المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فرعون أشهر الجاحدين



ابن تاشفين
08-26-2007, 03:05 AM
كيف كان السلف ينظر لموضوع إنكار الصانع؟

لقد برع الإمام ابن أبي العز الحنفـي في شرحه للعقيدة الطحاوية في إجابته عن هذا السؤال.
يقول هذا الإمام الجليل:

توحيد الربوبية ، كالإقرار بأنه خالق كل شيء، وأنه ليس للعالم صانعان متكافئان في الصفات والأفعال ، وهذا التوحيد حق لا ريب فيه ، وهو الغاية عند كثير من أهل النظر والكلام وطائفة من الصوفية ، وهذا التوحيد لم يذهب إلى نقيضة طائفة معروفة من بني آدم ، بل القلوب مفطورة على الإقرار به أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات ، كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم : ٌقالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض .

وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون ، وقد كان مستسيقناً به في الباطن ، كما قال له موسى : لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر .وقال تعالى عنه وعن قومه :وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً.. ولهذا [لما] قال : وما رب العالمين ؟ على وجه الإنكار له تجاهل العارف ، قال [له] موسى :رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين * قال لمن حوله ألا تستمعون * قال ربكم ورب آبائكم الأولين * قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون
وقد زعم طائفة أن فرعون سأل موسى مستفهماً عن الماهية ، وأن المسؤول عنه لما لم تكن له ماهية عجز موسى عن الجواب وهذا غلط . وإنما هذا استفهام إنكار وجحد ، كما دل سائر آيات القرآن على أن فرعون كان جاحداً لله نافياً له ، لم يكن مثبتاً له طالب للعلم بماهيته . فلهذا بين لهم موسى أنه معروف ، وأن آياته ودلائل ربوبيته أظهر وأشهر من أن يسأل عنه بما هو؟ بل هو سبحانه أعرف وأظهر وأبين من أن يجهل ، بل معرفته مستقرة في الفطر أعظم من معرفة كل معروف . ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال : أن العالم له صانعان متماثلان في الصفات والأفعال ، فإن الثنوية من المجوس ، والمانوية القائلين بالأصلين : النور والظلمة ، وأن العالم صدر عنهما - : متفقون على أن النور خير من الظلمة ، وهو الإله المحمود ، وأن الظلمة شريرة مذمومة ، وهم متنازعون في الظلمة ، هل هي قديمة أو محدثة ؟ فلم يثبتوا ربين متماثلين .
وأما النصارى القائلون بالتثليت ، فانهم لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض ، بل متفقون على أن صانع العالم واحد ، ويقولون : باسم الإبن والأب وروح القدس إله واحد . وقولهم في التثليث متناقض في نفسه ، وقولهم في الحلول أفسد منه ، ولهذا كانوا مضطربين في فهمه ، وفي التعبير عنه ، لا يكاد واحد منهم يعبر عنه بمعنى معقول ، ولا يكاد أثنان يتفقان على معنى واحد ، فانهم يقولون : هو واحد بالذات ، ثلاثة بالاقنوم ! والاقانيم يفسرونها تارة بالخواص ، وتارة بالصفات ، وتارة بالأشخاص . وقد فطر الله العباد على فساد [هذه] الاقوال بعد التصور التام . وبالمجلة فهم لا يقولون باثبات خالقين متماثلين .
والمقصود هنا : أنه ليس في الطوائف من يثبت للعالم صانعين متماثلين، مع أن كثيراً من أهل الكلام والنظر والفلسفة تعبوا في اثبات هذا المطلوب وتقريره . ومنهم من اعترف بالعجز عن تقرير هذا بالعقل ، وزعم أنه يتلقى من السمع .
انتهى كلام الإمام أبي العز