المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ على بن حاج بيـان : الرد على تحريف السفهاء لقوله "تعالوا إلى كلمة



ابوابراهيم
05-19-2009, 09:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الهيئة الإعلامية
للشيخ على بن حاج


الجزائر يوم الأحد:21 جمادى الأول 1430هـ
الموافق لـ: 17 ماي 2009م



بيـان : الرد على تحريف السفهاء لقوله "تعالوا إلى كلمة سواء"

الحمد لله الذي القائل في كتابه العزيز "لقد كفر الذّين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم...." المائدة72، والقائل عز وجهه "لقد كَفَرَ الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وما من إله إلا إله واحد.." المائدة73، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين القائل في الحديث الصحيح "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" وعلى آله وصحبه أجمعين.

* كان السلف الأوائل يتحرجون ويتهبون من القول في القرآن بغير علم، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه "أيّ أرض تقلني وأيّ سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم"، وقال إبراهيم النخعي رحمه الله "كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه" والآثار عن السلف الأوائل في هذا المجال كثيرة، وكانوا يصحّحون الأفهام المغلوطة لبعض الآيات القرآنية التي أساء الناس فهمها، أو حملوها محامل بعيدة في التأويل المنحرف، عن قيس بن أبي حازم قال "صعد أبو بكر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال :أيها الناس، إنكم لتتلون آية من كتاب الله وتعدونها رخصة، والله ما أنزل الله في كتابه أشدّ منها، يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"المائدة105، والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمّنكم الله بعقاب" والأمثلة على هذا كثيرة، ومثلما كان السلف الأوائل يصححون الفهوم الفاسدة للقرآن الكريم، كانوا يهتمون بالأحداث السياسية الخارجية وهم في الطور المكي، لا قوة ولا دولة لهم، بل كانوا يتخذون المواقف المناسبة منها معارضة أو مساندة جهد طاقتهم والرسول الأكرم بين ظهرانيهم يشجعهم على ذلك تدريبا لهم ولم ينههم عن ذلك، ولم يقل لهم، أتركوا الاهتمام بالشؤون السياسية الخارجية، وذلك حتى لا يكونوا في عزلة عما يحدث في أنحاء العالم، لأن الصراعات السياسية الخارجية لها انعكاسات على سياسات الدول داخليا سلبا أو إيجابا كما يقولون، ومن أطلع على تفسير قوله تعالى "ألم، غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون..."الروم 1/2/3، يدرك بكل جلاء ووضوح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنع الصحابة من الاهتمام بشأن السياسة الخارجية كما يفعل الذين يزهدون عموم المسلمين من الاشتغال بالشأن السياسي الشرعي، داخليا وخارجيا، رغم أن الاشتغال بالسياسة تارة يكون فرض كفاية وتارة يكون فرض عين، فلا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.

