المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الذود عن كلام رب العالمين



بن تيمية الحراني
02-06-2008, 08:21 PM
الذود عن القرآن


{إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر-9)

إعداد :
طارق محمد الشافعي












حقوق النشر و التوزيع : ملك عام لجميع المسلمين .
يقول المولى تبارك و تعالى في كتابه العزيز :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

{قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إلى كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْـضُنَا بَعْضاً أَرْبَـاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَـوَلّوْاْ فَـقُولُواْ اشْهـَدُواْ بِأَنّـا مُسْـلِمُـونَ} ( أل عمران - 64)
{يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طّآئِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالّذِيَ أُنْزِلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النّهَارِ وَاكْفُرُوَاْ آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلاَ تُؤْمِنُوَاْ إِلاّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنّ الْهُدَىَ هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَىَ أَحَدٌ مّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ قُلْ إِنّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} ( أل عمران – 70 : 73 )
{قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ (99) يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدّوكُم بَعْـدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}( أل عمران – 98 : 100)
{قُلْ يَـَأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنّآ إِلاّ أَنْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ}( المائدة – 59 )
{قُلْ يَـَأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىَ شَيْءٍ حَتّىَ تُقِيمُواْ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنّ كَثِيراً مّنْهُمْ مّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}( المائدة – 68 )
{قُلْ يَـَأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقّ وَلاَ تَتّبِعُوَاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلّواْ كَثِيراً وَضَلّواْ عَن سَوَآءِ السّبِيلِ}( المائدة - 77)

صدق الله العظيم



مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و على آلِه و أصحابه و بعد . فدائما و أبدا سيبقى كتاب الله عز وجل : ( القرآن الكريم ) أشبه بصخرة قوية راسخة تتحطم عليها أهواء الطامعين للنيل منه ، و على الرغم من ذلك فأن اعداء الأسلام لا يكلون عن محاولاتهم لتقليل شأنه في أعين المسلمين لخدمة أغراضهم ! ففي الأيام الأخيرة نشر موقع ( الرد على الأسلام ) على شبكة الأنترنت كتابا خطيرا بعنوان ( القرآن بين العصـمة و التحريف ) و يبدو أن مؤلفه متنصّر أسمى نفسه : أندراوس !! مدعيا فيه أن القرآن الكريم بصورته التي بين أيدينا الأن ليس كما نطق به محمّد – على حد تعبير المؤلف – إذ أن يد التغيير قد امتدت اليه منذ قديم الأزل بالحذف و الأضافة و التغيير ، مما يجعله ليس أهلا للتقديس من كافة المـسلمين في العـالم !!.. حقا لقد صـدق فيـه قـول المولى عز و جل :-
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ () هُوَ الّذِيَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىَ وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } ( سورة الصف 8 : 9 )
و قد أقدم الكاتب على تأليف هذا الكتاب كما شرح في مقدمته كرد فعل على احتقار المسلمين للكتاب المقدس و اتهامهم بتحريف اياه تحريفا كليا إلى غير ذلك من التُّهم الفارغة و الدعاوي الجارحة التي لا أصل لها و لا سند على حد تعبير الكاتب في المقدمة !!... متفاخرا بخلو كتابه من أي كلمة تجريح أو طعن شخصي ، و متمسكا بحق الديانة المسيحية !!
و يطلب أيضا من اخوانه المسلمين بعد قراءتهم لكتابه أن يبرءوا النصارى من تهمة هي لاصقة بهم التصاقا واضحا – على حد قوله - ، و أن يطالعوا التوراة و الأنجيل ... إلى أخر ماكتب ! و كأنه يتبع سياسة : ( إذا لم تترك ردائي فلن أترك ردائك ) !! و يالها من سياسة قد تقلب موازين الأمـور إذا اسيء استخدامها !
و أعترف للكاتب انني قد طالعت كتابه للوهلة الأولى بقلب حانق و عقل رافض للموضوع برمته جملة و تفصيلا !.. و ذلك لأني متأكد تمام التأكد من زيف ما يزعم كذبا و افتراءا على كتاب الله . و لكن السؤال هنا : ماذا سيكون الموقف اذا وقع هذا الكتاب بأيدي شباب المسلمين ممن ليس عندهم الأدراك الكافي لسـائر أمور الـدين ؟!.. قطعا سوف يكون ذلك بداية لطريق شائك ذو نهاية لا نرجوها جميعا ! و هذا حقا هو الذي دفعني إلى قراءة الكتاب ثانية بعقلٍ واعٍ و بتأنٍ لأثبت لأخواني المسلمين ، و أيضا للإخوة النصارى ممن قرأوا هذا الكتاب أن الكاتب انما يجدف على الله تعالى !.. و على نبيه الكريم صلوات الله عليه و سلامه ، و على صحابته رضوان الله عليهم و على أئمة المسلمين كافة !!
و كما كان كلام المؤلف مدعما بحجج و براهين من كتب الأحاديث و التفسير ، فسيكون كلامنا أيضا كذلك لنثبت له و للقراء أنما قد أورد كلاما ليس ذو سند ، أو قد أوَّل كلاما بغير معناه المراد لغرض ما في نفسه ، أو لأنه قد يظن أن القارئ المسلم غير مطلع على كافة المراجع التي أوردها و التي وصفها بتعبيره الركيك بأنها أشهر من نار على علم ! أو لن يكلف نفسه مشقة البحث ، أو قد يتوهم عـندما يذكر له اسـماء مراجـع قد يظـنها غريـبة ( كالمشكاة ) مثلا !!
و نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا سببا في كشف أمثال هذا المفترئ الكاذب ، و دحض افكاره المغلوطة التي ما غَرَضَ بها إلا التشكيك و التزييف و قلب الحقائق . و أن يعم الكتاب بفائدة على القارئ المسلم بمعرفة بعض الحقائق التي قد تكون مغيّبةً عن ذهنه ، و ذلك حتى لا يستفيد بذلك أعـداء الأسلام انه نعم المولى و نعم النصير .

