المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإسلام والكونفوشوسية وتأملات دركر



محمد رشيد
05-09-2008, 06:22 PM
نعم ، إن دعاوى إصلاح المجتمع فقط لأجل المجتمع يؤدي إلى التخلي عن إصلاح المجتمع . تلك حقيقة لا مجال لإنكارها على أرض الواقع ، فلا يمكن تصور هذا الذي يحب الناس والمجتمع ويريد أن يصل به إلى أعلى درجات الكمال والرفاهية والسعادة ، هل هذا ممكن ؟ نعم ، إنه ممكن على طريقة المذيعة التلفزيونية ذات الابتسامة الصفراء ، والتي تخبرنا بتمنياتها لنا بكامل السعادة والهناء في مشاهدة المسلسل التلفزيوني الذي تقدمه ، وها أنا ابادلها الابتسامة الصفراء البلهاء وأقول لها ( شكرا على منحك السعادة الاجتماعية لنا )
كم من القارئين الآن لا يصدقون مصطلحات مثل : " الإصلاح الإجتماعي " ,," مصلح إجتماعي " ....؟
لعل الأغلبية الساحقة من القراء لا تولي اهتماما يذكر لهذه المصطلحات ، إلا بعض الحالمين الورديين الذين لم يغالبوا الحياة بعد . نعم ، فهؤلاء القلة هم ( الزبائن ) و ( اللقطاء) لأصحاب الابتسامات الصفراء والمدعين لتطلعاتهم ( الجميلة ) لعمليات الإصلاح الاجتماعي والذين يخبرونا عن كون نواياهم الحقيقية وراء ممارساتهم الإصلاحية منبعها هو حبهم للإنسان والمجتمع ورغبتهم الجامحة في أن يروا المجتمعات كلها سعيدة وبصحة جيدة وتشرب المشروبات الغازية في الجو الحار ، وتشم الأزهار في الربيع و الحب يملأ القلوب ( والعيد فرحة وأجمل فرحة ).
إن بلاهة ذلك وعدم منطقيته تكاد تكون بديهية متبادرة لأصحاب الحد الأدنى من المستوى الفكري ، والابتسامات الصفراء لو خفيت على المنطق والمعادلات ، فإنها لا تخفى على الإنسان متعلما كان أو أميا ، راقيا كان أو متخلفا . وحقيقة فقد تعجبت حين اطلاعي على كثير من المذاهب والتوجهات الاجتماعية المختلفة للعديد من القواد وأصحاب الفكر الاجتماعي المستقل والإصلاحي ؛ من كثير الصراعات الفكرية والدعوات حول الأهداف – الحقيقية – والغايات من وراء تلك الدعوات الإصلاحية . فرغم اطلاعي على الدعوات الإصلاحية والفلسفية العديدة لعديد من المفكرين و ( الإصلاحيين ) كنت أتساءل وأطرح سؤالا : ما هي أهدافهم من وراء تلك الدعوات الإصلاحية والتحمل في سبيلها ؟ ربما يقال : هدفهم هو إصلاح المجتمع : فأتساءل مرة أخرى – ولي كل الحق- : وما هدفهم من إصلاح المجتمع ؟ فلو أجابني أحدهم :" الهدف من إصلاح المجتمع هو إصلاح المجتمع "
فهنا ربما أنصحه ألا يدمن البرامج التليفزيونية المقدمة للأطفال .

إن لكل مصلح إجتماعي – قطعا- ما هو أعظم من المجتمع ؛ ذلك الذي يدفعه إلى إصلاح المجتمع . أما أن يكون المجتمع – أو إصلاحه – هو الدافع لعملية الإصلاح فهو جواب أتفه من أن يلتفت إليه ؛ ذلك أن الإنسان مجهول ومفطور على إرضاء نفسه وشهواته وأن ينتزع ما يرضيه من يد الغير ، وإنما يتم تهذيب تلك الغرائز الإنسانية من خلال تعاليم وإرشادات هي أقرب إلى الإلزام منها إلى الطلب أو النصيحة ، وطالما قد تحقق عنصر ( الإلزام ) فلابد أن يكون المصدر لذلك الإلزام هو قوة عليا قادرة ومؤهلة لأن تصدر ذلك الإلزام وينصاع له الناس ، أما العلاقة المجردة بين الفرد والمجتمع فلعل الغالب منها هي علاقة الثأر أكثر منها علاقة الجميل والإحسان . هذا إن أردنا الواقع والحقيقة دون التغرير بالنفس الساذجة.
هل ثمة تشكك مما ذكرت ؟ يغلب على ظني أن أغلب القراء هم ( واقعيون) – براجماتيون- يؤمنون بما يثبته الواقع أليس كذلك ؟
نعم أظن . لنطلع إذا على الواقع .
نعم ، إن عمليات الإصلاح الاجتماعي تتطلب وجود ( قوة عليا) تفرض أحكامها وإلزاماتها على الشعوب ، وبقدر التزام الشعوب الإصلاح الاجتماعي ( الفعلي) والمبادئ الأخلاقية في ممارساتها ويومياتها بقدر ما نجد صفة ( العلو ) و( القوة العليا ) في معتقدات أو حتى ثقافة تلك الشعوب ، فبحسب قرب وبعد الشعوب من تبني مفهوم ( القوة العليا ) يكون تمسك الشعوب الفعلي بالعمليات الإصلاحية الاجتماعية .