* منذ يوم الجمعة 08 ماي 2009 وأنظار الساسة وقادة الفكر وصنّاع الرأي العام وعموم الناس في العالم مشدودة إلى زيارة بابا الفاتيكان إلى كل من الأردن وفلسطين المحتلة، ومازالت ردود الفعل تتوالى إلى يومنا هذا، ولسنا الآن بصدد الحديث عن الغاية الحقيقية من هذه الزيارة التي يبدو في ظاهرها أنها دينية تتمثل في "الحج" إلى الأماكن المقدسة عند المسيحيين، وباطنها ذات أهداف سياسية بحكم أن بابا الفاتيكان رئيس دولة وله سفراء في أغلب دول العالم وأمنية وسياحية وتبشيرية ومحاولة غزو العالم الإسلامي بطرق ملتوية لنشر المسيحية كما هو الحال في الجزائر حيث بدأ ينتشر هذا الغزو الناعم عن طريق شركات الاستثمار التي يرأس بعضها نصارى متزوجين من يهوديات فجمعت بين إرادة الاستحواذ على مفاصل الاقتصاد الجزائري، ونشر المسيحية والتنصير بأكثر من طريقة، كما أننا لسنا بصدد الحديث عن بابا الفاتيكان الذي ينكر نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يعترف بأن القرآن كلام الله عز وجل، ويرى فريضة الجهاد من العنف وينادي بفصل الدين عن الدولة في العالم الإسلامي بشكل ماكر واعترافه بدولة الكيان الصهيوني في أرض الشعب الفلسطيني!!! وفي زيارته الأخيرة أهان المسلمين عمليا حيث دخل المسجد بحذائه ورغم ذلك استقبله ملك الأردن الذي يعتبر نفسه عميد الأسرة الهاشمية وبقية من ذرية سلالة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحفاد ولد إسماعيل عليه السلام، استقبالا يخالف أحكام الشريعة في معاملة أهل الكتاب، منها أنه قدّم زوجته لمصافحة البابا وهي في لباس سافر مكشوف يخالف أحكام لباس المرأة المسلمة!!! ولسنا بصدد الحديث على فضائل الحوار والمناظرة معهم والإحسان إليهم والدفاع عن حقوقهم التي كفلها لهم الشارع الحكيم ما لم يكونوا محاربين أو مظاهرين لأعداء الإسلام أو ناقضين لعقد الذمة الشرعي الذي يعقده لهم الحاكم المسلم الشرعي ولا الحديث عن مظاهر التسامح معهم عبر التاريخ الإسلامي يوم كانت الشريعة الإسلامية هي مرجعية الحكام والمحكومين، كل ذلك لا نتطرق إليه في هذا البيان، كما أننا لا نتطرق إلى الفروق الجوهرية بين المسيحيين العرب والمسيحية الغربية الإفرنجية، التي استولت على بيت المقدس في 15/07/1099م حيث ذبحوا 70 ألف مسلم، شيوخا وأطفالا ونساء، هذه المذبحة التي استمرت 03 أيام تحت عنوان خدام الرب، وما فعله الصليبيون في الأندلس حيث قتل نحو 03 ملايين مسلم ولا عن جرائم محاكم التفتيش التي طالت المسلمين واليهود مما دفع باليهود إلى طلب الحماية من المسلمين والهجرة إلى بلادهم، حيث وجدوا الأمن والرعاية وحرية العقيدة والعبادة، ولن نقارن كيف فتح المسلمون العالم وحافظوا على حرية الاعتقاد لأهل الكتاب ودافعوا عنهم، وبين ما فعله الصليبيون أثناء الحروب الصليبية مما دفع بالنصارى العرب للوقوف إلى جنب المسلمين في مقاومتهم للأفرنجة المتوحشين، وحتى حركة الاستعمار الغربي للعالم العربي والإسلامي كانت بمباركة كبار رجال الدين المسيحي كما حدث أثناء استعمار فرنسا للجزائر ووثائق التاريخ تشهد بذلك بمباركة كبار القساوسة لاستعمار الجزائر، ولكن سوف يقتصر البيان على نقطة واحدة وهي الرد على من حرف آية قرآنية عن مفهومها الصحيح وهي قوله تعالى "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء..." من سورة آل عمران الآية64، وعملا بهدي السلف الأوائل في الرد على من يحرّف الكلم عن مواضعه وأهل البدع الغلاة وأنصار التأويل البعيد الفاسد، سوف نوضح المفهوم الصحيح لمعنى "كلمة سواء" لأن ترك الرّد على الفهوم الخاطئة يلحق الضرر بالمسلمين في دينهم ودنياهم، وعَدّّ بعض العلماء تارك الرد على مثل هؤلاء كالتارك للجهاد في سبيل الله تعالى، قال ابن تيمية رحمه الله "...فترك أهل العلم لتبليغ الدين كترك أهل القتال للجهاد، وترك أهل القتال للقتال الواجب عليهم كترك أهل العلم للتبليغ الواجب عليهم، كلاهما ذنب عظيم..."
* من مصائب المسلمين العظيمة أنه أصبح لكل ملك أو أمير أو رئيس أو عسكري يقوم بانقلاب عسكري عصابة من علماء السوء يحرفون النصوص الشرعية عن مواضعها إرضاء لهؤلاء الحكام الغشمة الطغاة ويبررون لهم تجاوزاتهم غير الشرعية ولو كانت فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، وأصبح تفسير السلطات الحاكمة للإسلام هو التفسير الصحيح وما عداه فهو مرفوض ويعتبر ضربا من التشدد والغلو، يجب على السلطات الحاكمة محاربته وتوظيف لفيف من العلماء والدعاة وطلبة العلم في حمل الناس على تفسير السلطة للإسلام وهكذا أصبح علماء السوء أبواقا للباطل يجارون الحكام الطغاة في تحريفهم لأحكام الشريعة ويصبغون على تصرفاتهم الشرعية الدينية وتمكين الحكام الظلمة من رقاب المسلمين، ومثل هؤلاء الحكام الذين يحملون الناس على تفسيرهم الخاص للإسلام، بعد الاستعانة بعلماء السوء، ممن أفسدوا الدين كما قال اين القيم الجوزية في مدارج السالكين، ج2/ 334.

