المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير آيات من سورة النمل مخاطبة لاصحاب العقول



لطفي
12-17-2008, 01:35 PM
يقول الله تعالى في محكم تنزيله من سورة النمل :
{امن جعل الارض قرارا و جعل خلالها انهارا و جعل لها رواسي و جعل بين البحرين حاجزا ا إله مع الله بل اكثرهم لا يعلمون }
يقول : { امن جعل الارض قرارا } اي قارة ساكنة ثابتة لا تميد و لا تتحرك لاهلها و لا ترجف بهم فانها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش و الحياة بل جعلها من فضله و رحمته مهادا بساطا ثلبتة لا تتزلزل و لا تتحرك كما قال في الآية الاخرى : {الله الذي جعل لكم الارض قرارا و السماء بناء }
{وجعل خلالها انهارا } اي جعل فيها الانهار العذبة الطيبة تشقها في خلالها و صرفها فيها ما بين انهار كبار و صغار و بين ذلك و سيرها شرقا و غربا و جنوبا و شمالا بحسب مصالح عباده في اقاليمهم و اقطارهم حيث ذراهم في ارجاء الارض سير لهم ارزاقهم بحسب ما يحتاجون اليه .
{وجعل بين البحرين حاجزا }
اي جعل بين المياه العذبة و المالحة حاجزا اي مانعا يمنعها من الاختلاط لئلا يفسد هذا بهذا و هذا بهذا فان الحكمة الالهية تقتضي بقاء كل منهما على صفته المقصودة منه فان البحر الحلو هو هذه الانهار السارحة الجارية بين الناس . و المقصود منها ان تكون عذبة زلالا تسقي الحيوان و النبات و الثمار منها . و البحار المالحة هي المحيطة بالارجاء و الاقطار من كل جانب و المقصود منها ان يكون ماؤها ملحا اجاحا لئلا يفسد الهواء بريحها كما قال تعالى: {و هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات و هذا ملح اجاج و جعل بينهما برزخا و حجرا محجورا } و لهذا قال : { اإله مع الله } اي فعل هذا ؟ او يعبد ؟
{بل اكثرهم لا يعلمون } اي في عبادتهم غيره.
{امن يجيب المظطر اذا دعاه و يكشف السوء و يجعلكم خلفاء الارض اإله مع الله قليلا ما تذكرون }
ينبه تعالى انه هو المدعو عند الشدائد المرجو عند النوازل كما قال تعالى : {واذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعوه الا اياه} و قال تعالى : { ثم اذا مسكم الضر فاليه تجارون } و هكذا قال ههنا : { امن يجيب المضطر اذا دعاه } اي من هو الذي لا يلجا المضطر الا اليه و الذي يكشف ضر المضرورين سواه.
قال الامام احمد : حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا خالد الحذاء عن ابي تميمة الهجيمي عن رجل من بلهجيم قال : قلت : يا رسول الله الام تدعوا ؟ قال : " ادعوا الى الله وحده الذي ان مسك الضر فدعوته كشف عنك و الذي ان اضللت بارض قفر فدعوته رد عليك و الذي ان اصابتك سنة فدعوته انبت لك " . قال : قلت : اوصني . قال : " لا تسبن احدا و لا تزهدن في المعروف و لو ان تلقى اخاك و انت منبسط اليه وجهك و لو ان تفرغ من دلوك في اناء المستقي و اتزر الى نصف الساق فان ابيت فالى الكعبين و اياك و اسبال الازار فان اسبال الازار من المخيلة و ان الله _تبارك و تعالى_ لا يحب المخيلة ".
و قال ابن ابي حاتم : حدثنا ابي حدثنا علي بن هاشم حدثنا عبدة بن نوح عن عمر بن الحجاج عن عبيد الله بن ابي صالح قال : دخل علي طاوس يعودني فقلت له : ادع الله لي يا ابا عبد الرحمن فقال : ادع لنفسك فانه يجيب المضطر اذا دعاه .
