المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب (فتح الباري شرح صحيح البخاري "لابن حجر") مفرغ



اخت مسلمة
06-08-2009, 11:44 PM
المؤلف : أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)
المحقق : عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب
رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه وذكر أطرافها : محمد فؤاد عبد الباقي
الناشر : دار الفكر ( مصور عن الطبعة السلفية )

بسم الله الرحمن الرحيم


هدي الساري مقدمة فتح الباري
مقدمة...
هدي الساري مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري
الاسم المختصر: مقدمة فتح الباري
اسم المؤلف: أبو الفضل للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام العالم العلامة الرباني حجة الإسلام رحلة الطالبين عمدة المحدثين زين المجالس فريد عصره ووحيد دهره محيى السنة الغراء قامع أهل البدع والأهواء الشهاب الثاقب أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي العسقلاني الشهير بابن حجر أثابه الله الجنة بمنه وكرمه أمين.
الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للسنة فانقادت لأتباعها وارتاحت لسماعها وأمات نفوس أهل الطغيان بالبدعة بعد أن تمادت في نزاعها وتغال في ابتداعها وأشهد أن لا آله إلا الله وحده لا شريك له العالم بانقياد الأفئدة وامتناعها المطلع على ضمائر القلوب في حالتي افتراقها واجتماعها وأشهد أن محمد عبده ورسوله الذي انخفضت بحقه كلمة الباطل بعد ارتفاعها واتصلت بإرساله أنوار الهدى وظهرت حجتها بعد انقطاعها صلى الله عليه وسلم ما دامت السماء والأرض هذه في سموها وهذه في اتساعها وعلى آله وصحبه الذين كسروا جيوش المردة وفتحوا حصون قلاعها وهجروا في محبة داعي إلى الله الأوطار والأوطان ولم يعاودها بعد وداعها وحفظوا على أتباعهم أقواله وأفعاله وأحواله حتى أمنت بهم السنن الشريفة من ضياعها
أما بعد. فإن أولى ما صرفت فيه نفائس الأيام وأعلى ما خص بمزيد الاهتمام الاشتغال بالعلوم الشرعية المتلقاة عن خير البرية ولا يرتاب عاقل في أن مدارها على كتاب الله المقتفى وسنة نبيه المصطفى وأن باقي العلوم إما آلات لفهمهما وهي الضالة المطلوبة أو أجنبية عنهما وهي الضارة المغلوبة وقد رأيت الإمام أبا عبد الله البخاري في جامعه الصحيح وقد تصدى للاقتباس من أنوارهما البهية تقريرا واستنباطا وكرع من مناهلهما الروية انتزاعا وانتشاطا ورزق بحسن نيته السعادة فيما جمع حتى أذعن له المخالف والموافق وتلقى كلامه في التصحيح بالتسليم المطاوع والمفارق وقد استخرت الله تعالى في أن أضم إليه نبذا شارحة لفوائده موضحة لمقاصده كاشفة عن مغزاه في تقييد أوابده واقتناص شوارده وأقدم بين يدي ذلك كله مقدمة في تبيين قواعده وتزيين فرائده جامعة وجيزة دون الإسهاب وفوق القصور سهلة المأخذ تفتح المستغلق وتذلل الصعاب وتشرح الصدور وينحصر القول فيها إن شاء الله تعالى في عشرة فصول
الأول : في بيان السبب الباعث له على تصنيف هذا الكتاب
الثاني : في بيان موضوعه والكشف عن مغزاه فيه والكلام على تحقيق شروطه وتقرير كونه من أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي ويلتحق به الكلام على تراجمه البديعة المنال المنيعة المثال التي انفرد بتدقيقه فيها عن نظرائه واشتهر بتحقيقه لها عن قرنائه
الثالث : في بيان الحكمة في تقطيعه للحديث واختصاره وفائدة إعادته للحديث وتكراره
الرابع : في بيان السبب في إيراده الأحاديث المعلقة والآثار الموقوفة مع أنها تباين أصل موضوع الكتاب وألحقت فيه سياق الأحاديث المرفوعة المعلقة والإشارة لمن وصلها على سبيل الاختصار
الخامس : في ضبط الغريب الواقع في متونه مرتبا له على حروف المعجم بألخص عبارة وأخلص إشارة لتسهل مراجعته ويخف تكراره
السادس : في ضبط الأسماء المشكلة التي فيه وكذا الكنى والأنساب وهي على قسمين الأول المؤتلفة والمختلفة الواقعة فيه حيث تدخل تحت ضابط كلى لتسهل مراجعتها ويخف تكرارها وما عدا ذلك فيذكر في الأصل والثاني المفردات من ذلك
السابع : في تعريف شيوخه الذين أهمل نسبهم إذا كانت يكثر اشتراكها كمحمد لا من يقل اشتراكه كمسدد وفيه الكلام على جميع ما فيه من مهمل ومبهم على سياق الكتاب مختصرا
الثامن : في سياق الأحاديث التي انتقدها عليه حافظ عصره أبو الحسن الدارقطني وغيره من النقاد والجواب عنها حديثا حديثا وإيضاح أنه ليس فيها ما يخل بشرطه الذي حققناه
التاسع : في سياق أسماء جميع من طعن فيه من رجاله على ترتيب الحروف والجواب عن ذلك الطعن بطريق الإنصاف والعدل والاعتذار عن المصنف في التخريج لبعضهم ممن يقوي جانب القدح فيه أما لكونه تجنب ما طعن فيه بسببه وأما لكونه أخرج ما وافقه عليه من هو أقوى منه وأما لغير ذلك من الأسباب
العاشر : في سياق فهرسة كتابه المذكور بابا بابا وعدة ما في كل باب من الحديث ومنه تظهر عدة أحاديثه بالمكرر أوردته تبعا لشيخ الإسلام أبي زكريا النووي رضي الله عنه تبركا به ثم أضفت إليه مناسبة ذلك مما استفدته من شيخ الإسلام أبي حفص البلقيني رضي الله عنه ثم أردفته بسياق أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم كتابه مرتبا لهم على الحروف وعد ما لكل واحد منهم عنده من الحديث ومنه يظهر تحرير ما اشتمل عليه كتابه من غير تكرير ثم ختمت هذه المقدمة بترجمة كاشفة عن خصائصه ومناقبه جامعة لمآثره ومناقبه ليكون ذكره واسطة عقد نظامها وسرة مسك ختامها فإذا تحررت هذه الفصول وتقررت هذه الأصول افتتحت شرح الكتاب مستعينا بالفتاح الوهاب فأسوق إن شاء الله الباب وحديثه أولا ثم أذكر وجه المناسبة بينهما إن كانت خفية ثم أستخرج ثانيا ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والإسنادية من تتمات وزيادات وكشف غامض وتصريح مدلس بسماع ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك منتزعا كل ذلك من أمهات المسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك وثالثا أصل ما انقطع من معلقاته وموقوفاته وهناك تلتئم زوائد الفوائد وتنتظم شوارد الفرائد ورابعا أضبط ما يشكل من جميع ما تقدم أسماء وأوصافا مع إيضاح معاني الألفاظ اللغوية والتنبيه على النكت البيانية ونحو ذلك وخامسا أورد ما استفدته من كلام الأئمة مما استنبطوه من ذلك الخبر من الأحكام الفقهية والمواعظ الزهدية والآداب المرعية مقتصرا على الراجح من ذلك متحريا للواضح دون المستغلق في تلك المسالك مع الاعتناء بالجمع بين ما ظاهره التعارض مع غيره،
والتنصيص على المنسوخ بناسخة والعام بمخصصه والمطلق بمقيده والمجمل بمبينه والظاهر بمؤوله والإشارة إلى نكت من القواعد الأصولية ونبذ من فوائد العربية ونخب من الخلافيات المذهبية بحسب ما اتصل بي من كلام الأئمة واتسع له فهمي من المقاصد المهمة وأراعى هذا الأسلوب إن شاء الله تعالى في كل باب فإن تكرر المتن في باب بعينه غير باب تقدم نبهت على حكمة التكرار من غير إعادة له إلا أن يتغاير لفظه أو معناه فأنبه على الموضع المغاير خاصة فإن تكرر في باب آخر اقتصرت فيما بعد الأول على المناسبة شارحا لما لم يتقدم له ذكر منبها على الموضع الذي تقدم بسط القول فيه فإن كانت الدلالة لا تظهر في الباب المقدم إلا على بعد غيرت هذا الاصطلاح بالاقتصار في الأول على المناسبة وفي الثاني على سياق الأساليب المتعاقبة مراعيا في جميعها مصلحة الاختصار دون الهذر والإكثار والله أسأل أن يمن علي بالعون على إكماله بكرمه ومنه وأنه يهديني لما اختلف فيه من الحق بإذنه وأن يجزل لي على الاشتغال بآثار نبيه الثواب في الدار الأخرى وأن يسبغ علي وعلى من طالعه أو قرأه أو كتبه النعم الوافرة تترى إنه سميع مجيب.


الفصل الأول: في بيان السبب الباعث لأبي عبد الله البخاري على تصنيفه الصحيح وبيان حسن نيته في ذلك...
المقدمة
الفصل الأول: في بيان السبب الباعث لأبي عبد الله البخاري على تصنيف جامعه الصحيح وبيان حسن نيته في ذلك
اعلم, علمني الله وإياك أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة لأمرين أحدهما إنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم وثانيهما لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار فأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح1 وسعيد بن أبي عروبة2 وغيرهما وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام فصنف الإمام مالك الموطأ وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة وأبو عمر وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي بالشام وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وذلك على رأس المائتين فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا وصنف أسد بن موسى الأموي مسندا وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك أثرهم فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم من النبلاء ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معا كأبي بكر بن أبي شيبة فلما رأى البخاري رضي الله عنه هذه التصانيف ورواها وانتشق رياها واستجلى محياها وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف فلا يقال لغثه سمين فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين وقوى عزمه على ذلك ما سمعه من أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه وذلك فيما أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج المزي أخبرنا
ـــــــ
1 مجاهد صالح توفي غازيا في بحر السند سنة 160 ودفن في جزيرة. له ترجمة في تهذيب التهذيب
2 وفاته سنة 156 له ترجمة في ترجمة في تهذيب التهذيب

يوسف بن يعقوب أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن نعيم سمعت خلف بن محمد البخاري بها يقول سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يقول قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري كنا عند إسحاق بن راهويه فقال لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح وروينا بالإسناد الثابت عن محمد بن سليمان بن فارس قال سمعت البخاري يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب بها عنه فسألت بعض المعبرين فقال لي أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح وقال الحافظ أبو ذر الهروي سمعت أبا الهيثم محمد بن مكي الكشميهني يقول سمعت محمد بن يوسف الفربري يقول قال البخاري ما كتبت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين وقال أبو علي الغساني روى عنه أنه قال خرجت الصحيح من ستمائة ألف حديث وروى الإسماعيلي عنه قال لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا وما تركت من الصحيح أكثر قال الإسماعيلي لأنه لو أخرج كل صحيح عنده لجمع في الباب الواحد حديث جماعة من الصحابة ولذكر طريق كل واحد منهم إذا صحت فيصير كتابا كبيرا جدا وقال أبو أحمد بن عدي سمعت الحسن بن الحسين البزار يقول سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يقول سمعت البخاري يقول ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحيح حتى لا يطول وقال الفربري أيضا سمعت محمد بن أبي حاتم البخاري الوراق يقول رأيت محمد بن إسماعيل البخاري في المنام يمشي خلف النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يمشي فكلما رفع النبي صلى الله عليه وسلم قدمه وضع البخاري قدمه في ذلك الموضع وقال الحافظ أبو أحمد بن عدي سمعت الفربري يقول سمعت نجم بن فضيل وكان من أهل الفهم يقول فذكر نحو هذا المنام أنه رآه أيضا وقال أبو جعفر محمود بن عمرو العقيلي لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث قال العقيلي والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة.


الفصل الثاني: في بيان موضوعه والكشف عن مغزاه فيه
تقرر أنه التزم فيه الصحة وأنه لا يورد فيه إلا حديثا صحيحا هذا أصل موضوعه وهو مستفاد من تسميته إياه "الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه" ومما نقلناه عنه من رواية الأئمة عنه صريحا ثم رأى أن لا يخليه من الفوائد الفقهية والنكت الحكمية فاستخرج بفهمه من المتون معاني كثيرة فرقها في أبواب الكتاب بحسب تناسبها واعتنى فيه بآيات الأحكام فانتزع منها الدلالات البديعة وسلك في الإشارة إلى تفسيرها السبل الوسيعة قال الشيخ محيي الدين نفع الله به ليس مقصود البخاري الاقتصار على الأحاديث فقط بل مراده الاستنباط منها والاستدلال لأبواب أرادها ولهذا المعنى أخلى كثيرا من الأبواب عن إسناد الحديث واقتصر فيه على قوله: "فيه فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم" أو نحو ذلك وقد يذكر المتن بغير إسناد وقد يورده معلقا وإنما يفعل هذا لأنه أراد الاحتجاج للمسئلة التي ترجم لها وأشار إلى الحديث لكونه معلوما وقد يكون مما تقدم وربما تقدم قريبا ويقع في كثير من أبوابه الأحاديث الكثيرة وفي بعضها ما فيه حديث واحد وفي بعضها ما فيه آية من كتاب الله وبعضها لا شيء فيه البتة وقد ادعى بعضهم أنه صنع ذلك عمدا وغرضه أن يبين أنه لم يثبت عنده حديث بشرطه في المعنى الذي ترجم عليه ومن ثمة وقع من بعض من نسخ الكتاب ضم باب لم يذكر فيه حديث إلى حديث لم يذكر فيه باب فأشكل فهمه على الناظر فيه وقد أوضح السبب في ذلك الإمام أبو الوليد الباجي المالكي في مقدمة كتابه في أسماء رجال البخاري فقال أخبرني الحافظ أبو ذر عبد الرحيم بن أحمد الهروي قال حدثنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري فرأيت فيه أشياء لم تتم وأشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ومنها أحاديث لم يترجم لها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض قال أبو الوليد الباجي ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية أبي محمد السرخسي ورواية أبي الهيثم الكشمهينى ورواية أبي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير مع أنهم انتسخوا من أصل واحد وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما فأضافه إليه ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث قال الباجى وإنما أوردت هذا هنا لما عني به أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بين الترجمة والحديث الذي يليها وتكلفهم من ذلك من تعسف التأويل ما لا يسوغ انتهى قلت وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمع بين الترجمة والحديث وهي مواضع قليلة جدا ستظهر كما سيأتي ذلك إن شاء الله تعالى ثم ظهر لي أن البخاري مع ذلك فيما يورده من تراجم الأبواب على أطوار إن وجد حديثا يناسب ذلك الباب ولو على وجه خفي ووافق شرطه أورده فيه بالصيغة التي جعلها
مصطلحة لموضوع كتابه وهي حدثنا وما قام مقام ذلك والعنعنة بشرطها عنده وإن لم يجد فيه إلا حديثا لا يوافق شرطه مع صلاحيته للحجة كتبه في الباب مغايرا للصيغة التي يسوق بها ما هو من شرطه ومن ثمة أورد التعاليق كما سيأتي في فصل حكم التعليق وإن لم يجد فيه حديثا صحيحا لا على شرطه ولا على شرط غيره وكان بما يستأنس به وقدمه قوم على القياس استعمل لفظ ذلك الحديث أو معناه ترجمة باب ثم أورد في ذلك إما آية من كتاب الله تشهد له أو حديثا يؤيد عموم ما دل عليه ذلك الخبر وعلى هذا فالأحاديث التي فيه على ثلاثة أقسام وسيأتي تفاصيل ذلك مشروحا إن شاء الله تعالى
ولنشرع الآن في تحقيق شرطه فيه وتقرير كونه أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي قال الحافظ أبو الفضل بن طاهر فيما قرأت على الثقة أبي الفرج بن حماد أن يونس بن إبراهيم بن عبد القوي أخبره عن أبي الحسن بن المقير عن أبي المعمر المبارك بن أحمد عنه "شرط البخاري أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات ويكون إسناده متصلا غير مقطوع وإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن وإن لم يكن إلا راو واحد وصح الطريق إليه كفى قال وما ادعاه الحاكم أبو عبد الله أن شرط البخاري ومسلم أن يكون للصحابي راويان فصاعدا ثم يكون للتابعي المشهور راويان ثقتان إلى آخر كلامه فمنتقض عليه بأنهما أخرجا أحاديث جماعة من الصحابة ليس لهم إلا راو واحد انتهى والشرط الذي ذكره الحاكم وإن كان منتقضا في حق بعض الصحابة الذين أخرج لهم فإنه معتبر في حق من بعدهم فليس في الكتاب حديث أصل من رواية من ليس له إلا راو واحد قط وقال الحافظ أبو بكر الحازمي رحمه الله هذا الذي قاله الحاكم قول من لم يمعن الغوص في خبايا الصحيح ولو استقرأ الكتاب حق استقرائه لوجد جملة من الكتاب ناقضة دعواه ثم قال ما حاصله أن شرط الصحيح أن يكون إسناده متصلا وأن يكون راويه مسلما صادقا غير مدلس ولا مختلط متصفا بصفات العدالة ضابطا متحفظا سليم الذهن قليل الوهم سليم الاعتقاد قال ومذهب من يخرج الصحيح أن يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه العدول فبعضهم حديثه صحيح ثابت وبعضهم حديثه مدخول قال وهذا باب فيه غموض وطريق إيضاحه معرفة طبقات الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم فلنوضح ذلك بمثال وهو أن تعلم أن أصحاب الزهري مثلا على خمس طبقات ولكل طبقة منها مزية على التي تليها فمن كان في الطبقة الأولى فهو الغاية في الصحة وهو مقصد البخاري والطبقة الثانية شاركت الأولى في التثبت إلا أن الأولى جمعت بين الحفظ والإتقان وبين طول الملازمة للزهري حتى كان فيهم من يزامله في السفر ويلازمه في الحضر والطبقة الثانية لم تلازم الزهري إلا مدة يسيرة فلم تمارس حديثه فكانوا في الإتقان دون الأولى وهم شرط مسلم ثم مثل الطبقة الأولى بيونس بن يزيد وعقيل بن خالد الأيليين ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة وشعيب بن أبي حمزة والثانية بالأوزاعي والليث بن سعد وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر وابن أبي ذئب قال والطبقة الثالثة نحو جعفر بن برقان وسفيان بن حسين وإسحاق بن يحيى الكلبي والرابعة نحو زمعة بن صالح ومعاوية بن يحيى الصدفي والمثنى بن الصباح والخامسة نحو عبد القدوس بن حبيب والحكم بن عبد الله الأيلي ومحمد بن سعيد المصلوب فأما الطبقة الأولى فهم شرط البخاري وقد يخرج من حديث أهل الطبقة الثانية ما يعتمده من غير استيعاب وأما مسلم فيخرج أحاديث


