المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المروءة في نظام القيم في الموروث الثقافي العربي



قتيبة
08-17-2008, 04:49 AM
المروءة في نظام القيم في الموروث الثقافي العربي

-----

المروءة في نظام القيم في الموروث الثقافي العربي

يحاول محمد عابد الجابري في كتابه "العقل الأخلاقي العربي" دراسة نظام القيم في الموروث الثقافي العربي الذي يوجه سلوك الجماعة الروحي والفكري وسلوكها العملي والمستمد من الكلام المنظم المكتوب الداعي إلى تطبيق نوع معين من الأخلاق.

ويعتبر أكثم بن صيفي حكيم العرب في الجاهلية من أهم الذين صاغوا النظام الأخلاقي العربي في مجموعة من العبارات الموجزة البليغة "الحِكَم" ومن أقواله التي تقرر قيما أخلاقية قوله: الهوى يقظان والعقل راقد، فالعقل مصدر الفضيلة إذا استيقظ، ويقابل الشهوة والهوى المحرك للأفعال في غياب العقل.

ويعد الأحنف بن قيس أحلم العرب، فيقال أحلم من الأحنف، ومن أقواله: رأس الأدب المنطق، ولا خير في قول إلا بفعل، ولا في مال إلا بجود، ولا في صديق إلا بوفاء، ولا في فقه إلا بورع، ولا في صدق إلا بنية.

والمروءة هي القيمة المركزية في الموروث العربي الخالص، ويعدها ابن قتيبة وهو المصدر الأول في الفكر الأخلاقي العربي في المرتبة الثالثة في الهرم الاجتماعي بعد الحرب والسلطان، وهي من جملة القيم التي يتحقق بها السؤدد، ووضع ابن عبد ربه في كتابه "العقد الفريد" المروءة في باب السؤدد.

ومصطلح المروءة لم يرد في الجاهلية ولا في القرآن الكريم ولا السنة الصحيحة، فهو مفهوم نشأ في العصر الأموي، ويمكن القول إن رواج هذا اللفظ في العصر الأموي يرجع إلى أنه كان يعبر عن السلوك النموذجي للأرستقراطية العربية، ويقول عبد الحميد الكاتب منظر الكتابة (إدارة الدواوين) التي ظهرت في أواسط العصر الأموي: "فجعلكم الله معشر الكتاب في أشرف صناعة أهل الأدب والمروءة والحلم والروية، بكم ينتظم الملك، وتستقيم للملوك أمورهم" ويعد ابن المقفع تلميذ عبد الحميد الكاتب المروج الأكبر للفظ المروءة كفضيلة أخلاقية تلخص وتكثف معاني الفضل والأدب وسمو المنزلة.

وكانت الارستقراطية الأموية عربية متعصبة لعروبتها، وقد جعلت من المروءة بوصفها "أخلاق الدنيا" تراثا عربيا خالصا يعبر عن الأخلاق العربية قبل الإسلام وبعده، يقول ابن المقفع: "إذا أكرمت على دين أو مروءة فليعجبك، فإن المروءة لا تزايلك في الدنيا، وإن الدين لا يزايلك في الآخرة".

وأول مرجع اختص بالكلام عن المروءة هو "كتاب الأدب والمروءة" للحكيم صالح بن جناح اللخمي الدمشقي الذي سبق الجاحظ لأنه ذكره واقتبس منه، يقول اللخمي: إنما المرء بمروءته، فالمروءة اجتناب المرء مايشينه واجتناؤه ما يزينه.
ومن قدماء المؤلفين الذين اهتموا بالمروءة ابن حبان السبتي المتوفى سنة 354 هـ الذي خصص في كتابه "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" فصلا أسماه "في ذكر الحث على إقامة المروءة".

وعنى دعاة النهضة في العصر الحديث بالمروءة بوصفها من الخصال التي تقتضيها النهضة العربية الحديثة، مثل رفاعة رافع الطهطاوي في كتابه "مناهج الألباب العصرية في مباهج الآداب المصرية" وشيخ الأزهر محمد الخضر حسين الذي كتب نصا بعنوان "المروءة ومظاهرها الصادقة" وأدرج أحمد أمين في كتابه فيض الخاطر مقالة حول المروءة.

يجمع مفهوم المروءة في الذهن العربي الخصال المحمودة كلها، ويمنع من جميع الصفات المذمومة، فالحديث عن المروءة هوعرض القيم التي تكثر بها الإشادة في الموروث الثقافي العربي ولدى مرجعياته.

ويأتي الكرم في رأس القائمة، فهو مرتبط بالعطاء الذي هو مصدر أساسي من مصادر العيش في المجتمع العربي قبل الإسلام وبعده . . إلى اليوم.

ودلالة هذه الكلمة ترتفع في المخيال العربي إلى أسمى درجة لتحمل معنى الشرف، فوصف الشيء بكونه كريما يعنى أنه ذو قيمة غالية، ومن ذلك عبارات "الأحجار الكريمة" و "كرم المحتد" و "كرم النفس" و "مكارم الأخلاق" قال تعالى: "إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون"

وقال ثابت بن سنان في "طب الأخلاق": وأما الكرم فإنه جملة الفضائل والأخلاق المحمودة أو أكثرها وليس هو خلقا واحدا مفردا، وقد يطلق على العفو والحلم، ولكن الشجاعة لم توصف يوما بأنها كرم، فالكرم لا يتضمن معنى الشجاعة ولا يقتضيها.
وهناك قيمتان في الموروث العريي تتضمنان معنى الكرم ضرورة هما: الفتوة والمروءة، والفتوة تعنى الصحة القوة البدنية والكرم والوفاء وحماية الضعيف وإعاثة الملهوف والسيادة مع التواضع.

وكان من صيغ الفتوة وتجلياتها في الحياة العربية ظاهرة الصعلكة والتي كانت قائمة على الغزو والسلب من الأغنياء الأشحاء وتوزيع الغنائم على الفقراء والمحتاجين، واستمرت الظاهرة إياها في صيغ وحالات مختلفة في العصور المتوالية، وعنها انتقلت الفروسية إلى أوروبا.

يعد الماوردي أهم مرجع في الفكر الأخلاقي العربي وبخاصة في كتابه "أدب الدنيا والدين" وقد وضع للمروءة شروطا في ذات المرء وفي غيره، وملخص عرضه للمروءة: شروط المروءة في نفسه، وهي ثلاث خصال: الفقه والنزاهة والصيانة، والعفة نوعان: عفة عن المحارم، وعفة عن المآثم، والعفة عن المحارم نوعان:
ضبط الفرج عن الحرام، وكف اللسان عن الأعراض، والعفة عن المآثم نوعان:
الكف عن المجاهرة بالظلم، وزجر النفس عن الإسرار بالخيانة، لأن الخيانة ضعة، ومن يخن يهن.