طارق محمد الشافعي
engi_build@hotmail.com
engi_build@yahoo.com
8/6/2004


















الفصل الأول : مفهوم القراءات في القرآن الكريم

يورد المؤلف في ص6 ما يوضح بعدم تصديقه لمسأله حفظ القرآن الكريم في اللوح المحفوظ قبل خلق العالمين فنسخ بأيدي سفرة كرام بررة عن هذا اللوح و انزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، ثم بلغه جبريل عليه السلام إلى النبي الكريم صلوات الله عليه و سلامه آية بآية .
و نرد عليه و نقول : بأن كل ما أوردته صحيحا ، بل و من أساس العقيدة الأسلامية في مسألة حفظ العزيز الحكيم لكتابه الكريم من شبهة التحريف و الضياع ، و هو الموضوع الرئيسي لنا . و نورد ذلك تفصيلا بالأدلة من القرآن الكريم :
Ø {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مّحْفُوظٍ (22) } سورة البروج
Ø {إِنّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} سورة القدر
Ø {إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مّكْنُونٍ (78) } سورة الواقعة
Ø {الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مّبِينٍ (1)} سورة الحجر
و لا أعلق على الأيات السابقة ، إذ أن بلاغتها لا تحتاج مني أية تعليق !!
Ò و يورد أيضا في بنفس الصفحة تعليقا على كتابة آيات القرآن الكريم على الرقاق و الأكتاف و الجلود و صدور الرجال فيقول أن قد نشأ عن ذلك مشاكل يعتبرها جميع الباحثين كافية لإثبات كون القرآن الحالي لا يحوي جميع الأيات التي نطق بها محمد – على حد تعبيره – و بعبارة اخرى أنه من المستحيل أن يكون القرآن الحالي حاويا لجميع ما أنزل !!
و للرد نسأل : من هم الباحثين الذين تقصدهم في تعليقك ؟.. هل هم من أوردت من كتبهم اقتباساتك ، أي كتاب ( مشكاة المصابيح ) ؟.. بالطبع نشك في ذلك !!... أما لو كانوا باحثين من نوع أخر فلا يهمنا رأيهم ! و ليحتفظوا به لأنفسهم !!
Ò و يورد في ص7 حديثا عن ابن عمر أنه قال : لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله ،Ò فقد ذهب منه كثير ،Ò و لكن ليقل قد أخذت ما ظهر منه . ( !! ) و يزعم أنه قد اقتبسه من كتاب ( الأتقان في علوم القرآن / النوع السابع و الأربعون / ج2/ص25 ) .
و للرد نؤكد : بأننا قد بحثنا جيدا في الكتاب المذكور / في النوع المذكور ( في ناسخه و منسوخه ) فلم نجد الحديث الوارد بكتاب المؤلف ، بل بالبحث في كامل الكتاب وجدنا عن ابن عمر رضي الله عنه 27 حديثا ليس فيهم الحديث المذكور ، و هو طبعا عار عليه لا الأفتراء على احد صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و حسب ، بل و عدم الأمانة العلمية في الأقتباس عن الكتب . فبالطبع حديث كهذا لا يرد عن لسان عبد الله بن عمر و هو حَبر هذه الأمة - كما قال عنه النبي الكريم – و الذي يحفظ عن ظهر قلب قول الله تعالى : {إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر-9) .
أما مسألة ( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ) : و التي أوردها المؤلف مدعيا عدم معرفة الحكمة في ذلك ، فقد شرح الأمام القرطبي ذلك بأن القرآن في مجمله قد أنزل بلغة قريش مدمجا فيه عدة لغات ( لهجات ) اخرى للعرب ، قد يكون ذلك في كلمه بعينها ، أو في جملة ، أو حتى في حرف من الكلمة ، و هو ما اصطلح على تسميته بعلم القراءات . كما هو آت تفصيله :-
{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نّعُودَ فِيهَآ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ رَبّنَا وَسِعَ رَبّنَا كُلّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكّلْنَا رَبّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}( الأعراف 89 ) و معنى ( افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا ) كما جاء في ( تفسير بن كثير ) أي احكم بيننا و بين قومنا و هي ليست في لغة قريش بل في لغة أهل اليمن ، و يقول الأمام القرطبي : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يعرف تفسير هذه الأية حتى أتاه رجلين من أهل اليمن في نزاع بينهما قائلين له : يا أمير المؤمنين ، بالله عليك افتح بيننا ! فلم يفهم حتى أعلموه باختلاف لغة قريش عن لغة اليمن في هذا .
{كَأَنّهُمْ حُمُرٌ مّسْتَنفِرَةٌ (50) فَرّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (51) } سورة المدثر ، و قد شرح الأمام القرطبي معنى كلمة ( قسورة ) فقال أنها اسم من أسماء الأسد بلغة أهل الحبشة .
{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـَهَكَ وَإِلَـَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ( البقرة 133 ) ، و قد أورد القرطبي في تفسير هذه الأية قراءة ( أبيـك ) بدلا من ( أبائك ) على أنها جمع سلامه كما يقول سيبويه ، إذ أن بعض قبائل العرب لا تنطق الهمزة في وسط الكلمة و يعجم ذلك عليها .
و يمكن للقارئ الرجوع إلى كتاب ( الأتقان في علوم القرآن ) للإمام السيوطي / النوع السادس عشر ( في كيفية انزاله ) / المسألة الثالثة ( في الأحرف السبعة التي نزل القرآن عليها ) أو كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري ) لإبن حجر العسقلاني / كتاب فضائل القرآن – باب إن هذا القرآن انزل على سبعة أحرف لمعرفة تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع .
و يورد ابن حجر العسقلاني رأيه في هذا الموضوع فيقول : قوله: (باب أنزل القرآن على سبعة أحرف) أي على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل وجه منها، وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه، بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة ، فإن قيل فإنا نجد بعض الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة أوجه، فالجواب أن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة وإما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء كما في المد والإمالة ونحوهما، وقيل ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بل المراد التسهيل والتيسير، ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعين في العشرات والسبعمائة في المئين ولا يراد العدد المعين، وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه . أ هـ
و ردا على التعليق ص9 نقول : إن الإختلافات الواردة بالقراءات ليست اختلافات جوهرية تغير معنى الأية كما يزعم المؤلف و لكنها اختلافات كما أوردنا بالنطق في حرف أو كلمة بلغات قبائل اخرى غير قريش . و قد كانت هذه الأختلافات في القراءة بين أهل الشام و أهل العراق و أهل الجزيرة من اهم أسباب جمع الخليفة عثمان لقراءة قريش في كتاب واحد و احراق ما دون ذلك كما سنوضح فيما بعد .
و تحت عنوان ( الأيات التي لعبت بها أيدي التحريف ) : يورد المؤلف عددا من الأيات مستغلا الفرق في القراءات ليحتج بها على القارئ و يشككه في صحة هذه الأيات على النحو الذي ورد بالمصحف ، و قد غاب عنه أن يورد لنا المراجع التي استاق منها هذه المعلومات . أيضا احيط علم القارئ أنه برغم احراق هذه القراءات على عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فإن إغلب كتب التفسير القديمة كالطبري و ابن كثير و القرطبي و البيضاوي قد أوردت ضمن شرح الأيات مجموعة مختلفة من القراءات و ينسبونها لأصحابها ، و المفسرين إذ يوردون هذه القراءات فهو كنوع من الشمول و جمع الأحكام المختلفة للقرآن من تفسير قديم وحديث و قراءات و أراء الصحابة و التابعين و غيره ... ، و ليس لأرباك القارئ ، فإن ايراده للقراءات لا ينفي صحة القراءة الأصلية الواردة في المصحف و المنقولة عن طريق التواتر ( أي الحفظ و التلقين ) ، و لكنها معلومة قد تفيد الدارس المتخصص في هذا المجال .
و من الطريف حقا : أن المؤلف يورد في نهاية ص10 فقرة 4 قراءة منسوبه لشخص يدعى ( أبو حنفيه ) !! و لا ندري ما يقصد ، أهي غلطة مطبعية و يكون قصده الأمام ( أبو حنيفة النعمان ) و المعلوم انه كان في العصر العباسي حيث لا مجال للجديد من القراءات التي اشتهرت بها العصور الأسلاميه الأولى ! أم أنه يقصد شخص بعينه لا نعرفه و اسمه بالفعل ( أبو حنفيه ) !!..
و يعلق في ص11 الفقرة 10 على الأية الأولى من سورة القمر : بأن ائمة الأسلام يتلاعبون بالقرآن و هو أيضا تجديف على الأئمة الأجلاء . فالآية تشير إلى معجزة انشقاق القمر التي طلب المشركون من النبي الكريم صلوات الله عليه و سلامه أن يروها ، و عندما رأوها قالوا : إنما سحرنا محمد ! ، و كان ذلك قبيل حادث الأسراء و المعراج ، و الأيات اللاحقة تؤكد ذلك المعنى : {اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقّ الْقَمَرُ (1) وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مّسْتَمِرّ (2) وَكَذّبُواْ وَاتّبَعُوَاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلّ أَمْرٍ مّسْتَقِرّ (3) وَلَقَدْ جَآءَهُم مّنَ الأنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِـي النّذُرُ (5) فَتَوَلّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدّاعِ إلى شَيْءٍ نّكُرٍ (6) } سورة القمر ، و لكن المؤلف لا يورد بالطبع تلك الأيات لأنها لا تخدم سياق الكلام الذي يريده !...
و مما سبق نجد أن المؤلف قد اعتمد في كتابه على اختلاف الروايات في كتب السيرة و الذي لا يؤخذ أبدا كحجة للتفنيد ، و ادعائه بالكذب على بعض المراجع ، بل و ايراد بعض المعلومات من مصادر مجهولة ، و بعد ذلك يؤكد كلامه السابق بتحريف أيات القرآن و لا يسعنا بعد ما أوردنا ردا على تخرصاته إلا أن نقول له كما علمنا قرآننا المجيد : {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} ( النمل 64 ) .
