المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في الشك المنهجي والمعرفي.



فخر الدين المناظر
12-04-2007, 02:58 PM
1_ ما الشك المنهجي؟
يشتبه هذا النوع من الشك مع الشك المطلق لأنه يبدأ من نفس البداية ويستند إلى نفس الحجج في نقده للمعرفة الحسية والعقلية.
إن الشاك شكا منهجيا، مؤمن بوجود الحقيقة ولكنه لا يسلم بها تسليم الاعتقاديين، من عقليين وتجريبيين، وإنما يتوجه شكه على أصول ومصادر المعرفة عند كل منهما. إذ يرى أنه لابد من تحليل المبادىء الأولى وأن نقطة الانطلاق في البحث عن الحقيقة والوصول اليها بحاجة إلى حذر واحتياط كما أنه لابد من مناقشة المبدأ للمعرفة، سواء كان العقل أم الحس. أي لابد من مناقشة فكرة العقل عند العقليين ومدى قدرته على تحصيل المعرفة، ومناقشة فرض التجريبيين القائل بأن المعرفة مستحيلة خارج حدود التجربة. فالشك هنا إذن منهج وطريقة، إنه حركة تنظيم يخلص النفس من أعباء أفكاره لا تأنس إليها ولا ترتاح لها ليقيم على أنقاضها أفكار ترتاح لها وتأنس إليها وهو أحيانا حركة فحص وعلاج يتبين ما في الرأي من ضعف ليصلحه وما في الفكرة من نقص ليكملها. فالشك هنا وسيلة لا غاية وطريق يوصل إلى اليقين.
2_ الغزالي والشك المنهجي:
عاش الإمام الغزالي في جو من التوتر العلمي والاختلافات المنهجية، فكان في عصر، للفلسفة فيه شأن كبير ولها منهج في البحث عن الحقيقة وقد افتتن بها فلاسفة المسلمين، والقوا في ساحة الفكر الإسلامي تجربتهم في التوفيق بين الدين والفلسفة حتى بهرت الناس. وكان يقابلهم مدافعا عن أصالة الفكر الإسلامي ومفاهيمه علم الكلام كحركة دفاعية غرضها الدفاع عن العقائد الإسلامية، إقامة الحجج العقلية المستلهمة عن النص والتي لا تخرج من قوانين العقل لإثبات عقائد الإسلام وإفحام الخصم المجادل. وكان هناك من يشك في قيمة العقل والحس أصلا طريقين للمعرفة ويرى أنه لابد من التعويل على الإمام المعصوم في الدين فقط كما تدعي الباطنية أو التعليمية. وكان هناك فريق آخر، يبحث عن نوع معين من المعرفة بعيداً عن ضجة الفكر والعقل والفلسفة وهم الصوفية. وللحقيقة في نظرهم طريق مختلف عن طرق غيرهم هي طريق الذوق والكشف والإلهام العلمي _ وليس الفكري _ القائم على تصفية القلب وإعداد النفس ورياضتها ومجاهدتها حتى تصل إلى درجة الفناء في الحقيقة الأزلية، وقد تتحد معها وينكشف السر وتتجلى الحقيقة، مما لا يمكن أن يعبر عنها منطق العقل، ولا أداء اللغة.
ومع هذا الاضطراب المنهجي والترف الفكري بألوانه عادت الحقيقة ببساطتها صعبة المنال. ولم يكن الإمام الغزالي كشخصية علمية باحثة يرضيه أن ينغمس في إحدى هذه الطوائف انغماسا نهائيا لأن روح الشك والبحث عن الحقيقة، هي الأهم من كل شيء في نظره. فدرس الفلسفة ودرسها وألف فيها كتابه المشهور "مقاصد الفلاسفة". ولكنه ثار على اتجاهها الوثني وألف كتابا ضدها سماه "تهافت الفلاسفة".*
ثم جاس الغزالي خلال ديار كل من المتكلمين والباطنية والتصوفة ولم يبق من أهل التقليد وانتهى الأمر به إلى أن أصبح متصوفا ومؤسسا للمعرفة على أساس عقلي ويقيني. وهذا النمط من التصوف خفف غلو الاتحاديين والحلوليين وحاول إرجاع التصوف إلى دائرة الشرع كما يظهر ذلك في موسوعته الكبيرة "إحياء علوم الدين".
وهذا الشك الذي اعتنقه الغزالي منهجا للبحث عن الحقيقة لم يثنه عن الاقتناع التام بالحقيقة وعن الاعتراف بإمكان معرفتها. ولكن الذي كان يشغله هو تمحيص هذه الأداة العارفة للحقيقة واليقين في هذه الأداة، ومن ثم تجاوز قنطرة الإيمان بالحق إلى الإيقان به يقينا لا يقارنه إمكان الغلط والوهم فيه.
الغزالي والحس:
فالحس لم ينج من أن تصوب إليه سهام النقد حتى قبل أن يشك الغزالي. ذلك أن مسألة خداع الحواس اثارها كثيرون قبله وبعده. وهو يقول بهذا الصدد "والنفس في أول الفطرة أشد إذعانا وانقيادا للقبول من الحاكم الحسي والوهمي لأنهما سبقا في أول الفطرة إلى النفس وفاتحاها بالاحتكام إليها. فألفت احتكامهما وأيقنت بهما، قبل أن أدركها الحاكم العقلي، فاشتد عليها الفطام من مألوفها والانقياد لما هو كالغريب من مناسبة جبلتهما فلا تزال تخالف حاكم العقل وتكذبه وتوافق حاكم الحس والوهم وتصدقهما.. وإن أردت أن تعرف مصداق ما نقوله في تخرص هذين الحاكمين واختلالهما فانظر إلى حاكم الحس كيف يحكم" ثم ساق أمثلة على اختلال الحاكم الحسي منها قوله: "من أين الثقة بالمحسوسات وأقواها حاسة البصر؟ وهي تنظر إلى الظل فتراه واقفا غير متحرك وتحكم بنفي الحركة ثم بالتجربة والمشاهدة بعد ساعة تعرف أنه تحرك وأنه لم يتحرك دفعة بغتة بل على التدريج ذرة ذرة حتى لم تكن له حالة وقوف".
الغزالي والعقل:
أما الحاكم العقلي فهل هو بمنجاة من الشك عند الغزالي في منهجه الشكي؟ وهل يمكن أن تسلم نفسه بالأمان فيه؟
هنا تكمن عقيدة الشك المنهجي عند الغزالي فهل يشك الغزالي في قدرة العقل على الوصول إلى معرفة؟ وهل الحل الذي يحل به عقدة الشك هذه حل عقلي، حتى مع شكه في العقل شكا منهجيا غير مطلق، أم أن العقل يلحق بالحس كأداتين لا قيمة لهما في المعرفة _أقصد في تأسيس المعرفة _ ؟ وهل هنالك من طريق آخر تؤسس عليه المعرفة؟ وما طبيعته؟
وقف الغزالي عند هذه المسألة وقفة أكدت عزمه في البحث عن الحل، وشكه في العقل لاحتمال أن يكون ثمة طور يكذبه إذ قال: "فقالت المحسوسات بم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات وقد كنت واثقا بي، فجاء حاكم العقل فكذبني ولولا حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقي؟ فلعل وراء إدراك العقل حاكما آخر، إذا تجلى كذب العقل في حكمه كما تجلى حاكم العقل فكذب حاكم الحس في حكمه. وعدم تجلي ذلك الإدراك لا يدل على استحالته فتوقفت النفس في جواب ذلك قليلا وأيدت إشكالها بالمنام. وقالت: أما تراك تعتقد في النوم أمورا وتتخيل أحوالا وتعتقد لها ثباتا واستقرارا ولا شك في تلك الحالة فيها. ثم تستيقظ فتعلم أنه لم يكن لجميع متخيلاتك ومعتقداتك أصل وطائل"..
وأخذ الغزالي يبحث عن الحل بعد هذه الحيرة التي تملكته، وكيف ومن أين تأتي الثقة بهذه البديهيات أو الضروريات العقلية؟ أبالحس وهو لا ثقة فيه؟ أم بالعقل المستدل؟ أبالمنطق أم بطريق خارجي؟ وما عساه أن يكون؟.
حل الغزالي وتأسيس المعرفة:
يقول الغزالي في كتابه (المنقذ من الضلال): "فلما خطرت لي هذه الخواطر وانقدحت في النفس حاولت لذلك علاجا فلم يتيسر، إذ لم يكن دفعه إلا بدليل، ولم يمكن نصب الدليل فأعضل هذا الداء ودام قريبا من شهرين، أنا فيهما على مذهب السفسطة بحكم الحال لا بحكم المنطق والمقال. حتى شفى الله تعالى وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال، ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقا بها على أمن ويقين. ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام بل بنور قذفه الله تعالى في الصدر. وذلك النور هو أكثر المعارف فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المحررة فقد ضيق رحمة الله تعالى الواسعة".
