محارب الروافض
01-02-2008, 10:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم :
نقاش حول مفهوم اللبرالية....بقلم الأستاذ: عبدالله بن خدعان العبدلي المطيري
خير ما أبدأ بهِ الآن بعد البسملة مقولة للهالك عبدالله القصيمي , يقول عبدالله القصيمي في كتابه الثورة الوهابية { وربما قال البعض : إن الرد على الملحدين لا يجدي شيئاً ، لأن من دخل حظيرة الالحاد فهيهات أن يغادرها ، وهو احتجاج ضعيف مهين ، فإن من ذاق حلاوة عقيدة التوحيد ولباب الاخلاص فهيهات أن يعافها ، فلم أسمع أن رجلاً دخل مذهب الموحدين وتطهر قبله من أرجاس الشرك فخرج منه ونكص عقبه } .
ويقول في كتابه مشكلات الأحاديث النبوية التي يرد فيه على الملحدين { اللهم إنا نسألك الإيمان والطمأنينة ، ونعوذ بك اللهم من الشك والحيرة ، ونهدى لك أتم الحمد والثناء ....فهذا بيان لأحاديث صحيحة أشكلت على كبار العلماء ، فعجل فريق فكذبها وردها وتحامل عليها .. فجرأ العامة وأشباه العامة على أن يكذبوا كل مالم يحيطوا بعلمه ... فزاد كلامه أهل الشك شكاً وريبة ، وضل فريق في الشك والحيرة ، فرغب عن الدين وأوغل في الشهوات والملذات ، ونحن نسأل الله السلامة من ذلك كله ، كما نسأله لنا الرشاد والهداية فيما فعلنا وفيما سوف نفعل } .
فضَّلت أن أبدأ بهذه البداية لغرضٍ في نفسي , ولعلي أكشف هذا الغرض وأقول وبكل صراحة { العقل متاهة } فكل شيءٍ لا يستخدمه الإنسان في خير , يورده المهالك ويكن عليه حسرةً وندامة .
وخير مثال ما حصل لعبدالله القصيمي , ثم من قبله الشيطان , فذاك الشيطان الرجيم أوغل في تفكيره فكان يرد على الله وعلى أمرهِ بالسجود من خلال القياس العقلي فيقول { أنا خير منه , خلقتني من نارٍ وخلقته من طين } فذهب خلف عقله فهلك وخاب وخسر , ونَسِيَ أنَّ النار تأكل كل شيء , وأمَّا الطين فيُنبت الكلأ والثمر والزرع .
وقبل كل ذلك , أنَّه يريد نفاذ فكره وعقله على أمرِ الله , فهو يجهل الحكمة من سجوده لآدم , فرفض وأبى لأنَّه ظنَّ أنَّ عقله سيد الموقف .
ولكن كان الفريق المقابل للشيطان وهم الملائكة يقولون { سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا } فطاعوا ربهم وعظموه , وكانوا في بداية الأمر سألوه { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك , قال إني أعلم ما لا تعلمون } وهذا هو الشاهد { أعلم ما لا تعلمون } فلماذا المكابرة عندما نعرف أنني { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } فلماذا نكابر عندما نعلم أنَّ { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } !؟
اللبرالية أخت العلمانية :
كلاهما من بطنٍ واحد , وهو اللادينية { ولنقل الإلحاد } .
قبل الخوض في اللبرالية يجب معرفة أسباب نشوء تلك اللبرالية أو العلمانية :
يقول سل { sale } مترجم القرآن للإنجليزية { وأسرف المسيحيون في عبادة القديسين والصورة المسيحية } .
يقول مؤلفوا تاريخ العالم للمؤرخين { إن المدن العظيمة التي أسرع إليها الخراب ولم تسترد مجدها وزهرتها أبداً , تشهد بما أصيبت به الدولة البيزنطية في هذا العهد من الإنحطاط الهائل الذي كانت نتيجة المغالاة في المكوس والضرائب والإنحطاط في التجارة وإهمال الزراعة }وتناقص العمران في البلدان } .