يتبع

محمد رشيد
05-10-2008, 09:28 AM
من الأعمال إلى الثقافات والمعتقدات
قبل فترة وجيزة كان اهتمامي منصبا في تقنيات ممارسة الأعمال Business وبالتحديد في مجال التسويق Marketing فربما كانت تظهر لي دولة ( الهند ) بصورة متكررة ، وما كنت أتصادف مع اسم ذلك البلد قبل ذلك التخصص ـ الأعمال Business - لعدم حضورها السياسي الواضح والمعتبر إلا من خلال تلك المناوشات واستعراض القوى ( مع الباكستان ) . لماذا ؟ لكون الهند هي من أكثر الدول التي فتحت بلادها للاستثمارات الأجنبية متعددة الصور ، وأشهر تلك الصور عقود الفرانشيز Franchise فترى الهند مليئة بمحلات مطاعم كنتاكي وماكدونلز . نعم فتحت الهند أسواقها ، وتلقت المدخلات الخبراتية الجديدة من الولايات المتحدة الأمريكية كذلك تلقت ( اليابان ) مدخلاتها الجديدة من الولايات المتحدة الأمريكية – الإدارة – بعد الحرب العالمية الثانية وفتحت أسواقها – نسبيا – كذلك للولايات المتحدة وأوروبا وبالأخص الأولى ، ولكن لم تصادفني اليابان خلال دراساتي للأعمال مثلما صادفتني ( الهند) نعم ، إن المعرفة حول اليابان لايمكن أن تتأتى ـ فقط - من خلال دراسات الأعمال كما هو الحال مع الهند ، إنها تحتاج إلى دراسات تاريخية ، اقتصادية ، سياسية ، ثقافية عميقة .
بالنظر إلى دولة اليابان وتاريخها بعد الحرب العالمية الثانية نجد أنها – بالفعل- قد استفادت من الولايات المتحدة الأمريكية ، إداريا وتقنيا ، ويكفي أن نعلم أن صناعة السيارات هي أمريكية المولد من خلال العملاقين فرود وجنرال موتورز ، ثم احتلتها اليابان أو على الأقل استولت على العديد من مناطقها الوسعة ، وكذلك الناسخة أو الطابعة ، هي أمريكية المولد وقد احتلتها اليابان بالكلية . وقد استفادت بالفعل اليابان من التقنية الإدارية والصناعية بالولايات المتحدة المريكية ولكن السؤال هنا : ما هو الفارق تحديدا بين اليابان والهند مع استفادة كل منهما من الولايات المتحدة ؟

