأساس من أخطاء عميقة, ووجهات نظرهم معروضة بأكثر ما يكون من الوضوح والتفاصيل في مؤلفي أنجلس: "لودفيغ فورباخ" و"دحض دوهرينغ", اللذين هما, على غرار "البيان الشيوعي", الكتابان المفضلان لدى كل عامل واع.
ولكن ماركس لم يتوقف عند مادية القرن الثامن عشر, بل دفع الفلسفة خطوات إلى الأمام, فأغناه بمكتسبات الفلسفة الكلاسيكية الألمانية, ولاسيما بمكتسبات مذهب هيغل, الذي قاد بدوره إلى مادية فيورباخ. وأهم هذه المكتسبات, الديالكتيك, أي نظرية التطور بأكمل مظاهرها و أشدها عمقا, و أكثرها بعدا عن ضيق الأفق, نظرية نسبية المعارف الإنسانية التي عكس المادية في تطورها الدائم. إن احدث اكتشافات العلوم الطبيعية – الراديوم, والالكترونات, وتحوّل العناصر – قد أثبتت بشكل رائع صحة مادية ماركس الديالكتيكية, رغم انف مذاهب الفلاسفة البرجوازيين ورغم ردّاتهم "الجديدة" نحور المثالية القديمة المهترئة.
وقد عمق ماركس المادية الفلسفية وطوّرها, فانتهى بها إلى نهايتها المنطقية ووسع نطاقها من معرفة الطبيعة إلى معرفة المجتمع البشري. إن مادية ماركس التأريخية كانت اكبر انتصار أحرزه الفكر العلمي, فعلى اثر البلبلة والاعتباط اللذين كان سائدان حتى ذلك الحين في مفاهيم السياسة والتاريخ, جاءت نظرية علمية, روعة في التناسق والتجانس والانسجام, تبين كيف ينبثق ويتطور, من شكل معين من التنظيم الاجتماعي, ومن جراء نمو القوى المنتجة, شكل آخر, ارفع, - كيف تولد الرأسمالية من الإقطاعية, مثلاً.
وكما أن معرفة الإنسان تعكس الطبيعة القائمة بصورة مستقلة عنه, أي المادة في طريق التطور, كذلك تعكس معرفة الإنسان الاجتماعية (أي مختلف الآراء والمذاهب الفلسفية أو الدينية والسياسية, ...الخ) نظام المجتمع الاقتصادي, إن المؤسسات السياسية تقوم كبناء فوقي على أساس اقتصادي, فإننا نرى, مثلا كيف أن مختلف الأشكال السياسية للدول الأوروبية العصرية هي أداة لتعزيز سيطرة البرجوازية على البروليتاريا.
إن فلسفة ماركس هي مادية فلسفية كاملة, أعطت الإنسانية, والطبقة العاملة بخاصة, أدوات جبارة للمعرفة.