* لما فشل أعداء الإسلام والحكام العملاء لهم من تبديل أحكام الشريعة القطعية بالاحتلال العسكري الخارجي وقمع الأنظمة الداخلية العميلة، تنبه هؤلاء إلى خدعة جديدة وهي اصطناع بعض أدعياء العلم وعلماء سوء من أبناء المسلمين للقيام بمهمة قذرة تتمثل في تحريف المفاهيم الإسلامية بغية نسف دلالات النصوص الشرعية القطعية والمعلومة من الدين بالضرورة عقيدة ونظما وأحكاما ونشروا مجموعة من الأفكار بين المسلمين على أنها أحكام شرعية ورصدوا لهم جوائز دولية وإقليمية ومحلية وفتحوا لهم وسائل الإعلام المختلفة على أنهم هم وحدهم علماء الإسلام وخلعوا عليهم أروع الأوصاف لتحبيب الناس فيهم، ومحاصرة علماء آخرين ربما كانوا أكثر منهم علما وحجبهم على الناس والتضييق عليهم وتشويه سمعتهم، وعمد علماء السلطان إلى الإبقاء على الألفاظ القرآنية وزوّروا وحرفوا المعاني والمضامين وقاموا بتطويع الإسلام لخدمة أهواء الحكام الظلمة، والحاصل أن أخطر مصيبة تواجه الأمة الإسلامية هي احتكار الأنظمة المخالفة لأحكام الشريعة لتفسير الإسلام، وحمل الناس عليه بالقوة والإكراه وبمساندة علماء السلطان ممن اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، فلا فقه إلا فقه السلطة ولا علماء إلا من اختارتهم السلطة ولمّعتهم وفتحت لهم وسائل الإعلام وحصرت فيهم شرح الإسلام الرسمي، وقد نص ابن تيمية رحمه الله أن سبب سجنه إنما يرجع إلى أنه كان يخالف المراسيم السلطانية أي يخالف التفسير الرسمي للإسلام، وفي المقابل تسفيه الفهوم والاجتهادات الأخرى المخالفة لفهم السلطة، بل قمعها وحجبها ومحاصرتها دعويا وإعلاميا وميدانيا بل ودوليا، لا بقوة مقارعة الحجة بالحجة وإنما بقوة السلطان ووعاظ السلاطين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

* هناك من علماء السلطان من حاول إعطاء الشرعية لزيارة البابا لمسجد الحسين مستدلا بقصة وفد نجران التي رواها البخاري ومسلم وهو قياس مع الفارق، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ناظرهم وأقام عليهم الحجة وظهر عليهم بالدليل والحجة، وتصلبوا على باطلهم ونكلوا عن المباهلة لأنهم عرفوا أنه نبي من الله تعالى وأنهم إن باهلوه هلكوا، فما كان منهم إلا أن صالحوه وبذلوا له الجزية وطلبوا منه الموادعة والمهادنة فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكرههم ولم يحرجهم لأنه حصل المقصود من وضوح الحق والله تبارك وتعالى يقول "لا إكراه في الدين"، قال ابن جريج رضي الله عنه "بلغني أن النبي صلى الله عليه وسم دعا يهود المدينة إلى ذلك، فأبوا عليه فجاهدهم حتى أقروا بالجزية" والحاصل أن وفد نجران هم الذين قدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم من أنفسهم دون دعوة من الرسول صلى اله عليه وسلم، ولم يقرهم على كفرهم، ولم يجاملهم على باطلهم، بل ناظرهم وأقام عليهم الحجة وطلب منهم المباهلة فنكلوا عن ذلك، فهل الملك عبد الله ناظرهم وحاججهم وأقام عليهم الحجة ؟!! ومن أراد أن يعرف تفاصيل وفد نجران فعليه بما قاله علماء التفسير قديما وحديثا للآية 59 إلى 63، ليدرك مدى الزيف والتحريف الذي يمارسه علماء السوء إرضاء للحكام العملاء أصحاب المهام القذرة دوليا وداخليا.

