المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قذائــف الحــق



muslimah
04-15-2005, 12:04 PM
من كتاب قذائف الحق للشيخ محمد الغزالي رحمة الله قال فيه :-

دار بيني و بين أحد الملاحدة جدال طويل ملكت فيه نفسي وأطلت فيه صبري حتى ألقف آخر ما في جعبتة من إفك و ادمغ بالحجة الساطعة ما يوردون من شبهات

قال إذا كان الله قد خلق العالم فمن خلق الله؟

قلت له كأنك بهذا الاعتراض أو السؤال تؤكد أن لكل شيء من خالق

قال لا تلقني في متاهة وأجب عن سؤالي

قلت له لا لف ولا دوران أنت ترى العالم ليس له خالق أي أن وجوده في ذاته دون الحاجة إلى موجد إذن لماذا تقبل القول بأن هذا العالم موجود في ذاته أزلاً وتستغرب من أهل هذا الدين أن يقولوا أن الله الذي خلق العالم ليس لوجوده أول

أنها قضيه واحدة فلماذا تصدق نفسك حين تقررها تكذب غيرك حين صدها أهل الإسلام

قال إننا نعيش في هذا العالم و نحس به فلا نستطيع أن ننكره

قلت له ومن طلب منك أن تنكر وجود العالم

إننا عندما نركب عربه أو باخرة أو طائرة فتساؤلنا ليس في وجود العربة وإنما هو هل تسير وحدها ام يسيرها قائد بصير

فالسؤال الأول مردود عليك

فانا وأنت معترفان بوجود قائم لا مجال لإنكاره تزعم أنت أنه لا أول له بالنسبة للمادة وأرى أنه لا أول لها بالنسبة لخالقها فإذا أردتم أن تسخر من لا أول له فاسخر من نفسك قبل أن تسخر من المتدينين

قال تعنى ان الافتراض العقلي واحد بالنسبة للفريقين؟

قلت إنني أسترسل معك لأكشف الفراغ والادعاء اللذين يعتمد عليهما الإلحاد و حسب أما الافتراض العقلي فليس سواء بين المؤمنين و الكافرين

إنني وأنت ننظر إلى قصر قائم فأرى أن مهندسا أقامه وترى أنت أن خشباً وحديداً و حجراً وطلاءً قد انتظمت في مواضعها و تهيأت لساكنيها من تلقاء أنفسها الفارق إلى الأمور أنني وجت قمرا صناعيا يدور في الفضاء فقلت أنه انطلق وحده دونما توجيه وقلت أنا أطلقه عقل مدبر

إننا نعيش فوق أرض مفروشة و تحت سماء مبنية ونملك عقلا نستطيع به البحث والحكم وبهذا العقل ننظر ونستنتج ونناقش ونعتقد وبهذا العقل نرفض التقليد الغبي كما نرفض الدعاوى الفارغة وإذا الناس يهزءون بالرجعيين عبيد الماضي يتندرون بتحجرهم الفكري فلا عليهم أن يهزءوا كذلك بمن يميتون العقل باسم العلم يدوسون منطق العلم باسم العلم و هم للأسف جمهرة الملاحدة في صفحة واحدة من سورة واحدة من سور القرآن وجدت تنويها بوظيفة العقل أولها إعلاء شان العلم قال تعالى(...ِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:9)

ثم تجيء السورة الثانية فيقول الله سبحانه وتعالى )وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ) (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:17-18)
تبين الآية أن المسلم ليس عبد لفكرة ثابتة او عاده حاكمه بل إنسان يزن ما يعرض عليه و يتخير أوثقه

ثم تجيء السورة الثالثة لتنقل المخلوق إلى الخالق بالنظر إلى ملكوت الله

قال تعالى)أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (الزمر:21)

فى الآية يلحظ المؤمن إبداع الخالق في الزهور والزروع و الثمار و كيف ينفلق الحمأ المسنون عن ألوان زاهيه أو شاحبة توزعت على أوراق وأكمام حافلة بالروح و الريحان ثم كيف يحصد كله ليكون أغذية وأكسية للإنسان و الحيوان ثم يعود حطاما ثم زرعا مرة أخرى من صنع ذلك