و أيضا تحت عنوان ( ما غيره الحجاج بن يوسف الثقفي في القرآن ) : يدعي المؤلف أن الحجاج قد غير بالقرآن ماهو شاذ لغويا و نحويا بصفته مدرس لغة عربية – هكذا أورد !!- و يورد مجموعة من القراءات المختلفة و يدعي على الحجاج أنه قد غيّرها لأنه رأى بها لحنا !. وهذه الرواية ضعيفة جدّاً أو موضوعة ؛ فبالبحث بالمرجع الذي أورده المؤلف وجدنا أنها عن ( عبَّاد بن صهيب ) وهو متروك الحديث . قال علي بن المديني : ذهب حديثه ، ‏وقال البخاري والنسائي وغيرهما : متروك ، وقال ابن حبان : كان قدريّاً داعيةً ، ومع ذلك يروي أشياء إذا سمعها المبتدئ في ‏هذه الصناعة شهد لها بالوضع ، وقال الذهبي : أحد المتروكين ، ومتن الرواية منكر باطل ، إذ لا يعقل أن يغيِّر شيئاً من القرآن فيمشي هذا التغيير على نسخ العالم كله ، فإذا كان ذلك على النسخة التي بيد الحجاج بالعراق فماذا عن النسخة التي بالمدينة أو التي بمصر أو التي بالشام و غيرها ؟! وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته ؟ وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف ‏جميعها ، ولم تشذّ عن قدرته نسخةٌ واحدةٌ من أقطار المسلمين المتباعدة - و هذا قطعا صعب مستحيل - فهل تمكّن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب ‏حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله ؟‏.‏ و حقيقة الأمر أن الحجاج عندما كان واليا على العراق قد شكا اليه الناس من أكراد و فرس ( غير العرب ) أنهم يعجمون عند قراءة القرآن لتشابه بعض الحروف ولذلك كثر التصحيف في العراق ، ففزع الحجاج إلى كُتَّابه في زمن عبدالملك بن مروان ، وسألهم أن يضعوا علامات لتمييز الحروف المتشابهة ، ودعا نصر بن عاصم الليثي ، ويحيى بن يعمر العدواني تلميذي أبي الأسود الدؤلي لهذا الأمر ، وكانت عامة المسلمين تكره أن يزيد أحد شيـئاً على ما في مصحف عثمان ولو للإصـلاح خشية الابتداع. وتردد كثير منهم في قبول الإصلاح الذي أدخله أبو الأسود ، فبعد البحث والتروي ، قرر نصر ويحيى ـ وكانا من التقوى بحيث لا يتهمان في دينهما ـ إدخال الإصلاح الثاني وهو أن توضع النقط أفراداً وأزواجاً لتمييز الأحرف المتشابهة بالأسلوب الموجود الأن بيدنا، ولكن سبق القول أن الحركات والسكنات كانت بطريقة النقط. وكذلك الإعجام أيضاً ، كان بطريق النقط. فمنعاً للبس بعض الحركات والسكنات والإعجام كان رسم كتابة المصحف مثلاً يكتب الحركة بلون أحمر، والإعجام بلون يخالف الأحمر، قال أبو عمرو: ولا أستجيز النقط بالسواد لما فيه من التغيير لصور الرسم، يعني رسم مصاحف عثمان ( و كانت ترسـم بلا نقط ) ، ورأى أن يكتب الهمزات بالصفرة! وعلى ذلك مصاحف أهل المدينة . و لم يغير الحجاج و لا من كانوا معه شيئا بمصحف عثمان لأنه لا يوجد ما يجبرهم على هذا أولا ، و خشية العامة ثانيا كما سبق و أوضحنا .
أما ما أورده من لحن القرآن في بعض الأيات : كقوله تعالى : {قَالُوَاْ إِنْ هَـَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىَ}( طه 63) و فيها قال القرطبي : وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه "إن هذان" بتخفيف "إن" " لساحران" وابن كثير يشدد نون "هذان". وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب، ويكون معناها ما هذان إلا ساحران أ هـ . و يقول د. غازي عناية في مقال له بعنوان ( شبهة لحن القرآن ) : وكيف تُنكَر هذه القراءة وهي متواترة مُجمَعٌ عليها ؟، بل هي قراءة الأكثر، ولها وجه فصيح في العربية لا يخفى على الجميع ، ذلك هو إلزام المثنى الألف ( أو الرفع ) في جميع حالاته . وجاء منه قول الشاعر العربي:
«واهاً لسلمى ثم واهـاً واهـاً يا ليتَ عَينـاها لنا وفاها
ومـوضعَ الخلخال من رجلاها بثــمن يَرْضَى به أباها
إنّ أباها وأبَا أبــاها قــد بلـغَا في المجدِ غايـتاها».
و أيضا قوله تعالى : {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالصّابِئُونَ وَالنّصَارَىَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}( المائدة 69) و نقرأ تفسير القرطبي و هو يورد أراء أئمة النحو : قال الفراء : إنما جاز الرفع في (والصابئون) لأن ( إن ) ضعيفة فلا تؤثر إلا في الاسم دون الخبر؛ و( الذين ) هنا لا يتبين فيه الإعراب فجرى على جهة واحدة الأمران، فجاز رفع ( الصابئين ) رجوعا إلى أصل الكلام. قال الزجاج: وسبيل ما يتبين فيه الإعراب وما لا يتبين فيه الإعراب واحد. وقال الخليل وسيبويه: الرفع محمول على التقديم والتأخير؛ والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون والنصارى كذلك . وكذلك نقرأ رأي الزمخشري في مقالة الدكتور / غازي عناية المذكورة أنفا فيورد : وقال الزمخشري: «لا يُلتفت إلى ما زعموا من وقوعه خطأ في خط المصحف. وربما التَفت إليه من لم ينظر في الكتاب (يريد كتاب سيبويه) ولم يعرف مذاهب العرب، وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وخفي عليه أن السابقين الأولين الذين مثلُهُم في التوراة، ومثلُهُم في الإنجيل، كانوا أبعدَ همةً في الغيرة على الإسلام، وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمةً يسدها من بعدهم، وخرقاً يرفوه مَن يلحقهم».
و أيضا قوله تعالى : {وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوَاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مّـنَ اللّهِ وَاللّهُ عَـزِيزٌ حَكِيمٌ}( المائدة 38 ) فيطلب المؤلف تغيير كلمة (أَيْدِيَهُمَا ) بكلمة ( يديهما ) وربما قد غاب عن ذهنه أن صيغة الجمع للشمول ( أي مراده أي سارق و أية سارقة ) ، و صيغة المثنى للتخصيص و التحديد ( أي سارق بعينه و سارقة بعينها ) . و في هذا دليل دامغ على بلاغة القرآن التي قد تخفى على العنصر البشري إذا تدخل في التأليف و التحريف ، و بهذا فنرد على المؤلف كيده و نقول له ولأمثاله قول العـزيز الحكيم :
{قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِـكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصـّدُورِ}( آل عمران 119)
Ò و يورد المؤلف في نهاية ص15 مشكلة اخرى : ألا وهي وضع النقاط فوق الحروف ،Ò موردا أن بعض علماء المسلمين الأوائل قد كانوا يكرهون تنقيط المصحف ،Ò و يخاطب قراء العربية اليوم متسائلا : كيف يمكن تمييز الحروف المتشابهة دون تنقيطها ؟ و يورد صورة لصفحة من مصحف يرجع تاريخه إلى نحو سنة 15 هـ بدون تشكيل و لا نقاط !!
و للرد نقول : ان هذا السؤال لا يسأل لقراء العربية اليوم و الذين تعلموا قراءة الحروف العربية و التمييز بها عن طريق النقاط ، بل يسأل لقراء العربية منذ 1500 عاما حيث كان العرب يتعلمون كتابة لغتهم دون تنقيط و كانوا يقرأونها و هم بها عالمون و عليها قادرون . و نورد للقارئ من كتب السيرة النبوية بعض مواقف منها موقف اسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فنرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد تناول الصحيفة من اخته و قرأها وحده دون مساعدة من أحد ، و قد كانت مكتوبة بخط يماثل الذي أورده المؤلف في ( صورة 1 ص16 ) ، و لكن لأنه عربي و قد تعلم القراءة هكذا فهو قادر على قراءتها و تمييز كلماتها و حروفها من سياق الكلام . أيضا في صلح الحديبية كان الرسول الكريم صلوات الله عليه يملي على عليّ بن أبي طالب و هو يكتب و طبعا بخط يماثل الخط الذي أورده المؤلف و الأمثلة اخرى كثيرة ... ، و أيضا قد سئل الأستاذ / احمد ديدات في احدى مناظراته ‏عن الحروف العربية القديمة و كيف كانوا يقرأونها ، و كان رده كالتالي : اذا كنت انجليزيا تقرأ و تكتب الأنجليزية و هي لغتك الأم التي تحلم بها ، و بجوارك شخص من جنسيه اخرى حديث العهد بالأنجليزية و عرضت على كليكما جملة مكتوبة في ورقة تقول : I’ll go to bd!! فبالطبع سوف يفهم الأنجليزي أن كلمة I’ll تعني I shall و كلمة bd تعني bed و هو اختصار شائع في الأنجليزية ، و هنا يقال أن الإنجليزي قد فهم الجملة من سياق الكلام ، في حين أن متعلم الأنجليزية و الذي قد لا يعرف سياق بعض الجمل و كذا لا يعرف اختصارات الكلمات لحداثة عهده باللغة فيعجم عليه ذلك ! نفس الشئ مع قراء العربية من العرب المسلمين الأوائل و اخوانهم متعلمي العربية من الفرس و الشوام و المصريين و الأندلسيين و الترك و الأكراد و الروم و غيرهم فقد اضطر علماء المسلمين في القرن الأول الهجري و على رأسهم أبو الأسود الدؤلي إلى ابتداع النقاط فوق الحروف لسهولة تعليم العربية لغير الناطقين بها و ظلت طريقـتهم مع العرب و العجم إلى هذا اليوم ! فلا يحتج المؤلف بضياع بعض احرف القرآن أو تحريفه أو تغيير معناه عند وضع النقاط لأن الذين أشرفوا على وضع النقاط هم العرب لا العجم !
جدير بالذكر أيضا أن طريقة نقل القرآن و تعليمة و حفظه عبر العصور الأولى و حتى وقت قريب جدا كانت عن طريق التواتر ( أي نسمعه بأذاننا و نردده بعد ذلك كما سمعناه فيتم الحفظ و التلقين ) فقد تعلمه الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم من جبريل عن طريق التلقين و علمه لأصحابه بالطريقة ذاتها ، و عندما كتبوه كان ذلك عاملا مساعدا ثانويا ، و كانوا يحفظونه عن ظهر قلب أكثر من القراءة . فوسيلة حفظ المعلومة هنا هي السماع و النطق و ليس القراءة من الصحف و الرقاع ، وفى جميع الأزمنة فإن القرآن يؤخذ سماعًا من حُفَّاظ مجودين متقنين ، ولا يؤخذ عن طريق القراءة من المصحف ؛ لإن الحفظ من ‏المصحف عرضة لكثير من الأخطاء ، فالسماع هو الأصل فى تلقى القرآن وحفظه . لأن اللسان يحكى ما تسمعه الأذن ، لذلك ‏نزل القرآن ملفوظًا ليسمع ولم ينزل مطبوعًا ليُقرأ .‏
و في اخر الفصل الأول : يورد المؤلف في ص17 تعليقا على الأية 60 من سورة المائدة – و ليست 6 كما أورد في الكتاب – بأن كلمة ( وَعَبَدَ الطّاغُوتَ ) غير مفهومة المعنى بالقراءة السطحية للأية على أن ( عَبَدَ ) فعل ماض و فاعله هو الله ! و يورد مجموعة مختلفة من القراءات لهذه الكلمة فقط لا لشيء إلا لأرباك القارئ و تشكيكه في الأية . و بالرجوع إلى كتب التفسير نجدها تورد القراءات على نحو متماثل يفهم منها جميعا أن من يلعنه المولى عز وجل و يغضب عليه فسوف يجعل منه القردة و الخنازير و عبدة الطاغوت و لا يفهم منها شئ أخر ، أيضا قد أورد فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في شرحة لهـذه الأية أن كلمة ( وَعَبَدَ الطّاغُوتَ ) لا يمكن أن يفهم منها ( عبد ) على أنه فعل و ذلك لعطفه على اسمين من قبله فتكون اسم مكون من مضاف و مضافا اليه و اضغمت التاء في ( عبدة الطاغوت ) للأختصار و ثقل النطق أحيانا ، فتكون نوع من البلاغة و التي عرف بها دائما القرآن الكريم .
و في ختام الفصل : نسأل القارئ الكريم سؤالا : ( بماذا ننعت ما أورده المؤلف من أدلة على تحريف القرآن ؟ ) .