وسنعرض للحلول من خلال نص الغزالي مرجحين أقواها:
(أ) الحل الصوفي:
يفسر الصوفية النور الذي قذفه الله في الصدور بأنه بالكشف أو الإلهام أو بالذوق. معتمدين في ذلك على أن الغزالي ارتضى في آخر حياته أن يكون صوفيا. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى على الترتيب الزمني الخاطىء في ترتيب كتب الغزالي إذ يدعون أن كتاب المنقذ يعد من كتبه المتقدمة ودليلهم على ذلك أن صياغته منطقية وليست معلوماته مرتبة ترتيبا زمنيا وإنما ترتيبها منطقي، ومن ثم فلا يمثل صورة أمينة لحياة الغزالي وتصوره. ولعل الدكتور عثمان أمين قد شايع هذا الاتجاه فادعى أن "الشك المطلق عند الغزالي قد أفضى إلى حال من الاشراق الصوفي".
(ب) الحل اللاعقلي:
وهذا الحل أو التفسير للحل عند الغزالي، وإن كان يشترك مع الحل الصوفي بالقول بخارجية الحل، إلا أنه يعود إلى تفسير إشراقي للمعرفة أو إلى نظرية الاتصال لدى ابن رشد، إذ يرى هذا الاتجاه أن هناك قوة فوق العقل أعطت النور للغزالي، باعتبار الله سببا أصليا أو غير مباشر والحل هنا هو الإيمان. وكأن هذا التفسير يتهم الغزالي بأنه كان منكرا أو ملحدا.
وهذا التفسير خاطىء، لأن الغزالي كان مؤمنا قبل شكه وحين شكه وبعد شكه. وكل ما هنالك أنه طلب اليقين بمنهج الشك ليدخل إلى درجة اليقين بعد الإيمان وليعطي تأسيسا فطريا من الله سبحانه قائما في الإنسان يجعله موقنا بوجود ذاته ومعرفتها وموقنا فطرة بوجود الله ومعرفته. ولو كان الحل لا عقليا لكان وجب على الغزالي حتى يستعيد الإيمان أن يبرهن على معرفة الله هنا بنوع من الأدلة المنطقية ولكنه يصرح بقوله بأن الحل "لم يكن بنظم دليل ولا ترتيب كلام بل بنور قذفه الله في الصدر" فهو إذن يعرف الله ويؤمن به قبل الحل ومعه وبعده.
(ج) الحل الفطري:
ويرد الدكتور زقزوق بأنه التفسير الفلسفي الحدسي ويتمثل هذا التفسير في القول بأن الغزالي طلب في منهجه "تأسيس العلم تأسيسا أوليا غير قابل للنقض ورفض من أجل ذلك _في أثناء بحثه عن الحقيقة كل علم غير يقيني يقينا مطلقا" وعبارات الغزالي السابقة في المنقذ تدل على أن هذا الحل لم يكن منطقيا ولا صوفيا ولا عقليا. وإنما كان بنور قذفه الله في صدره وتفسير الغزالي لهذا النور بالحدس الذي هو رؤية عقلية مباشرة في موضوع آخر من كتبه المعتمدة التي يقول فيها: ومن مارس العلوم يحصل له... على طريق الحدس والاعتبار قضايا كثيرة لا يمكنه إقامة البرهان عليها ولا يمكنه أن يشك فيها ولا يمكنه أن يشرك فيها غيره بالتعليم إلا أن يدل الطالب على الطريق الذي سلكه واستنهجه، هو الذي أوحى بهذا التفسير.
وحقيقة الأمر أن الذي وجده الغزالي لم يكن غائبا عنه ولكنه بمنهجه الشكي أيقن به. ذلك العلم اليقيني أو المعرفة اليقينية البديهية المتمثلة في معرفة الله بالفطرة والتي تلازم معرفة الإنسان لذاته ولوجوده. إنها الفطرة الإنسانية المخلوقة لله والمودع فيها الإيمان بوجودها مع الإيمان بوجود الله سبحانه والتي يدل عليها أول ما أنزل من القرآن في قوله تعالى: "اقرأ بسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم"، فالله عز وجل يطلب من الإنسان أن يقرأ، والقراءة علم ومعرفة تطلب من موجود أو مخلوق لابد أن يكون واعيا بذاته عالما بوجوده وهذا العلم بوجوده ليس إلا أثرا من آثار خالقه سبحانه الذي خلقه وأودع فيه القدرة على العلم والمعرفة. وأعلى أصناف هذه المعرفة معرفته بربه الذي خلق وعلم وبوحدانيته كما قال تعالى: "فاعلم أنه لا إله إلا الله".
تقييم:
1_لم يكن الغزالي رافضا لتعاليم الإسلام ومنكرا للإيمان في شكه المنهجي. كل ما هنالك أن الجو الفكري كان مشبعا بالفرق من فلاسفة وباطنية ومتكلمين وصوفية. فأراد الرجل الباحث أن لا يكون إيمانه قائما على مجرد التلقين والتقليد، ولا يرضيه حتى أن يكون واصلا لليقين بطريق العقل الفلسفي الذي يدعى أن الطريق الوحيد هو البرهان المنطقي. بل إنه حتى تتم لهذا البرهان يقينيته لابد أن يستند إلى يقين سابق لا تثار حوله الأسئلة ولا يذهب إلى أبعد منه بحثا عن أصله. وهو بهذا كله يريد أن يتجاوز درجة الإيمان إلى اليقين فيسد الفجوة بينهما إذ كانت مشكلته هي هذه الفجوة: "بين الإنسان كعارف وبينه كمؤمن وهل يستطيع الوصول إلى درجة اليقين في موضوعات إيمانه؟ وإذا كان في استطاعته فأين تكون هذه القدرة؟ وكيف يمكن تعهدها بالعناية؟ فهدف الغزالي هو اليقين في الله عن طريق معرفته ولم يكن يشك أبدا في موضوع معرفته وهو الإيمان بالله".
وهو بهذا يريد أن يكون متميزا عن المقلدين والفلاسفة والمتكلمين في يقينه ويسلك طريق النظر لا نظر الفلاسفة الخالي من اليقين أصلا بالانحراف عن منهج الله والبعد عن النور الالهي، ولا نظر علماء الكلام الذي لا يعدو أن يكون طريقا للجدل وافيا بمقصودهم في الدفاع عن العقيدة، غير واف بمقصوده هو وهو دخول القنطرة ما بين الإيمان واليقين.. وإنما النظر الذي يرجع إلى اليقين فهو المستند إلى النور الرباني الذي يقذفه الله في قلب المخلصين المجاهدين من عباده. النظر الذي هو وليد الشك، والذي يولد المعرفة الحقة.
2_ ولكن ما حال الناس إزاء الحقيقة؟ وهل يستطيع كل أحد أن يمر بتجربة الغزالي الشكية حتى يصل إلى اليقين؟ وهل يحرم الناس من اليقين إذا لم يسيروا في الشك المنهجي؟ كل هذا إجهاد للبحث والإنسان وإجهاد للحقيقة ووضع للشوك في طريق الناس إليها. هل كان منهج رسول الله (ص) ومنهج صحابته كهذا المنهج؟ أم هل كانوا لا يتمتعون بيقين مثل يقين الإمام الغزالي؟! إنه مع احترامنا لهذا الإمام الجليل لا يعدو تقييمنا له في نطاق إمكان المعرفة إلا أن نقول: إنه أجهد نفسه كثيرا، وهو معذور نظرا لتقلبه بين طوائف الباحثين الذين تمثل كل طائفة منهم خروجا على بساطة العقيدة ومنهج القرآن وإلا فما الذي انتهى إليه الغزالي من وجهة نظر المتدين العادي غير المتفلسف؟ هل أعطى الحقيقة وجودا غير وجودها؟ أم أنه أعطى العقل ثقة غير ثقته؟ ما نوع الوثوق الذي أضاء عقل الغزالي بعد ظلمة وأمنه بعد يأس وطمأنه بعد اضطراب وهدأه بعد لوعة وفزع؟.
هل هو وثوق بأن العقل يدرك الواقع لا كما هو ولكن كما يبدو له؟ وعندما ينتقل البشر من طور إلى آخر من حياتهم طور المتصوفة أو طور ما بعد الموت ربما يدركون أن جميع ما كانوا تصوروه من قبل بعقولهم هو خيالات لا حاصل لها.
على كل حال فإن تجربة الغزالي تعد منهجا فلسفيا قويا رادا على الشك المطلق. إذ انه ضمن للأوليات العقلية والحسية ضمانا جعلها موثوقا بها كأوائل للبرهان. ومن ثم فإن الحقيقة موجودة والعلم بها ممكن، بل هو قائم على اليقين.

*نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة.


منقول

فخر الدين المناظر
12-07-2007, 04:49 PM
موضوع لم يأخذ حقه من المناقشة مع أساتذة ودكاترة المنتدى حتى نستفيد.
أين انت يا أخي الدكتور أبو مريم حفظك الله فآراءك تهمني.؟؟

يحيى
01-10-2010, 03:15 PM
بارك الله فيك أستاذنا فخر الدين

ما يغيظني فعلا عندما أسمع بعض الغربيين يقولون أن تراجع العقلانية و العلم و الفلسفة في العالم الاسلامي كان بسبب هجوم اللاهوتيين و علماء الدين على الفلسفة و رجالها, و يضربون مثال بالغزالي و كتابه تهافت الفلاسفة!

niels bohr
01-10-2010, 10:15 PM
بارك الله فيك أستاذنا فخر الدين

ما يغيظني فعلا عندما أسمع بعض الغربيين يقولون أن تراجع العقلانية و العلم و الفلسفة في العالم الاسلامي كان بسبب هجوم اللاهوتيين و علماء الدين على الفلسفة و رجالها, و يضربون مثال بالغزالي و كتابه تهافت الفلاسفة!
قل لهم أن الكتاب اسمه "تهافت الفلاسفة" وليس تهافت "الفلسفة". كما أن الغزالي أولا وأخيرا كان فيلسوفا.

يحيى
01-11-2010, 10:31 AM
صحيح..
كان فيلسوف لكنه انتقد فلسفة معينة خصوصا فلسفة المعلم الثاني و ابن سينا !

ثم ان انتقاد الفلسفة لا تكون سببا للانحطاط أبدا و لو كان المسلمون في ذلك العهد ابتعدوا عن الفلسفة التي تخوض في الالهيات و الغيب و اكتفوا بالفلسفة الطبيعية لكانوا حققوا نتائج أفضل.

"تهافت الفلاسفة" صحيح و الخطا من عندي!

الغزالي كان محقا في انتقاده لتلك و اعتقد شخصيا أن الغزالي آنتقد نوعين من الفلسفة: الفلسفة الباطنية و الفلسفة الغنوصية.

