المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إنهم عنصريون عرقيون....نظرية "التطور والتقدم " تقف مشلولة أمام هذه الحقائق !!



فؤاد
03-22-2008, 01:37 PM
بقلم :د يحيى هاشم حسن فرغل

yehia_hashem@ hotmail .com



بعد ما تبين لنا أن التفرقة العنصرية العرقية إبداع " لوني " حديث !!! من أهم إبداعات الرجل الأبيض ألأورأمريكي لا يقل " فخرا " عن إبداعاته التنويرية والحداثية الأخرى !! وأنه نشأ مع نظام الرق والاستعمار الاستيطاني اللذين صاحبا غزوه للقارة الأمريكية ..

يصبح من المشروع طرح السؤال الآتي :

هل يمكن التفاؤل بان العنصرية الأوروأمريكية تسير في طريق الاضمحلال ؟

وهل قضت القوانين الخاصة بالحقوق المدنية على مدى عشرات السنين الأخيرة على التعصب والتفرقة العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية ؟ وهل يتمتع الزنوج في أمريكا اليوم بالفرص نفسها التي يتمتع بها البيض ؟

هكذا يتساءل كافين في كتابه ( الغرب والعالم )

وبعد أن يشير إلى أنه من الأرجح أن كافة الأمريكيين البيض سيجيبون على جميع هذه الأسئلة بالإيجاب وأن كثيرا من الأمريكيين البيض مقتنع بأن الاهتمام الموجه إلى العنصرية أخيرا قد تجاوز حد المساواة بين البيض والسود وأدى إلى منح السود مكانة متميزة

يذكر ما ورد في تقرير اللجنة الاستشارية القومية عن الاضطرابات المدنية عام 1968 في قولها : " إن أمتنا سائرة في طريق الانقسام إلى مجتمعين منفصلين غير متكافئين : أحدهما أسود والآخر أبيض "

وذكرت اللجنة : أن إحدى المشكلات هي البون الشاسع بين دخول الأسر البيضاء والأسر السوداء ، وهو أمر ذو خطر عظيم في مجتمع يحكم على الناس بمعيار ما يحققون من دخل ، وان مصلحة الإحصاء أثبتت أن أحوال الزنوج في السنوات التالية على 1969 ازدادت سوءا .ص 237 –238

ثم يقرر المؤلف رأيه في ( أن العنصرية لم تنته وإنما ظهرت ألوان جديدة من العنصرية ومن الجائز أنها أصبحت ضربا من التمييز الطبقي ) ص 238

وبالرغم من أن الرق في الدنيا الجديدة كان علة استفحال العنصرية البيضاء إلا أن الاسترقاق الأمريكي لم يكن هو العنصر الأكبر في سريان عقيدة العنصرية بين السادة البيض ، بدليل أن جراثيم الثقافة العنصرية البيضاء كانت قائمة في أوربا قبل كولمبوس - أي قبل اكتشاف الدنيا الجديدة –

كما أن المجتمعات الأخرى التي استوردت معظم الرقيق من الأفارقة لم تكن أكثرها عنصرية ، ففي ذروة نظام الرق في منتصف القرن التاسع عشر كان لدى الولايات المتحدة أدنى نسبة من الأفارقة ، ونشأت فيها في الوقت نفسه " فلسفة " ملاك العبيد " الجنوبيين وهي من اكثر العقائد التي ظهرت على وجه الأرض عنصرية

هذه الحقيقة وحدها ينبغي أن تحملنا على الشك في الاعتقاد الشائع بان العنصرية الأمريكية قد تداعت باختفاء الرق كما يقول كافين رايلي .

فإذا كانت أشد مجتمعات الرق نموا أقلها عنصرية – في أمريكا اللاتينية - فربما كانت أشد المجتمعات عنصرية هي أقلها انخراطا في الرق . وهذه بعينها هي النتيجة التي خلص إليها الأرستقراطي الفرنسي " ألكسيس دي توكفيل" عند زيارته للولايات المتحدة ، فقد قال في كتابه

" الديموقراطية في أمريكا " : " إن التعصب العنصري أظهر في الولايات التي ألغت الرق من الولايات التي أبقت عليه وهو أقوى في البلاد التي لم تعرفه ألبتة " ص 239 (!!)

ودلالة ذلك تكمن في أن ظاهرة العنصرية أرسخ وأبقى في الثقافة الأمريكية والأوربية من ظاهرة الرق متجاوزة إياه إلى ظاهرة اللون

فقوانين جيم كرو – وهي لفظة تحقير تطلق على الزنوج - التي أباحت التفرقة العنصرية في كل شيء : من عنابر الولادة إلى المدافن .. أجيزت في الشمال أولا قبل الحرب الأهلية ولم تقتبس ولايات الجنوب – وهي الأكثر انتشارا للرق – هذه الإجراءات إلا بعد إلغاء الرق !! .)