* ومن الآيات القرآنية التي قام علماء السوء بتحريفها إرضاء لهوى الحاكم قوله تعالى "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى، ذلك بأنّ منهم قسيسين ورهبانا، وأنهم لا يستكبرون"المائدة83، فأنزلوا هذه الآية على بابا الفاتيكان لمجرد أنه أطلق كلمات معسولة تمدح ملك الأردن وزوجته الملكة، وبعض الجمل الإنشائية من باب المجاملة لا أكثر ولا أقل، ولكنه لم يعتذر عن طعنه في الإسلام والرسول الكريم ولم يستنكر الرسوم المقيتة التي تطعن في الرسول الأكرم، ونحن نقول من هم النصارى والقسس الذين تنطبق عليهم هذه الآية؟!! أرباب التحريف والتزييف قالوا، عموم النصارى في العالم، أما أهل العلم الراسخ فقالوا أنها نزلت في جماعة معيّنة من النصارى اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخلوا في الإسلام أي نزلت في النجاشي وأصحابه، وهذا ما قاله عبد الله بن الزبير وعطاء بن رباح وسعيد بن جبير وقتادة (رحمهم الله جميعا)، والدليل على ذلك أن الآيات القرآنية حددت صفات وسمات هذه الجماعة المقصودة "وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين، فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين والذين كفروا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم" المائدة64 إلى 86. فمن استجمع الصفات الخمس ومنها الدخول في الإسلام فقد شملته الآية القرآنية، ولا شك أن بابا الفاتيكان لا يتصف بأي صفة من الصفات السالفة الذكر، مع ذلك نقول "لا إكراه في الدين"، "لكم دينكم ولي دين"، ومن حق النصارى "الحج" إلى الأماكن المقدسة والمتواجدة في أراضي الشعوب المسلمة، وقد حافظوا عليها عبر القرون، ولهم الصلاة فيها بعيدا عن التدخل في الشؤون السياسية لتلك الدول التي تضمن حماية تلك الأماكن المقدسة بالنسبة للنصارى، والعجيب أن علماء السلطان تساهلوا في أمور دينهم خلافا لكبار حخامات اليهود في فلسطين المحتلة الذين كان لهم موقفا مغايرا من زيارة البابا لهم، وقد قاطعه بعض كبار الساسة وكبار رجال الدين عندهم وحاولوا الضغط عليه لابتزازه سياسيا!!.
والحاصل، أنه ليس كل النصارى على شكل النجاشي المنصف العادل الذي قبل الدخول في الإسلام!
* أما الآية التي أصبحت شعارا لكل مؤتمر يتعلق بحوار الأديان والتي رفعت مؤخرا في زيارة البابا إلى الأردن وفلسطين المحتلة، هي قوله تعالى "تعالوا إلى كلمة سواء..." وكلنا يعلم أنها رُفعت في حوار الأديان في الرياض ورفعت في مؤتمر مدريد الذي دعا إليه ملك السعودية في 16/07/2008 وفي مؤتمر حوار الأديان في مقر الأمم المتحدة في 12 نوفمبر 2008 بدعوة من الملك السعودي عبد الله وحضره كل من المجرم الإرهابي بوش وبريز، وفي هذا المؤتمر قال الملك السعودي "كلنا نعبد ربا واحدا"، وكلّنا يعرف أن رب اليهود والنصارى مختلف عن رب المسلمين، فرب اليهود فقير ويده مغلولة كما ذكر القرآن الكريم عنهم، وله صفات لا تليق كما تنصّ التوراة، أما رب النصارى فهو ثالث ثلاثة والعياذ بالله، ورغم فساد هذه العقيدة، لم يرد عليه علماء السعودية الغيارى على العقيدة السلفية، رغم أن محمد بن عبد الوهاب يقول "وكذلك نكفر من حسن الشرك للناس وأقام الشبهة الباطلة على إباحته" ولو راجعنا ما قاله الملك عبد الله في مؤتمر الرياض ومؤتمر مدريد ومؤتمر الأمم المتحدة لوجدنا فيه طامات تمس جوهر العقيدة الإسلامية التي هي محل اتفاق جميع الفرق الإسلامية، ناهيك عن العقيدة السلفية التي تحمل السعودية لواءها وكم كُنت أود أن يردَ عليه علماء السعودية في كتاب قائم بذاته، كما ردوا على بعض علماء المسلمين عندما وقعوا في بعض الانحرافات العقدية، وبعضها في فروع العقيدة؟!!! أو قضايا فقهية محل اجتهاد بين أهل العلم والأمر فيها واسع، والحق أن هؤلاء الحكام الطغاة الظلمة لا يقصدون حوار الأديان حقيقة، وإنما يرمُون إلى تحقيق بعض الأهداف التي تخدم مصالحهم كحكام، بعضها سياسي وبعضها أمني وبعضها سياحي من أجل جلب رواد السياحة الدينية والأثرية بغية رفع الدخل القومي، ولو على حساب العقيدة وعزة المسلمين، وبعضها يدل على مهانة وحقارة ونذالة كاستجداء شهادة حسن السلوك من اليهود والنصارى والمشركين أو الإستقواء بالدول الكبرى على دولة أخرى أو على شعوبهم وحفاظا على الكراسي والعروش، ولو كان هؤلاء الحكام صادقين وجادين في الحوار مع الآخر من اليهود والنصارى لفتحوا حوارا جادا عميقا مع سائر الفرق الإسلامية التي يشملها قول الرسول صلى الله عليه وسلم "أمتي" بل عليهم أن يفتحوا حوارا جادا بين أهل السنة والجماعة أنفسهم الذين عمّ فيهم الخلاف والشقاق والافتراق من أجل قضايا خلافية الأمر فيها واسع، أو أن يفتحوا حوارا مع شعوبهم الساخطة عليهم أو رموز المعارضة في بلدانهم على اختلاف توجهاتهم قبل أن يطالبوا بحوار الأديان أو الحضارات، وهؤلاء الحكام ليسوا أهلا لا لحوار الحضارات ولا لصراع الحضارات وإنما هم أهل لتنازلات الحضارات أي تنازل الحضارة الأضعف للحضارة الأقوى لاسيما وشعار الغرب اليوم هو "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا".

