المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحجة الدامغة فى إثبات النبوة الخاتمة



محب الرحمن
08-16-2007, 07:50 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقدم لكم موضوع رائع في إثبات النبوة لصاحب الوسيلة ( ص ) هذا الموضوع أعده أخونا أبو تراب ووضعه في منتدى الفرقان نسأل الله له التوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة
:emrose: :emrose::emrose::emrose::emrose::emrose::emrose:
الحمد لله المتفرد بواحدانية الألوهية المتعزز بعظمة الربوبية الرحمن الرحيم ، الذى خلق الخلق حين اراد بلا معين ولا مثيل، و بسط نعمه على البعاد و كان على كل شىء وكيل
و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و قائدنا إلى الجنة باذن الرحمن محمد ، خير من وطأ أرض الله أطيب الطيبين الصادق الأمين المبعوق رحمة للعالمين

أما بعد:-

فهذا بحث فى دلائل النبوة على الأسس التى اتفق عليها أهل العقل و علماء النقل نتناوله بإختصار ولا اقتضاب بلا استرسال ولا اسهاب ليكون مرجعاً سهلاً يسيراً لكل باحث عن الحق او سائل عن نبوة سيد الخلق~

و سنتناول فيه بإذن الله تعالى خمسة مباحث كل منهم يحوى حجة فى اثبات النبوة و هى:
(1) سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل البعثة و صفاته الخلقية والخلقية
(2) معجزاته الباهرة المادية و الخبرية و معجزته الكبرى كتاب الله الحكيم
(3) البشارات الحسان برسول الله صلى الله عليه و سلم فى كتب اليهود و النصارى و غيرهم
(4) طبيعة الرسالة التى بعثه الله تعالى بها من عقائد و أحكام و اخلاق
(5) الأثر الذى تركه رسول الله صلى الله عليه و سلم

و دورى فى هذا البحث تجميع ما قرأت فى كتب العلما و أصحاب السير و سأعقب فى ختامه بسرد المراجع بإذن الله تبارك و تعالى
يتبع بإذن الله

محب الرحمن
08-16-2007, 07:52 PM
سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل البعثة و صفاته الخلقية والخلقية


تقدمـــــــة هامة


لعل من أبرز الفوائد الماتعة التى نعرج عليها أثناء دراسة سيرة النبى صلى الله عليه و سلم أنها أصح سيرة لتاريخ نبي مرسل، أو عظيم مصلح, فقد وصلت إلينا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصح الطرق العلمية وأقواها ثبوتا مما لا يترك مجالاً للشك في وقائعها البارزة وأحداثها الكبرى

إن الميزة من صحة السيرة صحة لا يتطرق إليها شك لا توجد في سيرة رسول من رسل الله السابقين، فموسى عليه السلام قد اختلطت عندنا وقائع سيرته الصحيحة بما أدخل عليها اليهود من زيف وتحريف، ولا نستطيع أن نركن إلى التوراة الحاضرة لنستخرج منها سيرة صادقة لموسى عليه السلام، فقد أخذ كثير من النقاد الغربيين يشكون في بعض أسفارها وبعضهم يجزم بأن بعض أسفارها لم يكتب في حياة موسى عليه السلام ولا بعده بزمن قريب، وإنما كتب بعد زمن بعيد من غير أن يعرف كاتبها، وهذا وحده كاف للتشكيك في صحة سيرة موسى عليه السلام كما وردت في التوراة
ولذلك ليس أمام المسلم أن يؤمن بشيء من صحة سيرته إلا ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
ومثل ذلك يقال في سيرة عيسى عليه السلام، فهذه الأناجيل المعترف بها رسميا لدى الكنائس المسيحية إنما أقرت في عهد متأخر عن السيد المسيح بمئات السنين، وقد اختيرت – بدون مسوغ علمي – من بين مئات الأناجيل التي كانت منتشرة في أيدي المسيحيين يومئذ. ثم إن نسبة هذه الأناجيل لكاتبيها لم يثبت عن طريق علمي تطمئن النفس إليه، فهي لم ترو بسند متصل إلى كاتبيها، على أن الخلاف قد وقع أيضا بين النقاد الغربيين في أسماء بعض هؤلاء الكاتبين من يكونون؟ وفي أي عصر كانوا؟
وإذا كان هذا شأن سير الرسل أصحاب الديانات المنتشرة في العالم، كان الشك أقوى في سيرة أصحاب الديانات والفلاسفة الآخرين الذين يعد أتباعهم بمئات الملايين في العالم، كبوذا وكونفوشيوس، فإن الروايات التي يتناقلها أتباعهم عن سيرتهم ليس لها أصل معتبر في نظر البحث العلمي، وإنما يتلقفها الكهان فيما بينهم، ويزيد فيها كل جيل عن سابقه بما هو من قبيل الأساطير والخرافات التي لا يصدقها العقل النير المتحرر الخالي من التعصب لتلك الديانات.
وهكذا نجد أن أصح سيرة وأقواها ثبوتا متواترا هي سيرة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك فإن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحة كل الوضوح في جميع مراحلها، منذ زواج أبيه عبد الله بأمه آمنة إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، فنحن نعرف الشيء الكثير عن ولادته، وطفولته وشبابه، ومكسبه قبل النبوة، ورحلاته خارج مكة، إلى أن بعثه الله رسولا كريما، ثم نعرف بشكل أدق وأوضح وأكمل كل أحواله سنة فسنة، ما يجعل سيرته عليه الصلاة والسلام واضحة وضوح الشمس، كما قال بعض النقاد الغربيين: إن محمدًا (عليه الصلاة والسلام) هو الوحيد الذي ولد على ضوء الشمس.
وهذا ما لم يتيسر مثله ولا قريب منه لرسول من رسل الله السابقين، فموسى عليه السلام لا نعرف شيئا قط عن طفولته وشبابه وطرق معيشته قبل النبوة، ونعرف الشيء القليل عن حياته بعد النبوة، مما لا يعطينا صورة مكتملة لشخصيته، ومثل ذلك يقال في عيسى عليه السلام، فنحن لا نعرف شيئا عن طفولته إلا ما تذكره الأناجيل الحاضرة، من أنه دخل هيكل اليهود، وناقش أحبارهم، فهذه هي الحادثة الوحيدة التي يذكرونها عن طفولته، ثم نحن لا نعلم من أحواله بعد النبوة إلا ما يتصل بدعوته، وقليلا من أسلوب معيشته، وما عدا ذلك فأمر يغطيه الضباب الكثير.
فأين هذا مما تذكره مصادر السيرة الصحيحة من أدق التفاصيل في حياة رسولنا الشخصية، كأكله، وقيامه، وقعوده، ولباسه، وشكله، وهيئته، ومنطقه، ومعاملته لأسرته، وتعبده، وصلاته، ومعاشرته لأصحابه، بل بلغت الدقة في رواة سيرته أن يذكروا لنا عدد الشعرات البيض في رأسه ولحيته صلى الله عليه وسلم
و بذلك كانت سيرة محمد صلى الله عليه و سلم و حياته ودعوته دليلاً عظيما لا نقول على نبوته فحسب بل على صحة وجود ونبوة موسى و عيسى و إبراهيم و الأنبياء أجمعين.


نظرات فى ارهاصات و مؤيدات نبوته صلى الله عليه و سلم


شرف نسب رسول الله صلى الله عليه و سلم

- فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولد في أشرف بيت من بيوت العرب، فهو من أشرف فروع قريش، وهم بنو هاشم، وقريش أشرف قبيلة في العرب، وأزكاها نسبا وأعلاها مكانة، وقد روي عن العباس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا، وخيرهم بيتا» (رواه الترمذي بسند صحيح).

و قال عليه السلام : ((إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم)) (رواه مسلم)

و قال صلى الله عليه و سلم: ((خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء)) حسنه الألباني فى صحيح الجامع 3225


قال ابن إسحاق : {وكان عبد المطلب من سادات قريش ، محافظا على العهود . متخلقا بمكارم الأخلاق . يحب المساكين ويقوم في خدمة الحجيج ويطعم في الأزمات . ويقمع الظالمين . وكان يطعم حتى الوحوش والطير في رءوس الجبال}

وقد أعطاه الله مزية عظيمة ألا و هى أنه أُمرفى المنام أن يحفر زمزم و وصف له موضعها فكان له شرف اعادة جريان ماء تلك البئر الشريفة و الحديث عن أمير المؤمنين على ابن أبى طالب قال :
(( بينا عبد المطلب نائم في الحجر أُتي فقيل له : احفر برة ، فقال : وما برة ؟ ثم ذهب عنه ، حتى إذا كان الغد نام في مضجعه ذلك فأُتي فقيل له : احفر المصونة ، قال : وما المصونة ؟ ثم ذهب عنه ، حتى إذا كان الغد فنام في مضجعه ذلك فأُتي فقيل له : احفر طيبة ، فقال : وما طيبة ؟ ثم ذهب عنه ، فلما كان الغد عاد لمضجعه فنام فيه فأُتي فقيل له : احفر زمزم ، فقال : وما زمزم ؟ فقال : لا تنزف ، ولا أبينا . ثم نعت له موضعها فقام يحفر حيث نعت . فقالت له قريش : ما هذا يا عبد المطلب ؟ فقال : أمرت بحفر زمزم ، فلما كشف عنه وبصروا بالطي قالوا : يا عبد المطلب إن لنا حقا فيها معك ، إنها لبئر أبينا إسماعيل . فقال : ما هي لكم ، لقد خصصت بها دونكم . قالوا : أتحاكمنا ؟ قال : نعم . قالوا : بيننا وبينك كاهنة بني سعد بن هذيم ، وكانت بأطراف الشام ، فركب عبد المطلب في نفر من بني أمية ، وركب من كل بطن من أفناء قريش نفر ، وكانت الأرض إذ ذاك مفاوز فيما بين الحجاز والشام ، حتى إذا كانوا بمفازة من تلك البلاد فني ماء عبد المطلب وأصحابه حتى أيقنوا بالهلكة ، ثم استقوا القوم فقالوا : ما نستطيع أن نسقيكم ، وإنا نخاف مثل الذي أصابكم . فقال عبد المطلب لأصحابه : ماذا ترون ؟ قالوا : ما رأينا إلا تبع لرأيك . قال : فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته ، فكلما مات رجل منكم دفعه أصحابه في حفرته حتى يكون آخركم يدفعه صاحبه ، فضيعة رجل أهون من ضيعة جميعكم ، ففعلوا ثم قال : والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت ولا نضرب في الأرض ونبتغي ، لعل الله أن يسقينا لعجز . فقال لأصحابه : ارتحلوا . فارتحلوا وارتحل . فلما جلس على ناقته ، فانبعثت به . انفجرت عين تحت خفها بماء عذب . فأناخ وأناخ أصحابه ، فشربوا واستقوا وأسقوا ، ثم دعوا أصحابهم : هلموا إلى الماء فقد سقانا الله ، فجاؤوا واستقوا وأسقوا ثم قالوا : يا عبد المطلب ! قد والله قضي لك . إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة ، لهو الذي سقاك زمزم ، انطلق فهي لك ، فما نحن بمخاصميك))
رواه عبدالله بن زرير الغافقي و صححه الالبانى