والنزاهة نوعان: نزاهة عن المطامع الدنيوية، ونزاهة عن مواقف الريبة، والصيانة نوعان: صيانة النفس بالتماس كفايتها وتقديم مادتها، وصيانتها عن تحمل المنن والاسترسال في الاستعانة.

وأما شروط المروءة في غيره فثلاثة: المؤازرة، والمياسرة، والإفضال، والمؤازة نوعان: الإسعاف بالجاه، والإسعاف في النوائب، والمياسرة نوعان: العفو عن الهفوات، والمسامحة في الحقوق، والإفضال نوعان: إفضال اصطناع وإفضال استكفاف.

والمروءة تنتمي إلى الأخلاق الاجتماعية، فهي سلوك اجتاعي محمود يقوم على مراعاة التقيد بما يستحسنه الناس، وتجنب ما يستقبحونه، وهذا يعنى أن سلطة الجماعة هي المقررة في شأن المروءة، وليس سلطة العقل، وإن كان بعض مقوماتها مما يرجع إلى حكم العقل.

ليست المروءة مطلوبة لذاتها في الفكر الأخلاقي العربي بل من أجل المكانة الاجتماعية الرفيعة التي تمنحها، أو بتعبير أدق إن المكانة الاجتماعية المرموقة تفرض أو تدفع إلى سلوكيات المروءة، فهي جماع خصال الأرستقراطية القبلية كما عرفها المجتمع العربي.

هذا الطابع الأيدولوجي المحلي للمروءة جعلها تبدو كفضيلة عربية، وجميع من تحدثوا عن المروءة من المؤلفين القدامى رووا ونقلوا ما رووه ونقلوه عن شخصيات عربية من العصر الجاهلي وصدر الإسلام والعصر الأموي، وذلك على العكس من القيم الأخلاقية الأخرى التي تمثل المرجعية الفارسة أو اليونانية فيها المقام الأول، وكأن المروءة مفهوم قومي عربي، يقول عمر بن الخطاب:
تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة، وتعلموا النسب، فرب رحم مجهولة قد وصلت بنسبها، فاللغة والنسب عماد الهوية القومية، والمروءة جزء من الهوية العربية.

إبراهيم غرايبة

قتيبة
08-17-2008, 04:51 AM
خير القرون


---------------------

محمد شمس الحق صديق



الفتوة والمروءة والرجولة والصدق والأنفة هي جملة من الصفات التي كانت متوافرة في عرب الجزيرة في عهد التنزيل . فالأمة العربية كانت كذرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه " والذين كانوا خيار هؤلاء اصطفاهم الله لحمل كتابه ورفقة نبيه ومن كان خبثه أكثر وعتوه مما يعيق مسيرة الدعوة قطع دابره حتى يمثلوا في معظمهم الخيرية التي ذكره الله تعالي في قوله : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ."

وبما أن خيارهم في الجاهلية سيكون خيارهم في الإسلام لذا كانت الرعاية الإلهية تحيط بهم حتى يغدو سلوكهم في مجمله مثالا على الالتزام بالمبادئ الإنسانية السامية التي لا يتجرأ على الخروج من محيطه العام حتى المتهورين أمثال أبو جهل الذي أبدى أشرس أنواع الكفر والعناد واثاقل إلى عالم الجهل أو التجاهل . فإليكم أيها الأخ القاري قصتين تدل على ما أريد التأدكيد عليه ، فأبوجهل هذا يؤذي ، ذات مرة ، نبي الله تعالي ويسبه عند الكعبة . فيدركه حمزة – رضي الله عنه – ويضربه بقوسه ويشجه شجة منكرة ، فيقوم رجال من بني مخزوم لينصروا أباجهل ، فيقول أبوجهل : دعوا أبا عمارة ، فإني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا " 1 وكان بإمكان أبي جهل أن يتركوا رجال بني مخزوم ليتناولوا من حمزة – رضي الله عنه – غير أنه لم يفعل ملتزما بمبدأ العدل الذي كان الخروج منه بمثابة وصمة عار على جبين المروءة العربية .

وفي مشهد آخر نرى أن أبا سفيان يستدعى من قبل هرقل ، عظيم الروم القائل لترجمانه : " إني سائل هذا عن هذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه " فسأل أبا سفيان عن نسبه – صلى الله عليه وسلم – و أتباعه و ما إذا كان يكذب ويغدر . فكان أن أجاب أبوسفيان - وهو يومئذ مشرك ويقود حربا ضارية ضد النبي وأصحابه – بكل صدق وأمانة . تري أما كان بإمكانه أن يكذب فيجر عظيم الروم إلى صفه فينتصر في المعركة الدائرة رحاها بين الطرفين . ولكنه لم يفعل بل التزم الصدق مخافة أن يأثروا عليه كذبا . إن مثل هذه الأخلاق في عرب الجاهليين ربما يصعب تصوره في أيامنا الحاضرة حتي في صفوف من يدعون التحضر و الإنسانية .

إن مثل هذا الموقف الأخلاقي الراقي هو مما أفرزته الظروف البدائية للمجتمعات القديمة التي كان ينظر إليها العلماء في القرن الثامن عشر والتاسع عشر بازدراء ويصفونها بالسذاجة و والتخلف العقلي والخلقي (Mentally and morally inferior)

غير أن علم الإنسان ( Anthropology) في القرن العشرين أصبحت تؤكد أبحاثه على أن الأمر على عكس ما توقعه العلماء في السابق . فقد غدوا يطمئنون الآن إلى أن إنسان المجتمعات القديمة ( البدائية ) كان أرقي مستوى من حيث العقلية والأخلاق . فهم وإن كانوا متخلفين فيما يخص اكتشاف وامتلاك الأجهزة و الآلات على غرار ما نملكها إلا أنهم كانوا يمثلون القدوة فيما يتعلق امتلاك الصفات الإنسانية العالية[2] . وقد قادت هذه الاكتشافات الجديدة إلي تأسيس فرع علمي متخصص باسم ( Primitivism أو البدائية ) والذي يعني بإبراز الجوانب الخلقية الراقية في الإنسان القديم الجديرة بالتقدير والاقتداء . [3] تري لماذا كان الإنسان البدائي على مثل هذا الخلق الدمث بينما انحط إنسان العالم المتحضر الحديث إلى أسفل دركات الانحلال ؟ و السبب في ذلك هو أن إنسان المجتمع البدائي كان يعيش في ظروف فطرية ، والفطرة تحمل ، طبعا ، مواصفات قياسية . فكان هناك تناغم بين الفطرة التي فطر الله الناس عليها والظروف الفطرية التي لم تعكرها ضوضاء الحضارة وصخبها. وفيما بعد حين بدأ التمدن يجد طريقه نحو مستعمرات الإنسان غدا الانسان ينحرف عن الفطرة وبدأت طبيعته الفطرية تفسد و تنهار.

