المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المعتزلة والعلمانية ... معًا على الطريق



مسلمة84
07-24-2008, 01:00 PM
المعتزلة والعلمانية ... معًا على الطريق
سمير السيد
موقع لواء الشريعة

23 - 7 - 2008


ربما لم يدر في خلد المعتزلة وهم يلملمون أوراقهم عقب تولي المتوكل للخلافة أن الزمن سيدور دورته وينبعث قوم يحتفون بهم أيما احتفاء، ويضعونهم على قمة الهرم الفكري.



فالفكر العلماني في العصر الحديث ( وخاصة في نسخته الليبرالية ) مازال يحتفي بالفكر الاعتزالي والمعتزلة باعتبارهم المدرسة العقلية الوحيدة بين المدارس الكلامية التي تشكلت منذ الدولة الأموية واستوت على عودها في ظل الدولة العباسية.



نظر العلمانيون المحدثون إلى المعتزلة نظرة تقديس وإجلال؛ لأنهم أعلوا من شأن العقل في مواجهة النص، بل لم يتورعوا عن الإعراض عن النص صفحًا إذا ما تعارض في ظاهره مع العقل.



واستخدموا آلية التأويل لتفريغ النصوص من مضامينها وتحويلها إلى مجرد كلامات لا معنى لها كما فعلوا مع آيات الأسماء والصفات، وهو ذات النهج والخط الذي يسير فيه العلمانيون المحدثون في محاولتهم الدءوب في تفريغ النصوص من مضامينها وتحويل الإسلام إلى رسوم ونصوص دون مضمون وتطبيق، ومن ثم يقتصر دوره على الشعائر والعبادات وينحصر في الزوايا والتكايا!



لم يحترم العلمانيون النصوص الشرعية ولم يقفوا عند دلالتها، بل تجرءوا عليها بالتحريف والتأويل والتعامل مع النص وكأنه من أقوال البشر، وتحت دعاوى إعادة قراءة النص وأنه لا بد من تعدد قراءات النص الواحد كتبوا الكثير؛ لكي يفسر كل واحد منهم النص على ما يريده ويهواه لا يرجع في ذلك إلى أي ضابط ولا يعترف بأي عالم، فأصبح كلٌ يستطيع تفسير النص.



وردوا السنة الصريحة؛ لأنها لا توافق عقولهم الفاسدة، وقسموا السنة إلى سنة تشريعية وسنة غير تشريعية وهؤلاء جهلة بالنصوص الشرعية وكيفية التعامل معها واستنباط الأحكام منها، فمن المسلمات لدينا أنه لا بد من فهم النص على حسب فهم السلف فهم الذين عايشوا التنزيل وصاحبوا الرسول – صلى الله عليه وسلم - وأخذوا عنه وبين لهم، فأي فهم للنص خارج فهمهم فهو أمر مرفوض، والذي يسوغ له الحديث في أمور الدين وفقه النصوص هم أهل العلم الذين أمرنا الله بالرد إليهم والصدور عن كلامهم.



لكن هؤلاء قالوا: دعونا نقرأ النص ونفهمه حسب الواقع والعصر الذي نعيش فيه بعيدًا عن أي مؤثر آخر، وهذا التوجه ضلال عظيم ولعب بالشريعة من أناس جهلة لا يقدِّرون قيمة النص ولا يفقهون في طرق الاستدلال ولا منهج التعامل مع النصوص، وضوابط ذلك فلا يعرفون العام والخاص ولا المطلق والمقيد ولا المجمل والمبين ولا الناسخ والمنسوخ ولا العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولا يدركون شيئًَا من ذلك ومع هذا يقولون: لا بد من تعدد قراءة النص وفهمه على ما نريد.


أما المعتزلة فقد اشتهروا بأصولهم الخمسة وهي:
1 - التوحيد: ويعنون به إثبات وحدانيته – سبحانه - ونفي المثل عنه، وأدرجوا تحته نفي صفات الله سبحانه، فهم لا يصفون الله إلا بالسلب، فيقولون عن الله: لا جوهر ولا عرض ولا طويل ولا عريض ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ولا بذي حرارة ولا برودة .. الخ.

أما الصفات الثبوتية كالعلم والقدرة فينفونها عن الله - سبحانه - تحت حجة أن في إثباتها إثبات لقدمها، وإثبات قدمها إثبات لقديم غير الله، قالوا: ولو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف لشاركته في الألوهية، فكان التوحيد عندهم مقتضيًا نفي الصفات.



2- العدل: ويعنون به قياس أحكام الله – سبحانه - على ما يقتضيه العقل والحكمة، وبناء على ذلك نفوا أمورًا وأوجبوا أخرى، فنفوا أن يكون الله خالقًا لأفعال عباده، وقالوا: إن العباد هم الخالقون لأفعال أنفسهم إن خيرًا وإن شرًّا.