فقد كان البيض والسود مختلطين في كل مكان في الجنوب القديم – كما كانوا في مزارع أمريكا اللاتينية – تربطهم اواصر المودة ، فكانوا يجتمعون على الطعام وعلى حضانة الأولاد وعلى الشراب وعلى الفراش ، ولم تكن هناك مسافة مادية تفصل بين العنصرين لأن المسافة الاجتماعية كانت شاسعة فلم يكن هناك خطر من اقتراب المسافة المادية ، وطالما كان الرقيق يعرفون مكانهم الاجتماعي فقد كان بوسعهم أن يسيروا وأن يتحدثوا وأن يصلوا وان يرقدوا في سلام جنبا إلى جنب مع أسيادهم ، فلما أعتق الرقيق في ولايات الشمال أولا ثم في ولايات الجنوب ثانيا نتيجة إلغاء القانون أصيبت المسافة الاجتماعية بالتقارب فحلت المسافة المادية محلها في ضمان التباعد

ومن هنا حدث بعد عام 1875 أن اتبعت ولايات الجنوب بالتدريج إجراءات الفصل العنصري التي سبقهم إليها جيرانهم من الشمال أي تحقيق التباعد في المسافة المادية : فمنعوا السود – بعد تحريرهم – من حنفيات المياه والمراحيض والمتنزهات والمطاعم والمدارس والمستشفيات والوظائف و" المومسات " -- على حد تعبير المؤلف . ص 240 – وحظر على السود السكنى في مواضع بعينها ، أو السير في غيرها بعد حلول الظلام ، أو مخاطبة البيض ، أو التصويت في الانتخابات ، وظلت هذه القوانين سارية المفعول حتى منتصف القرن ( العشرين ) ولم تزل بعض هذه الإجراءات قائمة إلى يومنا هذا . ص 240

وبالرغم من ذلك يقول المؤلف ( قد لا تكون عنصرية السنوات الأخيرة أسوأ من عنصرية الرق ولكنها لون مختلف من ألوان العنصرية . ) ص 240

ومن مواطن الاختلاف بين عنصرية الرق و "عنصرية السنوات الأخيرة " : ما ذهب إليه بييرل فان دن بيرج في كتابه " العرق والعنصرية " : عن الفروق بين عنصرية الرق – الذي ألغي – وعنصرية ما بعد الرق " عنصرية السنوات الأخيرة " :

ففي عنصرية الرق : تظهر عنصرية الوصاية حيث ينظر إلى الرقيق على أنهم عيال أغرار قصر مفرطون في الحيوية ، سفهاء ، محبون للفرفشة والأنس ، جديرون بالحب .. طالما التزموا حدودهم ص 241 .

وفي عنصرية ما بعد الرق -- أو ما سماه " عنصرية السنوات الأخيرة " -- : تظهر عنصرية " التنافس " التي حلت محل الرق في القرن التاسع عشر ، حيث غلبت الصناعة على الزراعة ، وعاش أحرار السود مع البيض في ظل اقتصاد تنافسي ، فلا عجب أن اصبح فقراء البيض أشد عنصرية من قدامى ملاك الرقيق ، إذ لم يعودوا يتقبلون تصوير السيد للسود بوصفهم أطفالا طيبين او حيوانات مستأنسة ، وأصبح السود في نظرهم يمثلون العدوانية والتسلط والغطرسة والقبلية وعدم الأمانة والمنافسة الخبيثة ص 241 - 242



ومن مواطن الاختلاف بين عنصرية ما قبل إلغاء الرق وما بعده ما ذهب إليه جول كوفل في كتابه " العنصرية البيضاء : تاريخ سيكولوجي " حيث أطلق على عنصرية الرق اسم عنصرية " التسلط " مشيرا بذلك إلى ذلك النوع من هيمنة السيد على العبد واستعاض عن مصطلح " عنصرية التنافس " مصطلحا آخر هو عنصرية الكراهية

ويرى المؤلف أن هذا المصطلح الأخير ذو قيمة عالية في وصف مواقف البيض في السنوات المائة الأخيرة ، حيث تقوم العنصرية الأخيرة على نفور كامل وكراهية للسود لدرجة اجتنابهم وإنكار وجودهم بالكلية ، ذلك أن البيض بعد عتق العبيد لم يتوقعوا أن يسود السود أو ينافسوهم ولكنهم اكتفوا بالأمل في تجنبهم ، ومن هنا كانت حداثة قوانين التمييز العنصري ، ومن هنا أصبحت قضية العزل العنصري شائكة إلى هذا الحد في المدارس والمساكن . ص 243



ومع ذلك فإن العنصرية التسلطية القديمة المرتبطة بالرق لم تختف باختفائه ، فأعضاء جمعية كلوكس كلان وزعماء فقراء البيض في الجنوب الجديد كانوا يأملون في أن يكونوا مثل ملاك العبيد في السيطرة على السود .

