المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمر باتباع الوحي والاقتداء بخير القرون



عمر الأنصاري
02-22-2009, 05:28 PM
ظهر في الامة طائفة من المجددينات -جمع مخنث سالم لمجدد- جعلوا شغلهم الشاغل تسفيه السلف وتحقير علمهم والطعن فيهم متشدقين بقولة نحن رجال وهم رجال وهي كلمة حق أريد بها باطل

هؤلاء المجددينات على ثلاثة أقسام تبدأ بالغرور وقد تنتهي بالإلحاد
فاول هذه المراتب الغرور بعلمهم فيزعمون أن فهمهم خير من فهم السلف الصالح وأنهم أشد نباهة وذكاء من غيرهم فيطعنون في فهم سلفنا الصالح الذي به نُقل إلينا الدين
ثم تأتي مرحلة أخرى: أخذهم الأحاديث التي توافق هواهم وردهم لما لا يوافقها وقد تتطور هذه المرحلة إلى حد إنكار السنة
وتأتي المرحلة الاخيرة مرحلة الزندقة فيدعون فيها إلا إعادة النظر في كتاب الله وأنه نص تارخي قابل للنقد فتهوي بهم دركات فهمهم السقيم إلى الزندقة والإلحاد عياذا بالله

وليس المقام بيان فساد حالهم وفهمهم، فقد أردت من هذا الموضوع بيان أهمية الاقتداء بخير القرون

إن ما ذهب إليه هؤلاء المجددينات من تقديم الهوى على النقل مخالف لمذهب الصحابة الذين تلقوا الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة دون واسطة فما ثبت عليهم أن عارضوا أصول الدين برأيهم، وليس ذلك جهلا منهم، بل هم أعلم الناس بدين الله بعد الرسل، وتوقفوا عن الخوض في دين الله بآرائهم، فإن كنا مقتدين فلنقتد بمن أمرنا الله الإقتداء بهم ولذلك أدلة عديدة :

قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [1]

قال ابن كثير رحمه الله:« أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في شق والشرع في شق وذلك عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح له وقوله ويتبع غير سبيل المؤمنين ﴾ هذا ملازم للصفة الأولى ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم إتفاقهم عليه تحقيقا فإنه قد ضمنت لهم العصمة في إجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم» [2].

و قال السعدي: ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ و سبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم،﴿ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ﴾ أي: نتركه و ما اختاره لنفسه، و نخذله فلا نوفقه للخير، لكونه رأى الحق و علمه وتركه فجزاؤه من الله عدلاً أن يبقيه في ضلاله حائراً، ويزداد ضلالاً إلى ضلاله.[3]

2 - و قال عز وجل: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [4]

قال ابن جرير:«فإن صدَّقوا مثل تصديقكم، بما صدقتم به، من جميع ما عَدَدنا عليكم، من كتب الله و أنبيائه، فقد اهتدوا، فالتشبيه إنما وقع بين التصديقين و الإقرارين، اللذين هما: إيمان هؤلاء و إيمان هؤلاء[5]«

-3 و قال سبحانه: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾[6].

4 - وقوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[7].

من السنة

1 - قوله صلى الله عليه وسلم في وصف الفرقة الناجية: «هي ما أَنَا عليه اليومَ وأصحابي»[8].

2 - وقوله صلى الله عليه وسلم «إنه مَنْ يَعشْ منكم فَسيَرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين،عضُّوا عليها بالنواجذ»

3- عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللَّذَينِ من بعدي أبي بكر وعمر، و اهتدوا بهدي عمار و تمسكوا بعهد ابن أم عبد» [9].