*****************************

الفصل الثاني : ﴿ ???? ???? ?????? ?????? ?????? ? ( سورة النجم – 4 )

في مقدمة الفصل الثاني يورد المؤلف مفهوما قديما عن القرآن ألا و هو أن معظم مواد القرآن و قصصه مأخوذة و مستعارة من اعتقادات اليهود و النصارى في شبة الجزيرة العربية ( ! ) ، و قد قال هذا مشركي العرب من قبل لقوله تعالي : {وَقَالُوَاْ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىَ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}( الفرقان 5) ، و كان الرد من رب العزة جليا في الأية التالية أن قال : {قُلْ أَنزَلَهُ الّذِي يَعْلَمُ السّرّ فِي السّمَـاوَاتِ وَالأرْضِ إِنّـهُ كَـانَ غَفُـوراً رّحِيمـاً}( الفرقان 6) ، و يقول الأمام القرطبي شرحا لهذه الأية : أي قل يا محمد أنزل هذا القرآن الذي يعلم السر، فهو عالم الغيب، فلا يحتاج إلى معلم. وذكر ( السر ) دون الجهر؛ لأنه من علم السر فهو في الجهر أعلم. ولو كان القرآن مأخوذا من أهل الكتاب وغيرهم لما زاد عليها، وقد جاء بفنون تخرج عنها، فليس مأخوذا منها. وأيضا ولو كان مأخوذا من هؤلاء لتمكن المشركون منه أيضا كما تمكن محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهلا عارضوه فبطل اعتراضهم من كل وجه . و مَن مِن العرب كان عنده علم هذه القصص غير اليهود و النصارى ؟ و ما كان النبي الكريم على اتصال بهم ليحدثوه بها ، و ما كان صلوات الله عليه بقاريء حتى يقرأ ما في كتبهم ، بل و ما كانوا هم ليحدثوا أحدا من العرب بأخبارهم و كانوا يستفتحون عليهم بها ! فيقول المولى تبارك و تعالى واصفا حالهم : {وَلَمّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدّقٌ لّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمّا جَآءَهُمْ مّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}( البقرة 89 ) و أيضا قال جل جلاله : { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ قَالُوَاْ أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}( البقرة 76) فمن أين أتى بها هذا النبي الأمي صلوات الله عليه و سلامه ؟
Ò و يورد في ص 20 حديثا يدعي وروده في ( مسند أحمد ) .
و هو في الواقع حديث غريب ! : فما كان كتّاب الوحي يراجعون النبي الكريم صلى الله عليه و سلم فيما يمليهم من القرآن ، و لو راجعوه فلن يقول لهم : اكتب كيف شئت ! لأنها تتعارض مع أمانته صلى الله عليه و سلم مع الله تعالى ، و أيضا لأن صفات الله تعالى الواردة في الأيات لا يصح تبديلها و لو تبدلت لما دلت على المعنى المراد للأية . و قد أثار القرطبي هذه النقطة في كتابه فأورد قصة عن أحد الصحابه كان يقرأ القرآن على احد الأعراب حديثي العهد بالأسلام فقرأ : {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّـكَ أَنـتَ الْعَـزِيزُ الْحَكِيـمُ} ( المائدة 118) و بدلا من ( العزيز الحكيم ) فقرأ بالخطأ ( الغفور الرحيم ) فما كان من الأعرابي إلا أن استوقفه قائلا : هل هذا كلام إله ؟ إن عذب عباده فلم يصف نفسه بالغفور الرحيم ؟! و راجع الصحابي الصحيفة التي كان يقرأ منها و على الفور اتضح خطأه في القراءة ! الذي أدركه هذا الأعرابي بفطنته . و يقول تفسير الجلالين عن الأيه السابقة دعما لكلام الأعرابي : (وإن تغفر لهم) أي لمن آمن منهم (فإنك أنت العزيز) على أمره (الحكيم) في صنعه .
Ò و تحت عنوان ( أيات بحسب الرغبات !! ) : يورد مجموعة من الأحاديث متعجبا من محتواها ؛ إذ أنها تحكي عن بعض الصحابة و الذي جاء القرآن موافقا لكلامهم كعمر بن الخطاب رضي الله عنه . و يقول في استنتاجه بأن في القرآن أيات لم تنزل على محمد بل نزلت على بعض صحابته ( !! ) فإذا اعجبته فصاحتها ضمها إلى القرآن و قال إنها وحي من الله اليه ( !! ) و يرى أيضا ان هذا يفند دعوى الأعجاز و يبطل حجة : ( فأتوا بسورة من مثله ) !!!!....
و للرد نقول : إنه فعلا قد أتت بعض أيات القرآن الكريم موافقة لكلام بعض الصحابه و لا سيما أقوياء الأيمان كالفاروق رضي الله عنه و ليس معنى هذا أنه وحي لهم دون الرسول الكريم ، فقد كان الوحي ينزل عليه صلى الله عليه و سلم مصدقا لمن يقولون و إلا لما ضمه محمد عليه صلوات الله و سلامه إلى القرآن . فذلك – كما قلنا سابقا – يتعارض مع الأمانة مع الله سبحانه و تعالى و قد وصف صلوات الله عليه بأنه الصادق الأمين . أما الصحابة الذين قد ورد القرآن مصدقا لما يقولون فهو من زيادة الأيمان قد تخالجه نفسه بشيء أراد أن يفعله ابتغاء وجه الله و مرضاته فصارح به النبي الكريم صلى الله عليه و سلم يستأذنه فيم يفعل أولا و ذلك احتراما لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فينزل القرآن مصدقا لما يقولون جزاءا من ربهم و تقديرا لصلاحه و تقواه . و أيضا في القرآن بعض أيات لم تأت ناطقة بلسان المولى عز و جل و قد ذكر هذا الأمام السيوطي في كتاب ( الأتقان في علوم القرآن ) فقال : يقرب من هذا ما ورد في القرآن على لسان غير الله كالنبي عليه الصلاة والسلام وجبريل والملائكة غير مصرح بإضافته إليهم ولا محكي بالقول كقوله (قد جاءكم بصائر من ربكم) الآية فإن هذا وارد على لسانه صلى الله عليه وسلم لقوله آخرها وما أنا عليكم بحفيظ وقوله (أفغير الله أبتغي حكماً) الآية فإنه وارد أيضاً على لسانه. وقوله (وما نتنزل إلا بأمر ربك) الآية وارد على لسان جبريل. وقوله (وما منا إلا له مقام معلوم. وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون) وارد على لسان الملائكة وكذا (إياك نعبد وإياك نستعين) وارد على ألسنة العباد إلا أنه يمكن هنا تقدير القول : أي قولوا وكذا الآيتان الأولتان يصح أن يقدر فيهما قل بخلاف الثالثة والرابعة . أ هـ
و مما سبق نرى : أن المؤلف قد دأب في جمع الحجج القديمة ليوردها من جديد ظنا منه أن القارئ لن يكلف نفسه عناء البحث في هذه المراجع الكثيرة التي أوردها و قد يخالج في نفسه بذرة شك في عقيدته و في دينه ! و ما فعلنا سوى اعادة تجميع و ترتيب لردود أهل العلم من السلف الصالح على أقوال بعض المتخرصين !!

