المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسالك النصر



المرابط المقدسي
04-20-2008, 06:09 PM
أعوذ باللّهِ من الشيطان الرجيم
بسم اللّه الرّحمٰن الرّحيم


﴿َوَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ *بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾


يسرّ مؤسسة الفرقان أن تقدّم كلمةً صوتية

للشّيخ أبي حمزة ٱلمهاجر حفظـﮧ اللّـﮧ


وزير الحرب بدولة العراق الإسلامية
بعنوان
مسالك النّصر
إملأ الدنيا دويا أيها الشيخ الجليل *** وارفع الصوت قويا مثلما كان الهجير

(أنّ المعركة بين الموحِّدين والكافرين في أصلها وصميمها معركةٌ علىٰ العقيدة )

(وليس مع الفرقة عز ونصر قط ولو كان أميرها خير خلق الله في أرضه)


*** ياليوث الله سيري وعلى الباغين ثوري ***


(أن يلجأ الأمير حال الشدّة أول ما يلجأ بعد اللّه إلى أصحاب السّبق المجاهدين ويثّني بأصحابِ العشائر الطيبين)

(فنناشد أحبابنا أبطال الدولة أن تقوم كلُّ مفرزة بتقديم رأس أمريكي هدية للدجّال بوش وبأي وسيلة تراها المفرزة مناسبة لها )

فتية الحقّ هُبّوا ونداء الحقّ لبُّوا ***هدّنا شرقٌ وغربٌ فارقبوا النّصر الكبير


الحمد للّه رب العزّة ربّ العالمين،

وليّ النّصرة لهذا الدين لا إلٰه إلا هو ينصر الحقّ ولو بعد حين والصلاة والسلام على إمام المرسلين ورضي الله عن أصحابه من الأنصار والمهاجرين، وبعد؛


فقد قال اللّه تعالىٰ: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ*هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾. فليوقن كل مسلم أنّ تمام النّصر قادمٌ وأن اللّه مُعزُّ هذا الدّين وأن المستقبل له ولو تكالبت علينا الأمم أجمعين وأن الأرض حتماً سنحكُمها بحول اللّه القوي المتين ومن طعن أو شك في ذلك كان من المرجفين الكافرين.

قال اللّه الملكُ الحقُّ المبين: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ *إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾. وقال الصّادقُ الأمين صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم :((ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك اللّه بيت مدر ولا وبر إلا أدخله اللّهُ هذا الدّين، بعزِّ عزيزٍ أو بذلِّ ذليلٍ، عزًّا يعز اللّه به الإسلام وذلاًّ يذلّ بهِ الكافرين)). فكان تميم الدّاري رضي اللّه عنه يقول كما في المسند: ((قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعزّ ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذلّ والصّغار والجزية)).
وليعلم أهل التّوحيد أن عقيدةً سفكت لأجلها دماء طاهرة ، وقاتل عليها الشُهداء فلأجلها عاشوا ولأجلها ماتوا، حتماً ستنتصر، وتمتد سهامها لتضرِب عنق كلّ كافر، وتنير فؤاد كلّ موحّد، ولكن ينبغي أن ندرك جميعاً أنّ مدار النّصر مع متابعة النبي صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم وجوداً وعدماً، من غير سبب يزاحم ذلك كما قال أهل العلم.قال ابن القيم رحمه الله : وكذلك النّصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل . قال اللّه تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، وقال: ﴿فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾، فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد. إنتهىٰ كلامه رحمه اللّه.
فالنبي صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم دلّنا على أسباب النصر ومعوقاته النصر أتم دلالة ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه: وكذلك عرفهم صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم من مكائد الحروب ولقاء العدو وطرق النصر والظَفَر ما لو علموه وعقلوه ورعوه حق رعايته لم يقم لهم عدو أبداً، فمن أسباب النصر؛


أولاً :التوحيد .
قال اللّه تعالىٰ: ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾. هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن يدركها المجاهدون.
إن المعركة بين الموحدين والكافرين في أصلها وصميمها معركة على العقيدة، وأنّ اللّه حَصَر وقَصَر هذا العداء في الدين، فالكافر أي كافر سواء كان علمانياً أو شيوعياً، نصرانياً أو يهوديا، لا ينقم على الموحّدين إلا إيمانهم الخالص من الشوائب، وأي شعارٍ يُرفع لأي معركة تدور بيننا وبينهم غير شعار الدين هو محض كذب وافتراء، فعداء الكافر الأصلي أو المرتد للمجاهدين الموحدين لا ينطلق أبداً من دافعٍ اقتصادي أو سياسي، إنَّها معركة كفرٍ وإيمان، معركة عقيدة وقضية دين.
فإنّنا لا نقاتل المحتلّ الصليبي أو المرتدّ العربي لأجل الأرض، إنّما لإعلاءِ كلمة اللّه علىٰ الأرض .وهو لا يقاتلنا لاختلافه معنا في بعض المكاسب المادية، ولو كان الأمر كذلك لهان عليه وعلينا ولأمكن الالتقاء في منطقة وسط، لكنّ أنهار اللّبن التي تجري في قلوبنا وعروقنا لا يمكن أبدا أن نلوِّثها ببحر عقيدتهم وأباطيل نجاستهم .
إنّ الاستعمار قديماً كان واجهةً للصليبية، مثلما هو اليوم واجهةً لليهودية والنصرانية. و لقد أعلنها مراراً قيصر الرّومِ بوش: إنّها حربٌ صليبية. فما بال القوم يكذبون ويكذبون؟.

فإذا علمت هذا أيّها المجاهد فوجب عليك ألاّ تختلط عليك الرّايات ولا تخدعك المسمّيات، تماما كما ينبغي أن تطهّر قلبك وصفّك من القاذورات ، فإيّاك أن يكون في قلبك أو صفّك شركٌ أو مشرك، كما ينبغي أن تعلم أن وجود الشرك في صفوفنا وقلوبنا أكبر حاجب للنصر، وأسرع شيء للهزيمة. قال اللّه تعالىٰ: ﴿ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾، وقال: ﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾، وتفسير ذلك في قوله تبارك وتعالىٰ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾.
ثم إن إخلاص النّية للّه هو أهم عوامل النصر والتمكين .قال الله تعالى: ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾، أي من الصِّدق والوفاء وإخلاص النّية بالبيعة للّه رب العالمين.
فدلّت الآية أنّه شرطٌ من شروط التّمكين وأنّه عند توفّره فإن اللّه يثيب عليه فتحاً ونصراً وتمكينا. قال اللّه تعالىٰ: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾. وقال صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: ((إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر )). ولذا كان النّبيُّ صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم القائد أحرص النّاس على تخليص قلوب أصحابه من هذه الآفة وخاصة في الجهاد، وركّز على أمراء الجهاد فقال: ((إنّا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه)).