قال صاحبي و هو يهزأ: الأرض صنعت ذلك

قلت الأرض أمطرت السماء أمرت الشمس ان تشرق وورق الشجر أن يخزن الكربون والحبوب أن تمتلىء بالدهن والعطر والسكر والنشاء

قال أقصد الطبيعة كلها في الأرض وفي السماء

قلت إن طبق الأرز في غذائك تعاونت عليه السماء والأرض و ما بينهما فما دور كل عنصر في هذا الخلق؟
من الذي جعل التفاح حلواً والفلفل حريفاً ؟
أهو كومة السباخ أم حزمة الضوء ألا تعرف أن ذلك يحتاج إلى عقل مدبر ؟

قال إن العالم تطور على سنة الارتقاء والنشور ولا نعرف الأصل ولا التفاصيل

قلت له اشرح لكم ما تقولون : تقولون أنه في قديم الزمان وسالف العصر والأوان مجموعة من العناصر العمياء تضطرب في أجواء الفضاء ثم مع طول المدة كثرة التلاقي سنحت فرصة لن تتكرر أبد الدهر فنشأت الخلية الحية في شكلها البدائى و شرعت تتكاثر وتنمو حتى بلغت ما نرى .. هذا هو الجهل الذىي أسميتموه علماً ولم تستحيوا من مكابرة الدنيا به

أعمال حسابية معقدة تقولون إنها حلت تلقائيا وكائنات فائقة الدقة وجليلة ظفرت بالحياة في فرصة سنحت ولن تعود وذلك كله فراراً من الإيمان بالله الكبير.

قال وهو ساخط إذا كان هناك إله كما تدعون لماذا تحفل الدنيا بهذه المآسي والآلام و نرى ثراء يمرح فيه الأغبياء وضيقا يحتبس فيه الاذكياء وأطفالا يمرضون ويموتون ومشوهين يحيون منغصين ...

قلت: لقد صدقت فراستي فيكم ! إن إلحادكم يرجع إلى مشكلات نفسية واجتماعية اكثر مما يعود إلى قضايا عقلية مهمة ! ويوجد منذ عهد بعيد من يؤمنون ويكفرون وفق ما يصيبهم من عسر ويسر ... )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الحج:11)

قال لسنا أنانيين كما تصفون ..نغضب لأنفسنا أو نرضى لأنفسنا...إننا نستعرض أحوال البشر كافة ثم نصدر حكمنا الذي ترفضه.

قلت: أُفتكم أنكم لا تعرفون طبيعة هذه الحياة الدنيا ووظيفة البشر فيها أنها معبر مؤقت إلى مستقر دائم ولكي يجوز الإنسان هذا المعبر إلى إحدى خاتمتية لا بد أن يبتلى بما يصقل معدنة ويهذب طباعة وهذا الابتلاء فنون شتى وعندما ينجح المؤمن في التغلب على العقبات التي ملأت طريقهم وتبقى صلتهم بالله واضحة مهما ترادفت البأساء و الضراء فانهم يعودون إلى الله بعد تلك الرحلة الشاقة ليقول لهم )يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (الزخرف:68)

قال ما ضرورة هذا الابتلاء؟

قلت: إن المرء يسهر الليالي في تحصيل العلم و ينصب جبينه عرقا ليحصل على الراحة وما يسند منصب كبير إلا لمن تمرس بالتجارب و تعرض للمتاعب فان كان ذلك هو القانون السائد في الحياة القصيرة التي نحياها على ظهر الأرض فأي غرابة إن يكون ذلك هو الجهاد الصحيح للخلود المرتقب؟


قلت: سأعلمك بتفصيل أوضح حقيقة ما تشكو من شرور ..إن هذه الآلام قسمان قسم قدر الله في هذه الدنيا لا تقوم الحياة إلا به ولا تنضج رسالة الإنسان إلا في حره فالأمر كما يقول الأستاذ العقاد تكافل بين أجزاء الوجود فلا معنى للشجاعة بغير الخطر ولا معنى للكرم بغير الحاجة ولا معنى للصبر بغير الشدة ولا معنى لفضيلة من الفضائل بغير نقيصة تقابلها و ترجح عليها.