يقول ربورت بريفلت { لقد أطبق على أوربا ليل حالك من القرن الخامس إلى القرن العاشر , وكان هذا الليل يزداد ظلاماً وسواداً , قد كانت همجية ذلك العهد أشد هولاً وأفظع من همجية العهد القديم , لأنها أشبه بجثة حضارة كبيرة تعفنت وقد انطمست معالم هذه الحضارة وقُضى عليها بالزوال , وقد كانت الأقطار الكبيرة التي ازدهرت فيها هذه الحضارة وبلغت أوجها في الماضي كإيطاليا وفرنسا , فريسة الدمار والفوضى والخراب }
وهنا نعرف أنَّ اليونانيين وأوربا بأسرها يعيشون تحت وطأة تسلط القساوسة بغير حق وبدينهم المحرف .
في كتاب تاريخ أخلاق أوربا مقتطفات منها { زاد عدد الرهبان زيادة عظيمة , وعَظُ مَ شانهم , واستفحلَ أمرهم , واسترعوا الأنظار وشغلوا الناس , ولا يمكن إحصاؤهم بدقة , ولكن مما يلقي الضوء على كثرتهم وانتشار الحركة الرهبانية ما روى المؤرخون أنه كان يجتمع أيام عيد الفصح خمسون ألفاً من الرهبان , وفي القرن الرابع المسيحي كان راهب واحد يشرف على خمسة آلاف راهب }
وفي نفس الكتاب من عجائبهم { أن الرهاب ماكاريوس نام في مستنقع الطين ليقرص جسمه الذباب السام وهو عاري لمدة ستة أشهر } ! { والراهب يوسيبيس كان يحمل قنطارين من حديد وأقام ثلاثة أعوام في بئر نزح } .
{ وأنَّ بعض الرهبان لا يكتسون دائماً وإنما يستترون بشعرهم الطويل ويمشون على أيديهم , ويسكن بعضهم في مغارات السباع , وكان أتقاهم أبعدهم عن الطهارة , وهم يعدون طهارة الجسم منافية للتدين والزهد , ويتأثمون من غسل الأعضاء } .
يقول الراهب اتهينس { إن الراهب أنتوني لم يقترف اثم غسل الوجه أبداً , وكان الراهب ابراهام لم يمس وجهه الماء ولا رجله خمسين سنة } .
وهناك الكثير والكثير في كتاب تاريخ أخلاق أوربا لكاتبهِ ليكي .
ثم يقول ليكي مصوراً العالم الرهباني والفجور فيقول { إن التبذل والإسفاف قد بلغا غايتهما في أخلاق الناس واجتماعهم , وكانت الدعارة والفجور والإخلاد إلى الترف والتساقط على الشهوات والتملق في مجالس الملوك وأندية الاغنياء والامراء والمسابقة في زخارف اللباس والحلي والزينة في حدتها , وشدتها , كانت الدنيا في الحين تتأرجح بين الرهبانية القصوى والفجور الأقصى , وإن المدن التي ظهرت فيها أكثر الزهاد كانت أسبق المدن في الخلاعة والفجور , وقد اجتمع في هذا العصر الفجور والوهم اللذان هما عدوان لشرف الإنسان وكرامته , وقد ضعف رأي الجمهور حتى أصبح الناس لا يحلفون بسوء الأحدوثة والفضيحة بين الناس , وكأنَّ الضمير الإنساني ربما يخاف الدين ووعيده , ولكنه امن واطمأن , لاعتقاده أن الأدعية وغيرها تكفر جميع أعمال الإنسان , ولقد نفقت سوق المكر والخديعة والكذب حتى فاق هذا العصر في ذلك عصر القياصرة } .
ثم بدأت النصرانية بخلط العلم البشري والمعلومات البشرية بعلم الشرع الإلهي , فأنشأوا مثلاً الجغرافية المسيحية , وكفروا كل من لم يدن بها , وبدأ العداء بين علماء الطبيعة وبين الرهبان والنصرانية .
فقتلوا بذلك غليلو الذي يرى بكروية الأرض , وعذبوه قبل ذلك حتى مات بين أيديهم , فثاروا على العلماء , وعذبوا كل من يخالف أقوالهم في الجغرافية المسيحية وغيرها من الكتب التي أدخلوها على النصرانية .
فأحرقوا اثنان وثلاثون ألفاً وهم أحياءً ومنهم العالم الطبيعي المعروف برونو .