لعل القرآن يشير إلى هذه الفطرية الموحدة للإنسان البدائي حين يقول : " كان الناس أمة واحدة فاختلفوا " فاختلاف الفطرة وفسادها في ظل ضوضاء الحضارة وصخب التمدن هو الذي يرجع إليه سبب رفض الشعوب لدعوة الأنبياء التي وجدوها غير منسجمة مع فطرتهم المعوجة . وقد ظل هذا الوضع متحكما في عالم الإنسان لآلاف السنين إلي أن شاءت إرادة الله ، كما كان مقررا في علمه ، أن يعيد الإنسان إلى فطرته من جديد فأمر إبراهيم – عليه السلام - بعد أن رفضت دعوته من قبل أهالي العراق - أمره أن يسكن فلذة كبده بواد غير ذي زرع محاط بجو فطري كما خلقه الله .

وفي ذلك المحيط الصحراوي النقي بدأ ينشأ ويترعرع أناس فطريون وازداد عددا مع تقادم الزمان حتى أصبحوا بعد ألفي وخمسمائة عام أمة عظيمة تتوافر فيها أعلى صفات الفتوة والمروءة والرجولة والأنفة والتي يضطر المرء معها إلى التزام الأخلاقيات العليا بكل صرامة . إن الصفات الإنسانية العالية التي كانت تتوافر في إنسان المجتمع البدائي هي عينها تم إحياؤها في الجزيرة العربية بواسطة ذرية ابراهيم – عليه السلام .

فالسلوك العربي الخير الذي آزره الله لكي يكون أصحابه من حملة التوحيد ورفقاء أعظم الأنبياء لم يأت إلي حيز الوجود بلمسات سحرية ، وإنما عبر مشروع تاريخي طبق برعاية خاصة في صحراء الجزيرة العربية . فكانوا خير أمة أخرجت للناس وبخاصة بعدما أزيحت عنهم ما كان قد طرأ عليهم من مظاهر الجاهلية في باب المعتقدات و في بعض السلوكيات . والذي تغلغل في فطرته الفساد وصعب تهذيبه قطع دابره بل وضع جميعهم أخيرا بين خيارين لا ثالث لهما :" يقاتلون أو يسلمون ." فكانت أن تحولت الجزيرة العربية بكاملها إلي ما يشبه مشتل الأبطال Nursery of heroes على حد تعبير أحد المفكرين الغربيين ، ذلك الأمر الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : خير القرون قرني -----"



----------------------





[1] - سيرة اين هشام : جـ 1 ص 292 .

2] -- انظر دائرة المعارف البريطانية : vii/382

3] - انظر المصدر السابق نفسه : viii/212

قتيبة
08-17-2008, 04:53 AM
العقل الأخلاقي العربي

- غياب علم الأخلاق العربي
- الموروثات الخمس وأساس العقل الأخلاقي


[تعليق صوتي]

شغلته إشكاليات العقل العربي منذ أكثر من عشرين عاما فكتب فيها وعنها، وأثارته مسألة الهوية والقومية والثقافة وأزمة الدين والدولة في ماضي العرب وواقعهم المعاصر إنه المفكر المغربي المعروف محمد عابد الجابري، استضافنا في بيته في الدار البيضاء في المغرب لنحاوره في واحد من أهم كتبه الأخيرة كتاب (العقل الأخلاقي العربي) تُرجمت كتبه إلى اللغات الأجنبية وأثارت أفكارها جدلا لا يكاد ينقطع بين مؤيد أو معارض لها، يحتل موقع القلب في مشروعه الفكري رباعية (نقد العقل العربي) والتي تضمنت (تكوين العقل العربي) ثم (بنية العقل العربي) ثم (العقل السياسي العربي) وأخيرا (العقل الأخلاقي العربي)، لقاؤنا معه كان حول هذا الأخير وفيه يناقش نظم القيم في الثقافة العربية، لكن ماذا أراد الجابري أن يؤسس ويقول في سلسلة نقد العقل العربي بمجملها.

غياب علم الأخلاق العربي

محمد عابد الجابري: في الواقع أنني ما أردت قوله هو ما قلته بالفعل، أقصد بهذا أنه لم تكن لدي في البداية عندما ما أخذته في العمل من أجل كتابة تكوين العقل العربي لم تكن لدي فكرة عامة عن المشروع كيف سيتطور ولا إلى أين سينتهي، كل ما كان عندي في ذلك الوقت هو هاجس ابستومولوجيا كنت قد درست الابستمولوجيا الحديثة في الجامعة ومن بين المناهج بطبيعة الحال التي أثارت اهتمامي منهج المماثلة الأنالوجي وبحكم ثقافتي العربية ففي الوقت نفسه لاحظت أن هذا المنهج الضعيف ابستمولوجيا هو نفسه السائد في الثقافة العربية يعني في العلوم العربية في النحو في الفقه إلى أخره، فكان يعني هذا العقل القياسي اللي هو يعني أو العقل عربي العقل القياسي بامتياز فهكذا والموجه أما أين سأصل بهذا لم أكن أتصور حتى قلت مرارا أنني كنت أعتقد سأكتب كتابا فإذا بي أجد نفسي ضرورة كتابين واحد للتكوين التكويني أي للتاريخ التكويني للثقافة العربية بصورة بانورامية بصورة إجمالية ثم البنية، لمتى هذه البنية وجدت نفسي أن هناك خطابا أخر لم أتناوله وهو خطاب سياسي بعد أن تناولت الخطاب النحوي، الفقهي، البلاغي إلى أخره.

خالد الحروب: وانتهى بك المطاف.

محمد عابد الجابري: وانتهى بنا المطاف أنه السياسة لا تنفصل عن الأخلاق في الدراسات القديمة وفي الفلسفة وغيره إذاً يبقى خطاب أخر اللي هو الخطاب الأخلاقي.

خالد الحروب: ونحن الآن في خطاب الأخلاق، العقل الأخلاقي العربي تبدأ في المدخل والتأسيس للأطروحة الأساسية بالقول أن هناك ادعاءات أو قراءات تقول أنه ليس هناك علم أخلاق عند العرب، أن هناك علم كلام هناك علم كذا لكن فيه غياب فيه ضعف في هذه المسألة ما رؤيتك لهذا الموضوع؟

"
عندما ينظر الباحث إلى موضوع الأخلاق من ناحية فلسفة العلوم أي نقد للفكر العلمي أو نقد العلوم يلاحظ فعلا غياب مؤلفات في الأخلاق في الثقافة العربية
"
محمد عابد الجابري: هو بطبيعة الحال عندما ينظر الباحث إلى موضوع الأخلاق من الناحية الابستمولوجيا يعني من ناحية فلسفة العلوم أي نقد للفكر العلمي أو نقد العلوم يلاحظ فعلا غياب مؤلفات في الأخلاق في الثقافة العربية، هناك مؤلفات في النحو في الفقه لا تحصى في التاريخ في كل ميادين المعرفة لكن في الأخلاق التأليف في الأخلاق كان قليلا وعندما بدأ، بدأ بتأثير أجنبي شرحته في الكتاب وطبعا غياب كتاب غياب تأليف في الأخلاق في الثقافة العربية لا يعني غياب التفكير في الأخلاق ولا غياب محاولات.. فهذا ما أردت أن أبينه أنه فعلا بدأ الموضوع يشغل اهتمام الباحثين القدامى إلى أن صار في النهاية يعني وصل إلى نتيجة أنه لابد من علم أخلاق عربي إسلامي خارج ما هو موروث من الثقافات القديمة.