* لقد فسر علماء السلطان "كلمة سواء" بتفسير حادث لم يقل به أحد من السلف الأوائل وأوهموا عموم المسلمين أن المقصود "بكلمة سواء" هو القواسم المشتركة المتمثلة في محاربة الشيوعية والإلحاد، ونشر الأخلاق وتحقيق المصالح المشتركة، بل ذهب بعضهم إلى أن من معاني كلمة سواء، التعاون الدولي على مكافحة الإرهاب، وهذا التفسير الحادث فرّغ الآية القرآنية من محتواها العقدي إلى نظرة سياسية تخدم أعداء الإسلام والآن إلى التفسير الصحيح الذي ذهب إليه جماهير علماء السلف الصالح الأوائل، أما الآية القرآنية الكريمة التي وردت فيها كلمة سواء، فهي قوله تعالى "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" آل عمران64، وبيان المعنى الصحيح سوف نتطرق له في النقاط التالية:

أولا: من المعلوم أن جوهر رسائل النبي صلى الله عليه وسلم وكتبه إلى ملوك وأمراء العالم من أهل الكتاب وغيرهم هي الآية السالفة الذكر، كما جاء في صحيح البخاري ومسلم وخاصة رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم، لأن لبّ السياسة الخارجية للدولة الإسلامية هي نشر الإسلام وحمل الدعوة الإسلامية بالإضافة إلى رعاية شؤون الأمة خارجيا على أكثر من صعيد، غير أن الثابت في السياسة الخارجية هي الدعوة إلى الإسلام، أما المصالح الدنيوية المتبادلة تأتي في المرحلة التالية.