يتبع
ربنا تقبل منا

اخت مسلمة
06-08-2009, 11:48 PM
الطبقتين على سبيل الاستيعاب ويخرج أحاديث أهل الطبقة الثالثة على النحو الذي يصنعه البخاري في الثانية وأما الرابعة والخامسة فلا يعرجان عليهما قلت وأكثر ما يخرج البخاري حديث الطبقة الثانية تعليقا وربما أخرج اليسير من حديث الطبقة الثالثة تعليقا أيضا وهذا المثال الذي ذكرناه هو في حق المكثرين فيقاس على هذا أصحاب نافع وأصحاب الأعمش وأصحاب قتادة وغيرهم فأما غير المكثرين فإنما اعتمد الشيخان في تخريج أحاديثهم على الثقة والعدالة وقلة الخطأ لكن منهم من قوي الاعتماد عليه فأخرجا ما تفرد به كيحيى بن سعيد الأنصاري ومنهم من لم يقو الاعتماد عليه فأخرجا له ما شاركه فيه غيره وهو الأكثر وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح في كتابه في علوم الحديث فيما أخبرنا به أبو الحسن بن الجوزي عن محمد بن يوسف الشافعي عنه سماعا قال أول من صنف في الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنه يشارك البخاري في كثير من شيوخه وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز وأما ما رويناه عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك قال ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ يعني بلفظ أصح من الموطأ فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري وسلم ثم أن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحا وأكثرهما فوائد وأما ما رويناه عن أبي على الحافظ النيسابوري أستاذ الحاكم أبي عبد الله الحافظ من أنه قال ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا غير ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من الأشياء التي لم يسندها على الوصف المشروط في الصحيح فهذا لا بأس به وليس يلزم منه أن كتاب مسلم أرجح فيما يرجع إلى نفس الصحيح على كتاب البخاري وإن كان المراد به أن كتاب مسلم أصح صحيحا فهذا مردود على من يقوله: "والله أعلم انتهى كلامه وفيه أشياء تحتاج إلى أدلة وبيان فقد استشكل بعض الأئمة إطلاق أصحية كتاب البخاري على كتاب مالك مع اشتراكهما في اشتراط الصحة والمبالغة في التحري والتثبت وكون البخاري أكثر حديثا لا يلزم منه أفضلية الصحة والجواب عن ذلك أن ذلك محمول على أصل اشتراط الصحة فمالك لا يرى الانقطاع في الإسناد قادحا فلذلك يخرج المراسيل والمنقطعات والبلاغات في أصل موضوع كتابه والبخاري يرى أن الانقطاع علة فلا يخرج ما هذا سبيله إلا في غير أصل موضوع كتابه كالتعليقات والتراجم ولا شك أن المنقطع وإن كان عند قوم من قبيل ما يحتج به فالمتصل أقوى منه إذا اشترك كل من رواتهما في العدالة والحفظ فبان بذلك شفوف كتاب البخاري وعلم أن الشافعي إنما أطلق على الموطأ أفضلية الصحة بالنسبة إلى الجوامع الموجودة في زمنه كجامع سفيان الثوري ومصنف حماد بن سلمة وغير ذلك وهو تفضيل مسلم لا نزاع فيه واقتضى كلام بن الصلاح أن العلماء متفقون على القول بأفضلية البخاري في الصحة على كتاب مسلم إلا ما حكاه عن أبي على النيسابوري من قوله المتقدم وعن بعض شيوخ المغاربة أن كتاب مسلم أفضل من كتاب البخاري من غير تعرض للصحة فنقول روينا بالإسناد الصحيح عن أبي عبد الرحمن النسائي وهو شيخ أبي على النيسابوري أنه قال ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل والنسائي لا يعني بالجودة إلا جودة الأسانيد كما هو المتبادر إلى الفهم من اصطلاح أهل الحديث ومثل هذا من مثل النسائي غاية في الوصف مع شدة تحريه وتوقيه وتثبته في نقد الرجال وتقدمه في ذلك على أهل عصره حتى قدمه قوم من الحذاق في معرفة ذلك على مسلم بن الحجاج وقدمه الدارقطني وغيره في ذلك وغيره على إمام الأئمة أبي بكر بن خزيمة صاحب الصحيح وقال الإسماعيلي في المدخل له أما بعد فإني نظرت في كتاب الجامع الذي ألفه أبو عبد الله البخاري فرأيته جامعا كما سمي لكثير من السنن الصحيحة ودالا على جمل من المعاني الحسنة المستنبطة التي لا يكمل لمثلها إلا من جمع إلى معرفة الحديث نقلته والعلم بالروايات وعللها علما بالفقه واللغة وتمكنا منها كلها وتبحرا فيها وكان يرحمه الله الرجل الذي قصر زمانه على ذلك فبرع وبلغ الغاية فحاز السبق وجمع إلى ذلك حسن النية والقصد للخير فنفعه الله ونفع به قال وقد نحا نحوه في التصنيف جماعة منهم الحسن بن علي الحلواني لكنه اقتصر على السنن ومنهم أبو داود السجستاني وكان في عصر أبي عبد الله البخاري فسلك فيما سماه سنن أذكر ما روى في الشيء وإن كان في السند ضعف إذا لم يجد في الباب غيره ومنهم مسلم بن الحجاج وكان يقاربه في العصر فرام مرامه وكان يأخذ عنه أو عن كتبه إلا أنه لم يضايق نفسه مضايقة أبي عبد الله وروى عن جماعة كثيرة يتعرض أبو عبد الله الرواية عنهم وكل قصد الخير غير أن أحدا منهم لم يبلغ من التشدد مبلغ أبي عبد الله ولا تسبب إلى استنباط المعاني واستخراج لطائف فقه الحديث وتراجم الأبواب الدالة على ما له وصلة بالحديث المروي فيه تسببه ولله الفضل يختص به من يشاء وقال الحاكم أبو أحمد النيسابوري وهو عصري أبي علي النيسابوري ومقدم عليه في معرفة الرجال فيما حكاه أبو يعلى الخليلي الحافظ في الإرشاد ما ملخصه رحم الله محمد بن إسماعيل فإنه ألف الأصول يعني أصول الأحكام من الأحاديث وبين للناس وكل من عمل بعده فإنما أخذه من كتابه كمسلم بن الحجاج وقال الدارقطني لما ذكر عنده الصحيحان لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء وقال مرة أخرى وأي شيء صنع مسلم إنما أخذ كتاب البخاري فعمل عليه مستخرجا وزاد فيه زيادات وهذا الذي حكيناه عن الدارقطني جزم به أبو العباس القرطبي في أول كتابه المفهم في شرح صحيح مسلم والكلام في نقل كلام الأئمة في تفضيله كثير ويكفي منه اتفاقهم على أنه كان أعلم بهذا الفن من مسلم وأن مسلما كان يشهد له بالتقدم في ذلك والإمامة فيه والتفرد بمعرفة ذلك في عصره حتى هجر من أجله شيخه محمد بن يحيى الذهلي في قصة مشهورة سنذكرها مبسوطة إن شاء الله تعالى في ترجمة البخاري فهذا من حيث الجملة وأما من حيث التفصيل فقد قررنا أن مدار الحديث الصحيح على الاتصال وإتقان الرجال وعدم العلل وعند التأمل يظهر أن كتاب البخاري أتقن رجالا وأشد اتصالا وبيان ذلك من أوجه أحدها أن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضع وثلاثون رجلا المتكلم فيه بالضعف منهم ثمانون رجلا والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري ستمائة وعشرون رجلا المتكلم فيه بالضعف منهم مائة وستون رجلا ولا شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عمن تكلم فيه وإن لم يكن ذلك الكلام قادحا ثانيها أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه لم يكثر من تخريج أحاديثهم وليس لواحد منهم نسخة كبيرة أخرجها كلها أو أكثرها إلا ترجمة عكرمة عن ابن عباس بخلاف مسلم فإنه أخرج أكثر تلك النسخ كأبي الزبير عن جابر وسهيل عن أبيه والعلاء بن عبد الرحمن عن أبيه وحماد بن سلمة عن ثابت وغير ذلك
ثالثها أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وجالسهم وعرف أحوالهم واطلع على أحاديثهم وميز جيدها من موهومها بخلاف مسلم فإن أكثر من تفرد بتخريج حديثه ممن تكلم فيه ممن تقدم عن عصره من التابعين ومن بعدهم ولا شك أن المحدث أعرف بحديث شيوخه ممن تقدم منهم
رابعها أن البخاري يخرج من أحاديث أهل الطبقة الثانية انتقاء ومسلم يخرجها أصولا كما تقدم ذلك من تقرير الحافظ أبي بكر الحازمي فهذه الأوجه الأربعة تتعلق بإتقان الرواة
وبقي ما يتعلق بالاتصال وهو الوجه الخامس وذلك أن مسلما كان مذهبه على ما صرح به في مقدمة صحيحه وبالغ في الرد على من خالفه أن الإسناد المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن ومن عنعن عنه وإن لم يثبت اجتماعهما إلا إن كان المعنعن مدلسا والبخاري لا يحمل ذلك على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة وقد أظهر البخاري هذا المذهب في تاريخه وجرى عليه في صحيحه وأكثر منه حتى أنه ربما خرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب جملة إلا ليبين سماع راو من شيخه لكونه قد أخرج له قبل ذلك شيئا معنعنا وسترى ذلك واضحا في أماكنه إن شاء الله تعالى وهذا مما ترجح به كتابه لأنا وإن سلمنا ما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال فلا يخفى أن شرط البخاري أوضح في الاتصال والله أعلم
وأما ما يتعلق بعدم العلة وهو الوجه السادس فإن الأحاديث التي انتقدت عليهما بلغت مائتي حديث وعشرة أحاديث كما سيأتي ذكر ذلك مفصلا في فصل مفرد اختص البخاري منها بأقل من ثمانين وباقي ذلك يختص بمسلم ولا شك أن ما قل الانتقاد فيه أرجح مما كثر والله أعلم وأما قول أبي علي النيسابوري فلم نقف فقط على تصريحه بأن كتاب مسلم أصح من كتاب البخاري بخلاف ما يقتضيه إطلاق الشيخ محيي الدين في مختصره في علوم الحديث وفي مقدمة شرح البخاري أيضا حيث يقول اتفق الجمهور على أن صحيح البخاري أصحهما صحيحا وأكثرهما فوائد وقال أبو علي النيسابوري وبعض علماء المغرب: صحيح مسلم أصح انتهى. ومقتضى كلام أبي علي نفى الأصحية عن غير كتاب مسلم عليه أما إثباتها له فلا لأن إطلاقه يحتمل أن يريد ذلك ويحتمل أن يريد المساواة والله أعلم والذي يظهر لي من كلام أبي علي أنه إنما قدم صحيح مسلم لمعنى غير ما يرجع إلى ما نحن بصدده من الشرائط المطلوبة في الصحة بل ذلك لأن مسلما صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه فكان يتحرز في الألفاظ ويتحرى في السياق ولا يتصدى لما تصدى له البخاري من استنباط الأحكام ليبوب عليها ولزم من ذلك تقطيعه للحديث في أبوابه بل جمع مسلم الطرق كلها في مكان واحد واقتصر على الأحاديث دون الموقوفات فلم يعرج عليها إلا في بعض المواضع على سبيل الندور تبعا لا مقصودا فلهذا قال أبو علي ما قال مع أني رأيت بعض أئمتنا يجوز أن يكون أبو علي ما رأى صحيح البخاري وعندي في ذلك بعد والأقرب ما ذكرته وأبو علي لو صرح بما نسب إليه لكان محجوبا بما قدمناه مجملا ومفصلا والله الموفق وأما بعض شيوخ المغاربة فلا يحفظ عن أحد منهم تقييد الأفضلية بالأصحية بل أطلق بعضهم الأفضلية وذلك فيما حكاه القاضي أبو الفضل عياض في الإلماع عن أبي مروان الطبني بضم الطاء المهملة ثم إسكان الباء الموحدة بعدها نون قال كان بعض شيوخي يفضل صحيح مسلم على صحيح البخاري انتهى وقد وجدت تفسير هذا التفضيل عن بعض المغاربة فقرأت في فهرسة أبي محمدالقاسم بن القاسم النجيبي قال كان أبو محمد بن حزم يفضل كتاب مسلم على كتاب البخاري لأنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث السرد اه وعندي أن ابن حزم هذا هو شيخ أبي مروان الطبني الذي أبهمه القاضي عياض ويجوز أن يكون غيره ومحل تفضيلهما واحد ومن ذلك قول مسلم بن قاسم القرطبي وهو من أقران الدارقطني لما ذكر في تاريخه صحيح مسلم قال لم يضع أحد مثله فهذا محمول على حسن الوضع وجودة الترتيب وقد رأيت كثيرا من المغاربة ممن صنف في الأحكام بحذف الأسانيد كعبد الحق في أحكامه وجمعه يعتمدون على كتاب مسلم في نقل المتون وسياقها دون البخاري لوجودها عند مسلم تامة وتقطيع البخاري لها فهذه جهة أخرى من التفضيل لا ترجع إلى ما يتعلق بنفس الصحيح والله أعلم وإذا تقرر ذلك فليقابل هذا التفضيل بحهة أخرى من وجوه التفضيل غير ما يرجع إلى نفس الصحيح وهي ما ذكره الإمام القدوة أبو محمد بن جمرة في اختصاره للبخاري قال قال لي من لقيته من العارفين عمن لقي من السادة المقر لهم بالفضل أن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فرجت ولا ركب به في مركب فغرق قال وكان مجاب الدعوة وقد دعا لقارئه رحمه الله تعالى وكذلك الجهة العظمى الموجبة لتقديمه وهي ما ضمنه أبوابه من التراجم التي حيرت الأفكار وأدهشت العقول والأبصار وإنما بلغت هذه الرتبة وفازت بهذه الخطوة لسبب عظيم أوجب عظمها وهو ما رواه أبو أحمد بن عدي عن عبد القدوس بن همام قال شهدت عدة مشايخ يقولون حول البخاري تراجم جامعه يعني بيضها بين قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومنبره وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين.
ولنشرع الآن في الكلام عليها ونبين ما خفي على بعض من لم يمعن النظر فاعترض عليه اعتراض شاب غر على شيخ مجرب أو مكتهل وأوردها إيراد سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل وأول شيء وقع الكلام معه فيه من هذه المادة أول حديث بدأ به كتابه واستفتح به خطابه فرد كثير من هؤلاء نحوه سهام اللوم وانتصر بعض وبعض لزم من التسليم طريق القوم ولنذكر ضابطا يشتمل على بيان أنواع التراجم فيه وهي ظاهرة وخفية أما الظاهرة فليس ذكرها من غرضنا هنا وهي أن تكون الترجمة دالة بالمطابقة لما يورد في مضمنها وإنما فائدتها الإعلام بما ورد في ذلك الباب من غير اعتبار لمقدار تلك الفائدة كأنه يقول هذا الباب الذي فيه كيت وكيت أو باب ذكر الدليل على الحكم الفلاني مثلا وقد تكون الترجمة بلفظ المترجم له أو بعضه أو بمعناه وهذا في الغالب قد يأتي من ذلك ما يكون في لفظ الترجمة احتمال لأكثر من معنى واحد فيعين أحد الاحتمالين بما يذكر تحتهما من الحديث وقد يوجد فيه ما هو بالعكس من ذلك بأن يكون الاحتمال في الحديث وتعيين في الترجمة وترجمة هنا بيان لتأويل ذلك الحديث نائبة مناب قول الفقيه مثلا المراد بهذا الحديث العام الخصوص أو بهذا الحديث الخاص العموم أشعارا بالقياس لوجود العلة الجامعة أو أن ذلك الخاص المراد به ما هو أعم مما يدل عليه ظاهره بطريق الأعلى أو الأدنى ويأتي في المطلق والمقيد نظير ما ذكرنا في الخاص والعام وكذا في شرح المشكل وتفسير الغامض وتأويل الظاهر وتفصيل المجمل وهذا الموضع هو معظم ما يشكل من تراجم هذا الكتاب ولهذا اشتهر من قول جمع من الفضلاء فقه البخاري في تراجمه وأكثر ما يفعل البخاري ذلك إذا لم يجد حديثا على شرطه في الباب ظاهر المعنى في المقصد الذي ترجم به ويستنبط الفقه منه وقد يفعل ذلك لغرض شحذ الأذهان في إظهار مضمره واستخراج خبيئه وكثيرا ما يفعل ذلك أي هذا الأخير حيث يذكر الحديث المفسر لذلك في موضع آخر متقدما أو متأخرا فكأنه يحيل عليه ويومئ بالرمز والإشارة إليه وكثيرا ما يترجم بلفظ الاستفهام كقوله: "باب هل يكون كذا أو من قال كذا ونحو ذلك وذلك حيث لا يتجه له الجزم بأحد الاحتمالين وغرضه بيان هل يثبت ذلك الحكم أو لم يثبت فيترجم على الحكم ومراده ما يتفسر بعد من إثباته أو نفيه أو أنه محتمل لهما وربما كان أحد المحتملين أظهر وغرضه أن يبقى النظر مجالا وينبه على أن هناك احتمالا أو تعارضا يوجب التوقف حيث يعتقد أن فيه إجمالا أو يكون المدرك مختلفا في الاستدلال به وكثيرا ما يترجم بأمره ظاهره قليل الجدوى لكنه إذا حققه المتأمل أجدى كقوله: "باب قول الرجل ما صلينا فإنه أشار به إلى الرد على من كره ذلك ومنه قوله: "باب قول الرجل فاتتنا الصلاة وأشار بذلك إلى الرد على من كره إطلاق هذا اللفظ وكثيرا ما يترجم بأمر مختص ببعض الوقائع لا يظهر في بادئ الرأي كقوله: "باب استياك الإمام بحضرة رعيته فإنه لما كان الاستياك قد يظن أنه من أفعال المهنة فلعل بعض الناس يتوهم أن إخفاءه أولى مراعاة للمروءة فلما وقع في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم استاك بحضرة الناس دل على أنه من باب التطيب لا من الباب الآخر نبه على ذلك ابن دقيق العيد وكثيرا ما يترجم بلفظ يومئ إلى معنى حديث لم يصح على شرطه أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصح على شرطه صريحا في الترجمة ويورد في الباب ما يؤدي معناه تارة بأمر ظاهر وتارة بأمر خفي من ذلك قوله: "باب الأمراء من قريش وهذا لفظ حديث يروى عن علي رضي الله عنه وليس على شرط البخاري وأورد فيه حديث لا يزال وآل من قريش ومنها قوله: "باب اثنان فما فوقهما جماعة وهذا حديث يروى عن أبي موسى الأشعري وليس على شرط البخاري وأورد فيه فأذنا وأقيما وليؤمكما أحدكما وربما اكتفى أحيانا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصح على شرطه وأورد معها أثرا أو آية فكأنه يقول لم يصح في الباب شيء على شرطي وللغفلة عن هذه المقاصد الدقيقة اعتقد من لم يمعن النظر أنه ترك الكتاب بلا تبييض ومن تأمل ظفر ومن جد وجد وقد جمع العلامة ناصر الدين أحمد بن المنير خطيب الإسكندرية من ذلك أربعمائة ترجمة وتكلم عليها ولخصها القاضي بدر الدين بن جماعة وزاد عليها أشياء وتكلم على ذلك أيضا بعض المغاربة وهو محمد بن منصور بن حمامة السجلماسي ولم يكثر من ذلك بل جملة ما في كتابه نحو مائة ترجمة وسماه فك أغراض البخاري المبهمة في الجمع بين الحديث والترجمة وتكلم أيضا على ذلك زين الدين علي بن المنير أخو العلامة ناصر الدين في شرحه على البخاري وأمعن في ذلك ووقفت على مجلد من كتاب اسمه ترجمان التراجم لأبي عبد الله بن رشيد السبتي يشتمل على هذا المقصد وصل فيه إلى كتاب الصيام ولو تم لكان في غاية الإفادة وأنه لكثير الفائدة مع نقصه والله تعالى الموفق.