2

بعدما لاحظ ماركس أن النظام الاقتصادي يشكل الأساس الذي يقوم عليه البناء الفوقي السياسي, أعار انتباهه أكثر ما أعاره لدراسة هذا النظام الاقتصادي, ومؤلف ماركس الرئيسي "رأس المال" مكرّس لدراسة النظام الاقتصادي في المجتمع الحديث, أي الرأسمالي.
لقد تكون الاقتصاد السياسي الكلاسيكي, ما قبل ماركس في انجلترا, وكان أكثر البلدان الرأسمالية تطورا. فقد درس آدم سميث ودافيد ريكاردو النظام الاقتصادي فسجلا بداية نظرية قيمة –العمل. وواصل ماركس عملهما. فأعطى هذه النظرية أساسا علميا خالصا وطورها بصورة منسجمة إلى النهاية, وبين أن قيمة كل بضاعة مشروطة بوقت العمل الضروري إجمالا لإنتاج هذه البضاعة.
و حيث كان الاقتصاديون البرجوازيون يرون علاقات بين الأشياء (مبادلة بضاعة ببضاعة أخرى), اكتشف ماركس علاقات بين الناس المنفردين. والمال(النقد) يعني أن هذه الصلة تزداد وثوقا, جامعة في كل واحد لا يتجزأ كل حياة المنتجين المنفردين الاقتصادية. والرأسمال يعني استمرار تطور هذه الصلة. فان قوة عمل الإنسان تغدو بضاعة. فالأجير يبيع قوة عمله لمالك الأرض ولصاحب المصنع و أدوات الإنتاج, والعامل يستخدم قسما من يوم العمل لتغطية نفقات إعالته و إعالة أسرته (الأجرة)؛ ويستخدم القسم الآخر للشغل مجانا, خالقا للرأسمالي القيمة الزائدة, التي هي مصدر ربح, مصدر إثراء للطبقة الرأسمالية.
إن نظرية القيمة الزائدة تشكل حجر الزاوية في نظرية ماركس الاقتصادية.
إن الرأسمال الذي يخلقه عمل العامل ينيخ بثـقله على العامل, يخرب صغار أرباب العمل, و ينشئ جيشا من العاطلين عن العمل. وانتصار الإنتاج الضخم في الصناعة أمر ظاهر من نظرة الأولى؛ ولكننا لنلاحظ ظاهرة مماثلة في الزراعة أيضا: فان تفوق الاستثمار الزراعي الرأسمالي الضخم واستخدام الآلات يزدادان, والاستثمارات الفلاحية تقع في ربقة الرأسمالي النقدي وتنحط ويحل بها الخراب تحت وطأة تكنيكها المتـأخر, إن أشكال هذا الانحطاط في الإنتاج الصغير تختلف في الزراعة عنها في الصناعة, ولكن الانحطاط نفسه واقع لا جدال فيه.
إن الرأسمال, إذ يغلب على الإنتاج الصغير, يؤدي إلى زيادة إنتاجية العمل والى خلق وضع احتكاري في صالح جمعيات الرأسماليين الكبار. وصفة الإنتاج الاجتماعية تزداد بروزا يوم بعد يوم. مئات الآلاف والملايين من العمال يُجمعون في هيئة اقتصادية متناسقة, بينما قبضة من الرأسماليين تستملك نتاج العمل المشترك. وتشتد فوضى الإنتاج, و الأزمات والركض المجنون وراء الأسواق, وعدم ضمان العيش لسواد السكان.
إن النظام الرأسمالي يزيد من تبعية العمال إزاء الرأسمال ويخلق في الوقت نفسه قدرة العمل الموحد الكبيرة.
لقد تتبع ماركس تطور الرأسمالية من عناصر الاقتصاد البضاعي الأولية والتبادل البسيط وحتى أشكالها العليا, الإنتاج الكبير.
وان تجربة جميع البلدان الرأسمالية, القديمة منها والجديدة, تبين بوضوح وسنة بعد سنة, صحة مذهب ماركس هذا لعدد متزايد أبدا من العمال.
لقد انتصرت الرأسمالية في العالم بأسره, ولكن هذا لانتصار ليس سوى المقدمة لانتصار العمال على الرأسمال.

3

عندما دُك النظام القطاعي, ورأى المجتمع الرأسمالي "الحر" النور, تبين فورا أن هذه الحرية تعني نظاما جديدا لاضطهاد الشغيلة واستثمارهم, وفورا أخذت تنبثق شتى المذاهب الاشتراكية انعكاسا لهذا الاضطهاد واحتجاجا عليه, ولكن الاشتراكية البدائية كانت اشتراكية طوباوية. فقد كانت تنتقد المجتمع الرأسمالي, تشجبه, تلعنه, وتحلم بازالته, وتتخيل نظاما أفضل؛ وتسعى إلى إقناع الأغنياء بأن الاستثمار مناف للأخلاق.
ولكن الاشتراكية الطوباوية لم تكن بقادرة على الإشارة إلى مخرج حقيقي. ولم تكن لتعرف كيف تفسر طبيعة العبودية المأجورة في ظل النظام الرأسمالي, و لا كيف تكتشف قوانين تطور الرأسمالية, ولا كيف تجد القوة الجماعية القادرة على انتصار خالقة المجتمع الجديد.
غير أن الثورات العاصفة التي رافقت سقوط الإقطاعية, القنانة, في كل مكان من أوروبا وخاصة في فرنسا, بينت بوضوح متزايد على الدوام أن النضال الطبقي هو أساس كل التطور وقوته المحركة.
فما من حرية سياسية تم انتزاعها من طبقة الإقطاعيين دون مقاومة يائسة. وما من بلد رأسمالي قام على أساس حر, ديموقراطي, إلى هذا الحد أو ذاك, دون قيام نضال حتى الموت بين مختلف طبقات المجتمع الرأسمالي.
ومن عبقرية ماركس, انه كان أول من استخلص هذا الاستنتاج الذي ينطوي عليه التأريخ العالمي وطبقه بصورة منسجمة إلى النهاية, وهذا الاستنتاج هو مذهب النضال الطبقي.
لقد كان الناس وسيظلون أبدا, في حقل السياسة, أناسا سذجا يخدعهم الآخرون ويخدعون أنفسهم, ما لم يتعلموا استشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير والبيانات والوعود الأخلاقية والدينية والسياسية والاجتماعية. فإن أنصار الإصلاحات والتحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كل مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و اهتراء, فلكي نسحق مقاومة هذه الطبقات ليس ثمة سوى وسيلة واحدة هي أن نجد في نفس المجتمع الذي يحيط بنا القوى التي تستطيع – وينبغي عليها بحكم وضعها الاجتماعي – أن تغدو القوة القادرة على تكنيس القديم وخلق الجديد ثم أن نثـقف هذه القوى وننظمها للنضال.
فقط مادية ماركس الفلسفية بينت للبروليتاريا الطريق الواجب سلوكه للخروج من العبودية الفكرية التي كانت تتخبط فيها حتى ذلك جميع الطبقات المظلومة. فقط نظرية ماركس الاقتصادية أوضحت وضع البروليتاريا الحقيقي في مجمل النظام الرأسمالي.
إن المنظمات البروليتارية المستقلة تتكاثر في العالم بأسره من أمريكا إلى اليابان ومن اسوج إلى إفريقيا الجنوبية, و البروليتاريا تتعلم وتتربى في غمرة نضالها الطبقي وتتحرر من أوهام المجتمع البرجوازي وتزداد تلاحما على الدوام وتتعلم كيف تقدر نجاحاتها حق قدرها وتوطد قواها وتنمو بشكل لا مرد له.