فثار بعد ذلك العالم الأوربي على الدين وعلى التدين والرهبانية , فأصبح عدوهم اللدود هو الدين , وتزعم هذه الثروة أناس كثر , ولكل وجهة هو موليها , ولكل مآرب , فبعضهم مآربه سياسية , والبعض شهوانية , والبعض إقتصادية , والآخر فكرية , ولكل ميول .
ومن أولئك ولا أريد أن أقول على رأسهم السياسي المعروف ميكاويلي الموتفي سنة 1527 , وهو ممن دعوا بفصل الدين عن الدولة , وتقسيم الأخلاق إلى شخصية واجتماعية , وقرروا هو ومن معه وقبله أنَّ الدين قضية شخصية لا ينبغي أن تتدخل في أمور السياسة والدولة , وأن الدولة عندهم أعز واهم من كل شيء , وأنَّ النصرانية فقط تعتني بالحياة الاخروية , وأنَّ الرجل المتدين لا يفيد الدولة بشيء , وأن الملوك والأمراء يجب أن يتخلقوا بأخلاق الثعالب ولا يحتشموا من نقض العهود والكذب والخيانة والغش والنفاق إذا كان ذلك في مصلحة الدولة .
ولاحظوا هذه المبادئ من يطبقها الآن غير المقبور صدام وكثير من الزعماء الغربيين من قبل كهلتر النازي وموسيليني وغيرهم ممن طبقوها خير تطبيق على دول كثيرة !
نعود لمحور حديثنا ونشوء اللبرالية المادية الفكرية العلمانية وكل الطرق تؤدي إلى روما .
وذلك بأنَّ أوربا أصبحت بعد ذلك مادية وتنظر للأمور بالحس المادي فقط , يقول الأستاذ جود joad رئيس قسم الفلسفة وعلم النفس في جامعة لندن { ولم يزل سائداً في عقلية انكلترا منذ قرون حب المال والتملك , وكانت رغبة نيل الثروة أوقى عامل في حياة البلاد وأكبر باعث على العمل , لأن الثروة وسيلة للتملك , وضخامته ووفرته مقياس لكفاءة الإنسان , ولم يزل الناس يتلقون من طرق السياسة والأدب والتمثيل والسينما والإذاعة اللاسلكية , وفي بعض الاحيان من منابر الكنائس وفي كل عام وشهر , يتلقون التحريضات على جمع المال , والإقناع بأن الأمة المتمدنة هي التي ارتقت فيها عاطفة الحب الشره والتلمك } .
وأجاد في وصف المادية كثيراً الصحفي المشهور jhon gunther جون في كتابه { داخل أوربا } عندما قال ( إن الإنجليز إنما يعبدون بنك إنجليترا سنة أيام في الأسبوع , ويتجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة !!!!!!! ) .
فهم انهمكوا في الحياة المادية حتى الثمالة ووضعوا لها مصطلحات كثيرة , وخرجت من يحمل لواءها من شرذمة تلو الأخرى , فتار رأسمالية وتارة اشتراكية ومصطلحات كلها تؤدي إلى فكرة واحدة فقط { المادية وهجر الغيبيات والضمير الإنساني } .
بعد أن شرحنا بنتف يسيرة ظروف العالم الأوربي , وهناك عندي تفصيل أكثر للعالم الأوربي والأسيوي بشقيه والأفريقي والهندي والتركي والفارسي , ولكني اكتفيت بالأوربي لكي لا أطيل , ولأنَّ أغلب الظروف والواقع الأوربي المختزل , هو الذي لفظ اللبرالية وكانت شموسه المزيفة تشق سناها وبريقها منه .
مفهوم اللبرالية :
بعد أن بيَّنا حال البشر في ذلك الوضع المزري والمنحط , خرجوا القوم باللبرالية وحملوا لواءها , واختلفوا في مرادهم فيها , فقالوا تارة هي حفظ كيان الإنسان وصيانة كرامته والدفاع عن سيادته .
ونذهب للموسوعة الميسرة فنرى اللبرالية هي { التحرر التام من كل انواع الإكراه الخارجي وفق ما يمليه قانون النفس ورغباتها , والإنطلاقه والإنفلات نحو الحريات بكل صورها } .
