المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بنو رزين Albarracinغيّروا تفكير رئيس الأرجنتين اتجاه المسلمين



أبوتاشفين المغربي
12-25-2008, 12:49 AM
بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.


"خلال قرون الجهل الأعظم بأوربا و عندما كان الأسقف و رئيس الدير هم وحدهم من يحسنون القراءة, كان العرب علماء سواء في المشرق أو في أفريقيا أو إسبانيا" سارمينتو.

قد تكون هذه الجملة عادية لو كان قائلها مسلما, أو على الأقل رجلا أوربيا منصفا احتك بلده احتكاكا بالإسلام من خلال الحروب الصليبية الطويلة التي شنتها ممالك أوربا النصرانية على البلدان الإسلامية أو من خلال رحلات الأوربيين لطلب العلم في منابعه الإسلامية؛ لكن قائل هذه الجملة هو رجل من قارة بعيدة, قارة وصلتها النصرانية في ثوبها الكاثوليكي المرعب و بمخالب لمحاكم التفتيش ما فتئت تفتك بأبناء تلك البقعة من الأرض حتى جعلت أرضهم من أمنع معاقل الكاثوليكية في العالم. قائل هذه الجملة هو الأرجنتيني دومنغو فوستين سارمينتو Domingo Faustino Sarmiento.

من هو هذا الرجل؟ ما علاقته بالمسلمين؟ كيف كان ينظر إليهم؟ و لماذا تغيّر موقفه اتجاههم؟

لنبدأ الحكاية من البداية.

1) من هو سارمينتو؟

ولد الأستاذ, الكاتب, الصحفي و السياسي دومنغو فوستين سارمينتو Domingo Faustino Sarmiento في 15 فبراير عام 1811م, بمدينة سان خوان الأرجنتينية. يعتبر سارمينتو من أكثر الشخصيات تأثيرا في التاريخ الأرجنتيني و الإقليمي, حيث شغل عدة مناصب عالية في الدولة الأرجنتينية, أهمها رئيسا للدولة ما بين 1868-1874م. و هذا جرد للمناصب التي تولاها:
- حاكم لإقليم سان خوان.
- سفير للأرجنتين لدى الولايات المتحدة الأمريكية.
- رئيس للدولة ما بين 1868-1874م.
- سناتور.
- وزير بالحكومة.

كان سارمينتو شغوفا بالتعليم منذ طفولته, و في سبيله سافر إلى الولايات المتحدة و العديد من الدول الأوربية خلال فترة شبابه من أجل تحسين قدراته التعليمية حيث كان يسعى للعمل كمدرّس. و بعد مروره في الرئاسة تولى سنة 1875 م مهام المدير العام لمدارس إقليم العاصمة بوينس آيرس, ثم تقلّد سنة 1881م مهام المشرف العام على المدارس الأرجنتينية.

كتابات سارمينتو تتكوّن في جزءها الأكبر من كمية ضخمة من المقالات الصحفية و التجريبية ذات الطابع السياسي , أحيانا أدّت إلى تشنّجات جد عنيفة. لإعطاء فكرة عن تركته الأثرية يكفي ذكر أن آخر طبعة من أعماله الكاملة تتكوّن من 53 جزءا في أكثر من 15 ألف صفحة.

توفي سارمينتو بأسينسيون بالبارغواي في 11 شتنبر 1888.



2) أصول سارمينتو

لنترك سارمينتو يحكي عن أصوله: "في منتصف القرن الثاني عشر, احتل الشيخ السراسينو (المسلم) أل بن راسين (بنو رزين) مدينة و أعطى اسمه لها و لعائلة ستصبح فيما بعد نصرانية. صانع الحرير الفرنسي الشهير, السيد بوفيس Beauvais, كان يجهل الاسم العائلي لوالدتي و لم يسبق له أن رآني بالبرنس, لاحظ أنني أملك بنية جسمانية عربية بالكامل. و لمّا أخبرته أن البراسينيين Albarracines يملكون أعينا خضراء أو زرقاء رغم كنيتهم؛ ردّ عليّ مدافعا عن رأيه أنه حسب السلسلة الطويلة لصور عائلة مونتمرسي, يظهر في كل 4 أو 5 أجيال النوع الأصلي للعائلة. لقد فاجأني بالجزائر التشابه الجسماني بين الكوتشو gaucho (1) الأرجنتينيون و العرب. كان يقول لي بتزلّف, أن كل من ينظر إلى يعتقد أنني مؤمن.فأخبرته بالاسم العائلي لوالدتي الذي رنّ في أذنيه و نال قبولهما, فاسم العائلة منتشر بينهم. و أنا أقول الحقيقة, التي أسعدتني, ابتسمت من سلسلة النسب هذه التي تجعل مني قريبا مزعوما لمحمد (صلى الله عليه و سلم)" (2)