الفصل الثالث: في بيان تقطيعه للحديث واختصاره وفائدة إعادته له في الأبواب وتكراره
قال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي فيما رويناه عنه في جزء سماه جواب المتعنت اعلم أن البخاري رحمه الله كان يذكر الحديث في كتابه في مواضع ويستدل به في كل باب بإسناد آخر ويستخرج منه بحسن استنباطه وغزارة فقهه معنى يقتضيه الباب الذي أخرجه فيه وقلما يورد حديثا في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد وإنما يورده من طريق أخرى لمعان نذكرها والله أعلم بمراده منها فمنها أنه يخرج الحديث عن صحابي ثم يورده عن صحابي آخر والمقصود منه أن يخرج الحديث عن حد الغرابة وكذلك يفعل في أهل الطبقة الثانية والثالثة وهلم جرا إلى مشايخه فيعتقد من يرى ذلك من غير أهل الصنعة أنه تكرار وليس كذلك لاشتماله على فائدة زائدة ومنها أنه صحح أحاديث على هذه القاعدة يشتمل كل حديث منها على معان متغايرة فيورده في كل باب من طريق غير الطريق الأولى ومنها أحاديث يرويها بعض الرواة تامة ويرويها بعضهم مختصرة فيوردها كما جاءت ليزيل الشبهة عن ناقليها ومنها أن الرواة ربما اختلفت عباراتهم فحدث راو بحديث فيه كلمة تحتمل معنى وحدث به آخر فعبر عن تلك الكلمة بعينها بعبارة أخرى تحتمل معنى آخر فيورده بطرقه إذا صحت على شرطه ويفرد لكل لفظه بابا مفردا ومنها أحاديث تعارض فيها الوصل والإرسال ورجح عنده الوصل فاعتمده وأورد الإرسال منبها على أنه لا تأثير له عنده في الوصل ومنها أحاديث تعارض فيها الوقف والرفع والحكم فيها كذلك ومنها أحاديث زاد فيها بعض الرواة رجلا في الإسناد ونقصه بعضهم فيوردها على الوجهين حيث يصح عنده أن الراوي سمعه من شيخ حدثه به عن آخر ثم لقي الآخر فحدثه به فكان يرويه على الوجهين ومنها أنه ربما أورد حديثا عنعنه راويه فيورده من طريق أخرى مصرحا فيها بالسماع على ما عرف من طريقته في اشتراط ثبوت اللقاء في المعنعن فهذا جميعه فيما يتعلق بإعادة المتن الواحد في موضع آخر أو أكثر وأما تقطيعه للحديث في الأبواب تارة واقتصاره منه على بعضه أخرى فذلك لأنه إن كان المتن قصيرا أو مرتبطا بعضه ببعض وقد اشتمل على حكمين فصاعدا فإنه يعيده بحسب ذلك مراعيا مع ذلك عدم إخلائه من فائدة حديثية وهي إيراده له عن شيخ سوى الشيخ الذي أخرجه عنه قبل ذلك كما تقدم تفصيله فتستفيد بذلك تكثير الطرق لذلك الحديث وربما ضاق عليه مخرج الحديث حيث لا يكون له إلا طريق واحدة فيتصرف حينئذ فيه فيورده في موضع موصولا وفي موضع معلقا ويورده تارة تاما وتارة مقتصرا على طرفه الذي يحتاج إليه في ذلك الباب فإن كان المتن مشتملا على جمل متعددة لا تعلق لإحداها بالأخرى فإنه يخرج كل جملة منها في باب مستقل فرارا من التطويل وربما نشط فساقه بتمامه فهذا كله في التقطيع وقد حكى بعض شراح البخاري أنه وقع في أثناء الحج في بعض النسخ بعد باب قصر الخطبة بعرفة باب تعجيل الوقوف قال أبو عبد الله يزاد في هذا الباب حديث مالك عن ابن شهاب ولكني لا أريد أن أدخل فيه
معادا انتهى وهو يقتضي أنه لا يتعمد أن يخرج في كتابه حديثا معادا بجميع إسناده ومتنه وإن كان قد وقع له من ذلك شيء فعن غير قصد وهو قليل جدا سأنبه على مواضعه من الشرح حيث أصل إليها إن شاء الله تعالى وأما اقتصاره على بعض المتن ثم لا يذكر الباقي في موضع آخر فإنه لا يقع له ذلك في الغالب إلا حيث يكون المحذوف موقوفا على الصحابي وفيه شيء قد يحكم برفعه فيقتصر على الجملة التي يحكم لها بالرفع ويحذف الباقي لأنه لا تعلق له بموضوع كتابه كما وقع له في حديث هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون هكذا أورده وهو مختصر من حديث موقوف أوله جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال إني أعتقت عبدا لي سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد الله إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون فأنت ولي نعمته فلك ميراثه فإن تأثمت وتحرجت في شيء فنحن نقبله منك ونجعله في بيت المال فاقتصر البخاري على ما يعطي حكم الرفع من هذا الحديث الموقوف وهو قوله: "إن أهل الإسلام لا يسيبون لأنه يستدعى بعمومه النقل عن صاحب الشرع لذلك الحكم واختصر الباقي لأنه ليس من موضوع كتابه وهذا من أخفى المواضع التي وقعت له من هذا الجنس وإذا تقرر ذلك اتضح أنه لا يعيد إلا لفائدة حتى لو لم تظهر لإعادته فائدة من جهة الإسناد ولا من جهة المتن لكان ذلك لإعادته لأجل مغايرة الحكم التي تشتمل عليه الترجمة الثانية موجبا لئلا يعد مكررا بلا فائدة كيف وهو لا يخليه مع ذلك من فائدة إسنادية وهي إخراجه للإسناد عن شيخ غير الشيخ الماضي أو غير ذلك على ما سبق تفصيله وهذا بين لمن استقرأ كتابه وأنصف من نفسه والله الموفق لا إله غيره.


الفصل الرابع: في بيان السبب في إيراده للأحاديث المعلقة: مرفوعة وموقوفة وشرح أحكام ذلك
مدخل
...
الفصل الرابع: في بيان السبب في إيراده للأحاديث المعلقة مرفوعة وموقوفة وشرح أحكام ذلك
والمراد بالتعليق ما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر ولو إلى آخر الإسناد وتارة يجزم به كقول وتارة لا يجزم به ك يذكر فأما المعلق من المرفوعات فعلى قسمين أحدهما ما يوجد في موضع آخر من كتابه هذا موصولا وثانيهما ما لا يوجد فيه إلا معلقا فالأول قد بينا السبب فيه في الفصل الذي قبل هذا وأنه يورده معلقا حيث يضيق مخرج الحديث إذ من قاعدته أنه لا يكرر إلا لفائدة فمتى ضاق المخرج واشتمل المتن على أحكام فاحتاج إلى تكريره فإنه يتصرف في الإسناد بالاختصار خشية التطويل والثاني وهو ما لا يوجد فيه إلا معلقا فإنه على صورتين إما أن يورده بصيغة الجزم وإما أن يورده بصيغة التمريض فالصيغة الأولى يستفاد منها الصحة إلى من علق عنه لكن يبقى النظر فيمن أبرز من رجال ذلك الحديث فمنه ما يلتحق بشرطه ومنه ما لا يلتحق أما ما يلتحق فالسبب في كونه لم يوصل إسناده إما لكونه أخرج ما يقوم مقامه فاستغنى عن إيراد هذا مستوفى السياق ولم يهمله بل أورده بصيغة التعليق طلبا للاختصار وإما لكونه لم يحصل عنده مسموعا أو سمعه وشك في سماعه له من شيخه أو سمعه من شيخه مذاكرة فما رأى أنه يسوقه مساق الأصل وغالب هذا فيما أورده عن مشايخه فمن ذلك أنه قال في كتاب الوكالة قال عثمان ابن الهيثم حدثنا عوف حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة رمضان الحديث بطوله وأورده في مواضع أخرى منها في فضائل القرآن وفي ذكر إبليس ولم يقل في موضع منها حدثنا عثمان فالظاهر أنه لم يسمعه منه وقد استعمل المصنف هذه الصيغة فيما لم يسمعه من مشايخه في عدة أحاديث فيوردها عنهم بصيغة قال فلان ثم يوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبينهم وسيأتي لذلك أمثلة كثيرة في مواضعها فقال في التاريخ قال إبراهيم بن موسى حدثنا هشام بن يوسف فذكر حديثا ثم قال حدثوني بهذا عن إبراهيم ولكن ليس ذلك مطردا في كل ما أورده بهذه الصيغة لكن مع هذا الاحتمال لا يحمل حمل جميع ما أورده بهذه الصيغة على أنه سمع ذلك من شيوخه ولا يلزم من ذلك أن يكون مدلسا عنهم فقد صرح الخطيب وغيره بأن لفظ قال لا يحمل على السماع إلا ممن عرف من عادته أنه لا يطلق ذلك إلا فيما سمع فاقتضى ذلك أن من لم يعرف ذلك من عادته كان الأمر فيه على الاحتمال والله تعالى أعلم وأما ما لا يلتحق بشرطه فقد يكون صحيحا على شرط غيره وقد يكون حسنا صالحا للحجة وقد يكون ضعيفا لا من جهة قدح في رجاله بل من جهة انقطاع يسير في إسناده قال الإسماعيلي قد يصنع البخاري ذلك إما لأنه سمعه من ذلك الشيخ بواسطة من يثق به عنه وهو معروف مشهور عن ذلك الشيخ أو لأنه سمعه ممن ليس من شرط الكتاب فنبه على ذلك الحديث بتسمية من حدث به لأعلى جهة التحديث به عنه قلت والسبب فيه أنه أراد أن لا يسوقه مساق الأصل فمثال ما هو صحيح على شرط غيره قوله: "في الطهارة وقالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه وهو حديث صحيح على شرط مسلم