أستخدم هذان اللفظين و السبب الحقيقي هو من جهة عبارة عن الهام :): و من جهة ثانية أعتقد أن الفرق الباطنية وجدت اعمدة فكرية في الفلسفة الباطنية أو تطورت على أساس خليط من هذه الفلسفة و التحريفات العقائدية الأخرى و كما نعلم أن إبن سينا كان إسماعيليا و مثل هذه الاسماعيلية أرض صالحة نبتت فيها البابية و البهائية على سبيل المثال.

المهم كنت أفكر في بحث على أساس هذا الالهام لأفهم بالتفصيل الشبهة, السؤال هو هل يمكن تصنيف فلسفة إبن رشد ضمن الفلسفة الغنوصية؟ :39:

عَرَبِيّة
01-11-2010, 11:33 AM
قوله: "من أين الثقة بالمحسوسات وأقواها حاسة البصر؟ وهي تنظر إلى الظل فتراه واقفا غير متحرك وتحكم بنفي الحركة ثم بالتجربة والمشاهدة بعد ساعة تعرف أنه تحرك وأنه لم يتحرك دفعة بغتة بل على التدريج ذرة ذرة حتى لم تكن له حالة وقوف".

سبحان الله كم يبهرني الغزالي أبو حامد بفطنته وذكائه وهذا ما يُعرف الآن بــ" خداع الحواس " .

انظروا للصورة التالية وحركوا بؤبؤ عينكم يمينا ً ويساراً , شمالا ً وجنوبا ً وكيفما شئتم

http://www.7obek-m.com/u/files/6025.gif (http://www.7obek-m.com/u)

ستلاحظون الصورة تتحرك , ولكن الحاصل هو خذاع بصري لأن الصورى ثابتة ,
كيف تتأكدون من صحة كلآمي ؟!!
احتاروا دائرة وركزوا على مركزها وستعرفون بل وتوقنون أن الصورة ثابته لأن الدائرة لم ولن تتحركـ ..!

نظر الفلاسفة الخالي من اليقين أصلا بالانحراف عن منهج الله والبعد عن النور الالهي،
أرى أن هذا ظلم للفلسفة السامية المتصلة بالدين والتي وصل لها عدد من اوائل علماء العرب الفلاسفة , فالذي يحدد هذه الجمله هو مدى القرب أو البعد أو الوصول إلى نقطة التوازن بين " الدين والفلسفة " ..

هل هو وثوق بأن العقل يدرك الواقع لا كما هو ولكن كما يبدو له؟
يدرك العقل الواقع كما هو في حال معرفة ذلك العقل بماهية الواقع وذلك لا يحدث إلا بالبجث والتجربة و الإستنتاج
فين حين أنه يدركه كما يبدو له , فإن ما يبدو له هذه واقعه تحت تأثير الحواس , وعلينا ألا نثق بالحواس كثيرا ً , ستطح التفاحه تتحسسه بيدك ألمسا ً ناعما ً , ولكن في الحقيقة هو سطح مليء بالنتوءات التي لا يتحسسها أو يدركها جلد الإنسان بخلاياه العصبية على روعة تصميمها وأداءها العاليين ..


إقتباس : bohr
كما أن الغزالي أولا وأخيرا كان فيلسوفا
سأبحث عن الموضوع أكثر , لأنه انتقد الفلاسفة فكيف يكون منهم ؟!!


تحية بعبق الخير

يحيى
01-11-2010, 12:35 PM
سبحان الله كم يبهرني الغزالي أبو حامد بفطنته وذكائه وهذا ما يُعرف الآن بــ" خداع الحواس " .
لدفن التجريبيون
http://img197.yfrog.com/img197/6297/illusieolifant.gif


سأبحث عن الموضوع أكثر , لأنه انتقد الفلاسفة فكيف يكون منهم ؟!!
الفلاسفة كلهم تقريبا تفلسفوا بالرد على الفلاسفة و مناقشة أفكارهم و هذا ارسطو كان يرد على معلمه بلاطو مثلا.

عَرَبِيّة
01-11-2010, 02:45 PM
لدفن التجريبيون
ذكرتني بكرتون ياباني , اعتقد أن اسمه "إيكوسان" أو شيء كهذا
المهم
مرة من المرات رسم بطة , فعندما تنظر إلى ذات الرسمة من زاوية أخرى تكتشف إنها أرنب ..
ذكرك الله بالشهادة ,,

الفلاسفة كلهم تقريبا تفلسفوا بالرد على الفلاسفة و مناقشة أفكارهم و هذا ارسطو كان يرد على معلمه بلاطو مثلا.
المعلومات المتوفرة عندي حاليا ً تقول , أنه في أثناء بحثه وتقلبه من طور إلى آخر , كان فيلسوفا ً فعلا ً ولكنه عدل عن ذلك واتخذ من الصوفية طريقا ً له , ومعلومة من الأخ ماكولا قال لي أنه عدل عن ذلك أيضا ً نهاية عمره وعكف على دراسة الحديث .
حتى أنه في كتاب " تهافت الفلاسفة " أجاد نقدهم وكفّر بعضهم وفسّق بعضهم لأنه كان منهم فهو يعرف طريقة تفكيرهم إذا ً فهو خبير وبارع وهو الأفضل في الرد عليهم , ثم رد عليه ابن رشد في كتاب اسمه " تهافت التهافت " .

يحيى
01-11-2010, 03:40 PM
كان منهم؟ كيف؟ هل الفلسفة جماعة أو ماذا؟
لا يا أختي أنا أعتقد أن الامر حدثت فيه بعض التجاوزات لاعتبارات مذهبية و ربما أيضا سياسية في حين من الأحيان لكن بشكل عام لا يعقل أن نقول فلان عدل عن علوم الحديث و عكف على قراءة الاحاديث, أو فلان عدل عن الفقه و عكف على السيرة, أو فلان عدل عن التصوف و عكف على التفسير, أو فلان عدل عن علم الكلام أو عن الفلسفة.. الخ

يعني الفلسفة عبارة عن اساليب معينة للاستدلال و التفكير قد تؤدي الى معرفة الحقيقة أو قد لا تؤدي مثل المنهج العلمي فقد يؤدي الى معرفة ظاهرة طبيعية معينة و قد لا يكون, لكن كما قلت سابقا عندما نتكلم عن الفلسفة فنحن لا نتكلم عن فكرة معينة فالحقيقة هي وجود فلسفات كثيرة و العاقل لا يضيع وقته مثلا في الفلسفة الحلولية المعروفة عند الهندوس و قدماء اليونان, يعني هناك فلسفات معينة باطلة باطلة و مضيعة للوقت.