وأعلن توم واطسون وهو أحد زعماء فقراء البيض في القرن التاسع عشر أن " الزنجي لا يدرك معاني الفضيلة والأمانة والصدق والعرفان بالجميل والمبدأ " ويرى واطسون أن على الجنوبي أن " يلجأ إلى شنقه بلا محاكمة من آونة لأخرى ، وإلى جلده من حين لآخر لتجنيبه خطيئة التجديف في الله القدير ؛ بسلوكه بسبب رائحته ولونه " ص 243

وخلال ذلك كان أحفاد ملاك العبيد قد اتخذوا موقفا يعبر عن مزيد من الكراهية فتكلموا عن المساواة في حين عملوا على التفرقة . واصدر الرئيس ولسون أمرا تنفيذيا أدى إلى عزل البيض عن السود في مرافق الأكل ودورات المياه العامة المخصصة للعاملين في مجال الوظائف الحكومية الفدرالية

وارتكزت العلاقات العرقية بعد الرق إلى حد كبير على محاولات البيض تجاهل وجود السود ويقول كوفل : " التجربة الأساسية للعنصري الذي يكره السود هو شعور بالاشمئزاز من جسم الزنجي قائم على وهم بدائي جدا هو أنه يحتوي على عنصر جوهري : نجاسة ، خبيث الرائحة ، قد يعلق بجسم العنصري الأمر الذي يستدعي الاحتفاظ بمسافة وتحريم اللمس )



لماذا زادت الأحوال سوءا بعد إلغاء الرق ؟

لماذا كان من الصعب على البيض أن يتقبلوا أو يتعاملوا مع قرارات اللجان الرئاسية ؟



يجيب المؤلف على ذلك بقوله ( يكمن الجواب في أن العنصرية تضرب بجذورها في العمق ) إن الحديث عن العنصرية البيضاء في أمريكا لا يعني أن كل فرد أبيض يؤمن واعيا بأن الإنسان الأبيض يتميز بتفوق فطري ما ، ولكنه يعني بالفعل أن المجتمع الأمريكي يعمل وكأن هذا هو الحال ، وأن طبيعة المجتمع الأمريكي تتشكل وكأن هذا الاعتقاد يأخذ به جميع البيض .. إن التأثير الكلي لهذا المجتمع – بغض النظر عن الاستثناءات الفردية – مشابه لتأثير مجتمع قائم على أيديولوجية التفوق الأبيض )



ولا يعني هذا اليأسَ من علاج الحال – وفقا لنظرة المؤلف – ولكنه أقل تفاؤلا من جدوى التطور الاقتصادي وتحقيق مجتمع الوفرة إذ مازالت الفروق بين الغني والفقير على الأقل في الولايات المتحدة بنفس الاتساع الهائل الذي كانت عليه بالرغم من فوائد الآلة والتكنولوجيا ، وما زال التنافس قاسيا كما كان ، فضلا عن أن الزعم بأن السود أو الفقراء سوف يقنعون بنصيبهم من الكعكة كلما ازداد حجم الكعكة لا معنى له في اقتصاد ثابت ، فالعنصرية بوصفها مشكلة فروق طبقية أو اجتماعية لا تزال مشكلة هائلة ، ومن سوء الحظ أن مشكلتنا – يتحدث بضمير المتكلم الأمريكي من الولايات المتحدة الأمريكية - – أكبر من مجرد التغلب على الفروق الطبقية أو على طبيعتنا التنافسية المكتسبة ، فنحن على خلاف الأمريكيين اللاتينين قد جعلنا العرق مشكلة مستقلة ، ونشأنا على الاعتقاد بأنه يمكن أن يكون لنا مجتمع لا طبقي ، في حين نقيم فروقا عنصرية جديدة ، فالعرق ليس له معنى منفصل عن هذه الفروق الاجتماعية إلا بالنسبة للعنصري ، والأمريكيون البيض كانوا وما زالوا عنصريين !! ص 254-256

فعلى البيض ألا يكتفوا بتغيير مواقفهم إزاء فكرة الطبقة أو المنافسة ، بل عليهم أيضا أن يغيروا مواقفهم الموروثة إزاء السود



ولا يبدي المؤلف تفاؤلا كبيرا تجاه هذا التغيير مشيرا إلى التراث الثقافي الذي يرجع في عمقه إلى العصر المسيحيي والإليزابيثي والعصر الحديث ، ومادام البيض يعاملون السود كأنهم – كما يقول كوفل – كأنهم قذارة فالمشكلة إذن مستعصية على الحل ، ( وإذا كانت العنصرية تجعل البيض يشعرون بأنهم أنظف وأنقى وأكثر استنارة – كما تجعلهم أكثر غنى – فإن المشكلة تكلفنا كثيرا من الناحيتين النفسية والمادية ، ويصبح من الأسهل مواصلة عنصرية الكراهية عن طريق تجاهلها ) !! ص 256





ثم لنقرأ من مقال داعية التنوير الدكتور زكي نجيب محمود الأهرام 22\11\1988 ملاحظات طريفة له أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية خلال العام الجامعي 1953-1954 ، حيث يقول :