3- البرّاثين Albarracin

البرّاثين, اليوم, هي بلدة صغيرة بأراغون بإقليم ترويل Teruel الواقع شمال شرقي إسبانيا, كانت هذه البلدة خلال سنوات خلت إحدى ممالك الطوائف, لمّا حكمتها القبيلة البربرية المغربية بنو رزين – ومنه اشتق اسم البلدة-. و قد تمّ إعلانها, سنة 1961م, معلمة أثرية وطنية بإسبانيا.
يقول الباحث الأرجنتيني بابلو تورنيلي (3) PABLO TORNIELLI : (اسم العائلة المؤسسة لهذه البلدة يختلف حسب المصادر, لكن ليس هناك شك في انتمائها الإسلامي, هذا الانتماء الذي أسعد و ابتسم له سارمينتو السليل البعيد للمورسكيين. لقد أبدى سارمينتو اعتزازا بآثار الماضي الإسلامي لعائلة والدته, و ابتهج لمّا تمّ خلطه بالمسلمين الذين يعود إليهم أصله).

4- سارمينتو بالجزائر


سنة 1847, سافر سارمينتو إلى الجزائر. و كتب من وهران, في 2 يناير 1847, رسالة إلى خوان طومسون, و هي ضمن المجموعة المنشورة بسانتياغو بالشيلي سنة 1849م, تحت عنوان "رحلات بأوربا, أفريقيا و أمريكا". في هذه الرسالة الأفريقية, أخبر الكاتب عن المشاعر التي خالجته , فقد اعترته موجة استشراقية حادة: خليط من الخوف و التقدير, إنها نتيجة لما يراه غريبا و جذابا, أحيانا عنيفا, و محاولاته التعميمية و النمطية لتفسيرها.

تعتبر هذه المشاعر التي خطّها سارمينتو جد مهمة لتحليل صورة المسلم كما يراه الأمريكيون عبر منظار الاستشراق الأوربي, حيث كما اعترف سارمينتو : (إن مشرقنا هو أوربا, و إذا ما بزغ نور فيما وراءها, فإن أعيننا غير مستعدة لاستقباله, إلا بواسطة العدسة الأوربية) (4)

وصل سارمينتو إلى الجزائر مشبعا بالمفاهيم التاريخية المعدّة مسبقا لكنها لم تتطابق مع ما رآه حقيقة. يقول سارمينتو عن السكان المسلمين الذين رآهم : (شعب بدائي, لهجة ساذجة و دين جوهره غير متسامح و شرس). (5)
لم يُخفِ ابن باولا ألبراسين Paula Albarracin مشاعره حول ما يراه دون أن يجد له تفسيرا : ( لا أعلم أي شعور هذا, الممزوج بين الخوف و التقدير, الذي يتولّد عن رؤية هذا الشعب المسلم الذي لم يستطع عقله المتحجّر فرض ذاته طيلة 40 قرنا, و هو اليوم في نفس المكان منذ أن فرّق يعقوب خيمه و أتباعه للذهاب لتكوين أمّة في جانب آخر. شعب غارق في الحقب التاريخية, و الذي رغم الأحداث الكبيرة التي شارك فيها و الأمم القوية التي دمّرها و الحضارات التي أزاحها من مكان إلى آخر, لازال يحتفظ اليوم بزي قديم, و تنظيم قبلي بدائي, و حياة البداوة بالخيمة و بروح دينية بارزة طبعت المجتمعات الإنسانية الأولية ..) و تابع قائلا: (...لفهم الأحداث الحالية بأفريقيا, لا يكفي, حسب تقديري, فتح القرآن, الذي لا يعطي سوى فكرة ناقصة عن الطبع, المعتقدات و انشغالات المسلمين...) ثم قال: (...من نفس الفرع خرج الإنجيل و القرآن, الأول لتهيئ تطورات الفصيلة البشرية و إتمام التقاليد الأوليّة الخالصة, بينما الثاني, و كأنه احتجاج لجنس الرعاة, شلّ الفكر و نمّط العادات الهمجية الخاصة بالعهود الأولى للعالم) (6)

يقول بابلو تورنيلي داحضا قول سارمينتو حول القرآن : (كما اعترف هو نفسه, فسارمينتو نظر للجزائر بمنظار أوربي. كان يجهل فحوى القرآن و أسباب نزوله التي لم تكن لشعب الرعاة بل لأهل الحضر: لقد وصل الإسلام لأهل الحضر بفترة طويلة قبل أن تتبناه القبائل البدوية). (7)

3 سنوات بعد هذا المقال, تجاوز سارمينتو اكتشافه الصادم بالجزائر, و راح يفتخر باسم عائلة والدته البراسين و بأصوله المورسكسة و بنيته الجسمانية العربية. (8) فانقلب مسار تفكيره بشكل جذري.