فعن أبي سعيد عبد الرحمن بن سَمُرة قال: قال رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: ((يا عبد الرحمٰن ابنَ سَمُره لا تسأل الإمارة فإنّك إن أُعطيتها من غير مسألة أُعنت عليها وإن أعطيتها من مسألة وُكّلت إليهه)). قال النّووي: قال العلماءُ: والحكمة في أنه لا يولّىٰ من سأل الولاية أنّه يوكل إليها ولا تكون معه إعانة كما صرح به في حديث عبد الرحمن بنُ سَمُرة السّابق وإذا لم تكن معه إعانة لم يكن كفؤاً ولا يُولّىٰ غير الكُفءِ. إنتهى.
وقد يكون المرء له سابقة في السّيرِ إلى اللّه والجهاد في سبيل اللّه، وبه من الخير ما اللّه به عليم، لكنّه لا يصلح للإمارة مع أنّه قد يَظنُّ في نفسه القدرة عليها .فعن أبي ذرٍّ رضي اللّه عنه قال: قلت: يا سول اللّه ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبيّ ثم قال: ((يا أبا ذر إنّك ضعيفٌ وإنّها أمانةٌ وإنّها يوم القيامة خزيٌ وندامة)).
ولكن قد يتعين على بعض أهل الخير إذا رأىٰ دماءًا تُزهق، وأموالاً تُسرق، وهو قادر على دفعها، قال الكريم ابن الكريم: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾

ثانيا: الوحدة .
قال اللّه تعالىٰ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾
قال عبد الله ابن مسعود رضي اللّه عنه: يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنها حدُّ اللّه الذي أمر به، وإنّما تكرهون في الجماعة والطاعة هو خير مما تستحبون في الفرقة. إنتهى .
ولم لا؛ وقد ثبت عن رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم كما في المسند أنه قال :
))ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم ، إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمور،(( وفي رواية: ((وطاعة ذوي الأمر ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من ورائهم )). قال ابن القيّم رحمه اللّه : فمن أخلص أعماله كلّها للّه ،ونصح في أموره كلّها لعباد اللّه، ولزم الجماعة بالإئتلاف وعدم الإختلاف، وصار قلبه صافيا نقيا، صار للّه وليّاً، ومن كان بِخلاف ذلك امتلأ قلبه من كل آفة شر. إنتهىٰ.

فالأصل الذي يجب أن يكون عليه المسلمون هو الاجتماع لا الفُرقة والإعتصام بحبل اللّه لا الشّذوذ والإختلاف، وهذا الإجتماع يورث في الدنيا عزّا ونصراً وتمكيناً، وفي الآخرة بياضاً للوجه ورِفعةً للدرجة. كما ثبت عن ابن عباسٍ في تفسير قوله تعالىٰ: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾، قال تبيّضُ وجوهُ أهل السنة والجماعة، وتسودُّ وجوهُ أهل البدعة والفرقة. وليس مع الفرقة عز ونصر قُطْ، ولو كان أميرها خير خلق الله في أرضه وأشجعهم. فهذا أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه لم يكن يوم خلافته يمشي على ظهر الأرض خير منه، ومع ذلك لماّ اختلفت عليه الأمة وخرج عليه طائفة من البُغاة ثم من الخوارج أبعدهم الله، لم يستطع قط أن يجهز ولو جيشاً واحداً لقتال الكفار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه تعالىٰ في معرض كلامه عن الأئمة الإثني عشر عند الرّافضة: فإنّ هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلا علي بن أبي طالب ومع هذا فلم يتمكن في خلافته من غزو الكفّار ولا فتح مدينةً ولا قتل كافراً بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض حتى طمع فيهم الكفّار بالشرق والشّام من المشركين وأهل كتاب حتى يقال أنهم أخذوا بعض بلاد المسلمين. إنتهى كلامه رحمه اللّه.
ومعركةُ الجمل أفجع مثالٍ على نتيجة فرقة الصفِّ واختلاف الكلمة .وعلى العكس من ذلك، لمّا جاء عامُ الجماعة واجتمعت الأمة على معاوية رضي الله عنه، جيّش الجيوش، وفتح البلاد، وجبا الزكاة، وأعطى المال .
ولا يختلف أحد أن عليًّا أتقىٰ لله وأشجع، وأحكمُ وأعدلُ من معاويةَ رضي اللّه عنه، ولكنّ الخلاف كله شرٌّ .قال النّبي صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم كما في صحيح مسلم : ((من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة فمات؛ مات ميتةً جاهلية، ومن قاتل تحت راية عميّة يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة فقتل، فقتلة جاهلية )). وقال: ((من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر فإنّه ليس أحداً يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية)). وإنّا بعون اللّه وحمدهِ مادامت قلوبنا مجتمعة على أمير نحسن به الظن وندفع عنه التُّهم والرّيْب، فواللّه لو أتت أمريكا بكلّ جيشها، بل بكلّ رجالها ونسائها لحربنا فإنّا لمنصورون فخُذوا يا جنود اللّهِ علىٰ كلّ من يريد أن يفرّق صفّكم .