وقد كنَّا نقول أنَّ اللبرالية لا تتوافق مع الدين , وقد وافقينا بذلك الأخ لبرالي كويتي , وخالفنا بذلك اللبراليين المسلمين , طبعا إلا لبرالي كويتي فهو يرى بأنها لاتتوافق ويستحيل أن نتناقش عن اللبرالية على ضوء التشريع الإسلامي .
فلذلك عندما نقول في التعريف { من كل أنواع الإكراه } نعني بذلك كل الانواع بشتى مشاربها , وإن كانت الصلاة أو الزكاة أو الصيام , أو حتى نكاح المحارم , والحواجز الإجتماعية له والشرعية هي من أنواع الإكراه الخارجي .
فالدين مُقصي هنا , وأيضاً العادات والتقاليد مقصية , والنفس تميل إلى الخبيث بلا رادع ديني , { إن النفس لآمارة بالسوء } وأخشى أن يعترض اللبرالي الكريم على إيراد هذه الآية , ولكني أجدها مناسبة ومعبرة في هذا الموضع .
فالنفس تأمر بالسوء , فلها الحرية المطلقة والإنفلات التام على ضوء تعريف اللبرالية في الموسوعة الميسرة .
ثم نأتي لأحد أعلامها والذي عرفها وقال عنها { هي أن نطيع القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا } وهذا هو جان جاك روسو .
فبعد أن بيَّنا حال أوربا في ذلك العهد الآفل , كان حري بهم أن يخرجوا بهكذا أفكار , فهذه رواسب الدين الباطل , فمن يملك ديناً واضحاً حقاً كما الشرع , لكفاه ذلك هرطقات روسو وصفصفة هاليفي .
لي عودة قريبة مع اللبراليين العرب وفهمهم للبرالية وتناقضهم الفاضح في فهم اللبرالية وقولهم لا تضاد بينها وبين الشريعة , ولا أريد أن أثقل على الأخ , وأكتفي بهذا القدر الآن وسأعود لأبين جوانب أخرى بهذا الخصوص .
عبدالله بن خدعان المطيري
نقاش حول مفهوم اللبرالية....بقلم الأستاذ: عبدالله بن خدعان العبدلي المطيري
خير ما أبدأ بهِ الآن بعد البسملة مقولة للهالك عبدالله القصيمي , يقول عبدالله القصيمي في كتابه الثورة الوهابية { وربما قال البعض : إن الرد على الملحدين لا يجدي شيئاً ، لأن من دخل حظيرة الالحاد فهيهات أن يغادرها ، وهو احتجاج ضعيف مهين ، فإن من ذاق حلاوة عقيدة التوحيد ولباب الاخلاص فهيهات أن يعافها ، فلم أسمع أن رجلاً دخل مذهب الموحدين وتطهر قبله من أرجاس الشرك فخرج منه ونكص عقبه } .
ويقول في كتابه مشكلات الأحاديث النبوية التي يرد فيه على الملحدين { اللهم إنا نسألك الإيمان والطمأنينة ، ونعوذ بك اللهم من الشك والحيرة ، ونهدى لك أتم الحمد والثناء ....فهذا بيان لأحاديث صحيحة أشكلت على كبار العلماء ، فعجل فريق فكذبها وردها وتحامل عليها .. فجرأ العامة وأشباه العامة على أن يكذبوا كل مالم يحيطوا بعلمه ... فزاد كلامه أهل الشك شكاً وريبة ، وضل فريق في الشك والحيرة ، فرغب عن الدين وأوغل في الشهوات والملذات ، ونحن نسأل الله السلامة من ذلك كله ، كما نسأله لنا الرشاد والهداية فيما فعلنا وفيما سوف نفعل } .
فضَّلت أن أبدأ بهذه البداية لغرضٍ في نفسي , ولعلي أكشف هذا الغرض وأقول وبكل صراحة { العقل متاهة } فكل شيءٍ لا يستخدمه الإنسان في خير , يورده المهالك ويكن عليه حسرةً وندامة .