ثانيا: من نعم الله تعالى علينا أنه تولى بيان تفسير بعض الآيات بنفسه تبارك تعالى وهو ما يطلق عليه بيان القرآن بالقرآن، وهو أشرف أنواع التفسير وأجلها، وهذا بإجماع العلماء، إذ لا أحد أعلم بمعنى كلام الله جل وعلا من الله جل وعلا. وتارة يكون التفسير في نفس الآية أو بعدها بقليل كقوله تعالى "إن الإنسان خلق هلوعا" ثم فسر ذلك بقوله "إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا من سورة المعارج 19/20/21، وتارة يكون التفسير في سورة أخرى مثاله قوله تعالى في سورة البقرة "فتلقى آدم من ربه كلمات"البقرة37، جاء تفسيرها في قوله تعالى "قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين"الأعراف23، أما معنى كلمة سواء، فقد فسرها بنفسه جل جلاله، ولم يتركها لأهواء الحكام وعلماء السوء ، حيث قال تعالى "تعالوا إلى كلمة سواء" أي عادلة مستوية بيننا وبينكم لا يختلف فيها التوراة والزبور وصحف إبراهيم وموسى والإنجيل والقرآن مما اتفقت عليها جميع الشرائع والرسل قبل تحريف الأتباع للكلم عن مواضعه، قال بن العالية (رحمه الله) كلمة "لا إله إلا الله"، وقال مجاهد (رحمه الله) أي "لا إله إلا الله"، وقال ابن عباس رضي الله عنه، كلمة "عدل"، وقال ابن عطية رضي الله عنه "وما يستوي فيه جميع الناس" وقراءة ابن مسعود رضي الله عنه "كلمة عدل".

أما تفسير الله تبارك وتعالى للكلمة، فقد قال جل جلاله.
أ-"أن لا نعبد إلا الله" وهذا يدل على تقرير الوحدانية وفيها تعريض بالذين عبدوا المسيح أو عزير من دون الله تعالى.
ب-"ولا نشرك به شيا" وهذا يدل على نفي جميع الشركاء من دون الله تعالى.
ج-"ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله" ، قال ابن جريج (رحمه الله) "أي لا يطيع بعضنا بعضا في معصية الله" فلا يجوز طاعة الأحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل من غير الرجوع إلى ما شرع الله، فحق التشريع لله تبارك وتعالى دون سواه ولذلك قال الفضيل بن عياض (رحمه الله) "لا أبالي أطعت مخلوقا في معصية الله أو صليت لغير قبلة" فالذي يطيع غير الله في التشريع كأنه صلى إلى غير القبلة عند هذا الإمام رحمه الله تعالى.

وختمت الآية بقوله تعالى "فإن تولوا فقولوا، اشهدوا بأنا مسلمون" أي إن أعرضوا عن هذه الدعوة وأبوا إلا أن يعبدوا غير الله باتخاذ الشركاء الذين يسمونهم وسطاء وشفعاء أو اتخاذ الأرباب الذين يشرعون لأنفسهم أو لغيرهم فإن أبوا النصف وهذه الدعوة، فما عليكم إلا الالتزام بأحكام الإسلام الناصعة والثبات عليها.