الجواب: إن اليابان نقلت (التقنية الإدارية ) إلى بلدانها وقد رسخت ثقافتها ، فاستعملت الإدارة ـ تلك الأداة المرنة ـ كوسيلة مطاطة يمكن استعمالها مع كافة المجتمعات على تقنايتها الواسعة ، أما الهند ، فإنها جاهدت لنسخ الثقافة الأمريكية بعد أن تهاونت بثقافتها الداخلية وانبهرت بالتقدم والثقافة الأمريكية ، ولم يكن لليابان نصيب من ذلك الانبهار . وعلى الرغم من تقدم الهنود في مجال برمجة السوفت وير فإنك تلحظ ضعف شخصية الهندي العامل ، سواء في البلدان الغربية أو الشرقية أو العربية ، وتلحظ محاولتهم محاكاة الغربيين في سلوكهم ولغتهم وعاداتهم ، على الخلاف في ذلك من شخصية الياباني ، فإنه – وعلى الرغم من سفره للولايات المتحدة الأمريكية لتعلم التقنيات فإنه يتفاخر بنسبته اليابانية وبوطنه الياباني ، ويتعمد إظهار اختلافه عن المجتمع المهاجر إليه بتمسكه بعادات وطنه اليابان .
إن الأمر إذا لايمكن تناوله من منظور الأعمال مجردا ، بل إنني أنتقل بالاختلاف السطحي إلى تجذيره في العمق ؛ عمق الثقافاة والمعتقدات .
لماذا اليابان ؟
إن ما ندور حوله دائما وفي مطلع المقال هو ارتباط ممارسات الإصلاح الاجتماعي بما هو بعد الحياة الدنيا ، وأن المحور في ذلك هو وجود قوة عليا تدعونا إلى الإصلاح الاجتماعي و( تصبرنا ) على ما نعانيه أثناء ممارساتنا الإصلاحية ، لكن ما أريد الوصول إليه من خلال تناولي لليابان هو أن الشعوب والمفكرين المتنورين – حقا – والصرحاء مع أنفسهم ومع المجتمع الذي يعملون على إصلاحه ، هم دائما في بحث عن تلك القوة العليا ؛ فحينما تمسكت اليابان بقيودها في التعامل مع الثقافة الغربية الأمريكية كان ذلك لتمسكها بتقاليدها وعاداتها ( الكونفوشيوسية ) وهي عادات – لا يمكنني أن اطلق عليها عقيدة – متأصلة متجذرة ، فيها العديد من المباديء الحميدة ، والتي تدور حول محاور التعامل مع الأسرة والمجتمع واحترام الغير وعدم الجشع والإقدام على فعل كل ما هو فعال وإيجابي وترك الأمنيات المجردة عن الفعل . إن تلك المبادئ اليابانية ـ والتي اقتربت من أن تكون عقائدية ـ يرى فيها اليابانيون تناقضا مع ممارسات ومبادئ الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي تعكس روح دولة إمبريالية توسعية تسعى لفرض سيطرتها الاقتصادية دون أدنى قيود أو مبادئ.
إن المبادئ اليابانية ( الكونفوشيوسية ) يرى عالم البيئة الاجتماعي / بيتر دركر Beter Drucker أنها ضرورية للإدارة والمجتمع المؤسسات كمبادئ ، هذا إلى جوار العقيدة الراسخة اليهودية المسيحية في وجود إله واحد نعمل من أجل ما يمنحنا في الحياة الآخرة .
حقيقة ، لا يمكنني إخفاء تقديري لعقلية بيتر دركر الاجتماعية والتحليلية ، ويمكنني القول تقريبا إنه أقرب العقليات والتوجهات التي قابلتها إلى العقلية التي أومن باستعمالها تجاه البيئة الاجتماعية ، والتوجهات التي أسلكها في تحليل تلك البيئة ، لكني كذلك لا يمكنني أن أخفي ما أدركته يقينا – من خلال إدماني لما صنفه وصنف عنه – من وقوعه في تخبط البحث عن القوة العليا التي لابد أن تعمل الإدارة من أجلها وتحت سيطرتها في ظل الإيمان بها ، فمن خلال قراءاتي له وعنه يظهر لي أنه تحول عن ديانته الأصلية ( اليهودية ) إلى النصرانية ( الكاثولكية ) غالبا ، يظهر ذلك من خلال المسحة الدينية الواضحة في كتاباته ، واهتماماته ( الزائدة) بالحديث عن ( الكنائس الدعوية ) وما يقال من أنه بعدما كبر ـ حيث توفى عن عمر 96 عاما إلا أشهر قليلة ـ وظف وقته للاستشارات الخيرية للكنيسة ، أو ربما يكون مؤمنا كما هو الظاهر بعقيدة مسيحية يهودية مشتركة مع الأخذ في الاعتبار أنه كان من المحافظين . فيظهر للمدقق والمحلل أنه يحاول جاهدا أن يوجد حزمة من العقائد والأخلاق التي تقنع بها الذات البشرية في أثناء ممارساتها الإصلاحية النقدية الاجتماعية .