مجد لينين
09-23-2004, 11:28 AM
مبادئ الدياليكتيك المادي

الدياليكتيك ليس خيالا ولا تصوفا ، ولكنه علم أشكال تفكيرنا في حدود أبعد لأنه ليس مقتصرا على المشاكل اليومية للحياة و لكنه يحاول الوصول إلى فهم عمليات أكثر بعدا وتعقيدا. الدياليكتيك والمنطق الصوري يشكلان علاقة كتلك التي بين الرياضيات العالية والبسيطة.

سأحاول هاهنا أن أرسم جوهر المشكلة بشكل شديد الإختصار. المنطق الأرسطي الخاص بالقياس المنطقي البسيط يبدأ من الإفتراض بأن " أ " تساوي" أ ". هذه المسلمة تقبل كبديهية للعديد من الفعاليات الإنسانية العملية و التعميمات البسيطة.

لكن في الواقع " أ " لا تساوي " أ ". هذا سهل الإثبات لو أننا لاحظنا هذين الحرفين من خلال عدسة إنهما مختلفان عن بعضهما البعض. لكن هناك من يقر بأن حجم و شكل الحرفين ليس هو المسألة ماداما مجرد رمزان لكميات متساوية.على سبيل المثال رطل من السكر.الإعتراض هنا خارج القصد، في الواقع رطل من السكر لا يساوي رطلا من السكر. مقياس أكثردقة يكشف عن فرق.

مرة أخرى ربما يعترض أحدكم " و لكن رطل السكر يساوي نفسه". و لا هذه حقيقة أيضا. فكل الأجسام تتغير بلا إنقطاع في الحجم و الوزن و اللون..إلخ . ليست مساوية لنفسها أبدا. سيرد السفسطائي قائلا"أن رطل السكر مساو لنفسه في لحظة محددة من الزمن".

بعيدا عن القيمة العملية المشكوك فيها بشدة لهذه "البديهية" فإنها لا تستطيع الصمود أمام النقد النظري أيضا. اذ كيف يمكن أن نتقبل حقيقة كلمة " لحظة " ؟ إذا كانت هي فاصلة متناهية الصغر من الزمن إذا فرطل السكر سيتعرض خلال سير اللحظة إلى تغيرات حتمية. أم أن "اللحظة " هي فقط تجريد رياضي خالص، اي صفر من الزمن ؟ ، و لكن كل شيء يوجد في الزمن . و الوجود ذاته هوعملية غير متقطعة من التحول . فالزمن بالتالي عنصر أساسي للوجود. و لهذا فالبديهية " أ " تساوي " أ "تشير إلى أن الشيء يساوي نفسه إذا لم يتغير، و هذا في حالة عدم وجوده .