ثالثا: لكل من أراد أن يتأكد بنفسه من تحريف قوله تعالى "تعالوا إلى كلمة سواء" عن معناها الصحيح أن يراجع كتب التفاسير قديما وحديثا وعلى اختلاف المدارس التفسيرية، ونحن نضع بين أيديهم بعض تلك المراجع ليدرك حجم التحريف الذي مارسه علماء السلطان إرضاء لأهواء الحكام السفهاء الذين يُطوّعون أحكام الدين لأهداف سياسية عن طريق علماء السوء، وليعلم الجميع أننا لا نتقوّل عليهم، كما أننا لا نقول بقول لم نسبق إليه، وليس لنا فيه إمام مشهود بعلمه وفضله ومكانته، والآن إلى تلك المراجع إمعانا منا في إقامة الحجة وكشف التحريف الخطير.
1-جامع البيان ج3، ص 301، الطبري ت 360هـ
2-أحكام القرآن، ج2 ص 296، الجصاص ت 370 هـ
3-تفسير بحر العلوم ج1 ص 245، أبو الليث السمرقندي ت 375هـ
4-تفسير النكت والعيون ج1 ص 399، للماوردي ت 450 هـ
5-أحكام القرن ج1 ص 288، الكيا الهراسي ت 503 هـ
6-معالم التنزيل ج1 ص 361، للبغوي ن 516هـ
7-حقائق التنزيل ج1 ص 194 الزمخشري ت 538 هـ
8-مجمع البيان ج2 ص 104 للطبرسي ت 538هـ
9- أحكام القرآن ج1 ص 275 ابن العربي ت 543 هـ
10- زاد المسير ج1 ص 400 ابن الجوزي ت 597 هـ
11- الجامع لأحكام القرآن ج3 ص 94 للقرطبي ت 671 هـ
12-التفسير الكبير ج4 ص 80 للفخر الرازي ت 604 هـ
13- تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل ج1 ص 361، الخازن ت 725 هـ
14-التفسير الكامل ج2 ص 218 ابن تيمية ت 728 هـ
15-تفسير بن كثير ج2 ص 47... ابن كثير ت 774 هـ
16- الدر المنثور ج2 ص 222، السيوطي ت 911 هـ
17- إرشاد العقل السليم ج1 ص 374، أبو السعود ت 982هـ
18- الفتوحات الإلهية ج1 ص 284، سليمان بن عمر العجيلي ت 1204 هـ
19-فتح القدير ص 265، الشوكاني ت 1250 هـ
20-روح المعاني ج2 ص 186، للألوسي ت 1270 هـ
21- تفسير المنار ج1 ص 331، محمد رشيد رضا ت 1354 هـ
22- محاسن التأويل ج2 ص 117 للقاسمي ت 1332 هـ
23- تيسير الكريم الرحمن ج1 ص 223، عبد الرحمن السعدي ت 1376 هـ
24- في ضلال القرآن ج1 ص 406، سيد قطب ت 1965 هـ
25- التحرير والتنوير ج2 ص 268، الفاضل بن عاشور ت 1394 هـ
26- تفسير القرآن الكريم ص 96، شلتوت
27- التفسير المنير ج2 ص 274، وهبة الزحيلي.
28- التفسير الوسط ج1 ص 200 لوهبة الزحيلي أيضا.
29- التيسير في أحاديث التفسير ج1 ص 231، محمد مكي الناصري.
30- التفسير الحديث ج7 ص 162، محمد عزة دروزة ت 1984 م
31- أحكام الله في الزهراوين ص 500 عبد الحميد محمد ندا
32-التربية الإسلامية في سورة آل عمران ص 135، د علي عبد الحليم محمود.
33-أيسر التفاسير ج1 ص 327، أبو بكر جابر الجزائري
34 صفوة التفاسير ج1 ص 208، الصابوني
35- التوراة والإنجيل والقرآن في سورة آل عمران، ص 69، عبد الحميد طهماز
36- تفسير المراغي ج1 ص 177، المراغي ت 1945م.
37- تفسير الشعراوي ج3 ص 1532.

* تلك بعض المراجع من كتب التفسير نفع الله بعلمهم جميعا، ليطلع عليها كل مسلم بنفسه ليعرف حجم التحريف المعاصر الذي يمارسه علماء السلطان خدمة للحكام الطغاة المفسدين في الأرض، وما أكثر النصوص والقضايا التي حرفت عمدا خدمة أهواء الحكام الذين يعطلون أحكام الشريعة ويزهدون فيها عن عمد وسبق إصرار وبعضهم يحاربها ويحارب من يطالب بتحكيمها في حياة الشعوب المسلمة لتحصل لهم السعادة في الدنيا والآخرة والله المستعان، وليعلم كل مسلم ومسلمة أن التحريف هو ضرب من التقّول على الله والله يقول "ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين" الحاقة46 نعوذ بالله من الخذلان والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

* فائدة: تحريف الكلم عن مواضعه جريمة من الجرائم الكبرى التي وقع فيها اليهود والنصارى وأهل النفاق وعلماء السوء من قديم "..من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه..." النساء46، "..فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه..." المائدة13، وقال تعالى ".. يحرفون الكلم من بعد مواضعه.." المائدة،41 وقد فصل القول الإمام الخطيب الإسكافي ت 420هـ في الآية 13 و 41 من سورة المائدة في كتابه الفريد من نوعه "درة التأويل وغرة التأويل" فلينظر، ومن اطلع على كتاب "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" لابن تيمية رحمه الله، يدرك حجم التحريف الذي مارسه النصارى وأهل النفاق وعلماء السلطان في كل عصر ومصر يعملون على تحريف كلام الله تعالى كما قال تعالى "يريدون أن يبدلوا كلام الله" الفتح15، والحاصل أن التحريف أمر خطير وهو أنواع كثيرة لسنا الآن بصدد شرحها والتمثيل لها، ومن أنواعه تغيير الأحكام والحدود وتفسير القرآن الكريم على غير ما أنزل وسوء التأويل، نسأل الله السلامة وحسن الخاتمة آمين.
نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ
بن حاج علي

http://www.hisbah.net/showthread.php?t=8266