وخير مثال ما حصل لعبدالله القصيمي , ثم من قبله الشيطان , فذاك الشيطان الرجيم أوغل في تفكيره فكان يرد على الله وعلى أمرهِ بالسجود من خلال القياس العقلي فيقول { أنا خير منه , خلقتني من نارٍ وخلقته من طين } فذهب خلف عقله فهلك وخاب وخسر , ونَسِيَ أنَّ النار تأكل كل شيء , وأمَّا الطين فيُنبت الكلأ والثمر والزرع .
وقبل كل ذلك , أنَّه يريد نفاذ فكره وعقله على أمرِ الله , فهو يجهل الحكمة من سجوده لآدم , فرفض وأبى لأنَّه ظنَّ أنَّ عقله سيد الموقف .
ولكن كان الفريق المقابل للشيطان وهم الملائكة يقولون { سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا } فطاعوا ربهم وعظموه , وكانوا في بداية الأمر سألوه { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك , قال إني أعلم ما لا تعلمون } وهذا هو الشاهد { أعلم ما لا تعلمون } فلماذا المكابرة عندما نعرف أنني { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } فلماذا نكابر عندما نعلم أنَّ { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } !؟
اللبرالية أخت العلمانية :
كلاهما من بطنٍ واحد , وهو اللادينية { ولنقل الإلحاد } .
قبل الخوض في اللبرالية يجب معرفة أسباب نشوء تلك اللبرالية أو العلمانية :
يقول سل { sale } مترجم القرآن للإنجليزية { وأسرف المسيحيون في عبادة القديسين والصورة المسيحية } .
يقول مؤلفوا تاريخ العالم للمؤرخين { إن المدن العظيمة التي أسرع إليها الخراب ولم تسترد مجدها وزهرتها أبداً , تشهد بما أصيبت به الدولة البيزنطية في هذا العهد من الإنحطاط الهائل الذي كانت نتيجة المغالاة في المكوس والضرائب والإنحطاط في التجارة وإهمال الزراعة }وتناقص العمران في البلدان } .
يقول ربورت بريفلت { لقد أطبق على أوربا ليل حالك من القرن الخامس إلى القرن العاشر , وكان هذا الليل يزداد ظلاماً وسواداً , قد كانت همجية ذلك العهد أشد هولاً وأفظع من همجية العهد القديم , لأنها أشبه بجثة حضارة كبيرة تعفنت وقد انطمست معالم هذه الحضارة وقُضى عليها بالزوال , وقد كانت الأقطار الكبيرة التي ازدهرت فيها هذه الحضارة وبلغت أوجها في الماضي كإيطاليا وفرنسا , فريسة الدمار والفوضى والخراب }
وهنا نعرف أنَّ اليونانيين وأوربا بأسرها يعيشون تحت وطأة تسلط القساوسة بغير حق وبدينهم المحرف .
في كتاب تاريخ أخلاق أوربا مقتطفات منها { زاد عدد الرهبان زيادة عظيمة , وعَظُ مَ شانهم , واستفحلَ أمرهم , واسترعوا الأنظار وشغلوا الناس , ولا يمكن إحصاؤهم بدقة , ولكن مما يلقي الضوء على كثرتهم وانتشار الحركة الرهبانية ما روى المؤرخون أنه كان يجتمع أيام عيد الفصح خمسون ألفاً من الرهبان , وفي القرن الرابع المسيحي كان راهب واحد يشرف على خمسة آلاف راهب }
وفي نفس الكتاب من عجائبهم { أن الرهاب ماكاريوس نام في مستنقع الطين ليقرص جسمه الذباب السام وهو عاري لمدة ستة أشهر } ! { والراهب يوسيبيس كان يحمل قنطارين من حديد وأقام ثلاثة أعوام في بئر نزح } .
{ وأنَّ بعض الرهبان لا يكتسون دائماً وإنما يستترون بشعرهم الطويل ويمشون على أيديهم , ويسكن بعضهم في مغارات السباع , وكان أتقاهم أبعدهم عن الطهارة , وهم يعدون طهارة الجسم منافية للتدين والزهد , ويتأثمون من غسل الأعضاء } .
يقول الراهب اتهينس { إن الراهب أنتوني لم يقترف اثم غسل الوجه أبداً , وكان الراهب ابراهام لم يمس وجهه الماء ولا رجله خمسين سنة } .