ثالثا :السمع والطاعة والامتثال لأمر الله .
قال اللّه تعالىٰ: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾. فعن عبادة رضي اللّه عنه قال: ((بايعنا النّبيّ صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم علىٰ السّمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرةٍ علينا وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحا عندكم من الله فيه برها )). وفي رواية: ((على السمع والطاعة في النشاط والكسل)). وقال: ((إسمعوا وأطيعوا ولو اسْتُعمل عليكم عبدٌ يقودكم بكتاب اللّه)).
قال الحافظ في الفتح في أحاديث الباب: الأمر بالطّاعة لكلّ أميرٍ ولو لم يكن إماما .
وقال صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: ((وأنا آمركم بخمسٍ الله أمرني بهنّ: الجماعةُ، والسمع والطاعة، والهجرة و الجهاد )).
والذي أحب أن أؤكّد عليه هنا هو صدق السّمع والطّاعة وقوّة الإمتثال لأوامر اللّه تعالىٰ في المكرهِ والعسرِ إذِ الطّاعةُ فيما يحبُّ المرء هيّنة بعون اللّه .
وأكثر ما نحذر منه المعصية في الحرب فقد جرّبنا عاقبتها في غير ما موضع فكانت دائما سبباً لكثير من الويلاتْ.
فهذا رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم في جيش الصّحابة في أُحدٍ قد حدّد لكلّ طائفة من الجند مكانها ووضع الرُّماة في مكان به يحمون ظهورهم من أي التفاتٍ للعدو أو تقدم يلوح في الأفق، وقال لهم وبكلّ وضوحٍ: ((إحموا ظهورنا فإن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا قد غرمنا فلا تشركونا فلم يعِ الرُّماة نصيحة رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم وكانت النتيجة هزيمة للمسلمين ومقتلةً عظيمة بسبب معصية طائفة من الجيش على الرّغم من نصيحة أميرهم وتحذيره إياهم .
فدلّ على أن المعصية العسكرية عاقبتها سريعة، وأي اجتهادٍ من الجند منفرد يخالف اجتهاد الأمير وإن كان ظاهره الحُسن والصّلاح هو خطأُ كبير وفتح لباب من الشرّ عظيم .فالجندي يتعبّد الله بطاعة أميرهِ ما لم يُؤمر بمعصيةٍ شرعية .
أما الاجتهاد الحركي العسكري فهو حق خالصٌ للأمير لا ينبغي الخروج عنه إلا من واجب النصح، لأن القاعدة تقول: "إنّ رأي الإمام أو الأمير لا يجوز نقضه برأي آحاد المسلمين فيما ينفرد بالنظر فيه" .إنتهى .
وانظر يا عبد الله إلى نعمةِ السّمع والطّاعة في العُسر والكَرَب، فهذا رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم ندَب المسلمين المجروحين في أُحُد علىٰ ما فيهم من الجراح والآلام لمّا علم أنّ أبا سفيان يريد أن يعود ليقضي على بقية الجيش الإسلامي فاستجابوا طاعةً للّه ورسوله. قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
وهكذا حالهم تماماً عندما رجعوا من غزوة الأحزاب مقبِلين على الرّاحة بعد زوال الغمة، فرحين بنعمة الأمن، لم ينفضوا غبار طولِ الحصارِ بعدُ، وإذ بالأمر يأتيهم بغزوةٍ أخرىٰ وبسرعة: ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)).
فاستجابوا لأمر اللّه ورسولهِ وصدقوا اللّه ورسولَه فكان النّصر على عدوّهم بصدق السّمعِ والطّاعة وقوّة الامتثال لأمرِ الله .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه كما في صحيح مسلمٍ: ((من أطاعني فقد أطاع اللّه ومن عصاني فقد عصىٰ اللّه ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصىٰ أميري فقد عصاني )). ومما يعين على السمع والطاعة للأمير أمورٌ منها :


أولا :حسن الظن بالأمير .
قال اللّه تعالىٰ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾.
فإذا كان حسن الظنّ بعمومِ المسلمين واجبٌ فهو في حق الأمير أوجبُ. ولا أضرُّ على الجهاد من سوء الظنّ بالأمير كيف وهو أكذب الحديث . قال صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: ((إياكم والظن فإن الظنّ أكذب الحديث )).
قال صاحب فيضُ القديرِ: ومن أساء الظنّ بمن ليس محلاًّ لسوء الظنِّ به دلّ علىٰ عدم استقامته في نفسه كما قيل: إذا ســاء فعل المرء ســاءت ظنونُــه.

ثانيا :توقير الأمير .
ففي المُسند عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن معاذ قال: ((عهد إلينا رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم في خمسٍ من فعل منهنَّ كان ضامناً على اللّه عز وجل: من عاد مريضاً، أو خرج مع جنازةٍ، أو خرج غازياً أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره أو قعد في بيته فسلم النّاس منه وسلم من النّاس )).
وتعزير الأمير وتوقيره بطاعته ونصرته. وبذِكر محاسنه الخلقية والخلقية والمسارعة إلى امتثال أمره ونهيه ونصحه سراً. نقل الحافظ في الفتح: والنّصح لأئمة المسلمين إعانتهم على ماحَمِلوا القيام به وتنبيهُهُم عند الغفلة وسدُّ خلّتهم عند الهفوة وجمع الكلمة عليهم وردُّ القلوب النافرة إليهم. إنتهىٰ.


رابعا :الصبر والثبات
قال اللّه تعالىٰ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾. ولأن الطريق طويل لابد له من زاد، ولأنّه مجهدٌ وشاق، وحافلٌ بالعقبات لابد من الصبر والثبات. ولأنّ الجهاد عبادة فرضها اللّه علينا، لابدّ أن نقوم بها مهما اشتدّت المحن أو تسلّل الملل، سواءاً انتفش الباطلُ أو قلّ النّصيرُ لابدّ من المسير.
روىٰ الإمام مالك عن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة بن الجرّاح إلى عمر بن الخطّاب فذكر له جموعاً من الرّوم وما يتخوّف منهم، فكتب إليه عمر: أما بعدُ فإنّه مهما نزل بعبدٍ مؤمن من منزلةٍ شدةٍ يجعل اللّه بعدها فرجاً، وإنّه لن يغلب عُسْرٌ يسرينِ وإنّ اللّه يقول في كتابه: ﴿يا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ انتهى .
وقال اللّه تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾.قال أبو جعفر الطّبري :هذا إخبار من اللّه تعالىٰ ذكرهُ أتباع رسوله صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم أنّه مبتليهم ومُمْتحنهم بشدائد الأمورِ ليعلم من يتبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه.إنتهى.
لكنّ عاقبة الصبر خير، قال الله تعالىٰ: ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾، فاستعينوا بالله وقولوا قولة أسلافِكم المجاهدين: ﴿ولما وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾، وقولة الموحّدين المبتلين: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾، فصاروا بها شهداء بررة بعدما كانوا كفاراً سحرة .
واعلم كما قال الصّادق الأمين خير من بلّغ عن ربّ العالمين: ((أن الأمّة لو اجتمعت علىٰ أن ينفعوك بشيءٍ لن ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللّه لك ولئن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لن يضرّوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللّه عليك)). وقال: ((واعلم أنّ النّصر مع الصبْر وأنّ الفرج مع الكرب وأنّه مع العُسر يُسْرا)).
والذي أريد أن أركّز عليه وثبت لدينا بالتجربة والأثر أن أثره عظيم ألا وهو ثبات القيادة وخاصّةً في أرض المعارك وعند لقاء الأعداء. ففي الصحيح؛ سأل رجل البراء رضي اللّه عنه: يا أبا عمارة أوليتم يوم حنين؟ قال البراءُ وأنا أسمع : أمّا رسولُ اللّهِ صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم لم يولّ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذٌ بعنان بغلتهِ فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول: ((أنا النّبيُ لا كذب... أنا ابن عبد المطّلب ))، وهذا الحديث فيه فوائد عظيمة هي نورعلى الدرب.
أوّلها :
أنّ القيادة كانت في أرض المعركة وموضع المعمعة ولم تكن بعيدةً عن أرض النّزال فلم تخرج من البلد إلى أخرى بحجة أنها رمز من الرموز بذهابها تذهب الدعوة وأقلّ ما نطلبه من إخواننا أن يبقى أمير الولاية ضمن ولايته، وأمير القاطع ضمن قاطعه،
وأمير الكتيبة أو السرية بين جنوده، و أيّما رجل لا يستطيع أن يفعل ذلك لا تحلّ له الإمارة ولو كان أهلا لها .فالأسود لا تصطاد خارج الغابة إلا أن تقتات على كسب غيرها .