يتبع

محمد رشيد
05-10-2008, 03:48 PM
هل اطلع على قانون الإسلام ؟
من خلال مطلعاتي إلى تأملات ومحاولات دركر والتي تبدو مستميتة في البحث عن القوة العليا والغايا الأسمى ، أجده يقترب – حقا – شيئا كثيرا من قانون الإسلام ؛ وهذه طبيعة البحث الجاد و( الصادق) حيث إن دركر يتبين – لمن يجرد مصنفاته – إنصافه وحديثه في البحث عن النظام الاجتماعي الراسخ ، فأثبت الحياة الآخرة وضرورة الارتباط بالآخرة من خلال ثوابته المسيحية اليهودية والمؤمنة بالبعث ، ثم أثبتت النظام الاجتماعي الخاص بالتعامل مع الأفراد وسلوك الإنجاز للمهام من خلال الكونفوشيوسية اليابانية ، كل ذلك في خلال بحثه عن تلك ( الحزمة ) التي تؤدي ما يرنو إليه من الاستقرار والإصلاح الاجتماعيين . والسؤال هنا : لماذا لم يتناول العقائد والسلوك كليهما من مصدر واحد ؟ الجواب : لأنه لم يتناول الإسلام بذات التحليل . ذاك هو ما أكاد أجزم به من خلال تتبعي وقراءاتي لبيتر دركر .

ولايمكنني أن أجد مبررا لعدم التحليل للإسلام ومبادئه وسلوكه من خلال شخص دركر ؛ فأنا أستبعد كونه لم يطلع ولم يسبر تلك المبادئ والسلوك ، لكن بأي منهجية بحثية تم تناولها ؟ هل بما ينعكس عن المسلمين من أحوال سياسية واقتصادية متأخرة ، بل منتكسة ؟ ربما.

ما أشبه المجريات اليابانية الواقعة بما ينبغي أن نكون عليه في دولتنا الإسلامية . نعم ، إن اليابان يتجسد بها انعكاس ثقافتها وتقاليدها على قراراتها السياسية و الاقتصادية ويتبين ذلك حتى لغير المثقفين من خلال منعها استيراد الأرز الأمريكية ذي الجودة الأعلى وإلزامها بالاستهلاك للأرز المحلي الياباني ذي الجودة المتدينة ؛ حفاظا على ( قوتها ) أن يكون بيد غيرها ، فضلا عن أن يكون بيد أعدائها .

عوامل التفوق تتمركز بالشرق
اليابان دولة شرقية ، ولكن ، لم يسترع تفوقها ـ للأسف - الانتباه من قبل دول الشرق لتكسر من خلال ذلك تلك الثقافة الشعبية التي احتلت العقول والقلوب قبلها بأن عوامل النجاح إنما هي غربية ، وأن كل التخلف لنا نحن الشرق بل اعتبرت اليابان استثناءا ، وهكذا استمررنا في المنظومة الانهزامية ، فلما درسنا عوامل التفوق اليابانية نظرنا إلى العوامل اليابانية خاصة ، من معتقدات ومبادئ والتقاليد ، ولم ننظرإلى جوهر نجاح تلك العادات والمبادئ وسر تفوقها فقد نظرنا إليها على أنها نجحت لأنها يابانية ولم ننظر على أن نجاحها هو لسر فيها ، وأن كون اليابان قد تبنت تلك المبادئ والتقاليد ونجحت بها هو غير مؤثر بذاته بل المؤثر هو تلك الصفة في تلك المبادئ ، والتي جعلت منها قواعد للتفوق .

إن وحدة التفوق متحققة – فعليا- في الشرق وهي العقائد والمناهج والمبادئ الإسلامية ، لكن الفرق بينها وبين اليابان ليس في جوهر مبادئها ، بل لكونها قد طبقت بالفعل ما لديها من مبادئ والتي جزء كبير منها هو على صواب بل من صلب ما تدعو إليه الشريعة الإسلامية .

نعم إن اليابان لا ينبغي أن ندرسها كحالة استثنائية ، و لا ينبغي أن نعتبر نجاحها ( يابانيا ) بل من الممكن أن نعتبره ( شرقيا ) بمعنى أن ( الإسلام ) هو محور الديانة الشرقية أو يحتل بها مكانة عظيمة ولو في النفوس بحيث لا يوازيها التطبيق . يجب على الكوادر الراغبة في الإصلاح من الشرقيين أن يبحثوا في عوامل التفوق الحقيقية ، والتي جزء منها كان سببا في تفوق اليابان وليست عوامل النجاح هي يابانية ، وإنما تفوقت – أي اليابان – لأنها التزمت تطبيق جزء من رواسخ شرقية هي غير مطبقة بالشرق الأوسط العربي ، وكونها ـ كذلك - عوامل للنجاح ليس لشرقيتها ، وإنما لإسلاميتها ؛ حيث إنها تشريع أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من فوق العرش ، من لدن حكيم خبير .