4 - و عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنْ يُطع القوم أبا بكر وعمر يَرْشُدوا»[10]

و من الآثار:

1 - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إنَّ اللهَ نظرَ في قلوبِ العباد، فوجدَ قلبَ محمدٍ خير قلوب العباد، فبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فاختارهم لصحبة نبيه و نصرة دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، و ما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح [11]

2 - و عنه رضي الله عنه قال: من كان متأسياً فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوباً، و أعمقها علماً، و أقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، و إقامة دينه، فاعْرفوا لهم فضلهم، واتبعوا آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم[12]

3 - وعن حذيفة أنه كان يقول: اتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم، فلعمري لئن اتبعتموه لقد سبقتم سبقاً بعيداً، و لئن تركتموه يميناً و شمالاً، لقد ضللتم ضلالاً بعيداً [13].

ويحكي الشاطبي رحمه الله إجماع السلف في تقديمهم للنقل على العقل فيقول :« إن هذا هو المذهب للصحابة رضي الله عنهم، وعليه دأبوا وإياه اتخذوا طريقا إلى الجنة فوصلوا، ودل على ذلك من سيرهم أشياء، منها أنه لم ينكر أحد منهم ما جاء من ذلك بل اقروا وأذعنوا لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يصادموه ولا عارضوه بإشكال ولو كان شيء من ذلك، لنقل إلينا كما نقل إلينا سائر سيرهم وما جرى بينهم من القضايا والمناظرات في الأحكام الشرعية، فلما لم ينقل إلينا شيء من ذلك، دل على أنهم آمنوا به وأقروه كما جاء من غير بحث ولا نظر، وكان مالك بن أنس يقول: الكلام في الدين أكرهه ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه نحو الكلام في رأى جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل فأما الكلام في الدين وفي الله عز وجل فالسكوت أحب إلى لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل »[14]. ويقول أيضا :«إن الصحابة ومن بعدهم لم يعارضوا ما جاء من السنن بآرائهم، علموا معناه أو جهلوه» [15]. وقد نقل الشاطبي رحمه الله أقوال عديدة للتابعين في ذمهم لعلم الكلام وأهله [16].

ويقول ابن تيمية «فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وان القرآن يهدى للتي هي أقوم، فيه نبأ من قبلهم وخبر ما بعدهم وحكم ما بينهم، هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن »[17].

وفي هذا المعنى يقول الشاعر :

تمسك بحبل الله وإتبع الهدى ** ولا تك بدعيا لعلك تفلح

ودن بكتاب الله والسنن التي ** أتت عن رسول الله تنجو وتربح

ودع عنك آراء الرجال وقولهم ** فقول رسول الله أزكى وأشرح

ولا تك من قوم تلهوا بدينهم ** فتطعن في أهل الحديث وتقدح[18]

---------

[1] سورة النساء 115

[2] تفسير ابن كثير ج1 ص 556

[3] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي ص 202

[4] سورة البقرة 137

[5]جامع البيان عن تأويل آي القرآن- بن جرير الطبري ج 1 ص 569

[6] سورة البقرة 143

[7] سورة التوبة 100

[8] حديث صحيح لطرقه انظر الصحيحة للشيخ الألباني203،204،4192

[9] حديث صحيح ، رواه الترمذي (4075) وابن أم عبد هو:عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .

[10] رواه مسلم

[11] إسناده حسن ، رواه أحمد (1/379) ، أبو داود الطيالسي ، وصحح الشيخ أحمد الشاكر إسناده (3600)

[12] حسن ، رواه ابن عبد البر (1810) وعزاه ابن القيم إلى الإمام أحمد في الأعلام (4/139) . وله شاهد من قول ابن عمر رضي الله عنه في الحلية (1/305،306)

[13] أخرجه البخاري في الاعتصام (13/250) وابن عبد البر (1809) واللفظ له.

[14] الاعتصام – الشاطبي – ج 2 ص 331 -332

[15] المرجع نفسه ج 2 ص 336

[16] انظر الاعتصام للشاطبي ص 332 - 336

[17] مجموع الفتاوى – ابن تيمية – ج 13 ص 28

[18] قصيدة عبد الله بن سليمان الأشعث ص 26

[19] أجزاء من هذا البحث مأخوذة من مقال من موقع المشكاة فجزى الله من نقلت عنه والمعذرة على نسياني رابط المقال