للوهلة الأولى قد يبدو أن تلك الأشياء الدقيقة عديمة الفائدة. في الواقع هي ذات أهمية بالغة. البديهية " أ " تساوي " أ " تبدو من جهة نقطة إنطلاق لكل معارفنا. ومن جهة أخرى كنقطة إنطلاق لكل الأخطاء في معارفنا. لكي نحقق إستفادة من البديهية "أ " تساوي " أ " بدون الوقوع في الخطأ سيكون هذا ممكنا فقط داخل حدود معينة. عندما تكون التغيرات الكمية في " أ " من الممكن إهمالها بالنسبة للمهمة المؤداة عندئذ يكون من الممكن التسليم إفتراضيا بأن " أ " تساوي" أ " ،هذه على سبيل المثال هي الطريقة التي يأخذ بها كل من البائع و المشتري رطل من السكر بعين الإعتبار. نحن ندرس حرارة الشمس بشكل مماثل، و حتى نتوصل إلى دراسة القوة الشرائية للدولار بنفس الطريقة . لكن التغيرات الكمية لما بعد حدود معينة تتحول إلى تغيرات كيفية (نوعية). فرطل من السكرمعرض لفعل الكيروسين ينتهي وجوده كرطل من السكر(يتوقف عن كونه رطل من السكر). و دولار في قبضة رئيس يتوقف عن كونه دولارا. إن تحديد النقطة الحرجة التي يتغير عندها الكم إلى كيف في اللحظة الصحية هي واحدة من اهم و أصعب المهام في كل حقول المعرفة بما فيها علم الإجتماع.

كل عامل يعرف أنه من المستحيل صناعة شيئين متماثلين و متساويين تماما. في عملية تفصيل النحاس كمحاميل مخروطية، يسمح بإنحراف معين للمخاريط و الذي مع ذلك لا يجب أن يتعدى حدودا معينة(هذا يسمىالسماحية). و عن طريق ملاحظة نماذج السماحية، تعدالقوالب متساوية ("أ" تساوي "أ")، وعندما تزادالسماحية يتحول الكم إلى كيف ، بكلمات أخرى تصبح المحاميل المخروطية رديئة وعديمة القيمة.

تفكيرنا العلمي هو فقط جزء من ممارستنا العامة بما فيها التقنيات. بالنسبة للمفاهيم هناك (التحمل) الذي لم يؤسس تبعا للمنطق الصوري للبديهية ("أ" تساوي "أ")، و لكن عن طريق المنطق الدياليكتيكي المنبثق من بديهية أن كل شيء يتغير. "المنطق المشترك" يوصف بحقيقة أنه بتلقائية يتعدى "السماحية "الدياليكتيكية.

يتعامل الفكر الدارج مع مفاهيم مثل الرأسمالية ،الأخلاق،الحرية ، دولة العمال، إلخ..،على أنها تعميمات ثابتة، مسلمين بأن الرأسمالية تساوي الراسمالية ،الأخلاق تساوي الأخلاق،إلخ. ان التفكيرالدياليكتيكي يحلل كل الأشياء و الظواهر في تغيرها المستمر، بينما يحدد في الظروف المادية لتلك التغيرات ذلك الحد الحرج حيث "أ" تتوقف عن كونها "أ". و لا تكون دولة العمال هي دولة العمال.

الخلل الأساسي في الفكر الدارج يقع في حقيقة أنه يتمنى أن يقنع نفسه بسمات ساكنة لواقع يتكون من حركة أبدية . التفكير الجدلي يعطي المفاهيم ،عن طريق تقريبات وتصحيحات و أمثلة ملموسة مرونة و ثراء للمحتوى. و قد أقول أيضا نضارة والتي إلى حد ما تجعلها (المفاهيم) أقرب لظواهر الحياة. ليست الرأسمالية بالتعميم، و لكن رأسمالية معطاة (محددة) في مرحلة معطاة (محددة )من التطور. ليست دولة العمال بالتعميم و لكن دولة عمال معينة في بلد متخلف في محيط إمبريالي،إلخ.

يرتبط التفكير الجدلي بالتفكيرالدارج بنفس الطريقة التي ترتبط بها الصورة المتحركة بالصورة الفوتوغرافية الساكنة. الصورة المتحركة لا تبطل الصور الفوتوغرافية ولكن تكون منها متوالية تبعا لقوانين الحركة. لا ينكر الدياليكتيك ا ل قياس المنطقي ، ولكن يعلمنا أن نجمع القياسات المنطقية بطريقة تقرب فهمنا من الواقع الأبدي التغير.و قد أسس هيجل في منطقه متتالية من القوانين :تغير الكم إلى كيف ،التطور من خلال التناقض ، نزاع المحتوى و الشكل ،إعتراض الإستمرارية، تغير الإمكانية إلى حتمية ،إلخ. و التي هي مهمة بالنسبة للفكرالنظري كما المنطق البسيط بالنسبة للمهام الأكثر بساطة.

