المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جرائم الشرف بين قصور القانون وحكمة الشريعة



وليد المسلم
06-08-2009, 06:01 PM
كتب / أسامه الهتيمى
على الرغم من أن ما يُسمى بجرائم الشرف ـ الجرائم التي يزعم الفاعل أنه ارتكبها باسم الشرف ـ لم تصل إلى درجة كونها ظاهرة يمكن أن تمثل خطورة على المجتمع الإسلامي؛ إذ يصل عدد حالات وقوعها إلى ما بين 15 إلى 25 جريمة سنويًّا في أكثر الدول العربية التي تُرتكب بها وهي "الأردن"، إلا أن وجودها في حد ذاته يشير وبقوة إلى أن ثمَّة خلل كبير حادث في الفهم لدى قطاع من المسلمين، نتيجة الخلط بين ما هو عرفي متوارث وبين ما هو تشريعي ديني، وهو ما يمكن أن يكون سوءة تلتصق زورًا وبهتانًا بالدين الإسلامي الحنيف.

ونتيجة لتركز حدوث هذه الجرائم في العالم العربي والإسلامي، فإن الكثير من العلمانيين وأعداء الدين والمتربصين به ممن يصيدون في الماء العكر، يحاولون بشتى الطرق تشويه صورة الإسلام؛ فيرجعون ارتكاب هذه الجرائم إلى تعليمات ومبادئ الدين وشيم التدين، مع أن ما أشارت إليه حالات أغلب المتورطين فيها ـ والذين اتسمت شخصياتهم بقلة الوعي الديني وانعدام التدين السلوكي ـ يتناقض مع ذلك الادعاء تمامًا، كما أن الكثير من التحقيقات القضائية مع هؤلاء أثبتت أن دوافع أغلبيتهم لا علاقة لها بالدين؛ إذ انحصرت في العصبية والدفاع عن شرف العائلة أو الخلافات العائلية حول الميراث، فضلًا عن أن الجريمة ليست محصورة في المجتمع المسلم فحسب، بل وترتكب في بلدان أخرى منها؛ البرازيل والإكوادور والولايات المتحدة وبعض دول أوروبا.

وجهل هؤلاء أو تجاهلوا عن عمد ذلك البون الشاسع والتباين الواضح بين العقوبة التي قررتها الشريعة الإسلامية في حق مرتكبي جرائم الشرف، وبين العقوبة التي قررها القانون الوضعي في العديد من البلدان، والتي يكشف مجرد النظر فيها عن تلك الصرامة والشدة التي اتخذتها شريعة الإسلام تجاه هؤلاء، ممن استخفوا بأنفس الناس وأرواحهم ونصبوا من أنفسهم قضاة يقضون بالأحكام دون تخويل أو حتى أدلة من الشرع، في مقابل قانون وضعي قضى بعقوبة لا يمكن مطلقًا أن تكون رادعة أو تحد من انتشار هذه الجريمة.

وتتعدد الأشكال والصور التي تكون عليها جرائم الشرف؛ فمنها ما تتعرض له المرأة التي زنت برضاها ـ بكرًا كانت أو ثيبًا ـ ومنها ما يكون موجهًا ضد تلك التي وقعت ضحية حادث اغتصاب، ومنها ما يكون ضد من أُشيع عنها الأقاويل، ومنها ما يقع على من طالتها شائعة لا دليل عليها، وغير ذلك مما يمكن أن تكون نتيجته النهائية فقد الأنثى لحياتها.


العقوبة القانونية


إن تتبع أشكال العقوبات التي يمكن أن تطال مرتكبي مثل هذه الجرائم، وفقًا للقوانين الوضعية التي تحكم العديد من البلدان العربية، يكشف عن قدر المصيبة التي يمكن أن تكون دافعًا حقيقيًّا إلى ارتكاب المزيد من هذه الجرائم بدلًا من أن تحد منها؛ لأنها لا تمثل أداة ردع قوية لهم؛ فأقصى عقوبة يمكن أن ينالها مرتكب جريمة الشرف في الأردن مثلًا، لا تتجاوز السجن لمدة ستة أشهر، في الوقت الذي فشلت كل محاولات تغليظ العقوبة، حيث قوبلت جميعها بالرفض من قبل البرلمان الأردني، التي تذرَّع أعضاؤه أن العقوبات المخففة على هذه الجريمة، تردع المرأة عن ارتكاب الزنا!