( وتصادف أن قرا صاحبنا في صحيفة يومية تصدر في البلد الذي كان يقضي يفه النصف الأول من مهمته – يتحدث الكاتب عن نفسه – خبرا عن محاكمة مواطن أبيض قتل مواطنا أسود في حانة ، ولنلحظ هنا أنه بينما يسمح للبيض أن يرتادوا أماكن السود فإنه لا يسمح للسود أن يرتادوا أماكن البيض ، وجاء في الخبر المنشور في الصحيفة عن محاكمة القاتل الأبيض نص العبارة التي نطق بها القاضي بحكمه وفيه يقول مخاطبا المتهم ما معناه : لقد قضت المحكمة بسجنك سنتين لا لأنك قتلت رجلا أسود بل لأنك سمحت لنفسك أن تخالط السود ، فوصلت بذلك جنسين أراد الله لهما أن ينفصلا ) !!

ويكتفي الكاتب بالتعليق بما علق به مدير الجامعة التي ذهب يعمل بها والذي سمع بالواقعة من كاتبنا بقوله : " لقد عوقب القاضي الذي أصدر هذا الحكم" !! دون أن يبين على أي شيء عوقب القاضي : على الحكم بسنتين ثمنا لقتل إنسان ؟ أم على نطق القاضي بسبب الحكم بهما ؟



والذين قرءوا روايه " نيويورك مزبلة الأباطيل " للكاتب الأمريكي توم وولف

وجدوها سبة كبيرة في وجه نيويورك وأمريكا وتعرية فاضحة لمفاسد بلاد اليانكي والدولار وحرب النجوم ، والتفرقة العنصرية ومع ذلك فقد تهافت الأمريكيون على شرائها بحيث بيع منها 1,2 مليون نسخة في أقل من أربعة اشهر : يقول المؤلف : كل الذي فعلته في هذه الرواية أنني رسمت صورة نيويورك كما هي . بكل ما فيها من تناقضات ومفارقات في عمارتها وشوارعها ومؤسساتها وناسها الممزقين بين الأبيض والأسود ، وبين الغني والفقير ، وبين رجل المجتمع والمخدرات والانحراف ، كل شيء في نيويورك عظيم ومدهش ولكن تافه ومزيف ، إنها مدينة المفارقات ، إنها فعلا مدينة الأباطيل ..

لقد تهافت النيويوركيون باندفاع لا مثيل له على شراء هذه الرواية لأنهم رأوا فيها أنفسهم ، والمرآة التي تعكس بصدق وبدقة وبواقعية تفاصيل حياتهم اليومية وآفاقهم وهواجسهم وأفكارهم ، رأوا فيها صورتهم الحقيقية البشعة ! ) الاتحاد 4\9\ 1989



*****



ويبدو أن العنصرية ضد السود كان لابد لها أن تنحدر أخيرا متسفلة نحو نوع من استرقاق البيض على مستوى المجتمع الأوربي بخاصة ، ففي تقرير أعدته نائبة أوربية ونشرته جريدة الاتحاد – وربما الخليج – 21\12\1997 - عنازدهار تجارة الرقيق في اوربا .. أن حجم هذه التجارة وصل إلى خمسمائة ألف فتاة وامرأة يجلب معظمهن من دول الاتحاد السوفيتي السابق

ورفعت النائبة عن حزب العمال البريطاني سوزان واديكسيت إلى البرلمان الأوربي تقريرا عن ذلك يبين تصاعد حجم تجارة الرقيق خلال سنة واحدة فقط بمقدار الضعف تقريبا علما أن الحجم الفعلي لهذه الممارسة لا يزال خفيا

ونظرا إلى كون العقوبات المفروضة على تجارة المخدرات أقسى بكثير من تلك التي يتعرض لها المتاجرون بالرقيق يتحول عدد متزايد من العقوبات الدولية إلى التجارة بالرقيق

وقد رفع نواب المجلس الأوربي بعد مناقشة هذه المشكلة طلبا إلى وزراء الداخلية والعدل في دول الاتحاد الأوربي من أجل اتخاذ الإجراءات الملحة والكفيلة بكبح جماح المتاجرين بالرقيق )



وطبقا لما نشرته الأهرام في أحد أعدادها في مايو 1992 : ( تم تهريب أكثر من مائة ألف طفل روماني خارج الحدود من خلال شبكات متخصصة في تلك التجارة غير الإنسانية مستغلة الأوضاع المتردية في البلاد ، هؤلاء الأطفال اتجه معظمهم للولايات المتحدة وكندا وأوربا الغربية والغريب والمؤلم في نفس الوقت أن العديد من هؤلاء الرضع تم بيعهم مقابل بضائع وأجهزة مثل الثلاجات وأجهزة الفاكس .