تقليديا يمكن أن نقول أن الفلسفة تخوض في أربعة مباحث رئيسية
الميتافيزيقيا
الابستيمولوجيا
الاخلاق
المنطق

و الفلسفات التي تخوض في هذه المباحث متعددة و ليست فلسفة واحدة و لذلك تتعدد المدارس
فمدرسة الانجلوساكسون تختلف عن الفرنسية و الفرنسية بدورها عن الالمانية, هنا تعني الابستيمولوجيا نظرية المعرفة و طرق اكتساب المعرفة و قيمتها و هناك تعني فلسفة العلوم بشكل عام

طرق اكتساب المعرفة عند بعض المدارس استقلت استقلالا و اصبحت علما قائما بذاته يسمى علم المناهج الخ

في فلسفة العلوم يمكن الفصل بين فلسفة العلوم الطبيعية و فلسفة العلوم الاجتماعية و هذه الاخيرة هي التي أسست للمذاهب الوضعية المعروفة في الغرب التي استوردها الجاهلون الى العالم الاسلامي, فلو ان المسلمين اهتموا بالفلسفة و ضبطوها اسلاميا لأنتجوا نظريات اجتماعية رائعة من داخل الثقافات الاسلامية لكن الانحطاط للاسف شمل كل شيء و شلل تقريبا جميع النواحي

و يمكن قراءة هذه التصنيفات من زوايا أخرى من طبيعة الحال و تجد تنوعات شتى و لا اشكال في ذلك

أنا أتساءل لماذا ليس هناك فلسفة لعلوم الاحاديث؟ فلسفة تدرس هذه العلوم الرائعة و تحاول أن تجد قواعد و أساليب معينة لتخرج بنتيجة معينة في كيفية تدريس هذه العلوم نفسها لكن بأساليب أخرى أكثر بساطة من المتون و الطريقة التقليدية؟ لماذا لا تستطيع مثل هذه الفلسفة ايجاد أبواب معينة منطقية تفتح باب لطريقة تفكير معينة يسهل من خلالها ربط الاحاديث ببعضها لتسهيل فهمها و كذلك بالنسبة للرجال و التواريخ؟ لماذا لا تستطيع مثل هذه الفلسفة تطوير ألغوريتمات معينة يمكن استخدامها في برامج حاسوبية للأحاديث؟

مثل هذه الفلسفة لن تحل محل علوم الحديث طبعا و ليس هذا الذي أحاول قوله فكما هناك علوم أحياء هناك فلسفة علوم الاحياء..

المشكلة نحن مصابين بفيروسين: الشلل الفكري و استيراد أزبال الغرب! و الله مصيبة ثم ان المثقفين عندنا كثير منهم يعيشون في الماضي و ما زالت الفلسفة عندهم تلك التي رد عليها ابن تيمية و ما زال في اذهانهم تلك الافكار الميتة "الغزالي عدل عن الفلسفة و التصوف و و .."

عَرَبِيّة
01-11-2010, 04:57 PM
أخي الفاضل
كان منهم >> لم أقصد بها إنه انتمى إلى فكر أحدهم أو حتى سايره ممن كفّرهم أو فسّقهم , حاشاه ورب الكعبه
إنما قصدت أنه كان أحد الفلاسفة بهذا المعنى / المصطلح العام

الشكر كل الشكر لكـ على ما وضحته لي أعلاه , أدخلت مصطلحات جديدة لقاموسي , ستساعدني في قراءاتي القادمة - إن شاء الله - .
ومن أمثالكم نستفيد ,,
جزاك الله خير ,,

عَرَبِيّة
01-11-2010, 05:10 PM
فلو ان المسلمين اهتموا بالفلسفة و ضبطوها اسلاميا لأنتجوا نظريات اجتماعية رائعة من داخل الثقافات الاسلامية
هنا مربط الفرس , من هو - معاصر - الذي يستطيع أن يصل لنقطة التوازن بين الدين و الفلسفة ؟!
كيف و كيف أخرى سيقنع المتزمتين ؟؟

ولي مداخلة مطوّلة في هذا , ولكن بعد انتهي من القراءة ومراجعة بعض المحاور المتعلقة بالموضوع .
فموضوع الفلسفة وخصوصا ً العربية الإسلامية , تشغل بالي أكثر من ذي قبل بل بشكل جنوني في الآونة الأخيرة .


إلى حين ,,,

يحيى
01-12-2010, 10:20 AM
و لماذا الوصول لنقطة التوازن بين الدين و الفلسفة يا أختي؟
السؤال بطريقة أخرى : لماذا الوصول لنقطة توازن أو نقطة تقوقع أو نقطة باتباتابتانتيخعحقتب بين الدين و الفلسفة؟

ليس هناك جواب محدد و ربما كان السؤال أوضح إذا سألنا عن نقطة توازن بين التفكير الديني و التفكير الفلسفي
حتى هذه غير واضحة لأن السؤال يبقى ما الدين؟ ما معنى الدين؟ و ما الفلسفة و أي فلسفة؟
القرآن يعلمنا "لكم دينكم و لي دين" فماذا نقول لواحد ليس عنده دين بالمعنى المعروف عند الغربيين و الذي يتبناه بعض المسلمين خطأ -للأسف-.

الفلسفة أنتجت كثير من الافكار و النظريات و منها ما يمكن وصفه ب "دين":
الدهرية, المادية, السفسطة, الحلول و الاتحاد, الشيوعية, الليبيرالية, الوضعية, التطورية, المادية الجدلية, النفعية البراغماتية, الوجودية, الشكوكية, المثالية, الظاهراتية, البوذية, الطاوية, الكنفوشية, الاشتراكية, الكتاب الأخضر, البعثية... الخ ففي كل مبحث من مباحث الفلسفة فلسفات كثيرة جدا.!

إذا جمعنا مفهوم الدين عند الغربيين و عند الطاويين او الكنفوشيين و عند أصحاب دع ما لقيصر لقيصر و ما لله لله و عند المسلمين و في القران, فيجب أن أقول هناك فرق بين
- التفكير الديني
- التفكير الفلسفي
- التفكير الإسلامي

التفكير الديني باعتباره تفكير استسلامي لمصادر معينة بدون التحقيق من صحة هذا المصدر و هل هو خير أم شر و هل حق أم باطل و لماذا, هو تفكير غنوصي و تختلط فيه النظريات القائمة على الواقع مع المثالية و الخرافات و الاباطيل ووو مثل الاديان الباطلة و العلمانية و الوثنيات الخ

التفكير الفلسفي هو تفكير عقلاني (في الغالب لان هناك فلسفات في التفكير الديني او في التفكير الاسلامي)

التفكير الاسلامي هو تفكير فطري و عقلي (ليس عقلاني فهناك فرق بين تفكير عقلي و عقلاني)

في الواقع نجد كثير من الفلاسفة -إن لم يكن كلهم- يخلطون بين هذه الانواع من التفكير