قال أبو محمد ابن حزم: " قالت المعتزلة بأسرها - حاشا ضرار بن عبد الله الغطفاني الكوفي ومن وافقه كحفص الفرد وكلثوم وأصحابه -: إن جميع أفعال العباد من حركاتهم وسكونهم في أقوالهم وأفعالهم وعقودهم لم يخلقها الله - عز وجل -".

وأوجبوا على الخالق - سبحانه - فعل الأصلح لعباده، قال الشهرستاني:" اتفقوا - أي المعتزلة - على أن الله - تعالى - لا يفعل إلا الصلاح والخير، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد، وأما الأصلح واللطف ففي وجوبه عندهم خلاف وسموا هذا النمط عدلاً ".

وقالوا أيضًا بأن العقل مستقل بالتحسين والتقبيح، فما حسَّنه العقل كان حسنًا، وما قبَّحه كان قبيحًا، وأوجبوا الثواب على فعل ما استحسنه العقل، والعقاب على فعل ما استقبحه.



3- المنزلة بين المنزلتين: وهذا الأصل يوضح حكم الفاسق في الدنيا عند المعتزلة، وهي المسألة التي اختلف فيها واصل بن عطاء مع الحسن البصري؛ إذ يعتقد المعتزلة أن الفاسق في الدنيا لا يسمى مؤمنًا بوجه من الوجوه، ولا يسمى كافرًا بل هو في منزلةٍ بين هاتين المنزلتين، فإن تاب رجع إلى إيمانه، وإن مات مصرًّا على فسقه كان من المخلَّدين في عذاب جهنم.



4- الوعد والوعيد: والمقصود به إنفاذ الوعيد في الآخرة على أصحاب الكبائر، وأن الله لا يقبل فيهم شفاعة، ولا يُخرج أحدًا منهم من النار، فهم كفار خارجون عن الملة مخلدون في نار جهنم.

قال الشهرستاني:" واتفقوا - أي المعتزلة - على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعةٍ وتوبةٍ استحق الثواب والعوض، وإذا خرج من غير توبةٍ عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار وسموا هذا النمط وعدًا ووعيدًا ".



5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذا الأصل يوضح موقف المعتزلة من أصحاب الكبائر سواء أكانوا حكامًا أم محكومين؛ قال الأشعري في المقالات :" وأجمعت المعتزلة إلا الأصم على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإمكان والقدرة باللسان واليد والسيف كيف قدروا على ذلك" فهم يرون قتال أئمة الجور لمجرد فسقهم، ووجوب الخروج عليهم عند القدرة على ذلك وغلبة الظن بحصول الغلبة وإزالة المنكر.
هذه هي أصول المعتزلة الخمسة التي اتفقوا عليها، وهناك عقائد أخرى للمعتزلة منها ما هو محل اتفاق بينهم، ومنها ما اختلفوا فيه.



والحق يقال أن كلاًّ من المعتزلة والعلمانية رغم تشابههم في بعض الجوانب إلا أنهم اختلفوا في جانب مهم وهو الهدف الذي يسعى إليه كل فريق، فالمعتزلة - رغم ضلالهم - كانوا يظنون أنهم ينصرون الإسلام ويعلون رايته، أما العلمانيون فهدفهم المعلن والمخفي هو هدم الإسلام وتقويض أركانه.



ولكن المعتزلة والعلمانية رغم إعلائهم لقيمة العقل ومناداتهم بالحرية الإنسانية، إلا أن الفريقين قد سارا سويًّا جنبًا إلى جنبٍ على ذات الطريق، طريق مصادرة الحريات!



فالمعتزلة وفي أول تجربةٍ لهم وهم في موقع السلطة بعد أن مال الخليفة المأمون إلى آرائهم واعتنق أفكارهم، ضاقوا ذرعًا بالرأي الآخر، وأرادوا حمل الناس قسرًا على القول بخلق القرآن، ونكلوا بمخالفيهم وضربوا وعذبوا، ولم يراعوا حرمة شيخ أو مكانة عالم.



فالإمام أحمد – رحمه الله – على علوِّ مكانته وجلال قدره عُذِّب وسُجن ومُنع من إلقاء الدروس ورؤية تلاميذه !
حتى إنه كان يُخرج به إلى الرمضاء ويُعذَّب في الحر الشديد حتى يُغمى عليه ليقول بخلق القرآن، فلماذا لم تتسع صدور المعتزلة لمخالفيهم في الرأي ؟!

ولماذا لم يواجهوا الحجة بالحجة والدليل بنظيره؟



ولقد حاج رجلٌ ابنَ أبي دؤاد الوزير المعتزلي المشهور بذات الحجة فلم يجد جوابًا.