الفصل الثالث : حقيقة جمع القرآن

Ò يورد المؤلف في صدر الفصل الثالث من كتابه نبذة تاريخية عن جمع القرآن اقتبسها من كتاب ( الأتقان في علوم القرآن ) للسيوطي و قد علق على جمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه و سلم : بأنه قول غير صحيح إذ لم تجمع الأيات في كتاب ( !! ) و أن أول مرة كانت في حياة أبي بكر الصديق رضي الله عنه . ثم جاء عثمان بن عفان رضي الله عنه و أحرق جميع المصاحف عدا مصحفه – الذي لم يصحح - متحديا بذلك جميع الصحابة رضوان الله عليهم !!!...
و للرد نقول : بمراجعة كتاب ( الأتقان في علوم القرآن ) / النوع الثامن عشر ( في جمعه و ترتيبه ) وجدنا ردا كافيا على كلام المؤلف و لنقرأ سويا : قال الخطابي: إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أوتلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر. وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن .. الحديث فلا ينافي ذلك لأن الكلام في كتابه مخصوصة على صفة مخصوصة وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور. قال الحاكم في المستدرك: جمع القرآن ثلاث مرات. إحداها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أخرج بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع" الحديث. وقال البيهقي: شبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم. الثانية: بحضرة أبي بكر . أ هـ . فقد جمع النبي صلى الله عليه و سلم القرآن و رتبه أياته المتفرقات في سور و رتب سُوَره بالترتيب المعروف و قد أملاه جبريل عليه كاملا و لقنه لصحابته . و هذا واضحا من الحديث الشريف : روى احمد بإسناد حسن بن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: " أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى) إلى آخرها " و أيضا قال ابن الحصار: ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ضعوا آية كذا في موضع كذا وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما أجمع الصحابة على وضعه في المصحف.. ، و يورد السيوطي أيضا : وقال الحارث المحاسبي في كتاب فهم السنن: كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته ولكنه كان مفرقاً في الرقاع والأكتاف والعسب فإنما أمر الصدّيق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعاً وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها قرآن منتشراً فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء. قال: فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال قيل لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجوز ونظم معروف قد شاهدوا تلاوته من النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة فكان تزوير ما ليس منه مأمونا وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه . أ هـ . فكيف لا يعد هذا جمعا للقرأن ؟ بل أنه الجمع الأول الذي به اهتدى الخلفاء الراشدون من بعده .
و في اول ص27 يورد حديثا عن ضياع أية من القرآن كانت مع رجل قتل يوم اليمامة ، و قد نسي أن يورد المرجع الذي اقتبس منه هذا الحديث . و بالبحث وجدناه فعلا في كتاب الأتقان / النوع 18 و بالبحث وجدنا المحقق و علق عليه في الهامش بأنه اسناد منقطع أي حديث ضعيف لا يؤخذ بكلامه بل أورده السيوطي ضمن ما أورد من أحاديث توضح جمع عمر رضي الله عنه للقرآن . و عدم اعتدادنا به لسبب بسيط أوردناه سابقا و نورده مرة اخرى ، و هو أن القرآن قد نقل عن طريق التواتر و ليس عن طريق الكتابة . فإذا لم تكتب الأية فهناك العشرات بل المئات من الصحابة قد حفظوها عن ظهر قلب من النبي صلى الله عليه و سلم و منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي كان يصلي بالناس اماما في حياة النبي صلوات الله عليه لأنه اكثرهم قراءة و حفظا للقرآن . و رغم ذلك ، و لأنه بشر يحتمل فيه النسيان و الخطأ فقد أوصى عند جمع الأيات ألا يسجلوا الأية إلا اذا شهد عليها شاهدان لا لشكه في صدق و نزاهة الشهود – كما قال المؤلف بمنتهى الصفاقة - فهم صحابة رسول الله رضوان الله عليهم الذين يستنون بسنته و يتخلقون بخُلُقه و لكن لثقل المسئولية إذ أنه كتاب الله ، و أيضا للتأكد من عدم الخطأ أو النسيان و للتأكد أنه قد أخذها عن النبي صلى الله عليه و سلم كما يقول السيوطي في الأتقان : قال ابن حجر: وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب وقال السخاوي في جمال القراء: المراد انهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أوالمراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن. قال أبو شامة: وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ. أ هـ . و لا يعني هذا ايضا أنه قد فقدت الكثير من الأيات عندما لم يتوافر لها شاهدين – كما يقول المؤلف ص30 – و يحتج بأية الرجم و كل الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه و سلم و منهم عمر يعرفون أن أية الرجم قد نسخت كتابةً و لم تنسخ حكماً بأمر النبي الكريم صلوات الله عليه ، فلو كانت من القرآن لما سكت عمر و نحن جميعا نعرف دفاعه عن الحق ، و احتفاظه بالآية لأنها كانت قد أنزلت على رسول الله ذات يوم ثم أمر صلى الله عليه و سلم ألا تكتب مع استمرار حكمها .
أما جمع القرآن على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه فكان توحيد للقراءات على قراءة واحدة ، و يورد السيوطي هذا في كتابه فيقول : وأخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا اندرءوا في شيء أخروه. قال محمد: فظننت أنما كانوا يؤخرونه لينظروا أحدثهم عهداً بالعرضة الأخيرة فيكتبونه على قوله. وأخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة قال: قال عليّ لا تقولوا في عثمان إلا خيراً فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأمنا قال ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك وهذه يكاد يكون كفراً قلنا: فما ترى قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فال تكون فرقة ولا اختلاف قلنا: فنعم ما رأيت . و قال ابن التين وغيره: الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته لأنه لم يكن مجموعاً في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتباً لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرأوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئه بعض فخشى من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتباً لسوره واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجاً بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة . وقال القاضي أبو بكر في الانتصار: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلغاء ما ليس كذلك وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل أثبت مع تنزيل ، ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته ، وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد. وقال الحارث المحاسبي: المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان وليس كذلك إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشى الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن فأما السابق إلى جمع الجملة فهوالصديق وقد قال عليّ: لووليت لعملت بالمصاحف التي عمل بها عثمان. أ هـ.