ثم أن عبدالمطلب نذر لان رزقه الله بعشرة ابناء يمنعوه لينحرن أحدهم : فلما كبرو أبناءه العشر فاقرع بين ابناءه فكان عبدالله/ فأشفق أبوه عليه و كان يحبه فذهب لعرافة فقالت ان يضرب القداح بين ابنه و عشرة من الابل فخرجت عليه فظل يزيد عشرا عشرا حتى بلغت المئة
و لذلك روى عن النبى كما فى سيرة ابن هشام و فى تاريخ الطبرى أنه قال ((أنا ابن الذبيحين))

و روى الحاكم و ابن جرير و غيرهما عن عبد الله بن سعيد الصنابحى قال: ((حضرنا مجلس معاوية فتذاكر القوم إسماعيل و إسحاق أيهما الذبيح؟ فقال البعض إسماعيل و قال البعض إسحاق فقال معاوية: على الخبير سقطتم كنا عند رسول الله(صلى الله عليه و سلم) فأتى أعرابى فقال : يل رسول الله خلفت الكلأ يابسا و المال عابسا ,هلك العيال و ضاع المال فعد على مما أفاء الله عليك يا إبن الذبيحين فتبسم رسول الله(صلى الله عليه و سلم) و لم ينكر عليه فقال القوم من الذبيحين يا أمير المؤمنين؟ فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر ماء زمزم نذر لله لإن سهل أمرها أن ينحر بعض ولده فلما فرغ أسهم بينهم و كانو عشرة فخرج السهم على عبد الله فأراد أن ينحره فمنعه أخواله بنو خزوم و قالو أرض ربك و افد ابنك ففداه بمائة ناقة ,قال معاوية: هذا واحد و الأخر إسماعيل))


ولمكانة هذا النسب الكريم في قريش لم نجدها فيما طعنت به على النبي صلى الله عليه وسلم لاتضاح نسبه بينهم، ولقد طعنت فيه بأشياء كثيرة مفتراة إلا هذا الأمر لأن النبى كان منهم و معروف نسبه و حاله عندهم قبل بعثته لذا كان الله يرشد عقولهم إلى صدق رسوله بتذكريهم أنه صاحبهم الذى عرفو نسبه و صدقه و امانته و رجاحة عقله فقال تعالى
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}

و قال عز و جل {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ}

و قال سبحانه {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}

و تواترت الايات فى بيان ان النبى من انفسكم ايها العرب و من قلب اشرافكم كما دعى ابراهيم بذلك قائلاً { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم }
و قال تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم }
وقال تعالى { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } أي منكم و بلغتكم

لذا قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي و المغيرة بن شعبة لرسول كسرى: ((إن الله بعث فينا رسولاً منا نعرف نسبه و صفته و مدخله و مخرجه و صدقه و أمانته)) رواه أحمد

و هذا له حكمة لطيفة إذ كلما كان الداعية إلى الله في شرف من قومه، كان ذلك أدعى إلى استماع الناس له، فإن من عادتهم أن يزدروا بالدعاة إذا كانوا من بيئة مغمورة، أو نسب وضيع، فإذا جاءهم من لا ينكرون شرف نسبه، ولا مكانة أسرته الاجتماعية بينهم، لم يجدوا ما يقولونه عنه إلا افتراءات يتحللون بها من الاستماع إلى دعوته، والإصغاء إلى كلامه

ملحوظة: و هذه الحقائق الساطعة عقلاً و نقلاً تدفعنا للتعجب بمما نجده فى هذه الأيام المتاخرة من افلاس فكرى يتجلى من طعونات خائبة حمل لواء افكها أنصاف الأميين من حاقدى الصليبيين الذين بلغ بهم الجهل مرحلة العضال صعب البراء فيتستشهدون بروايات واهية و هم لا يفقهون فيضربون بعضها ببعض ظناً منهم انهم انها تصل الى الطعن فى نسب سيد الخلق ، و كأن بنى هاشم و قريشاً و مضر النسابة نسوا او غفلوا عما يطعن به هؤلاء القوم الذين يتباهون بعبادة اله بشرى هو ابن زنا فى اربع طبقات ولا حول ولا قوة الا بالله)



أية حادثة الفيــــــــــــــل
و هى أية عظيمة و إرهاص باهر خادته أيات القرأن الخكيم فى سورة تحمل اسم الفيل
فقال تعالى ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)))

قال ابن كثير:
[هَذِهِ مِنْ النِّعَم الَّتِي اِمْتَنَّ اللَّه بِهَا عَلَى قُرَيْش فِيمَا صَرَفَ عَنْهُمْ مِنْ أَصْحَاب الْفِيل الَّذِينَ كَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى هَدْم الْكَعْبَة وَمَحْو أَثَرهَا مِنْ الْوُجُود فَأَبَادَهُمْ اللَّه وَأَرْغَمَ آنَافهمْ وَخَيَّبَ سَعْيهمْ وَأَضَلَّ عَمَلهمْ وَرَدَّهُمْ بِشَرِّ خَيْبَة وَكَانُوا قَوْمًا نَصَارَى وَكَانَ دِينهمْ إِذْ ذَاكَ أَقْرَب حَالًا مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ قُرَيْش مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان وَلَكِنْ كَانَ هَذَا مِنْ بَاب الْإِرْهَاص وَالتَّوْطِئَة لِمَبْعَثِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْعَام وُلِدَ عَلَى أَشْهَر الْأَقْوَال , وَلِسَان حَال الْقُدْرَة يَقُول : لَمْ نَنْصُرْكُمْ يَا مَعْشَر قُرَيْش عَلَى الْحَبَشَة لِخَيْرِيَّتِكُمْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ صِيَانَة لِلْبَيْتِ الْعَتِيق الَّذِي سَنُشَرِّفُهُ وَنُعَظِّمهُ وَنُوَقِّرهُ بِبَعْثَةِ النَّبِيّ الْأُمِّيّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَم الْأَنْبِيَاء
وَأَرْسَلَ أَبَرْهَة يَقُول لِلنَّجَاشِيِّ إِنِّي سَأَبْنِي كَنِيسَة بِأَرْضِ الْيَمَن لَمْ يُبْنَ قَبْلهَا مِثْلهَا فَشَرَعَ فِي بِنَاء كَنِيسَة هَائِلَة بِصَنْعَاء رَفِيعَة الْبِنَاء عَالِيَة الْفِنَاء مُزَخْرَفَة الْأَرْجَاء سَمَّتْهَا الْعَرَب الْقُلَّيْس لِارْتِفَاعِهَا لِأَنَّ النَّاظِر إِلَيْهَا تَكَاد تَسْقُط قَلَنْسُوَته عَنْ رَأْسه مِنْ اِرْتِفَاع بِنَائِهَا وَعَزَمَ أَبَرْهَة الْأَشْرَم عَلَى أَنْ يَصْرِف حَجّ الْعَرَب إِلَيْهَا كَمَا يُحَجّ إِلَى الْكَعْبَة بِمَكَّة وَنَادَى بِذَلِكَ فِي مَمْلَكَته فَكَرِهَتْ الْعَرَب الْعَدْنَانِيَّة وَالْقَحْطَانِيَّة ذَلِكَ وَغَضِبَتْ قُرَيْش لِذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى قَصَدَهَا بَعْضهمْ وَتَوَصَّلَ إِلَى أَنْ دَخَلَهَا لَيْلًا فَأَحْدَثَ فِيهَا وَكَرَّ رَاجِعًا فَلَمَّا رَأَى السَّدَنَة ذَلِكَ الْحَدَث رَفَعُوا أَمْره إِلَى مَلِكهمْ أَبَرْهَة وَقَالُوا لَهُ إِنَّمَا صَنَعَ هَذَا بَعْض قُرَيْش غَضَبًا لِبَيْتِهِمْ الَّذِي ضَاهَيْت هَذَا بِهِ فَأَقْسَمَ أَبَرْهَة لَيَسِيرَنَّ إِلَى بَيْت مَكَّة وَلَيُخَرِّبَنَّهُ حَجَرًا حَجَرًا .


وَكَانَ عَبْد الْمُطَّلِب رَجُلًا جَسِيمًا حَسَن الْمَنْظَر . وَنَزَلَ أَبَرْهَة عَنْ سَرِيره وَجَلَسَ مَعَهُ عَلَى الْبِسَاط وَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ مَا حَاجَتك ؟ فَقَالَ لِلتُّرْجُمَانِ إِنَّ حَاجَتِي أَنْ يَرُدّ عَلَيَّ الْمَلِك مِائَتَيْ بَعِير أَصَابَهَا لِي فَقَالَ أَبَرْهَة لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ لَقَدْ كُنْت أَعْجَبْتنِي حِين رَأَيْتُك ثُمَّ قَدْ زَهِدْت فِيك حِين كَلَّمْتنِي أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِير أَصَبْتهَا لَك وَتَتْرُك بَيْتًا هُوَ دِينك وَدِين آبَائِك قَدْ جِئْت لِهَدْمِهِ لَا تُكَلِّمنِي فِيهِ ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمُطَّلِب إِنِّي أَنَا رَبّ الْإِبِل وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ . قَالَ مَا كَانَ لِيَمْتَنِع مِنِّي قَالَ أَنْتَ وَذَاكَ وَيُقَال إِنَّهُ ذَهَبَ مَعَ عَبْد الْمُطَّلِب جَمَاعَة مِنْ أَشْرَاف الْعَرَب فَعَرَضُوا عَلَى أَبَرْهَة ثُلُث أَمْوَال تِهَامَة عَلَى أَنْ يَرْجِع عَنْ الْبَيْت فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَرَدَّ أَبَرْهَة عَلَى عَبْد الْمُطَّلِب إِبِله وَرَجَعَ عَبْد الْمُطَلِّب إِلَى قُرَيْش فَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّة وَالتَّحَصُّن فِي رُءُوس الْجِبَال تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرَّة الْجَيْش ثُمَّ قَامَ عَبْد الْمُطَّلِب فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة وَقَامَ مَعَهُ نَفَر مِنْ قُرَيْش يَدْعُونَ اللَّه وَيَسْتَنْصِرُونَ عَلَى أَبَرْهَة وَجُنْده فَقَالَ عَبْد الْمُطَّلِب وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة : لَاهُمَّ إِنَّ الْمَرْء يَمْ نَع رَحْلَهُ فَامْنَعْ رِحَالك لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ وَمِحَالُهُمْ أَبَدًا مِحَالَك]

الإرهاصات بعظمة شأنه من شهادات معاصريه

1)) وروى ابن إسحاق عن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له : ((يا رسول الله أخبرنا عن نفسك . قال : نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام)) (صحيح السيرة النبوية للألبانى- و كذلك فى السلسلة الصحيحة 1545 )


2)) وروى محمد بن إسحاق عن حسان بن ثابت قال :
((والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة ب ( يثرب ) : يا معشر يهود حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له : ويلك مالك ؟ قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به))
.
وروى أبو نعيم ومحمد بن حيان عن أسامة بن زيد قال : قال زيد بن عمرو بن نفيل :
((قال لي حبر من أحبار الشام : قد خرج في بلدك نبي أو هو خارج قد خرج نجمه فارجع فصدقه واتبعه)) (صحيح السيرة للالبانى)