الوقفة الثانية :
قوله ((آخذ بِعِنَانِ بغلته)). وفيه ؛ - أنّه لابد أن يظهر من الأمير الثبات وأن يبدوَ عليه ذلك بلسان الحال، فهذا رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم في هذا الموضع الخطير كان يركب بغلة بطيئة السّيرِ .
قال ابن كثير رحمه اللّه : وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة التامّة أنّه في مثل هذا اليوم في حومة الوغى وقد كشف عنه جيشه وهو مع ذلك على بغلة ليست سريعة الجري ولا تصلح لكرٍّ ولا لفرٍّ ولا لهربٍ وهو مع هذا أيضا يركضها إلى وجوههم وينوه باسمه ليعرفه من لم يعرف صلوات اللّه وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدّين .
دخل ابن وطّاء على المهلّب قائلا : وفيه ركوب البغال في الحرب للإمام ليكون أثبت له ولئلا يظنّ به الاستعداد للفرار والتوليه ومن باب السياسة لنفوس الأتباع لأنه إذا ثبت ثبت أتباعه وإذا رأي منه العزم على الثبات عُزم معه عليه. إنتهى.

وفي هذا الكلام فائدة :
أنه ينبغي على الأمير ألاّ يركب مركبةً هي أسرع وأقوى من جنوده أي مما يركب جنوده بل يكون في ركوبه كأوسطهم إن لم يكن أقلهم دابة تثبيتاً لقلوب جنوده وبعدا عن الشبهات وخاصّةً إذا كانت الدّابة من أموال الجهاد.

الوقفة الثالثة:
تعريفه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم بنفسه بقوله: ((أنا النّبيُّ لا كذب .. أنا ابن عبد المطّلب )). فلما جدّ الجدُّ وأذهلتِ الحرب النفوس حتى أنّ المرءَ ليمرُّ بأخيه فلا يعرفه، من شدّة الحال أو سرعة الهزيمة، كان لابدّ له صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم أن يُعلم جنده ومن له في نفوسهم المحبّة أنّه موجودٌ ولم يفر، ويعلن ذلك على الملأ ضارباً عرض الحائط بكل المحاذير الأمنية و الاحتياطات العسكرية فليس هذا موضعها ولا وقتها والموقف يُملي التضحية بالنفس والثّبات في الكَرب.
وأعجبُ العَجَبِ أنّ بعض أمراء الجهاد إذا جدّ الجدُّ ودَهم العدو منطِقته وبدأ القتل يستعر في جنوده ذهب فاختبأ، ولم يتصل بأحد من جنوده وغير اسمه وربما رسمه بحجة الحفاظ على القيادة الراشدة، وهو مع ذلك قد ضيّع نفسَه وإخوانه .
فلو ثبت فيهم وجمع جنده وناجز عدوّه وأظهر جلَداً وثباتاً، لكان فيه النجاة بنفسه وإخوانه بدلاً أن يضيع نفسه ومن أُمِّر عليهم .


الوقفة الرابعة:
أن النبي صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم كما في صحيح مسلم قال : ((أي عباسٌ ناد أصحاب السَّمُرَة ،فقال عباسٌ : - وكان العباس صيتا- قال : فقلت بأعلىٰ صوتي : أين أصحابُ السَّمُرة قال فواللّه لكأنّ عَطْفَتَهُمْ حين سمعوا صوتي، عَطْفَةَ البقر علىٰ أولادها فقالوا : يٰا لبيك يٰا لبيك)).
وعند ابن إسحاق: فجعل الرجل يعطف بعيره فلا يقدر، فيقذف درعه ثم يأخذ بسيفه ودرقته ثم يؤم الصّوت.

وروے الطبري أنّ النّبي صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم قال للعبّاس: ((نادي يا معشر الأنصار، ويا معشر المهاجرين)). فجعل ينادي الأنصار فخذاً فخذاً. ثمّ قال: ((نادي بأصحاب سورة البقرة))، قال فجاء النّاس عُنُقاً واحدةً، وفي صحيح مسلم ثم قصُرت الدّعوة على بني الحارث بن الخزرج، وهنا وقفةٌ مهمّة، وفائدة ربّانيةٌ نبوية عظيمة، وهي فِعل رسول الله صلّـﮯ الله عليه وسلّم لمّا انهزم النّاس وتفرَّق الصّف، حتّى إنّه لم يبقَ معه إلاّ إثنا عشر، وفي أكثر الرّوايات ثمانون رجلاً، وانهزم فرسان المسلمين وأبطال المعارك الأفذاذ ومنهم خير رجالات القتال سلمةُ بن الأكوع، بل وانهزم خيرُ عبادِ اللّه أصحابُ بيعة الرّضوانِ وغيرهم.

حينئذٍ لم تيأس القيادة، و لم تَقنط و لم تُلق السيف وتفر من أرض النّزال، و حاشاه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم، بل ثبت صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم ثمّ بدأ ينادي النّاس بصفاتهم فبدأ بأهل الإيمان الرّاسخين و الجنود المخلصين و العباد الرّبانيين أصحاب الشّجرة وبيعة الرِّضوان. ثمّ نادى أهل القرآن وحَفَظَة كتاب الله وخاصَّة درَّة الكتاب فنادى أصحاب سورة البقرة، فلمّا التفّوا حوله بدأ يثير الحميّة العَشرية في نفوس العُصبة المؤمنة؛ فنادى الأنصار فخذاً فخذا، وبأسمائهم ، فمن حدّثته نفسه بالفرار خشي العار، وهم مع ذلك فيهم ومنهم أصحاب الشجرة وسورة البقرة، فبدأ صلّـﮯ الله عليه وسلّم بالخُصوص الخُلّص ثمّ ثنّى بالعُموم.

و الوقفة الهامّة أنّه على الرّغم من إثم الفرار من الزّحف وعِظَم جريمة فاعل ذلك وارتكابه مهلكةً من المهالك التي يُخشى على صاحبها ألاّ تدركه توبة، فإنّه لم يُعنّف من فرّ ولم يتخذها عليه مثلمةً ولا مسبّة بل على العكسِ من ذلك، شيّمهم بعشائرهم بعد سبقهم في الجهاد والتوحيد وفي هذا فائدة، أن يلجأ الأمير حال الشدّة أوّل ما يلجأ بعد اللّه إلى أصحاب السّبق المجاهدين، ويثنّي بأبناء العشائر الطيّبين، وإيّاه ثمّ إيّاه أن يُعيّر أحداً منهم، وكذلك عليه أن يتّصل بكلّ من ترك الجهاد ويذكّره بسبقه وجهاده في سبيل الله و يردّه إلى صفوف إخوانه، فإنّ في تركِهِ تركُهُ للشيطان وحزبه وخسارةً للجهاد وجُنده و لايقول عاقِلٌ بذلك.

