المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القبورية و المجاز العقلي .



حسام الدين حامد
02-14-2005, 02:08 AM
قال الشيخ صالح آل الشيخ في الرد علي المالكي - صاحب كتاب " مفاهيم يجب أن تصحح " - في كتاب الشيخ صالح ( هذه مفاهيمنا )

( المجاز العقلي، وتعلق صاحب المفاهيم به في تبرير أعمال الشرك ووسائله

أكثر صاحب المفاهيم من تبرير وتسويغ ما يقوله المتوسلون بالذوات والجاه والحرمة ونحوها، وكذا
ما يقوله المتخذون رسول الله صلي الله عليه و سلم والصالحين واسطة بينهم وبين الله في الدعاء والشفاعة، وكشف الضراء وجلب السراء، وغفران الذنوب بحجة المجاز العقلي.

وكذا ما يفعله العاكفون على القبور من استغاثتهم بالأموات، وطلب الشفاعة من الصالحين المقبورين وغيرهم ممن قد لا يعرفون بصلاح، يجادل في الحكم عليهم بالشرك بحمل صنيعهم على المجاز العقلي. والاحتجاج بالمجاز العقلي، وإن احتاج إليه بعض المتأخرين من البيانيين لتخريج بعض أنواع الإسناد في قصائد الشعراء، أو في كلام العرب، فلا يجوز لتخريج الكلام الذي ظاهره شرك وكفر، بحجة صدوره من مُقِرًّ بوحدانية الخالق، وهذا مجمع عليه بين علماء الشريعة: الفقهاء والمحدثين.

ولم يحتج بالمجاز العقلي في منع التكفير إلا قلة من متأخري المنتسبين للعلم، بعد ظهور دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -، لجأوا إلى ذلك تخلصاً من الإنكار عليهم، وتبريراً لأوضاعهم الفاسدة، وتخريجاً لأقوالهم الشركية، وهو عمل باطل لأن الأصل في الكلام الحقيقة، ولا يصار إلى المجاز إلا بدليل؛ ولأن فتح هذا الباب يُحْيي شجرة الشرك.

وإليك شيئاً من كلامه:

قال (ص16) تحت عنوان "(المجاز العقلي واستعماله):

(الاعتقاد الصحيح هو اعتقاد أن الخالق للعباد وأفعالهم هو الله وحده، فهو الخالق للعباد وأفعالهم،
لا تأثير لأحدٍ سواه، لا لحي، ولا لميت. فهذا الاعتقاد هو التوحيد المحض، بخلاف ما لو اعتقد غير هذا فإنه يقع في الإشراك) اهـ.

أقول: هذا الاعتقاد هو توحيد الربوبية، وما هو بالتوحيد المحض، بل التوحيد المحض هو ما جمع بين توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وما لم تجتمع فيه هذه الثلاثة فليس بتوحيد محض.

وقد قدمنا بالأدلة القاطعة من القرآن والسنة أن المشركين الذين بُعِثَ إليهم النبي صلي الله عليه و سلم كانوا مقرين بما سماه صاحب المفاهيم "توحيداً محضاً".

اسمع قوله تعالى " قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ * كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ " {يونس: 31-33} فهم مقرون بأن الله هو الخالق وحده، والمحي المميت وحده، وهو وحده مدبر الأمر، ومع ذلك أخبر أنهم ليسوا مؤمنين، وأنهم على ضلال.

فاحتج عليهم بما يقرون به: وهو توحيد الربوبية، على ما ينكرونه توحيد سبحانه بأفعالهم وهو الألوهية، ولا بُدّ عند الاحتجاج أن يقدم للمعارض ما به يقر، فانظر إلى لطيف هذه الحجة واستعمال القرآن لها.

والمشركون الذين بعث إليهم نبي الله إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – مقرون بذلك المعنى، ومقرون بأن الله خالق ما يعملون، فهم مخلوقون وأفعالهم مخلوقة لله.

ولذا احتج عليهم إبراهيم – عليه السلام – بما يقرون به فقال لهم ما أخبر الله عنه: " قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ " {الصافات: 95-96} فأنكر عليهم العبادة: وهي صرف القلب لهذه المنحوتات المصورة على صور الوسائط، وحجهم بما يقرون به، وهو خلق الله لهم ولما يعملونه، فأين هذا من التوحيد المحض، وهم المشركون شركاً محضاً؟!

وقوله: (لا تأثير لأحد سواه لا لحي ولا لميت الخ) تفوح منه رائحة قول غلاة الصوفية القائلين بوحدة الوجود، وأنه ما ثمَّ إلا الله، وأفعال العباد هي أفعاله، وقول صاحب المفاهيم: (بخلاف ما لو اعتقد غير هذا فإنه يقع في الإشراك)، نابع ومتفرع عن أصل أهل الكلام المذموم، وهو أن غاية التوحيد توحيد الربوبية، والمشرك من اعتقد وجود خالقين، أو نابع من القول بوحدة الوجود كما ذكرنا، ومن عرف حال المشركين الذين أخبر الله بأحوالهم ومعتقداتهم، تيقن بطلان هذا الكلام العقلي لا الشرعي، فإنه ليس له من دلائل الكتاب السنة نصيب، بل القرآن كله في تقرير خلافه.

ولكن تتلمذ فئام لأهل الكلام وكتبهم، وانصرفوا عن تدبر كتاب ربهم، والإشراك أقسام:

منها: ما يقع في الربوبية كاعتقاد الثنوية القائلين بوجود خالقين.

ومنها: ما يقع في الألوهية، كما هو شرك أكثر بل كل من بعثت لهم الرسل الذين قصَّ الله علينا في القرآن أخبارهم.
فما من منازع في توحيد الربوبية عند العرب إلا شرذمة لا يصح أن تنسب لهم مقالة كما قاله جمع من العلماء، وما أولئك بالموحدين توحيداً محضاً.

يتبع ..