المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إضافة مقال جديد (رياض النعيم )(4 )



ابوالمنذر
02-08-2005, 07:57 AM
4)أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى في معنى الاسمين الكريمين(الرحمن الرحيم )


اختلفت عبارات أهل العلم ـ رحمهم الله عز وجل ـ سلفاً وخلفا ً في معني الاسمين الكريمين ولكنها لم تخرج عن كون الاسمين اشتقا من الرحمة على وجه المبالغة ـ كما سبق بيانه ـ ولكن أي الاسمين أبلغ والتوسع في معنى الاسمين ، فمن قائل بالترادف ، ومن قائل بالاختلاف والتباين فهيا بنا نشم شذا رياحين رياضهم ، و نقتبس من أنوارهم ، لعلنا نهتدي بهداهم .

و أول قبس من أنوار كلام ترجمان القران عبد الله بن عباس رضى الله عنه الذي صار قوله في التفسير عمدة لمن جاء بعده ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له ( اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل ) :
(الرحمن هو الرقيق والرحيم العاطف على الخلق بالرزق ، وهما اسمان رقيقان ، أحدهما ارق من الآخر)(1 ).

قول الإمام الطبري (2 ):
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: الرّحْمنِ الرّحِيـمِ.
قال أبو جعفر
فإن قال قائل: فإذا كان الرحمَن والرحيـم اسمين مشتقـين من الرحمة, فما وجه تكرير ذلك وأحدهما مؤّد عن معنى الآخر؟
قـيـل له: لـيس الأمر فـي ذلك علـى ما ظننت, بل لكل كلـمة منهما معنى لا تؤَدي الأخرى منهما عنها. فإن قال: وما الـمعنى الذي انفردت به كل واحدة منهما, فصارت إحداهما غير مؤدية الـمعنى عن الأخرى؟ ... ... .. ثم ذكر كلام أهل اللغة ثم قال رحمه الله تعالى:
وأما من جهة الأثر والـخبر, ففـيه بـين أهل التأويـل اختلاف.
وبسنده إلي العرزمي يقول: «الرحمن الرحيـم» قال: الرحمن بجميع الـخـلق. «الرحيـم» قال: بـالـمؤمنـين.
وبسنده إلي ابن مسعود و أبـي سعيد يعنـي الـخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَـمَ قالَ: الرّحْمَنُ: رَحْمَنُ الآخرة والدّنْـيَا, والرّحِيـمُ: رَحِيـمُ الآخرة»( 3).
فهذان الـخبران قد أنبآ عن فرق ما بـين تسمية الله جل ثناؤه بـاسمه الذي هو «رحمن», وتسميته بـاسمه الذي هو «رحيـم». واختلاف معنى الكلـمتـين, وإن اختلفـا فـي معنى ذلك الفرق, فدل أحدهما علـى أن ذلك فـي الدنـيا, ودل الاَخر علـى أنه فـي الآخرة.
فإن قال: فأيّ هذين التأويـلـين أولـى عندك بـالصحة؟ قـيـل: لـجميعهما عندنا فـي الصحة مخرج, فلا وجه لقول قائل: أيهما أولـى بـالصحة. وذلك أن الـمعنى الذي فـي تسمية الله بـالرحمن, دون الذي فـي تسميته بـالرحيـم هو أنه بـالتسمية بـالرحمن موصوف بعموم الرحمة جميع خـلقه, وأنه بـالتسمية بـالرحيـم موصوف بخصوص الرحمة بعض خـلقه, إما فـي كل الأحوال, وإما فـي بعض الأحوال. فلا شكّ إذا كان ذلك كذلك, أن ذلك الـخصوص الذي فـي وصفه بـالرحيـم لا يستـحيـل عن معناه, فـي الدنـيا كان ذلك أو فـي الآخرة, أو فـيهما جميعا. فإذا كان صحيحا ما قلنا من ذلك وكان الله جل ثناؤه قد خص عبـاده الـمؤمنـين فـي عاجل الدنـيا بـما لطف بهم فـي توفـيقه إياهم لطاعته, والإيـمان به وبرسله, واتبـاع أمره واجتناب معاصيه مـما خذل عنه من أشرك به فكفر, وخالف ما أمره به وركب معاصيه, وكان مع ذلك قد جعل جل ثناؤه ما أعد فـي أجل الآخرة فـي جناته من النعيـم الـمقـيـم والفوز الـمبـين لـمن آمن به وصدق رسله وعمل بطاعته خالصا دون من أشرك وكفر به كان بـيّنا أن الله قد خص الـمؤمنـين من رحمته فـي الدنـيا والآخرة, مع ما قد عمهم به والكفـار فـي الدنـيا, من الإفضال والإحسان إلـى جميعهم, فـي البسط فـي الرزق, وتسخير السحاب بـالغيث, وإخراج النبـات من الأرض, وصحة الأجسام والعقول, وسائر النعم التـي لا تـحصى, التـي يشترك فـيها الـمؤمنون والكافرون. فربنا جل ثناؤه رحمنُ جميع خـلقه فـي الدنـيا والآخرة, ورحيـم الـمؤمنـين خاصة فـي الدنـيا والآخرة.