خالد الحروب: نعم الآن الشيء الأساسي أو الهيكل للكتاب هو تأسس على أطروحة مركزية تقول أن العقل الأخلاقي العربي تكون من موروثات خمس أو قادمة من خمس ثقافات اليونانية الفارسية ثم الموروث الصوفي الموروث العربي والموروث الإسلامي نريدك أن تقول لنا كيف جمعت هذه الموروثات ولماذا حصرتها مثلا بهذه الموروثات الخمسة أولا؟

محمد عابد الجبري: هو مسألة منهجية لأنه في الكتاب السابق اللي هو أساسا بنية العقل العربي قسمت نظم المعرفة في الثقافة العربية إلى ثلاث نظام بياني نظام عرفاني نظام برهاني وجاء العقل السياسي هو خارج النظم المعرفية لأنه سياسة.. فوجدت أن الدوافع الأساسية للفعل السياسي العربي في العصور القديمة يعني كان القبيلة والغنيمة والعقيدة، إلى ما انتقلنا إلى الأخلاق فلا يمكن أن تطبق عليها لا القبيلة ولا العقيدة ولا البرهان والبيان لأنني سأكرر نفسي لأنه هذه الأمور وردت بكيفية أو بأخرى في الكتب السابقة.

خالد الحروب: لا سوف نأتي إلى كل موروث من هذه الموروثات ونرى ما هي القيم التي تم تصديرها بين قوسين إن شئت للثقافة العربية، لكن قبل ذلك أسأل لماذا مثلا لم يتم وأنا أقرأ الكتاب لماذا مثلا لم يتم معالجة موروث فنقول الموروث الفرعوني مثلا وأنت كل موروث أخذت منه قيمة مركزية الآن نناقشها، لكن مثلا الموروث الفرعوني وقيمة الصبر على سبيل المثال كيف جاء مثلا إلى العقل الأخلاقي العربي؟

محمد عابد الجبري: هذه المسألة أنا تكلمت عنها في تكوين العقل العربي يعني فصلت في الأمر أنه قلت أنا أتكلم عن الثقافة العربية كما تشكلت في عصر التدوين اللي هو العصر العباسي الأول وذكرت التيارات إلى أخره وقلت أما الثقافات القديمة بما فيها الفينيقية وبما فيها المصرية وبما فيها ماسيغية وغيره يعني هذه ثقافات دابت وأعطت وما أعطته دخل وداب ولم يعد يشكل كيان مستقل، فلذلك حضورها حضور الجزء في المجموع ولا يشكل يعني صنفا من أصناف المجموع ولذلك لا معنى بالنسبة إلي وفي.. على مجال الأبستمولوجي لا معنى لذكر ثقافة فرعونية في هذا المجال ولا الصبر وغير الصبر يعني منذ خلق الله أدم والصبر موجود يعني مش فقط الذي يبحث في النظام الفرعوني مثلا كان ممكن يبحث في دور فكرة التوحيد عند المصريين وموسى إلى أخره، لكن أنا لست مؤرخ ديانات مش هذا الموضوع أنا التوحيد موجود عندي ضمن منظومة معرفية وأخلاقية وتعالجها كما هي وإلا سأخرج عن مجال الثقافة العربية الإسلامية عندما نقول ثقافة عربية إسلامية معناه شيء وما قبلها شيء أخر حاضر ولكن بشكل ليس يعني لا يشكل صنفا من أصنافها.

[تعليق صوتي]

يتوقف العقل الأخلاقي العربي مليا عند ما يسميه أزمة القيمي وصراع القيمي في الثقافة العربية الإسلامية وتاريخها، يقول "إن القيم اختلفت وتصارعت بحسب الظرف التاريخي والزمني وبحسب المؤثر الخارجي ولم تهدأ دينامية صعود وهبوط هذه القيم أو تلك في فضاء الثقافة العربية منذ أن برزت أزمة القيم نفسها".

محمد عابد الجبري: عندما تكلمت عن أزمة القيم عرفتها بالفتنة الكبرى التي حدثت يعني مباشرة بعد الخلفاء الراشدين أو مع أخرهم اللي هو عثمان ثم الحرب بين علي ومعاوية وحرب.. التي كانت كارثة يعني لم تكن منتظرة ولا شيء الإسلام على عهده والإسلام الجمع والإسلام الأمة والإسلام المستقبل بل فإذا به يتقاتلون والصحابة أنفسهم اللي هما صحابة النبي يتقاتلون ومش فقط بالكلام بل بالسيف إلى أخره فهذه فتنة يعني تفتن العقل وتفتن الأخلاق بطبيعة الحال وتفتن القيم، فكانت أزمة من مظاهرها أن بعض الصحابة اعتزلوا ما كانوا موجودين في لم يكونوا موجودين كانوا في الفتح فما سمعوا بهذا الأمر وجاؤوا إلى المدينة اعتزلوا قالوا تركناكم على أمر ووجدناكم على أمر أخر فنحن لا نخالف، هذه يعني انعزال وهذا نوع من الحياد السلبي هو نتيجة أزمة ضمير في آخرون لما جاء بعد ما انتهت حرب (كلمة غير مفهومة) ظهرت أزمة على شكل جماعة البكاءين يعني أصبح ناس مجموعة من الناس شغلهم هو يبكي ويبكي والناس معاهم لأنه فيه..

خالد الحروب: تحسر على ما حصل وكذا.

محمد عابد الجبري: وفيه يعني أيضا الغلات الذين ظهروا في على حواشي الأئمة الشيعية هؤلاء الغلات يعني كان منهم من ذهب به الأمر إلى إدعاء النبوة أو إدعاء الألوهية ويعني والأخذ من الموروث القديم الفارسي والاسرائيليات وغيرها..