و أما الفلسفة العربية الإسلامية فأنا أعتقد أنه لا وجود لفلسفة عربية, ليس هناك فلسفة عربية, هناك متفلسفين و متعالمين لكن تفكيرهم محدود فيما تم استراده من الأزبال الذهينة الغربية و ليس فلسفة خاصة نبتت من داخل الخصوصية السوسيوثقافية لجموع العرب, إذن لننسى فلسفة عربية و ما أنتجته الفلسفة في العالم العربي (بما فيه المغرب الأمازيغي) من ويلات تتمثل في ايديولوجيات غربية مستعربة مثل القومية العربية و حركة الأدباء "الأحرار" (يقال عنهم أحرار و هم عبيد الغرب ليس إلا) لا يمكن أن نطلق عليها فلسفة عربية و هناك متفلسفين يتفلسفون بالعربية لكن لم ينتجوا أي شيء فكل ما فعلوه أن طبقوا الأفكار الغربية في التحليل على التراث العربي و الثقافة العربية في بعض البحوث بالعربية.

الفلسفة في الحضارة الاسلامية كانت فلسفة إسلامية و عربية لكن أنا لا أتكلم عن هذه الفلسفة التي كانت إسلامية و عربية عندما أقول لا وجود للفلسفة العربية, لأن الفلاسفة في الحضارة الاسلامية كانوا مسلمين و عرب و حتى الرئيس موسى كان فيلسوف عربي اسلامي (رغم انه كان يهودي) لان هؤلاء جميعا مارسوا تفكيرهم و نشاطهم الفكري تحت ظل الدولة الاسلامية التي وفرت الامكانيات و الدولة كانت إسلامية حكمت بالفكر الاسلامي و لغة هذا الفكرة و تلك الحضارة كانت عربية, إذن الحضارة كانت إسلامية عربية, و هذا ليس خاص بالاسلام فقط لكن في الغرب أيضا يُعتبر علماءهم و فلاسفتهم غربيين رغم التفاوت و الفروقات الواضحة بينهم ايديولويجا فكريا و عقائديا و كذلك قوميا.

عموما الفلسفة الاسلامية و روادها لم يكونوا كلهم فلاسفة فالكثير منهم لم ينتج أي شيء جديد و كل ما في الامر أنهم طبقوا بعض الأفكار اليونانية في تفكيرهم و فلسفتهم مع وجود استثناءات و مثل هذه الفلسفة (أستثني الفلسفة الطبيعية) لا نريدها و لا تقدم أي شيء جديد, فنحن عندنا "الدين" و كل تفلسف يجب أن يكون فيما هو دنيوي و ملتزم بالمُحكم القطعي من الدين لكن أن يأتي واحد يتفلسف في المعلوم من الدين بالضرورة فنقول لا لخزعبلاته, نحن في أمس الحاجة إلى فلسفة في العلوم الشرعية, مثلا كما قلت نحتاح إلى جانب "علوم الحديث" فلسفة في هذه العلوم, و نحتاج الى جانب الفكر الاسلامي "فلسفة الفكر الاسلامي" التي يمكن أن تقوم بتحريك الفكر مثلا تصفية الاصلاحية و السلفية و الصوفية و من هذه الافكار الثلاثة تشييد فكر اسلامي جديد متحرك, و نحتاج إلى فلسفة تقوم بأسلمة المعرفة و أسلمة العلوم كما يفعل على سبيل المثال الفيلسوف الماليزي "السيد محمد نقيب العطاس" Muhammad Naqib Al'Attas .. الخ

أنا لست ضد الاستفادة من الآخرين, لكن أقول يجب أن نأخذ منهم الجميل و نترك القبيح, نأخذ العسل و نترك لهم الدلو الذي يُحمل فيه العسل و ليس العكس و أظن المسلمين يرتكبون هذا الخطأ مرتين ففي الماضي تركوا الأندلس و تركوا العزة و تركوا فيها الحضارة و العلوم و الفنون الاسلامية فرجعوا بالجلباب الاندلسي و الموسيقى الأندلسية, مصيبة كبيرة هذه.!!!

ليس العيب في الاستفادة من التجارب البشرية الناجحة في شتى ميادين الحياة لكن نحن عندنا الدين و هو الخير كله فما يتنافى مع ديننا لا نحتاج إليه فالله الخالق لم يخلقنا عبثا و يتركنا بدون نور نمشي به في الظلمات, هذا النور هو الذي يضبط و يضع الحدود و يشكل جوانب الاطار التي يُسمح فيه للعقل البشري بالابداع و إعمار الأرض فنحن لسنا مقذوفات تتطاير من فوهة البركان بدون وجهة و لا هدف, بل حتى هذه المقذوفات تُقذف بقوانين و نظام, فكيف بالبشر الذي يملك الحرية و العقل أيُترك عبثا؟!

أعتقد أن بعض المحاولات لتحريك الأمة الاسلامية باءت بالفشل و السبب راجع إلى الخارج و الداخل, أنا لن ألوم الغرب الرأسمالي وحده في تراجع الحركة الاصلاحية بقيادة الافغاني و محمد عبده و رشيد رضا و مالك نبي و غيرهم الذين كانت لهم أخطائهم لكن الجانب الايجابي عندهم هو "التحريك" و "التوعية" و "التجديد", كما لا الوم الغرب وحده في التخلف فالسبب راجع الى المسلمين أيضا الذين كانت عندهم قابلية لاعتناق مناهج معينة منها ما أهمل جانب الحياة كلها و اتجه للتصوف الطرقي و الزوايا و منها ما استسلم للغزو الثقافي و منها ما لا تستطيع أن تفرق في التراث بين ما هو قابل للتجديد و ما هو ثابت و منها المهتمة بتصنيف المسلمين أفرادا و جماعات.. الخ

و لا ننسى أن ما يسمى بالفلسفة الاسلامية تحتاج الى الغربلة و التجديد فنستفيد من الأخطاء الماضية و نبحث عن حلول جديدة و الفلسفة الاسلامية عادة ما يمكن تصنيفها كالتالي:
- الفلسفة المشائية (المعلم الثاني -الفارابي- و إبن سينا)
- الفلسفة الاشراقية (شمس الدين الشهرزوري)
- الحكمة المتعالية (صدر الدين الشيرازي)
- الفلسفة الاستبطانية التقليدية (ريني غوينون René Guénon) و أحد أبرز رواد هذه المدرسة في هذا العصر هو الفيلسوف الايراني "سيد حسين نصر" Hossein Nasr الذي تأثر أيضا بالشهرزوردي و ملا صدرا و هناك الكثير من الفلاسفة و المفكرين في الغرب اعتنقوا الاسلام و دخلوه من هذا الباب و منهم من مال نحو الغلو في التصوف الفلسفي للأسف.