يتبع
ربنا تقبل منا

اخت مسلمة
06-08-2009, 11:52 PM
وقد أخرجه في صحيحه كما سيأتي بيانه ومثال ما هو حسن صالح للحجة قوله: "فيه وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: "الله أحق أن يستحيا منه من الناس" وهو حديث حسن مشهور عن بهز أخرجه أصحاب السنن كما سيأتي ومثال ما هو ضعيف بسبب الانقطاع لكنه منجبر بأمر آخر قوله: "في كتاب الزكاة وقال طاوس قال معاذ بن جبل لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإسناده إلى طاوس صحيح إلا أن طاوسا لم يسمع من معاذ فأما ما اعترض به بعض المتأخرين بنقضه هذا الحكم في صيغة الجزم وأنها لا تفيد الصحة إلا من علق عنه بأن المصنف أخرج حديثا قال فيه قال عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تفاضلوا بين الأنبياء " الحديث فإن أبا مسعود الدمشقي جزم بأن هذا ليس بصحيح لأن عبد الله بن الفضل إنما رواه عن الأعرج عن أبي هريرة لا عن أبي سلمة ثم قوى ذلك بان المصنف أخرجه في موضع آخر موصولا فقال عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة انتهى فهذا اعتراض مردود والقاعدة صحيحة لا تنتقض بهذا الإيراد الواهي وقد روى الحديث المذكور أبو داود الطيالسي في مسنده عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة كما علقه البخاري سواء فبطل ما ادعاه أبو مسعود من أن عبد الله بن الفضل لم يروه إلا عن الأعرج وثبت أن لعبد الله بن الفضل فيه شيخين وسنزيد ذلك بيانا في موضعه إن شاء الله تعالى والصيغة الثانية وهي صيغة التمريض لا تستفاد منها الصحة إلا من علق عنه لكن فيه ما هو صحيح وفيه ما ليس بصحيح على ما سنبينه فأما ما هو صحيح فلم نجد فيه ما هو على شرطه إلا مواضع يسيره جدا ووجدناه لا يستعمل ذلك إلا حيث يورد ذلك الحديث المعلق بالمعنى كقوله: "في الطب ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقي بفاتحة الكتاب فإنه أسنده في موضع آخر من طريق عبيد الله بن الأخنس عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بحي فيهم لديغ فذكر الحديث في رقيتهم للرجل بفاتحة الكتاب وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبروه بذلك: "أن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله" فهذا كما ترى لما أورده بالمعنى لم يجزم به إذ ليس في الموصول أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الرقية بفاتحة الكتاب إنما فيه أنه لم ينههم عن فعلهم فاستفيد ذلك من تقريره وأما ما لم يورده في موضع آخر مما أورده بهذه الصيغة فمنه ما هو صحيح إلا أنه ليس على شرطه ومنه ما هو حسن ومنه ما هو ضعيف فرد إلا أن العمل على موافقته ومنه ما هو ضعيف فرد لا جابر له فمثال الأول أنه قال في الصلاة ويذكر عن عبد الله بن السائب قال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع وهو حديث صحيح على شرط مسلم أخرجه في صحيحه إلا أن البخاري لم يخرج لبعض رواته وقال في الصيام ويذكر عن أبي خالد عن الأعمش عن الحكم ومسلم البطين وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد عن ابن عباس قال قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين الحديث ورجال هذا الإسناد رجال الصحيح إلا أن فيه اختلافا كثيرا في إسناده وقد تفرد أبو خالد سليمان ابن حيان الأحمر بهذا السياق وخالف فيه الحفاظ من أصحاب الأعمش كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ومثال الثاني وهو الحسن قوله: "في البيوع ويذكر عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل وهذا الحديث قد رواه الدارقطني من طريق عبد الله بن المغيرة وهو صدوق عن منقذ مولى عثمان وقد وثق عن عثمان به وتابعه عليه سعيد بن المسيب ومن طريقه أخرجه أحمد في المسند إلا أن في إسناده
ابن لهيعة ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عطاء عن عثمان وفيه انقطاع فالحديث حسن لما عضده من ذلك ومثال الثالث وهو الضعيف الذي لا عاضد له إلا أنه على وفق العمل قوله: "في الوصايا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالدين قبل الوصية وقد رواه الترمذي موصولا من حديث أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي والحارث ضعيف وقد استغربه الترمذي ثم حكى إجماع أهل العلم على القول به ومثال الرابع وهو الضعيف الذي لا عاضد له وهو في الكتاب قليل جدا وحيث يقع ذلك فيه يتعقبه المصنف بالتضعيف بخلاف ما قبله فمن أمثلته قوله: "في كتاب الصلاة ويذكر عن أبي هريرة رفعه لا يتطوع الإمام في مكانه ولم يصح وهو حديث أخرجه أبو داود من طريق ليث بن أبي سليم عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة وليث بن أبي سليم ضعيف وشيخ شيخه لا يعرف وقد اختلف عليه فيه فهذا حكم جميع ما في الكتاب من التعاليق المرفوعة بصيغتي الجزم والتمريض وهاتان الصيغتان قد نقل النووي اتفاق محققي المحدثين وغيرهم على اعتبارهما وأنه لا ينبغي الجزم بشيء ضعيف لأنها صيغة تقتضي صحته عن المضاف إليه فلا ينبغي أن تطلق إلا فيما صح قال وقد أهمل ذلك كثير من المصنفين من الفقهاء وغيرهم واشتد إنكار البيهقي على ما خالف ذلك وهو تساهل قبيح جدا من فاعله إذ يقول في الصحيح يذكر ويروى وفي الضعيف قال وروى وهذا قلب للمعاني وحيد عن الصواب قال وقد اعتنى البخاري رحمه الله باعتبار هاتين الصيغتين وإعطائهما حكمهما في صحيحه فيقول في الترجمة الواحدة بعض كلامه بتمريض وبعضه يجزم مراعيا ما ذكرنا وهذا مشعر بتحريه وورعه وعلى هذا فيحمل قوله: "ما أدخلت في الجامع إلا ما صح أي مما سقت إسناده والله تعالى أعلم أهـ كلامه وقد تبين مما فصلنا به أقسام تعاليقه أنه لا يفتقر إلى هذا الحمل وأن جميع ما فيه صحيح باعتبار أنه كله مقبول ليس فيه ما يرد مطلقا إلا النادر فهذا حكم المرفوعات
وأما الموقوفات فإنه يجزم منها بما صح عنده ولو لم يكن على شرطه ولا يجزم بما كان في إسناده ضعف أو انقطاع إلا حيث يكون منجبرا أما بمجيئه من وجه آخر وإما بشهرته عمن قاله وإنما يورد ما يورد من الموقوفات من فتاوى الصحابة والتابعين ومن تفاسيرهم لكثير من الآيات على طريق الاستئناس والتقوية لما يختاره من المذاهب في المسائل التي فيها الخلاف بين الأئمة فحينئذ ينبغي أن يقال جميع ما يورد فيه إما أن يكون مما ترجم به أو مما ترجم له فالمقصود من هذا التصنيف بالذات هو الأحاديث الصحيحة المسندة وهي التي ترجم لها والمذكور بالعرض والتبع الآثار الموقوفة والأحاديث المعلقة نعم والآيات المكرمة فجميع ذلك مترجم به إلا أنها إذا اعتبرت بعضها مع بعض واعتبرت أيضا بالنسبة إلى الحديث يكون بعضها مع بعض منها مفسر ومنها مفسر فيكون بعضها كالمترجم له باعتبار ولكن المقصود بالذات هو الأصل فافهم هذا فإنه مخلص حسن يندفع به اعتراض كثير عما أورده المؤلف من هذا القبيل والله الموفق وهذا حين الشروع في سياق تعاليقه المرفوعة والإشارة إلى من وصلها وأضفت إلى ذلك المتابعات لالتحاقها بها في الحكم وقد بسطت ذلك جميعه في مصنف كبير سميته تغليق التعليق ذكرت فيه جميع أحاديثه المرفوعة وآثاره الموقوفة وذكرت من وصلها بأسانيدي إلى المكان المعلق فجاء كتابا حافلا وجامعا كاملا لم يفرده أحد بالتصنيف وقد صرح بذلك الحافظ أبو عبد الله بن رشيد في كتاب ترجمان التراجم له فقال وهو أي التعليق مفتقر إلى أن يصنف فيه كتاب يخصه تسند فيه تلك المعلقات وتبين درجتها من الصحة والحسن أو غير ذلك من الدرجات وما علمت أحدا تعرض لتصنيف في ذلك وإنه لمهم لا سيما لمن له عناية بكتاب البخاري.


"من بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "متابعة عبد الله بن يوسف عن الليث وصلها المؤلف في الأنبياء وفي التفسير ومتابعة أبي صالح عنه وصلها يعقوب بن سفيان في تاريخه عنه ومتابعة هلال بن رداد عن الزهري وصلها الذهلي في الزهريات ومتابعة يونس عنه وصلها المؤلف في التفسير ومتابعة معمر وصلها المؤلف في تعبير الرؤيا حديث أبي سفيان في شأن هرقل متابعه صالح وهو بن كيسان وصلها المؤلف في الجهاد ومتابعة يونس وصلها في الجزية والاستئذان ومتابعة معمر وصلها في التفسير.

"الإيمان"
حديث عبد الله بن عمرو المسلم من سلم الحديث رواية أبي معاوية فيه وصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ووصلها بن حبان في صحيحه ورواية عبد الأعلى وصلها عثمان ابن أبي شيبة في مسنده عنه حديث أبي سعيد اخرجوا من النار الحديث رواية وهيب عن عمرو وهو بن يحيى المازني شيخ مالك في قوله: "من خردل من خير وغير ذلك وصلها مسلم بالإسناد ولم يسق لفظها بل أحال بها على حديث مالك وهو في مسند أبي بكر بن أبي شيبة موافق لما علق البخاري ووصله البخاري من حديث وهيب لكن بلفظ مالك حديث سعد بن أبي وقاص أعطى رهطا وفيهم سعد الحديث رواية يونس عن الزهري وصلها عبد الرحمن بن عمر الزهري الملقب رسته في كتاب الإيمان له ورواية صالح وصلها البخاري في الزكاة ورواية معمر وصلها عبد بن حميد وابن أبي عمر العدني والحميدي وغيرهم في مسانيدهم ووقع لمسلم في إسناده وهم بينته في تغليق التعليق ورواية بن أخي الزهري وصلها الإسماعيلي حديث عبد الله بن عمرو أربع من كن فيه الحديث متابعة شعبة عن الأعمش وصلها المؤلف في كتاب المظالم
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الدين إلى الله تعالى الحنيفية السمحة " هذا الحديث لم يذكره إلا هنا ولم يسق له إسنادا وقد وصله المؤلف في كتاب الأدب المفرد وأحمد في مسنده من حديث عكرمة عن ابن عباس وله شاهد مرسل في طبقات بن سعد وفي الباب عن أبي بن كعب وجابر وابن عمر وأبي أمامة وأبي هريرة وغيرهم
باب كفران العشير: فيه عن أبي سعيد وصله في كتاب العيدين ولم يسق لفظ كفران العشير وهو مذكور في كتاب الحيض حديث أبي سعيد إذا أسلم العبد فحسن إسلامه الحديث لم يسنده المؤلف وقد وصله أبو ذر الهروي في روايته ولم يسق لفظه ووصله النسائي في السنن والحسن بن سفيان في مسنده والإسماعيلي عنه والدارقطني في غرائب مالك وسمويه في فوائده وغيرهم وقد سقته من طريق عشرة أنفس عن مالك بسنده حديث أنس " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله " رواية أبان ابن يزيد العطار وصلها الحاكم في الأربعين له والبيهقي في كتاب الاعتقاد حديث أبي هريرة من أتبع جنازة مسلم متابعة عثمان ابن أبي الهيثم وصلها أبو نعيم في المستخرج
باب ما جاء أن الأعمال بالنية وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولكن جهاد ونية" وصله المؤلف في الجهاد من حديث بن عباس

"العلم"حديث بن مسعود حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق وصله في بدأ الخلق وفي القدر وغير ذلك حديث شقيق عن عبد الله سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وصله في الجنائز والتوحيد وغير ذلك حديث حذيفة وصله في التوحيد وغيره حديث بن عباس في التوحيد أيضا وحديث أنس كذلك وأوله " إذا تقرب العبد مني شبرا" وكذا حديث أبي هريرة وأوله لكل عمل كفارة قوله: "واحتج بعضهم في القراءة على العالم بحديث ضمام بن ثعلبة" وفي آخره فهذه قراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ضمام قومه بذلك وقد وصله أبو داود من حديث بن عباس في قصة ضمام وفي آخرها أن ضماما قال لقومه عندما رجع إليهم إن الله قد بعث رسولا الحديث وأصل قصة ضمام وصله المؤلف من حديث شريك عن أنس حديث أنس نسخ عثمان المصاحف وصله في فضائل القرآن وغيره حديث وفد عبد القيس تقدم حديث مالك بن الحويرث وصله في باب خبر الواحد بتمامه
باب التناوب في العلم حديث ابن وهب وصله بن حبان في صحيحه وأبو نعيم في المستخرج وحمل البخاري رواية بن وهب عن يونس على رواية أبي اليمان عن شعيب وفي رواية شعيب زيادة ليست عند يونس قوله: "واحتج بعض أهل الحجاز في المناولة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث كتب لأمير السرية الحديث رواه بن إسحاق في المغازي مرسلا وقد وصله الطبراني من طريق أخرى من حديث جندب بن عبد الله وأسناده حسن حديث " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما العلم بالتعلم" رواه بن أبي عاصم في كتاب العلم له من حديث معاوية بهاتين الجملتين وقد وصل المؤلف الجملة الأولى فقط حديث جابر بن عبد الله في رحلته إلى عبد الله بن أنيس هو حديث عبد الله بن أنيس المذكور في التوحيد وسيأتي ذكر من وصله إن شاء الله تعالى
قوله : "في باب فضل من علم وعلم قال إسحاق وكان منها طائفة قبلت الماء وفي رواية أخرى قال ابن إسحاق وفي رواية أخرى قال أبو إسحاق وقد رواه عن أبي أسامة إسحاق بن راهويه في مسنده فكأنه المراد ورويناه أيضا في الأمثال للرامهرمزي من حديث أبي إسحاق إبراهيم بن سعيد الجوهري وأما بن إسحاق فلا يعرف من حديثه حديث "ألا وقول الزور فما زال يكررها" وصله المؤلف في الشهادات والديات من حديث أبي بكرة حديث بن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم إلا هل بلغت وصله أيضا في الحدود حديث إسماعيل عن أيوب وصله المؤلف في الزكاة
قوله : "باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب قاله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم" وصله المؤلف في الحج بلفظ "ليبلغ الشاهد الغائب" وكأنه ذكره هنا بالمعنى متابعة معمر عن همام وصلها أبو بكر المروزي في كتاب العلم له والبغوى في شرح


السنة قول عائشة "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" هو طرف من حديث طويل وصله بن خزيمة في صحيحه والمرفوع منه عند مسلم وغيره


"الطهارة"
قوله : "وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فرض الوضوء مرة مرة وتوضأ أيضا مرتين مرتين وثلاثا ثلاثا ولم يزد على ثلاث" فحديث الوضوء مرة مرة وصله من حديث بن عباس وحديث الوضوء مرتين مرتين وصله من حديث عبد الله بن زيد وحديث الوضوء ثلاثا ثلاثا وصله من حديث عثمان ابن عفان وقوله: "ولم يزد" يريد لم يزد ما يدل على الزيادة على الثلاث ولعله يشير إلى حديث عبد الله بن عمرو الذي فيه "من زاد فقد أساء وظلم" وهو عند ابن خزيمة وأبي داود وغيرهما قوله: "وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم" يشير إلى ما تقدم وإلى ما يأتي في باب الوضوء بالمد متابعة محمد بن عرعرة عن شعبة وصلها المؤلف في الدعوات ورواية غندر عنه وصلها البزار باللفظ المعلق ووصلها أحمد بلفظ إذا دخل ورواية موسى وهو بن إسماعيل عن حماد وهو بن سلمة وصلها البيهقي ورواية سعيد بن زيد وهو أخو حماد ابن زيد وصلها المؤلف في الأدب المفرد له قول أبي الدرداء "أليس فيكم صاحب النعلين" وصله المؤلف في المناقب وغيرها متابعة النضر بن شميل عن شعبة وصلها النسائي ومتابعة شاذان واسمه الأسود بن عامر وصلها المؤلف في الصلاة رواية إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي عن أبيه عن أبي إسحاق حدثني عبد الرحمن بن الأسود لم أجدها
قوله : "باب الاستنثار في الوضوء ذكره عثمان وعبد الله بن زيد وابن عباس
باب المضمضة في الوضوء قاله بن عباس وعبد الله بن زيد وأحاديث الثلاثة موصولة عنده في الطهارة حديث عائشة حضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد فنزل التيمم مختصر من حديثها الطويل في ضياع عقدها وهو موصول عند المؤلف من حديثها في التفسير والنكاح والمناقب وغيرهما حديث أحمد بن شبيب عن أبيه وصله أبو نعيم في المستخرج والبهيقي وغيرها قوله: "ويذكر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع" الحديث هو مختصر من حديث طويل وصله أبو يعلى في مسنده وابن خزيمة في صحيحه وأبو داود وغيرهم رواية شعبة عن الأعمش وصلها مسلم متابعة وهب بن جرير عن شعبة موصولة في مسند أبي العباس السراج ورواية غندر عنه وصلها أحمد ومسلم ورواية يحيى القطان عنه وصلها أحمد بن حنبل قوله: "وسئل مالك عن مسح جميع الرأس فاحتج بحديث عبد الله بن زيد" وصله بن خزيمة من حديث مالك بالسؤال المذكور قوله: "وقال أبو موسى دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح" الحديث وصله في المغازي والخطاب لأبي موسى وبلال قوله: "وقال عروة عن المسور وغيره وإذا توضأ النبي صلى الله عليه وسلم كادوا يقتتلون على وضوئه" وصله في كتاب الشرود رواية موسى بن عقبة قال أخبرني أبو النضر أن أبا سلمة أخبره أن سعدا وصلها الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وسقته عاليا تاما من فوائد أبي زكريا المزكي متابعة حرب بن شداد وصلها النسائي ومتابعة أبان وهو العطار عنه وصلها أحمد بن حنبل والطبراني ورواية معمر عنه وصلها البهيقي ومتابعة يونس عن الزهري وصلها مسلم ومتابعة صالح بن كيسان وصلها أبو العباس السراج حديث عروة عن المسور تقدم التنبيه عليه وأنه في الشروط رواية سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن حميد سمعت أنسا لم أجدها رواية عفان عن صخر بن جويرية وصلها أبو عوانة في صحيحه ورواية نعيم ابن حماد عن ابن المبارك وصلها الطبراني في الأوسط ورويناها في الغيلانيات باختصار حديث بن عباس "بت عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستن" وصله المؤلف في التفسير