و في نهاية الفصل يورد المؤلف تعليقا مسهبا في ص29 ، يورد في صدره أن الخليفة عثمان كان جهده كله ليجعل القرآن بلغة قريش ليحقق السيادة و الزعامة القرشية التي سعى الأسلام لتحقيقها و يورد قصه لا نعلم مدى صحتها عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عندما أراد أن يكتب كلمة ( تابوت ) بالتاء المربوطة لتصير ( تابوة ) !! و نقول للمؤلف أن هذا غريب لأن الكلمة التي تكتب بالتاء المربوطة هي التي تنطق بالتاء عند الأضافة و بالهاء عند الأفراد ، و قد عـرفها العرب القـدماء ( راجع صـورة صحـيفة القرآن ص16 ) فنجد كـلمة ( مشكـاة ) و ( شـجرة ) و ( زيتونة ) و غيرها ، فعند الأضافة تنطق ( مشكات ) و عند الأفراد تنطق ( مشكاهـ ) و هكذا ، و لكن ليس الحال في ( تابوت ) فهي في الأضافة و الأفراد تنطق بالتاء فلا يصح أن تكتب بالتاء المربوطة ، و لا يصدر هذا الخطأ من رجل اشتهر بالفصاحة و البلاغة كالإمام علي كرم الله وجهه !! أما مصدر هذه المعلومة الذي نوه عنه المؤلف فهو كتاب ( هل القرآن معصوم ؟ تأليف عبد الله عبد الفادي ) و لا تعليق ...!
أما عن نزع قريش للصفات البشرية عن شخصية النبي صلى الله عليه و سلم : و الباسه صفة الألوهية لتجعل منه مشترعا فهو تراهات لا أساس لها من الصحة ، لأنه بنفسه قد نفى ذلك في حديثه الصحيح : " لا تطروني كما أطرت النصارى بن مريم و لكن قولوا عبد الله و رسوله " ، و قول أبي بكر الصديق حين بلغه وفاة الرسول عليه صلوات الله و سلامه : من كان يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات ... الخ ، فلو كانوا يريدون به صفة ألوهية لما قالوا ذلك و ما رضوا به . و لم نسمع أبدا بحديث رجل من السلف الصالح ارتفع بالرسول الكريم إلى مرتبة الألوهية . فهي قطعا معلومة خاطئة قد أوردها المؤلف عن مصدر مجهول !
و أما عن عدم احترام ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه لحديث النبي الكريم : ( ان هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ) فهو عاريا من الصحة فقد أوضحنا من قبل معنى الحديث ( راجع التعليق الوارد في هذا من كتابنا) و عرفنا أن القرآن قد انزله الله تعالى بلغة قريش متضمنا بعض اللغات ( اللهجات ) الأخرى ، فليس سبعة أحرف أي سبعة مصاحف مختلفة أحرقها عثمان، فهنا يحاول المؤلف تضليل القارئ عن طريق تشابه و تشابك الموضوعات و لكن القارئ الفطن أظنه الأن قد انكشف له الأمر جليا واضحا .
أما عن طلبه لدليل على صحة نسخة عثمان التي أبقاها و أحرق ما سواها فما من دليل على صحتها خير مما قلناه سابقا و نؤكد ثانية أنها نسخة متواترة مجمع عليها من كافة صحابة رسول الله الذين عرفوا بالغيرة الشديدة على الدين ، و أظن أن مسألة جمع القرآن ليست بالسهلة الهينة أن يتهاونوا و لو في كلمة من آيه . فالمسلمون لم يعرفوا في أي يوم ما يسميه المؤلف بمصحف أبي بكر و مصحف عثمان و مصحف ابي بن كعب و مصحف بن مسعود !!
Ò و يورد : أن المسيحيين يحتفظون بنسخ خطية من كافة كتبهم إلى هذا اليوم و لم يخف منها شئ و بمقابلة هذه النسخ فيمكننا الوصول إلى الجوهر الأصلي ( !! ) .
و نرد عليه و نقول : و لو أنني لم أكن لأتكلم في هذا المجال الأن و لكن المؤلف هو الذي يقودنا إلى هذا الموضوع ! فليتفضل بالرد على هذه التساؤلات :
1. نزلت التوراة على موسى عليه السلام من لدن الله عز وجل في صحراء سيناء منذ 3600 تقريبا و قد كانت صغيرة الحجم بحيث تكتب على الواح من الحجر عددها اثنا عشر لوحا ( وَتَكْتُبُ عَلى الحِجَارَةِ جَمِيعَ كَلِمَاتِ هَذَا النَّامُوسِ نَقْشاً جَيِّداً ) تث 27 : 8 ،2. و في أيضا ‏( انْتَخِبُوا مِنَ الشَّعْبِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً. رَجُلاً وَاحِداً مِنْ كُلِّ سِبْطٍ . وَأْمُرُوهُمْ قَائِلِينَ: ‏احْمِلُوا مِنْ هُنَا مِنْ وَسَطِ الأُرْدُنِّ مِنْ مَوْقِفِ أَرْجُلِ الْكَهَنَةِ رَاسِخَةً اثْنَيْ عَشَرَ حَجَراً, ‏وَعَبِّرُوهَا مَعَكُمْ وَضَعُوهَا فِي الْمَبِيتِ الَّذِي تَبِيتُونَ فِيهِ اللَّيْلَةَ ) يشوع 4 : 2-3 ‏ و السؤال هنا : هل توراة موسى أو الأسفار الخمسة بحجمها الذي نراه الأن يمكن كتابتها على اثني عـشر لوحـا من الحجر ؟ أم أنها توراة أخرى ؟!.‏...
3. في احد الأسفار التاريخية نقرأ ( فَدَامَتِ الشَّمْسُ وَوَقَفَ الْقَمَرُ حَتَّى انْتَقَمَ الشَّعْبُ مِنْ أَعْدَائِهِ. أَلَيْسَ هَذَا مَكْتُوباً فِي ‏سِفْرِ يَاشَرَ؟‏ ) يشوع 10 : 13 فأين سفر ياشر هذا ؟ و ماذا كان مكتوبا فيه ؟ و إن كان اسما ثانيا لأحد أسفار التوراة فلم لم يعرف بـه مع اسمه الأصلي ؟ ... أم أنـه سفر مفقود ؟!!!
4. و حدث انفصال بين اسباط بنى اسرائيل منذ حوالي ثلاثة ألاف عام و عرف ما يسمى بالعبرانيين و السامريين و كل منهم له نسخة التوراة الخاصة به فهذا يقدس جبل جرزيم و ذاك لا يشير إلى هذا التقديس بشئ ! و في زمن البطالمة أمر بطليموس فيلادلفيوس في عام 282 ق.م. بترجمة التوراه العبرانية دون السامرية إلى اللغة اليونانية و اجتمع لهذا سبعون عالما من بنى اسرائيل فعرف النص بالنص السبعيني و بينه و بين النص العبراني بعض الأختلافات مثلا فنقرأ في النسخة العبرانية أن أدم عليه السلام قد مات قبل زمن نوح عليه السلام بحوالي 126 سنه ،5. و في التوراة اليونانية نقرأ أن أدم مات قبل نوح بحوالي 732 سنه ،6. و نفس المعلومة في التوراة السامرية تؤكد أن أدم قد عاش إلى زمن الطوفان و أدرك مع نوح 223 سنه ،7. و قد اتفقت النسخ الثلاث على عمر أدم عليه السلام كان 930 سنة !... فأين الصواب في كل هذا ؟!
8. أيضا في ( مزمور 105 : 28 ) في النسخة العبرانية نجد ما نصه ( أَرْسَلَ ظُلْمَةً فَأَظْلَمَتْ وَلَمْ يَعْصُوا كَلاَمَهُ ) ،9. و نجد نفس النص في التـوراة اليونانية (وَهُمْ عَصُوا كَلاَمَهُ ) فأين الصـواب أيضا ؟!
10. عندما جاء المسيح عليه السلام بأورشليم في زمن الرومان فنادى فيهم باحترام شريعة موسى ‏( لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ ) متى 5 : 17 فقدس أتباعه بعد ذلك التوراة و اسفار الأنبياء ،11. و عرفت بالعهد القديم و عرف الأنجيل و اعمال الرسل و الرسالات باسم العهد الجديد ،12. و ذلك حتى عام 325 م حين عقد مجمع نيقية و أقر بالتوراة اليونانية دون العبرانية بالأضافة إلى الأناجيل الأربعة و بقية الأسفار و عرفوا جميعا بالكتاب المقدس و عدد أسفاره 72 سفرا . كما أمر المجمع باحراق عدد كبير جدا من الأناجيل المكتوبة و المدونة على فترات مختلفة فريبة أو بعيدة من السيد المسيح ،13. و المعتد بها بين فرق نصرانية كثيرة منتشرة في انحاء العالم أنذاك نذكر منها ( انجيل السبعين أو تلامس ) و ( انجيل التذكرة ) و ( انجيل سـرن-تهس ) و ( انجيل نقوديموس ) و غيرها .. و السؤال هنا : لم احرقت هذه الأناجيل و ماذا كان مكتوبا فيها ؟ جدير بالذكر أن اختيار الأناجيل الأربعة المعروفه كان عن طريق الأقتراع اثناء المجمع . فهل يكفي هذا لأثبات أنها صادقة دون غيرها ؟... و لم أربعة كتب تحديدا و ليس أكثر من ذلك ،14. و لا أقل من ذلك ؟!...
15. و في بداية عصر النهضة ظهر ( مارتن لوثر ) و أعلن خروجه عن الكنيسة الكاثوليكية و نادى في أتباعه بتقديس التوراة العبرانية دون اليونانية ،16. و حَذَفَ منها اسفار باروخ و طوبيا و يهوديت و المكابيين الأول و المكابيين الثاني و بعض استير و بعض دانيال بحجة أنها محسوبة على التوراة فيصير كتاب البروتستانت المقدس يتكون من 66 سفرا . فهل أضاف الكاثوليك في كلام الله ما ليس منه ؟ .. أم حذف البروتستانت من كلام الله ما لا يجوز حذفه ؟!!...
17. و بعد هذه التساؤلات البسيطة ماذا عن النسخة الخطية الأصلية التي يدعى المؤلف حفظها إلى يومنا هذا ،18. و ما هو موقفها من هذا الأختلاف ؟!!