وهناك الكثير والكثير في كتاب تاريخ أخلاق أوربا لكاتبهِ ليكي .
ثم يقول ليكي مصوراً العالم الرهباني والفجور فيقول { إن التبذل والإسفاف قد بلغا غايتهما في أخلاق الناس واجتماعهم , وكانت الدعارة والفجور والإخلاد إلى الترف والتساقط على الشهوات والتملق في مجالس الملوك وأندية الاغنياء والامراء والمسابقة في زخارف اللباس والحلي والزينة في حدتها , وشدتها , كانت الدنيا في الحين تتأرجح بين الرهبانية القصوى والفجور الأقصى , وإن المدن التي ظهرت فيها أكثر الزهاد كانت أسبق المدن في الخلاعة والفجور , وقد اجتمع في هذا العصر الفجور والوهم اللذان هما عدوان لشرف الإنسان وكرامته , وقد ضعف رأي الجمهور حتى أصبح الناس لا يحلفون بسوء الأحدوثة والفضيحة بين الناس , وكأنَّ الضمير الإنساني ربما يخاف الدين ووعيده , ولكنه امن واطمأن , لاعتقاده أن الأدعية وغيرها تكفر جميع أعمال الإنسان , ولقد نفقت سوق المكر والخديعة والكذب حتى فاق هذا العصر في ذلك عصر القياصرة } .
ثم بدأت النصرانية بخلط العلم البشري والمعلومات البشرية بعلم الشرع الإلهي , فأنشأوا مثلاً الجغرافية المسيحية , وكفروا كل من لم يدن بها , وبدأ العداء بين علماء الطبيعة وبين الرهبان والنصرانية .
فقتلوا بذلك غليلو الذي يرى بكروية الأرض , وعذبوه قبل ذلك حتى مات بين أيديهم , فثاروا على العلماء , وعذبوا كل من يخالف أقوالهم في الجغرافية المسيحية وغيرها من الكتب التي أدخلوها على النصرانية .
فأحرقوا اثنان وثلاثون ألفاً وهم أحياءً ومنهم العالم الطبيعي المعروف برونو .
فثار بعد ذلك العالم الأوربي على الدين وعلى التدين والرهبانية , فأصبح عدوهم اللدود هو الدين , وتزعم هذه الثروة أناس كثر , ولكل وجهة هو موليها , ولكل مآرب , فبعضهم مآربه سياسية , والبعض شهوانية , والبعض إقتصادية , والآخر فكرية , ولكل ميول .
ومن أولئك ولا أريد أن أقول على رأسهم السياسي المعروف ميكاويلي الموتفي سنة 1527 , وهو ممن دعوا بفصل الدين عن الدولة , وتقسيم الأخلاق إلى شخصية واجتماعية , وقرروا هو ومن معه وقبله أنَّ الدين قضية شخصية لا ينبغي أن تتدخل في أمور السياسة والدولة , وأن الدولة عندهم أعز واهم من كل شيء , وأنَّ النصرانية فقط تعتني بالحياة الاخروية , وأنَّ الرجل المتدين لا يفيد الدولة بشيء , وأن الملوك والأمراء يجب أن يتخلقوا بأخلاق الثعالب ولا يحتشموا من نقض العهود والكذب والخيانة والغش والنفاق إذا كان ذلك في مصلحة الدولة .
ولاحظوا هذه المبادئ من يطبقها الآن غير المقبور صدام وكثير من الزعماء الغربيين من قبل كهلتر النازي وموسيليني وغيرهم ممن طبقوها خير تطبيق على دول كثيرة !
نعود لمحور حديثنا ونشوء اللبرالية المادية الفكرية العلمانية وكل الطرق تؤدي إلى روما .
وذلك بأنَّ أوربا أصبحت بعد ذلك مادية وتنظر للأمور بالحس المادي فقط , يقول الأستاذ جود joad رئيس قسم الفلسفة وعلم النفس في جامعة لندن { ولم يزل سائداً في عقلية انكلترا منذ قرون حب المال والتملك , وكانت رغبة نيل الثروة أوقى عامل في حياة البلاد وأكبر باعث على العمل , لأن الثروة وسيلة للتملك , وضخامته ووفرته مقياس لكفاءة الإنسان , ولم يزل الناس يتلقون من طرق السياسة والأدب والتمثيل والسينما والإذاعة اللاسلكية , وفي بعض الاحيان من منابر الكنائس وفي كل عام وشهر , يتلقون التحريضات على جمع المال , والإقناع بأن الأمة المتمدنة هي التي ارتقت فيها عاطفة الحب الشره والتلمك } .