فأما الذي عمّ جميعهم به فـي الدنـيا من رحمته, فكان رحمانا لهم به, فما ذكرنا مع نظائره التـي لا سبـيـل إلـى إحصائها لأحد من خـلقه, كما قال جل ثناؤه: (وإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُـحْصُوها. وأما فـي الآخرة, فـالذي عم جميعهم به فـيها من رحمته. فكان لهم رحمانا. تسويته بـين جميعهم جل ذكره فـي عدله وقضائه, فلا يظلـم أحدا منهم مِثْقَالَ ذَرّةٍ, وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرا عَظِيـما, وتُوفّـى كل نفس ما كسبت. فذلك معنى عمومه فـي الآخرة جميعهم برحمته الذي كان به رحمانا فـي الآخرة.
وأما ما خص به الـمؤمنـين فـي عاجل الدنـيا من رحمته الذي كان به رحيـما لهم فـيها, كما قال جل ذكره: وكانَ بـالـمُؤْمِنِـينَ رَحِيـما فما وصفنا من اللطف لهم فـي دينهم, فخصهم به دون من خذله من أهل الكفر به.
وأما ما خصهم به فـي الآخرة, فكان به رحيـما لهم دون الكافرين. فما وصفنا آنفـا مـما أعدّ لهم دون غيرهم من النعيـم والكرامة التـي تقصر عنها الأمانـي. وأما القول الآخر فـي تأويـله, فهو ما:
وبسنده إلي عبد الله بن عبـاس, قال: الرحمن الفعلان من الرحمة, وهو من كلام العرب. قال: الرحمن الرحيـم: الرقـيق الرفـيق بـمن أحبّ أن يرحمه, والبعيد الشديد علـى من أحبّ أن يعنف علـيه. وكذلك أسماؤه كلها.
وهذا التأويـل من ابن عبـاس, يدل علـى أن الذي به ربنا رحمن هو الذي به رحيـم, وإن كان لقوله «الرحمن» من الـمعنى ما لـيس لقوله «الرحيـم» لأنه جعل معنى الرحمن بـمعنى الرقـيق علـى من رقّ علـيه, ومعنى الرحيـم بـمعنى الرفـيق بـمن رفق به.
والقول الذي رويناه فـي تأويـل ذلك عن النبـي صلى الله عليه وسلم وذكرناه عن العرزمي, أشبه بتأويـله من هذا القول الذي روينا عن ابن عبـاس وإن كان هذا القول موافقا معناه معنى ذلك, فـي أن للرحمن من الـمعنى ما لـيس للرحيـم, وأن للرحيـم تأويلاً غير تأويـل الرحمن.
والقول الثالث فـي تأويـل ذلك, ما:
وبسنده إلي عطاء الـخراسانـي, يقول: كان الرحمن, فلـما اختزل(4 ) الرحمن من اسمه كان الرحمن الرحيـم.
والذي أراد إن شاء الله عطاء بقوله هذا: أن الرحمن كان من أسماء الله التـي لا يتسمى بها أحد من خـلقه, فلـما تسمى به الكذّاب مسيـلـمة وهو اختزاله إياه, يعنـي اقتطاعه من أسمائه لنفسه أخبر الله جلّ ثناؤه أن اسمه الرحمن الرحيـم, لـيفصل بذلك لعبـاده اسمه من اسم من قد تسمى بأسمائه, إذ كان لا يُسمّى أحد الرحمن الرحيـم فـيجمع له هذان الاسمان غيره جل ذكره وإنـما تسمى بعض خـلقه إما رحيـما, أو يتسمى رحمن, فأما «رحمَن رحيـم», فلـم يجتـمعا قط لأحد سواه, ولا يجمعان لأحد غيره. فكأن معنى قول عطاء هذا: أن الله جل ثناؤه إنـما فصل بتكرير الرحيـم علـى الرحمن بـين اسمه واسم غيره من خـلقه, اختلف معناهما أو اتفقا.
والذي قال عطاء من ذلك غير فـاسد الـمعنى, بل جائز أن يكون جل ثناؤه خص نفسه بـالتسمية بهما معا مـجتـمعين إبـانة لها من خـلقه, لـيعرف عبـاده بذكرهما مـجموعين أنه الـمقصود بذكرهما دون من سواه من خـلقه, مع ما فـي تأويـل كل واحد منهما من الـمعنى الذي لـيس فـي الاَخر منهما.

