المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جدب الاستراتيجية في العقلية الشرقية المعاصرة



محمد رشيد
05-07-2008, 02:04 AM
جدب الاستراتيجية في العقلية الشرقية المعاصرة


دائما ما دعوت إلى نظرة أكثر شمولية للممارسات و الطباع البشرية بل وغير البشرية كجزء من البيئة و الأرض . إن الإنسان هو جزء من البيئة ورغم كون صفته الاكتسابية المرنة –على تفاوتها – تجعله أكثر تقبلا للتغير إلا أنها كانت كذلك أكثر منطقية لجعله أكثر تقبلا للاستقرار و التكيف مع البيئة المحيطة .

تعلمت من خلال دراساتي وتدريبي في مجال الأعمال ضرورة التخطيط طويل المدى (التخطيط الاستراتيجي ) الذي يعد الهيكل أو الوعاء الشامل لمحتويات التخطيط قصير المدى (التخطيط التكتيكي) والذي يعد محتويات الممارسات والإجراءات الوقتية العاجلة ، والتي تؤدي في مجموعها إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية ، والتي تم تحديدها في التخطيط الاستراتيجي مسبقا .
لكني دائما كنت أرفض أن أكون قاصرا سطحي المأخذ كما هو حال أغلب الدارسين لمجال الأعمال كدراسة تنفيذية اقتصادية بحتة لتضخيم هامش الربح أو الحصة التسويقية ؛ فكنت انظر في كافة الإجراءات التخطيطية والعقلية إلى البعد الإنساني الاجتماعي المتكامل منها وليس فقط البعد الربحي منها المتمثل في ممارسات أغلب الشركات الاستثمارية . فكنت أتعجب من ترسخ ثقافة التخطيط الآني الوقتي الذي نمارسه في المنطقة الشرقية ؛ فرجل الأعمال يخطط للربح من الصفقات الحالية دون رسم سياسة منهجية واضحة طويلة المدى . فالحلول الخدمية لمشكلات المواصلات تعكس نظرة قاصرة على الحالة الراهنة أو مظهر المشكلة لا جذورها من حيث التكتل السكاني سريع التشبع وسوء توزيع الكثافة السكانية والتي لن تجدي معها أية حلول وقتية من خلال وسائل المواصلات الخاصة أو العامة حيث المشكلة تكمن بصورة أكبر بالكثافة لا الوسائل .
وهكذا ـ تبني التفكير الوقتي ـ متحقق على كافة الأصعدة حتى صعيد كرة القدم فعلى الرغم من شعبية كرة القدم لدينا في مصر والوطن العربي فالذي أعرفه أن أي من الفرق العربية ليس له مشاركة على المستوى العالمي ولا يحلمون بالحصول على كأس العالم . أخبرني والدي رحمه الله عن سر ذلك يوما فقال : ” لو نظرت إلى الفريق الأجنبي ستلحظ أنه متوزع بهدوء في الملعب ولديه خطة ويضع كامل اعتماده عليها أما الاعب المصري فإنه يعتمد على الحرفنة التي يتقنها ” ولكن هل يضع اللاعب الغربي نفسه في هذا الموقف ؟

وهذا هو السر أو جواب السؤال : نحن لدينا أذكياء كثيرون ولدينا طاقات تحولية رهيبة فلماذا نحن في بلادنا بذلك التخلف التقني و العلمي ؟؟

الجواب : إنها العقلية قبل العقل إنه العلم قبل الذكاء

ربما قليل من العقل يجدي مع عقلية موجهة ومخططة ، وربما قليل من الذكاء يجدي مع توفر البيئة العلمية الراقية . ولا يجدي العقل الباهر اللامع مع غياب العقلية ، كما لايجدي الذكاء النادر مع غياب العلم .

إن التخطيط اللحظي قصير المدى التكتيكي لدينا رائع جدا ولكن أنى يفيد دون توجيه ؟

احترافية اللاعب الشرقي على المسافة القصيرة لا يختلف عن احترافية الطالب الثانوي المتخرج حينما يبدأ في تكتيكات استغلال ما حصل عليه من مجموع المرحلة الثانوية في الالتحاق بأفضل كلية وجامعة يسمح بها مجموع درجاته ؛ فقد تصرّف أسير اللحظة ؛ والتحق بالكلية التي سمح بها مجموع درجاته وكان ينبغي أن يسأل نفسه :

من أنا؟ ما هي قيمي الخاصة ؟
ماهي رسالتي ودوري في المجتمع ؟

فربما كان الجواب يقتضي ألا يداخل الجامعة من الأصل ؛ نعم إنه غياب الرؤية الأبعد طويلة المدى ، تلك الخطة المحتوية للأهداف الاستراتيجية .

