المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "أربعة قرون من دون الأندلسيين" للإسباني أندريس كارديناس



أبوتاشفين المغربي
11-28-2008, 03:36 PM
بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.

يستعد الأسبان السنة المقبلة لإحياء ذكرى مرور أربعة قرون على طردهم للمسلمين الأندلسيين من إسبانيا. هذا الطرد الذي جاء كتحصيل حاصل لممارسات الكنيسة الكاثوليكية ضد المسلمين الذين غلبوا على أمرهم و استحالوا إلى نصارى ظاهرا و مسلمين باطنا خوفا من بطش محاكم التفتيش, الشيء الذي لم يرق للسلطات الإسبانية التي تريدهم نصارى قلبا و قالبا. فما كان منها إلا أن تحكم بطردهم نهائيا من إسبانيا حتى ترتاح من هواجس عودة للإسلام إلى الأندلس على يد هؤلاء. فهم أولا و أخيرا مسلمون و لم تستطع كل و سائل محاكم التفتيش الإرهابية ثنيهم عن عقيدتهم الإسلامية. و سنة 1609م جاء الفرج من عند الله عز وجلّ فقرر الملك فيليب الثالث طرد الـأندلسيين ذوي الأصول المسلمة خارج إسبانيا, و هكذا عاد هؤلاء الناس إلى التوحيد. و كان هذا الطرد بحق نعمة ظاهرها نقمة.

كيف يرى الأسبان هذا الطرد؟ و كيف يستعدون للاحتفاء بهذه المناسبة؟ هذا ما يجيب عنه مقال للباحث الإسباني أندريس كارديناس Andres Cardenas درس فيه كتاب لباحث إسباني آخر هو مانويل باريوس Manuel Barrios.

عنوان المقال : (أربعة قرون من دون المورسكيين) (Cuatros siglos sin moriscos)
مصدر المقال : موقع ideal.es
تاريخ المقال : 3 يونيو 2008.

ترجمة المقال :


أربعة قرون من دون المورسكيين

تستعد عدة مؤسسات غرناطية لتنظيم لقاءات لإحياء ذكرى مرور أربعمائة سنة على طرد (المسلمين المنصّرين). مانويل باريوس Manuel Barrios حلل في كتابه (التعايش اليائس) (La convivencia negada) القمع العنيف الذي تعرّض له المورسكيون بغرناطة من طرف السلطات الحاكمة.

السنة المقبلة 2009 ستكتمل الأربعمائة سنة على الطرد النهائي للمورسكيين من إسبانيا. لهذا السبب, تستعد عدة مدن إسبانية لتنظيم لقاءات, معارض و مؤتمرات سيحاول من خلالها المختصون التقرب بالطريقة الأكثر موضوعية من هذا الجزء من تاريخنا. و طبعا نفس الأمر بغرناطة , حيث اتخذت أولى الخطوات لتنظيم مؤتمر دولي سيشارك فيه مختصون بارزون من كلتا ضفتي المتوسط.

في يوم 9 أبريل 1609م أصدر الملك فيليب الثالث و مفضّله الدوق دو ليرما قرارا بطرد المورسكيين, المنحدرين من الساكنة المسلمة المتحوّلة إلى المسيحية بعد قرار الملوك الكاثوليك في 14 فبراير 1502م. كانت هناك عدة دوافع لإصدار قرار الطرد هذا, رغم ذلك سادت في إسبانيا الفكرة التي تحميها الدعاية , و هي أن هؤلاء الساكنة و بعد مرور قرن على تحويلهم الرسمي إلى المسيحية استمروا في العيش جماعة منعزلة , (محصّنة) بعقيدتها الإسلامية و لغتها و طريقة عيشها المانعة لكل محاولة للاستيعاب. و ارتباطا بهذا القرار, وجد الرأي العام نفسه منقسما لكن انتهى الأمر بتبني المقياس الأكثر تطرفا و الأكثر تعصّبا.

في غرناطة, قبل هذا التاريخ, و تحديدا بعد حرب البشرات الدموية سنة 1570م, تم طردهم و تفريقهم على الأراضي القشتالية , أغلبهم إلى المدن المجاورة. و جميعهم تعرّض لمصادرة أراضيهم و أغراضهم التي وزّعت على المسيحيين القدامى حسب قرار التوطين الذي أمر به فيليب الثاني, و هو أمر شغل الربع الأخير من القرن السادس عشر.

تعايش صعب.

كيف كانت حياة المورسكيين في مملكة غرناطة؟ هذا ما يحكيه لنا مانويل باريوس أكيليرا Manuel Barrios Aguilera في كتابه(التعايش اليائس. تاريخ المورسكيين في مملكة غرناطة) و الذي نشر سنة 2002 و مؤخرا أعيد طبعه بواسطة مطبعة قمارش Comares.

في هذا الكتاب يشرح باريوس ما سمّاه "سلبية" التعايش؛ أي المعاملة العنصرية و العنيفة التي سامتها السلطات للأقلية المورسكية في جميع مناحي الحياة, رغم أنهم كانوا جزما مسيحيين؛ كما شرح رد فعلهم. كما حلل في الكتاب بالتفصيل العوامل المركّبة لهذه السلبية. حسب باريوس, فإنه خلال هذا المسلسل التاريخي الذي دام القرن تقريبا لم يكن التعايش ممكنا بين المسيحيين القدامى و (المسلمين المتحوّلين) و الذي يسمّون في الوثائق مورسكيين: (كان شيئا يائسا لتراكم عدة ظروف قاهرة, لكن خصوصا لأن السلطات المسيحية, المحتلّة, اعتمدت استيعابا إجباريا, و الذي كما ذكر كتّاب آخرون, كان مصيره الفشل).