وقد زعم أيضا بعض من ضعفت معرفته بتأويـل أهل التأويـل, وقلت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير, أن «الرحمن» مـجازه «ذو الرحمة», و«الرحيـم» مـجازه «الراحم». ثم قال: قد يقدرون اللفظين من لفظ والـمعنى واحد, وذلك لاتساع الكلام عندهم. قال: وقد فعلوا مثل ذلك, فقالوا: ندمان ونديـم. ثم استشهد بقول بُرْج بن مسهر الطائي:
ونَدْمانٍ يَزِيدُ الكأسَ طِيبَـا سَقَـيْتُ وقَدْ تَغَوّرَتِ النّـجُومُ
واستشهد بأبـيات نظائر له فـي النديـم والندمان. ففرق بـين معنى الرحمن والرحيـم فـي التأويـل, لقوله: الرحمن ذو الرحمة, والرحيـم: الراحم. وإن كان قد ترك بـيان تأويـل معنيهما علـى صحته. ثم مثل ذلك بـاللفظين يأتـيان بـمعنى واحد, فعاد إلـى ما قد جعله بـمعنـيـين, فجعله مثال ما هو بـمعنى واحد مع اختلاف الألفـاظ. ولا شك أن ذا الرحمة هو الذي ثبت أن له الرحمة وصح أنها له صفة, وأن الراحم هو الـموصوف بأنه سيرحم, أو قد رحم فـانقضى ذلك منه, أو هو فـيه. ولا دلالة له فـيه حينئذ أن الرحمة له صفة, كالدلالة علـى أنها له صفة إذا وصفه بأنه ذو الرحمة. فأين معنى الرحمن الرحيـم علـى تأويـله من معنى الكلـمتـين يأتـيان مقدرتـين من لفظ واحد بـاختلاف الألفـاظ واتفـاق الـمعانـي؟
ولكن القول إذا كان غير أصل معتـمد علـيه كان واضح عُوَارُه.

قول الإمام القرطبي( 5):
( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة:3) واختلفوا هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟
فـ "الرحمن" خاص الاسم عام الفعل. و"الرحيم" عام الاسم خاص الفعل. هذا قول الجمهور.
قال أبو علي الفارسي: "الرحمن" اسم عام في جميع أنواع الرحمة، يختصر به الله. "والرحيم" إنما هو في وجهة المؤمنين؛ كما قال تعالى: "وكان بالمؤمنين رحيما" [الأحزاب:43].
وقال العرزمي: "الرحمن" بجميع خلقه في الأمطار ونعم الحواس والنعم العامة، "والرحيم" بالمؤمنين في الهداية لهم، واللطف بهم.
وقال ابن المبارك: "الرحمن" إذا سئل أعطي، و"الرحيم" إذا لم يسأل غضب. وروى ابن ماجة في سننه والترمذي( 6) في جامعه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه" لفظ الترمذي. وقال ابن ماجة: "من لم يدع الله سبحانه غضب عليه". وقد أخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال:
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
وقال ابن عباس: هما اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر رحمة.
قال الخطابي: وهذا مشكل؛ لأن الرقة لا مدخل لها في شيء من صفات الله تعالى. وقال الحسين بن الفضل البجلي: هذا وهم من الراوي، لأن الرقة ليست من صفات الله تعالى في شيء، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر، والرفق من صفات الله عز وجل؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).
أكثر العلماء على أن "الرحمن" مختص بالله عز وجل، لا يجوز أن يسمى به غيره، ألا تراه قال: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن" [الإسراء:110] فعادل الاسم الذي لا يشركه فيه غيره. وقال: "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" [الزخرف:45] فأخبر أن "الرحمن" هو المستحق للعبادة جل وعز. وقد تجاسر مسيلمة الكذاب - لعنه الله - فتسمى برحمان اليمامة، ولم يتسم به حتى قرع مسامعه نعت الكذاب فألزمه الله تعالى نعت الكذاب لذلك، وأن كان كل كافر كاذباً، فقد صار هذا الوصف لمسيلمة علماً يعرف به، ألزمه الله إياه. وقد قيل في اسمه الرحمن: إنه اسم الله الأعظم؛ ذكره ابن العربي.
"الرحيم" صفة مطلقة للمخلوقين، ولما في "الرحمن" من العموم قدم في كلامنا على "الرحيم" مع موافقة التنزيل؛ وقيل: إن معنى "الرحيم" أي بالرحيم وصلتم إلى الله وإلى الرحمن، فـ "الرحيم" نعت محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي وبمحمد صلى الله عليه وسلم وصلتم إلي، أي باتباعه وبما جاء به وصلتم إلى ثوابي وكرامتي والنظر إلى وجهي؛ والله أعلم.