يقول طاهر بن خلف: سمعت محمد بن الواثق – الذي كان يُقال له المهتدي بالله – يقول: " كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلاً، أحضرنا ذلك المجلس.
فأتي بشيخٍ مخضوبٍ مقيد، فقال أبي: ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه – يعني ابن أبي دؤاد.
قال : فأدخل الشيخ.
فقال: السلام عليكم يا أمير المؤمنين.
فقال: لا سلَّم الله عليك.
فقال: يا أمير المؤمنين بئس ما أدبك مؤدبك؛ قال الله تعالى: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}(النساء: 86). والله ما حييتني بها، ولا بأحسن منها.
فقال ابن أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين، الرجل متكلم.
فقال له : كلِّمه.
فقال: يا شيخ؛ ما تقول في القرآن؟
فقال الشيخ: لم تنصفني ولي السؤال.
فقال له: سل.

فقال له الشيخ: ما تقول في القرآن؟
فقال: مخلوق.
قال: هذا شيء عَلِمَهُ النبي، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والخلفاء الراشدون، أم شيء لم يعلموه؟
فقال: شيء لم يعلموه.
فقال: سبحان الله! شيء لم يعلمه رسول الله، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ولا الخلفاء الراشدون. علِمتَه أنت!
قال: فخجل.
فقال: أقلني.
فقال: المسألة بحالها.
قال: نعم.
قال: ما تقول في القرآن؟
فقال: مخلوق.
فقال: هذا شيء عَلِمَهُ النبي، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والخلفاء الراشدون، أم لم يعلموه؟
قال: علموه، ولم يدعوا الناس إليه.
قال: أفلا وسعك ما وسعهم ؟!
قال: ثم قام أبي، فدخل مجلس الخلوة، واستلقى على قفاه، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، وهو يقول: هذا شيء لم يعلمه النبي ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ولا الخلفاء الراشدون. علمته أنت ؟



سبحان الله! شيء علمه النبي وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون، ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم ؟!


ثم دعا عمارًا الحاجب، وأمره أن يرفع عنه القيود، ويعطيه أربعمائة دينار ويأذن له في الرجوع، وسقط من عينه ابن أبي داؤد، ولم يمتحن بعده أحدًا.

ولكن صدور المعتزلة لم تتسع لما وسعه صدر النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه.



وانظر إلى العلمانية في نسختها التركية ( الأكثر توحشًَا في العالم الإسلامي ) والتي ضاقت بكل رأي مخالف لها وهي التي ادعت أنها تريد تحرير الإنسان، وتحرير تفكيره فصادرت الحريات وضاقت ذرعًا بالرأي الآخر وضربت باختيار الشعب التركي عرض الحائط.



ادعت العلمانية هناك أنها تريد تحرير المرأة ورد حقوقها المسلوبة إليها، فمنعت المرأة المحجبة من دخول الجامعة لا لشيءٍ إلا من أجل غطاء رأسها!



والعجيب في الأمر ذلك الصمت المريب الذي رأيناه من العلمانيين والجمعيات النسوية في العالم العربي والإسلامي على ما يحدث للمرأة التركية من إذلال وإهانة ومصادرة لحقوقها في التعليم، وهم الذين يقيمون الدنيا من أجل حقوق المثليات، وتقنين العلاقات المشبوهة خارج إطار الزوجية، وإباحة الإجهاض ...الخ!


ولكنهم لم يحركوا ساكنًا تجاه هذا الوضع الشاذ، ولفظوا كل كلام لهم عن الحقوق الإنسانية وحقوق المرأة، ولم تكتف علمانية تركيا بذلك بل تحاول الآن جاهدة إقصاء حزب العدالة والتنمية عن الوجود، وهو في حقيقته إقصاء لأصوات الملايين التي انتخبت هذا الحزب وأيدته.



لقد جعلت هذه العلمانية من نفسها وصية على الشعب التركي، بل أقاموا من أنفسهم سدنةً للفكر العلماني وادعوا امتلاك الحقيقة المطلقة، وتلبسوا بذات الأوزار التي تلبست بها الكنيسة الغربية في العصور الوسطى عندما ادعت امتلاك الحقيقة وصادرت كل رأي مخالف لها ولم تتورع عن حرق المخالفين لها وهم أحياء.

أليست مفارقة أن من يملأ الدنيا صراخًا وعويلاً على الحرية الإنسانية لا يتورع عن مصادرتها إذا ما خالفته ولم تسر في ركابه؟!

بل أليست مفارقة أن تسير المعتزلة والعلمانية جنبًا إلى جنب على ذات الطريق، طريق مصادرة الحريات ؟!