و أخيرا ، أعتذر عن خروجي عن الموضوع الأساسي الذي نحن بصدده و لنعد اليه مرة اخرى !!..


*************************************

الفصل الرابع : عبد الله بن مسعود ( رضي الله عنه )

روى البخاري عن عبد الله بن عمروبن العاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وأبيّ بن كعب " ، أي تعلموا منهم. والأربعة المذكورون إثنان من المهاجرين وهما المبدوء بهما واثنان من الأنصار وسالم هوابن معقل مولى أبي حذيفة ومعاذ هو ابن جبل .
فعبد الله بن مسعود هو أحد السبّاقين إلى الأسلام و من أمهر قراء القرآن على عهد النبي الكريم صلى الله عليه و سلم و قد جمع القرآن كله في مصحفا على عهد عثمان بن عفان و يقول السيوطي في الأتقان إن ترتيب السور في مصحف ابن مسعود لم يكن مماثلا لمصحف عثمان ، أيضا لم يحتوي مصحف ابن مسعود على الفاتحة و لا المعوذتين و لنقرأ سويا ما أورده السيوطي : قال ابن قتيبة في مشكل القرآن: ظن ابن مسعود أن المعوذتين ليستا من القرآن لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين فأقام على ظنه. ولا نقول أنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار. و قال: وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من القرآن معاذ الله ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان ورأى أن ذلك مأمون في سورة الحمد لقصرها ووجوب تعلمها على كل أحد. قلت: إسقاطه الفاتحة من مصحفه أخرجه أبا عبيد بسند صحيح كما تقدم أ هـ .
فمن الأكيد أن عبد الله بن مسعود كان يقرأ الفاتحة في صلاته و إلا لما صحت ، و قد يكون أيضا عدم ايراده للمعوذتين من قبيل النسيان لا أكثر . أما عن اعتراضه عن احراق مصحفه ضمن ما احرق على عهد الخليفة عثمان فكان لأمرين : أولهما أن مصحفه كان – برواية بعض الصحابة و التابعين - يحتوي بعض عبارات تفسيرية فى صلب الآيات أو فى أواخرها شأنه شأن بعض المصاحف الأخرى ، و هذا يخل بنظام التلاوة لمن يقرأه و لا يحفظه ، و ثانيهما لظنه أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قد استأثر بجمع القرآن وحده ، في حين أن اختيار الخليفة له للقيام بهذا العمل دون غيره لأنه كان من كتبة الوحى فى الفترة المدنية ، و كان حافظًا متقنًا للقرآن سماعًا مباشرًا من فم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كان هو الوحيد الذى حضر العرضة الأخيرة للقرآن من النبى عليه الصلاة والسلام على جبريل عليه السلام ، وكان هو الذى جمع القرآن فى خلافة أبى بكر رضى الله عنه .‏ و أظن أن هذا كافيا للرد على المؤلف في دعواه و تبرئة بن مسعود أو عثمان رضي الله عنهما من تهمة تحريف كتاب الله ، أما عن ظهور نسخة بن مسعود عام 378هـ و احراقها وسط صيحات الشعب و كذا موت ابن مسعود متأثرا بجراحه من اثر اضطهاد عثمان فهي تخرصات لا أثر لها و ينقـصها الدليل !
و قد أورد السيوطي في الأتقان : أن مصحف ابي بن كعب كان يحتوي على دعاء أطلق عليه سورة ( الحفد و الخلع ) و يمكن للقارئ الأطلاع على نص الدعاء في كتاب الأتقان ، و لكن نورد هنا حديث صحيح ينفي كونها قرآنا البتة و لنقرأ : ( أخرج البيهقي من طريق سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء بن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع اللهم انا نستعينك ....الخ ) أ هـ فلو كان قرآنا لما قرأة عمر بن الخطاب بعد الركوع حيث لا يقرأ القرآن بل يُستن الدعاء بما يشاء . و أيضا قد تحدث في هذا الموضوع الدكتور / غازي عناية في مقال له بعنوان ( شبهة اسقاط دعاء من القرآن الكريم ) فقال : أولاً: عدم صحة ما نقل عن أبي بن كعب أنه أثبت هذا الدعاء في مصحفه على أنه قرآن. وكونه أنه أثبته في مصحفه لا يعني أنه اعتبره قرآناً، ولم تقم الحجة عليه أنه قرآن، ولو كان ذلك لكان أبي بن كعب أعلم به من غيره. قال صاحب (الانتصار) ما نصه: «إن كلام القنوت المروي عن أبي بن كعب أثبته في مصحفه، ولم تقم الحجة بأنه قرآن منزل، بل هو ضرب من الدعاء، وأنه لو كان قرآناً لنقل إلينا نقل القرآن، وحصل العلم بصحته». ثانياً: من المحتمل أن يكون دعاء القنوت كلاماً من القرآن منزلاً، ثم نسخ، وأبيح الدعاء به، وخلط بما ليس بقرآن. أما ما روي أنه أثبته في مصحفه كقرآن، فهذا لا دليل له. قال صاحب (الانتصار) ما نصه: «ويمكن أن يكون منه كلام كان قرآناً منزلاً، ثم نسخ، وأبيح الدعاء به، وخلط بما ليس بقرآن، ولم يصح ذلك عنه، إن ما روي عنه أنه أثبته في مصحفه». ثالثاً: إن الادعاء بأن أبي بن كعب أثبت دعاء القنوت في مصحفه على أنه قرآن ادعاء باطل يعوزه الدليل، وتنقصه الحجة، ويفتقد إلى السند، فالصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ أعلم من غيرهم بالقرآن، وما أثبتوه أجمعوا عليه حفظاً، وتلاوة، وكتابة، وتواتراً فليس من العقلانية السليمة بشيء الاعتقاد أن صحابياً مثل أبي بن كعب قد خرج عن هذا، وانفرد دون الصحابة بالادعاء بأن دعاء القنوت قرآن، وحاشا أن يفعل ذلك صحابي جليل هو أبي بن كعب. أ هـ
و أظن أن هذا يكفي !!..
Ò أما بالنسبة إلى شبهة اسقاط جزء من سورة براءة : مع البسملة و التي أوردها المؤلف في ص37 و التي اقتبسها من كتاب الأتقان / النوع الثامن عشر .
فنرد عليه من نفس الكتاب : و من نفس النوع (في عدد سوره وآياته وكلماته وحروفه ) و لكنها الفقرة السابقة للفقرة التي أوردها المؤلف في كتابه و لم يوردهما معا لأنها تفند مزاعمة ، و لنقرأ سويا : أخرج عن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن ( الأنفال ) و ( براءة ) سورتان أم سورة قال: سورتان. ونقل مثل قول أبي زروق عن مجاهد. وأخرجه ابن أبي حاتم عن سفيان. وأخرج ابن اشتة عن ابن لهيعة قال: يقولون إن ( براءة ) من ( يسئلونك ) وإنما لم تكتب في ( براءة ) بسم الله الرحمن الرحيم لأنها من ( يسئلونك ) وشبهتهم اشتباه الطرفين وعدم البسملة. ويرده تسمية النبي صلى الله عليه وسلم كلاً منهما. ونقل صاحب الإقناع أن البسملة ثابتة لم تكن فيـها لأن جـبريل عليه السلام لم ينزل فيها. أ هـ
و أظن أن هذا أيضا يكفي !!..
و الحمد لله أننا قد نقلنا هذه الردود من نفس مادة المؤلف العلمية و من نفس الكتب التي احتج بها لنبين له و لأمثاله ممن يتجرأون على القرآن أنهم يتخبطون في الظلام ، و يتخرصون بصوت غير مسموع ، و بعد ذلك يدعون البراءة ! ..... و هيهات هيهات أن يبلغوا ما يريدون !!