قول البغوى( 7):

:"الرحمن الرحيم " قال ابن عباس رضي الله عنهما: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر. واختلفوا فيهما منهم من قال: هما بمعنى واحد مثل ندمان ونديم ومعناهما ذو الرحمة، وذكر أحدهما بعد الآخر ( تطميعاً ) لقلوب الراغبين. وقال المبرد : هو إنعام بعد إنعام، وتفضل بعد تفضل، ومنهم من فرق بينهما فقال: الرحمن بمعنى العموم والرحيم بمعنى الخصوص. فالرحمن بمعنى الرزاق في الدنيا وهو على العموم لكافة الخلق. والرحيم بمعنى المعافى في الآخرة والعفو في الآخرة للمؤمنين على الخصوص ولذلك قيل في الدعاء: يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، فالرحمن من تصل رحمته إلى الخلق على العموم، والرحيم من تصل رحمته إليهم على الخصوص،ن ولذلك يدعى غير الله رحيماً ولا يدعى غير الله رحمن. فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ، والرحيم عام اللفظ خاص المعنى، والرحمة إرادة الله تعالى الخير لأهله. وقيل ترك عقوبة من يستحقها وإسداء الخير إلى من لا يستحق، فهي على الأول صفة ذات، وعلى الثاني صفة (فعل).

قول ابن الجوزى(8 ) :
فأما«الرحمن»:
فذهب الجمهور إلى أنه مشتق من الرحمة، مبني على المبالغة، ومعناه: ذو الرحمة التي لا نظير له فيها.
وبناء فعلان في كلامهم للمبالغة، فإنهم يقولون للشديد الامتلاء: ملآن، وللشديد الشبع: شبعان.
قال الخطابي: في«الرحمن»: ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم ومصالحهم، وعمت المؤمن والكافر.
و«الرحيم» خاص للمؤمنين. قال عز وجل: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } الاحزاب: 43 والرحيم بمعنى الراحم.

قول ابن كثير(9):

{الرحمن الرحيم} اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة, ورحمن أشد مبالغة من رحيم وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا, .......... ثم ذكر رحمه الله تعالى كلام ابن جرير المتقدم ثم قال: ( وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن لأنه أكدّ به والمؤكد لا يكون إلا أقوى من المؤكد والجواب أن هذا ليس من باب التأكيد وإنما هو من باب النعت ولا يلزم فيه ما ذكروه وعلى هذا فيكون تقدير اسم الله الذي لم يسم به أحد غيره ووصفه أولاً بالرحمن الذي منع من التسمية به لغيره كما قال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} وإنما تجهرم مسيلمة اليمامة في التسمي به ولم يتابعه على ذلك إلا من كان معه في الضلالة وأما الرحيم فإنه تعالى وصف به غيره قال: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} كما وصف غيره بذلك من أسمائه كما قال تعالى {إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاح نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً} والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره ومنها ما لا يسمى به غيره كاسم الله والرحمن والخالق والرازق ونحو ذلك فلهذا بدأ باسم الله ووصفه بالرحمن لأنه أخص وأعرف من الرحيم, لأن التسمية أولاً إنما تكون بأشرف الأسماء فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص). ثم اختصر رحمه الله بين كلام الطبري والقرطبي رحمهما الله الآنف الذكر.(10)

قول البيضاوي ( 11):
الرحمن الرحيم اسمان بنيا للمبالغة من رحم كالغضبان من غضب والعليم من علم والرحمة في اللغة رقة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها وأسماء الله تعالى إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادي التي تكون انفعالات و الرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطع وقطع وكبار وكبّار وذلك إنما يؤخذ تارة باعتبار الكمية وأخرى باعتبار الكيفية فعلى الأول قيل يا رحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن وعلى الثاني قيل يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا لأن النعم الأخروية كلها جسام وأما النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة وإنما قدم والقياس يقتضي الترقي من الأدنى إلى الأعلى لتقدم رحمة الدنيا ولأنه صار كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها وذلك لا يصدق على غيره لأن من عداه فهو مستعيض بلطفه وإنعامه يريد به جزيل ثواب أو جميل ثناء أو مزيج رقة الجنسية أو حب المال عن القلب ثم إنه كالواسطة في ذلك لأن ذات النعم ووجودها والقدرة على إيصالها والداعية الباعثة عليه والتمكن من الانتفاع بها والقوى التي بها يحصل الانتفاع إلى غير ذلك من خلقه لا يقدر عليها أحد غيره أو لأن الرحمن لما دل على جلائل النعم وأوصلها ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها فيكون كالتتمة والرديف له أو للمحافظة على رؤوس الآي والأظهر أنه غير مصروف وإن حظر اختصاصه بالله تعالى أن يكون له مؤنث على فعلى أو فعلانة إلحاقا له بما هو الغالب في بابه وإنما خص التسمية بهذه الأسماء ليعلم العارف أن المستحق لأن يستعان به في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقي الذي هو مولى النعم كلها عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها فيتوجه بشراشره إلى جناب القدس ويتمسك بحبل التوفيق ويشغل سره بذكره والاستعداد به عن غيره .