وتضع كل من حكومتي ألبانيا وكمبوديا نصب أعينها . نموذج رومانيا وما حدث لأطفالها من عمليات تهريب وبيع خلال العامين الماضيين عقب ثورة عام 1989

أما دول امريكا اللاتينية فإنها ما زالت تعاني من تلك الظاهرة غير الإنسانية وبشكل مخيف حيث يتم اختطاف الأطفال من ذويهم وشحنهم كالحيوانات ليباعوا للشمال الغني )



وتأتي روسيا - كما جاء بجريدة الخليج 26\12\1995تحت عنوان ( ثمن الطفل الروسي جهاز كمبيوتر ) على رأس الدول التي تتزايد فيها جرائم بيع الطفل . ذكرت ذلك صحيفة " أرجو مينتي آي فكتي " الروسية في 24\12\1995 ونقلت الصحيفة عن ف . تيرغينيا رئيس قسم الطفولة بوزارة الخدمة الاجتماعية قولها : إن عيادات الولادة الخاصة التي ظهرت في أوائل التسعينات كانت تبيع الأطفال مقابل مائة ألف روبل للطفل ، وأن هناك حالات كثيرة كان المسئولون في هذه العبادات يقدمون الأطفال التي تمتنع أمهاتهم عن أخذهم عقب الولادة كهدايا ثم ظهرت بعد ذلك الشركات التي تبيع الأطفال في الخارج

وذكرت الصحيفة الروسية أنه تم في مدينة ساراتوف وحدها بيع سبعين طفلا رضيعا ، وفي فوردنيج يبلغ الحد الأدنى لسعر الطفل المباع لأمريكيين 160 ألف دولار في حين باعت شركات أطفالا إلى أمريكيين مقابل أجهزة ألكترونية وكمبيوتر

وقالت الصحيفة إن المؤسسات الصحية تلجأ في بعض الأحيان إلى إيهام الوالدين بأن الطفل في حالة صحية خطيرة حتى يتركاه بمستشفى الولادة ، ثم تقوم هذه المؤسسات ببيع الأطفال بعد ذلك .. مشيرة إلى أن أطباء إيطاليين اكتشفوا حالات التزييف بعد الكشف على الأطفال الذين بيعوا إلى إيطاليين ، ومعهم شهادات طبية بأنهم في حالة صحية خطرة ، لكن الكشف أثبت أنهم في حالة جيدة .

وأضافت الصحيفة أن عملية البيع تنتهي باستخدامهم كعبيد وفي ترويج المخدرات فيما يتم إجبار الفتيات على ممارسة البغاء )

هكذا من وفي بلاد التنوير



*****



ولعل هذه العنصرية ألأورأمريكية التي ماتزال حية نابضة متوهجة حاكمة في "الدنيا الجديدة " ترغم الفكر الإنساني على مراجعة أهم قضاياه عن التطور والتقدم ، وبالتحديد تطرح أمامنا إشكالية كبرى عن مصداقية نظرية التطور الاجتماعي " الصاعد " : كيف يمكن لهذه النظرية أن تفسر هذا الانتقال الإنساني التاريخي من ثقافة لا عنصرية إلى أخرى عنصرية لونية ؟ من ثقافة تدور حول التفوق النسبي المؤقت كما كان عليه الحال في الشعوب القديمة ؟ !! إلى ثقافة تقوم على التفوق العنصري العرقي النهائي الذي يصف كافين رايلي ارتكاس الأوربيين والأمريكان فيه ؟

أين موقع التقدمية الحداثية والتنوير وموقع الرجعية الأصولية والظلام في هذا التطور ؟

ألا تقف نظرية التطور والتقدم مشلولة أمام هذه الحقائق ؟

وألا تضرب تلك الحقائق هذه النظرية في مقتل ؟

أم أن نظرية التطور والتقدم لا تظهر كفاءتها إلا عند ما يكون الحديث عن التاريخ الإسلامي من أجل حشره أو تجميده أو تصنيفه في ركن التخلف والظلامية بطريقة ميكانكية تسليمية غبية عمياء ؟

والسؤال لجماعة التنويريين والحداثيين المبجلين ؟

والسؤال أيضا للدكتور صادق جلال العظم الذي سخر مما جاء بالقرآن الكريم عن الرقيق ، فلما رده الدكتور حسن الترابي ( حلقة الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة في 20\1\2004) إلى قوله تعالى " فإما منا بعد وإما فداء " مشيرا إلى ما في هذه الآية من تصفية لوضعية الرقيق بأسلوب تدريجي .. ضم إلى سخريته سخرية جديدة عن مدى تطبيق الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والصحابة لهذه الآية مشيرا إلى ما كان يملأ بيوتهم !! من الجواري والعبيد !! – حسب تعبيره - حتى بعد نزول هذه الآية ؟

يقول جلال العظم : آيات كثيرة غير صالحة لهذا الزمان، الشريعة والقرآن مليان كلام عن العبيد والاستعباد والرق وإلى آخره !! متجاهلا وضع الرق في العالم عند ظهور الإسلام من جهة ومقارنته بما جاء به الإسلام من تغيير إنساني وحقوقي في هذا المجال من جهة أخرى .

ولكنه يستمر قائلا: هل ما زال بإمكانك أن تردد مقولة نحن {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.