3)) كانت تعرف في رسول الله النجابة من صغره، وتلوح على محياه مخايل الذكاء الذي يحببه إلى كل من رآه، فكان إذا أتى الرسول وهو غلام جلس على فراش جده، وكان إذا جلس عليه لا يجلس معه على الفراش أحد من أولاده (أعمام الرسول)، فيحاول أعمامه انتزاعه عن الفراش، فيقول لهم عبد المطلب: دعوا ابني، فوالله إن له لشأنًا.( سيرة ابن هشام 1/168

4))حادثة الراهب بحيرا:
و فيها خرج أبو طالب إلى الشام ومعه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب ـ يعني بحيرا ـ هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت ، قال : فنزل وهو يحلون رحالهم فجعل يتخللهم حتى جاء وأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : هذا سيد العالمين ـ زاد البيهقي : ورسول رب العالمين ابتعثه الله رحمة للعالمين ـ فقال له أشياخ قريش : وما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من الثنية لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه ،
و فى رواية أبى موسى الأشعرى أن بحيرا قد تفرس فيه عليه السلام ورأى معالم النبوة في وجهه وبين كتفيه ، فلما سأل أبا طالب : ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابني ، قال : ما ينبغي أن يكون أبوه حيا ! قال : فإنه ابن أخي مات أبوه وأمه حبلى به . قال صدقت ، ارجع به إلى بلدك واحذر عليه يهود

عصمته من أمور الجاهلية صلى الله عليه و سلم

لم يشارك عليه الصلاة والسلام أقرانه من شباب مكة في لهوهم ولا عبثهم، وقد عصمه الله من ذلك، ولم يشارك قومه في عبادة الأوثان، ولا أكل شيئا مما ذبح لها، ولم يشرب خمرا، ولا لعب قمارا، ولا عرف عنه فحش في القول، أو [قبحٌ] في الكلام.

عن أنس بن مالك؛ ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان. فأخذه فصرعه فشق عن قلبه. فاستخرج القلب. فاستخرج منه علقة. فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم. ثم لأمه. ثم أعاده في مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعني ظئره) فقالوا:إن محمدا قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره)).
(رواه مســـــــــــلم)

{عن ‏ ‏جابر بن عبد الله ‏ ‏يقول ‏ لما بنيت ‏ ‏الكعبة ‏ ‏ذهب النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وعباس ‏ ‏ينقلان حجارة فقال ‏ ‏عباس ‏ ‏اجعل ‏ ‏إزارك ‏ ‏على رقبتك من الحجارة ففعل ‏ ‏فخر ‏ ‏إلى الأرض ‏ ‏وطمحت ‏ ‏عيناه إلى السماء ثم قام فقال ‏ ‏إزاري ‏ ‏إزاري ‏ ‏فشد عليه ‏ ‏إزار}
مسند أحمد و كذا رواه الشيخان

فهذا الحديث أيضاً يشهد لرسول الله صلى الله عليه و سلم أن ربه تعالى عصمه من عادات الجاهلية السيئة

و يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء إلا ليلتين كلتاهما عصمني الله عز وجل فيهما قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاء غنم أهلها فقلت لصاحبي أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة أسمر فيها كما يسمر الفتيان فقال بلى قال فدخلت حتى جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالغرابيل والمزامير فقلت ما هذا قالوا تزوج فلان فلانة فجلست أنظر وضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال ما فعلت فقلت ما فعلت شيئا ثم أخبرته بالذي رأيت ثم قلت له ليلة أخرى أبصر لي غنمي حتى أسمر ففعل فدخلت فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة فسألت فقيل نكح فلان فلانة فجلست أنظر وضرب الله أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال ما فعلت فقلت لا شيء ثم أخبرته الخبر فوالله ما هممت ولا عدت بعدهما لشيء من ذلك حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته ))

رواه الطبرى و غيره و صححه الحاكم و تبعه الذهبى 287 ، و حسنه الألبانى فى المطالب العلية لابن حجر العسقلانى 4/361

وكان عليه السلام يعتزل قومه وماهم عليه من الوثنية أذ حبب الله إليه عليه الصلاة والسلام قبل البعثة بسنوات أن يخرج إلى غار حراء - يخلو فيه لنفسه ليفكر في آلاء الله، وعظيم قدرته، واستمر على ذلك حتى جاءه الوحي، ونزل عليه القرآن الكريم.
و هذا يعلمنا مدى قيمة عبادة التفكر و التدبر فى أيات الله و دلائل عظمته و وحدانيته فيجب على الداعية إلى الله أن تكون له بين الفينة والفينة أوقات يخلو فيها بنفسه، تتصل فيها روحه بالله جل شأنه، وتصفو فيها نفسه من كدورات الأخلاق الذميمة، والحياة المضطربة من حوله، ومثل هذه الخلوات تدعوه إلى محاسبة نفسه إن قصرت في خير، أو زلت في اتجاه، أو جانبت سبيل الحكمة، أو أخطأت في سبيل ومنهج أو طريق، أو انغمست مع الناس في الجدال والنقاش حتى أنسته ذكر الله والأنس به وتذكر الآخرة، وجنتها ونارها، والموت وغصصه وآلامه، ولذلك كان التهجد وقيام الليل فرضا في حق النبي صلى الله عليه وسلم، مستحبا في حق غيره، وأحق الناس بالحرص على هذه النافلة هم الدعاة إلى الله وشريعته وجنته، وللخلوة والتهجد والقيام لله بالعبودية في أعقاب الليل لذة لا يدركها إلا من أكرمه الله بها، وقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يقول في أعقاب تهجده وعبادته: نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها.
وحسبنا قول الله تبارك وتعالى مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}





سماته الخلقية و الخلقية و الظروف التى نشأ فيها




1- أنه نشأ يتيما، فقد مات أبوه عبد الله وأمه حامل به لشهرين فحسب، ولما أصبح له من العمر ست سنوات ماتت أمه آمنة فذاق صلى الله عليه وسلم في صغره مرارة الحرمان من عطف الأبوين وحنانهما، وقد كفله بعد ذلك جده عبد المطلب، ثم توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثمان سنوات، فكفله بعد ذلك عمه أبو طالب حتى نشأ واشتد ساعده، وإلى يتمه أشار القرآن الكريم بقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى:6].

و كان فى تحمله عليه السلام آلام اليتم أو العيش، وهو في صغره ما جعله أكثر إحساسا بالمعاني الإنسانية النبيلة، وامتلاءً بالعواطف الرحيمة نحو اليتامى أو الفقراء أو المعذبين، وأكثر عملا لإنصاف هذه الفئات والبر بها والرحمة لها.


2- نشأته صلى الله عليه و سلم فى بيئة صحراوية فطرية إذ أمضى السنوات الأربع الأولى من طفولته في الصحراء في بني سعد، فنشأ قوي البنية، سليم الجسم، فصيح اللسان، جريء الجنان، يحسن ركوب الخيل على صغر سنه قد تفتحت مواهبه على صفاء الصحراء وهدوئها، وإشراق شمسها ونقاوة هوائها.
فكان ذلك أدعى إلى صفاء ذهنه، وقوة عقله وجسمه ونفسه، وسلامة منطقه وتفكيره، ولذلك لم يختر الله العرب لأداء رسالة صدفة ولا عبثا، بل لأنهم كانوا بالنسبة إلى من يجاورهم من الأمم المتمدنة أصفى نفوسا، وأسلم تفكيرا، وأقوم أخلاقا، وأكثر احتمالا لمكاره الحروب في سبيل دعوة الله ونشر رسالته في أنحاء العالم
«ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم» فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ فأجاب: «وأنا رعيتها لأهل مكة على قراريط» رواه البخارى


3-وعرف عنه منذ إدراكه رجحان العقل، وأصالة الرأي، وكذلك عرف عليه الصلاة والسلام بين قومه بالصادق الأمين، واشتهر بينهم بحسن المعاملة، والوفاء بالوعد، واستقامة السيرة، وحسن السمعة،
لذلك كان أول الناس تلبية لحلف الفضول و هو الحلف الذى اجتمعت فيه قبائل قريش بعد فاجعة حرب الفجار التى انتهكت فيها حرمة الشهر الحرام، فاجتمعوا فى دار عبدالله بن جدعان لسنه و شرفه، فتعاهدوا على ألا يجدوا فى مكة مظلوا من أهلها أو غيرهم إلا نصروه حتى ترد عليه مظلمته ، بل و ظل عليه السلام مادحاً شاكراً لهذا الحلف الذى قام على الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وإن كان فى الجاهليه فقال عليه السلام (( لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت))

*و لذلك كان نعم الحكم المستأمن في حادثة وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة عندما أصاب الكعبة سيل أدى إلى تصدع جدرانها، فقرر أهل مكة هدمها وتجديد بنائها، وفعلوا، فلما وصلوا إلى مكان الحجر الأسود فيها اختلفوا اختلافا شديدا فيمن يكون له شرف وضع الحجر الأسود في مكانه، وأرادت كل قبيلة أن يكون لها هذا الشرف، واشتد النزاع حتى تواعدوا للقتال، ثم ارتضوا أن يحكم بينهم أول داخل من باب بني شيبة، فكان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا بحكمه، فلما أخبر بذلك، حل المشكلة بما رضي عنه جميع المتنازعين، فقد بسط رداءه ثم أخذ الحجر فوضعه فيه، ثم أمرهم أن تأخذ كل قبيلة بطرف من الرداء، فلما رفعوه وبلغ الحجر موضعه، أخذه ووضعه بيده، فرضوا جميعا، وصان الله بوفور عقله وحكمته دماء العرب من أن تسفك إلى مدى لا يعلمه إلا الله.( مسند الامام أحمد ، و رواه أبوداود الطيالسى عن على رضى الله عنه، و أروده الالبانى فى صحيح السيرة النبوية)


*و لذلك أيضاً رغبت خديجة رضى الله عنها في أن تعرض عليه الاتجار بمالها في القافلة التي تذهب إلى مدينة (بصرى) كل عام على أن تعطيه ضعف ما تعطي رجلا من قومها، فلما عاد إلى مكة وأخبرها غلامها ميسرة بما كان من أمانته وإخلاصه، ورأت الربح الكثير في تلك الرحلة، أضعفت له من الأجر ضعف ما كانت أسمت له، ثم حملها ذلك على أن ترغب في الزواج منه، فقبل أن يتزوجها وهو أصغر منها بخمسة عشر عاما،

*و لذا كان أفضل شهادة له بحسن خلقه قبل النبوة قول خديجة له بعد أن جاءه الوحي في غار حراء وعاد مرتعدا:
((كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل (الضعيف)، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)).(رواه البخارى)


حديــــــــث أبى سفيــــــــان


يجمع كل ما أسلفناه من شرف رسول الله و حنيفيته و أمانته و صدقه و رجاحة عقله و كرم دعوته حديث أبى سفيان رضى الله عنه مع هرقل عظيم الروم

{حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره، أن أبا سفيان بن حرب أخبره:
أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ، وكانوا تجارا بالشأم ، في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها ابا سفيان وكفار قريش ، فأتوه وهم بإيلياء ، فدعاهم في مجلسه ، وحوله عظماء الروم ، ثم دعاهم ودعا بترجمانه ،
فقال : أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟
فقال أبو سفيان : فقلت أنا أقربهم نسبا ،
فقال : أدنوه مني ، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه : قل لهم إني سائل عن هذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه ، فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه .
ثم كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟
قلت : هو فينا ذو نسب .
قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟
قلت : لا . قال : فهل كان من آبائه من ملك ؟ قلت : لا .
قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟
فقلت : بل ضعفاؤهم . قال : أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون .
قال : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟
قلت : لا .
قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
قلت : لا .
قال : فهل يغدر ؟
قلت : لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها "ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة" . (هنا يشهد ايو سفيان الصحابى الجليل أنه ما وجد جواباً واحداً يمكنه ان يدخل فيه شبهة حول رسول الله الا هذه الكلمة التى قالها فما أعظمه من نبى)
قال : فهل قاتلتموه ؟ قلت : نعم .
قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟
قلت : الحرب بيننا وبينه سجال ، ينال منا وننال منه .
قال : ماذا يأمركم ؟
قلت : يقول : اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة .
فقال للترجمان : قل له : سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها .
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ، فذكرت أن لا ، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله ، لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله .
وسألتك هل كان من آبائه من ملك ، فذكرت أن لا ، قلت : فلو كان من آبائه من ملك ، قلت رجل يطلب ملك أبيه .
وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله .
وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ، فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل ،
وسألتك أيزيدون أم ينقصون ، فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم . وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ، فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .
وسألتك هل يغدر ، فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر .
وسألتك بما يأمركم ، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ،
فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه ، لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه .
ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى ، فدفعه إلى هرقل ، فقرأه ، فإذا فيه : [بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ، و : { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون }]
قال أبو سفيان : فلما قال ما قال ، وفرغ من قراءة الكتاب ، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا ، فقلت لأصحابي حين أخرجنا : لقد أمر ابن أبي كبشة ، إنه يخافه ملك بني الأصفر
رواه البخارى - كتاب بدء الوحي. - باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فمحمد صلى الله عليه و سلم هو أعظم رجل في التاريخ بشهادة خصومه قبل أتباعه كما سيرد إن شاء الله
و قد أخرج البخاري في التاريخ الصغير عن أبي طالب:
وشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد
وقد كان اسمه أحمد كما جاءت تسميته في الكتب السابقة ، قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام:
-{ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد}.
وتسميته محمدا وقعت في القرآن؛ سمي محمدا:
- لأن ربه حمده قبل أن يحمده الناس، وفي الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس.
- ولأنه خص بسورة الحمد، وبلواء الحمد، وبالمقام المحمود.
- وشرع له الحمد بعد الأكل، والشرب، والدعاء، وبعد القدوم من السفر.
وسميت أمته الحمادين، فجمعت له معاني الحمد وأنواعه...

* * *

وأما عن صفاته الخَلقية :

فإن الله ابتعث رسوله وجيهاً جميلاً كريماً من أوسط اللبشر أجمعين اهل مشارقهم و اهل مغاربهم الأبيض منهم و الأسمر و الاصفر و الأحمر

- كان فخماً متلألأ مليحا أزهر شديد البياض جميل الوجه مشربا بحمرة مثل القمر في استدارته وجماله، ومثل الشمس في إشراقه، إذا سر يستنير ويتهلل وتنفرج أساريره
و روى البخارى أن ابن عمر قد تمثل قول أبو طالب فى رسول الله:
وأبيضُ يستسقى الغمام بوجهه *** ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأرامل


- جميل العينين طويل شعر عينه، تحسبه أكحل و ليس بأكحل
- ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد.
- عريض الصدر، ممتلىءٌ لحماً، ليس بالسمين ولا بالنحيل، مستوى البطن والظهر
- بعيد بين المنكبين و على كتفه خاتمم النبوة.
- كان عنقه صلى الله عليه وسلم كأنه إبريق فضة
- شعره حسن شديد السواد، إذا مشطه بيده تمشط ليس بالجعد ؛ وهو الشعر الذي يلتف على بعضه، ولا بالسبط؛ وهو الشعر المسترسل شديد النعومة، وإنما بين ذلك، يبلغ شعره شحمة أذنيه أحياناً و منكبيه حيناً يفرقه فرقتين من وسط الرأس،
- له لحية كثة عظيمة تملاً صدره وفي شعر رأسه ولحيته شعيرات بيض لا تبلغ العشرون.
- واسع الفم، والعرب تمدح بذلك وتذم بصغر الفم،
- يداه رحبتان كبيرتان واسعتان لينة الملمس كالحرير، يقول أنس: "ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم". متفق عليه
- قدماه عظبمتان لينة الملمس، فكان يجمع في بدنه وأطرافه بين لين الملمس وقوة العظام.
- يداه باردتان، لهما رائحة المسك يقول وائل بن حجر: " لقد كنت أصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يمس جلدي جلده، فأتعرقه بعد في يدي، وإنه لأطيب رائحة من المسك". الطبراني والبيقهي
* وعن جابر بن سمرة: "مسح رسول الله خدي، فوجدت ليده بردا أو ريحا، كأنما أخرجها من جؤنة عطار"
حتى إذا مر في طريق من طرق المدينة، وجد منه رائحة المسك، فيقال: مر رسول الله
وكان عرقه أطيب من ريح المسك، حتى قال أنس: " كأن عرقه اللؤلؤ "
وجمعت أم سليم من عرق النبي صلى الله عليه وسلم فجعلته في طيبها.
- ساقاه بيضاء، تبرقان لمعانا.
- إبطه أبيض، من تعاهده نفسه بالنظافة والتجمل.
- إذا مشى يسرع، كأنما ينحدر من أعلى، لا يستطيع أحد أن يلحق به.
- إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطقكلامه بين وسط ليس بالقليل ولا بالكثير)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، وإذا التفت التفت جميعاً لا برأسه فقط
فجمع الله له بين الجمال و الهيبة و الوقار
فقال جابر بن سمرة قال ((جعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسن من القمر)). أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي

و قال عمرو ابن العاص فى حديث وفاته عن طبقات حياته : ((وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت...الحديث))

و قال عبدالله بن سلام كبير احبار اليهود فى المدينة لما رأى رسول الله: ((نظرت فى وجهه فعلمت أنه ليس بوجه كذاب)) رواه البخارى


* * *

أما عن صفاته الخُلقية:
- فقد كان أجود الناس، أجود بالخير من الريح المرسلة.
- ما عرض عليه أمران إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما.
- أشد حياء من العذراء في خدرها.
- ما عاب طعاما قط؛ إن اشتهاه أكله وإلا تركه.
- إذا تكلم تكلم ثلاثا، بتمهل، لا يسرع ولا يسترسل، لو عد العاد حديثه لأحصاه.
- لا يحب النميمة ويقول لأصحابه: " لا يبلغني أحد عن أحد شيئا، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر".
- أشجع الناس، وأحسنهم خلقا، قال أنس: "خدمت رسول الله عشر سنين، والله ما قال لي: أفا قط. ولا لشيء فعلته: لم فعلت كذا ؟، وهلا فعلت كذا؟". مسلم
- ما عاب شيئا قط.
- ما سئل شيئا فقال: "لا" . يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
- يحلم على الجاهل، ويصبر على الأذى.
- يتبسم في وجه محدثه، ويأخذ بيده، ولا ينزعها قبله.
- يقبل على من يحدثه، حتى يظن أنه أحب الناس إليه.
- يسلم على الأطفال ويداعبهم.
- يجيب دعوة: الحر، والعبد، والأمة، والمسكين، ويعود المرضى.
- ما التقم أحد أذنه، يريد كلامه، فينحّي رأسه قبله.
- يبدأ من لقيه بالسلام.
- خير الناس لأهله يصبر عليهم، ويغض الطرف عن أخطائهم، ويعينهم في أمور البيت، يخصف نعله، ويخيط ثوبه.
- يأتيه الصغير، فيأخذ بيده يريد أن يحدثه في أمر، فيذهب معه حيث شاء.
- يجالس الفقراء.
- يجلس حيث انتهى به المجلس.
- يكره أن يقوم له أحد، كما ينهى عن الغلو في مدحه.
- وقاره عجب، لا يضحك إلا تبسما، ولا يتكلم إلا عند الحاجة، بكلام يعد يحوي جوامع الكلم، حسن السمت.
- إذا كره شيئا عرف ذلك في وجهه.
- لم يكن فاحشا، ولا متفحشا، ولا سخابا، بالأسواق، ولا لعانا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.
- لا يقابل أحدا بشيء يكرهه، وإنما يقول: (ما بال أقوام ).
- لا يغضب ولا ينتقم لنفسه، إلا إذا انتهكت حرمات الله تعالى، فينتقم لله.
- ما ضرب بيمينه قط إلا في سبيل الله.
- لا تأخذه النشوة والكبر عن النصر:
* دخل في فتح مكة إلى الحرم خاشعا مستكينا، ذقنه يكاد يمس ظهر راحلته من الذلة لله تعالى والشكر له.. لم يدخل متكبرا، متجبرا، مفتخرا، شامتا.
* وقف أمامه رجل وهو يطوف بالبيت، فأخذته رعدة، وهو يظنه كملك من ملوك الأرض، فقال له رسول الله: "هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة ".
- كان زاهدا في الدنيا:
* يضطجع على الحصير، ويرضى باليسير، وسادته من أدم حشوها ليف.
* يمر الشهر وليس له طعام إلا التمر.. يتلوى من الجوع ما يجد ما يملأ بطنه، فما شبع ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى فارق الدنيا .
- كان رحيما بأمته، أعطاه الله دعوة مستجابة، فادخرها لأمته يوم القيامة شفاعة، قال:
* ( لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني أختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا ) [البخاري]؛
ولذا قال تعالى عنه: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}

فمن كان هذا حاله ما كا ليكذب أو يُكذب حتى أن أبا جهل فرعون هذه الأمة اعترف بذلك كما فى الحديث الذى رواه الترمذي عن علي بن أبى طالب أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى فيهم: (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)
الحمد لله رب العالمين

يتبع إن شاء الله...

محب الرحمن
08-16-2007, 07:54 PM
البشارات الحسان برسول الله صلى الله عليه و سلم فى كتب اليهود و النصارى و غيرهم


تقدمـــــــــــة هامة


قبل أن نسرد البشارات الحسان العجاب برسول الله على لسان إخوانه أنبياء الله السابقين ننبه العقول و الألباب لأمر فصل يحسم فى مضمونه مراء اهل الكتاب و إنكارهم أن تكون كتبهم تحوى بشارات بمخرج سيد ولد أدم صلى الله عليه و أله و سلم


أولاً:

نصدر مقالنا بنقل كلامٍ موفق سديد من شيخ الإسلام العلامة الفهامة ابن القيم رحمة الله عليه فيقول :
[إنه من الممتنع أن تخلو الكتب المتقدمة عن الإخبار بهذا الأمر العظيم الذي لم يطرق العالم من حين خلق إلى قيام الساعة أمر أعظم منه ولا شأن أكبر منه ، فإنه قلب العالم وطبق مشارق الأرض ومغاربها ، واستمر على العالم على تعاقب القرون وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ومثل هذا النبأ العظيم لا بد أن تتطابق الرسل على الإخبار به.
وإذا كان الدجال رجل كاذب يخرج في آخر الزمان وبقاؤه في الأرض أربعين يوماً قد تطابقت الرسل على الإخبار به وأنذر به كل نبي قومه من نوح إلى خاتم الرسل فكيف تتطابق الكتب الإلهية من أولها إلى آخرها على السكوت عن الإخبار بهذاالأمر العظيم الذي لم يطرق العالم أمر أعظم منه ولا يطرقه أبداً.
هذا ما لا يسوغه عقل عاقل وتأباه حكمة أحكم الحاكمين ، بل الأمر بضد ذلك ، وما بعث الله سبحانه نبيا إلا أخذ عليه الميثاق بالإيمان بمحمد وتصديقه ، كما قال تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ، قال ابن عباس : ما بعث الله من نبي إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتابعنه.]