نقول البيهقي و ابن حجر :
الرحمن من له الرحمة الرحيم الراحم فعيل بمعنى فاعل على المبالغة وقيل الرحمن المريد لرزق كل حي في الدنيا والرحيم المريد لإكرام المؤمنين بالجنة في العقبى فيرجع معناها إلى صفة الإرادة التي هي صفة قائمة بذاته ( 12)، وقال ابن التين الرحمن والرحيم مشتقان من الرحمة وقيل هما اسمان اشتقاق وقيل يرجعان إلي معنى الإرادة فرحمته إرادته تنعيم من يرحمه وقيل راجعان إلى تركه عقاب من وقال الحليمي معنى الرحمن انه مزيح العلل لأنه لما أمر بعبادته بين حدودها وشروطها فبشر وانذر وكلف ما تحمله بنيتهم فصارت العلل عنهم مزاحة والحجج منهم منقطعة قال ومعنى الرحيم انه المثيب على العمل فلا يضيع لعامل أحسن عملا بل يثيب العامل بفضل رحمته أضعاف عمله ( 13)

قول العلامة القرآني محمد الآمين الشنقيطي(14 ) :
{لرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ }
هما وصفان للَّه تعالى، واسمان من أسمائه الحسنى ، مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم ، لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا ، وللمؤمنين في الآخرة ، و الرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة . وعلى هذا أكثر العلماء . وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا . وفي تفسير بعض السلف ما يدل عليه ، كما قاله ابن كثير ، ويدل له الأثر المروي عن عيسى كما ذكره ابن كثير وغيره أنه قال عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام : الرَّحْمنِ رحمن الدنيا والآخرة والرَّحِيم رحيم الآخرة . وقد أشار تعالى إلى هذا الذي ذكرنا حيث قال : {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَـنُ} ، وقال : {الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته . قاله ابن كثير . ومثله قوله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــافاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَـنُ} ؛ أي: ومن رحمانيته : لطفه بالطير ، وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء . ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالى : {الرَّحْمَـنُ * عَلَّمَ الْقُرْءانَ} إلى قوله : {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} ، وقال : {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} فخصهم باسمه الرحيم . فإن قيل : كيف يمكن الجمع بين ما قررتم ، وبين ما جاء في الدعاء المأثور من قوله صلى الله عليه وسلم : « رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما » .

قول العلامة السعدي( 15) :
{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء, وعمت كل حي, وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة, ومن عداهم فلهم نصيب منها.
واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها, الإيمان بأسماء الله وصفاته, وأحكام الصفات.
فيؤمنون مثلا, بأنه رحمن رحيم, ذو الرحمة التي اتصف بها, المتعلقة بالمرحوم. فالنعم كلها, أثر من آثار رحمته, وهكذا في سائر الأسماء. يقال في العليم: إنه عليم ذو علم, يعلم [به] كل شيء, قدير, ذو قدرة يقدر على كل شيء

قول نووي جاوى( 16) :
{ الرَّحْمَنِ} أي العاطف على البار والفاجر بالرزق ودفع الآفات عنهم. {الرَّحِيمِ} أي الذي يستر عليهم الذنوب في الدنيا ويرحمهم في الآخرة فيدخلهم الجنة.

قول ابن عاشور( 17):
الرحمن الرحيم[3] وصفان مشتقان من رحم، وبعد كون كل من صفتي الرحمان الرحيم دالة على المبالغة في اتصافه تعالى بالرحمة فقد قال الجمهور إن الرحمان أبلغ من الرحيم بناء على أن زيادة المبنى تؤذن بزيادة المعنى وإلى ذلك مال جمهور المحققين ، وقد رأيت للمفسرين في توجيه الارتقاء من الرحمان إلى الرحيم أجوبة كثيرة مرجعها إلى اعتبار الرحمان أخص من الرحيم فتعقيب الأول بالثاني تعميم بعد خاص ولذلك كان وصف الرحمان مختصا به تعالى وكان أول إطلاقه مما خصه به القرآن على التحقيق بحيث لم يكن التوصيف به معروفا عند العرب كما سيأتي. ومدلول الرحيم كون الرحمة كثيرة التعلق إذ هو من أمثلة المبالغة ولذلك كان يطلق على غير الله تعالى كما في قوله تعالى في حق رسوله (بالمؤمنين رءوف رحيم) فليس ذكر إحدى الصفتين بمغن عن الأخرى. وتقديم الرحمان على الرحيم لأن الصيغة الدالة على الاتصاف الذاتي أولى بالتقديم في التوصيف من الصفة الدالة على كثرة متعلقاتها.

