المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة متكاملة عن كل اسم من الأسماء الحسنى (الرحمن)



الموحد
03-24-2005, 01:32 PM
دراسة متكاملة عن كل اسم من الأسماء الحسنى /

للشيخ محمود عبد الرازق الرضوانى


*****************************************
1- الرَّحْمَنُ
*****************************************

1- الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :

اسم الله الرحمن ورد في القرآن والسنة مطلقا معرفا ومنونا مفردا ومقترنا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، وقد ورد المعنى مسندا إليه محمولا عليه كما جاء في قوله تعالى :  الرَّحْمَنُ عَلمَ الْقُرْآنَ  [الرحمن:1/2] ، وقوله :  قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى  [الإسراء:110] ، وقد ورد الاسم في خمسة وأربعين موضعا من القرآن اقترن في ستة منها باسمه الرحيم ، ولم يقترن بغيره في بقية المواضع ، قال تعالى :  هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ  [الحشر:22] ، وقال :  تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ِ [فصلت:2] .
ومما ورد في السنة ما رواه أحمد وصححه الألباني من حديث ابنِ مَسْعُودٍ  أن النَّبِي  قَالَ : ( الْخَيْلُ ثَلاَثَةٌ ، فَفَرَسٌ لِلرَّحْمَنِ وَفَرَسٌ لِلإِنْسَانِ وَفَرَسٌ لِلشَّيْطَانِ ، فَأَمَّا فَرَسُ الرَّحْمَنِ فَالذِي يُرْبَطُ فِي سَبِيلِ اللهِ .. الحديث ) ( ) ، وفي المسند أيضا وصححه الألباني من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ  أِنَّ النَّبِيَّ قَالَ : ( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَل أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي .. الحديث ) ( ) ، وكذلك من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَنْبَشٍ  وصححه الألباني في دعائه  : ( وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلاَّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ .. الحديث ) ( ) .

2- الشرح والتفسير :

الرحمن في اللغة صفة مشبهة وهي أبلغ من الرحيم ، والرحمة في حقنا رقة في القلب تقتضي الإحسان إلى المرحوم وتكون بالمسامحة واللطف أو المعاونة والعطف ، والرحمة تستدعي مرحوما فهي من صفات الأفعال ( ) .
والرحمن اسم يختص بالله ولا يجوز إطلاقه في حق غيره ، والرحمن سبحانه هو المتصف بالرحمة العامة الشاملة حيث خلق عباده ورزقهم ، وهداهم سبلهم ، وأمهلهم فيما خولهم ، واسترعاهم في أرضه ، واستأمنهم في ملكه ، واستخلفهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ، ومن ثم فإن رحمت الله في الدنيا وسعتهم جميعا فشملت المؤمنين والكافرين ، والرحمة تفتح أبواب الرجاء والأمل ، وتثير مكنون الفطرة وتبعث على صالح العمل ، وتدفع أبواب الخوف واليأس ، وتشعر الشخص بالأمن والأمان ( ) .
والله عز وجل سبقت رحمته غضبه ، ولم يجعل في الدنيا إلا جزءا يسيرا من واسع رحمته يتراحم به الناس ويتعاطفون ، وبه ترفع الدابة حافرها عن ولدها رحمة وخشية أن تصيبه ، روى البخاري من حديث أبي هريرة  أنه سمع رسول الله S يقول :
( جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ ) ( ) ، وفي رواية أخرى عند البخاري قال S : ( إِنَّ اللهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً ، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً ، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ ) ( ) .
وورد عند البخاري أيضا من حديث عُمَر بن الخطاب  أَنَّهُ قَالَ : ( قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ S بِسَبْيٍ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ( ) ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ S : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللهِ ، وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : لَلهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ) ( ) .

فالرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة تُظهر مقتضى الحكمة في أهل الدنيا فمن رحمته أنه أنعم عليهم ليشكروا ولكن كثيرا منهم جاحدون قال تعالى :  وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ  [القصص:73] ، وقال :  وَهُوَ الذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً  [الفرقان:48] .
ولما كانت الرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة بالناس أجمعين فإن الله خص هذا الاسم ليقرنه باستوائه على عرشه في جميع المواضع التي وردت في القرآن والسنة ، قال تعالى :  الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى  [طه:5] ، ومن حديث أبي هريرة  أنِ النَّبِيِّ S قَالَ : ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ) ( ) ، وذلك لأن الله فوق الخلائق أجمعين سواء كانوا مؤمنين أو كافرين ، فحياتهم قائمة بإذنه ، وأرزاقهم مكنونة في غيبه ، وبقائهم رهن مشيئته وأمره ومن ثم فإنه لا حول ولا قوة لهم إلا بقوته وحوله ، فهو الملك وهو الرحمن الذي استوى على عرشه ، ودبر أمر الخلائق في ملكه ، فلا يستغني عنه في الحقيقة مؤمن أو كافر ، قال تعالى :  الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً  [الفرقان:59] .