"الغسل"رواية يزيد بن هارون عن شعبة وصلها أبو عوانة في صحيحه ورواية بهز بن أسد وصلها الإسماعيلي ورواية الجدي وهو عبد الملك بن إبراهيم لم أجدها قوله: "كأن ابن عيينة يقول أخيرا عن ابن عباس عن ميمونة" وصله الشافعي وأبو بكر بن أبي شيبة والحميدي وغيرهم في مسانيدهم عن ابن عيينة بزيادات ميمونة زيادة مسلم بن إبراهيم عن شعبة لم أجدها وزيادة وهب بن جرير عنه وصلها الإسماعيلي رواية سعيد عن قتادة أن أنسا حدثهم وصلها المؤلف في باب الجنب يخرج ويمشى في السوق متابعة عبد الأعلى عن معمر وصلها أحمد في مسنده عنه رواية الأوزاعي عن الزهري وصلها المؤلف في الصلاة حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وصله أحمد بن حنبل وأصحاب السنن الأربعة وليس في رواية واحد منهم توفية بلفظ الترجمة نعم وصله البيهقي من طريق عبد الوارث عن بهز بن حكيم وفيه اللفظ المذكور ووقع لنا بعلو في الجزء الثاني من حديث المخلص وفي الثقفيات رواية إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة وصلها النسائي متابعة أبي عوانة وهو الوضاح عن الأعمش وصلها المؤلف في موضع آخر من الغسل ومتابعة محمد ابن فضيل عنه وصلها أبو عوانة يعقوب في صحيحه متابعة عمرو بن مرزوق عن شعبة رويناها في جزء من حديث أبي عمرو بن سماك قال حدثنا عثمان ابن عمر الضبي حدثنا عمرو بن مرزوق به ورواية موسى بن إسماعيل عن أبان زعم الشيخ علاء الدين مغلطاي أن البيهقي وصلها من طريق عفان عن موسى ووهم مغلطاي في ذلك وإنما رواها البيهقي عن عفان عن أبان نفسه وليست لعفان عن موسى رواية من وجه من الوجوه أصلا.

"الحيض والتيمم"باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "هذا شيء كتبه الله على بنات آدم" وصله المؤلف في باب تقضى الحائض المناسك كلها متابعة خالد وهو بن عبد الله الطحان عن الشيباني رويناها في فوائد أبي القاسم التنوخي ووصلها الطبراني بإسناد آخر ومتابعة جرير عنه وصلها أبو يعلى في مسنده والإسماعيلي عنه ورواية سفيان الثوري عنه وصلها أحمد بن حنبل في مسنده حديث "كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه" وصله مسلم وأبو داود والترمذي والسراج وأبو يعلى كلهم من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن خالد بن سلمة عن البهي عن عروة عن عائشة قال الترمذي لا يعرف إلا من حديث يحيى انتهى وقد رواه يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده عن أبيه ورواه بن أبي داود في كتاب الشريعة له عن محمود بن آدم عن الفضل بن موسى ورواه أبو يعلى في مسنده عن هارون بن معروف عن إسحاق بن يوسف الأزرق كلهم عن زكريا فكان المنفرد به زكريا لا ابنه وخالد بن سلمة فيه مقال ولم يخرح له البخاري شيئا إلا هذا الذي أشار إليه هنا حديث أم عطية وصله في العيدين حديث بن عباس عن أبي سفيان في شأن هرقل تقدم في بدء الوحي حديث عطاء عن جابر "حاضت عائشة فنسكت المناسك" وصله في الحج من طريقه رواية هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية وصلها في الطلاق

"كتاب الصلاة"حديث أبي سفيان في قصة هرقل تقدم في بدء الوحي قوله: "ويذكر عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يزره ولو بشوكة وفي إسناده نظر" وصله أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والبخاري في تاريخه وابن أبي عمر العدني في مسنده ووقع لي عاليا جدا في الجزء الأول من حديث المخلص قوله: "وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يطوف بالبيت عريان" وصله بعد سبعة أبواب في حديث أبي هريرة في تأذين على يوم النحر بمنى رواية عبد الله بن رجاء عن عمران القطان وصلها الطبراني في الكبير حديث أبي حازم عن سهل في عقد أزرهم وصله بعد قليل حديث أم هاني "التحف النبي صلى الله عليه وسلم بثوب وخالف بين طرفيه على عاتقيه" وصله أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه من طريق محمد بن عمرو عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبي مرة مولى عقيل عنها وأصله في صحيح مسلم من طريق أبي جعفر الباقر عن أبي مرة وليس عنده على عاتقيه وهو من المتفق عليه من حديث مالك عن أبي النضر عن أبي مرة لكن ليس فيه "خالف بين طرفيه على عاتقيه"
باب ما يذكر في الفخذ ويروي عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم "الفخذ عورة" أما حديث بن عباس فوصله أحمد والترمذي ووقع لنا بعلو في مسند عبد بن حميد وأما حديث جرهد فوصله البخاري في التاريخ وأبو داود وأحمد والطبراني من طرق وفيه اضطراب وصححه بن حبان وأما حديث محمد بن جحش فوصله البخاري في التاريخ أيضا وأحمد والطبراني ورويناه عاليا في فوائد على بن حجر من رواية أبي بكر بن خزيمة عنه قوله: "فيه وقال أنس حسر النبي صلى الله عليه وسلم عن فخذه" أسنده في الباب وقال أبو موسى "غطى النبي صلى الله عليه وسلم ركبتيه حين دخل عثمان" وصله في مناقب عثمان وقال زيد بن ثابت "أنزل الله تعالى على رسوله وفخذه على فخذي" الحديث وصله في الجهاد والتفسير حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في انبجانية أبي جهم وصله أبو داود وأصله في مسلم
باب الصلاة على الفراش وقال أنس "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيسجد أحدنا على ثوبه" وصله المؤلف في باب السجود على الثوب في أوائل كتاب الصلاة ورواية الليث عن جعفر بن ربيعة في صفة السجود وصلها مسلم والطبراني في الأوسط
باب يستقبل بأطراف رجليه قاله أبو حميد وصله مطولا في باب سنة الجلوس في التشهد حديث نعيم بن حماد عن ابن المبارك في رواية أبي ذر الهروي حدثنا نعيم وزعم أبو نعيم في المستخرج أنه ذكره عن ابن المبارك تعليقا وقد وصل الدارقطني طريق نعيم المذكور ورواية بن أبي مريم عن يحيى هو بن أيوب وصلها محمد بن نصر المروزي في كتاب تعظيم الصلاة والبيهقي وابن منده في الإيمان ورواية علي وهو ابن عبد الله المديني عن خالد بن الحارث لم أجدها قوله: "وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة وكبر" هو طرف من قصة المسيء صلاته وقد وصله المؤلف في الاستدراك وفيه هذا اللفظ قوله: "وقد سلم النبي صلى الله عليه وسلم في ركعتي الظهر وأقبل على الناس بوجهه ثم أتم ما بقي" وصله من طرق لكن ليس في شيء منها "وأقبل على الناس بوجهه" وهي في الموطأ من طريق داود بن الحصين عن ابن أبي سفيان عن أبي هريرة رواية بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عند أبي ذر قال ابن أبي مريم وعند غيره حدثنا بن أبي مريم وسيعاد في التفسير في تفسير سورة البقرة قوله: "وقال إبراهيم هو بن طهمان عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين الحديث" وصله الحاكم في المستدرك وأبو عبد الله بن منده في أماليه والبجيري عمر بن محمد بن بجير في صحيحه وأبو نعيم في المستخرج قوله: "لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وصله المؤلف في الجنائز حديث الزهري عن أنس "عرضت علي النار وأنا أصلي" وصله في باب وقت الظهر من طريق شعبة عنه حديث أبي قلابة عن أنس قدم رهط من عكل فكانوا في الصفة وصله بهذا اللفظ في كتاب المحاربين حديث عبد الرحمن بن أبي بكر كان أصحاب الصفة فقراء وصله المؤلف في باب السمر مع الضيف حديث كعب بن مالك "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيصلى فيه" وصله في الجهاد مختصرا هكذا وأورده في المغازي مطولا في قصة توبة كعب قوله: "وزاد إبراهيم بن المنذر حدثني بن وهب أخبرني يونس الحديث في الحبشة في بعض الروايات وزاد في رواية يحيى هو القطان وعبد الوهاب وهو الثقفي عن يحيى هو الأنصاري مسندا عنده عن علي بن المديني عنهما وهو معطوف على رواية علي عن ابن عيينة وقد وصله الإسماعيلي من رواية بندار عنهما ورواية جعفر بن عون وصلها أحمد في مسنده عنه والنسائي ووقع لنا في جزء الحسن بن على بن عفان عنه بعلو ورواية مالك وصلها المؤلف في باب المكاتب حديث بن عباس "طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير" وصله في باب من أشار إلى الركن في كتاب الحج حديث الوليد بن كثير عن عبيد الله بن عبد الله أن ابن عمر حدثهم وصله مسلم ووقع لنا بعلو في مستخرج أبي نعيم حديث عاصم بن على حدثنا عاصم بن محمد وصله إبراهيم الحربي في غريب
الحديث له قوله: "وزاد شعبة عن عمرو عن أنس "حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم" وصله في باب كم بين الأذان والإقامة من حديث شعبة قوله: "زاد مسدد قال خالد قال الشيباني الحديث وصله في باب "إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد" عن مسدد به
أبواب المواقيت: قال بكر بن خلف حدثنا محمد بن بكر البرساني وصله الإسماعيلي في مستخرجه وأحمد بن على الأبار في جمع حديث الزهري قوله: "قال سعيد عن قتادة يعني عن أنس لا يتفل قدامه الحديث" وقال شعبة يعني عن قتادة لا يبزق بين يديه الحديث وقال حميد عن أنس لا يبزق في القبلة الحديث أما حديث سعيد فوصله أحمد في مسنده من طرق وابن حبان في صحيحه وأما حديث شعبة فوصله المؤلف عن آدم عنه وأما حديث حميد فوصله المؤلف أيضا من طريق إسماعيل بن جعفر عنه متابعة سفيان وهو الثوري عن الأعمش في الإبراد وصلها المؤلف في باب صفة النار عن الفريابي عنه ومتابعة يحيى القطان وصلها أحمد في مسنده عنه ووقعت لنا في فوائد القزويني ومتابعة أبي عوانة لم أجدها وإنما وجدته من رواية أبي معاوية وصله من طريقه بن ماجة قوله: "وقال جابر "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة" وصله في باب وقت المغرب من طريق محمد بن عمرو بن حسن عنه رواية معاذ عن شعبة في حديث أبي برزة الأسلمي في المواقيت وصلها مسلم رواية مالك عن الزهري في وقت العصر وصلها المؤلف عن القعنبي عنه ورواية يحيى بن سعيد وهو الأنصاري وصلها الذهلي في الزهريات ورواية شعيب بن أبي حمزة عنه وصلها الطبراني في مسند الشاميين ورواية بن أبي حفصة وهو محمد بن ميسرة وصلها الذهلي أيضا قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر" وقال "لو يعلمون ما في العتمة والفجر" هذان حديثان وصل الأول منهما في باب فضل العشاء جماعة والثاني في باب الأذان قوله: "ويذكر عن أبي موسى كنا نتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء فأعتم بها" وصله بعد هذا بباب واحد وإنما أورده بصيغة التمريض لأنه ساقه بالمعني وفيه نظر قوله: "وقال ابن عباس وعائشة أعتم بالعشاء وقال بعضهم عن عائشة أعتم بالعتمة" وصل حديث بن عباس في باب النوم قبل العشاء وحديث عائشة في باب ففضل العشاء من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عنها والطريق الثانية المبهم راويها من طريق شعيب عن أبي حمزة عن الزهري قوله: "وقال جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء وقال أبو برزة كان يؤخر العشاء وقال أنس أخر العشاء وقال ابن عمر وأبو أيوب وابن عباس صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء" أما حديث جابر فوصله المؤلف في باب وقت العشاء وحديث أبي برزة تقدم في باب وقت الظهر وحديث أنس وصله في باب وقت العشاء إلى نصف الليل وحديث بن عمر وأبي أيوب في الحج وحديث بن عباس في باب قصر الصلاة وسيأتي قوله: "وقال أبو برزة كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب تأخيرها يعني العشاء" تقدم أنه وصله قوله: "عبد الرحيم المحاربي حدثنا زائدة هكذا في جل روايتنا ليس فيه صيغة أداء نعم في رواية أبي ذر الهروي حدثنا عبد الرحيم قوله: "وقال ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب رويناه موصولا عاليا في الجزء الأول من حديث المخلس قال حدثنا البغوي حدثنا أحمد بن منصور حدثنا سعيد بن أبي مريم به رواية أبي رجاء عن همام رويناها موصولة عالية في جزء محمد بن يحيى الذهلي قال حدثنا عبد الله بن رجاء متابعة عبدة وهو بن سليمان عن هشام وصلها المؤلف في باب صفة إبليس وجنوده
قوله : "باب من لم يكره الصلاة إلا بعد الفجر والعصر رواه عمر وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة" أما حديث عمر فوصله من طرق من حديث بن عباس عنه وأما حديث بن عمر ففي الباب المذكور وأما حديث أبي سعيد ففي الصلاة أيضا والحج وأما حديث أبي هريرة ففي الباب الذي قبله حديث كريب عن أم سلمة صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر وصله في باب السهو وسيأتي رواية حبان بن هلال عن همام وصلها أبو عوانة الاسفرايني في صحيحه عن عمار بن رجاء عن حبان رواية عثمان ابن جبلة وأبي داود عن شعبة عن عمرو بن عامر عن أنس في الصلاة قبل المغرب لم أجدها وزعم مغلطاي أن الإسماعيلي وصل حديث عثمان ابن جبلة وليس في كتاب الإسماعيلي ذلك وإنما فيه من رواية عثمان ابن عمرو بن فارس.
أبواب الأذان والإقامة والإمامة ويذكر عن بلال "أنه جعل إصبعيه في أذنيه" وصله ابن ماجة من حديث سعد القرظ وصححه الحاكم مع ضعف إسناده ووصله سعيد بن منصور من حديث بلال وإسناده ضعيف ومنقطع أيضا لكن عند أبي داود في السنن والطبراني في مسند الشاميين وصححه بن حبان من طريق عبد الله الهوزني قال لقيت بلالا فذكر حديثا طويلا فيه قال بلال فجعلت إصبعي في أذاني فأذنت وروى ابن خزيمة في صحيحه من طريق أبي جحيفة قال "رأيت بلالا يؤذن وقد جعل أصبعيه في أذنيه" وهو عن حجاج بن أرطاة عن عون بن أبي جحيفة وتردد بن خزيمة في صحته لذلك وقد وصله الطبراني من حديث الثوري عن عون وليس عنده الحجاج لكن قد بينت في كتابي المدرج أن الثوري إنما سمع هذه الزيادة من عون
قوله : "باب لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار وقال ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا قاله أبو قتادة" ووصله في الباب الذي قبله من طريق شيبان عن يحيى بن أبي كثير وقال بعده تابعه على بن المبارك يعني عن يحيى ووصل حديث على بن المبارك في باب المشي إلى الجمعة حديث بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب في احتساب الآثار وصله أبو ذر في روايته قال حدثنا بن أبي مريم ورويناه موصولا عاليا في الجزء الأول من حديث المخلص وقال حدثنا البغوي قال حدثنا الزيادي عنه متابعة غندر ومعاذ عن شعبة في حديث بن بحينة وصلها الإسماعيلي ورواية محمد بن إسحاق عن سعد بن إبراهيم رويناها في المغازي الكبرى له وتابعه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه ورواية حماد بن سلمة عن سعد وصلها إسحاق بن راهويه في مسنده ووقعت لنا بعلو في معرفة الصحابة لأبي عبد الله بن منده ورواية أبي داود عن شعبة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر وهو مريض وصلها البيهقي ورويناها بعلو في حديث شعبة لأبي الحسين بن المظفر ورواية أبي معاوية عن الأعمش وصلها المؤلف في باب الرجل يأتم بالإمام حديث زهير ووهب بن عثمان عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر في البداءة بالعشاء قبل الصلاة لم أجدها متابعة الزبيدي عن الزهري في حديث عائشة مروا أبا بكر فليصل بالناس وصلها الطبراني في مسند الشاميين ووقعت لنا بعلو في البشرانيات ومتابعة بن أخي الزهري عن عمه وصلها الذهلي في الزهريات ومتابعة إسحاق بن يحيى الكلبي عن الزهري رويناها في نسخته من طريق سليمان ابن عبد الحميد البهراني عن يحيى بن صالح عنه ورواية عقيل عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر مرسلا أسندها الذهلي في الزهريات ورواية معمر لمتابعة
عقيل رواها بن سعد في الطبقات وأبو يعلى في مسنده من طريق بن المبارك عنه وأوردها البيهقي من طريق عبد الرزاق عن معمر فزاد فيها عن حمزة عن عائشة كرواية بن أخي الزهري ومن تابعه
قوله : "باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الآخر أو لم يتأخر جازت صلاته فيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم" يشير بذلك إلي قصة صلاة أبي بكر بالناس وخروج النبي صلى الله عليه وسلم وقد شرع أبو بكر في الصلاة فتأخر أبو بكر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدمت الإشارة إليه وفي قوله : "أولم يتأخر" يشير إلى ما روى أن أبا بكر استمر يصلي وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلفه وقد تكلم هو عليه أيضا في باب حد المريض أن يشهد الجماعة
قوله : "لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى " هذا الحديث لم يوصل المؤلف إسناده وقد وصله مسلم وأبو داود والترمذي من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري متابعة سعيد بن مسروق عن محارب في حديث جابر وصلها أبو عوانة في صحيحه ومتابعة مسعر بن كدام عنه وصلها إسحاق بن راهويه وأبو العباس السراج والنسائي ومتابعة الشيباني وهو أبو إسحاق سليمان وصلها البزار ورواية عمرو بن دينار عن جابر وصلها المؤلف ورواية عبيد الله بن مقسم عنه وصلها بن خزيمة في صحيحه وأصله عند أحمد بن حنبل وغيره ورواية أبي الزبير عنه وصلها السراج ورواية الأعمش وصلها إسحاق بن راهويه والنسائي متابعة بشر بن بكر عن الأوزاعي في حديث أبي قتادة وصلها المؤلف ومتابعة بن المبارك عنه وصلها أحمد وابن أبي شيبة والنسائي ومتابعة بقية بن الوليد عنه لم أجدها رواية موسى عن أبان وصلها السراج وابن المنذر متابعة محاضر عن الأعمش لم أجدها قوله: "ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم" هذا الحديث وصله مسلم وأبو داود والنسائي أتم مما هنا ورويناه عاليا في مسند عبد بن حميد وهو صحيح وإنما لم يجزم به لأنه اختصره حديث عقبة بن عبيد عن بشير بن يسار وصله أحمد بن حنبل وأبو نعيم في المستخرج من طريقه قوله: "وقال النعمان ابن بشير "ورأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه" هذا الحديث لم يوصل المؤلف إسناده وقد وصله ابن خزيمة في صحيحه وأبو داود والدارقطني في حديث أصله عند مسلم رواية عفان عن وهيب وصلها المؤلف في الاعتصام عن إسحاق عن عفان
أبواب صفة الصلاة حديث أبي حميد يأتي مطولا في باب سنة الجلوس في التشهد ورواية حماد بن سلمة عن أيوب في رفع اليدين وصلها البخاري في جزء رفع اليدين له والسراج والبيهقي ورواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب وموسى بن عقبة وصلها البيهقي حديث عائشة في صلاة الكسوف وصله في باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة قوله: "قال إسماعيل يعني بن أويس عن مالك ينمى قيل إن إسماعيل هذا هو بن إسحاق القاضي رواه عن القعنبي عن مالك ولكن وجدت روايته في المتفق للجوزقي وليس فيها مخالفة لرواية البخاري عن القعنبي فصح أنه بن أويس وسياقه هكذا في الموطأ روايته وقد انقطعت في هذه الأزمان قوله: "وقال سهل يعني بن سعد ألتفت أبو بكر فرأى النبي صلى الله عليه وسلم وصله بتمامه في باب الإشارة في الصلاة ورواية موسى بن عقبة عن نافع في النخامة وصلها مسلم ورواية بن أبي رواد وهو عبد العزيز وصلها أحمد بن حنبل حديث أم سلمة بقراءة الطور في الفجر وصله المؤلف في الحج قوله: "ويذكر عن عبد الله بن السائب قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في الصبح الحديث" هذا الحديث وصله مسلم والنسائي والبخاري في التاريخ ووقع لنا بعلو في مسند الحارث بن أبي أسامة حديث عبيد الله بن عمر عن ثابت عن أنس في قصة الرجل الذي كان يفتتح بقراءة قل هو الله أحد وصله الترمذي والبزار جميعا عن البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن عبد العزيز الدراوردي عنه ورواه بن خزيمة في صحيحه والحاكم في المستدرك والجوزقي في المتفق كلهم من طريق إبراهيم بن حمزة عن الدراوردي ووقع لنا بعلو في جزأين عن ابن أبي شريح متابعة محمد بن عمرو عن أبي سلمة في الجهر بالتأمين وصلها بن خريمة والسراج ومتابعة نعيم المجمر عن أبي هريرة وصلها بن خزيمة والنسائي والسراج والطبري وابن حبان والحاكم والدارقطني مطولا من حديث فيه "أن أبا هريرة جهر بالتأمين والتكبير وبالبسملة ثم قال بعد أن سلم أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم"
قوله : "باب إتمام التكبير قاله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله بعد قليل من حديثه وقوله: "فيه مالك بن الحويرث وصله في باب كيف يعتمد على الأرض ورواية موسى عن أبان موصولة لأنه رواه عن موسى عن همام وأبان جميعا لكن فرقهما ورواية عبد الله بن صالح عن الليث في التكبير وصلها الذهلي في الزهريات وذكر هنا أطرافا من حديث أبي حميد وسيأتي قريبا قوله: "قال نافع كأن ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه وصله بن خزيمة والبيهقي وغيرهما مرفوعا وأورده البيهقي أيضا موقوفا رواية بن المبارك عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب في حديث أبي حميد الساعدي وصلها جعفر الفريابي في كتاب الصلاة له ورواية أبي صالح عن الليث عن يزيد وصلها الطبراني
باب الذكر بعد الصلاة رواية شعبة عن عبد الملك وصلها الطبراني في الدعاء له والسراج قوله: "ويذكر عن أبي هريرة رفعه لا يتطوع في مكانه ولم يصح" وصله أبو داود ووقع لنا بعلو في أمالي المحاملي من طريق الأصبهانيين عنه رواية بن وهب عن يونس عن الزهري في حديث هند الفراسية وصلها النسائي ورواية عثمان ابن عمر عن يونس وصلها المؤلف في باب انتظار الناس قيام الإمام ورواية الزبيدي عن الزهري وصله الطبراني في مسند الشاميين ورواية شعيب عن الزهري وصلها الذهلي في الزهريات وكذا رواية بن أبي عتيق عنه وكذا رواية الليث عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب
قوله : "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: "من أكل البصل أو الثوم من الجوع أو غيره فلا يقربن مسجدنا" كأنه يشير إلى حديث أبي الزبير عن جابر " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا " الحديث وصله مسلم فالحاجة تشمل الجوع وغيره ورواية مخلد بن يزيد عن ابن جريج عن عطاء في هذا الحديث وصلها السراج ورواية أحمد بن صالح عن ابن وهب وصلها المؤلف في الاعتصام وكذا رواية أبي صفوان عن يونس وصلها في الأطعمة ورواية الليث في الزهريات قوله: "وقال عياش عن عبد الأعلى جزم أبو نعيم في المستخرج أنه قال وقال لي عياش وهو بن الوليد الرقام فهو موصول متابعة شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر في النهى عن منع النساء المساجد وصلها أحمد والطبراني