قول العلامة العثيمين( 18):

و{ الرحمن } أي ذو الرحمة الواسعة؛ ولهذا جاء على وزن "فَعْلان" الذي يدل على السعة..
و{ الرحيم } أي الموصل للرحمة من يشاء من عباده؛ ولهذا جاءت على وزن "فعيل" الدال على وقوع الفعل
فهنا رحمة هي صفته . هذه دل عليها { الرحمن }؛ ورحمة هي فعله . أي إيصال الرحمة إلى المرحوم . دلّ عليها { الرحيم }..
و{ الرحمن الرحيم }: اسمان من أسماء الله يدلان على الذات، وعلى صفة الرحمة، وعلى الأثر: أي الحكم الذي تقتضيه هذه الصفة..
والرحمة التي أثبتها الله لنفسه رحمة حقيقية دلّ عليها السمع، والعقل؛ أما السمع فهو ما جاء في الكتاب، والسنّة من إثبات الرحمة لله . وهو كثير جداً؛ وأما العقل: فكل ما حصل من نعمة، أو اندفع من نقمة فهو من آثار رحمة الله.. إ .هـ






أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى في الفرق بين الاسمين الشريفين (الرحمن الرحيم )


أن الألفاظ القرآنية ـ كما سبق أن ذكرنا ـ ذات دلالات معنوية خاصة بها ، وإن اقتربت في المباني ، و اشتركت في أصل اشتقاقها ، فإن المعاني تختلف بالزيادة تارة ، أو بدخول أفراد من المعاني الأخرى تحت معناها تارة أخرى، وكما قال أهل اللغة : إن الزيادة في المبني تؤدى إلي الزيادة في المعني ، وكما قال أهل العلم : أن اللفظ القرآني يأتي للتأسيس لا للتأكيد .

إذاً : انطلاقاً مما سبق فإن كلا الاسمين الكريمين ( الرحمن الرحيم ) له معناه الخاص ، ومدلوله الذي ينفرد به عن الآخر ، وهذا ما أشار إليه أهل العلم رحمهم الله تعالى في مصنفاتهم .

واتضح ـ بفضل الله عزوجل من استقراء كلامهم أن الفرق بين الاسمين الكريمين (الرحمن الرحيم ) على وجهين :
أولهما: في الدلالة الوصفية لكلا الاسمين الكريمين :
وأقصد بالدلالة الوصفية كون الاسم يدل على صفة ذاتية أو صفة فعلية.
والثاني: في المتعلق الخاص لكلا الاسمين الكريمين :
وأقصد بالمتعلق ظهور أثر الاسم في الخلق والأمر.

و ها هي رياضهم الندية بين يديك لعلنا نستروح بين ظلالها ونُروى من غُدرها( 19) .


قول ابن العربي :
قال ابن العربي : وهو يشرح أثر ابن عباس رضى الله عنه فمعناه عندي :
أحدهما :أن الرحمن عام في الدنيا والآخرة والمنافع والثواب ، وأن الرحيم يختص بالثواب والعفو ، فصار الرحمن خاصاً في اللفظ لاختصاصه بالبارئ،وعاماً في المعني، وصار الرحيم عاماً في الفظ لجواز تسمية غير الله به ، وخاصاً في المعني للمؤمنين في العفو والثواب.
والثاني :أن تقدير رحمن كعطشان إذا كان في تلك الساعة علي تلك الحالة وإن لم يكن دائماً ، ووزن رحيم كقولك :كريم وهو نعت دائم فكان الدائم أرق من المؤقت ،ومن هذا قول الحسن ’: فإنه جعل الرحيم أرق خاص بالعفو عن الذنوب ويكثر الثواب الذي المرء أحوج له وأنفع ( 20) .

قول الأقليشي :
الرحمن أبلغ من الرحيم في اللسان فتكون الإشارة بالرحمن إلي الاسم المشتق إلي الرحمة الذاتية ، وبالرحيم المشتق من الصفات الفعلية ، ويكون في التكرار فائدة جلية وهذا أجلى ما يقال فيها ( 21) .

قول الحليمي :
معنى الرحمن انه مزيح العلل لأنه لما أمر بعبادته بين حدودها وشروطها فبشر وانذر وكلف ما تحمله بنيتهم فصارت العلل عنهم مزاحة والحجج منهم منقطعة قال ومعنى الرحيم انه المثيب على العمل فلا يضيع لعامل أحسن عملا بل يثيب العامل بفضل رحمته أضعاف عمله (22 ).

قول ابن جماعة :
مسألة ( الرحمن الرحيم )
ذكر المفسرون في إيراد الاسمين مع اتحاد المعنى فيها معاني كثيرة مذكورة في كتب التفسير لم نُطل بها هنا ، وأحسن ما يقال مما لم اقف عليه في تفسير : أن ( فعلان ) صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمه ، والامتلاء منه ولم يلزم منه الدوام لذلك كغضبان وسكران وندمان ، وصيغة ( فعيل ) لدوام الصفة ككريم وظريف .
فكأنه قيل العظيم الرحمة الدائمة ، ولذلك لما تفرد الرب سبحانه العظيم بعظم رحمته لم يُسم بالرحمن بالألف واللام غيره ( 23) .