كتب هيجل قبل داروين و قبل ماركس بفضل الدفع القوي الذي أعطته الثورة الفرنسية للفكر. لقد توقع هيجل الحركة العامة للعلم . و لكن لأنه كان مجرد توقع، رغم عبقريته ، فقد كان هيجل شخصية مثالية. تعامل هيجل مع الظلال الأيديولوجية مثل الواقع المطلق(الأقصى). لقد برهن ماركس على أن حركة هذه الظلال الأيديولوجية لم تعكس شيئا سوى حركة الأجسام المادية.

نحن ندعو دياليكتيكنا مادي طالما أن جذوره ليست في السماء ولا في عمق "إرادتنا الحرة " ، و لكن في الواقع الشيئي ، في الطبيعة . و ينشأ الوعي من اللاوعي ، علم النفس من علم وظائف الأعضاء ،العالم العضوي من العالم غير العضوي ،النظام الشمسي من السديم. على كل درجات هذا السلم من التطور ، تحولت التغيرات الكمية إلى كيفية . وفكرنا بما فيه الفكر الدياليكتيكي هو فقط واحد من أشكال التعبيرعن المادة المتغيرة. هناك مكان داخل هذا النظام لكنه ليس الشيطان و الروح الخالدة و النماذج الأبدية للقوانين والأخلاق. لقد نشأ دياليكتيك التفكير ، من دياليكتيك الطبيعة وهو يكتسب بناء على ذلك شخصية مادية تماما .

لقد كانت الداروينية ، التي فسرت نشوء الأنواع خلال تحولات كمية مرورا بكيفية كانت، أكبر إنتصار للدياليكتيك في حقل المادة العضوية. أنتصار آخر كان إكتشاف جدول الاوزان الذرية للعناصر الكيميائية وأيضا تحول العنصر الى آخر.

بهذه التحولات (الأنواع ، العناصر ،إلخ.) ترتبط بشدة قضية التصنيف ، بنفس الأهمية في العلم الطبيعي كما في الإجتماعي . فنظام - لينو-(القرن ال18) ، الذي يستخدم نقطة إنطلاقه ثبات الأنواع، كان مقصوراعلى توصيف و تصنيف النباتات تبعا لأوصافها الخارجية. إن فترة طفولة علم النبات (فترة نشوءه) تشابه فترة طفولة المنطق ،بما أن أساليب تفكيرنا تتطور كأي شيء حي. فقط الرفض الحاسم لفكرة الأنواع الثابتة ، فقط دراسة التاريخ الخاص بنشوء و تطور النباتات و تركيبها البنيوي ،أعدا الأسس لتصنيف علمي حقيقي.

إكتشف ماركس الذي كان على خلاف داروين دياليكتيكيا واعيا أسس التصنيف العلمي للمجتمعات الإنسانية في تطور قواها الإنتاجية وبنية علاقات الملكية التي تؤلف التركيب البنيوي للمجتمع.

أحلت الماركسية محل التصنيف الوصفي الدارج للمجتمعات والدول ، و الذي مازال حتى الان مزدهرا في الجامعات ، تصنيف دياليكتيكي مادي. فقط من خلال طريقة ماركس من الممكن أن نحدد بدقة كلا من مفهوم دولة العمال و لحظة سقوطها .

لا يحتوي هذا كما نرى على اي شيء "ميتافيزيقي " أو"لاهوتي " كالذي يقر به الجهل المغرور.اذ يعبر المنطق الدياليكتيكي عن قوانين الحركة في فكرعلمي معاصر .و ان الكفاح ضد الدياليكتيك المادي يعبر على العكس عن ماض بعيد, عن البرجوازية المحافظة الضيقة الأفق , عن التصور الخاص لروتينيي الجامعة و ... وشرارة من الأمل للحياة الآخرة.

أبو عمران
09-25-2004, 08:11 PM
تم نقل مداخلة الاخ أبو عمران الى موضوع التعقيب على هذا الرابط :

http://www.altwhed.com/vb/showthread.php?p=462&posted=1#post462

متابعة إشرافية
"الجندى"