يتبع
ربنا تقبل منا

اخت مسلمة
06-08-2009, 11:57 PM
كتاب الجمعة
رواية بكير بن الأشج وسعيد بن أبي هلال عن أبي بكر بن المنكدر وصلها مسلم وأبو داود والنسائي

قوله : "باب السواك للجمعة وقال أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم يستن وصله في باب الطي للجمعة رواية الليث عن يونس وصلها الذهلي رواية أبان ابن صالح عن مجاهد وصلها البيهقي رواية يونس بن بكير عن أبي خلدة وصلها البخاري في الأدب المفرد ورواية بشر بن ثابت عنه وصلها الإسماعيلي والبيهقي قوله : "وقال أنس خطب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر" وقوله بعد ذلك" باب الخطبة قائما وقال أنس بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما" هما طرفان من حديث وصله المؤلف في الاستسقاء وسيأتي رواية سليمان ابن هلال عن يحيى بن سعيد وصلها المؤلف في علامات النبوة
باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد رواية عكرمة عن ابن عباس وصلها في آخر الباب من حديث ورواية محمود عن أبي أسامة تأتي في الجهاد متابعة يونس بن عبيد عن الحسن عن عمرو بن تغلب وصلها أبو نعيم في جزء له فيه مسانيد جماعة منهم يونس بن عبيد متابعة يونس بن يزيد عن ابن شهاب وصلها مسلم متابعة أبي معاوية وأبي أسامة جميعا عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي حميد في قوله: "أما بعد وصلها مسلم ورويناها في الأربعين لأبي الفتوح الطائي وفي أمالي المحاملي بعلو ووصلها المؤلف من طريق أبي أسامة وحده مختصرا في الزكاة ومتابعة العدني عن سفيان وصلها مسلم متابعة الزبيدي عن الزهري في حديث المسور بن مخرمة وصلها الطبراني في مسند الشاميين حديث سلمان في الإنصات أسنده المؤلف في باب الدهن للجمعة. صلاة الخوف حديث موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر في صلاة الخوف وقال مجاهد نحوه بينه الإسماعيلي بيانا شافيا قوله: "احتج الوليد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" وصل المؤلف المرفوع من حديث بن عمر بعد بباب
باب العيدين رواية مرجا بن رجاء عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس في أكل التمر وترا وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم وأصله في مسند أحمد قوله: "وقال عبد الله بن بسر إن كنا فرغنا في هذه الساعة وذلك حين التسبيح هو حديث مرفوع" وصله أحمد وأبو داود والحاكم والطبراني ولفظ أحمد "خرج عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس فأنكر إبطاء الإمام وقال إن كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح" وفي رواية الطبراني وذلك حين تسبيح الضحى حديث أبي سعيد "قام النبي صلى الله عليه وسلم مقابل الناس" هو طرف من حديثه الطويل في الخطبة يوم العيد رواية محمد بن كثير عن سفيان وصلها المؤلف في الاعتصام متابعة يونس بن محمد المؤدب عن فليح وصلها الإسماعيلي من طريق أبي بكر بن أبي شيبة وفيه اختلاف بيناه في تغليق التعليق ورواية محمد بن الصلت وصلها الترمذي والدارمي قوله: "لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا عيدنا أهل الإسلام" يشير بذلك إلي حديثين أحدهما عن عائشة في قصة الجاريتين اللتين كانتا تغنيان عند النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قوله: "دعهما فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا" وهو موصول عنده في باب سنة العيدين ثانيهما حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يوم عرفة وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام" وقد وصله أبو داود والنسائي وابن خزيمة والحاكم وغيرهم من أبواب الوتر قال أبو هريرة "أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بالوتر قبل النوم" وصله المؤلف بمعناه في الصوم وهو عند أحمد بلفظه الاستسقاء رواية بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة يقول اللهم أنج الوليد الحديث ينظر فيه رواية عمر بن حمزة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وصلها أحمد وابن ماجة زيادة أسباط بن نصر عن منصور عن أبي الضحى وصلها البيهقي في السنن وفي الدلائل رواية المسعودي عن أبي بكر موصولة عنده وهي معطوفة على حديث عبد الله بن محمد عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر قال سفيان وأخبرني المسعودي فذكره وقد ساقه الحميدي في مسنده عن سفيان مبينا ووهم من عده في التعليق رواية أيوب بن سليمان عن أبي بكر بن أبي أويس في حديث أنس في قصة الأعرابي القائل يوم الجمعة هلكت الماشية وصلها أبو عوانة في صحيحه والإسماعيلي والبيهقي ورويناها بعلو في الجزء الثالث من أمالى المحاملي رواية الأويسي عن محمد بن جعفر تأتي في الدعوات متابعة القاسم بن يحيى عن عبيد الله بن عمر في حديث عائشة لم أجدها ورواية الأوزاعي عن نافع وصلها أحمد والنسائي وفيها اختلاف بينته في الكبير ورواية عقيل عن نافع كذلك حديث أبي هريرة خمس لا يعلمهن إلا الله وصله في كتاب الإيمان
الكسوف : حديث عائشة خطب النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف وصله في موضع آخر مطولا وحديث أسماء كذلك وحديث أبي موسى في قوله: "يخوف الله بهما عباده" وصله بعد ثمانية أبواب رواية عبد الوارث عن يونس وصلها المؤلف في باب كسوف القمر وكذا رواية شعبة وخالد الطحان عنه ورواية حماد بن سلمه عنه وصلها الطبراني ورواية موسى بن إسماعيل عن مبارك بن فضالة لم أجدها ورواية أشعث عن الحسن وصلها النسائي حديث عائشة ما سجدت سجودا أطول منها معطوف على حديث بن عمر وليس معلقا بل أبو سلمة رواه عنهما جميعا
قوله : "باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته رواه أبو بكر والمغيرة وأبو موسى وابن عباس وابن عمر وقال بعده باب الذكر في الكسوف رواه بن عباس رضي الله عنهما وقال بعده باب الدعاء في الخسوف قاله أبو موسى وعائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث الخمسة بل الستة موصولة عنده فرقها في أبواب الكسوف رواية أبي أسامة عن هشام في أما بعد تقدمت في الجمعة وقد وقع لنا بعلو في جزء محمد بن عثمان ابن كرامة رواية الأوزاعي وغيره عن الزهري معطوفة علي رواية الوليد عن ابن أبي نمر وقد أوضحه مسلم وليس معلقا ومتابعة سليمان ابن كثير عن الزهري في الجهر وصلها أحمد والنسائي ومتابعة سفيان ابن حسين وصلها الترمذي والبيهقي
أبواب سجود القرآن قوله: "باب سجدة النجم قاله بن عباس وصله المؤلف في باب سجود المسلمين مع المشركين ورواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب لم أجدها قوله: "زاد نافع عن ابن عمر يعني عن عمر بن الخطاب أن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء هو معطوف على رواية بن أبي مليكة والقائل زاد نافع هو بن جريج وليس معلقا كما ظن المزي وقد أوضحه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما والبيهقي والله الموفق
أبواب تقصير الصلاة متابعة عطاء عن جابر وصلها في الحج قوله: "وسمي النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة
سفرا هو في حديث أبي هريرة لا يحل لامرأة الحديث وصله المؤلف بعد متابعة أحمد عن ابن المبارك لم أجدها وليس هو أحمد بن حنبل لأنه لم يسمع من بن المبارك متابعة يحيى بن كثير عن المقبري وصلها أحمد ومتابعة سهل بن أبي صالح عنه وصلها أبو داود وابن حبان والحاكم وفيه اختلاف على سهيل بينته في الكبير ومتابعة مالك وصلها مسلم وأبو داود وغيرهما زيادة الليث عن يونس في باب يصلي المغرب ثلاثا وصلها الذهلي في الزهريات ورواية الليث عن يونس في باب ينزل للمكتوبة وصلها الإسماعيلي رواية إبراهيم بن طهمان عن حجاج هو بن حجاج عن أنس بن سيرين عن أنس لم أجدها قوله: "ركع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر في السفر وصله مسلم في حديث أبي قتادة الأنصاري في قصة النوم عن صلاة الصبح وفي الباب عن أبي هريرة وبلال وعمر أن ابن حصين كما بينتها في الكبير ورواية الليث عن يونس وصلها الذهلي ورواية إبراهيم بن طهمان عن حسين المعلم وصلها البيهقي ومتابعة علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير وصلها الحسن بن سفيان وأبو نعيم في المستخرج ومتابعة حرب بن شداد عن يحيى وصلها المؤلف بعد بباب
قوله : "باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس فيه اسم عباس تقدم حديث بن عباس من رواية إبراهيم بن طهمان المذكورة لكنه غير مقيد بالارتحال إلا أنه يأخذ من قوله: "إذا كان على ظهر سير. أبواب التهجد والتطوع رواية سفيان عن عبد الكريم بن أبي أمية موصولة وكذا رواية سفيان عن سليمان ابن أبي مسلم كلاهما عنده عن علي عن سفيان ولكن وقع في رواية أبي ذر الهروي في زيادة سليمان قال على بن خشرم قال سفيان فالظاهر أنها من رواية الفربري عن على بن خشرم ووهم من زعم أن رواية عبد الكريم معلقة بل هي موصولة كما بينه أبو نعيم وغيره
قوله : "باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب وصل مقصود ذلك في هذه الأبواب قوله: "باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم حتى ترم قدماه وقالت عائشة حتى تفطر قدماه وصله المؤلف من حديث المغيرة بن شعبة بلفظ الباب وحديث عائشة وصله أيضا في تفسير سورة الفتح متابعة سليمان ابن أبي خالد الأحمر عن حميد وصلها المؤلف في الصيام
قوله : "وقال سليمان لأبي الدرداء نم فلما كان من آخر الليل قال قم هو طرف من حديث طويل وصله المؤلف في الأدب من حديث أبي جحيفة رواية القعنبي عن مالك في قصة المرأة من بني أسد وصلها أبو نعيم في المستخرج رواية هشام هو بن عمار عن ابن أبي العشرين عن الأوزاعي وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما ومتابعة عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي وصلها مسلم متابعة عقيل عن الزهري وصلها الطبراني في المعجم الكبير في مسند عبد الله بن رواحة ورواية الزبيدي عنه وصلها المؤلف في تاريخه الصغير حديث أبي هريرة أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بركعتي الضحى هو طرف من حديث الوتر المتقدم حديث عتبأن ابن مالك غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بعدما امتد النهار الحديث أسنده المؤلف بعد قليل مطولا من طريق الزهري عن محمود بن الربيع عنه متابعة كثير بن فرقد عن نافع في الرواتب لم أجدها ومتابعة أيوب عنه وصلها المؤلف بعد أبواب ورواية بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة ينظر فيها قوله : "باب صلاة الضحى في الحضر قاله عتاب عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو طرف من حديث عتبان الذي تقدم التنبيه عليه لكن ليس عنده في شيء من طرقه التصريح بأن الركعتين اللتين صلاهما صلاة الضحى نعم رويناه في مسند أحمد وسنن الدارقطني وفي جزء الذهلي بعلو من طريق عثمان ابن عمر عن يونس عن الزهري ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الضحى ومتابعة بن أبي عدي عن شعبة وصلها أسحق ومتابعة عمرو بن مرزوق وصلها البرقاني في كتاب المصافحة
قوله : "باب صلاة النوافل جماعة ذكره أنس وعائشة وقد وصل حديثهما من طرق متابعة عبد الوهاب عن أيوب وصلها مسلم بن زيادة بن نمير عن عبيد الله بن عمر في مسند أبي بكر بن أبي شيبة ووصلها مسلم أيضا
أبواب العمل في الصلاة قوله: "باب من رجع القهقرى في صلاته أو تقدم بأمر ينزل به رواه سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم هو موصول عنده في الجمعة رواية الليث عن جعفر بن ربيعة في قصة جريج الراهب وأمه وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم وغيرهما رواية النضر بن شميل عن شعبة فدعته بالذال المعجمة وصلها مسلم قوله: "ويذكر عن عبد الله بن عمر وقال نفخ النبي صلى الله عليه وسلم في سجوده في كسوف وصله أحمد والترمذي وابن خزيمة وابن حبان
قوله : "باب من صفق جاهلا من الرجال في صلاته لم تفسد فيه سهل بن سعد وصله بعد بابين رواية هشام عن ابن سيرين في النهي عن الخصر في الصلاة وصلها أحمد وأصل الحديث عند المؤلف ورواية أبي هلال عنه وصلها الدارقطني في الأفراد متابعة بن جريج عن ابن شهاب في التكبير وصلها أحمد والسراج والطبراني قوله: "باب الإشارة في الصلاة قاله كريب عن أم سلمة وصل حديثها بعد بباب