وقد نقل القرطبي قائلاً:
و روى عن أبي عبيدة أنه قال: الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم هو الراحم .
قال ابن الحصار : يشير إلي أن الرحمن صفة الخالق سبحانه (أي أنها صفة ذات )، والرحيم تدل على أفعاله التي بها يرحم عباده ، ولله دره في هذا المقال ..............
ثم قال رحمه الله تعالى( القائل القرطبي ) :
فالرحمن يدل على صفته العامة المختصة به عزوجل ، ويستحيل أن توجد لغيره إذ لا يوجد مخلوق تعم رحمته جميع المخلوقات من أوليائه وأعدائه ، والرحيم وصف يدل على الفعل الذي تقع المشاركة فيه ولذلك وصف نفسه بأنه خير الراحمين وارحم الراحمين .

وقال بعض أهل العلم ( 24):
( أن الرحمن هو المنعم بجلائل النعم ،و الرحيم هو المنعم بدقائقها ).
قال مقيده عفا الله تعالى عنه وعن والديه : وهذا معني جميل ، الرحمن المنعم بجلائل النعم أي النعم الظاهرة الباهرة و كنت قد قرأت هذا المعني و جعلت أتأمل من أين أتي حتى أكرمني ربي به ، ووجدت هذا المعني ظاهراً جلياً أظهر من الشمس في كبد السماء ، وذلك في سورة الرحمن ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { الرَّحْمَنُ - عَلَّمَ الْقُرْآنَ - خَلَقَ الإِنْسَانَ - عَلَّمَهُ الْبَيَانَ - الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ - وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ - وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ - أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ - وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ - وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ - فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ - وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ - فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } الرحمن 13:1 )
وكما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( لقد قرأتها - يعني سورة الرحمن - على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله ( فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا: و لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد )( 25).
والمذكور في السورة الكريمة كله من النعم العظيمة الباهرة ، و لفظة رحمة من الألفاظ التي وردت في القرآن بأكثر من معنى أغلبها يقع علي النعم .
والرحيم المتفضل بلطائف المنن ، وهذا أيضاً قول حسن لأن المتأمل في ورد اسم الرحيم في أغلب آي القرآن الكريم يجدها تذيلاً إما على آيات توبة ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ( 26) وقوله عزوجل ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ( 27) أو مغفرة ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 28) وقوله عزوجل (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:106) أو تخفيف في بعض الأحوال (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 29) وقوله عزوجل (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 30)
أو إثابة على طاعة ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 31) وقوله عزوجل ( دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) ( 32)
أو آداب وسلوك كقوله عزوجل ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 33) وقوله عزوجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) ( 34)وقوله عزوجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 35)
أو عفو كقوله عزوجل ( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 36)
أو لبيان ما يتصف الله عزوجل به من صفات كقوله عزوجل ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) ( 37)وقولهعزوجل ( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 38) وقوله عزوجل ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (39 )
أظن أن المعني أتضح لديك أخي أن الرحيم المنعم بلطائف المنن وهى المواهب الربانية والعطايا الرحمانية من توبة وإنابة وخشية واستغفر ومنح إلهية كلها تأديب وتهذيب لجموع المؤمنين فهو ألطاف رعاية و عناية تُعنى بالأرواح والقلوب لذا هي لطيفة لطفاً مناسباً للطف هذه الأشياء من اللطيف الخبير الرؤوف الرحيم .
قول ابن القيم :
وصفات الإحسان والجود والبر والحنان والمنة والرأفة واللطف أخص باسم الرحمن وكرر إيذانا بثبوت الوصف وحصول أثره وتعلقه بمتعلقاته فالرحمن الذي الرحمة وصفه والرحيم الراحم لعباده ولهذا يقول تعالى ( وكان بالمؤمنين رحيما ) (40 ) ( إنه بهم رءوف رحيم ) (41 ) ولم يجيء رحمان بعباده ولا رحمان بالمؤمنين مع ما في اسم الرحمن الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به ألا ترى أنهم يقولون غضبان للممتلئ غضبا وندمان وحيران وسكران ولهفان لمن ملئ بذلك فبناء فعلان للسعة والشمول ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيرا كقوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى )( 42) ( ثم استوى على العرش الرحمن )( 43) فاستوى على عرشه باسم الرحمن لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم كما قال تعالى ( ورحمتي وسعت كل شيء )(44 ) فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات فلذلك وسعت رحمته كل شيء وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش إن رحمتي تغلب غضبي) وفي لفظ( فهو عنده على العرش ) فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ووضعه عنده على العرش وطابق بين ذلك وبين قوله ( الرحمن على العرش استوى) وقوله ( ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ) ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى . إ.هـ( 45)
وأما الجمع بين الرحمن الرحيم ، وهو أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم فكان الأول للوصف ، والثاني للفعل . فالأول دال على أن الرحمة صفته ، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته ، وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله :( وكان بالمؤمنين رحيماً )( 46) ، ( إنه بهم رؤوف رحيم ) ( 47) . ولم يجئ قط رحمن بهم فعلم أن رحمن هو الموصوف بالرحمة ، ورحيم هو الراحم برحمته وهذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب ، وإن تنفست عندها مرآة قلبك لم ينجل لك صورتها .( 48)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :والحديث المذكور عن ابن عباس ،لا يثبت لأنه من رواية الكلبي عن ابن صالح عنه ، والكلبي متروك الحديث ،وكذلك مقاتل (فتح الباري ج13 ص410 )
( 2) التفسير ج1 ص11:6بتصريف قد تجدنى قد أطلت في النقل منه لان عليه تعويل المفسرين بعدها فلا تجد عليّ.
( 3) قال مقيده عفا الله عنه وعن والديه: بل صح الحديث على خلافه وقد تقدم ، وضعف هذا ابن كثير رحمه الله
( 4) خص نفسه به ومنعه عن غيره.
( 5) الجامع ج1 ص107:103
( 6) ورواه الامام احمد والبخاري في الادب المفرد و صححه الالبانى في صحيح الجامع وهو في صحيح السنن
( 7) ج1 ص2
( 8) زاد المسير ص5
( 9) تفسير القران العظيم ج1 ص27
( 10) كذلك فعل الشوكانى رحمه الله تعالى
( 11) ج1ص38،39
( 12) الاعتقاد البيهقي ج1ص54
( 13) ابن حجر الفتح ج13 ص 410، وقول الحليمي عند البيهقي في الاسماء والصفات ج1 ص 95.
( 14) أضواء البيان ج1 ص2-3
( 15) تيسير الكريم ص3
( 16) مراح لبيد ص2
( 17) التحرير بتصريف ج1 ص 99:97
( 18) تفسير الفاتحة وجزء عم ج1 ص30
( 19) سبق كلام الإمام الطبري والقرطبي والخطابي والزجاج رحمهم الله تعالى
( 20) نقله عنه القرطبي في الأسنى ج1 ص73
( 21) نقله عنه القرطبي في الأسنى ج1 ص74
( 22)البيهقي في الاسماء والصفات ج1 ص 95و ابن حجر الفتح ج13 ص 410.
( 23) كشف المعاني في متشابه المثاني ص51،52
( 24) نقله د. الشرباصي في كتابه (له الأسماء الحسنى)
( 25) صحيح سنن الترمذي ، صحيح الجامع 5138 من رواية جابر رضى الله عنه والصحيحة برقم 2150
( 26) البقرة:37
( 27) البقرة:160
( 28) البقرة:199
( 29) البقرة:173
( 30) البقرة:226
( 31) آل عمران:31
( 32) النساء:96
( 33) النور:62
( 34) الحجرات:12
( 35) المجادلة:12
( 36) الأنفال:69
( 37) البقرة:163
( 38) المائدة:98
( 39) يونس:107
( 40) الأحزاب : 43
( 41) التوبة : 117
( 42) طه 5
( 43) الفرقان 59
( 44) الأعراف 156
( 45) مدارج السالكين ج1ص39:38
( 46) الأحزاب : 43
( 47) التوبة : 117
( 48) بدائع الفوائد ص24