خالد الحروب: دكتور جابري قبل أن نبدأ بالمواريث الخمسة الحضارات الخمسة وأنت مازالت الآن في مرحلة التأسيس والمنهجه للكتاب كله تناقش هنا أيهما يؤسس الأخلاق هذا في الفصل الرابع العقل أم النقل وهذه طبعا أطروحة أساسية في الفكر الإسلامي الفلسفي وعلم الكلام وغير ذلك وتناقش أن الضمير مثلا في الفكر الغربي المناظر كان يعتبر مركز الأخلاق ما هي رؤيتك إزاء هذه المسألة مسألة أين تتأسس الأخلاق في العقل أم النقل؟

محمد عابد الجابري: هو يعني الدين يغطي مجال الأخلاق لأنه في الثقافة العربية القرآن أحكام وأخلاق الأحكام هي الحدود والفرائض والأخلاق يعني كل ما هو عمل صالح كله أخلاق لكن بالنسبة للتأليف في الأخلاق ما ألف الناس في هذا الموضوع لا في فقه ولا خارج الفقه تا الفقه نفسه لم يؤلف في ما يسمي أو ما سمي بأخلاق الشرعية إلا في مرحلة متأخرة عندما دخلت الأخلاق اليونانية وغيرها فهذا الميدان يعني على كل حال لا أكرر تفاصيل لكن الموضوع هو هذا هو أنه الناس يعتقدون أو عامة الناس أو عامة المثقفين لا أقول خاصتهم الذين يعرفون الفكر الإسلامي ودرسوه دراسة أزهرية أو دراسة معاصرة لا فرق لكن درسوه في مراجعه يعتقدون أن الدين هو مصدر الأخلاق أو النقل هو مصدر الأخلاق في الإسلام وليس العقل العكس هو الصحيح لأنه العقل هو بالنسبة للإسلام هو المؤيد للدعوة اللي هي النبوة المؤيد لكل ما جاء به القرآن يعني أو مطلوب منه أن يؤيد ويبرهن على الصحة بتاع هذه المبادئ كلها فكان يعني العقل حتى في اللغة العربية يعني اليومية قبل الإسلام عقل يعقل من عقل الناقة يعني وحتى العقل تعريفه يعقل لأنه يعقل صاحبه عن القبيح يعني كأن تربطه فالعقل هو المصدر ولذلك فهذا الموضوع يعني حاولت أن أصحح النظرة أما قضية الضمير هذه آثارها المستشرقون في القرن أو القرن ما قبل الماضي حينما كتب بعضهم جولد سير وغيره أنه في الثقافة العربية الإسلامية ليس هناك ما يسمي بالضمير (كلمة فرنسية) اللي هو أساس الأخلاق في الغرب ضمير الفرد اللي هو أساس الأخلاق إحنا طبعا هذا الضمير هذا اللفظ مش موجود لكن أحيانا يستعمل العقل في موضعه ولذلك تقرأ في كتب الأدب سلطانية وكتب الأخلاق العاقل هو من يفعل كذا العاقل هو من لا يفعل كذا يعني..

خالد الحروب: يعني مترادفة كأنها بديل نظير.

محمد عابد الجابري: العقل، والعاقل هو المرجع حتى في التكليف الإسلامي تكليف الفرائض لا يكلف إلا العاقل.



[فاصل إعلاني]

الموروثات الخمس وأساس العقل الأخلاقي

خالد الحروب: دكتور وصلنا إلى بدايات الآن هذه المواريث أو العناصر الخمسة الأساسية التي شكلت العقل الأخلاقي العربي ونبدأ بالموروث الفارسي وكل موروث أنت ترصد تلتقط قيمة أساسية تطلق عليها القيمة المركزية التي انتقلت إلى الثقافة العربية الإسلامية نبدأ بالموروث الفارسي.

محمد عابد الجابري: نعم بخصوص القيمة المركزية يعني بمعنى المنهج منهاج يعني يستلهم نسبيا البنيوية وإحنا تكلمنا عن البنية بنظام قيم نظام (System) فالنظام أو الـ (System) أو البنية عادة تتمركز حول محور معين أو قيمة أو مبدأ والباقي تدور يعني وهذا ما يعبر عنه بثابت ومتغير الثابت ويحيط به متغيرات فنحن نبحث في الموروث الفارسي عن الثابت فيه رغم جميع التغيرات التي يمكن أن تحدث في مجال القيم، فطبعا وجدت الطاعة لكن طريقي إليها لم يكن طريق نظريا أنا تتبعت الثقافة العربية الإسلامية منذ النبوة إلى أن بدأ الناس يتحدثون في الأخلاق سواء شعروا أم لم يشعروا فوجدت أن الكلام في الأخلاق خارج القرآن وخارج الدعوة يعني اللي نحن نتكلم الآن عن البحث عن العلم عن شيء من إنشاء الناس وجدته في رسائل عبد الحميد وابن المقفع اللي هي ما سمي أو يسمى في الدراسات الأدبية بالخطابة أو الترسل ففي هذا الميدان لم تكن القضية قضية بلاغة فقط ولا قضية خطبة ولا.. لا كانت قيم تكرس لأنها خطبة من الأمير أو رسالة توزع أو خطبة تجمع أحيانا فكان ما هو الذي يبقى ثابتا في إطار جميع الرسائل وتحولات وخطب جمعة وخطب الأمراء .. الطاعة.

خالد الحروب: أن المحكوم يجب أن يطيع الحاكم.

محمد عابد الجابري: أي الطاعة هو هنا فلما بحثت عن أصل الطاعة من أين أتى مباشرة ومن خلال النصوص يعني تدين إلى النصوص الفارسية التي نقلها عبد الحميد وابن المقفع، فإذاً الأصل هو الفارسي فكان لازم نخش ندخل في الموروث الفارسي كله ونبحث الطاعة بإنجاز من أين جاءت، جاءت من أردشير يعني لما صرنا عن الأصل وأردشير أقام حكمه على أساس الدين أساس الملك والملك حارس للدين يعني تشوف هذه العبارة كيف.

خالد الحروب: في الأول توظيف للدين في السياسة.

محمد عابد الجابري: في الأول توظيف للدين والناس يفهموا حتى قدما فهموا أن الملك حارس للدين يعني حتى لا يضيع الدين عند الملحدين وغيرهم لا القضية مش هيك حارس للدين حتى لا يثور على الملك توظيفه من أجل..

خالد الحروب: حارس معاكس وليس.

محمد عابد الجابري: يعني حارس يحرسه بالسيف يعني أو واقف عليه كمسجون، كمسجون.