وأجاد في وصف المادية كثيراً الصحفي المشهور jhon gunther جون في كتابه { داخل أوربا } عندما قال ( إن الإنجليز إنما يعبدون بنك إنجليترا سنة أيام في الأسبوع , ويتجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة !!!!!!! ) .
فهم انهمكوا في الحياة المادية حتى الثمالة ووضعوا لها مصطلحات كثيرة , وخرجت من يحمل لواءها من شرذمة تلو الأخرى , فتار رأسمالية وتارة اشتراكية ومصطلحات كلها تؤدي إلى فكرة واحدة فقط { المادية وهجر الغيبيات والضمير الإنساني } .
بعد أن شرحنا بنتف يسيرة ظروف العالم الأوربي , وهناك عندي تفصيل أكثر للعالم الأوربي والأسيوي بشقيه والأفريقي والهندي والتركي والفارسي , ولكني اكتفيت بالأوربي لكي لا أطيل , ولأنَّ أغلب الظروف والواقع الأوربي المختزل , هو الذي لفظ اللبرالية وكانت شموسه المزيفة تشق سناها وبريقها منه .
مفهوم اللبرالية :
بعد أن بيَّنا حال البشر في ذلك الوضع المزري والمنحط , خرجوا القوم باللبرالية وحملوا لواءها , واختلفوا في مرادهم فيها , فقالوا تارة هي حفظ كيان الإنسان وصيانة كرامته والدفاع عن سيادته .
ونذهب للموسوعة الميسرة فنرى اللبرالية هي { التحرر التام من كل انواع الإكراه الخارجي وفق ما يمليه قانون النفس ورغباتها , والإنطلاقه والإنفلات نحو الحريات بكل صورها } .
وقد كنَّا نقول أنَّ اللبرالية لا تتوافق مع الدين , وقد وافقينا بذلك الأخ لبرالي كويتي , وخالفنا بذلك اللبراليين المسلمين , طبعا إلا لبرالي كويتي فهو يرى بأنها لاتتوافق ويستحيل أن نتناقش عن اللبرالية على ضوء التشريع الإسلامي .
فلذلك عندما نقول في التعريف { من كل أنواع الإكراه } نعني بذلك كل الانواع بشتى مشاربها , وإن كانت الصلاة أو الزكاة أو الصيام , أو حتى نكاح المحارم , والحواجز الإجتماعية له والشرعية هي من أنواع الإكراه الخارجي .
فالدين مُقصي هنا , وأيضاً العادات والتقاليد مقصية , والنفس تميل إلى الخبيث بلا رادع ديني , { إن النفس لآمارة بالسوء } وأخشى أن يعترض اللبرالي الكريم على إيراد هذه الآية , ولكني أجدها مناسبة ومعبرة في هذا الموضع .
فالنفس تأمر بالسوء , فلها الحرية المطلقة والإنفلات التام على ضوء تعريف اللبرالية في الموسوعة الميسرة .
ثم نأتي لأحد أعلامها والذي عرفها وقال عنها { هي أن نطيع القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا } وهذا هو جان جاك روسو .
فبعد أن بيَّنا حال أوربا في ذلك العهد الآفل , كان حري بهم أن يخرجوا بهكذا أفكار , فهذه رواسب الدين الباطل , فمن يملك ديناً واضحاً حقاً كما الشرع , لكفاه ذلك هرطقات روسو وصفصفة هاليفي .
لي عودة قريبة مع اللبراليين العرب وفهمهم للبرالية وتناقضهم الفاضح في فهم اللبرالية وقولهم لا تضاد بينها وبين الشريعة , ولا أريد أن أثقل على الأخ , وأكتفي بهذا القدر الآن وسأعود لأبين جوانب أخرى بهذا الخصوص .
عبدالله بن خدعان المطيري