هذا تصنيفي أنا (خصوصا إضافة الرابع) و قد تجد تصنيفات أخرى (و كل واحد حسب الزاوية التي ينظر و يقرأ منها) لكن أنا أصنف حسب المدارس التي خرجت من هذه الفلسفات و كذلك تواصل تأثيرها إلى يومنا هذا.

في الحقيقة نحن لا نحتاج إلى هذه الفلسفة و لن تقدم لنا شيئا يعني ما هناك حاجة لنبحث أصلا عن نقطة التوازن هنا.

أنا أرى هناك حاجة لتطوير فلسفة الفقه مثلا لكن لا نحتاج للتفلسف في المساءل الفقهية لان هذا من اختصاص الفقه و أصوله, نفس الشيء مع التصوف فنحن نحتاج مثلا لفلسفة التصوف (كدراسة لهذا الفن و العلم) لكن لا للتفلسف في الصوفية لـأن هذا قد يؤدي إلى تصوف فلسفي و النقد في مجال التصوف من اختصاص علم التصوف القائم على الكتاب و السنة و هذا ما مارسه علماء مسلمين عبر التاريخ على أسس شرعية و ليس بفلسفة, مثلا الشيخ أحمد زروق الفاسي المغربي في كتابه المشهور "عدة المريد الصادق"...

عَرَبِيّة
01-17-2010, 05:50 PM
أخي يحيى
يقول ابن حزم -رحمه الله- " والأصل في كل بلاء وعماء وتخليط وفساد، اختلاط الأسماء، ووقوع اسم واحد على معاني كثيرة، فيخبر المخبر بذلك الاسم، وهو يريد أحد المعاني التي تحته، فيحمله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر، فيقع البلاء والإشكال "
إن كنت تشاركني ذات النظرة , فهيا للجزء التالي ,
لنعتبر كتتمة لمحور النقاش أن الفلسفة هي التفكير الإنساني ..
الآتي هو جواب سؤالي :
الفلسفة في الحضارة الاسلامية كانت فلسفة إسلامية و عربية لكن أنا لا أتكلم عن هذه الفلسفة التي كانت إسلامية و عربية عندما أقول لا وجود للفلسفة العربية, لأن الفلاسفة في الحضارة الاسلامية كانوا مسلمين و عرب و حتى الرئيس موسى كان فيلسوف عربي اسلامي (رغم انه كان يهودي) لان هؤلاء جميعا مارسوا تفكيرهم و نشاطهم الفكري تحت ظل الدولة الاسلامية التي وفرت الامكانيات و الدولة كانت إسلامية حكمت بالفكر الاسلامي و لغة هذا الفكرة و تلك الحضارة كانت عربية, إذن الحضارة كانت إسلامية عربية,

نقطة التوازن موجودة فيما إذا كانت الفلسفة تحت ظل الدين , أما الفلسفة لهدم الدين لن تُحدث أي نقطة توازن كون أحد العنصرين يسعى لتفكيك الآخر وهذا في عدة أنواع من الفلسفة وليست التي أعنيها وتطرقت إليها أنت , وهي الفلسفة تحت ظل الدين الإسلامي , فلسفة المسلمين العرب أمثال ابن خلدون صاحب كتاب " المقدمة " والذي يصفه المؤرخ البريطاني (آرنولد توينبي) بأنه أعظم عمل من نوعه أنتجه أي عقل في أي زمان أو مكان وهو أول من ثار على المنطق الأرسطوطاليسي ثم خلفه فرانسيس بيكون , و كذلك ابن رشد الذي يقول عنه البعض أنه أحد الفلاسفة الذين أوجدوا ذلك التوازن الرائع بين الفلسفة وبين الدين خاصة في كتابه فصل المقال، وهو كان شخصية متوازنة أكثر حتى من ابن خلدون .
تعريف ابن رشد للفلسفة:
" تعني المصنوعات التي يصنعها الصانع تدل عليه، وكلما عرفنا الموجودات معرفة أتم تكون معرفتنا بصانعها أتم. والشرع ندب (المندوب أي المستحب) إلى اعتبار الموجودات والنظر بها وبيان دلالتها. حيث دعا الشرع إلى اعتبار الموجودات لأن النظر في الموجودات نظر عقلي، وهناك أكثر من آية تشير إلى اعتبار الموجودات بالعقل"
"فاعتبروا يا أولي الأبصار"
"أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض"
"أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت"
"ويتفكرون في خلق السموات والأرض"
إذا ليس هناك أي تعارض بين الدين وبين الفلسفة إلا في ذهن الفيلسوف نفسه ,
وإذا أردت أن تعرف الشيء عد إلى أصله وبالعودة لأصل كلمة فلسفة , تجدها طلب الحكمة , وفي معادلة الفلسفة = الفضيلة ..
ولله الحمد فديننا يحدثنا على الفضيلة ومكارم الأخلاق أما الحمكة فهي غاية الدين الإسلامي تجد ذلك جليا ً واضحا ً في عدد من آيات القرآن التي تدعوا للتدّبر والتأمّل والتفكّر ومنه فإن الآيات تشير للفلسفة , إذن كل متسآئل متفكر يسعى لإدراك الحكمة هو فيلسوف وليس الكل ذا حكمة لذلك نجد الكثير من الفلاسفة ملحدين وبعضهم رافضي للسنة على المستوى الإسلامي ولكن هناك بالتأكيد نقطة توان بين الدين الإسلامي والفلسفة بصورتها المثاليه كونها تمتزج بالدين في مراحل متقدمة من إدراك ذلك التوازن ..

يحيى
01-18-2010, 11:40 PM
لم أفهم كلام إبن حزم رحمه الله و ربما أحتاج لسياق كلامه فالمعروف أن اللغة (أي لغة أو على الأقل اللغات التي أعرفها) تحتوي على مفردات لها أكثر من معنى و لكن المصيبة التي ربما قد ينبه اليها هنا ابن حزم هي استعمال لفظ معين في سياق معين بدون تحديد هذا اللفظ.

و لم أفهم كلام ابن رشد أو تعريفه للفسلفة, فما هو مصدر هذا التعريف؟
أنا حقيقة الذي أعرفه عن ابن رشد هو من وجهة نظر غربية أي من من مصادرهم و دراساتهم.

عَرَبِيّة
01-30-2010, 03:47 PM
لآ أستطيع أن أفند لك المعنى فابن حزم أبدع في وصف المقصود ..