ويرد الدكتور حسن الترابي بإضافة الشروط الموضوعية التي جاءت في قوله تعالى : { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ} ممكن .

ولكن العظم يستمر في جهله ساخرا : ما هو بشيء ، بعلمي أن النبي كان عنده سراري وجواري. والصحابة كلهم عندهم جواري وعبيد وسراري !! .



وقد كنا نعتقد أن جهل هؤلاء العلمانيين يقتصر على فهم الإسلام بينما لهم السبق في فهم الحضارة الغربية " التقدمية " ، وقد اكتشفنا بفضل كافين رايلي أن جهلهم بالغرب لا يقل عن جهلهم بالإسلام ، أم تراهم خبأوا عمدا مخازي الحضارة الغربية في ابتكارها الفذ لثقافة الرجل الأبيض العنصرية العرقية المقيتة وما تزال تعيش بها كما بينا سابقا ؟

قد نعذر هذه الأبواق العلمانية في جهلهم بالإسلام وتاريخه الصحيح ، فكيف نعذرهم في جهلهم بتركيبة البوق الذي ينطلق صوتهم منه ؟

أما جهلهم بالإسلام فهو جهل محبب إلى قلوبهم ، ولو شاء أحدهم لقرأ ما لخصه الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه " حقائق لإسلام و أباطيل "

فمن حقائق الإسلام أنه شرع العتق ولم يشرع الرق ، إذ كان الرق مشروعا قبل الإسلام في القوانين الوضعية والدينية بجميع ألوانه : رق الأسر في الحروب ، ورق السبي في غارات القبائل بعضها على بعض ، ورق البيع والشراء ، ورق الاستدانة ، أو الوفاء بالديون ، ولم يكن الأمريكان قد ابتدعوا رق اللون " الأبيض " بعد .

وعندما جاء الإسلام حرم أنواع الرق جميعا ولم يبح منه إلا ما هو مباح قانونا في شأن الأسرى إلى الآن !!

وفحوى ذلك – كما يقول العقاد - أنه قد صنع خير ما يطلب منه أن يصنع في أمر الأسرى ، وأن الأمم الإنسانية لم تأت بجديد في هذه المسألة بعد الذي تقدم به الإسلام قبل أربعمائة وألف عام

فإذا صح ذلك – وهو صحيح كما سنشرح تاليا – يعاد الإلحاح على طرح السؤال : أين موقع التقدمية الحداثية ، وموقع الأصولية الرجعية المتخلفة من منظور قانون التطور " ؟

إن الذي أباحه الإسلام من الرق هو الجزء الضروري من المعاملة بالمثل في حومة الوغى ومن ثم في اسر المحاربين ، وهو بالطبع أرقى مما هو مباح اليوم في أمم " الحضارة " التي تعاهدت على منع الرق منذ القرن الثامن عشر وما يزال حالها على ما كان عليه قبل التحريم وفقا لدراسة كافين رايلي

ما أباحه الإسلام لا يعدو الدائرة الضيقة التي تنظمها الحضارة الحداثية للأسرى قانونا ، محرما بقية الدوائر الخبيثة التي ما تزال تفرز عفنها في قمة العالم الأوروأمريكي .

ما أباحه الإسلام لا يعدو الدائرة الضيقة التي تنظمها قوانين الحضارة الحداثية التي تبيح الأسر واستبقاء الأسرى إلى أن يتم الصلح بين المتحاربين على تبادل الأسرى أو التعويض عنهم بالفداء والتغريم

وهذه الدائرة الضيقة نفسها - مع تلك الفروق الجوهرية - هي كل ما أباحه الإسلام من الرق أو من الأسر وفقا لضرورة المعاملة بالمثل في ميادين القتال المشروع ، وهي ميادين تبيح إراقة الدماء فضلا عن الاسترقاق أو الأسر ، وهي حقيقة تبقى ما بقيت الإنسانية على الأرض . إذ من غير المعقول أن يطلب من الإسلام – أو من أي نظام آخر – أن يطلق سراح الأسير الذي يقع بين يديه بينما العدو يمسك بالأسرى المسلمين ، كما لا يطلب منه أن يطلق سراحهم تلقائيا وهو يعلم أنهم يعودون إلى حربه ومحاولة القضاء عليه أو على المسلمين .