الفصل الحامس : أين هي ( سورة النورين ) ؟

Ò و في الفصل الخامس يورد المؤلف متهكما أن هناك سورا من القرآن الكريم قد ضاعت و أن المفسرين قد التمسوا لذلك عذرا واهيا .
و نحن نرد عليه و نقول : بالرجوع إلى كتاب ( الأتقان في علوم القرآن ) / النوع السابع و الأربعون ( في ناسخه و منسوخه ) يورد الإمام السيوطي بعض أيات من القرآن الكريم على أنها رفعت من التدوين و التلاوة بأمر المولى عز و جل و يقول أيضا : قال ابن الحصار‏:‏ في هذا النوع إن قيل كيف يقع النسخ إلى غير بدل وقد قال تعالى : {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَـيْءٍ قَـدِيرٌ}( البقرة 106) ، وهذا إخبار لا يدخله خلف فالجواب أن تقول‏:‏ كل ما ثبت الآن في القرآن ولم ينسخ فهوبدل مما قد نسخت تلاوته فكل ما نسخه الله من القرآن مما لا نعلمه الآن فقد أبدله بما علمناه وتواتر إلينا لفظه ومعناه‏.‏ أ هـ
و قد قال الإمام القرطبي رأيه في نسخ المولى عز و جل الأيات بأيات اخرى بديله : وليس هذا من باب البداء بل هو نقل العباد من عبادة إلى عبادة، وحكم إلى حكم، لضرب من المصلحة، إظهارا لحكمته وكمال مملكته. ولا خلاف بين العقلاء أن شرائع الأنبياء قصد بها مصالح الخلق الدينية والدنيوية، وإنما كان يلزم البداء لو لم يكن عالما بمآل الأمور، وأما العالم بذلك فإنما تتبدل خطاباته بحسب تبدل المصالح، كالطبيب المراعي أحوال العليل، فراعى ذلك في خليقته بمشيئته وإرادته، لا إله إلا هو، فخطابه يتبدل، وعـلمه وإرادتـه لا تتغير، فإن ذلك محال في جهة الله تعالى. أ هـ
أما ما أورده المؤلف عن اختلاف القرآن عن التوراة و الأنجيل ص39 و 40 فإن الله تعالى يخبرنا في كتابه العزيز عن هذا الإختلاف فيقول جل جلاله :
{فَوَيْلٌ لّلّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هَـَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا يَكْسِبُونَ}( البقرة-79) .
{فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ لَعنّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّا مّمّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مّنْهُمْ إِلاّ قَلِيلاً مّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ}(المائدة-13)
و في الكتاب المقدس ماذا يقول أيضا عن التحريف ؟:
‏ ( اَللهُ أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ. عَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَلاَ أَخَافُ مَاذَا يَصْنَعُهُ بِي الْبَشَرُ! . الْيَوْمَ كُلَّهُ يُحَرِّفُونَ ‏كَلاَمِي. عَلَيَّ كُلُّ أَفْكَارِهِمْ بِالشَّرِّ.‏ ) مزامير 56 : 4-5
( أَمَّا وَحْيُ الرَّبِّ فَلاَ تَذْكُرُوهُ بَعْدُ لأَنَّ كَلِمَةَ كُلِّ إِنْسَانٍ تَكُونُ وَحْيَهُ إِذْ قَدْ حَرَّفْتُمْ ‏كَلاَمَ الإِلَهِ الْحَيِّ رَبِّ الْجُنُودِ إِلَهِنَا.‏) أرميا 23-36
و أيضا لا تعليق !!..
و أما عن سورة النورين التي أوردتها فهي ليست على شاكلة القرآن كما يدعى المؤلف بل أن التباين بين النصوص واضحا تماما ، فلا تؤخد حجة على القرآن ! و ما هو المصدر الذي أتى بها منه ؟!...
و بقراءة سورة النورين التي أوردها المؤلف يقول : ( ... * و إن عليا لمن المتقين * و انا لنوفيه حقه يوم الدين * و ما نحن عن ظلمه بغافلين * و كرمناه على أهلك أجمعين * و إنه و ذريته لصابرون * ... الخ ) و في موضع أخر يقول : ( ... * إن عليا قانتا بالليل ساجدا يحذر الأخره و يرجو ثواب ربه قل هل يستوي الذين ظلموا و هم بعذابي يعلمون * ...) و للوهلة الأولى يظن القارئ أن مؤلف هذه الكلمات من الشيعة و لكن لنقرأ سويا بعض كتابات للعلماء المعتد بهم في المذهب الشيعي :
يقول الشيخ الشيرازي في كتابه ( ولأول مرة في التاريخ ) : ‏القرآن الذي هو بأيدينا على ترتيبه وجمعه، وترقيم آياته، وترتيب سوره وأجزائه، هو بعينه القرآن الذي ‏رتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجمعه للمسلمين في حياته صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من ‏الله تعالى، لم يطرأ عليه أي تغيير وتحريف، أو تبديل وتعديل، أو زيادة ونقصان. ‏ويؤيده: ما روي عن تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه ‏وآله وسلم انه أمر علياً عليه السلام بجمع القرآن وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ( يا علي، القرآن خلف ‏فراشي في المصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة، فانطلق ‏علي عليه السلام فجمعه في ثوب أصفر ثم ختم عليه) . ‏وفي مجمع البيان نقلاً عن السيد المرتضى انه قال: إن القرآن جمع في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ‏وسلم بالشكل الذي هو اليوم بأيدينا.‏









الفصل الأحير : لا توجد سقطات أولى و لا أحرى !

و يورد المؤلف في الفصل الأخير الجديد من الأدلة التي تؤكد على وجود سقطات في القرآن الكريم كأية الرجم مثلا ، أو جزء من سورة الأحزاب الذي أكله داجن بيت الرسول صلى الله عليه و سلم ! و خلاف ذلك من الأدلة عديمة الأصل و التي لا نقول عليها إلا أنها تخرصات .
فقد سبق و أوردنا ردا على هذا بأن أية الرجم قد نسخت لفظا و تركت حكما و ذلك بأمر و بوحي من الله عز و جل و سبق أن أوردنا دليلا في هذا الموضوع في الفصل الثالث من هذا الكتاب و نورد ما أورده السيوطي في كتاب الأتقان في أية الرجم : وقال في البرهان في قول عمر‏:‏ لولا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها‏ :‏ يعني آية الرجم‏.‏ ظاهرة أن كتابتها جائزة وإنما منعه قول الناس‏.‏ والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه فإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة لأن هذا شأن المكتوب‏.‏ وقد يقال لوكانت التلاوة باقية لبادر عمر ولم يعرج على مقالة الناس لأن مقالة الناس لا يصلح مانعًا‏.‏ أ هـ .
فمن المعروف غيرة عمر بن الخطاب في الحق فلو كانت لا تزال من القرآن لما قال عمر : ( لولا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب الله ... الخ )
و يقول أيضا تعليقا على الأية 16 من سورة البقرة : أن موضوع نسخ الأياتع أو نسيانها من عند الله عز و جل هو موضوع غير مقبول عند النصارى !
الجدير بالذكر أن المؤلف قد أورد خطأ في نص الأية و كذا في رقمها بالمصحف و الصواب هو : {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}( البقرة-106) و ليس 16 كما أورد المؤلف ، فنحن لا نسمح بالخطأ في أيات كتاب الله حتى و لو كان ذلك في كتاب ينقدها ! فكان على المؤلف أن يورد الأية على النحو الصواب لتكون الحجة له لا عليه !
و مسألة قبول هذا عند النصارى أو غيره لا يهمنا نحن المسلمين في شيء ، فقد علمنا الحق تبارك و تعالى الإيمان بكل ما هو منزل من عنده و التسليم بصحته و ذلك باقتناع من القلب و هو ما ليس موجودا عند النصارى و اليهود كما قال في كتابه الحكيم : {مّنَ الّذِينَ هَادُواْ يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}(النساء -46) جدير بالذكر أيضا أن اختلاف العقائد قد يكون فرقا كبيرا يحول بين وعي الأمر جيدا و الأيمان به و عدم تصديقه و الإقتناع به على الأطلاق !!
أما عن موضوع داجن بيت الرسول : فيورد المؤلف حديثا برواية ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أنها ذهبت بعد دفن الرسول الكريم لتبحث عن بقية سورة الأحزاب تحت فراش الرسول فوجدت أنه داجن البيت قد أكل الرق بما فيه من الوحي ! و في الواقع أنه حديث غريب بل و موضوع رغم ثقتنا في رواته لعدة أسباب :
لم نقرأ من قبل عن أن بيت الرسول كان يربي الدواجن ، و لو كان كذلك لتصدق بها الرسول الكريم قبل موته مع ما تصدق به ، فتروي كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه و سلم قبل وفاته بيوم واحد قد أعتق غلمانه و تصدق بسبعة دنانير كانت كل ما يملك و وهب سلاحه للمسلمين و كانت درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير . و ذلك حتى لا يرثه أحد فمعشر الأنبياء لا يورثون .
من المعروف أن الدواجن تأكل الحبوب و لا تأكل الرقاع من الجلود أو الجريد أو خلافه ..
لم يورد المؤلف اسم المرجع الذي اقتبس منه هذه المعلومة الغريبة و هذا ما يجعلنا نجزم بأنها معلومة موضوعة كاذبة لا تؤخذ كحجة أبدا .


كلمة حاتمة

و الأن و بعد قراءتنا المتأنية و تناولنا لكل كلمة فيه ، و بعد أن لمسنا بأنفسنا خطأ المؤلف فيما أورده من دلائل واهية لا تنم عن دراسة مستفيضة و وعي تام للأمور . بل قراءة سطحية غير متعمقة لا يعتد بها ، و قلب للحقائق في صورة عرض للمعلومات بصورة غير كاملة أو الإستعانة بالمعلومات المزيفة لخدمة أغراضه . و هي طريقة سيئة للغاية في نقد للموضوعات لا سيما اذا كانت كتب سماوية مقدسة ، فقد وصل اسلوبه المبتذل أحيانا إلى حد التطاول على أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم بل و النيل أحيانا من شخص الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم بل و التجرؤ على الله عز وجل في امور عظيمة ! فهذا و الله قد جعلنا مستائين للغاية ؛ لا لنقده كلام الله فهي عقيدته و هو حر فيما يقول ، و لكن لأنه يحاول التأثير على قراؤه بما هو ليس صحيحا لأغراض اخرى أكبر من اظهار الحقائق للقراء و غيره مما أورد و أعتقد أن القاريء الكريم الأن يعلم ذلك !!
و في الختام أسأل الله العلي القدير أن يجعل كتابنا هذا سببا و لو بسيطا في كشف مزاعم هذا الكاذب و الذود عن كتاب الله العزيز الحكيم ما افتراه عليه كذبا و زورا و بهتانا كما جعل صحابه النبي رضوان الله عليهم سببا في حفظ القرآن بصورة مأمونة إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، انه نعم المولى و نعم النصير .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،،

طارق محمد الشافعي