كتاب الجنائز
متابعة عبد الرزاق عن معمر وصلها مسلم ورويناها عالية جدا في جزء الذهلي ورواية سلامة بن روح عن عقيل لم تقع لي بعد رواية نافع بن يزيد عن عقيل وصلها الإسماعيلي ومتابعة شعيب عن الزهري وصلها المؤلف في الشهادات ومتابعة عمرو بن دينار عنه وصلها بن أبي عمر العدني في مسنده عن سفيان عيينة عنه ومتابعة معمر وصلها المؤلف في التعبير متابعة بن جريج عن ابن المنكدر وصلها مسلم حديث أبي رافع عن أبي هريرة إلا آذنتموني به وصله المؤلف بتمامه في باب كنس المسجد رواية شريك عن ابن الأصبهاني وصلها أبو بكر بن أبي شيبة ورويناها في الجزء الثاني من فوائد بن أخي سمي قول بن عباس المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا ذكره سعيد بن منصور وابن أبي شيبة موقوفا ووصله الحاكم مرفوعا ورواه البيهقي مرفوعا وموقوفا حديث المؤمن لا ينجس أسنده المؤلف في باب الجنب يمشي في السوق في الطهارة من حديث أبي رافع عن أبي هريرة ورواية وكيع عن سفيان في حديث أم عطية وصلها الإسماعيلي.
قوله : "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه وصله من حديث بن عباس عن عمر حديث كلكم راع وصله في مواضع من حديث بن عمر حديث لا تقتل نفس ظلما إلا كان على بن آدم الأول كفل من دمها الحديث وصله من حديث بن مسعود في بدء الخلق متابعة عبد الأعلى وهو بن حماد عن يزيد بن زريع وصلها أبو يعلى في مسنده عنه ورواية آدم عن شعبة رويناها في حديثه من طريق إبراهيم بن ديزيل عنه ورواية الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة وصلها مسلم عنه وابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى عن الحكم
قوله : "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا بك لمحزونون هو طرف من قصة إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم من مارية وقد ذكر في رواية سليمان ابن المغيرة الآتية وحديث بن عمر تدمع العين وصله بعد بباب ورواية موسى بن إسماعيل عن سليمان ابن المغيرة وصلها البيهقي في الدلائل زيادة الحميدي عن سفيان أو توضع وصلها أبو نعيم في مستخرجه من طريق الحميدي رواية أبي حمزة وهو السكري عن الأعمش في قصة قيس بن سعد وسهل بن حنيف وصلها أبو نعيم ورواية زكريا عن الشعبي وصلها سعيد بن منصور ورواية أبي الزبير عن جابر كنت في الصف الثاني وصلها النسائي وابن بشران وأصله في مسلم حديث من صلى على الجنازة وصله المؤلف من حديث أبي هريرة حديث صلوا على صاحبكم وصله من حديث سلمة بن الأكوع حديث صلوا على النجاشي وصله من حديث جابر رواية يزيد بن هارون عن سليمان ابن حيان في حديث جابر في الصلاة على النجاشي وصلها المؤلف في هجرة الحبشة ومتابعة عبد الصمد عنه وصلها الإسماعيلي رواية بن المبارك عن فليح وصلها الإسماعيلي رواية سليمان ابن كثير عن الزهري وصلها الذهلي حديث أبي هريرة في الإذخر لقبورنا وبيوتنا هو طرف من حديثه وصله المؤلف في اللقطة وغيرها ورواية أبان ابن صالح عن الحسن بن مسلم رواها البخاري في التاريخ الكبير وابن ماجة ورواية مجاهد عن طاوس وصلها المؤلف في الحج قوله: "وقال الإسلام يعلو ولا يعلى هكذا هو غير معزو لقائل وقد وصله الدارقطني ومحمد بن هارون الروياني في مسنده والخليلي في فوائده كلهم من طريق عائد بن عمرو المزني زاد الخليلي في روايته وكان ممن بايع تحت الشجرة وفي حديثه قصة رواية شعيب عن الزهري في قصة بن صياد وصلها المؤلف في الأدب ورواية عقيل عنه وصلها في الجهاد وكذا رواية معمر ورواية إسحاق الكلبي وصلها الذهلي قوله: "وقال حجاج بن منهال حدثنا جرير بن حازم وصله المؤلف في ذكر بني إسرائيل قال حدثنا محمد حدثنا حجاج وسياقه الموصول أتم قوله: "وقال عفان حدثنا داود بن أبي الفرات كذا في بعض الروايات وفي بعضها حدثنا عفان وكذا وصله أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان حديث بن عمر في كراهية الصلاة على المنافقين وصله في الجنائز أيضا في قصة عبد الله بن أبي سلول قوله: "زاد غندر يعني شعبة سمعت الأشعث يقول عذاب القبر حق وصله النسائي رواية النضر عن شعبة عن عون بن أبي جحيفة وصلها إسحاق بن راهويه والبيهقي في البعث والنشور حديث أبي هريرة من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث الحديث تقدم ذكر من وصله في أوائل الجنائز من رواية شريك عن ابن الأصبهاني وقد رواه بهذا اللفظ أبو عوانة في صحيحه من حديث أنس بن مالك قوله: "في حديث سمرة بن جندب في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وقال يزيد بن هارون ووهب بن جرير وعلى شط النهر رجل روى حديث يزيد بن هارون أحمد في مسنده عنه ووصل حديث وهب بن جرير مسلم والترمذي مختصرا وساقه أبو عوانة في صحيحه وفيه هذا اللفظ المعلق قوله: "وقال بعض أصحابنا عن موسى بن إسماعيل كلوب حديد وصله الطبراني في الكبير عن العباس بن الفضل عن موسى متابعة على بن الجعد عن شعبة في حديث عائشة لا تسبوا الأموات وصلها المؤلف في كتاب الرقاق عنه ومتابعة محمد بن عرعرة وابن أبي عدي عن شعبة لم أقف عليهما وكذا رواية عبد الله بن عبد القدوس ومحمد بن أنس عن الأعمش.


"كتاب الزكاة"
حديث بن عباس عن أبي سفيان تقدم في بدأ الوحي وهو في التفسير بهذه الزيادة رواية سليمان ابن حرب وأبي النعمان عن حماد في قصة وفد عبد القيس وصلهما المؤلف أما حديث سليمان ففي المغازي وأما حديث أبى النعمان ففي الخمس ورواية بهز بن راشد عن شعبة وصلها المؤلف في الأدب متابعة سليمان وهو بن بلال عن عبد الله بن دينار تأتي في التوحيد وكذا رواية ورقاء عن ابن دينار ورواية مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح رويناها في كتاب الصيام ليوسف بن يعقوب القاضي ورواية يزيد بن أسلم عنه وصلها مسلم من حديث بن وهب عن هشام بن سعد عنه ورواية سهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة وصلها مسلم أيضا حديث أبي هريرة ورجل تصدق بصدقة فأخفاها وصله المؤلف بعد ببابين مطولا حديث أبي موسى هو أحد المتصدقين وصله المؤلف بعد أبواب حديث من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله وصله المؤلف من حديث أبي هريرة في باب الاستقراض حديث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال هو طرف من حديث المغيرة بن شعبة وصله المؤلف في الصلاة وقوله: "قال كعب قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنلخع من مالي صدقه الحديث هو طرف من قصة توبة كعب بن مالك وقد وصله بتمامه في المغازي في غزوة تبوك قوله: "كفعل أبي بكر حين تصدق بماله وكذلك آثر الأنصار المهاجرين أما قصة أبي بكر فوصلها أبو داود والترمذي والحاكم من حديث عمر بن الخطاب ورويناه بعلو في مسندي عبد بن حميد والدارمي وأما إيثار الأنصار فسيأتي في كتاب الهبة إن شاء الله تعالى متابعة الحسن بن مسلم عن طاوس في الحبتين وصلها المؤلف في اللباس ورواية حنظلة عنه يأتي الكلام عليها هناك ورواية الليث عن جعفر بن ربيعة لم أجدها قوله: "في باب العرض في الزكاة وقال طاوس قال معاذ لأهل اليمن الحديث وصله يحيى بن آدم في كتاب الخراج حديث وأما خالد ففقد احتبس أدراعه وصله المؤلف من حديث أبي هريرة بعد قليل حديث "تصدقن ولو من حليكن" وصله المؤلف من حديث أبي سعيد في العيدين
قوله : "باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع ويذكر عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وصله أبو يعلى وأحمد وأبو داود والترمذي في حديث طويل ورويناه في مسند الدارمي وصحيح بن خزيمة مختصرا حديث أبي بكر وأبي ذر وأبي هريرة في زكاة الإبل أسند المؤلف الأحاديث الثلاثة في الزكاة وحديث أبي ذر أيضا في النذر رواية الليث عن عبد الرحمن بن خالد في قول أبي بكر لو منعوني عناقا وصله الذهلي في الزهريات حديث أبي حميد في قصة بن اللتبية وصله المؤلف في الهبة وغيرها وقد تقدم في الصلاة رواية بكير وهو بن عبد الله بن الأشج عن أبي صالح عن أبي هريرة في الترهيب من منع الزكاة بنحو حديث أبي ذر وصلها مسلم ورويناها بعلو في مستخرج أبي نعيم حديث له أجران أجر الصدقة والقرابة هو طرف من حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود في سؤالها عن الصدقة على زوجها وقد وصله المؤلف بعد ثلاثة أبواب متابعة روح عن مالك تأتي في البيوع ورواية يحيى بن يحيى أسندها المؤلف في الوكالة ومتابعة إسماعيل أسندها في تفسير سورة آل عمران وسيأتي الكلام في الاختلاف عليه في الوصايا قوله : "باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر قاله أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قد وصله في الباب الذي قبله حديث أن خالدا احتبس ادراعه يأتي قريبا قوله: "ويذكر عن أبي لاس قال حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل الصدقة وصله أحمد وإسحاق في مسنديهما وصححه بن خزيمة والحاكم ووقع لنا عاليا في المعرفة لابن منده متابعة بن أبي الزناد عن أبيه في قصة العباس بن عبد المطلب وصلها أحمد بن حنبل وأبو عبيد في كتاب الأموال رواية إسحاق بن راهويه عن أبي الزناد وصلها الدارقطني ورواية بن جريج قال حدثت عن الأعرج وصلها عبد الرزاق في مصنفه وخالف الناس في بن جميل فجعل مكانه أبا جهم بن حذيفة زيادة عبد الله بن صالح عن الليث في الشفاعة العظمى وصلها البزار والطبراني في الأوسط وابن منده في كتاب الأيمان له ورواية معلى وهو بن أسد عن وهيب وصلها يعقوب بن سفيان عنه ورويناها بعلو في أمالى بن البختري رواية سليمان وهو بن بلال عن عمرو بن يحيى وصلها المؤلف في الحج ورواية سليمان أيضا عن سعد بن سعيد الأنصاري وصلها أبو على أحمد بن الفضل بن خزيمة في فوائده ومن طريقه خرجها الحافظ الضياء في الأحاديث المختارة قوله: "كما روى الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة وصله أحمد في مسنده من حديث الفضل وحديث بلال وصله المصنف في الحج رواية أبي داود قال أنبأنا شعبة هي في مسنده قوله: "وإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في الركاز الخمس وصله من حديث أبي هريرة وأبي سعيد رواية الليث عن جعفر بن ربيعة تأتي في البيوع متابعة أبي قلابة عن أنس في قصة العرنيين وصلها في الجهاد وغيره ومتابعة حميد عنه عند مسلم والنسائي وأبي داود وابن ماجة وابن خزيمة ووقعت لنا بعلو في جزء أبي مسعود الرازي وفيه نكتة ذكرتها في كتاب المدرج ومتابعة ثابت وصلها المؤلف في كتاب الطب