ولكنه بعد أن يصادر حريتهم لا يضعهم في معسكرات الاعتقال كالتي تصنعها جيوش الحرب الحديثة لتهدر آدميتهم بها ، ويعيشوا معيشة الحيوانات ، محرومين من العيش في أسرة ، والتحرك في مجتمع طبيعي - راجع ما حدث وما يزال يحدث في سجن ابو غريب وجوانتانامو - وإنما يضعهم بين أيدي أفراد من المسلمين يعيشون بينهم وتحت سيطرتهم معيشة عادية ، طبقا لقوله صلى الله عليه وسلم ( هم إخوانكم تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليكسه مما يكتسي ، ولا يكلفه ما يغلبه ، فإن كلفه فليعنه ) أخرجه البخاري

وإذا كانت الشريعة الدولية الراهنة – وهي اوروأمريكية غالبا – لم تطلب من الدولة فكاك رعاياها من الأسرى فقد سبق الإسلام إلى فرض هذا الواجب على الفرد وعلى الدولة الإسلامية بأربعة عشر قرنا ، فجعل من مصارف الزكاة إنفاقها في الرقاب – أي فك الأسرى – وأن يحسب للأسرى حق في الفيء والغنيمة كحق غيرهم من المقاتلين يقول تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير ) 41 الأنفال

وإذا كان الإمساك بالأسرى ضربة لازب في الحروب الاستباقية الحداثية – ولنتذكر جوانتامو " وسجون العراق في قمة هذه الحداثة - فالإسلام لم يجعله حتما مقضيا في جميع الحروب ، وحرص على التخفيف من شدته ما تيسر التخفيف منه ، وجعل المن في التسريح أفضل الخطتين . ( فإما منا بعد وإما فداء ) سورة محمد

وأمر المسلمين بقبول الفدية من الأسير أو من أوليائه فيما يسمى المكاتبة : ( والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) 33 سورة النور

وجعل العتق تكفيرا عن الذنوب أو قربى لله

في الحنث باليمين ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ، فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ) المائدة

في كفارة الظهار ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) المجادلة

في القتل الخطأ ( ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ) النساء

في اقتحام عقبات التقرب إلى الله :( فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة او مسكينا ذا متربة ) البلد



ولم يكن ذلك محض تعليم نظري ولكنه سنة سلوكية نبوية دفعت إلى تحرير الرقيق خلاصا من ذنب سوء التعامل معهم لمن يريد الخلاص ؟

ففي صحيح البخاري بسنده عن أبي ذر قال : كان بيني وبين رجل كلام ، وكانت أمه أعجمية فنلت منها فذكرني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : أساببت فلانا ؟ قلت : نعم . قال : أفنلت من أمه ؟ قلت : نعم قال : إنك امرؤ فيك جاهلية . قلت على حين ساعتي : هذه من كبر السن . قال : نعم ، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه ، فان كلفه ما يغلبه فليعنه عليه اهـ

وفي صحيح مسلم بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال : كنت أضرب غلاما لي ، فسمعت من خلفي صوتا " اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه " فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله . فقال : أما لو لم تفعل للفحتك النار - أو لمستك النار اهـ

وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يقولن أحدكم : " عبدي" " أمتي " وليقل : " فتاي " وفتاتي " "

وفي سنن البيهقي الكبرى بسنده عن أبي هريرة قال : حدثني أبو القاسم نبي التوبة صلى الله عليه وسلمe قال : " من قذف مملوكا بريئا مما قال له أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال " و رواه البخاري في الصحيح عن مسدد عن يحيى وأخرجه مسلم من وجه آخر عن فضيل

وفي المعجم الأوسط بسنده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : ( من ضرب مملوكه حدا لم يأته فكفارته عتقه )

وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :أعطى أبا ذر غلاما وقال استوص به معروفا ، فأعتقه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل الغلام ؟ قال : يا رسول الله أمرتني أن استوصي به معروفا فأعتقته )

وفي صحيح مسلم بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه ثم جاءه به وقد ولي حره ودخانه ، فليقعده معه ، فليأكل ، فإن كان الطعام مشفوها قليلا فليضع في يده منه أكلة ، أو أكلتين ) : يعني لقمة أو لقمتين



فقد جعل الإسلام الحصول على الحرية مصرفا من مصارف الزكاة ، وجعله كفارة يكفر بها المسلم عن إثم ، ويجبر بها من تقصير ، أو قربة يتقرب بها إلى ربه

جاء في السنن الكبرى بسنده عن فاطمة بنت علي قالت قال : أبي قال رسول الله : ( من أعتق نسمة وقى الله بكل عضو منه عضوا من النار )

وفي صحيح البخاري بسنده عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فكوا العاني - يعني الأسير - وأطعموا الجائع وعودوا المريض )



وكان عبد الرحمن بن عوف وهو صحابي من أثرياء المسلمين لا يميزه أحد من بين عبيده لأنه لا يتقدمهم ولا يلبس إلا من لباسهم

ويروى أن عمر بن الخطاب عندما سافر إلى بيت المقدس لم تكن له إلا ناقة واحدة يتناوب الركوب عليها مع غلامه ، ولم يجد غضاضة في أن يدخل بيت المقدس ماشيا وغلامه راكب

وروي أن سلمان الفارسي دخل عليه رجل وهو يعجن فقال له : يا أبا عبد الله ما هذا ؟ قال : بعثنا الخادم في شغل ، فكرهنا أن نجمع عليه عملين .

ويتقدم العبد على الحر إذا فضل عليه في أمر من أمور الدنيا أو الدين ، ومن ثم تصح إمامته في الصلاة .