الكتاب يتكون من 600 صفحة فيها تحليل, من وجهة نظر نقدية و ليست اصطلاحية, لهذا المأزق الذي سيتحوّل لمأساة خاصةً في حرب البشرات الرهيبة : ( لقد كانت حربا دينية, لكنها أهلية أكثر من ذلك. هكذا اعتبرها المؤرخ خنيس بيريز دي إيتا Gines Pires de Hita, الذي تحدّث بمرارة عن حرب الإخوة ضد إخوتهم).

بالنسبة للبروفسور باريوس, طردُ المورسكيين (كان قرارا عنيفا, متسرّعا, غير متناسب. بدايةً بالطرد من غرناطة, ثم بالطرد من إسبانيا و هذا ما يسمى (الحل النهائي) ). من المؤكّد أن الأغلبية تشبثت بدينها و عاداتها حسب القانون الإسلامي, لكن هناك آخرين بدءوا التأقلم مع العادات, النمط و الدين المسيحي. ( أعتقد أن الوقت, و التبشير اللين و العقلاني كانا سيعطيان نتائجهما كما حدث في أراضي العرش القشتالي , فإن لم تكن بصفة عامة فعلى الأقل بصفة مهمة؛ و هذا دون الخروج عن المقاييس العقلية لتلك الفترة). (1)

عبر كل هذا يقول البروفسور باريوس حول الاحتفاء : ( ما يجب عمله هو إحياء هذه الذكرى, فنحن نتحدث عن فترة جد مهمة من تاريخنا, و في وقت طوّر فيه المجتمع حساسية كبرى اتجاه مسائل الأقليات).

الكتاب يطمح إلى أن يكون وسيلة للتعبير – حسب ما يتيحه توسّعه و قيمته التلخيصية – عن آخر وجهات النظر لفهم هذا المشكل الخطير الذي كان في مملكة غرناطة منذ احتلال الملكين الكاثوليكيين حتى استقرار مجتمع جديد من المسيحيين القدامى عبر مسلسل توطين شغل كل السنوات الأخيرة للقرن السادس عشر. يشير مانويل باريوس : ( حاولت جعله كتابا يثير اهتمام الباحثين, و هذا ما يفسر الاعتناء بالتحديث التاريخي و المرجعي, لكن فيه نصيب حتى لغير المختصين دون التخلي عن قيمته العلمية).

مأساة إنسانية

كاتب (التعايش اليائس) شدّد على أن إحياء ذكرى الأربعمائة سنة على الطرد النهائي للمورسكيين يجب أن يعمل على التفكّر بهدوء حول هذه المرحلة المهمة من تاريخنا. (بتركيزنا على محيطنا القريب, لم تكن أراضي أندلوسيا الشرقية في أي فترة من تاريخ إسبانيا محورا للأحداث كما كانت في القرن و ربع القرن الممتد من بداية احتلال مملكة غرناطة حتى أواخر القرن السادس عشر. إنها خلاصة مرحلتين مهمتين :مرحلة المدجنين و المورسكيين ثم مرحلة التوطين الصادر بأمر فيليب الثاني لملأ الفراغ السكاني الحاصل بعد طرد المورسكيين و تفريقهم على باقي ممالك عرش قشتالة). و في هذه الفترة حدثت حربان و توطينان كثيفان اقتلعا القاعدة السكانية لمملكة غرناطة مع كل ما يرافق ذلك, ليس فقط على المستوى العددي بل حتى على مستوى المأساة الإنسانية. ( ليس من السهل أن تجد في تاريخ أوربا المعاصر, المليء أيضا بأحداث الحروب الأهلية و الدينية, صدمات سكانية و إنسانية بهذا العنف الذي حصل في هذه الفترة).

هذا المؤتمر الدولي الذي يعدّ له سيعتمد على خبراء من العالم الغربي, لكن أيضا على نظرائهم في الضفة المتوسطية الأخرى (تونسيون, مغاربة, أتراك...). يقول مانويل باريوس: ( فقط بجمع كل وجهات النظر, نستطيع, بصورة ما, فهم و تحمّل الحقيقة العميقة لهذه الأحداث المأساوية ونتائجها).

و يذكّر الكاتب أنه غادر من غرناطة حوالي 80 ألف مورسكي بعد إخفاقهم العسكري (2). إذا أضفنا لهم أولئك الذين قتلوا في حرب البشرات, و الذين نجحوا في الفرار من المراقبة, ثم الذين استحالوا إلى عبيد و الذين هاجروا إلى شمال إفريقيا, فإننا نستطيع القول أن المأساة مسّت مباشرة حوالي 135 ألف مورسكي. أما أولئك الذين طردوا من إسبانيا ما بين 1609 و 1612م فقد تجاوزوا ال 250 ألف. هذه الأرقام تعطي فكرة عن بعد و خطر أحداث المأساة الكبرى. من الواضح أنه في ذكرى مرور أربعة قرون على الطرد أصبح واجبا العودة إلى هذا الجزء المركزي من تاريخنا و استخلاص العبر و الدروس.


تمّ المقال:


الهوامش :

(1) و هذه نقطة خطيرة. فالمشكلة عند بعض الأسبان المتعاطفين مع الأندلسيين اليوم ليس هو تحويل المسلمين الأندلسيين إلى نصارى بل هو أمر مرحّب به و مستحبّ لو قامت به الكنيسة دون اللجوء إلى العنف و الاضطهاد. و تنصير الأندلسيين لازال فكرة سائدة حتى اليوم و لعلهم سيغيرون تكتيكهم من التنصير العنيف إلى التنصير الناعم.

(2) يتحدّث الكاتب عن حرب البشرات بغرناطة ما بين (1568 و 1570).


عربه و كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد المغربي غفر الله له و لوالديه و لجميع المسلمين و المسلمات.