و تالله إنه لكلام يساغ بماء الذهب و يلجم الكافر المجادل و يبهته فلا يستطيع أن يرد جواباً إذ إنشغلوا بالنفى النقلى فألزمهم شيخنا بالإثبات العقلى و النقلى


ثانياً :

نذكر الباحث المنصف بحقيقة هامة فى غاية الخطورة و هى أن كتب أهل الكتاب لا تنفى خروج نبى بعد المسيح بالعكس فقد وردت النصوص الإنجيلية لتؤكد إمكانية خروج نبى بعد المسيح عليه السلام و منها
قول المسيح عليه السلام: ((احترزوا من الانبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة.16 من ثمارهم تعرفونهم.هل يجتنون من الشوك عنبا او من الحسك تينا.17 هكذا كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدة.واما الشجرة الردية فتصنع اثمارا رديّة.18 لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثمارا رديّة ولا شجرة رديّة ان تصنع اثمارا جيدة.19 كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار)). (متى 7: 15-19)

و قول صاحب رسالة يوحنا: (( أيها الاحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الارواح هل هي من الله لان انبياء كذبة كثيرين قد خرجوا الى العالم.2 بهذا تعرفون روح الله.كل روح يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فهو من الله)).(رسالة يوحنا الاولى 4: 1-2)

- فبتأمل هذه النصوص نجد الأقوال المنسوبة للمسيح و ليوحنا لا تنفى خروج نبى صادق بل بالعكس تحذر من الأنبيا الكذبة ثم تضع معايير للتمييز بين النبى الصادق و الكاذب ، فلو أن كل نبى ياتى بعد المسيح يكون كذاباً لما قال من ثمارهم تعرفونهم ثم يسهب فى بيان ان النبى الصادق تكون له ثمرة طيبة- و هذا سنتناوله بأذن الله حين نبحث باب الأثر الباهر الذى تركه رسول الله و بناءه للأمة- و لقال المسيح صراحة كل من سياتى بعدى سيكون كاذباً كما قال رسول الله ( و إنه لا نبى بعدى)

-و أيضاً يوحنا يأمر باختبار الأرواح أى الأنبياء لمعرفة الصادق من الكاذب
بل نلاحظ هنا سبحان الله أن يوحنا جعل مقياس النبى الصادق هو الذى يومن بيسوع المسيح ، و نحن معشر المسلمين نؤمن بالفعل ان ابن مريم الناصرى هو المسيح بل و من أولى العزم من الرسل

ملحوظة:و أما قوله أنه قد جاء فى الجسد فهذا تأكيد على بشريته ، فهنا نلاحظ امرين:

أ- أن هذا هو عين ما نؤمن به حين ينفى القرأن الوهية المسيح مركزاً على حقيقتة كبشر له جسد و وظائف جسدية لا تليق بالإله الكامل لكل ذى لب فقال تعالى ((َّما الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ))

و النص فى يوحنا لم يقل أن الله جاء فى الجسد و إنما ان يسوع المسيح قد جاء فى الجسد يعنى تأكيد بشريته و هذا ما يؤكده العودة لمعنى عبارة جاء فى الجسد حسب قواميس الكتاب المقدس أيضاً
يقل الدكتور شريف حمدى:

أولا كلمة " جاء " come

يقول قاموس strong التابع لبرنامج e-sword
G2064
ἔρχομαι
erchomai
er'-khom-ahee
Middle voice of a primary verb (used only in the present and imperfect tenses, the others being supplied by a kindred [middle voice] word, ἐλεύθομαι eleuthomai or ἔλθω elthō; which do not otherwise occur); to come or go (in a great variety of applications, literally and figuratively): - accompany, appear, bring, come enter, fall out, go, grow, X light, X next, pass, resort, be set.


الكلمة تحتمل معنى جاء ومعاني أخرى ويتضح المعنى من السياق لا من العقائد الملفقة..

و عبارة "جاء فى الجسد"
G4561
σάρξ
sarx
sarx
Probably from the base of G4563; flesh (as stripped of the skin), that is, (strictly) the meat of an animal (as food), or (by extension) the body (as opposed to the soul (or spirit), or as the symbol of what is external, or as the means of kindred, or (by implication) human nature (with its frailties (physically or morally) and passions), or (specifically) a human being (as such): - carnal (-ly, + -ly minded), flesh ([-ly]).


الله أكبر.... معناها human being........إنسان


و هذا معناه أن الترجمة الصحيحة...
و يظهر ذلك جلياً فى بعض ترجمات الكتاب المقدس كترجمة cev و التى فيها:
1Jo 4:2 ((and you can know which ones come from God. His Spirit says that Jesus Christ had a truly human body

ب- المفجأة الكبرى أن جملة (المسيح انه جاء فى الجسد) غير اصليه ومضافه لانها غير موجوده فى المخطوطات السينائيه والفاتيكانيه والسكندريه وغيرها ، اضافة الى السريانيه والقبطيه والعربيه والارمينيه والحبشيه و الفولجات
ومن كتابات الاباء ، اوريجين وايرينايوس وكيريل وغيرهم
وحذفها العلماء جرايسباخ وويستكوت وهورت ونيستل والاند وتشايندروف وتريجلز من النص نهائيا
فتصبح الجمله (وكل روح لا يعترف بيسوع فليس من الله )
الله أكبر أليس المسلمون أولى الناس بعيسى تقديراً و حباً و إيماناً به؟!


ثالثاً:

اعلم و تنبه أرشدك الله أن النبى صلى الله عليه و أله و سلم جعل الإخبار به من أعظم أدلة صدقه وصحة نبوته ، وهذا يستحيل أن يصدر إلا من واثق كل الوثوق بذلك وأنه على يقين جازم به.

قال ابن القيم: [ إنه صلى الله عليه و سلم أخبر بهذا لأعدائه من المشركين الذين لا كتاب عندهم وأخبر به لأعدائه من أهل الكتاب وأخبر به لأتباعه ، فلو كان هذا باطلا لا صحة له ، لكان ذلك تسليطاً للمشركين أن يسألوا أهل الكتاب فينكرون ذلك وتسليطاً لأهل الكتاب على الإنكار وتسليطاً لأتباعه على الرجوع عنه والتكذيب له بعد تصديقه ، وذلك ينقض الغرض المقصود بإخباره من كل وجه ، وهذا لا يصدر من عاقل ولا مجنون، فهذه الوجوه يعلم بها صدق ما أخبر به وإن لم يعلم وجوده من ير جهة إخباره ، فكيف وقد علم وجود ما أخبر به؟ ]

رابعاً :

اعلم أن المؤمنين به من الأحبار والرهبان من لدن رسول الله إلى يومنا هذا الذي آثروا الحق على البالط صدقوه في ذلك وشهدوا له بما قال.. و ذكر ذلك الامر القرأن العظيم ليكون حجة على أهل الكتاب ، وقد شهد للنبى صلى الله عليه و سلم عدولهم و سادتهم فلا يقدح جحد الكفرة الكاذبين المعاندين بعد ذلك ،

قال تعالى(( : ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)) .

وقال تعالى ((قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)) .

وقال تعالى (( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب)) .

وقال تعالى : ((ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين)) .

وقال تعالى : ((الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون)) .

و قال تعالى (( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا . ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا))
و لنذكر نماذج مما وقع من ذلك فى حياة رسول الله منها:

1) جهر اليهود بخروج نجم النبى صلى الله عليه و سلم يوم ولد، و هذا سبق بيانه فى البحث المنصرم

2) تفرس بحيرا الراهب به و اخباره انه سيد العالمين ، و هذا أيضاً سبق ذكره

3) إعتراف هرقل برسول الله كما فى حديث أبى سفيان فى البخارى : ((إن يكن ما تقول حقاً إنه لنبي ، وقد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أكن أظنه منكم ، ولو أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي))

4) مجىء سلمان الفارسى إلى جزيرة العرب بعد أن بحث عن الحق و علم من أحبار النصارى فى بلاده أن نبى اخر الزمان يخرج فى أرض العرب و علم صفته و مخرجه و ضحى بوطنه و ماله بل و سقط فى الرق فى سبيل شهادة النبى إلى ان اعتقه رسول الله صلى الله عليه و سلم بمباركة غريبة فى مال أعطاه اياه

و الخبر بسياقه المطول رواه أحمد في المسند (5/441) وقال المحققون : إسناده حسن

5) إيمان النجاشى ملك الحبشة بالنبى و إسلامه لله و حمايته للمؤمنين المهاجرين لما علم من خبر النبى عليه الصلاة و السلام

كتاب السيرة النبوية، الجزء 2، صفحة 185 و صحيح البخاري -كتاب المناقب – باب موت النجاشي

و كذا إسلام وفد القساوسة الذين أرسلهم إلى رسول الله و نزلت بشأنهم أيات تخلد إيمانهم فى سورة المائدة


6) إسلام عدى ابن حاتم الطائى الشهير و هذا أورده الإمام أحمد و الترمذي و الحاكم وغيرهم. حيت أُتى بها إلى النبى وجلست بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما يفرك أن تقول لا إله إلا الله ؟ فهل تعلم من إله سوى الله قال: قلت لا ، ثم تكلم ساعة، ثم قال: ما يفرك أن يقال الله تعالى أكبر وتعلم أن شيئاً أكبر من الله ؟ قال: قلت لا..

7) إيمان عبدالله بن سلام ، إذ روى البخاري في صحيحه
عن أنس بن مالك قال: (( أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فقالوا : جاء نبي الله ن فاستشرقوا ينظرون ، إذ سمع به عبد اله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم فيها فجاء وهي معه، فسمع من نبي الل صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله ، فلما خلي نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام ، فقال أشهد أنك نبي الله حقاً وأنك جئت بالحق ، ولقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في.
فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم إليهم فدخلوا عليه ، فقال لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم يا معشر اليهود ويلكم ! اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً ، وأني جئتكم بحق ، أسلموا ، قالوا : ما نعلمه ، فأعادها عليهم ثلاثاً وهم يجيبونه كذلك ، قال : أي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا ، قال : أفرأيتم إن أسلم؟ ، قالوا حاش لله ما كان ليسلم ، فقال : يا ابن سلام أخرج عليهم قال : فخرج عليهم فقال : يا معشر اليهود ويلكم ، اتقوا الله ! فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقاً ، وأنه جاء بالحق ، فقالوا كذبت ، فأخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم.
قالوا : شرنا وابن شرنا . وانتقصوه ، قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله))

وروى أحمد والبخاري عن عطاء بن يسار قال :
((لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت : أخبرني عن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . فقال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا)) .