الوقفة الخامسة:

مع حقيقة من فرّ يوم حنين، ففي صحيح مسلم أنّ أمّ سُليمٍ اتّخذت يوم حُنين خنجراً ثمّ قالت يارسول اللّه أقتُل من بعدنا من الطُلقاء؟ إنهزموا بك! فقال رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: ((يا أمّ سُليم إنّ الله قد كفى وأحسن)). وعند البخاري ومع النّبي عشرة آلافٍ والطُلقاء فأدبروا ، قال النووي رحمه اللّه على الطُلقاء وهم الذين أسلموا من أهل مكّة يوم الفتح، سُمُّوا بذلك لأنّ النّبي صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم منّ عليهم وأطلقهم وكان في إسلامهم ضَعْف، فاعتقدت أمّ سُليم أنّهم منافقون وأنّهم استحقّوا القتل بانهزامهم.إنتهى.

ممّا سبق يتّضح بجلاءٍ أنّ من بدأ بالفرار يوم حُنين كان من الطُلقاء ممّا خلخل صفّ المسلمين وأوقع الفزع في قلوب الشجعان المُخلصين، ففَعَلوا فِعْلهم.

لكنَّ السُؤال الذي لأجله وقفتُ هذه الوقفة؛ هل كان رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم حاشاهُ مُخطئاً حينما اصطحب معه الطُلقاء إلى حُنينٍ وهم حديثوا عهدٍ بالإسلام؟ وكان في إسلامهم ضَعْفٌ كما سبق، و لم يُعطهم صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم بعد دورةً في التوحيد؟ ويؤكّد حداثة عهدهم بالتوحيد ماصحَّ في سنن الترمذي أنّ رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم لمّا خرج إلى حُنينٍ مرَّ بشجرةٍ للمشركين يُقالُ لها ذاتُ أنواطٍ يعلِّقون عليها أسلحتهم، فقالوا يا رسول اللّه: إجعل لنا ذاتَ أنواطٍ كما لهم ذاتُ أنواط فقال النّبيّ صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: ((سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى إجعل نا إلهاً كما لهم آلهة)).إنتهى.

أقول ذلك لأنّ بعض مرضى النّفوس عابوا علينا كثرة من دخل في جيشنا بعد إعلان دولة الإسلام، وكان بعضُهم سبباً في انتصار الإخوة في بعضِ الأماكن، وما أحدثنا شيئاً أكثر من أن تأسّينا برسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم، بل إنّ رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم لمّا فتح اللّه عليه وكفى وأحسن وقسّم الغنائم أعطى الطُلقاء والمهاجرين ولم يُعط الأنصار شيئاً كما في صحيح البخاري وغيره وهم سواد الجيش. قال ابن القيّم رحمه الله: وكان من الحكمة في ذلك أن يُظهر أنّ اللّه نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا بانكفاف قومه عن قتاله. إنتهى.

و مع ذلك نبشّر الأمّة والحمد للّه أنّه لم يُلقِ السّلاحَ قط أميرٌ دخل معنا بعد إعلان الدّولة، بل هم إلى يومنا هذا أبطال النّزال وفرسان المعارك مثلُهم مثلُ من سبق إلى هذا الخير والحمد لله ربّ العالمين.

خامساً: الإعداد.

قال اللّه تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾. قال صاحب أضواء البيان: فهو أمرٌ جازمٌ بإعداد كلّ ما في الإستطاعة من قوّةٍ ولوبلغت القوّة من التطوّر مابلغت، فهو أمر جازمٌ بمسايرة التطوّر في الأمور الدُّنيوية. إنتهى. ومعلومٌ أنّ الجهاد فرضُ عينٍ على كلّ مسلم وخاصّةً في بلاد الرّافدين، ومالا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، قال صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم : ((إرموا بني إسماعيل فإنّ أباكم كان راميا)). وقال: ((ألا إنّ القوّة الرّمي)). قال الصنعاني في شرحه للحديث السّابق: أفاد الحديث تفسير القوة في الآية بالرّمي بالسّهام لأنّه المعتاد في عصر النّبوة، ويشتمل الرّمي بالبنادق للمشركين والبُغاة. وخُلاصة القول أنّ الإعداد للمعركة القائمة مع الأعداء المحتلين و المرتدين واجبٌ على كلّ مسلمٍ وجب عليه الجهاد.

وما سأخصُّ هنا أوّلا: عين ما ذكره أبو جعفرٍ الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى ﴿مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾، قال: ما أطقتم أن تؤدّوه لهم من الآلات التي تكون قوة لكم عليهم السّلاح ، فصناعة السّلأاح هي من أعظم ما يعين على الجهاد في سبيل اللّه، وهو ما يسمّى اليوم بالصناعة الحربية، وقد ذكر اللّه هذه الصناعة في غيرما موضع من كتابه، بل ذكر بعض أدقّ تفاصيلها فقال سبحانه: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ﴾، قال الطبري رحمه اللّه: وعلُّمنا داوود صنعة لبوسٍ لكم، اللّبوسُ عند العرب السّلاح كلُّه درعاً كان أو دوشناً أو سيفاً أو رمحاً. وقال ابن كثير: يعني صنعة الدروع. إنتهى.

وذكر ربُّ العزّة صفة الدّروع فقال: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ أي دروعاً واسعةً طويلة، ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ جاء في أضواء البيان: أي اجعل الحِلَقَ و المسامير في نسجِكَ الدّورع بأقدارٍ متناسبة. إنتهى.

وروى ابن كثيرٍ عن قتادة إنّما كانت الدّروع قبله صفائح و هو أوّل من سردها حلقاً. إنتهى.

وممّا سبق تعلم العناية الإلهية بصناعة الدّروع حتى ذكر اللّه أدقّ تفاصيلها وامتنّ بها على عباده فهل أنتم شاكرون؟ وللأسف فإنّ كثيراً من المجاهدين أو أغلبهم لايهتمّ بها في حربنا لعدوّنا، وفيها فوائد كثيرة أهمّها حفظ نفس المجاهد التي هي أغلى شيءٍ عندنا من طلقات العدو وشظايا قنابله.