خالد الحروب: نعم دكتور الآن إذا أخذنا الطاعة أو مفهوم هذه الطاعة من الموروث الفارسي، من الموروث اليوناني أنت تكتب هنا أخلاق السادة القمة المركزية ماذا تقصد بذلك؟

محمد عابد الجابري: هو الفلسفة اليونانية كلها في النهاية يعني من ناحية القيمة القيم بتاعها طبعا في القيم العدل في قيم كثيرة لكن ماذا يطمح الإنسان في الفلسفة اليونانية إيه السعادة يعني تقرأ أرسطو كله تقرأ أفلاطون تقرأ سقراط والسعادة يعني السعادة في البداية تكون سعادة مربوطة بالمعرفة معرفة الحقيقة من أجل المعرفة ومن أجل شيء آخر وثم ترتفع في النهاية راح تصير سعادة عند أفلاطون أو عند حتى أرسطو أو عند بعض الفلاسفة فيما بعد بالخصوص فيما بعد أنه السعادة هي هاداك نوع من الاتصال أو تشب قول انجذاب نحو الخالق.

[تعليق صوتي]

وهناك أيضا الموروث الصوفي الذي أثر في العقل الأخلاقي العربي عن طريق إدخال القيمة المركزية فيه وهي أخلاق الفناء التي قادت كما يقول الجابري إلى فناء الأخلاق وترك التدبير بل وأيضا إلى فناء الأمم لكن هذا الموروث يجد أصوله في التصوف الفارسي والتصوف الهرمسي ومن ثم انتقل إلى التصوف الإسلامي.

محمد عابد الجابري: الموروث الصوفي ظهر في الثقافة العربية كنتيجة لأزمة القيم اللي تحدثنا عنها واللي كانت فتنة كبرى يعني الإنسان الدنيا يعني أصبحت الناس يتقاتلون على الدنيا وكذا يعني مش معقول أنا يعني فأصبح انعزال عن الدنيا والعزلة وطلب العزلة ويعني هذه المسائل اللي هي وطلب الروحانيات وطلب.. فكان الأساس قبل الترجمة طبعا لما جاءت الترجمة أصبح المترجم في هذا الميدان أو الكتب المترجمة أو كثيرة ليس هو أرسطو وأفلاطون بل الثقافة اليونانية ما بعد أرسطو وأفلاطون التي كانت كلها غنوصية وصوفية وفي هذا المجال فكانت يعني من الوفرة بحيث يعني هيمنت على كل شيء.

خالد الحروب: نعم الآن وصلنا إلى الموروث العربي والخالص والذي أنت التقطت منه القيمة المركزية التي هي أخلاق المروءة وشيء جميل ومثير وأيضا ربما مستفز لأسئلة أخرى لماذا لم تكن مثلا قيمة الفروسية قيمة الكرم ما هو مفهوم المروءة؟

محمد عابد الجابري: هو من الناحية التاريخية الأمور صارت أنا تتبعت التسلسل التاريخي يعني ظهرت الأخلاق أول شيء كأخلاق فارسية الطاعة ثم انتقلنا إلى التصوف ثم انتقلنا.. العرب لم أو الكتاب العرب لم يتكلموا على القيم العربية ولا شيء نهائيا إلى هذا الوقت خصوصا مع المواردي حينما أصبحوا يشعرون بالحاجة إلى كتابة شيء عن الأخلاق من زاوية عربية محضة بدون فارسية ولا رومانية ولا يونانية، فركزوا على فكرة المروءة وفعلا في الأدبيات العربية المروءة تجمع الخصال كلها خصال حسنة فيها الهيبة أنت شيخ قبيلة وفيه الكرم بتاعه وفيها الشجاعة بتاعه والفروسية وكله فالمروءة هو جماع هذه القيم وأكثر من هذا كما قال المواردي والإشكال كما تنص المروءة معاناة ليس فقط كريم أو جواد لا، تعاني أنه في حاجة لازم تعطيها فهي قيمة مركزية تجمع وأنا ناقشت كما تذكر الاحتمالات في مجالنا لا نقول بالكرم ولا نقول بهذا ولكن في النهاية الكتاب الذين كتبوا في هذا الميدان وإسم المواردي واحتلوا الأدبيات كلها وحتى في الحس العربي العام المروءة شيء لا يُعرَّف صعب..

خالد الحروب: ربما يمارس أو يشعر بها.

محمد عابد الجابري: يمارس لأنه مش عطاء فقط عطاء وكرم وأكثر.

خالد الحروب: هو فضاء ربما أكثر من ممارسة.

محمد عابد الجابري: هو القيمة اللي قريبة له الثانية إذا شئت هو السؤدد لكن كان عنده طابع مادي.

خالد الحروب: أخر موروث إذا سمحت دكتور اللي هو الموروث الإسلامي ولا تتحدث عن الذين أمنوا ثم عملوا الصالحات وتركز على الذين عملوا الصالحات ومن هنا تلتقط مسألة المصلحة باعتبارها القيمة المركزية التي جاءت من التقليد الإسلامي في تشكيل العقل الثقافي.

محمد عابد الجابري: هو عندما يفكر الإسلام في الموروث الإسلامي الخالص في القيم التي بثها كما رأينا عند اليونان وعند الفرس لازم فيه قيم القيم التي بثها القرآن من أول الأمر يعني مضبوطة في كلمتين عندما وجدت {إنَّ الَذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الإيمان شيء هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله إلى آخره وعملوا الصالحات أي المجتمع أو الأخلاق المعاملة ولذلك تجد حديث آخر [الدين معاملة] إذا ففكرة عمل صالح هي قيمة مركزية أعظم وأقوى وأشمل من التقوى ومن جميع ومن الصبر ومن جميع القيم الأخرى التي لا حصر لها في القرآن فهذا العمل الصالح مصلحة عندما قام المفكرون أو بعض المفكرين في الإسلام يريدون أخلاق إسلامية خارج اليونانية أو قاموا في البداية بأسلمة الأخلاق اليونانية كما شرحت مع الذين ذكرناهم المواردي ورحت المواردي وأقسام بهالميدان ومع الأصفهاني مع غيره لكن بناء أخلاق من إسلام نفسه مش خارج لأنه ليه لأنه كان مسيطر في ذاك الوقت هو القسمة بتاعت أفلاطون الثلاثية للنفس البشرية إلى نفس عاقلة ونفس يعني غضبية ونفس شهوانية والأخلاق تتلخص في تخليد النفس العاقلة يعني إنسان بيولوجي في نهاية الأمر كلهم كانوا يؤسسون تفكيرهم على هذه ما خرجووش عن التقسيم اليوناني شخص واحد خرج اللي هو العز بن عبد السلام أراد أن يؤسس الأخلاق والعمل الصالح وكله على أساس الثوابت الدينية في علم الكلام الله صفاته ذاته أفعاله يعني هذا هو المرجع تقسيم ثلاثي آخر جديد مرجعية إسلامية محضة ولذلك تستحقه.. هذا الكتاب أو هذا المؤلف يستحق أكثر من غيره أن يوضع كواحد من ممثلي الأخلاق الإسلامية وهو أخرهم لأنه هو في النهاية أخرهم.