8) خبر السيدة صفية /ذكر ابن اسحاق عن عبد الله بن ابي بكر ، قال : حدثت عن صفية بن حيي انها قالت : ((كنت احب ولد ابي اليه والى عمي ابي ياسر فما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة غدوا عليه ثم جاءا من العشى ، فسمعت عمي يقول لابي اهو هو قال : نعم والله ، قال اتعرفه وتثبته ، قال نعم، قال : فما في نفسك منه ، قال عدواته والله ما بقيت)).

فأهل الكتاب فى المدينة قاطبة كانو ينتظرون رسول الله صلى الله عليه و سلم و كانو يقولون ( اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس) أورد0 الحاكم و ابن اسحق و غيرهما

و لكنهم جحدوه حسداً و تكبراً على اصطفاء الله و مشيئته و هذا مصداق قوله تعالى:
((وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ))

((الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون))
يتبع إن شاء الله ...

محب الرحمن
08-16-2007, 07:55 PM
سرد البشارات



نتناول بعون الله فى هذا المبحث الهام بعض البشارات - و ليس كلها- إذ أن البشارات برسول الله صلى الله عليه و سلم فى كتب السابقين تبلغ العشرات بل المئات فلن يسع المقام لسطرها جميعاً و أسأل الله أن تعى هذه العجائب عقول الباحثين عن سبيل الله



النبوءات الواردة عن إسماعيل جد رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذريته



*بركة الله تعالى لاسماعيل ( مادماد)



نقرأ فى سفر بشرى الله تعالى لإبراهيم فى ولده إسماعيل على النحو الأتى
((وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً، اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة )) تكوين 12: 2

يقول الدكتور منقذ السقار: [وإذا عدنا إلى النصوص العبرية القديمة التي تحدثت عن إسماعيل نجد النص كالتالي " وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً (بماد ماد) اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة (لجوى جدول). (التكوين 12/2) فكلمتي (ماد ماد) و (لجوى جدول) هما رمزان وضعا بدل اسم النبي صلى الله عليه وسلم، فكلمة (ماد ماد) - حسب حساب الجمّل الذي يهتم به اليهود ويرمزون به في كتبهم ونبوءاتهم تساوي 92، ومثله كلمة " لجوى جدول " وهو ما يساوي كلمة " محمد"

وكان السمؤل- أحد أحبار اليهود المهتدين إلى الإسلام- قد نبه إلى ذلك، ومثله فعل الحبر المهتدي عبد السلام في رسالته " الرسالة الهادية" . ]

* بشارة الملاك جبرائيل لهاجر

جاءت البشارة فى سفرالتكوين16: 11-12
((فَوَجَدَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ عَلَى عَيْنِ الْمَاءِ فِي الْبَرِّيَّةِ عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي فِي طَرِيقِ شُورَ. 8وَقَالَ : يَا هَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِين؟. فَقَالَتْ : أَنَا هَارِبَةٌ مِنْ وَجْهِ مَوْلاَتِي سَارَايَ. 9فَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: ارْجِعِي إِلَى مَوْلاَتِكِ وَإخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا. 10وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ : تَكْثِيراً أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ. وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ : هَا أَنْتِ حُبْلَى فَتَلِدِينَ إبْناً وَتَدْعِينَ إسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ. وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ))

قال العلامة ابن القيم :- [ و من المعلوم أن يد بنى إسماعيل قبل محمد (صلى الله عليه و سلم) لم تكن فوق يد بنى إسحاق بل كان فى أيدى بنى إسحاق النبوة و الكتاب و الملك إلى أن بعث الله محمدا (صلى الله عليه و سلم) برسالته و أكرمه بنبوته فصارت بمبعثه يد بنى إسماعيل فوق الجميع و قهروا اليهود و النصارى و المجوس و الصابئة و عباد الأصنام]

إعتراضات اهل الكتاب و تفنيدها بالردود المفحمة

الإعتراض الأول :

قال أهل الكتاب : "نحن لا ننكر هذا و لكن هذه بشارة بملكه و ظهوره و قهره لا بنبوته و رسالته" .

و هذا أجابه العلامة ابن القيم فى رد مفحم: [ الملك ملكان ملك ليس معه نبوة بل هو ملك جبار متسلط و ملك نفسه نبوة و البشارة لم تقع بالملك الأول و لا سيما إن إدعى صاحبه النبوة و الرسالة و هو كاذب مفتر على الله فهو من شر الخلق و أفجرهم و أكفرهم فهذا لا تقع البشارة بملكه و مباركته و إنما يقع التحذير من فتنته كما وقع التحذير من فتنة الدجال بل هذا شر من سنحاريب و نبوختنصر و الملوك الظلمة الفجرة الذين يكذبون على الله فالأخبار لا تكون بشارة و لا يفرح بها إبراهيم و هاجر , و لا بشر أحد بذلك و لا يكون ذلك إثابة لها من خضوعها و ذلها و أن الله قد سمع ذلك و يعظم هذا المولود و يجعله أمة عظيمة و هذا عند الجاحدين بمنزلة أن يقال : إنك ستلدين جبارا ظالما طاغيا يقهلا الناس بالباطل و يبدل دين الأنبياء و يكذب على الله و نحو ذلك! فمن حمل هذه البشارة على هذا فهو من أعظم الخلق بهتانا و فرية على الله]

الإعتراض الثانى:

قال اهل الكتاب الوعد جعله الرب لبنى إسحق أبدياً كما نص عليه الكتاب المقدس فقال عن إسحق
((فقال الله: بل سارة امرأتك تلد لك ابناً، وتدعو اسمه إسحاق. وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً، لنسله من بعده... ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية)) (التكوين 17/19-21)

و جواب ذلك من وجوه:

أولا:
أن كلمة إلى الأبد لا تعنى بالضرورة السرمدية و إنما تعنى طول الأمد

يقول الدكتور منقذ السقار:
[فقد فهموا من كلمة (أبدياً) أن العهد لبني إسرائيل إلى يوم القيامة، وأنه غير مشروط ولا متعلق بصلاحهم وانقيادهم لأمر الله.
لكن كلمة الأبد لا تعني بالضرورة الاستمرار إلى قيام الساعة، بل تعني طول الفترة فحسب، ومثل هذا الاستخدام معهود في التوراة،

يقول سفر الملوك: ((فبرص نعمان يلصق بك وبنسلك إلى الأبد))(ملوك (2) 5/27)،
فالأبد هنا غير مقصود، وإلا لزم أن نرى ذريته اليوم أمة كبيرة تتوالد مصابة بالبرص.

وفي سفر الأيام((وقال لي: إن سليمان ابنك، هو يبني بيتي ودياري، لأني اخترته لي ابناً، وأنا أكون له أباً، وأثبت مملكته إلى الأبد))(الأيام (1)28/6)،
وقد انتهت مملكتهم منذ ما يربو على 2500 سنة على يد بختنصر البابلي، فالمراد بالأبدية الوقت الطويل فحسب.

ووقتَّ سفر التثنية الأبدية بما يساوي عشرة أجيال، فقال: ((لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر، لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد، من أجل أنهم لم يلاقوكم بالخبز والماء)) (التثنية 33/3-4)،
فالجيل الحادي عشر للمؤابي غير محروم من جماعة الرب، وهو دون الأبد والقيامة.

ومثله قول دانيال لنبوخذ نصر: ((فتكلم دانيال مع الملك: يا أيها الملك عش إلى الأبد)) (دانيال 6/21)، أي عش طويلاً.

وعليه نقول: إن العهد قد بدأ بإسحاق، وهو وعد أبدي متطاول إلى أجيال بعيدة، وهو ما تم حين بعث الله النبيين في بني إسرائيل، وأرسل إليهم الكتب، وأيدهم بسلطانه وغلبته على الأمم التي جاورتهم، وأقام لهم مملكة ظافرة إلى حين.]

ثانياً:
أن وعد الله تبارك و تعالى و هو الحكم الحكيم ليس متعلقاً بجنس أو سلالة و إنما مشروط بصلاح الموعود ، فلا يقول عاقل بأن أمة كفرت ربها و قست قلوبها و قتلت رسلها يظل لها الوعد بمجرد أنهم ينحدرون من إسحق عليه السلام

لذا قال تعالى { وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين }(الصافات: 113).

و قال عز و جل { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً }

و قال عز و جل { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } (البقرة: 124).

يقول الدكتور منقذ : [وهذا يتفق مع العقل و أيضاً مع ما جاء في التوراة التي نصت على أن العهد والاصطفاء مشروط بالعمل الصالح، والبركة التي أُعطيها إبراهيم إنما هي بسبب عمله الصالح،
"تتبارك في نسلك جميع أمم الأرض، من أجل أن إبراهيم سمع لقولي، وحفظ ما يحفظ لي أوامري وفرائضي وشرائعي" (التكوين 26/4).

وتتوالى البركة في ذريته وفق هذا الشرط "سر أمامي وكن كاملاً فأجعل عهدي .. " (التكوين 17/1 - 2)،

وكما قال عنه وعن ذريته المباركة: "إبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية، ويتبارك به جميع أمم الأرض، لأني عرفته، لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب، ليعملوا براً وعدلاً، لكي يأتي الرب لإبراهيم بما تكلم به " (التكوين 18/18 – 19)،

فالعمل بوصايا الله هو سبب هذه البركة، وقد قال الله لإبراهيم: "ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض، من أجل أنك سمعت لقولي" (التكوين 22/18).

ووفق هذا الشرط كانت البركة والعهد لأبناء لاوي " إني أرسلت إليكم هذه الوصية، لكون عهدي مع لاوي قال رب الجنود. كان عهدي معه للحياة والسلام، وأعطيته إياهما للتقوى، فاتقاني، ومن اسمي ارتاع هو، شريعة الحق كانت في فيه، وإثم لم يوجد في شفتيه، سلك معي في السلام والاستقامة، وأرجع كثيرين عن الإثم " (ملاخي 2/4-7).

فبركة الله إنما تكون للصالحين، ولعنته هي نصيب الكافرين، كما قال الله لموسى: " انظر. أنا واضع أمامكم اليوم بركة ولعنة، البركة إذا سمعتم لوصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها اليوم، واللعنة إذا لم تسمعوا لوصايا الرب إلهكم وزغتم عن الطريق التي أنا أوصيكم بها اليوم، لتذهبوا وراء آلهة أخرى لم تعرفوها" (التثنية 11/26-28).

كما قال الله له أيضاً: ((فاحفظ الوصايا والفرائض والأحكام التي أنا أوصيك اليوم لتعملها، ومن أجل أنكم تسمعون هذه الأحكام وتحفظون وتعملونها، يحفظ لك الرب إلهك العهد والإحسان اللذين أقسم لآبائك، ويحبك ويباركك ويكثرك، ويبارك ثمرة بطنك وثمرة أرضك )) (التثنية 7/11-13)، و(انظر: التثنية 28/1-68)
وهكذا فالبركة مشروطة بطاعة الله والاستقامة على دينه، فإذا ما نكَل بنو إسرائيل عنها حاقت عليهم اللعنة والبوار

و لقد ثبت كفر بنى إسرائيل و قساوة قلوبهم فى نصوص كثيرة على لسان أنبياء متعاقبين كما ثبت انتقال النبوة منهم بنصوص صريحة

1- بيان قسوة و كفر و إنحلال بنى أسرائيل على لسان الأنبياء:
قال موسى عليه السلام لهم : ((إنهم أمة عديمة الرأي ولا بصيرة فيهم، لو عقلوا لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم)) (التثنية 32/28).