و قوله تعالى : {ويجعلكم خلفاء الارض} اي يخلف قرنا لقرن قبلهم و خلفا لسبف كما قال تعالى : {ان يشا يذهبكم و يستخلف من بعدكم ما يشاء كما انشاكم من ذرية قوم آخرين} و قال تعالى : { وهو الذي جعلكم خلائف الارض و رفع بعضكم فوق بعض درجات} {و يجعلكم خلفاء الارض} اي امة بعد امة و جيلا بعد جيل قوما بعد قوم و لو شاء لاوجدهم كلهم في وقت واحد و لم يجعل بعضهم من ذرية بعض بل لو شاء لخلقهم كلهم اجمعين كما خلق آدم من تراب و لو شاء ان يجعلهم بعضهم من ذرية بعض و لكن لا يميت احدا حتى تكون وفاة الجميع في وقت واحد فكانت تضيق عليهم الارض و تضيق عليهم معيشتهم و اكسابهم و يتضرر بعضهم ببعض و لكن اقتضت حكمته و قدرته ان يخلقهم من نفس واحدة ثم يكثرهم غاية الكثرة و يذراهم في الارض و يجعلهم قرونا بعد قرون و امما بعد امم حتى ينقضي الاجل و تفرغ البرية كما قدر ذلك تبارك و تعالى و كما احصاهم و عدهم عدا ثم يقيم القيامة و يوفى كل عامل عمله اذا بلغ اجله و لهذا قال تعالى : {امن يجيب المضطر اذا دعاه و يكشف السوء و يجعلكم خلفاء الارض ا إله مع الله } اي يقدر على ذلك او اله مع الله يعبد و قد علم ان الله هو المتفرد بفعل ذلك { قليلا ما تذكرون} اي ما اقل تذكرهم فيما يرشدهم الى الحق و يهديهم الى الصراط المستقيم.
{امن يهديكم في ظلمات البر و البحر و من يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته اإله مع الله تعالى الله عما يشركون}
يقول : {امن يهديكم في ظلمات البر و البحر} اي بما خلق من الدلائل السماوية و الارضية كما قال :{وعلامات و بالنجم هم يهتدون} و قال تعالى : {و هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر و البحر...} الاية.{و من يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} اي بين يدي السحاب الذي فيه مطر يغيث الله به عباده المجدبين الازلين القانطين.
{امن يبدؤ الخلق ثم يعيده و من يرزقكم من السماء و الارض اإله مع الله قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين}
اي هو الذي بقدرته و سلطانه يبدا الخلق ثم يعيده كما قال تعالى في الاية الاخرى : {ان بطش ربك لشديد انه هو يبدئ و يعيد} و قال : {وهو الذي يبدا الخلق ثم يعيده و هو اهون عليه}{ومن يرزقكم من السماء و الارض} اي بما ينزل من مطر السماء و ينبت من بركات الارض كما قال تعالى : {و السماء ذات الرجع و الارض ذات الصدع} و قال : {يعلم ما يلج في الارض و ما يخرج منها و ما ينزل من السماء و ما يعرج فيها} فهو تبارك و تعالى ينزل من السماء مباركا فيسكنه في الارض ثم يخرج به منها انواع الزروع و الثمار و الازاهير و غير ذلك من الوان شتى {كلوا و ارعوا انعامكم ان في ذلك لآيات لاولي النهى}و لهذا قال : {اإله مع الله} اي فعل هذا و علىقول الاخر يعبد ؟ {قل هاتوا برهانكم} على صحة ما تدعونه من عبادة آلهة اخرى {ان كنتم صادقين} في ذلك و قد علم انه لا حجة لهم و لا برهان كما قال تعالى : {ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون}.{قل لا يعلم من في السماوات و الارض الغيب الا الله و ما يشعرون ايان يبعثون بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها يعمهون}
يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه و سلم ان يقول معلما لجميع الخلق انه لا يعلم احد من اهل السموات و الارض الغيب الا الله. و قوله : {الا الله} استثناء منقطع اي لا يعلم احد ذلك الا الله عز و جل فانه المنفرد بذلك وحده لا شريك له كما قال تعالى : {وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو...} الاية و قال : {ان الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الارحام و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري نفس باي ارض تموت ان الله عليم خبير} و الآيات في هذا كثيرة. و قوله : {و ما يشعرون ايان يبعثون} اي و ما يشعر الخلائق الساكنون في السموات و الارض بوقت الساعة كما قال : {ثقلت في السموات و الارض لا تاتيكم الا بغتة} اي ثقل علمها على اهل السموات و الارض . و قال ابن ابي حاتم : حدثنا ابي حدثنا علي بن الجعد حدثنا ابو جعفر الرازي عن داود بن ابي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : من زعم انه يعلم _ يعني النبي صلى الله عليه و سلم _ ما يكون غد فقد اعظم على الله الفرية , لان الله تعالى يقول : {لا يعلم من في السموات و الارض الغيب الا الله}.
و قوله : {بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها } اي انتهى علمهم و عجزهم عن معرفة وقتها و قرا آخرون : " بل ادرك علمهم" اي تساوى علمهم في ذلك كما في الصحيح لمسلم : ان رسول الله عليه و سلم قال لجبريل و قد ساله عن وقت الساعة : " ما المسؤول عنها باعلم من السائل " اي تساوى في العجز عن درك ذلك علم المسؤول و السائل .
{بل هم منها عمون} اي في عماية و جهل كبير في امرها و شانها .
من تفسير ابن كثير
اسال الله تعالى ان يوفق الجميع لما يحبه و يرضاه