3- دلالة الاسم على أوصاف الله :

اسم الله الرحمن يدل على ذات الله وعلى صفة الرحمة العامة بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بدلالة التضمن ، وعلى صفة الرحمة وحدها بالتضمن ، قال تعالى مبينا اتصافه بالرحمة العامة :  وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ بَل لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً  [الكهف:58] ، فالرحمة في الآية صفة لا تقوم بنفسها ولكنها تقوم بالموصوف المسمى الرحمن الرحيم ، غير أن دلالة الرحمن على هذه الرحمة العامة أقرب ؛ وذلك لعمومها في الناس أجمعين ؛ وقد ذكر الله تعالى أنه بسببها أخر العذاب عن الكافرين ، ولو كانت رحمة خاصة لأهلكهم أجمعين .
ومن الأدلة على تضمن اسم الله الرحمن للرحمة العامة قوله تعالى :  قُل مَنْ يَكْلؤُكُمْ بِالليْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَل هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ  [الأنبياء:42] ، ومعنى يكلؤكم أي يحرسكم ويحفظكم فلا يحتاج الناس إلى حافظ يحفظهم من الرحمن ذي الرحمة الواسعة ( ) ، قال البيضاوي : ( وفي لفظ الرحمن تنبيه على أن لا كالئ غير رحمته العامة ) ( ) ، وقال تعالى أيضا في دلالة اسم الله الرحمن على الرحمة العامة :  الرحمنُ علمَ القرآنَ خلقَ الإنسانَ علمَه البَيان  [الرحمن:1/3] ، فخلق الإنسان وتعليمه البيان من قبل الرحمن يدل على أن ذلك من الرحمة العامة لأن لفظ الإنسان يتناول الجنس .
ومن الرحمة العامة التي دل عليها اسمه الرحمن قوله تعالى :  وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ  [القصص:73] ، فالليل والنهار من رحمته وينتفع بهما جميع المكلفين ، إمهالا وابتلاء من رب العالمين ، ومن ثم تتحقق فيهم مشيئته ، وتتجلى فيهم حكمته ، وتستقيم الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام ، قال تعالى :  وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ  [يونس:21] ، وفي المسند أيضا وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن بن عوف  أن النبي S قال : ( قَالَ الله عَزَّ وَجَل : أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي اسْماً ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ) ( ) ، والخطاب في الحديث عام لجميع المكلفين ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة  أن رسول الله S قال : ( جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا ، وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلقُ حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ ) ( ) .
واسم الله الرحمن يدل باللزوم على الحياة والقيومية والغنى والأحدية والعزة والصمدية والعلم والحكمة وكل ما يلزم للرحمة المطلقة العامة ، لأنه لا يتصور وجود الرحمة من ميت ، أو زوال قدرته عليها ، أو تناقصها وانعدام القيومية فيها ، ولا يتصور أيضا من يمنح الرحمة وهو مفتقر إلى غيره وليس غنيا بذاته في قيام رحمته وعزته وقدرته وقوته ، فلا بد لرحمته إذا من صمديته وسيادته ، وأحديته وكماله في جميع الأوصاف ، والاسم دل على صفة من صفات الفعل لأن الرحمة التي تضمنها تتعلق بمشيئته ، كما أن بقاء المخلوقات في الدنيا على معنى الابتلاء صادر عنها وعن مقتضى حكمته ، ولو شاء الله بقدرته وعزته لأذهب هذا الخلق وأوجد خلقا جديدا ، لكن الرحمة العامة لحقت الناس أجمعين ، فبها خلقهم ورزقهم وجعلهم ينعمون وهم في الدنيا مخيرون مبتلون ، وكل ذلك إلى حين ، ومن ثم فإن الرحمن اسم يدل على صفة الرحمة ، ورحمة الله للخلائق عامة من وجه ، وخاصة من وجه آخر ، بحسب الوقت المناسب لكل موجود في الكون وعلته ، وإظهار حكمة الله في أدائه لغايته .