خالد الحروب: وبهذه الكلمات عن العز بن عبد السلام نشكركم مشاهدي الكرام على متابعتكم لنا كتاب اليوم الذي كان (العقل الأخلاقي العربي) من تأليف الدكتور المفكر المغربي محمد عابد الجابري وهذه تحية من منتج البرنامج الزميل عبد المعطي الجعبة ومني خالد الحروب ودمتم بألف خير.


http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F083F584-3282-45DE-904F-384A000B92FC.htm?wbc_purpose=B

قتيبة
08-17-2008, 04:59 AM
الأخلاقي العربي



خدمة كامبردج بوك ريفيوز
مثلما يفعل في سائر كتبه الموسوعية والنقدية يقدم الجابري في هذا الكتاب ما يمكن اعتباره أول أطروحة عربية من نوعها في حقل "العقل الأخلاقي العربي" تؤسس لمبحث قديم عانى من إهمال بيّن. والجابري يحدد من الصفحات الأولى في دراسته هذه أنه لا ينطلق فيها مقلداً الدراسات الغربية في علم الأخلاق وعلاقتها بالسياسة, خاصة وقد ازدهر هذا "العلم" واغتنت السجالات الدائرة بشأن تلك العلاقة. وهو يسجل بوضوح أننا "لن نسجن أنفسنا في دائرة المفاهيم والرؤى الحديثة فنضيق أو نوسع من دائرة الأخلاق حسب الاتجاهات الفلسفية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية والحقوقية المعاصرة, وبالتالي سنتحرر تماما من هاجسين: هاجس "الرد" على الغربيين, وهاجس "اكتشاف" قيم عصرنا في حضارة أسلافنا" (ص 28).


غلاف الكتاب
اسم الكتاب: العقل الأخلاقي العربي.
المؤلف: محمد عابد الجابري.
عدد الصفحات: 640
الطبعة: الأولى - 2001م
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان.


وبهذا المنطلق الواضح فإن الجابري يتجاوز الأدبيات العربية القليلة التي حامت حول هذا الموضوع ولكنها في غالبها كانت مهجوسة بهم الرد على الأفكار الغربية, وبالتالي فإنها تمثلت ما يطرح على أجندة البحث الغربية "الأخلاقية", وظلت بسبب ذلك تقف في منتصف الطريق فلا هي غربية التوجه ولا هي عربية التأصيل.

في هذا الكتاب يربط الجابري أطروحته الجديدة عن "العقل الأخلاقي العربي" بأطروحاته السابقة عن "العقل السياسي العربي", وذلك باعتماده تصنيفات متناظرة. ففي معالجاته السابقة لبنية وتكون العقل السياسي العربي فرق بين أنواع من الأخلاق مثل "أخلاق القبيلة" و"أخلاق الغنيمة" و"أخلاق العقيدة", وكذلك بين "أخلاق الخليفة" و"أخلاق الخاصة" و"أخلاق العامة".

وهنا في هذا الكتاب الجديد لا يرى الجابري مانعاً من اعتماد التصنيف الذي صممه في دراساته النظرية السابقة ليجعل "الأخلاق" في الحضارة العربية والإسلامية ثلاثة: "أخلاق بيانية" و"أخلاق عرفانية" و"أخلاق برهانية" (ص 21). وهو يرى أن هذه الأخلاق تتوزع على أنظمة قيم وليس نظاماً واحداً في هذه الحضارة, ذاك أن عالم القيم هنا إنما هو عوالم وليس عالماً محصوراً. وهذه العوالم التي يراها الجابري تشكل البنية الأساسية للعقل الأخلاقي العربي تتجسد في موروثات خمسة يتخذ كل منها موقعاً مهماً في تلك البنية ويتفاعل مع بقية الموروثات تأثيراً وتنافساً واصطراعاً. وهذه الموروثات هي: الموروث الفارسي (أو أخلاق الطاعة), والموروث اليوناني (أو أخلاق السعادة), والموروث الصوفي (أو أخلاق الفناء وفناء الأخلاق), والموروث العربي الخالص (أخلاق المروءة), والموروث الإسلامي الخالص (أخلاق الإسلام).


العقل الأخلاقي العربي هو عقل متعدد في تكوينه ولكنه واحد في بنيته يعكس تنوع وتعددية الثقافة والحضارة الإسلامية التي استوعبت تأثيرات وإسهامات متعددة المصادر

يرى الجابري أن القيم في كل ثقافة تشكل ليس فقط منظومة أو منظومات, بل هي "نظام" بمعنى "ترتيب" أو سلم". ومعنى ذلك عنده أن القيم في أي ثقافة من الثقافات ليست في مستوى واحد, حيث توجد قيم أساسية تتفرع عنها قيم ثانوية أقل منها مستوى. ويحاول الجابري أن يلتقط في كل "نظام" من نظم القيم المكونة للعقل الأخلاقي العربي "القيمة المركزية" لذلك النظام ويرصد موقعها فيه وترحالها معه عبر القرون, وكيف تفاعلت أو تعايشت أو تصارعت مع "القيم المركزية" التابعة للنظم الأخرى. (وهذه القيم المركزية التابعة لكل نظام من النظم وضعت بين قوسين أعلاه). ومن هنا فالعقل الأخلاقي العربي هو "عقل" متعدد في تكوينه ولكنه واحد في بنيته يعكس تنوع وتعددية الثقافة والحضارة الإسلامية التي استوعبت تأثيرات وإسهامات متعددة المصادر.

غير أن الجابري يطرح استنتاجاً خلافياً مبنياً على هذا التصوير الصحيح لتاريخ تفاعل أو اصطراع أنظمة القيم في الحضارة العربية الإسلامية، فهو يقول إن تزاحم تلك الأنظمة على مسرح الثقافة العربية وتنافسها واحتكاكها وهيمنة بعضها على البعض الآخر قاد إلى حال من "التنافس والصراع بين نظم القيم لا يكاد يهدأ حتى يستيقظ" في المجتمع العربي الذي كان طوال تاريخه وحتى اليوم "مجتمعاً قلقاً على مستوى القيم على الأقل" (ص 22).

ويعرف الجابري هذا القلق متجسداً على شكل "أزمات في القيم" ما تلبث أن تهدأ في ناحية من نواحي الوطن العربي أو حقبة من تاريخه حتى تعود للظهور. ثم يضرب أمثلة على ذلك القلق وأزمات القيم بما عانت منه شخصيات فكرية ذات وزن في التراث العربي والإسلامي من أزمات روحية وفكرية مثل المحاسبي وابن الهيثم وأبي الحسن الأشعري والغزالي. ووجه الخلاف الذي قد تثيره فكرة الجابري هنا تكمن في مدى دقة التعميم الذي يطلقه على تاريخ المجتمع العربي من زاوية ديمومة "قلق القيم وأزماتها" الذي يدلل عليه بوجود أزمات فكرية وروحية عند شريحة ضيقة جداً من النخبة الفكرية المثقفة أو الدينية. فمن المعروف أن "أزمات الفكر والقيم" أكثر ما تضرب في أوساط هذه النخبة, بينما تكون سائر الشرائح الاجتماعية أقل انشغالاً بالتفكير أو عرضة لـ"التأزم القيمي" خاصة عندما يهيمن "نظام قيم" معين أو تتسلم دفة قيادة القيم "قيمة مركزية" بارزة.