ثانياً: تأمين عدم إصابة المجاهد في مواضِعٍ قاتلة تعيقه عن الجهاد أو تجعله يفقد الوعيَ فيبقى في ساحة المعركة بعد إصابته ممّا يعرّضه لأسر الأعداء.

ثالثاً: تُعين المجاهد على الوصول لأقرب مكانٍ من العدو، وخاصة لأبطال الإقتحامات وأسود العمليات الإستشهادية.

وأخيراً نحن لسنا أشجع من رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم فقد كان له درعٌ ومِغْفَر، كما كان له سيف. ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: تُوُفّي رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم ودرعهُ مرهونةٌ عند يهودي بثلاثين صاعٍ من شعير. وقد ثبت عن النّبي صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم فيما رواهُ عنهه أحمد في مسنده و أبو داوود أنّه ظاهَر يوم أُحدٍ بين درعين أو لبس درعين.

وعن أنس ابن مالك كما في الصّحيحين أنّ النّبي صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم دخل مكّة عام الفتح وعلى رأسه المِغفر وهو نوعٌ من الدّروع يكزن على قدرِ الرّأس، أو الخوذة بمفهوم العصر. وأرشدنا ربّنا إلى السبائك المعدنية والتي هي الأساس في صنع أي سلاحٍ اليوم، فقال سبحانه في قصّة ذي القرنين: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾ أي جيؤوني بقطع الحديد الكبيرة و انفخوا حتى إذا صار الجميع كالنّار من شدّة توهّجه واحمراره ﴿قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾ أي نُحاساً مُذابا، وقد وُجد حديثا أنّ إضافة نسبةٍ من النّحاس إلى الحديد أحسن طريقة لتقسية الحديد وزيادة مقاومته وصلابته.

وعلُّم اللّه نوحا صناعة السُّفن فقال: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾، روى الطبري عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنها أنّه قال: أنُّه لم يعلم كيف صنعة الفُلك، فأوحى اللّه إليه أن يصنعها على مثل جؤجؤ الطائر أي صدره.

هذا وقد مدح النّبيّ صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم الغازين من أمّته على السُّفُن كما في حديث أمّ حرامٍ رضي الله عنها، فهل من مشمّرٍ لهذه الصناعة؟ وقال اللّه تعالى: ﴿فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ﴾، ومعلومٌ لدى كلّ من يفهم في المتفجّرات و استعمالها أنّه هذه الآية بحق هي أساس علم الهدم بالمتفجّرات وحسبُك أنّ الرّسول صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم لم يشجّع صناعةً كما صناعة أدوات الحرب فقال صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: ((يدخل بالسّهم الواحد ثلاثة نفرٍ الجنّة؛ صانِعه المحتسب في صَنعته الخير، والرّامي به ومنبذه))، فما بالكم بمن صنّع صاروخاً أو طائرةً أو ابتكر مادّةً متفجّرةً.

ب. الإعداد الإعلامي:

إنّ معارك المجاهدين مع أعدائهم تدور اليوم على مِحورين هامّين، الأوّل هو المحور العسكري وسبق، والثاني هو محور مجابهة الإعلام الشيطاني الذي مسخ هوية الأمّة وحرّف عقيدتها وقِيَمها وأرسى دعائم التبعية و الهزيمة النّفسية، فإنّ حِمم قذائف الإعلام أكثر فتكاً و أشدّ خطراً على الأمّة و رجالها من لهيب حِمم قذائف الطّائرات. ولذا ينبغي على المجاهدين الذين وفّقهم الله لكسر شوكة أعدائهم عسكرياً أن يناضلوا على جبهةٍ أخرى هي جبهة الإعلام. ففي المسند عن أنسٍ رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: (( جاهدوا المشركين بألسنتكم)) وفيه أيضاً عن كعب بن مالكٍ عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: (( إنّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنّ ما ترمونهم به نضح النّبل)) وكان رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم يوظّف أكثر أساليب الإعلام في عصره تأثيرا وأشدّها وقعاً على نفوس أعدائه ألا وهي الشعر. روى الترمذي عن أنس ابن مالك أنّ النبيّ صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم دخل مكّة في عمر القضاء وعبد الله بنُ رواحة بين يديه يمشي و هو يقول:

خلّوا بنو الكفار عن سبيله

اليوم نضربكم على تنزيله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله

ويدير الخليل عن خليله

فقال عمر: يا ابن رواحه! بين يدي رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم، وفي حرم اللّه تقول الشعر؟ فقال له النّبي صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: ((خلّ عنه ياعُمر، فهي أسرع فيهم من نضح النّبل)). وكما فرح رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم بإسلام خالد القائد العسكري، فرح بإسلام أحد عمالقة أعلام الشُعراء، ففي المعجم الكبير للطبراني عندما جاء وفد الأنصار في بيعة العقبة قال للعبّاس: ((هل تعرِف هذين الرّجلين؟)) فلمّا انفتل قا نعم هذا البراء بن معرور سيّد قومه وهذا كعبُ بن مالك، قال كعب فواللّه ما أنسى قول رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: ((الشّاعر؟)) قال نعم، ولقد حرص رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم على إعداد شُعرائه إعداداً جيّدا فقال لحسّان : ((وآت أبا بكرٍ يعلّمك مساوئ القوم فإنّه عالمٌ بالأنساب)). وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي اللّه عنها، استأذن حسّان النّبي صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم في هجاء المشركين. قال ((فكيف بنسبي؟))، قال حسّان: لأسلنّكَ منهم كما تُسلُّ الشعرة من العجين. وكان صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم يعجبه الجيّد من الشعر فقال: ((أصدق كلمةٍ قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كلّ شيءٍ ما خلا اللّه باطل، وكاد أميّة بن أبي السّلط أن يُسلم)).

كما أنّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم اتّخذ خطيبا ينافح عن الإسلام والمسلمين هو ثابت بن قيس ابن شمّاس المبشّر بالجنّة، فلمّا جاءت بنوتميم بخطيبهم وشاعرهم قال النّبيّ صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم لثابت ابن قيس: ((قم فأجبهم))، فأجابهم، فقام الأقرع بن حابس فقال إنّ محمّداً لمؤتى لهُ واللّه، ما أدري هذا الأمر، تكلّم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولاً، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولاً، ثمّ دنا من النّبيّ صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم فقال: أشهد أن لاإله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه.

ونستطيع أن نلخِّص بعض أهداف الإعلام الإسلامي في نقاطٍ أهمّها:

أ. الذبّ عن أعراض المسلمين وعقيدتهم، قال اللّه تعالى مستثنياً من الشعراء: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ﴾ فعن ابن عبّاس أي يردّون على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين. وفي الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم قال: ((يا حسّان أجب عن رسول اللّه. اللّهم أيّده بروح القُدُس)) وعند ابن عساكر أنّ رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم قال: ((من يحمي أعراض المسلمين؟ فقال بن كعب أنا و قال بن رواحة أنا وقال حسّان أنا، قال نعم أهجهم أنت و سيعينك عليهم روح القُدُس))، وقال صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: (( إنّ اللّه يؤيّد حسّان بروح القُدُس ما يُفاخر أو يُنافح عن رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم)).