هذا على خلاف التوجه الغربي الذي يكون أكثر قبولا لثقافة التخطيط طويل المدى وأكثر جرأة على الاستغناء في المبهرات والفرص المغرية الوقتية طالما كانت لا تتناسب والمرامي بعيدة المدى للفرد . فرغم ارتقاء مستوى التعليم الجامعي بالولايات المتحدة الامريكية ـ مثلا ـ ونصيبه السعيد من اهتمام إدارة الدولة ، إلا أن النسبة المئوية من الجامعيين بالولايات المتحدة الأمريكية ضئيلة إذا ما قورنت بنظيرتها في مصر مثلا ؛ ذلك أن قرار دخول الجامعة لدى الشاب الامريكي تحكمه النظرة الشخصية للشاب خلال الجواب على سؤال :

هل أحتاج إلى دخول الكلية أم لا ؟
وغالبا ما تكون الاجابة : لا أحتاج إلى ذلك .
فيكون القرار بكل بساطة : لن أدرس بالكلية .
أما في بلادنا فالانتساب إلى الدراسة بالكلية أمر مقدس بغض النظر عن الاحتياج الحقيقي له ، ويعتبر غير المتخرج بمؤهل عال على خلاف الأصل المعهود والمقبول اجتماعيا . وغالبا لا تقبله للزواج فتاة عامية بسيطة العقلية أو فاقدتها ـ وتمثل القاعدة الغالبية ـ .

إن التخطيط الاستراتيجي يقلب الموازين بالنظر إلى النتائج فأغلب رواد مؤسسات الأعمال العالمية ليسوا حاصلين على شهادات أكاديمية ، والطريف في الأمر أن يبرز في ذلك مؤسسوا الشركات التي تدور أنشطتها الرئيسية حول التكنولوجيا المعاصرة ولغة التقنية الرقمية ؛ فعملاقة البرمجة العالمية مايكروسوفت مديرها ومؤسسها بل جيتس حاصل على الثانوية ولم يحصل على الشهادة الجامعية في الرياضيات من هارفرد ، ومثله مايكل دل مؤسس شركة دل الرائدة في الحاسب الآلي .

Kroc مؤسس ماكدونالدز ـ السلسلة الناجحة عالميا ـ معه شهادة الثانوية ومن الطريف أنه أنشأ جامعة هامبرجر لتعيين الخريجين منها بعد تعليمهم ، والأطرف من ذلك أنه تم اعتماد 6 من المواد الدراسية لتلك الجامعة فلا يعيد المتخرج دراستها بأية جامعة أمريكية أخرى لو رغب بالانتساب ، وربما اعتمدت الآن بصورة شاملة .

إن التخطيط الاستراتيجي ضرورة حتمية ، كشخص يسير في طريق محددا وجهته أولا ثم ينظر أين يضع قدمه فالنظر للجهة وتحديدها هو بمثابة وضع الاستراتيجية أما النظر تحت القدم ليضعها في مكان صحيح وآمن فهو بمثابة وضع التكتيك .
فماذا يفعل شخص ينظر فقط أين يضع قدمه حال السير ولا يحدد الوجهة ؟ هو تماما حال من يضع التكتيك ولا يضع الاستراتيجية

كيف تضع الاستراتيجية ؟

ينبغي القارئ الكريم أن تعلم أولا أن الأهداف الاستراتيجية هي محصلة حياتك أي هي النتائج التي ستنتجها ممارستك الكاملة في حياتك الدنيا وهي إذا ما سيسألك الله عنه – إضافة إلى ممارساتك الجزئية التكتيكية – وهو مصداق قوله تعالى : ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون “فيكون ما تود أن تحدده من أهدافك الاستراتيجية هو ماتود أن تلقى به الله جل وعلا .وعليه ، وحتى تستطيع أن تحدد استراتيجتك ، فأسأل نفسك الأسئلة التالية :

من أنا ؟
ما هي قدراتي ؟
ما الذي أود أن أقابل به الله جل وعلا؟
ما هي قيمي وميولي ومدى توافقها مع قدراتي ؟

بتكرار وطرح تلك الأسئلة فترة من الزمان معقولة – بشرط المواصلة – فسوف تستطيع أن تحدد :


من أنت
ما هي الأهداف العريضة المطلوبة منك في ذلك المجتمع

وهنا ، وبعد أن حددت أهدافك النهائية والعريضة ، جهز قطع الأوراق الصغيرة لتجهيز خططك الجزئية التكتيكية ، والتي تخدم وتسير باتجاه الأهداف الاستراتيجية الموضوعة مسبقا . انظر أمامك إلى مرمى طريقك ، ثم انظر أين تضع قدمك .