وقال: "((جيل أعوج ملتو، ألرب تكافئون بهذا يا شعباً غبياً غير حكيم؟)) (التثنية 32/5-6).

وكذا قال النبي إيليا: (( قد غِرت غيرة للرب إله الجنود، لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف، فبقيت أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي ليأخذوها)) (الملوك (1) 19/10).

وكذا كان وصف الله لهم في سفر النبي حزقيال: ((وقال لي: يا ابن آدم، أنا مرسلك إلى بني إسرائيل، إلى أمة متمردة قد تمردت عليّ، هم وآباؤهم عصوا عليّ إلى ذات هذا اليوم. والبنون القساة الوجوه، والصلاب القلوب، أنا مرسلك إليهم، فتقول لهم: هكذا قال السيد الرب، وهم إن سمعوا وإن امتنعوا. لأنهم بيت متمرد. فإنهم يعلمون أن نبياً كان بينهم، أما أنت يا ابن آدم فلا تخف منهم، ومن كلامهم لا تخف ... وأنت ساكن بين العقارب، من كلامهم لا تخف، ومن وجوههم لا ترتعب، لأنهم بيت متمرد، وتتكلم معهم بكلامي، إن سمعوا، وإن امتنعوا، لأنهم متمردون)) (حزقيال 2/3-8).

وكذا قال عنهم النبي إشعيا: ((اسمعي أيتها السماوات وأصغي أيتها الأرض، لأن الرب يتكلم، ربيت بنين ونشأتهم، أما هم فعصوا عليّ، الثور يعرف قانيه، والحمار معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف، شعبي لا يفهم، ويل للأمّة الخاطئة، الشعب الثقيل الإثم، نسل فاعلي الشر، أولاد مفسدين، تركوا الرب، استهانوا بقدوس إسرائيل، ارتدوا إلى وراء، على أي موضع تضربون بعد.تزدادون زيغاناً، كل الرأس مريض، وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس، ليس فيه صحة، بل جرح وإحباط، وضربة طرية لم تعصر، ولم تعصب، ولم تلين بالزيت)) (إشعيا 1/1- 6).

وما يزال غضب الله بهم حتى رفع البركة عنهم، وأحلّهم غضبه وانتقامه ولعناته (( والآن إليكم هذه الوصية أيها الكهنة، إن كنتم لا تسمعون ولا تجعلون في القلب لتعطوا مجداً لاسمي، قال رب الجنود: فإني أرسل عليكم اللعن، وألعن بركاتكم، بل قد لعنتها، لأنكم لستم جاعلين في القلب، ها أنا ذا أنتهر لكم الزرع وأمدّ الفرث على وجوهكم))(ملاخي 2/1-3).

ولما جاء المسيح نادى أورشليم: " يا قاتلة الأنبياء " (متى 13/37)، لكثرة مَن قتلوا على ثراها من أنبياء الله الكرام.

وقال المسيح وهو يخاطب جموعهم: (( ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون .. ويل لكم أيها القادة العميان .. أيها الجهال والعميان .. أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم، لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون، ومنهم تجلدون في مجامعكم ... يا أورشليم يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين)) (متى 23/13 - 37).

2- بيان إنتقال الملك من بنى إسرائيل على لسان الأنبياء
نتيجة لما كان من فجور و عصيان بنى إسرائيل الذين شاقو رسل الله ففريقاً كذبوا و فريقاً قتلو و نتيجة لقساوة قلوبهم و نسيانهم عهد الله حتى عبدو العجل و هم فى ذروة باهر أيات الله فقد حرمهم الله من أن يكون النبي الموعود القادم منهم، لأنهم نقضوا عهد الله وميثاقه، فلن يكون القادم من ذرية داود عليه السلام،

فقد قال لهم: (( إن نقضتم عهدي .. فإن عهدي مع داود عبدي ينقض، فلا يكون له ابن مالكاً على كرسيه)) ( إرميا 33/20 - 21 ).

و قال إشعيا: (( أصغيتُ إلى الذين لم يسألوا، وُجِدت من الذين لم يطلبوني، قلت: ها أنذا ها أنذا لأمةٍ لم تسمَّ باسمي. بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صالح وراء أفكاره، شعب يغيظني بوجهي دائماً.... )) (إشعيا 65/1 - 3).
فقد ذكر النص انتقال النبوة والأمر عن الأمة القاسية العاصية إلى أمة لم تطلب الله قبل، ولم تسم باسم الله. إنها الأمة الأمية التي لم ينزل عليها كتاب.

ويؤكد حزقيال رفع الملك والشريعة من بني إسرائيل، ودفعه لأمة مهملة وضيعة، فيقول: (( إني أنا الرب، وضعتُ الشجرة الرفيعة، ورفعتُ الشجرة الوضيعة، وأيبستُ الشجرة الخضراء، وأفرختُ الشجرة اليابسة، أنا الربُ تكلمت وفعلت )) (حزقيال 17/32).

ويقول النبي حزقيال أيضاً: (( أنت أيها النجس الشرير رئيس إسرائيل الذي قد جاء يومه في زمان إثم النهاية، هكذا قال السيد الرب: انزعِ العمامة وارفعِ التاج، هذه لا تلك، ارفعِ الوضيع، وضعِ الرفيع، منقلباً، منقلباً، منقلباً أجعله، هذا لا يكون حتى يأتي الذي له الحكم، فأعطيه إياه )) (حزقيال 21/25 - 27).
فإذا جاء صاحب الحكم، النبي الخاتم، تنقلب الأمور، وترفع العمامة أي تنسخ الشريعة من بني إسرائيل، فالعمامة رمز للكهنة الهارونيين الموكلين بأمر الشريعة في أسباط بني إسرائيل، والذين أمروا بملابس خاصة، منها العمامة. (انظر الخروج 28/36-37) كما يرفع التاج (الملك).

وقال يوحنا المعمدان في سياق تحذيره بني إسرائيل من الغضب الآتي الذي سيسلطه الله عليهم : "(( والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار، أنا أعمدكم بماء التوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار)) (متى 3/10-11)
[و سنعود لنبوءة يوحنا باذن الله باستقلال فى مكانها]

(وانظر مثل التينة التي لا تثمر في لوقا 13/6-9) لقد كان المسيح الفرصة الأخيرة للإبقاء على الاصطفاء والاختيار، فقد وضع الفأس على أصل الشجرة، فلما كفروا به وحاولوا قتله، قطعت الشجرة الخضراء ويبست، ودفعت للنار، نار الغضب الإلهي والضلال، وأزهرت شجرة أخرى كانت يابسة.
.

وحينئذ تصبح الأمة المرذولة أمة مختارة، والأمة المختارة أمة مرذولة، كما قال داود: (( الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا )) (المزمور 118/22 - 23) لكنه حقيقة.

وقد ضرب المسيح للتلاميذ مثل الكرامين - كما سيأتي - ثم قال: (( الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا، لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله ينـزع منكم، ويعطى لأمة تعمل أثماره )) (متى 21/42 – 43).

و هذا مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم اذ قال : ((مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها وترك فيها موضع لبنة لم يضعها فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ويقولون لو تم موضع هذه اللبنة؟ فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة)) رواه البخارى و مسلم و أحمد و الترمذى

وقد قال المسيح لتلاميذه بعد أن قص عليهم مثلاً من أمثال الملكوت (مثل الزرع): (( فانظروا كيف تسمعون، لأن من له سيعطى، ومن ليس له فالذي يظنه له يؤخذ منه )) (لوقا 8/18).

و قا المسيح للمراة السامرية لما سألته ((20 آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وانتم تقولون ان في اورشليم الموضع الذي ينبغي ان يسجد فيه. قال لها يسوع يا امرأة صدقيني، إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب)) يوحنا 4: 20


وهكذا فهذه النصوص ذكرت أول صفة من صفات أمة الملكوت، إنها أمة مرذولة وضيعة لم تتعبد لله ولم ترسل إليها شرائعه، أمة يعجب بنو إسرائيل أن تتحول لها الريادة والاختيار.

ويقول الرب موضحاً صفة أخرى من صفات الأمة الجديدة التي ستنال ميراث البركة والنبوة من بني إسرائيل:
((فرأى الرب ورذل من الغيظ بنيه وبناته، وقال: أحجب وجهي عنهم، وانظر ماذا تكون آخرتهم، إنهم جيل متقلب، أولاد لا أمانة فيهم، هم أغاروني بما ليس إلهاً، أغاظوني بأباطيلهم، فأنا أغيرهم بما ليس شعباً، بأمة غبية أغيظهم)) (التثنية 32/19-21)،

إن الأمة المصطفاة، الأمة التي كانت مرذولة، هي الأمة الجاهلة أو الغبية التي يغيظ الله بها بني إسرائيل، وقد قال الله تعالى عن محمد  وأصحابه الكرام { ليغيظ بهم الكفار }(الفتح: 29).

وقد كاد بنو إسرائيل لهذه الأمة الجديدة فقالوا: " بأمة غبية أغيظهم " مع أن وصف الغباء لا توصف به الأمم، وإن وصفت بالجهل أو القسوة، فمن هذه الأمة الجاهلة أو الغبية التي ينتقم الله بها من بني إسرائيل؟ إنها أمة العرب { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين }(الجمعة: 2).

لكن بولس الكذاب يخطىء ويجعل هذه الأمة الغبية أمة اليونان، فيقول مؤكداً انتقال الملكوت عن بني إسرائيل، لكنه يخطئ في تعيين الأمة الوارثة للملكوت: "لا فرق بين اليهودي واليوناني، لأن رباً واحداً للجميع، غنياً لجميع الذين يدعون به ... لكني أقول: ألعل إسرائيل لم يعلم، أولاً موسى يقول أنا أغيركم بما ليس أمة، بأمة غبية أغيظكم، ثم إشعياء يتجاسر ويقول: وجدت من الذين لم يطلبوني وصرت ظاهراً للذين لم يسألوا عني، أما من جهة إسرائيل فيقول: طول النهار، بسطت يديّ إلى شعب معاند ومقاوم" (رومية 10/12-21)،

فهو يؤمن بانتقال الملكوت عن بني إسرائيل، لكنه يجعل الأمة الجديدة أمة اليونان الذين توجه لدعوتهم، وقد آمنوا به كما آمن كثير غيرهم، فلا وجه لخصوصهم به، والمعنى الذي يقصده للملكوت هو الاستجابة لدعوته، وهو معنى يضيق كثيراً عما نذكره من صفات أمة الملكوت العظيمة.
وأيضاً لا يصح أن تكون أمة اليونان هي الأمة الغبية التي ترث الملكوت، لأن اليونان أمة حضارة وعلم، وبولس نفسه يقول عن اليونانيين: "لأن اليهود يسألون آية، واليونانيين يطلبون حكمة" (كورنثوس (1) 1/22)، فكيف يوصف طلاب الحكمة بالغباء أو الجهل؟!