ب. رفعُ الهمّة لشباب الأمّة وخاصّة المجاهدين، ففي الصّحيح عن سلَمة بن الإكوعِ قال خرجنا مع النّبيّ عليه السّلام إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجلٌ من القوم لعامر ابن الأكوع: ألا تسمعنا من هُنيهاتك؟ قال و كان عامرُ رجُلاً شاعراً ، فنزل يحدو بالقوم.

ج. فضح أكاذيب عقائد وأخلاق الكافرين والمرتدّين وتبصير الأمّة بحقيقة زبالة حضارتهم وزيف بضاعتهم، وكبح جماح تطاولهم على المسلمين وبثّ الرّعب في نفوسهم. روى بن عبد البرّ في الإستعاب عن ابن سيرين قال: كان شُعراء المسلمين حسّان بن ثابت وعبد اللّه بن رواحة وكعب بن مالك، فكان كعبٌ يخوّفهم الحرب وعبد اللّه يعيّرهم بالكفر وحسّان يُقبل على الأنساب، قال ابن سيرين فبلغني أنّ دوساً أسلمت فرقاً من قول كعب بن مالك:

قضينا من تهامة كلّ وطر ***وخيبر ثمّ أغمدنا السيوفا

نخبرها ولو نطقت لقالت***قواطعهنّ دوسـاً أو ثقيفا

فقالت دوس إطلقوا فخذوا لأنفسكم لاينزل بكم ما نزل بثقيف.

د. نقل صورةٍ صادقة عن حقيقة المعرك التي تدور رحاها بين أبطال الملّة وأعدائهم، وتوثيق حقائق بطولات شباب الإسلام خوفاً عليها من الضياع أو سرقة تجّار الدّماء.

سادساً: الفاقة للّه والتواضع.

قال اللّه تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾، قال ابن كثير رحمه اللّه: قال ابن جُريش عن مجاهد: هذه أوّل آية نزلت من سورة برآءة يذكر اللّه تعالى فضله عليهم، وإحسانه لديهم في نصره إيّاهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم، وأنّ ذلك من عندهِ تعالى و بتأييده وتقديره، لا بعَدَدِهم ولا بِعُدَدهم، ونبّههم أنّ النّصر من عنده سواءاً قلّ الجمعُ أو كثُر، فإنّ يوم حنينٍ أعجبتهم كثرتهم ومع هذا، ما أجدى ذلك عنهم شيئاً فولّوا مدبرين إلاّ القليل منهم مع رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم.إنتهى.

قال رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: ((إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إليّ أن تواضعوا ))، قال ابن القيّم رحمه اللّه: فإنّ دوام الفقر إلى اللّه مع التخليط، خيرٌ من الصّفاءِ مع العُجب. وعند مسلمٍ عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: وما تواضع أحدٌ للّه إلاّ رفعه، وهذه الرّفعة في الدّنيا بالنّصر والظَفَرِ والذّكرِ الحسَن، وفي الآخرة بعلوِّ الدّرجة والمقام المحمود.

قال ابن بطّالٍ رحمه اللّه: قالت قائشة إنّكم لتغفلون عن أفضل عبادة؛ التواضع. قال الطبري رحه اللّه: والتواضع من المحن التي امتحن اللّه بها عباده المؤمنين، لينظر كيف طاعتهم إيّاهُ فيها، ولماعلِم تعالى من مصلحة خلقه في ذلك، في عاجل دُنياهم و آجل أخراهم، إلى قولهِ: ومنه أنّه لما دخل إلى مكّة جعل النّاسُ يقولون: هُوَ هَذَا هُوَ هَذَا، فجعل يحمي ظهره على الرّحلِ ويقول: اللّهُ أعلى وأجلّ. ثمّ قال: عن طارق بن شهاب قال لمّا قدِمَ عمرُ الشام عَرَضَتْ لهُ مخاضة فنزل عن بعيره ونزع خفّيه فأمسكهما بيده وخاض الماء ومعه بعيرُه، فقال له أبو عبيدة: لقد صنعت اليوم صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض، فصكّ في صدره وقال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، إنّكم كنتم أذلّ النّاس وأحقر النّاس فأعزّكم اللّه بالإسلام، فمهما تطلبون العزّة في غيره يذلّكم اللّه. إنتهى.

سابعاً: ذكر اللّه.

قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾، قال الطبري (وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا) يقول : وادعوا اللّه بالنّصر عليهم والظُّفَر بهم ، وأشعروا قلوبكم وألسنتكم ذكرَهُ لعلّكم تفلحون، وعنه عن قتادة قال: إفترض اللّه ذكره عند أشغل ما تكونون؛ عند الضِراب السّيُوف.إنتهى.

وللقرطبيّ كلامٌ نفيسٌ في تفسير هذه الآية قائلاً: للعُلماء في هذا الذّكر ثلاثةُ أقوال؛ الأوّل: أذكروا اللّه عندَ جزعِ قلوبِكم فإنّ ذكره يُعين على الثبات في الشّدائد. الثاني: أثبتوا بقلوبكم واذكروه بألسنتكم فإنّ القلب لا يسكُنُ عند اللّقاء ويضطرب اللّسان، فأمر بالذّكر حتى يثبُت القلبُ على اليقين ويثبُتَ اللّسانُ على الذّكر ويقول ما قال أصحابُ طالوت: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾. و هذه الحالة لاتكون إلاّ عند قوّة المعرفة واتّقاد البصيرة وهي الشجاعة المحمودة في النّاس. الثّالث: إذكروا ما عندكم من وعد اللّه لكم في ابتياعه أنفسِكم ومثابته لكم. قلت و يحتمِلُ هذا جميعا فيذكر اللّه بلسانه ويشعر قلبه الجرأة ويتذكّر ما وعده اللّه من النّصر في الدّنيا و الجنانِ في الآخرة. وقال اللّه تعالى لموسى وهارون: ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾، قال ابن كثيرٍ رحمه اللّه: والمراد أنّهما لا يفتُران في ذكرِ اللّه في حال مواجهة فرعون ليكون ذكر اللّه عوناً لهما عليه وقوّةً لهما وسلطاناً كاسراً له، كما جاء في الحديث: ((إنّ عبدي كلّ عبدي الذي يذكرني وهو مناجزٌ قرْنَه))، واعلم أنّ ذكر اللّه عند القتال يكونُ سرّاً، فقد أخرج الحاكم وصحّحه عن أبي موسى رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم كان يكره الصوت عند القتال.