4- الدعاء بالاسم دعاء مسألة :

ورد الدعاء بالاسم المطلق في استعاذة مريم ابنة عمران عندما تمثل لها جبريل  بشرا سويا ، وبشرها بعيسى  قال تعالى :  قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّا ً [مريم:18] ، وهي تعني إن كنت تقيا تتقي الله وتخشى الاستعاذة وتعظمها فإني عائذة منك بالرحمن ، أو فتتعظ بتعويذي ولا تتعرض لي ؛ فجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله ( ) ، وورد الدعاء أيضا بالاسم المطلق في قوله تعالى :  قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ  [الأنبياء:112] .
وروى أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن التميمي t أن رجلا سأله كيف صنع رسول الله S حِين كادته الشياطين ؟ قال : ( جَاءَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى رَسُولِ الله S مِنَ الأَوْدِيَةِ ، وَتَحَدَّرَتْ عَلَيْهِ مِنَ الجِبَالِ ، وَفِيهِمْ شَيْطَان مَعَهُ شُعْلَة مِنْ نَارٍ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا وَجْهَ رَسُولِ اللهِ S ، فَهَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ قُل ، قَالَ مَا أَقُولُ ، قَالَ : قُل أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا ، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ الليْلِ وَالنَّهَارِ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلاَّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ ، قَالَ : فَطَفِئَتْ نَارُهُمْ ، وَهَزَمَهُمْ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) ( ) .
وورد الدعاء بالاسم المضاف عند الطبراني وحسنه الألباني من حديث أنس بن مالك t أن رسول الله S قال لمعاذ بن جبل t : ( ألا أعلمُك دعَاء تدعو به لوْ كان عَليْك مثل جبل أحد دَيْنا لأدَّاه الله عنكْ ، قل يا مُعاذ : اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ، تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، رَحمَن الدنْيا والآخِرَة ورحِيمَهُما ، تُعطِيهما مَنْ تَشَاء وتمنَعُ مِنْهمَا مَنْ تَشَاء ارْحَمْني رَحمَة تُغْنيني بها عَن رِحْمَة مَنْ سِواك ) ( ) .
أما دعاء المسألة بوصف الرحمة العامة الذي دل عليه اسمه الرحمن ؛ فقد ورد في نصوص كثيرة ، منها قوله تعالى :  وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ  [البقرة:286] ، وقوله في البر بالوالدين على العموم :  وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً واخَْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً  [الإسراء:23/24] .
وقال سبحانه في وصف عباده الموحدين :  إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ  [المؤمنون:109] ، وقال تعالى :  وَقُل رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ  [المؤمنون:118] ، وقال تعالى :  قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَالله خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  [يوسف:64] ، وروى البخاري من حديث عبد الله بن عمر t أن رسول الله S قال : ( اللهمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ ، قَالُوا وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله ، قَالَ : اللهمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ ، قَالُوا : وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله ، قَالَ وَالمُقَصِّرِينَ ) ( ) ، وجميع ما تقدم تعد أدلة صريحة في دعاء الله باسمه الرحمن دعاء مسألة ، أو الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم ، فيدعو المسلم بما يناسب حاجته ومطلبه ؛ فيقول : اللهم إني أسألك يا رحمن أن ترحمني وأن ترحم والدي وسائر عبادك المسلمين يا أرحم الراحمين ، أو يقول : أعوذ بالرحمن وأستعين به من كل سوء وبلاء ، ومن كل شر وشقاء ، وغير ذلك مما يناسب حاله ومسألته .

5- الدعاء بالاسم دعاء عبادة :