وقد يطرد هذا القول في لذاتنا المحسوسة كما يطرد في فضائلنا النفسية و مطالبنا العقلية إذ نحن لا نعرف لذة الشبع بغير ألم الجوع ولا نستمتع بالري ما لم نشعر قبله بلهفة الظمأ ولا يطيب لنا منظر جميل ما لم يكن من طبيعتنا أن يسوءنا المنظر القبيح..وفي هذا التفسير ما يبين طبيعة الحياة العامة وينضم إليه أن الله جل شانة يختبر كل امرىء بما يناسب جبلته و يلائم نفسه و بيئته وما أبعد الفروق بين إنسان وإنسان و قد يصرخ إنسان بما لا يكترث به الآخرون ولله في خلقة شئون والمهم أن أحداث الحيلة الخاصة و العامة محكومة بإطار شامل من الحكمة و العدالة الإلهية التي لا ريب فيها.

إلا أن هذه العدالة كما يقول الأستاذ العقاد: لا تحيط بها النظرة الواحدة إلى حالة واحدة ولا مناص من التعميم الإحاطة بحالات كثيرة قبل استيعاب وجوه العدل في تصريف الإراده الإلهية . إن البقعة السوداء قد تكون في الصورة كلها لونا من ألوانها التي لا غنى عنها أو التي تضيف إلى جمال الصورة ولا يتحقق لها الجمال بغيرها ونحن في حياتنا القريبة قد نبكي لحادث يعجبنا ثم نعود فنضحك أو نغتبط بما كسبناه منه بعد فواته.

تلك هي النظرة الصحيحة إلى متاعب الغير اللاإرادية التي يتعرض لها الخلق.

أما القسم الثاني من الشرور التي تشكو منها با صاحبي فمحوره خطؤك أنت وأشباهك من المنحرفين

قال مستنكرا : أنا وأشباهي لا علاقة لنا بما يسود العالم من فوضى فكيف تتهمنا؟

قلت بل أنتم مسئولون , فإن الله وضع للعالم نظاما مثاليا يكفل له سعادته ويجعل قويه عوناً لضعيفه وغنية براً بفقيره وحذر من اتباع الأهواء واقتراف المظالم والاعتداء على الحدود.ووعد على ذلك خير الدنيا والآخرة قال تعالى )مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)
فإذا جاء الناس فقطعوا ما أمر الله به أن يوصل وتعاونوا على العدوان بدل أن يتعاونوا على التقوى فكيف يشكون ربهم إذا حصدوا المر من آثامهم؟ فان أغلب ما أحدق بالعالم من شرور يرجع إلى الشرود عن الطريق المستقيم و في هذا يقول الله جل شانه )وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30)

إن الصديق رضى الله عنه جرد جيشا لقتال مانعي الزكاة وبهذا المسلك الراشدأقر الحقوق وكبح الأثرة ونفذ الإسلام فإذا تولى غيره فلم يتأس به فى صنيعه كان الواجب على النقاد أن يلوموا الأقدار التي ملأت الحياة بؤسا .

قال فماذا تعنى ؟

قلت إن شرائع الله تكفي لإراحة الجماهير ولكنكم بدل أن تلوموا من عطلها تجرأتم على الله واتهمتم دينه وفعله. ومن خسة بعض الناس أن يلعن السماء إذا فسدت الأرض وبدلا من أن يقوم بواجبه في تغيير الفوضى وإقامة الحق يثرثر بكلام عن الدين ورب الدين

إنكم معشر الماديين مرضى تحتاج ضمائركم و أفكاركم إلى علاج بعد علاج

وعدت إلى نفسي بعد هذا الحوار الجاد أسألها : إن الأمراض توشك أن تتحول إلى وباء فهل لدينا من يضمدا الجراح ويشفى السقام أم أن الأزمة في دعاة المسلمين ستظل خانقة؟