ثامناً: الدّعاء

قال اللّه تعالى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ وقال سبحانه: ﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينْ﴾ وقال: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ وقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ وقال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾.

وقال صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم: ((الدّعاءُ هو العبادة))، وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه كما عند الحاكم وغيرِه: ((ليس شيئٌ أكرمَ على اللّه من الدّعاء))، وقال: ((من لم يسألِ اللّه يغضبْ عليه)). قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه اللّه: النّصر والرّزق يحصل بأسبابٍ من آكدها دعاء المؤمنين. وقال: لمّا قدّر النّصر يوم بدر وأخبر النّبيُّ صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم قبل وقوعه أصحابه بالنّصر وبمصارع القوم، كان من أسباب ذلك إستغاثة النّبيّ صلذى اللّه عليه وسلّم ودُعاؤه. إنتهى.

فهذا رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم لمّا رأى كثرة عدوّه و قوّته وقلّة أصحابه وضعفهم لجأ لمن بيده وحده النّصر؛ ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾. ففي صحيح مسلم عن الفاروق عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه قال: لمّا كان يوم بدر نظر رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم إلا المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائِةٍ وتسعة عشر رجلاً ، فاستقبل نبيّ اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم القبلة ثمّ مدّ يديه فجعل يهتف بربّه: ((اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللّهمّ آتي ما وعدتني، اللهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لاتُعبد في الأرض)) فمازال يهتف بربّه مادّاً يديه، مستقبلاً القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه. وكان يدعوا على المشركين عموماً فيقول كما في الصّحيح: ((اللّهمّ منزل الكتاب سريع الحساب، اللّهمّ اهزم الأحزاب، اللّهمّ اهزمهم وزلزلهم)). وكان يخصّ صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم أعيانهم ورؤساءهم، ففي الصّحيح عن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه قال: إستقبل النّبي صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم الكعبة فدعا على نفرٍ من قريش؛ على شبية بن ربيعة وعتبة بن ربيعة و الوليد بن عتبة و أبي جهل بن هشام، فأشهد باللّه لقد رأيتهم صرعى قد غيرتهم الشمس.

واعلم ياوليّ اللّه أنّك في موضعٍ من مواضع الإجابة، فعن سهلٍ بن سعدٍ السّاعدي أنّه قال كما في الموطّأ: ((ساعتان يُفتح لهما أبواب السّماء، وقلَّ داعٍ تُردّ عليه دعوته؛ حصرة النّداء للصلاة والصفُّ في سبيل اللّه)). فتحرّى أيها المجاهد أوقات الإجابة كساعة يوم الجمُعة وعند الآذان ونزول المطر وفي الثُلثِ الأخير من اللّيل، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه كما في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم قال: ((ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلةٍ إلى السّماء الدّنيا حتى يبقى ثُلُثُ اللّيْلِ الآخِر يقول: من يدعوني فأستجيبَ له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفرَ له؟)) وفي روايةٍ ((من ذا الذي يسترزقني فأرزُقَه، من ذا الذي يستكشف الضُرَّ فأكشفه عنه))، وإنّي لأرجو من اللّه أن لا يحرمنا الإجابة خاصّةً وقد ظلمنا القريبُ و البعيد واجتمعت الدّنيا على حربنا، وإليكم بشرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائلاً لمُعاذ: ((واتّقي دعوة المظلوم فإنّه ليس بينه و بين اللّه حجاب)) وهذا نبيٌّ مظلوم كُذٍّب فدعا ، فكيف كانت الإجابة؟. قال اللّه تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ* فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ* وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾.

ثمّ اعلم أيّها المجاهد أنّ من مسالك النّصر وُجود الضّعفاء في صفوفنا، ودُعاؤهم لنا ففي الصّحيح عن ابن عبّاسٍ قال: ((أخبرني أبو سُفيان قال: قال لي قيصر سألتك أشرافُ النّاس اتّبعوه أم ضُعفاؤهم فزعمتَ ضُعفاؤهم، وهم أتباع الرُّسُل)) وقال لسعدٍ رضي اللّه عنه: ((وهل تُنصرون وتُرزقون إلاّ بِضُعفائكم؟!)) فبيّن الحديث أنّ الحثُّ على الإعتناء بالضّعفاء من المجاهدين وغيرهم من النّساء والأطفال والشيوخ، لأنّهم في الغالب أشدُّ إخلاصاً في الدّعاء وأكثر خُشُوعاً وأكثرُ حاجةً وافتقاراً إلى اللّه.

وفي الختام أذكّر بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وبقوله: ﴿وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾، وبقوله: ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾، وبقوله: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، وبقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾، فهذه هي مسالك النّصر في كتاب اللّه عضُّوا عليها بالنُّواجذ.

وأخيراً، والسَّبب الذي لأجله جاءت هذه الكلمة؛ أنّ العدوّ أعلنَ وإن كان كاذبا، أنُّ عدد قتلاهُ في العراق بلغ أربعة آلاف قتيلاً، ويجدُر بنا أن نحتفل بهذه المناسبة على طريقتنا الخاصّة ونُشرِك المخذول بوش في هذا الإحتفال، فنناشدُ أحبابنا أبطال الدّولة أن تقوم كلُّ مفرزةٍ بتقديم رأس أمريكي هديّةً للدّجَّال بوش وبأيّ وسيلة تراها المفرزةُ مناسبةً لها، إضافةً إلى خادمٍ وعبدٍ حقير ومُراسلٍ ذليل من مرتدّي الصحوات في مدّة أقصاها شهر من تاريخ علم المفرزة بها، على أن نهب ثواب هذا العمل إلى من قُتِلوا ظُلماً وعُدواناً من عوامّ المُسلمين في الزنجيلي وبعقوبة ودويليبة وغيرها. قال النّبيّ صلّـﮯ اللّه عليه وسلّم لعمْر بن العاص: (( لو أقرّ أبوك بالتّوحيد فصُمْتَ عنه أو تصدّقت نَفَعَهُ ذلك))، ولتكن هذه الغزوة باسم: "غَزْوَةُ البِر"، وإنّا لنرجوا من الرّحمٰن الرّحيم أن يغفر لأهلنا، وخاصّة أولئك الذين لم يكونوا في صفّ المجاهدين، والذين لاشكّ ماتوا على كبيرةٍ عظيمة، وتركوا فرضاً قد تعيّن عليهم، ونسأل اللّه أن يهدي عُموم المسلمين ويرُدّهم إلى راية الحقّ و الدّين، واللّهُ غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون.



أخوكم أبو حمزة المهاجر.



منقول