تعريف الفلسفة لابن رشد جاء من مدلولات الآيآت المذكورة ..

http://www.youtube.com/watch?v=WUS9DfvaygA&feature=related

يحيى
01-31-2010, 11:59 PM
ما قاله الاستاذ في الفيديو كلام يستحق الاحترام.
ما قاله الامام ابن حزم يصح إذا لم يُعَمّم.
لكن تعريف الفلسفة و نسبته لابن رشد اريد مصدر.

المهم ان الفلسفة الصحيحة لا تعريف لها اقصد ليس هناك تعريف و في عرف بعض الناس يعتقد الفلسفة شيء يُعتقد او فكرة أو موضوع قائم بذاته أو دراسة لكن كل هذه الاعتقادات غير صحيحة, طبعا بعض الفلاسفة و غيرهم يُعرف الفلسفة و تعريفات مختلفة, لكن الفيلسوف الحر لا يفعل ذلك, و بعضهم لا يعرفها لكن يُعرف شيء يؤدي بك الى تعريف تضعه أنت بنفسك للفلسفة.

طبعا هناك فرق بين الفلسفة و فلسفة ال -موضوع- مثلا فلسفة اللغة, فلسفة السياسة و القانون..

إذا سألني أحد عن الفلسفة ما هي, في الحقيقة لن أقول له ما هي, فأنا لا أرى لها تعريف, لا اقصد التعريف اللغوي فاصل الكلمة يونانية لكن موضوعها شيء آخر, احب الحكمة لفظ استخدمه سقراط اول (هكذا قال المؤرخون او بعضهم) في عهده كانت هناك مدارس , المعلمين فيها يطلقون على أنفسهم "حكماء" لكن كل ما يفعلون هو استخدام اللغة لبث الشك فذهب اليهم سقراط فقال لهم أنا لست "حكيما" لكن "أحب الحكمة", فصار الناس تستخدم هذا اللفظ لذلك يقسمون الفلسفة عند القدماء بين فلسفة قبل سقراط و فلسفة بعد سقراط.

بعض الناس تذهب و تبحث لتقرأ في الفلسفة و ربما بحثت عن كتاب مدخل في الفلسفة, شيء مقرف, و من يبدأ بهذه الطريقة لن يعرف الفلسفة فالفلسفة عنده مثل الأدب و الفيزياء و اللغة يعني شيء واضح و يجب معرفته, مشكلة عويصة.

عَرَبِيّة
02-01-2010, 12:25 AM
ما قاله الامام ابن حزم يصح إذا لم يُعَمّم.
لا أفهم سبب إستخدامك لأداة الشرط ( إذا ) ..؟!

لكن تعريف الفلسفة و نسبته لابن رشد اريد مصدر.
كثير ما أقرأ , قليل ما أحفظ المصدر ولكن ابشر بالمصدر - إن شاء الله .

فلسفة قبل سقراط و فلسفة بعد سقراط.
لا إختلاف أخي ..

بعض الناس تذهب و تبحث لتقرأ في الفلسفة و ربما بحثت عن كتاب مدخل في الفلسفة, شيء مقرف
وأراه مقزز أيضا ً , لأني أرى طلب الفلسفة للتفلسف* هي سفسطة بحته
المهم هي البحث عن الحكمة و التفكر وطرح التساؤلات ( من غير الكيفيات حول الله ) وإيجاد الحلول أو على الأقل المحاولة في العثور على الجواب .

يحيى
02-02-2010, 04:56 PM
لا إختلاف أخي ..
الحمد لله و الشكر لله على نعم الله الظاهرة و الباطلة, ما شاء الله لا حول و لا قوة إلا بالله,.. "لا إختلاف" هذا فضل من الله فمن كفر فإنه الله غني حميد. الله أكبر.

بدأنا بسؤال حول الغزالي و وصلنا إلى هنا, ما شاء الله, لكن يا أختي, ليس هناك رأي و رأي آخر و ليس هناك أصلا أي شيء نختلف فيه هنا حتى لا يكون هنا إختلاف في تلك الجزئية... فلسفة سقراط قبل فلسفة سقراط.

اللغة مهمه جدا و خصوصا تركيب التعابير لأن عدم إحسان ذلك و خصوصا عندما تختلف الثقافات و تتنوع طريقة معالجة الأفكار و لو كانت فكرة واحدة, فإن جهاز الاستقبال يمكن أن يوظف تأويل المعلومات لتتشكل في هيأة محددة توحي بأن هناك ديناميكية معنية في الأخذ و الرد و قد تؤول الرسالة لتظهر على شكل رأي ضد رأي أو رأي ينقص أو يزيد في تركيبه أو شيء آخر, لكن هنا هذا الشيء غير موجود و قد يكون له وجود ذهني, هذا ممكن لكن أنا متأكد أنه "لا إختلاف".


إذا شرطية صحيح لأن كلام إبن حزم رحمه الله إذا قمنا بتعميمه فسوف يشمل اللغة التي نركب بها المعاني, فاللغة بطبيعتها يمكن توظيفها في سياقات مختلفة فليس باللازم مثلا أن تعني الفرضية في العلم الطبيعي ما تعنيه في الرياضيات, أو ليس باللازم أن نعني "غروب الشمس" في اللغة العامية ما تعنية في اللغة العلمية, و خير مثال هو:
((فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ)).


فلسفة الالهيات فلسفة غير مرغوب فيها, لأن العقل لا يستطيع أن يتجاوز حدود الغيبيات و لا يستطيع أن يخرج بيقينات من مجال التصورات.
قيل قديما كمثال إذا جلسنا في حلقة طلب العلم ثم طرق طارق الباب فنعلم أن طارق طرق الباب (هذه فلسفة الوجود) لكن من هو و ما طوله و ما عرضه و ما لونه داخل في التصورات فلا حل هنا إلا خبر بأن يخبر طارق الباب عن نفسه من يكون مثلا.. (هذه النوع من الفلسفة غير محمودة يعني التفلسف في مجال التصورات بدل مجال المعلوم).

عَرَبِيّة
02-04-2010, 02:27 PM
فلسفة سقراط قبل فلسفة سقراط. ؟؟؟

لا أعلم لماذا استفزتك كلمة ( لا إختلاف ) يا أخ العرب , ولا يهمني أن أعرف .

قلت لا إختلاف , وقصدت نعم أنا أعلم وأتفق مع كل من قال بأن الفلسفة اليونانية تقسم بقبل وبعد سقراط .
والإسلامية تقاس بابن خلدون كونه خرج من أيراجج الفلسفة العاجية إلى الواقعية وانتج ماسماه علم العمران وما يعرف اليوم بعلم الإجتماع .

فلسفة الالهيات فلسفة غير مرغوب فيها, لأن العقل لا يستطيع أن يتجاوز حدود الغيبيات و لا يستطيع أن يخرج بيقينات من مجال التصورات.
لا إختلاف ..