يتبع إن شاء الله تعالى، إن كان فى العمر بقية

حسام مجدي
02-08-2005, 03:01 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاتة ...

بارك الله فيك أخى الكريم ...

و أضيف عليك إن سمحت لى قول شيخ الاسلام زكريا الانصارى المتوفى سنة 926 هــ .. فى كتابه " فتح الرحمن بكشف ما يلتبس فى القرآن " ... إذ يقول ..

" قوله عز و جلّ " الرحمنِ الرَحيم " فى سورة الفاتحة , كررة لأن الرحمه هى الانعام على المحتاج , و ذكر فى الآيه الأولى المنِعم دون المنَعم عليهم , فأعادها مع ذكرهم بقوله " رب العالمين " الخ .

فإن قيل : " الرحمن أبلغ من الرحيم فكيف قدمة ؟ و عادة العرب فى صفات المدح الترقى من الأدنى إلى الأعلى , كقولهم فلان عالم تحرير . لأنة إذا ذكر الأعلى أولا ثم الأدنى لم يتجدد بذكر الأدنى فائدة خلاف عكسة .

قلت : " إن كانا بمعنى واحد كندمان و نديم كما قالة الحوهرى فلا إشكال , أو بأن الرحمن أبلغ كما علية الأكثر , و إنما قدمه لأنة اسم خاص بالله تعالى كلفظ " الله " .. "

و الله أعلم ..

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتة ...