المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليق على حلقات الفكر الإسلامي والقضايا السياسية



فخر الدين المناظر
10-19-2007, 04:44 PM
الآن يمكن للإخوة أن يدلوا بدلوهم في الموضوع ويقولوا آراءهم فيه ، وقبل الشروع في مناقشة بعض النقط القليلة التي جاءت في حلقات الفكر الإسلامي والقضايا السياسية الموجودة على هذا الرابط
http://eltwhed.com/vb/showthread.php?t=10397

كان لا بد من بطاقة تعريفية للشيخ :

سيرة ذاتية


ولد الدكتور أحمد الريسوني سنة 1953م بناحية مدينة القصر الكبير، بالمملكة المغربية·وبهذه المدينة تابع تعليمه الابتدائي والثانوي.


الدراسة

- حصل على الإجازة في الشريعة من جامعة القرويين بفاس سنة 1978م.

- أتم دراسته العليا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية "جامعة محمد الخامس" بالرباط، فحصل منها على:

- شهادة الدراسات الجامعية العليا سنة 1986م.

- دبلوم الدراسات العليا (ماجستير) سنة 1989م.

- دكتوراه الدولة سنة 1992م.



الأعمال المهنية:

- عمل عدة سنوات بوزارة العدل (1973 ـ 1978)

- عمل عدة سنوات أستاذا بالتعليم الثانوي الأصيل (1978 ـ 1984)

- عمل أستاذا لعلم أصول الفقه ومقاصد الشريعة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة محمد الخامس، وبدار الحديث الحسنية ـ بالرباط ، ( 1986 إلى سنة 2006)

- خبير أول لدى مجمع الفقه الاسلامي بجدة (معلمة القواعد الفقهية )


الأنشطة العامة

- عضو مؤسس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو سابق بمجلس أمنائه

- عضو المجلس التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء المسلمين ، برابطة العالم الإسلامي.

- مستشار أكاديمي لدى المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

- عضو برابطة علماء المغرب ( قبل حلها سنة 2006 ).

- شارك في تأسيس وتسيير عدد من الجمعيات العلمية والثقافية.

- أمين عام سابق لجمعية خريجي الدراسات الإسلامية العليا.

- رئيس لرابطة المستقبل الإسلامي بالمغرب (1994ـ1996).

- رئيس لحركة التوحيد والإصلاح بالمغرب (1996ـ2003).

- المدير المسؤول لجريدة " التجديد " اليومية (2000ـ2004).


العمل العلمي الجامعي:
- تدريس أصول الفقه ومقاصد الشريعة منذ سنة 1986.

- الإشراف على أكثر من خمسين أطروحة جامعية، أكثرها يندرج في إطار مشروع متكامل وشامل في مجال مقاصد الشريعة والفكر المقاصدي.

- المشاركة في التقويم والمناقشة لأكثر من مائة رسالة وأطروحة ( ماجستير ودكتوراه ).


الإنتاج العلمي :

* نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي (ترجم إلى الفارسية، والأردية والإنجليزية).

* نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية.

* من أعلام الفكر المقاصدي.

* مدخل إلى مقاصد الشريعة.

* الفكر المقاصدي قواعده وفوائده.

* الاجتهاد: النص والمصلحة والواقع (ضمن سلسلة حوارات لقرن جديد)

* الأمة هي الأصل (مجموعة مقالات)

* الوقف الإسلامي، مجالاته وأبعاده ( نشرته منظمة الإيسيسكو وترجم إلى الإنجليزية والفرنسية).

* الشورى في معركة البناء.

* الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية.

* بحوث كثيرة منشورة في المجلات العلمية وضمن أعمال الندوات.

فخر الدين المناظر
10-19-2007, 04:50 PM
كنت بصدد كتابة مقال أرد فيه على ماذهب إليه الشيخ الريسوني في الحلقة التي بعنوان :" حرية الاعتقاد وقضية الردة في الإسلام "
http://eltwhed.com/vb/showpost.php?p=72562&postcount=9

فأخبرني أحد الأحبة ان الشيخ الفقيه فريد الأنصاري - رئيس المجلس العلمي بمكناس- قد رد على الريسوني (وهم صديقان مقربان من بعضهما البعض) على نفس الجزئية ،، فقررت الاكتفاء برد الشيخ على هذه الجزئية :

حاول الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني أن يؤول مفهوم الردة إلى ما هو أبعد من مجرد الكفر ,أي : أنه بمعنى الخيانة , ولذلك لم يقل بعقوبة المرتد إلا في هذه الحالة . قلت : وهذا أمر خالف فيه الأستاذ الإجماع , وتلك قضية أخرى .

فأولا : العلماء كانوا على وعي تام بالفرق بين الردة والخيانة, وهذه إنما تسمى في الحدود بالحرابة ولها حكمها المعروف بنص القرآن , وهو قوله تعالى : " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض " المائدة :33 . وأما الردة التي هي : مجرد الخروج من عن ربقة الإسلام أو إعلان الكفر بعد الإيمان دون حرابة أو خيانة – على حد تعبير الأستاذ – فإنما أخذ حكمها- الذي هو القتل حدا – من السنة ومن إجماع الصحابة ومن بعدهم من التابعين ثم فقهاء الأمصار .

ثانيا : حد الردة حكم شرعي مجمع عليه , ومتواتر عن النبي ( ص ) . وذلك في أحاديث بلغت – في نظري – حد التواتر المعنوي على الأقل , بل قاربت التواتر اللفظي , إن لم تكن قد بلغته , وقد روي ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم, عن عدد من الصحابة ليس بالهين .قال ابن عبد البر رحمه الله , : " روى عثمان بن عفان, وسهل بن حنيف وعبد الله ابن مسعود , وطلحة بن عبيد الله , وعائشة , وجماعة من الصحابة , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان , أو زنى بعد إحصان , أو قتل نفس من غير نفس " , فالقتل بالردة – على ما ذكرنا – لا خلاف بين المسلمين فيه , ولا اختلفت الرواية والسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه , وإنما وقع الاختلاف في الاستتابة , ( التمهيد :318/5 ) . وأحاديث الردة مخرجة في الصحيحين , وفي كل كتب السنن , والمسانيد , وغيرها .

وحديث العلماء عن الردة إنما هو بمعنى : إعلان المسلم الكفر والخروج عن وصف الإسلام , بقول أو بفعل , أو بأي شيء يقتضي الكفر بعد الإيمان! وقد فصلوا في ذلك تفصيلا لا يدع مجالا للخلط بينها وبين غيرها من الحدود والتعازير!. (مدونة الفقه الفقه المالكي للصادق الغرياني : 598/4-607) . ولم يشترط أحد في ذلك أن يتواطأ المرتد ضد المسلمين أو يوالي العدو , أو يخون , الوطن , فهذا إنما هو محارب عينه ! أو هو نوع من أنواعه . ولذلك فإن ابن رشد الحفيد قد لخص هذا التمييز بدقة وبوضوح تامين, وتحدث عن حكم الحرابة بمعزل عن حكم الردة, تحدث عن الردة, وقد يجمع المرء بينهما كما سيأتي بيانه . قال : والمرتد إذا ظفر به قبل أن يحارب , فاتفقوا على انه سيقتل الرجل , لقوله عليه الصلاة والسلام : " من بدل دينه فاقتلوه "! )بداية المجتهد : 344/ 2).وهذا حكم المرتد غير المحارب . وأما المرتد المحارب فقال فيه : إذا حارب المرتد ثم ظهر عليه , فإنه يقتل بالحرابة , ولا يستتاب! كانت حرابته بدار الإسلام , وبعد أن لحق بدار الحرب ! ( 344/2).

وقال الإمام النووي في : وجوب قتل المرتد : قد اجمعوا على قتله! لكن اختلفوا في استتابه, هل هي واجبة, أو مستحبة ؟ ( شرح النووي على مسلم ,208/12 ) .

وقال القرطبي في سياق حديثه عن حكم الإيمان بالقرآن الكريم :لو أنكر بعضه منكر كان كافرا ! حكمه حكم المرتد يستتاب, فإن تاب , وإلا ضربت عنقه ! (الجامع لأحكام القرآن :1/480).

وقال الإمام الكاساني الحنفي : "في بيان حكم الردة , أما ركنها وهو إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود الإيمان! إذ الردة : عبارة الرجوع عن الإيمان. فالرجوع عن الإيمان يسمى " الردة " في عرف الشرع !( بدائع الصانع : 6/117) .



وقال ابن قدامة الحنبلي : " المرتد : هو الراجع عن دين الإسلام عن الكفر . [ثم قال :] وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد ! روي ذلك عن أبي بكر , وعمر وعثمان , وعلي ومعاد وأبي موسى , وابن عباس وخالد , وغيرهم ولم ينكر ذلك فكان إجماعا ! ( المغني :9/16).

وقال ابن رجب الحنبلي: وأما التارك لدينه المفارق للجماعة , فالمراد به : من ترك الإسلام , ارتد عنه! فقد يترك دينه ويفارق الجماعة وهو مقر بالشهادتين, ويدعي الإسلام كما إذا جحد شيء من أركان الإسلام, أو سب الله ورسوله, أو كفر ببعض الملائكة, أو النبيين أو الكتب المذكورة في القرآن, مع العلم بلك .(جامع العلوم والحكم : 127/128) .

وقال الصنعاني : يجب قتل المرتد وهو إجماع , وإنما وقع الخلاف: هل تجب استتابته قبل قتله أو لا .( سبل السلام : 3/264).

وقال الشوكاني : الردة من وجبات قتل المرتد , بأي نوع من أنواع الكفر كانت! والمراد " بمفارقة الجماعة " : مفارقة جماع الإسلام, ولا يكون ذلك إلا بالكفر, لا بالبغي الابتداع نحوهما ( نيل الأوطار :1، 147 ).

والدكتور الريسوني استند إلى عموم قوله تعالى : {لا إكراه في الدين}, كما أنها قد تكون صيغ بعد الأحاديث الواردة فيمن جمع بين الردة والحرابة هي التي جوزت له – ولغيره ممن قال بذلك, كالدكتور حسن الترابي – نقض هذا الحكم, كحديث عائشة رضي الله عنها, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال : زان محصن يرجم , ورجل قتل متعمدا, فيقتل , ورجل خرج من الإسلام, فحارب الله ورسوله , فيقتل, أو يصلب, أو ينفى من الأرض!) رواه النسائي. وهذا خاص بمن جمع بين الصفحتين . وقد فصل ابن رجب بذلك تفصيلا: . (جامع العلوم والحكم :127/128).

وورود الأحاديث في حد الردة دون الحرابة هو من الوفرة، بحيث يصعب جدا تأويلها إلى معنى الخيانة أو الحرابة. ولولا خروج ذلك عن غرض هذا التقديم لفصلت أكثر. ولنا في غير هذا الموطن دراسة مختصرة.

وفي النهاية فإنه يمكن تصور ثلاث أحوال المرتد: فرب شخص يكون فعلا قد جمع بين الردة والحرابة، رب آخر حارب دون ردة، ثم آخر ارتد دون حرابة. فكل لك متصور، ولكل حكمه الخاص. وإنما الشاهد عندنا أن المرتد بلا حرابة قد أجمعت الأمة على قتله حدا لا تعزيرا. وتواترت السنة بحكمه هذا، ولم يقل أحد بغير ذلك، إلا في هذا العصر –أحسب- تحت وطأة الضغط الثقافي المتعلق بثقافة حقوق الإنسان من المنظور الغربي طبعا.

وأحسب أن العلة في حد الردة –على ما بينا- إنما هي: إعلان الكفر بعد الإيمان وإشهاره، لا نفس الكفر، وإن كان منهم من قال: بل هي نفس الكفر، وبهذا قتلوا حتى من علم –بضم العين- أن يسر الكفر كالزنديق – .(مدونة الفقه المالكي للصادق الغرياني:4/614)

وأما الحكمة منه فهي قطع دابر الفتنة والبلبلة في المجتمع المسلم وعدم الاستقرار العقدي. قال تعالى: " وقالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على ءامنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" -آل عمران72-.

ولا خلاف في أن تنفيذ مثل هذه الأحكام إنما هو موكول إلى الإمام والحاكم لا إلى غيره. والله تعالى أعلم.

منقول من تقديم الأنصاري لكتاب الحركة الإسلامية ...

khaled2000
10-28-2007, 01:32 AM
الاخ فخر الدين

الاسباب التى اوردتها للقتال هى
1- فالإسلام يشرع الجهاد لحماية حقوق الإنسان،
2- ويشرعه في حالة الدفاع عن العقيدة وحرية الدين
3- ويشرعه في حالة الدفاع عن النفس
و هذا ما ذكرته باختصار
و لكن القران يشرع سببا اخر للقتال مع الدول الاخرى الغير مسلمة لم تذكره انت

{ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ 29 } ( سورة التوبة: 29 )

فالله يامرنا هنا امر واضح بان نقاتل كل الدول غير المسلمة حتى لو لم تكن لديها نوايا سيئة باتجاه الدولة الدينية المسلمة او محاربة لها حتى يدفعوا لنا الاموال لقاء حمايتنا و سكوتنا عنهم !!!
اما دفع الجزية لحمايتنا لهم من ماذا او من من !!
ثم اذكر لك بعض ما ورد عن الجزية
وإذا كانت الجزية لا تفرض إلا على من قاتل المسلمين، اندفع ما يورده بعض القوميين، والمتعصبون على الإسلام، من أن تنفيذ نظام الإسلام في السلم والحرب يحتم أن تؤخذ الجزية اليوم من غير المسلمين في الوطن العربي أو الإسلامي، وهذا مما لا يتفق مع مفهوم الدولة في العصر الحديث ولا تقبله فئات من المواطنين ترتبط برابطة الولاء للدولة مع مخالفتها لجمهور الشعب في عقيدته، إن ذلك مندفع بما قررناه من أن الجزية لا تفرض إلا على من أعلن عداءه للدولة وهو من غير أبنائها، ومن أن مبدأ الجزية ليس نظاماً أساسياً من أنظمة الدولة في الإسلام بل يتطور بتطور العلاقات والظروف التي تجعل الدولة في حل من إسقاطها حين تكون مصلحة الدولة في ذلك
و لكن الا ترى بان هذا الكلام يتعارض مع نص الايه الصريحة و التى تامرنا بقتال كل من لا يطبق شريعة الاسلام او ارغامه على الجزية ؟؟
و السبب الكافى الذى يجعلنا نقاتلها هى كونها غير مؤمنة بالله و لا تطبق شريعة الاسلام بين مواطنيها
اذن فكيف يتفق حسن الجوار مع دولة لا تطبق الشريعة الاسلامية مع نص هذه الاية
و شكرا لك

فخر الدين المناظر
11-02-2007, 01:47 PM
لقد تمت الإجابة عنك هنا :
http://www.eltwhed.com/vb/showpost.php?p=74880&postcount=26

وانتهينا من مداخلتك .

فخر الدين المناظر
11-02-2007, 01:51 PM
رداً على الريسوني: لا تمكين للشريعة بدون دولة تطبقها

أ. سعاد فتيحي :

تنشر جريدة "المساء" منذ بداية شهر رمضان مجموعة مقالات للسيد أحمد الريسوني تحت عنوان "الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة". والحق أنها مقالات قيمة تسلط الضوء على مواضيع خلافية تشغل بال العاملين في حقل الدعوة فتقدم لها معالجات طيبة بأسلوب هادئ ورصين. إلا أن إكباري لعلم السيد أحمد الريسوني لا يمنعني من أن أختلف معه في بعض النقاط وأبدي بعض التعقيبات عليها مع علمي السابق، بل ويقيني بسعة صدره ورحابة فكره التي تجعله يتقبل ملاحظاتي قبولاً حسناً.

لقد عرض السيد الريسوني في الحلقة 12 تحت عنوان "مفهوم الشريعة قبل تطبيق الشريعة" (بتاريخ 27/9)، المفهوم الواسع للشريعة بداية من المعنى اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي وكيف أنها تشمل كل التعاليم الإسلامية بدون استثناء إلا أنه أورد في آخر مقاله: "وهنا رُفِع شعار تطبيق الشريعة الذي اتجه أساساً إلى الشريعة بأضيق معانيها أي الشريعة الممثلة في قوانين الدولة ومحاكمها باعتبار أن هذا المعنى هو محل النزاع وميدان الصراع". فاعتبر الريسوني، دون أن يورد دليلاً على ما يقول، أن جانب الشريعة المتعلق بقوانين الدولة ومحاكمها هو أضيق معاني الشريعة. ثم وفي الحلقة 13 (بتاريخ 28/9) تحت عنوان "شريعة بلا حدود" عدّد الأمثلة على كل ما يدخل في باب الشريعة من الإيمان بالله والخوف منه والحياء منه إلى مكارم الأخلاق وحسن المعاشرة... حيث صنفها في ثلاثة أجزاء: العقائد، الأخلاق، المعاملات والتكاليف العملية. ورغم قوله إن "الحكم بين الناس بما أنزل الله وبكل ما هو عدل وإحقاق للحق هو جزء كبير من شريعة الله"، إلا أنه عاد ليقول: "إن من يدرك هذا المعنى الحقيقي للشريعة لا يمكنه أن يقول اليوم: إن الشريعة معطلة، أو إن تعطيل الشريعة أو تطبيق الشريعة هو بيد الدولة ومن اختصاص الدولة، أو يحتاج إلى قيام «الدولة الإسلامية»، أو قيام الخلافة...كما لا يمكنه السقوط في حصر الشريعة في عدد محدود من أحكامها، أو من نظامها العقابي بوجه أخص. إن مقولات: «تعطيل الشريعة، وإلغاء الشريعة، والمطالبة بتطبيق الشريعة»، كلها تصبح نسبية الصحة، بل قليلة الصحة.. فتعطيل أحكام من الشريعة صحيح، لكن ما نسبتها من مساحة الشريعة؟ ما عدد الشعَب المعطلة من مجمل شُعَب الشريعة؟ وما نسبة التعطيل في كل شعبة؟ وهل التعطيل خاص بالحكام والمحاكم؟" ثم أكد هذا المعنى في مقدمة الحلقة 14 (بتاريخ 29/9) تحت عنوان " تطبيق الشريعة بين الدولة والمجتمع" حيث بدأ مقاله بالقول: "لقد اتضح من خلال الحلقتين الماضيتين، مدى اتساع الشريعة وامتدادها وتنوع مضامينها، وأنها ليست بذلك الضيق الذي يتصوره أولئك الذين يرهنون الشريعة بيد القضاة والولاة، أو بيد المحاكم والحكومات، فإن هم طبقوها فقد طُبقت وعاشت، وإن هم نبذوها فقد عطلت وماتت! فالشريعة أكبر شأناً من أي يكون مصيرها، وتطبيقها وتعطيلها، بيد حفنة من الحكام والولاة، وتحت رحمتهم وتقلباتهم. نعم للشريعة أحكام جنائية ومدنية، ولكن هذه الأحكام جزء من الشريعة، وليست كل الشريعة، وليست رمزاً للشريعة". ثم مضى المقال محاولاً أن يبين، من وجهة نظره، أنه على مر التاريخ، كانت الشريعة مطبقة ليس لأن الحكام يطبقونها ولكن لأن "المجتمع المدني" بمختلف أطيافه كان حريصاً على تطبيقها وعلى إلزام الحكام بالتقيد بها.

وهنا لا أملك إلا أن أطرح التساؤلات الآتية:
هل ربط الشريعة بالجانب المتعلق بقوانين الدولة ومحاكمها هو فعلاً تضييق لمعاني الشريعة؟ وهل أحكام الشريعة المتعلقة بهذا الجانب قليلة؟
ما الغرض من هذا البحث الآن؟ وما هي الفكرة الأساسية التي يراد تمريرها للقارئ منه؟

إن أول نقطة أختلف فيها مع السيد الريسوني، هي هذه النظرة "الإحصائية" التي يتعامل بها مع النصوص، فالحكم لا يصبح آكداً في نظره، إلا إذا تكرر دليله كثيراً، وما لم يتكرر كثيراً فإن أهميته تتراجع إلى الوراء، فهو حين يقول: "ومن أراد أن يتأكد من مساحة الدولة ومساحة الأمة، في تطبيق الشريعة، فليقرأ القرآن من أوله إلى آخره، ولْـيُسَجِّل في مكانين منفصلين ما يتوقف على الدولة ولا يتم إلا بها، وما لا يتوقف على الدولة ويمكن أن يتم بدونها، ثم ليحسب ولينظر النتيجة"، فهذه دعوة من السيد الريسوني إلى إبداع قاعدة أصولية جديدة لاستنباط الأحكام الفقهية والترجيح بين الأحكام ما سمعنا بها من قبل، وهي النظر إلى عدد مرات تكرار النصوص المتعلقة بمسألة ما، فما تكرر كثيراً كان راجحاً وما لم يتكرر كثيراً كان مرجوحاً. وأخطر من هذا قوله "فتعطيل أحكام من الشريعة صحيح، لكن ما نسبتها من مساحة الشريعة؟ ما عدد الشعَب المعطلة من مجمل شُعَب الشريعة؟ وما نسبة التعطيل في كل شعبة؟" فهل نفهم من هذا أنه لا ضير إذا تم تعطيل جزء ما إذا كان بسيطاً؟ ولماذا يتساءل عن نسبة التعطيل؟ هل جاءت النصوص بحد معين أو نسبة مئوية إذا لم يتم تجاوزها لم يأثم المعطِّلون؟ منذ متى يتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية بعقلية النسب المئوية؟ ألم يقل الله تعالى: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (*) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ))، ألم يقل: ((وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ))، فكيف بعد هذا يستهان بتعطيل أحكام شرعية بدعوى أنها جزء بسيط!

ثم من قال أصلاً إن أحكام الشرع المتعلقة بالدولة هي جزء بسيط؟ إن علاقة الأحكام المتعلقة بالدولة بتلك المتعلقة بالأفراد كعلاقة الجذع بفروع الشجرة، فالكل يعلم أن للشجرة جذعاً واحداً، وعن هذا الجذع تتفرع كل فروع الشجرة التي قد تصل إلى المئات وقد تفوق ذلك، فكون الجذع واحداً والفروع كثيرة لا يعني أن الجذع دون أهمية وأن الفروع لكثرتها تستطيع أن تعيش في استقلال عنه، فالمسألة لا تحسب بالعدد، لأن قطع الجذع وإن كان واحداً يؤدي إلى موت الفروع وهي بالمئات. وكذلك الأحكام الشرعية، فتلك المتعلقة بالدولة هي كالجذع، وتلك المتعلقة بالأفراد هي كالفروع. وغياب الدولة يؤدي بالضرورة إلى ضمور الأحكام المتعلقة بالأفراد ولو بعد حين.

وزيادة في التوضيح، سأضرب مثالاً آخر كي أبين ضرورة أن تحمل الدولة لواء الإسلام لكي توجد الشريعة في الواقع.

فالصلاة مثلاً، قد يظن البعض أنها لا تحتاج إلى الدولة لكي توجد في الواقع بينما الصحيح خلاف ذلك. فإيجاد التزام واسع بأداء الصلاة يقتضي أن يُعلَّم الناس أحكام الطهارة، والوضوء، وأحكام الصلاة وفرضيتها، وأن توفر المساجد في كل الأحياء، وأن تُعدَّل مواقيت العمل والدراسة في كل البلاد لكي تتوافق مع أوقات الصلاة، وأن يعاقب المتخلفون عنها بدون عذر. وهذه الخطوات لا يمكن إيجادها إلا إذا كانت الدولة مطبقة للشرع أو على الأقل تحمل همَّ الصلاة. وغياب هذا الأمر في الواقع هو الذي ينتج ما نراه من ضعف التزام الناس بالصلاة، فأحكام الطهارة والوضوء والصلاة لا تدرس في المقررات الدراسية إلا مرة واحدة وفي سن مبكرة، وقد يُدرَّس الغُسل من الجنابة لطفلٍ لا يعرف معناها أصلاً، ثم لا يلبث أن ينسى الطالب ما درس، أما عن توفير المساجد، فهو أمر متروك للناس والمبادرات الفردية، فإن تطوعوا ببناء مسجد، أو اتخذوا قبو منزل تأكله الرطوبة مسجداً لهم فبها ونعمت، وإلا كانوا مضطرين إلى شد الرحال إلى أقرب مسجد أو أضاعوا صلاة الجماعة، وأما تعديل مواقيت العمل والدراسة لتتوافق مع أوقات الصلاة، فالعكس تماماً هو الحاصل، فالاجتماعات لا تحلو للمسئولين إلا وقت صلاة الجمع، والامتحانات لا تحلو للمدرسين إلا في هذا الوقت أيضاً! لقد أصبحت الموافقة بين العمل / الدراسة والصلاة في أوقاتها أمراً لا يُتوصَّل إليه إلا بشق الأنفس، وكم من مقرات عمل أو مدراس ليس فيها مساجد أصلاً، وكم من موظف طُرِد أو ضُيِّق عليه لأنه "ضُبِط متلبساً" وهو يصلي في أوقات العمل! وكم من مواطن أصبح هدفاً لتعقب أجهزة المخابرات لأنه يواظب على صلاة الجماعة في المسجد خصوصاً صلاة الصبح! أما عن معاقبة المتخلفين عن الصلاة، فهذا أمر قد يثير الضحك والسخرية، لقد أصبح أمراً عادياً أن تجد الناس جالسين للاستماع إلى خطبة صلاة الجمعة، وجهاً لوجه مع المقاهي الملاصقة للمسجد والمتاجر والمطاعم وهي مفتوحة بشكل عادي بل وتغص بالزبائن! وأصبح أمراً عادياً أن ينبعث الأذان من المساجد أو أن تسمع إقامة الصلاة دون أن يتغير في الشارع شيء، فمن أراد أن يصلي فدونه المسجد، ومن لم يرد فلا حرج عليه ولا تثريب!

هذا عن الصلاة وهي عبادة تربط بين العبد وربه ويبدو واضحاً مما أوردتُ أهمية الدولة في إيجاد الالتزام الواسع بها، فكيف إذا تعلق الأمر بالمعاملات مما يربط الناس ببعضهم، لا شك أن دور الدولة يكون أعظم وأعظم!

إن الوضع الذي أصبحنا نعيشه ليس هو تقاعس الدولة عن تطبيق الشرع وترك الأمر للأفراد ليتدبروا أمرهم دون مساعدة منها، ولو كان الأمر كذلك لكان هيناً، أو لنقل أهون، لكن الإنصاف يقتضي القول إن دور الدولة أصبح هو العمل الدؤوب لإيجاد الأجواء التي تصرف عن الالتزام بالشرع، إما بفتح الباب على مصراعيه لمروجي الأفكار والتيارات الهدامة وتمكينهم من كل وسائل التأثير، أو بالتضييق الأمني على الملتزمين ومطاردتهم.

إن المسألة ليست إيجاد أفراد ملتزمين بالشرع في المجتمع، فوجود هؤلاء لم يكن يوماً مشكلاً، لكن المسألة هي إيجاد مجتمع ملتزم بالشرع، مجتمع تطغى عليه الأفكار والمشاعر الإسلامية ويتحاكم أهله للشرع فيما شجر بينهم، مجتمع يدرك الداخل إليه من أول لحظة أنه يحيا في ظل نظام متميز وطراز معين من العيش تتحكم الأحكام الشرعية في كل دواليبه، تتكرر فيه كلمتا "حلال" و"حرام" ملايين المرات يومياً، مجتمع تخضع فيه كل المعاملات والأفعال والأقوال لمقياس واحد هو مقياس الحلال والحرام، وهذا المجتمع المطلوب الذي يطمح كل مسلم للعيش فيه والاستظلال بظله، لا يمكن أن يوجد إلا وجدت الدولة التي تحمل على عاتقها تطبيق الشرع، وما لم توجد هذه الدولة، فإن الأفراد مهما بلغت درجة إيمانهم وبلغ ورعهم وتقواهم فإنهم لن يستطيعوا إيجاده، وسيبقى الشرع في تراجع والفسق والمعاصي في تزايد، وصدق رسول الله إذ يقول: «لَتُنْتَقَضَنَّ عُرَى الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتُقِضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، فَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً: الحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلاَةُ ». فانتقاض عروة الحكم هو الذي يؤدي إلى انتقاض باقي العرى، وما دامت العروة الأصلية منتقضة، فانهيار باقي العرى مسألة وقت فقط، وهذا ما نراه عملياً.

إلا أن الذي يثيرني بالأساس في مقالات السيد الريسوني هو سبب وتوقيت طرح هذا الموضوع أصلاً، بالإضافة إلى ماهية الانطباع الذي يوجده عند القارئ.

إن القارئ يحس بوضوح أن الكاتب يسعى باستماتة لإيجاد انطباع بأن الوضع ليس بتلك الدرجة من السوء التي يتصورها الناس، وبالتالي فاستياؤهم غير مبرر، فالشرع مطبق فعلاً، وإن كان هناك جزءٌ بسيطٌ وهو المتعلق بالدولة والقوانين ليس مطبقاً، فإنه على العموم ليس جزءاً جوهرياً ولا يجب أن يثير أي امتعاض، وعليه فرفع الصوت للمطالبة بتطبيق الشريعة أو بإيجاد الدولة التي تطبق الشرع (الدولة الإسلامية، دولة الخلافة، ...) غير مبرر، وإصرارهم على مطالبهم "نسبي الصحة، بل قليل الصحة" كما يقول الكاتب.

وهنا أتساءل: في مصلحة من يصب إيجاد هذا الانطباع؟

لقد أصبحت عودة الدولة الإسلامية التي تطبق الشرع، هي الشغل الشاغل للعالم اليوم بين ساعٍ ومُتمَنٍّ لها، وهم قطاع واسع ومتزايد من الأمة، وبين خائف مترقب ترتعد فرائصه فزعاً منها، وهم قادة الغرب وسياسيوه كما تواترت بذلك تصريحات بوش وبلير وساركوزي وغيرهم الذين حذروا من دولة الخلافة القادمة التي ستضم العالم الإسلامي من الأندلس إلى إندونيسيا. وفي هذا الوقت الذي تتطلع فيه الأمة إلى قرب الفرج، ويتمنى الغرب لو تنشق الأرض وتبلع المسلمين ومشروعهم، يقول لنا السيد الريسوني: مهلاً، مهلاً، فلا داعي للدولة الإسلامية ولا لدولة الخلافة، فالشرع مطبق، وما عطل منه جزء بسيط دون أهمية!

من الواضح أن مثل هذا القول يؤثر في ثلاث اتجاهات أقل ما يقال عنها أنها خطيرة:
اتجاه يضعف عزائم المطالبين بتطبيق الشريعة والعاملين لعودتها بالحط من سمو الهدف الذي يعملون من أجله،
واتجاه يبرئ الحكام من مسئوليتهم في تعطيل الشريعة ما دام أن الجزء الذي يعطلونه بسيط،
واتجاه ثالث يطمئن الغرب ويهدئ مخاوفهم بإبعاد الغول الذي ترتعد فرائصهم منه.

لقد نقلت كتب السيرة والتاريخ مواقف تروي كيف كان المسلمون يتخذون في بعض الأحيان مواقف قد يبدو منها ظاهرياً أنها تخالف الشرع، ولكن التعمق في دراستها حين تجرأيظهر أنها مواقف شرعية أملتها ظروف غير عادية، منها ما فعله رسول الله عليه بعض شباب قريش وأخذوا يتغامزون عليه وهو يطوف بالكعبة فخاطبهم قائلاً: «أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لقَدْ صاحب السيرة العطرة المفعمةجِئْتُكُمْ بِالذّبْحِ!». فهل يعقل أن يكون رسول الله بالحلم والأناة يريد ذبح قريش، وهل يعقل ممن يقول هذا أن يخاطب قريش بعد فتح مكة بقوله: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاءُ»!؟ وتفسير ذلك أنه كان مضطراً لذلك أمام تجرؤ أولئك السفهاء فنهرهم بعنف وهددهم بما لا ينوي فعله حتى يرتدعوا ويكفوا عن :مضايقته. وهذا بالضبط ما حصل حيث تورد كتب السيرة أثر موقف رسول الله (فَأَخَذَتْ القَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلا كَأَنّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ حَتّى إنّ أَشَدّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ مِنْ القَوْلِ حَتّى إنّهُ لِيَقُولَ: "انْصَرِفْ يَا أَبَا القَاسِمِ فَوَاَللّهِ مَا كُنْتَ جَهُولاً" ).

ومما يحلو لما يسمى أنصار "الإسلام المعتدل" الاستشهاد به في هذا الإطار، قصة ابن تيمية حين أنكر على من أنكر على قوم من التتار يشربون الخمر، وقال له: «إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الخَمْرَ لأَنَّهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ، وَهَؤُلاءِ يَصُدُّهُمْ الخَمْرُ عَنْ قَتْلِ النُّفُوسِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ وَأَخْذِ الأَمْوَالِ، فَدَعْهُمْ ». فـ "يستنبطون" من هذه الحادثة جواز عدم إنكار منكر إذا كان سينتج عنه منكر أكبر، وبالتالي جواز "تعديل" حكم شرعي حسب الظرف القائم، إلا أن الذي يتغافلون عنه هو أن هذا التعديل إذا جاز، فإنه يجب أن يكون في الاتجاهين تساهلاً وتشديداً.

وقد أوردت كتب التاريخ حادثتين معبرتين عدّل فيهما المسلمون مواقفهما بحسب الظرف القائم، واتخذا موقفاً قد يبدو من الوهلة الأولى أنه خاطئ. أورد ابن كثير في وصف مقدمات وقعة اليرموك أن ماهان (قائد جيش الروم) طلب خالداً بن الوليد ليبرز إليه فيما بين الصفين، فقال ماهان: "إنا قد علمنا أن ما أخرجكم من بلادكم إلا الجهد والجوع، فهلموا إلى أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوةً وطعاماً وترجعون إلى بلادكم، فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها". فقال خالد: "إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنّا قومٌ نشرب الدماء، وأنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك". فهل كان المسلمون فعلاً يشربون الدماء المحرمة؟ وهل ذاق الناس دماء بعضهم فعرفوا أن دم الروم أطيبها؟ بالطبع لا، لكن الموقف موقف عز والحرب على الأبواب والرماح مشرعة، وهذا قائد الروم يستصغر المسلمين ويخاطبهم بصلف وعجرفة ويصورهم أنهم رعاع ما أخرجهم إلا طلب المال والطعام والكسوة، فكيف يرد على مثل هذا؟ وقد أوردت كتب التاريخ أيضاً أن أحد ملوك النصارى في الأندلس كان يتهيأ لحرب المسلمين، وكان يرى في منامه أنه يمتطي فيلاً وأن الطبول تنقر بين يديه، ولما تكرر المنام بحث عمن يفسره له، فدلته حاشيته على فقيه مسلم معبر للرؤى، فلما أُحضر بين يديه، علم الفقيه المسلم الفذ أن الرؤيا هي من حديث النفس، فالملك مشغول بالتهييئ للحرب لذلك فهو يسترجع ذلك في منامه، لكن الفقيه المسلم أبى أن يطمئنه، ولما كان يعلم بما يهيئه الملك النصراني قرر أن يُخَذِّله فعبر له رؤياه بقوله: أبشر بالهزيمة يا عدو الله، فأما الفيل، فإنا نجد في القرآن قوله تعالى: ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ (*) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (*) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (*) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (*) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ))، وأما نقر الطبول، فإنا نجد في القرآن: ((فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (*) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (*) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ))!!

إن الغرب وهو يسفك ويفتك بالمسلمين ترتعد فرائصه من عودة الدولة الإسلامية التي ستسيطر على أغنى بقاع العالم وتقطع أطماعه وتحمي بلاد الإسلام، وبدل أن نستغل رعبه هذا، بتضخيم ما يخيفه منا والتقليل مما يجرئه علينا، وذلك لدفعه إلى ترك بلادنا والرحيل عنا أو على الأقل لحقن دمائنا، بدل ذلك نتطوع بتهدئة روعه والقول له: لا عليك، نحن نتكفل بصرف خصومك عن تحقيق ما يخيفك! وهنا أقول للسيد الريسوني: حتى لو كان ما تقوله صحيحاً من أن الجزء المعطل من الشريعة لا يحتاج إلى دولة لإقامته، فإن الظرف السياسي الدولي المتمثل في تنامي مطالبات المسلمين بالخلافة ورعب الغرب من عودتها، يقتضي منك أن تتبنى من الآراء ما يوافق التيار الإسلامي، فإن لم تشأ فلا أقل من أن لا تبوح برأيك لكي لا يستفيد منه خصومنا، واقرأ إن شئت قوله تعالى: ((... ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ ))، فقد رتب الله تعالى الأجر على عمل لمجرد كونه يغيظ الكفار بغض النظر عن الضرر الفعلي المترتب من الفعل عليهم، فوطئ موطئ ما لا ينتج عنه ضرر مادي للكفار، إلا أن كونه يغيظهم، فقد جعل الله عليه أجراً. وبمفهوم المخالفة، يكون كل مسلم آثماً إذا هو قام بعمل يدخل السرور والفرح والطمأنينة على قلوب الكفار المحاربين وهو يعلم. وهذا الرأي الذي تفضلت به يا سيد ريسوني لا شك أنه يدخل الطمأنينة إلى قلوب الكفار، فالأولى أن تضمه بين جناحيك حتى إن كنت ترى أنه صواب.