دعاء العبادة باسم الله الرحمن هو امتلاء القلب بالرحمة والحب والحرص على ما ينفع عموم الخلق ؛ فالرحمن رحمته عامة وتوحيد العبد للاسم في سلوكه يقتضي الرحمة العامة بعباد الله ، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين ، فالمؤمنون يحب لهم ما يحب لنفسه فيوقر كبيرهم ويرحم صغيرهم ويجعل رحمته موصولة إليهم ، يسعد بسعادتهم ويحزن لحزنهم ، أما رحمته بالكافرين فيحرص على دعوتهم ويسهم في إخماد كفرهم والنار التي تحرقهم ، ويجتهد في نصحهم والأخذ على أيدهم ولو بجهادهم في بعض المواطن ، فلو علم الكافر ما ينتظره من العذاب لشكر كل من دعاه إلى تقوى الله ولو ساقه بسيوف الحق من بين يديه ومن خلفه ، قال تعالى :  وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُول يَا ليْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُول سَبِيلاً يَا وَيْلتَي ليْتَنِي لمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَليلاً لقَدْ أَضَلنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ للإِنْسَانِ خَذُولاً  [الفرقان:27/29] .
أما الأدلة على ما سبق فقد روى أبو داود وصححه الشيخ الألباني من حديث عبد الله بن عمرو t أن النبي S قال : ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا أَهْل الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) ( ) ، وفي زيادة صحيحة عند الترمذي : ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ، فَمَنْ وَصَلهَا وَصَلهُ اللهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللهُ ) ( ) ، وفي المسند وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو t أن النبي S قال وهو على المنبر : ( ارْحَمُوا تُرْحَمُوا وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لكُمْ ، وَيْل لأَقْمَاعِ القَوْل ، وَيْل للمُصِرِّينَ الذِينَ يُصِرُّونَ عَلى مَا فَعَلوا وَهُمْ يَعْلمُونَ ) ( ) ، والأقماع هم الذين يسمعون القول ولا يعملون به ، شبه النبي S آذانهم بالأقماع المخرومة يصب فيها الكلام كصب الماء في الأقماع فلا تبقي شيئا ينتفع به ( ) .
ومن دعاء العبادة التسمية بعبد الرحمن فهو أحب الأسماء إلى الله  كما ثبت عند مسلم من حديث ابن عمر t أن رسول الله S قال : ( إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ) ( ) ، ومن جهة التسمية فقد تسمى به كثير من المسلمين وعلى رأسهم عبد الرحمن بن عوف t (ت:32) وهو من العشرة المبشرين بالجنة ، هاجر الهجرتين وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله S ( ) .

**************************

(1) المسند 1/395 (3756) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1508) ، وصحيح الجامع (3350) .
(2) السابق 1/191(1659) ، وانظر السلسلة الصحيحة 2/49 (520) .
(3) السابق 3/419 (15859) ، وانظر السلسلة الصحيحة 2/495 (840) .
(4) انظر تفصيل المعنى في لسان العرب 12/231 ، وكتاب العين 3/224 .
(5) انظر فتح الباري 13/358 في معنى قول الحليمي : الرحمن هو مزيح العلل .
(6) البخاري في الأدب ، باب جعل الله الرحمة في مائة جزء 5/2236 (5654) .
(7) البخاري في الرقاق ، باب الرجاء مع الخوف 5/2374 (6104) .
(1) هذه المرأة كانت مرضعة وعند الحرب فقدت طفلها وقد سبيت ، وقد فعلت ذلك ليخفف ألم اللبن في ثديها ، فأخذت تبحث عن طفلها حتى وجدته فأخذته وضمته وأرضعته ، فتح الباري 10/430 .
(2) البخاري في الأدب ، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته 5/2235 (5653) ، ومسلم في التوبة ، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه 4/2109 .
(3) البخاري في التوحيد ، باب وكان عرشه على الماء 6/2700 (6987) .
(8) تفسير القرطبي 11/291 ، والبرهان في علوم القرآن 2/504 .
(9) تفسير البيضاوي 4/95 .
(1) السابق 1/191(1659) ، وانظر السلسلة الصحيحة 2/49 (520) .
(2) البخاري في كتاب الأدب ، باب جعل الله الرحمة في مائة جزء 5/2236 (5654) .
(1) تفسير البيضاوي 4/9 ، وتفسير الطبري 16/61 .
(2) مسند الإمام أحمد 3/419 (15859) ، السلسلة الصحيحة (840) .
(3) الطبراني في الجامع الصغير 1/336 (558) ، صحيح الترغيب والترهيب (1821) .
(1) البخاري في الحج ، باب الحلق والتقصير ثم الإحلال 2/616 (1640) .
(10) أبو داود في الأدب ، باب في الرحمة 4/285 (4941) ، صحيح الجامع (3522) .
(11) الترمذي في البر والصلة4/285 (4941) ، السلسلة الصحيحة (925) والشجنة هي القرابة المتشابكة .
(12) أحمد في المسند 2/165(6541) ، صحيح الجامع (897) .
(1) انظر بتصرف لسان العرب 8/ 295 ، والغريب لابن قتيبة 1/ 337 .
(2) مسلم في كتاب الأدب ، باب النهي عن التكني بأبي القاسم 3/ 1682 (2132) .
(3) انظر الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني 4/ 346 .