وهكذا يتابع الإسلام الموقف حتى يصل بهؤلاء المملوكين إلى حالة يندمجون فيها في المجتمع الإسلامي ضمن حياة إنسانية سليمة نفسيا واجتماعيا يحصلون فيها على الحرية

ولاشك عند كل منصف أن الوضع الإنساني والاجتماعي والنفسي للأسرى بين العائلات وفي قلب المجتمع – ووفقا لتعاليم القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم في معاملاتهم اجتماعيا وإنسانيا كما ذكرناه آنفا - أرقى وأشرف وأنقى وأطهر بما لا يقاس من وضعهم خلف أسوار الزنازين أو المعتقلات



أين التقدمية عند مقارنة هذا التشريع وهذا التطبيق مع الأسرى في حروب اليوم وهم كما يقول الأستاذ العقاد : ( شأن الطريدة من الحيوان ، لا تسلم من التمزيق إلا لتغني غناء المطية المسخرة ، في غير رحمة ، ولامبالاة بحساب ) ناهيك عن العنصرية العرقية الأوروأمريكية المستمرة بظلاميتها حتى اليوم .

واسألوا نزلاء " فنادق " !! جوانتانامو في أفغانستان وفلسطين والعراق .



لا نكران أن تعاليم الإسلام خولفت لكن من الجهل والظلم والإسفاف أن ينسب ذلك إلى بيت الرسول ولصحابته المقربين كما فعل جلال العظم فيما سلف

كما أنه من الجهل أن يقاس ذلك إلى وضع العنصرية العرقية الأوروأمركية بشهادة الدكتور كافين رايلي نفسه كما تقدم

وفي هذا يقول الأستاذ عباس محمود العقاد: ( وتنطوي القرون وينكشف الزمن عن أزمة الرق الكبرى في التاريخ الحديث

إن وصايا الإسلام في مسألة الرق خولفت كثيرا ، وكان من مخالفيها كثير من المسلمين ولكن الإسلام – على الرغم من هذه المخالفة المنكرة – تنصفه التجربة العملية عند الموازنة بين جناية المسلمين على الأرقاء وجناية الآخرين من اتباع الأديان الكتابية { أو من أتباع الأمركة والحداثة والتنوير والتطور }

فالقارة الإفريقية – في بلاد السود كانت مفتوحة أمام أبناء السواحل المجاورة لها منذ مئات السنين ، ولم تفتح للنخاسين من الغرب إلا بعد اتصال الملاحة على ساحل البحر الأطلسي في العالم القديم والجديد

وفي اقل من خمسين عاما نقل النخاسون الغربيون جموعا من العبيد السود تبلغ عدة الباقين من ذريتهم بعد القتل والاضطهاد نحو خمسة عشر مليونا في الأمريكتين : عدد يضارع خمسة أضعاف ضحايا النخاسة في القارات الثلاث منذ أكثر من ألف سنة . وهو فارق جسيم بحساب الأرقاء يكفي للإبانة عن الهاوية السحيقة في التجربة العملية بين النخاستين .

ولكنه فارق هين إلى جانب الفارق في حظوظ أولئك الضحايا بين العالم القديم والعالم الجديد . فإن في الأمريكتين إلى اليوم أمة من السود معزولة بأنسابها وحظوظها وحقوقها العملية ، ليس في بلد من بلاد الشرق أمة من هذا القبيل . لأن الأسود ينتقل إليها فيحسب من أهلها بعد جيل واحد . له ما لهم وعليه ما عليهم بغير حاجة إلى حماية من التشريع أو نصوص الدساتير ) ص 197



هل فهم الدرس كل علماني مقبوح ركبت على عينيه غشاوة أغلظ من غشاوات الرقيق في أسواق النخاسين ؟

هل فهم الدرس كل متأمرك مقروح حجبت عنه الرؤية كوابيس الدولارات والمدولرين ؟

هل فهم الدرس كل حداثي يقرقر بمصطلحاته عن " التقدم " " والتنوير" " والتحضر" " والثقافة " كما يقرقر العصفور وبعقل في حجم مخ العصفور وياله من ظلم للعصفور ؟

هل فهم الدرس كل تطوري مقبور يؤمن بحفريات الداروينية على مستوى الأحياء ثم يؤمن بها على مستوى الاجتماع فتعميه عن رؤية الواقع الذي يعلو فوقه ويهبط ، ثم يهبط ثم يهبط إلى مستوى العنصرية العرقية " الأبيضية " التي تكونت كالعفن في مقبرة الدنيا الأمريكية الجديدة حتى اليوم ؟

هل فهم الدرس كل تنويري مخدور لم يدرك بعد كيف حبسته الصدفة في اسم من أسماء الأضداد فإذا هو يتخبط بين الملأ عريانا قبيحا يحسب أنه " الكاسي " ، ويتبختر مظلما كئيبا يحسب أنه "منور" ؟ ( مع الاعتذار لقواعد الصرف )

والله أعلم