5- أوربا الهمجية في مواجهة الحضارة الإسلامية

خلال السنوات الأخيرة من حياته, عرض سارمينتو وجهات نظره حول محاكم التفتيش و الاضطهادات الدينية بإسبانيا خلال العصر الوسيط. لقد أصبحت الحضارة الآن في صف المسلمين و اليهود, بينما الوحشية مارسها أولئك الذين كانوا مسيطرين على شبه الجزيرة الإسبانية قبلهم. سنة 1882م, أهدى سارمينتو كتابه"Conflicto y armonías de las razas en América" (النزاعات و التوافقات بين الأجناس بأمريكا) لأرملة المربي الأمريكي الكبير أوراس مان Horace Mann.

في هذا الكتاب, استنتج الرئيس الأرجنتيني الأسبق أن : ( تدجين شعب محتل من طرف المتغلِّب خلال القرون الوسطى, جرى بشكل بطئ مكّن المجتمع الكاثوليكي من إبعاد الطوائف العبرية و المسلمة, و التي فرضت نفسها عبر التجارة و الربا بالنسبة للأولى, و الغزو و الاحتلال بالنسبة للثانية منذ 8 قرون. عندما يكون الشعب الذي يعاني الاحتلال متفوّقا في الحضارة و الذكاء على المتغلّبين, فإن هؤلاء ينصهرون في هذه الحضارة؛ كما حدث للصين مع التتر, و لأوربا مع همج الشمال, فبمرور بضعة قرون ابتلعت الحضارتان الصينية و الرومانية هؤلاء المحتلين. أما الأجناس ذات الحضارة المتواضعة – كالتي سكنت إسبانيا من البرانس إلى قشتالة- فإنها تخشى من الاقتران بجنس أكثر حضارة, كشأن العبريين و المسلمين خلال القرن السادس عشر. ففي هذه الحالة, وجب عليهم القيام بأكثر عمليات البتر الذاتي إيلاما لمحو آثار السلطة القديمة...إن طرد المسلمين و اليهود من إسبانيا شكّل المثال الفظيع على هذا). (9)

و في مكان آخر من الكتاب نفسه نقرأ استنتاجه الشهير : (خلال قرون الجهل الأعظم بأوربا و عندما كان الأسقف و رئيس الدير هم وحدهم من يحسنون القراءة, كان العرب علماء سواء في المشرق أو في أفريقيا أو إسبانيا). (10)

هكذا غيّر الوعي بالأصل تفكير أهم رجل في تاريخ الأرجنتين.

اسم البراثين Albarracinيحمله اليوم آلاف من الأرجنتينيين و الشيليين الذين ربما لم يصلوا بعد لقناعة رئيسهم سارمينتو.


الهوامش :

(1) كوتشو gauchoلقب يطلق بالأرجنتين, البارغواي, الأرغواي و جنوب الرازيل على فئة من السكان تخصصت في الزراعة و حراسة القطعان.


2) Recuerdos de provincia. Biblioteca Argentina, Librería y Editorial La Facultad, de Bernabé y Cía., Buenos Aires 1938, pág. 82.

(3) بابلو تورنييلي: باحث أرجنتيني مهتم بالشؤون الإسلامية,. ولد سنة 1966م ببوينس آيرس العاصمة. حاز سنة 2003 على دبلوم في العلاقات الخارجية. و هو يتحدث اللغات : الإسبانية, الإنجليزية و العربية. و قد اعتمدت على بحثه GAUCHOS, ARABES Y ALBARRACINES لإنشاء هذا الموضوع, حيث استقيت منه آراء سارمينتو.


4) Viajes, Editorial de Belgrano, Buenos Aires 1981,p 239

5) Viajes, Editorial de Belgrano, Buenos Aires 1981,p 242

(6) Viajes, Editorial de Belgrano, Buenos Aires 1981,p 244

(7) Viajes, Editorial de Belgrano, Buenos Aires 1981,p 252

Recuerdos de Provincia data de 1850 (8)

(9) Obras completas de Sarmiento. Segunda parte póstuma. Tomo XXXVIII. Editorial Luz del Día. Buenos Aires 1953, pág. 239.

(10) Obras de D. F. Sarmiento, publicadas bajo los auspicios del Gobierno Argentino. Tomo XXXVII. Imprenta y litografía Mariano Moreno. Buenos Aires, 1900. Pág. 161


كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد المغربي.