ومن الممكن القول هنا إن سيطرة "نظام القيم الإسلامي العربي" على بقية نظم القيم التي يرصدها الجابري كمكونات أصيلة في العقل الأخلاقي العربي, كانت سيطرة بارزة وفككت من "التأزم القيمي" الذي يفترضه الجابري عند الغالبية العامة للعرب. هناك بالتأكيد شريحة "قلقة" تمتد على طول التاريخ العربي الإسلامي, قد يجوز القول بأنها تبدأ بالخوارج, ثم تتواصل حلقاتها في أوساط معينة مثل القرامطة والفلاسفة والمتكلمون والعلماء والشعراء وبعض الخلفاء.. لكن الشيء الأكيد أن سحب هذا "التأزم القيمي" على بقية الناس يبقى محل نظر وخلاف, إن لم يكن خاطئاً بالأساس.

الموروث الكسروي في أنظمة القيم في الحضارة العربية الإسلامية روج لقيم "كسروية", بمعنى أن "كسرى" أو الحاكم أو الخليفة هو القطب الذي تدور حوله بقية القيم، أي بمعنى آخر الطاعة التامة له المفروضة على سائر الأفراد. إنه "كسرى الذي يخدمه الكل ولا يخدم هو أحداً, والذي يجعل من نفسه -عند الحاجة- وسيطاً بين الله والناس" (ص 249). أما بقية الناس فهم يقعون في مرتبة دنيا "سفلة العامة" وطبقات تراتبية تأتي دون مقام كسرى, وهي طبقات لا مكان فيها للفرد كفرد, بل أقرب إلى مفهوم "الطبقات الجيولوجية" كما يراها الجابري, أي التي تضيع فيها ملامح الجزء لصالح الكل.

أما الموروث اليوناني فيراه الجابري ثلاثي الجوانب وتمثل في نزعات ثلاث أو اتجاهات ثلاث: اتجاه طبي علمي, واتجاه فلسفي, واتجاه تلفيقي. وهذا التعدد يقلب -برأي الجابري- رأساً على عقب التصور الذي ظل سائداً في الثقافة العربية ولم يكن يرى في الموروث اليوناني سوى ما أخذه الفلاسفة العرب عن أرسطو وأفلاطون. وفي ظل هذه التأثيرات الثلاثة برزت "أخلاق السعادة" كقيمة مركزية في نظام القيم ذي الأصل اليوناني, وهي أخلاق ينسبها الجابري إلى النزعة التلفيقية حيث أرادت أن توفق بين الموروث اليوناني والموروث الإسلامي, لكنها فشلت وأنتجت ما يطلق عليه الجابري سيادة "المقتبس الرديء" في ثقافتنا العربية (ص 422).

وليس حال الموروث الصوفي في أنظمة الثقافة العربية الإسلامية بأحسن حالاً من ذاك اليوناني, والمعضلة التي يراها الجابري في هذا الموروث هي أن كل شيء ينتهي إلى عكسه بما يقود إلى أن "أخلاق الفناء" تنتهي إلى "فناء الأخلاق". فمثلاً "ينطلق المريد من الشعور الهائج بالذنب لينتهي إلى استثنائه من الذنب, من الخوف من العذاب, عذاب الآخرة.. لينتهي إلى وضعية "الاستثناء" من العذاب.. لكن ثمة شيئان فقط لا يتغيران ولا ينقلبان إلى عكسهما وهما في الحقيقة الركنان اللذان تقوم عليها "أخلاق التصوف", هما: القول بجبرية صارمة, وترك التدبير أي ما يسمونه التوكل... ومن هنا كانت أخلاق الفناء هي أخلاق اللاعمل" (ص 487-488).


شيخ القبيلة هو جماع المروءة, لأن المروءة صارت مرتبطة عضويا بالتسيد والحكم. ويرى الجابري أن "المروءة" فضيلة عربية محضة ونادراً ما تجد مرجعاً غير عربي لها في بقية الموروثات اليونانية أو الفارسية أو غيرهما

في جانب الموروث العربي (الجاهلي) الخالص فإن الجابري يرى أن القيمة المركزية لهذا الموروث تمثلت في "المروءة". فالمروءة هي "ملتقى مكارم الأخلاق يتم تحصيلها ببذل الجهد والمشقة, وهي تكسب صاحبها في مقابل ذلك احتراماً وتقديراً وتجعله قدوة وذا كلمة مسموعة, مع ما ينتج عن ذلك من سلطة ونفوذ معنويين" (ص 531). ومن هنا فإن شيخ القبيلة هو جماع المروءة -افتراضاً- في وسطه, ذاك أن المروءة صارت مرتبطة عضوياً بالتسيد والحكم. ويرى الجابري أن "المروءة" هي فضيلة عربية محضة ونادراً ما تجد مرجعاً غير عربي لها في بقية الموروثات (اليونانية, الفارسية.. إلخ).

أما الموروث الإسلامي فيراه الجابري الفضاء الذي اشتمل على التنافس بين كل الموروثات السابقة بغية أسلمتها ونسبها إلى الإسلام على ما في ذلك من إشكالات وتلفيق. لكن القيمة الأساسية التي يراها الجابري تحتل موضع القلب في الموروث الإسلامي هي قيمة "العمل الصالح", المرتبطة أساساً بكون "المصلحة أساس الأخلاق والسياسة" في الإسلام كما يقول. وهنا يناقش الجابري مصنفات كبار علماء الإسلام, الماوردي, المحاسبي, الغزالي, الأصفهاني, العز بن عبد السلام, ليضع يده على إشكالية كبيرة متمثلة في استغراق هؤلاء (باستثناء العز بن عبد السلام) في تسوية أخلاق "الذين آمنوا" وإغفالهم منطق "الذي عملوا الصالحات". ورغم أنه نادراً ما افترق الوصفان في القران الكريم, إلا أن المتكلمين انشغلوا بالشق الأول وسكتوا عن الثاني, ومن هنا تأتي الأهمية البارزة التي يوليها الجابري للعز بن عبد السلام الذي "تحرر من الانغلاق الفقهي والكلامي ومن إغراءات الأسلمة: أسلمة آداب الفرس (الماوردي), وأسلمة أخلاق اليونان (الراغب الأصفهاني), وأسلمة "آداب السلوك" الهرمسي (الغزالي).. ورجع إلى الأصل: إلى القران" (ص 620).




المصدر: الجزيرة