أما في القانون السوري؛ فربما كان الوضع أحسن حالًا مما هو عليه القانون الأردني، غير أنه أيضًا ـ وبحسب ما أكد بعض الخبراء السوريين ـ لا يمكن اعتبار العقوبات التي تضمنها القانون إلا شكلًا من أشكال الإعفاء عن مرتكبي جريمة الشرف، إذ أن العقوبة لا تساوي مطلقًا حجم ما ارتكب.

فقانون العقوبات السوري الذي طُبِّق عام 1949م يخلو من تعريف جرائم الشرف؛ إذ أن هذا المصطلح هو تعبير اعتاد أفراد المجتمع إطلاقه على الجرائم التي ترتكب بدافع الشرف بحكم العرف الاجتماعي، وتذهب ضحيتها المرأة لأسباب عديدة، في حين تشير المادة 192 من نفس القانون إلى أنه إذا تبين للقاضي أن الدافع كان شريفًا؛ قضى بالعقوبات التالية: الاعتقال المؤبد بدلًا من الإعدام والاعتقال المؤبد، أو لخمس عشرة سنة بدلًا من الأشغال الشاقة المؤبدة، الاعتقال المؤقت بدلًا من الأشغال الشاقة المؤقتة، والحبس البسيط بدلًا من الحبس مع التشغيل ... إلخ.

كما تشير المادة 548 التي تندرج تحتها جرائم الشرف إلى أنه يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود، أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، كما يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف، إذا فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر.

أما في القانون المصري؛ فلا يوجد عقوبة لما يُسمى بجرائم الشرف، وإنما القتل بسبب الشك في سلوك المرأة، وهنا عندما يقتلها الرجل يعطي له القانون ميزة تصدر من المادة 17 في قانون العقوبات، تعطي الحق للقاضي أن يخفف العقوبة لدرجتين أقل، وفي حين أن أصل الجناية سبق إصرار تصل مع التخفيف إلى جنحة، وهي أقل درجات العقوبة.


توجيهات للوقاية

أما قضية الشرف في الإسلام وشريعته؛ فإنها تختلف تمامًا عن هذا التبسيط المخل الذي يتعامل به القانون الوضعي مع القضية؛ فالإسلام كان صريحًا وصارمًا منذ البداية في التعاطي مع قضية العلاقة بين المرأة والرجل؛ فأوصى وفرض كل ما يمكن أن يصون كرامة المرأة ويحفظ شرفها، ويَحُول بينها وبين أن تكون مجرد أداة للاستمتاع بيد الرجل في غير ما أحل الله.

وبطبيعة الحال ـ وكما هي عادة الإسلام في كل شئونه ـ فقد انطلق في توجيهاته من مبدأ المساواة بين الرجل والأنثى، باعتبارهم عبادًا سيحاسبون جميعًا على ما قدموا؛ فكان قول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ...} [النور: 30].

فالأمر بغض البصر عن كل ما حرم الله كما هو واضح بالآية للرجال أولًا ثم للنساء، في حين كان الأمر للرجال بحفظ الفروج، وهو ما تساوى فيه الرجال مع النساء اللائي أمرهن الله أيضًا بحفظ الفروج، غير أن النساء اختصت ببعض التوجيهات التي بمخالفتها يمكن أن تقع الفتنة ويحدث ما لا يحمد عقباه، فكانت أوامر الله لهن بعدم إبداء الزينة إلا لأصناف خاصة من الرجال، فضلًا عن ضرورة الالتزام بالحجاب الذي يكسب المرأة الوقار واحترام الآخرين لها.

بل إن الإسلام عدَّ الوقوع في خطيئة "الزنا" إحدى الكبائر التي تستوجب الحد في الدنيا، الذي يصل إلى الرجم حتى الموت إن كان مرتكبه محصنًا, كما يستوجب العذاب في الآخرة، إن هو مات دون التوبة إلى الله.


موقف الشريعة

إلا أن الشريعة لم تترك الأمر عبثًا دون أن تضع له قيودًا وشروطًا لإثبات الجريمة والتدليل على وقوعها، وإلا تلبس المجتمع حالة من الفوضى والادعاء وقذف الناس بما لم يفعلوه، وهو نقيض ما جاء به الإسلام الذي حرص على تحقيق الأمن والوئام بين أفراد المجتمع قاطبة.

كما أن الشائعات أو الأقاويل عن سوء سمعة أو سلوك لم يكن في يوم من الأيام دليل تعتبر به الشريعة وتأخذ به في إصدار أحكامها وتنفيذ حدودها؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، فضلًا عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ادرءوا الحدود بالشبهات) [هذا قول عمر بن الخطاب: (لئن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات) [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، (28493)]].

بل إن الشريعة تعاملت بشدة كبيرة مع مروجي مثل هذه الأقاويل، التي جاءت نتيجة مجرد شكوك وظنون لا عن علم ويقين؛ فسنَّت لهؤلاء عقوبة من أكبر العقوبات، وهي حد القذف.

وفوق ذلك فقد وضع الإسلام لإثبات دعوى ارتكاب الزنا شروطًا ليست بالهينة منعًا لأن يترك الأمر على عواهنه، فيسهل على ضعاف النفوس من الناس، وهم متواجدون في كل زمان ومكان أن يلقوا الآخرين بالتهم دون دليل، فاشترط وجود أربعة شهود عدول يتفقون على أقوالهم؛ يقول تعالى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13].


عدالة إلهية

كما لم يفرق الإسلام في العقوبة بين الزاني والزانية، فإذا ما تم ضبط الاثنين في حالة التلبس وقد ثبتت عليهما التهمة أو أنهما اعترفا بارتكابها؛ فإن العقوبة واحدة بحسب ما نصت الشريعة؛ يقول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]، وذلك في حال أنهما غير محصنيين فيما أجمع الفقهاء استنادًا لما فعله النبي الكريم على قذفهما في حال كانا محصنين، وهذا بخلاف ما يرتكبه أصحاب جرائم الشرف، إذ يقتلون الفتاة وهي غير محصنة.

وتشهد الكثير من الحوادث التي وقعت في عهد الرسول الكريم مدى ما تتسم به الشريعة من رأفة ورحمة بأتباعها، إذ يروى أن امرأة من غامد من الأزد جاءته صلى الله عليه وسلم؛ فقالت: يا رسول الله طهرني، فقال: (ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه)، فقالت: أراك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك، قال: (وما ذاك؟)، قالت: إنها حبلى من الزنى، فقال: (آنت؟)، قالت: نعم، فقال لها: (حتى تضعي ما في بطنك)، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية، فقال: (إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه)، فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله، قال: فرجمها [رواه مسلم، (4527)].


بين الزوجين

وقد عالج الإسلام أيضًا مسألة أن يضبط الزوج زوجته مثلًا وهي متلبسة مع رجل آخر يرتكبان الخطيئة، فالأمر لا يخرج عن ثلاث حالات: إما أن تقر الزوجة، وإما أن يأتي الزوج بأربعة شهود، وإما أن تنفي الزوجة ولا يستطيع الزوج أن يأتي بالشهود، وفي هذه الحالة تكون الملاعنة التي تحدث عنها القرآن الكريم؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6-9].

والأمر الأهم فيما يخص هذه القضية أن مرتكب ما يُسمى بجريمة الشرف يعطي لنفسه سلطة المفتي والمحقق والقاضي والشرطي، وهو ما يعد افتئاتًا على السلطة في الإسلام، وهو أمر ترفضه الشريعة؛ إذ أن ذلك كفيل بأن يؤصل للفوضى والعبث في كيان الأمة الإسلامية.

وبالتالي فإنه ليس من الإسلام في شيء أن يقوم أي إنسان بمجرد أن يتوارد إلى سمعه أو يساوره الشك في سوء سلوك واحدة ممن تنسب إليه سواء أكانت زوجته أو أخته أو أمه أو ابنته أو إحدى قريباته، فيقدم على إزهاق روحها، ففي ذلك تجاوز للحق الإلهي.

وفي هذا السياق تبدو المفارقة واضحة بين الدقة الشديدة للإجراءات القضائية في الشريعة الإسلامية، والتي تميزها عن غيرها من القوانين الوضعية التي تمتلأ بالكثير من الثغرات، التي يسعى بعض العاملين في حقل القانون إلى استغلالها؛ فيُجرِّمون البريء ويُبرِّئون المجرم ويضيع الحق.
[/]
المصدر (http://forum.shareah.com/showthread.php?t=715)

اخت مسلمة
06-22-2009, 02:19 AM
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

من أهم مقومات المجتمع المسلم وتحقيقه لتوحيد الله أن يكون الحكم لله تبارك وتعالى
بالرد إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام

جزاك الله خيرا

BStranger
01-03-2013, 10:48 AM
للرفع