وفي الأخير، أسأل الله أن تنزل ملاحظاتي على قلبك برداً وسلاماً، واعلم أن اختلافي معك لا ينقص من تقديري لك ولعلمك، فبارك الله فيك، وهدانا وإياك إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة.

فخر الدين المناظر
11-02-2007, 01:56 PM
حديث الخلافة بميزان المحدِّثين

وقفـة مع الدكتـور الريسونـي

بقلم:أ. محمد بن الأزرق الأنجري
جاء بمقاله في جريدة المساء المغربية الصادرة يوم17/09/2007:
وحتى الحديث الضعيف الذي رواه الإمام أحمد وغيره، وحسنه بعض المتأخرين، وهو: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون..." الحديث ثم قال: حتى هذا الحديث لو سلمنا به، فهو لا يحدد ولا يصف نظاما معينا جاهزا، ولا يلزمنا بتسمية الخلافة... انتهى.
ولست هنا ملزما بمناقشة قضية الخلافة هل هي نظام إسلامي محدد المعالم أم لا، وإنما يعنيني في هذا الموضع مناقشة فضيلة الدكتور في حكمه على حديث صحيح بالضعف.
فأقول وبالله التوفيق:
الدكتور الريسوني معروف بتخصصه في مجال الفقه والبحث في المقاصد، وهو تخصص شريف، لكنه لا يرشح صاحبه للكلام على الأحاديث من حيث التصحيح والتضعيف، فكان على فضيلة الدكتور أن يقف عند تخصصه.
إن سياق كلام الدكتور يوهم أمرين:
أحدهما: وهو أن الحديث معروف الضعف مشهور به بين المحدثين، أي أن الريسوني وجد الحفاظ والمحدثين ينصون على تضعيف الحديث!
وهذا تدليس مستقبح وإيهام مستبشع، فلا أحد من المحدثين ضعف حديث الخلافة، لا من المتقدمين ولا من المتأخرين.
والثاني: هو أن السيد الريسوني قام بجمع طرق الحديث ودراستها، فاستخلص أنه ضعيف.
وهذا ما لا يتصور حصوله من رجل لا يعرف بين المشتغلين بالحديث وعلومه.
ولنفترض أن للدكتور دراية بالحديث، ففي هذا الحال نقول لفضيلته:
إن الحكم على الحديث بالضعف يتطلب بيان سبب ضعفه، فلست في مرتبة الأئمة الذين يعتمد قولهم وحكمهم على الحديث من غير بيان العلل!
فكان عليك أن تفسر لنا مستندك في ادعائك ضعف هذا الحديث الصحيح جدا.
ونحن نجزم بأن الدكتور لم يبذل وسعه في جمع طرق الحديث وشواهده ودراستها، لأنه لو فعل ذلك، واحتكم إلى القواعد العلمية المعتمدة، لما وسعه إلا الجزم بصحة الحديث أو تحسينه في أقل الأحوال.
ومن أمارات ما جزمنا به، زعمه أن تحسين الحديث لم يذهب إليه إلا بعض المتأخرين، في إشارة إلى الألباني رحمه الله، فقد رأيت أن ثلاثة من كبار الحفاظ المتقدمين سبقوا الألباني إلى ذلك، وهم ابن كثير وابن حجر والسيوطي.
وعموما، فكلامك فضيلة الدكتور، لم يتضمن ما يستحق المناقشة المطولة، لأنه عار عن البرهان، ولكنني أطرح عليك هذه الأسئلة راجيا تفضلك بالإجابة عليها:
أولا: أجمع المحدثون على أن الحديث يكون صحيحا بخمسة شروط، هي: عدالة رجال إسناده، وضبطهم، وثبوت الاتصال بينهم، وخلوه من الشذوذ والعلة.
إذا كنت مقرا بهذه القاعدة المتفق عليها بين العقلاء، وقد علمت أن حديث حذيفة بن اليمان بمفرده، مستجمع للشروط الخمسة، أفلا يجب عليك الإقرار بصحته؟
ثانيا: هل تؤمن بالقاعدة الحديثية القائلة: إن الحديث الضعيف إذا كان له طريقان ضعيفان، أو طريق واحد ضعيف ووجدت له شواهد تتضمن معناه، لزم تحسينه، فإذا تعددت طرقه وتكاثرت، صار صحيحا وإن كانت كلها ضعيفة على انفراد؟
وبناء على هذه القاعدة المقررة: ألا يلزمك التسليم بصحة الحديث على فرض وجود الضعف في كل طرقه وشواهده؟
ثالثا: لقد أوقعت القارئ في وهمين سبق ذكرهما، فهل رأيت أحدا من المحدثين يحكم على حديث الخلافة بالضعف؟ أم أنك توصلت إلى ذلك بعد بحث شخصي؟
نرجو من سيادتكم التفضل بالإجابة على هذه الأسئلة، تتميما لمقالاتك وتكملة، ولكم الشكر على ذلك.
والسلام.

ملحوظة :الأستاذ الأزرق ينبهك الأستاذ الريسوني أن ابن كثير وابن حجر والسيوطي ليسوا من المتقدمين ، بل من المتأخرين . أما الألباني فهو من المعاصرين.