ثالثاً:
أن اليهود عهدوا إلى تحريف النبوءات و التلاعب بها و هذا معلوم فتارة يخفون و تارة يكتمون و تارة يبدلون و تارة يأولون و لنضرب مثلاً على ذلك فى نفس إطار الحديث عن إسماعيل عليه السلام:

التقريح فى قصة الذبيح

جاءت قصة الذبيح فى سفر التكوين على النحو التالى:
((وَحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ لأُمُورِ أَنَّ للهَ مْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ». فَقَالَ: «هَئَنَذَا». 2فَقَالَ: «خُذِ بْنَكَ وَحِيدَكَ لَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَذْهَبْ إِلَى أَرْضِ لْمُرِيَّا وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ لْجِبَالِ لَّذِي أَقُولُ لَكَ)).(التكوين:22و1-2)
و هنا يتجلى التحريف من جهات:

الوجه الأول:
النص يصف الابن المبتلى بأنه وحيد لإيراهيم فقال (( خذ إبنك وحيدك))
و إسحاق عليه السلام لم يكن وحيده قط! لأنه ولد له و لإسماعيل نحو اربع عشرة إلى خمس عشرة سنة كما نصت على ذلك توراتهم

فقد جاء ((و كان أبرام إبن ست و ثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل لإبرام)) (التكوين16: 6)

و جاء أيضا(( و كان إبراهيم إبن مائة سنة حين ولد له إسحاق)) (التكوين21: 5)

و قد حاول أهل الكتاب تفسير ذلك بقولهم أن إسماعيل إبن غير شرعى لأنه إبن جارية فلا يكون له ميراث!!

و جواب ذلك:

1)أن هذا تمييز عنصرى لا يقوم على دليل شرعى ولا يستقيم مع عقل سوى

2)أن هاجر كانت زوجةً شرعية لإبراهيم لأنه كانت سريته حلاله ثم اتخذها أيضاً زوجة بل و بمباركة سارة و رأيها
(( فاخذت ساراي امرأة ابرام هاجر المصرية جاريتها من بعد عشر سنين لاقامة ابرام في ارض كنعان واعطتها لابرام رجلها زوجة له.)) تكوين 16: 3

و حسبنا أن نقرأ إقرار رب السماوات و الأرض بشرعية هذا الزواج و ذاك النسب فو قول الرب لأبراهيم ((وابن الجارية ايضا ساجعله امة لانه نسلك)) تكوين 21: 13

و قال الرب ((وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً.)) (تكوين 17: 20)

3) أن التوراة تنص على حفظ حق البكورية للإبن البكر حتى إن كانت زوجته غير محبوبة
(( اذا كان لرجل امرأتان احداهما محبوبة والاخرى مكروهة فولدتا له بنين المحبوبة والمكروهة.فان كان الابن البكر للمكروهة 16 فيوم يقسم لبنيه ما كان له لا يحل له ان يقدم ابن المحبوبة بكرا على ابن المكروهة البكر)) (تثنية 21: 15)
فهذا نص صريح يسد عين الشمس

4) أننا نجد أمثلة لأبناء جوارى كان لهم الحق الكامل فى الميراث و الوعد الربانى و أظهر هذه الأمثلة أن ندرك بأن دان و نفتالى و جاد و أشير و هم أربعة من الأسباط الاثنى عشر المعروفة كلهم كانو أبناءً لجاريتين من جوارى يعقوب تسرى بهما و هما زلفة و بلهة، و بم يمنعهم ذلك نصيبهم فى الميراث و أرض الميعاد ،

بل إن شمشمون الذى جاء بوعد ربانى و بشارة ملائكية و أيد بروح القدس و سماه اهل الكتاب نذير الرب و قضى على بنى إسرائيل عشرين سنة بالتوراة كان من نسل دان ابن الجارية

فلما جاء ملاك الرب يبشر أمه بميلاده قال لها: ((5فَهَا إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً, وَلاَ يَعْلُ مُوسَى رَأْسَهُ, لأَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيراً لِلَّهِ مِنَ الْبَطْنِ, وَهُوَ يَبْدَأُ يُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ».) القضاة 13: 5

و نقرأ أيضاً عن نسبه: (24فَوَلَدَتِ الْمَرْأَةُ ابْناً وَدَعَتِ اسْمَهُ شَمْشُونَ. فَكَبِرَ الصَّبِيُّ وَبَارَكَهُ الرَّبُّ. 25وَابْتَدَأَ رُوحُ الرَّبِّ يُحَرِّكُهُ فِي مَحَلَّةِ دَانٍَ بَيْنَ صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ.) القضاة 13: 24-25

و نقرأ عن توليه الرياسة و القضاء على بنى إسرائيل (وهو قضى لاسرائيل عشرين سنة) القضاة 16: 31

الوجه الثانى:

أن التوراة صرحت بأن الله قد أعطى العهد لإبراهيم فى مباركة ذرية إسحق منذ مولد أسحاق
(( 9وَرَأَتْ سَارَةُ \بْنَ هَاجَرَ \لْمِصْرِيَّةِ \لَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ 10فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: «اطْرُدْ هَذِهِ \لْجَارِيَةَ وَ\بْنَهَا لأَنَّ \بْنَ هَذِهِ \لْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ \بْنِي إِسْحَاقَ». 11فَقَبُحَ \لْكَلاَمُ جِدّاً فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ \بْنِهِ. 12فَقَالَ \للهُ لإِبْرَاهِيمَ: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ \لْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ \سْمَعْ لِقَوْلِهَا لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. 13وَابْنُ \لْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ)).(التكوين: 21 و9-13)

فكيف يخلف الله وعده بعد أن أعطاه إياه و يأمره بذبح ولده الذى كان قد وعده بمباركته؟

الوجه الثالث:

أن الكتاب المقدس عجز عن تحديد لمكان الذى تم فيه الاختبار و الذى يسمى ب (المريا)
يقول الدكتور منقذ السقار: [سمتها التوراة السامرية " الأرض المرشدة ". فيما سمته التوراة العبرانية " المريا "، ولعله تحريف لكلمة " المروة "، وهو اسم لجبل يقع داخل المسجد الحرام في مكة المكرمة ، أي في المكان الذي درج فيه إسماعيل.

وقد اتفق النصان العبري والسامري على تسمية ذلك الموضع "جبل الله "، ولم يكن هذا الاسم مستخدماً لبقعة معينة حينذاك، لذا اختلف اليهود في تحديد مكانه اختلافاً بيناً،
فقال السامريون: هو جبل جرزيم.
وقال العبرانيون: بل هو جبل أورشليم الذي بني عليه الهيكل بعد القصة بعدة قرون (الأيام (2) 3/1).]

و لنقرأ هذه المفارقة المضحكة و التحريف المتعمد من كلا الطرفين ليدعم عقيدته فى تثنية 27: 4

((حين تعبرون الاردن تقيمون هذه الحجارة التي انا اوصيكم بها اليوم في جبل عيبال وتكلسها بالكلس.)) [النسخة العبرانية]

((4 حين تعبرون الاردن تقيمون هذه الحجارة التي انا اوصيكم بها اليوم في جبل جزريم وتكلسها بالكلس.))[ الترجمة السامرية]

فانظر ارشدك الله الى تحريفهم و تخبطهم

يقول الدكتور بوست في قاموس الكتاب المقدس: [يظن الأكثرون أن موضع الهيكل هو نفس الموضع الذي فيه أمر إبراهيم أن يستعد لتقديم إسحاق، غير أن التقليد السامري يقول: إن موضع الذبح لإسحاق كان على جبل جرزيم].

و جاء فى الموسوعة الكتابية: [" أرض المريا " ( تك 22: 2) هي الأرض التي أمر الرب إبراهيم أن يذهب إليها ليصعد ابنه وحيده الذي يحبه إسحق محرقة على أحد جبالها. والأرجح أنه كان أحد تلال أورشليم ، الذي بنى عليه سليمان الهيكل ، في المنطقة التي كان يشغلها بيدر أرنان اليبوسي ( 2أخ 3: 1 ، 2صم 24: 16-25 ). ويعتقد اليهود أن مذبح المحرقة في الهيكل كان يقوم على نفس الموقع الذي بنى عليه إبراهيم المذبح لإصعاد إسحق محرقة.]
فكما نرى الكلام يقوم على الظن و الربمات ولا يملكون علماً بالأمر ولا بينة ولا سراجاً منيرا

ويقول محققو نسخة الرهبانية اليسوعية : [يطابق سفر الأخبار الثاني (3/1) بين موريّا وبين الرابية التي سيشاد عليها هيكل أورشليم .. غير أن النص يشير إلى أرض باسم موريّا لا يأتي ذكرها في مكان آخر، ويبقى مكان الذبيح مجهولاً].

والحق أن المكان معروف غير مجهول، لأن قصة الذبح جرت في الأرض المرشدة، وهي أرض العبادة، وهي مكة أو بلاد فاران، واختلافهم دليل على صحة ذلك، واتفاقهم على اسم المكان بجـبل الرب صحيح، لكنهم اختلفوا في تحديده لرجمهم بالظنون، وقد ربطوه بتسميات ظهرت بعد الحادثة بقرون عدة، وتجاهلوا البيت المعظم الذي بني في تلك البقعة حينذاك، ويسمى بيت الله، كما سمي الجبل الذي في تلك البقعة جبل الله.

وبقي هذا الاختلاف من أهم الاختلافات التي تفرق السامريين عن العبرانيين، وقد أدرك المسيح هذا الخلاف، فذات مرة دخلت عليه امرأة سامرية، وسألته عن المكان الحقيقي المعد للعبادة، فأفصح لها المسيح أن المكان ليس جبل جرزيم السامري، ولا جبل عيبال العبراني الذي بني عليه الهيكل، [ قالت له المرأة: يا سيد أرى أنك نبي، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه، قال لها يسوع: يا امرأة صدقيني، إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب، أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم، لأن الخلاص هو من اليهود.
ولكن تأتي ساعة، وهي الآن، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له، الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا] (يوحنا 4/19-24).

فمن هم الساجدون الحقيقيون الذين يسجدون في غير قبلة السامريين والعبرانيين، إنهم الأمة الجديدة التي تولد بعد حين، إذ لم تدع أمة قداسة قبلتها سوى أمة الإسلام التي يفد إليها ملايين المسلمين سنوياً في مكة المكرمة.

وقوله عن ساعة قدوم الساجدين الحقيقيين " ولكن تأتي ساعة وهي الآن"، يفيد اقترابها لا حلولها،
كما في متى: " أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء"(متى 26/64)، وقد مات المخاطبون وفنوا، ولم يروه آتياً على سحاب السماء.

ومثله قول المسيح: "وقال له: الحق الحق أقول لكم، من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان" (يوحنا 1/51) ، (وانظر صموئيل (1) 15/28).

وقد قال ميخا النبي عن مكة والبيت الحرام وعن إتيان الناس للحج عند جبل عرفات: [ يكون في آخر الأيام بيت الرب مبنياً على قلل الجبال، وفي أرفع رؤوس العوالي يأتين جميع الأمم، ويقولون: تعالوا نطلع إلى جبل الرب] (ميخا 4/1-2).

يتبع إن شاء الله .....