"كتاب الحج"
حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل من ذي الحليفة وصله المؤلف في باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح وحديث بن عباس في ذلك وصله في باب ما يلبس المحرم من الثياب رواية أبان وهو العطار عن مالك بن دينار وصلها أبو نعيم في المستخرج ووقعت لنا بعلو في الجزء الأول من حديث أبي العباس بن نجيح ورواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن يزيد بن زريع وقع في رواية أبي ذر الهروي حدثنا محمد بن أبي بكر ولكن عدها الضياء المقدسي من المعلقات وأخرجها في كتاب الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين أو أحدهما من مسند أبي يعلى ومعجم الطبراني الكبير رواية بن عيينة عن عمرو بن دينار رواها سعيد بن منصور وابن أبي حاتم في تفسيره والإسماعيلي وقد وقعت لنا من وجه آخر متصلة بيناها في الكبير قوله: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم العقيق واد مبارك وصله في الاعتصام رواية أبي عاصم عن ابن جريج في بعض الروايات حدثنا أبو عاصم رواية بعضهم عن أيوب عن رجل عن أنس أوردها المؤلف في باب نحو البدن قائمة
قوله : "باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح قاله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله قبل أبواب متابعة أبي معاوية عن الأعمش في حديث التلبية وصلها مسدد في مسنده والجوزقي في المتفق ورواية شعبة وصلها أحمد وأبو داود الطيالسي رواية أبي معمر عن عبد الوارث وصلها أبو نعيم في المستخرج ومتابعة إسماعيل بن علية عن أيوب وصلها المؤلف بعد


قوله: "باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قاله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله المؤلف في باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن من آخر المغازي زيادة محمد بن بكر عن ابن جريج وصلها أيضا في الباب المذكور حديث بن عباس من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج وصله بن خزيمة في صحيحه والدارقطني والحاكم ورويناه عاليا في الجزء الثاني من حديث أبي طاهر المخلص رواية أبي كامل فضيل بن حسين الجحدري عن أبي معشر وهو البراء واسمه يوسف بن يزيد عن عثمان ابن غياث وصلها الإسماعيلي في مستخرجه وأبو نعيم ووقع عندهما عن أبي معشر عن عثمان ابن سعد رواية أبي معاوية عن هشام بن عروة وصلها مسلم والنسائي رواية سلامة بن روح عن عقيل وصلها بن خزيمة في صحيحه ورواية يحيى بن الضحاك وهو البابلتي عن الأوزاعي وصلها أبو عوانة في صحيحه متابعة أبان العطار عن قتادة وصلها أحمد بن حنبل ومتابعة عمران القطان وصلها أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة ورواية عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة وصلها أحمد أيضا
قوله : "باب هدم الكعبة قالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم يغزو جيش الكعبة فيخسف بهم سيأتي في أوائل الصوم متابعة الليث عن كثير بن فرقد وصلها النسائي متابعة الدراوردي عن ابن أخي بن شهاب وصلها الإسماعيلي قصة بن عباس ومعاوية في استلام الأركان وصلها أحمد والطبراني والترمذي والحاكم متابعة إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء وصلها المؤلف في الطلاق حديث عطاء طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال وفيه قصة وقع في كثير من الروايات قال عمرو بن على وفي رواية أبي ذر وغيره قال لي عمرو بن علي وكذا أخرجه البيهقي من رواية حماد بن شاكر عن البخاري قال قال لي عمرو بن علي وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق البخاري قال: قال لي عمرو بن على ثم قال بعده هذا حديث عزيز ضيق المخرج رواية عبدان لحديث الإسراء وقع في كثير من الروايات قال عبدان وفي رواية أبي ذر قال لي عبدان ووصلها الجوزقي في المتفق قوله: "زاد الحميدي عن سفيان كذا رويناه في مسند الحميدي قوله: "قال أبو الزبير عن جابر أهللنا من البطحاء وصله أحمد ومسلم ورواية عبيد بن جريج عن ابن عمر وصلها المؤلف في اللباس ورواية عبد الملك عن عطاء وصلها مسلم باب الجمع بين الصلاتين قال الليث حدثني عقيل الخ وصله الإسماعيلي قوله: "في باب التمتع قال آدم ووهب وغندر عن شعبة عمرة متقبلة أما رواية آدم فوصلها في باب التمتع والقران وأما رواية وهب فوصلها البيهقي وأما رواية غندر فأخرجها أحمد عنه
قوله: "باب إشعار البدن قال عروة عن المسور قلد النبي صلى الله عليه وسلم الهدى هذا طرف من حديث طويل وصله المؤلف في الشروط متابعة محمد بن بشار عن عثمان ابن عمر لم أقف عليها لكن أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه باب نحر الإبل مقيدة رواية شعبة عن يونس وصلها إسحاق بن راهويه في مسنده ووقع لنا بعلو في المناسك للحربى باب الذبح قبل الحلق رواية عبد الرحيم بن سليمان الرازي وصلها الإسماعيلي والطبراني في الأوسط ورواية القاسم بن يحيى لم أقف عليها ورواية عفان أخرجها أحمد بن حنبل عنه ورواية حماد بن سلمة عن قيس وصلها النسائي والطحاوي وابن حبان باب الحلق والتقصير حديث الليث عن نافع وصله مسلم وغيره وحديث عبيد الله وصله مسلم باب الزيارة يوم النحر حديث أبي الزبير عن عائشة وابن عباس وصله أبو داود والترمذي وحديث أبي حسان وصله الطبراني في الكبير والبيهقي وحديث عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر في مستخرج الإسماعيلي وحديث القاسم عن عائشة في قولها حاضت صفية وصله المؤلف بمعناه وحديث عروة وصله المؤلف في المغازي وحديث الأسود وصله في باب الإدلاج من المحصب باب الفتيا على الدابة حديث معمر وصله أحمد بن حنبل ومسلم باب الخطبة أيام مني متابعة بن عيينة رواها أحمد في مسنده عنه ووصلها مسلم وحديث هشام بن الغاز وصله أبو داود وابن ماجة ووقع لنا عاليا في حديث الفاكهى باب أصحاب السقاية حديث أبي أسامة وصله مسلم وحديث أبي ضمرة وصله المؤلف في باب ما جاء في سقاية الحاج وحديث عقبة بن خالد وصله مسلم باب رمى الجمار وقال جابر رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال وصله مسلم وابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد الملك بن جريج عن أبي الزبير عن جابر باب رمى الجمار بسبع حصيات وباب يكبر مع كل حصاة وباب من رمى جمرة العقبة ولم يقف قال في كل منها رواه بن عمر وحديث بن عمر في هذا كله وصله المؤلف في باب من رمى الجمار ولم يطف من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه باب الدعاء عند الجمرتين قال محمد حدثنا عثمان ابن عمر عن يونس عن الزهري وصله الإسماعيلي من حديث أبي موسى محمد بن المثنى باب طواف الوداع متابعة الليث وصلها الطبراني في الأوسط وسمويه في فوائده باب إذا حاضت بعد ما أفاضت رواية خالد وصلها البيهقي ورواية قتادة وصلها الإسماعيلي وحديث أفلح عن القاسم وصله مسلم وحديث مسدد عن أبي عوانة رويناه في مسنده ورواية جرير عن منصور وصلها المؤلف في باب التمتع والقران والافراد باب من نزل بذي طوى حديث محمد بن عيسى عن حماد عن أيوب وصله الإسماعيلي باب الادلاج من المحصب حديث محمد عن محاضر وصله الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق الحسن بن سفيان عن محمد بن عبد الله بن نمير العمرة باب من اعتمر قبل الحج حديث إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق حدثني عكرمة بن خالد وصله أحمد بن حنبل عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج رواية أبي معاوية وصلها مسلم ورواية سفيان وهو الثوري رويناها في جامعه باب متى يحل المعتمر وقال عطاء عن جابر وصلها المؤلف في باب تقضى الحائض المناسك إلا الطواف باب من أسرع ناقته زيادة الحارث بن عمير عن حميد حركها من حبها وصلها أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنديهما باب لا يعضد شجر الحرم حديث بن عباس وصله المؤلف قبل أبواب باب لا يحل القتال بمكة حديث أبي شريح وصله المؤلف في الباب الذي قبله باب ما ينهى من الطيب للمحرم رواية موسى بن عقبة وصلها النسائي ورواية إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وصلها أبو الحسين بن بشران في فوائده ووقعت لنا بعلو عنه ورواية جويرية وصلها المؤلف في اللباس وليس فيه مقصود الترجمة ووصله أبو يعلى بتمامه ورواية بن إسحاق وصلها أحمد بن حنبل وأبو داود والحاكم في مستدركه وحديث عبيد الله بن عمر وصله النسائي وابن خزيمة وحديث مالك في الموطأ ورواية ليث بن أبي سليم لم أقف عليها باب حج الصبيان رواية يونس عن الزهري وصلها مسلم حديث بن جريج عن عطاء وصله المؤلف في باب العمرة في رمضان ورواية عبيد الله بن عمر وصلها أحمد بن حنبل وابن ماجة فضل المدينة حديث معمر عن الزهري وصله المؤلف في الفتن وحديث سليمان ابن كثير وصله المؤلف في كتاب بر الوالدين خارج الصحيح حديث عثمان ابن عمر عن يونس في الزهريات

"كتاب الصوم"
قوله: "قال النبي صلى الله عليه وسلم من صام رمضان وصله في الباب الذي بعده قوله: "وقال يعني النبي صلى الله عليه وسلم لا تقدموا رمضان وصله مسلم بهذا اللفظ وهو عند المؤلف بلفظ لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين الحديث قوله: "وقال غيره عن الليث حدثني عقيل ويونس وصله الإسماعيلي من رواية كاتب الليث عن الليث عن عقيل باللفظ الذي ذكره المؤلف وكذا أورده الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عن الليث عن يونس قال نحو لفظ عقيل باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم يبعثون على نياتهم هذا طرف من حديث وصله المؤلف في البيوع في باب ما ذكر في الأسواق باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الهلال فصوموا هذا الحديث أورده مسلم بهذا اللفظ وأما البخاري فأورده بلفظ إذا رأيتموه فصوموا ورواية صلة عن عمار في صوم يوم الشك وصلها بن خريمة وابن حبان في صحيحهما والأربعة وأحمد في مسنده والحاكم في مستدركه باب قول الله عز وجل {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} البراء يشير بذلك إلى حديثه المشهور في نزول الآية وهو موصول في الباب الذي قبله وفي غيره باب الصائم يصبح جنبا رواية همام عن أبي هريرة وصلها أحمد في مسنده وحديث عبيد الله ويقال عبد الله بن عبد الله بن عمر في مسند الشاميين للطبراني وفي السنن الكبرى النسائي قوله في باب اغتسال الصائم ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استاك وهو صائم وفي باب السواك للصائم ويذكر عن عامر بن ربيعة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم وصله أحمد وأبو داود والترمذي وابن خزيمة والدارقطني وغيرهم من طريق عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف عن عبد الله بن عامر عن أبيه ووقع لنا بعلو في مسند عبد بن حميد وحديث أبي هريرة رواه بن خزيمة بهذا اللفظ وحديث جابر رواه بن عدي في الكامل وحديث زيد بن خالد رواه أحمد وأصحاب السنن الثلاثة وحكى الترمذي عن البخاري أنه صححه وحديث عائشة رواه النسائي وابن حبان وغيرهما باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء هذا الحديث لم يسنده البخاري ووصله مسلم ووقع لنا عاليا في صحيفة همام عن أبي هريرة باب إذا جامع في رمضان ويذكر عن أبي هريرة رفعه مه أفطر يوما من رمضان وصله أصحاب السنن من حديث أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة ووقع لنا بعلو في مسند الطالسي وفيه اضطراب ورواه الدارقطني من وجه آخر ضعيف قوله : "في باب الحجامة للصائم ويذكر عن أبي هريرة إذا قاء يفطر يشير إلى حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض وقد رواه أصحاب السنن من هذا الوجه وقال الدارمي قال عيسى بن يونس زعم أهل البصرة أن هشاما وهم فيه وحديث الحسن عن غير واحد أفطر الحاجم والمحجوم وصله البيهقي وفي بعض النسخ من البخاري قال لي عياش وفي التاريخ حدثني عياش والله أعلم ورواية شبابة عن شعبة في غرائب شعبة لابن منده باب الصوم في السفر متابعة جرير وصلها المؤلف في الطلاق ومتابعة أبي بكر بن عياش وصلها أيضا في باب تعجيل الإفطار باب وعلى الذين يطيقونه حديث بن عمر أسنده المؤلف في الباب مختصرا والطبراني في تفسيره وفيه المقصود وحديث سلمة وصله المؤلف في تفسير سورة البقرة وحديث بن نمير عن الأعمش وصله البيهقي بطوله وأبو نعيم في المستخرج باب من مات وعليه صوم متابعة بن وهب عن عمرو بن الحارث وصلها مسلم ومتابعة يحيى بن أيوب وصلها بن خريمة وأبو عوانة والدارقطني رواية يحيى وهو القطان عن الأعمش رواها أحمد عنه وكذا حديث أبي معاوية ورواية أبي خالد الأحمر وصلها مسلم ولم يسق اللفظ ووصلها أيضا بن خزيمة والترمذي والنسائي وغيرهم ووقع لنا بعلو في السادس من حديث بن صاعد وحديث عبيد الله بن عمر وصله مسلم وحديث حريز وصله البيهقي باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس رواية معمر عن هشام بن عروة وصلها عبد بن حميد في مسنده باب التنكيل لمن أكثر الوصال رواه أنس سيأتي في التمنى رواية سليمان وهو أبو خالد الأحمر عن حميد عند المؤلف في الباب باب حق الأهل رواه أبو جحيفة وصله قبل باب ما يذكر من صوم النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا صام من صام الأبد" وصله بن ماجة بهذا اللفظ وهو عند المؤلف بلفظ لا صام من صام الدهر باب من زار قوما فلم يفطر عندهم رواية بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب وقعت مصرحة بالتحديث فيها من رواية كريمة عن الكشميهني باب الصوم آخر الشهر رواية ثابت عن مطرف وصلها مسلم باب صوم يوم الجمعة قوله: "زاد غير أبي عاصم المراد بالغير يحيى القطان كذلك وصله النسائي من حديثه ورواية حماد بن الجعد عن قتادة رويناها في حديث هدبة بن خالد رواية البغوي عنه باب صيام أيام التشريق رواية إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب في مسند الشافعي عنه باب فضل ليلة القدر متابعة سليمان ابن كثير في الزهريات باب تحري ليلة القدر فيه عبادة وصله في باب رفع ليلة القدر حديث عبد الوهاب الثقفي عن أيوب بمتابعة وهيب رويناها في مسند بن أبي عمر العدني عنه.

"كتاب البيوع"باب ما يكره من الشبهات رواية همام بن منبه عن أبي هريرة أسندها المؤلف في اللقطة باب من ير الوساوس رواية بن أبي حفصة عن الزهري وصلها السراج في مسنده باب التجارة في البحر حديث الليث وصله المؤلف هنا في رواية أبي إسحاق المستملى عن الفربري فقال في آخره حدثني عبد الله بن صالح حدثنا الليث بهذا ووصله أيضا الإسماعيلي وغيره باب كسب الرجل وعمله بيده رواية همام بن يحيى عن هشام أخرجها أبو نعيم في المستخرج باب من أنظر معسرا رواية أبي مالك عن ربعى في مسند بن أبي عمر ومتابعة شعبة عن عبد الملك عند المؤلف في الاستقراض ومتابعة أبي عوانة عنده في ذكر بني إسرائيل ورواية نعيم بن أبي هند وصلها مسلم باب إذا بين البيعان حديث العداء بن خالد وصله الترمذي والنسائي وغيرهما وفي السياق قلب بينته في الأصل ووقع لنا بعلو في رباعيات أبي بكر الشافعي باب موكل الربا قال ابن عباس هذه آخر آية أنزلت وصله في التفسير باب ما قيل في الصواغ حديث طاوس عنده في الحج وحديث عبد الوهاب عن خالد الحذاء في الحج أيضا شراء الحوائج بنفسه حديث بن عمر يأتي وحديث عبد الرحمن بن أبي بكر في الأطعمة وحديث جابر يأتي أيضا باب كم يجوز الخيار قوله: "زاد أحمد حدثنا بهز وصلها أبو عوانة عن أبي جعفر الدارمي وهو أحمد بن سعيد قال حدثنا بهز بسنده باب إذا اشترى فوهب من ساعته قال الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو عن ابن عمر هو في مسند الحميدي وفي رواية بن عساكر في الصحيح قال لنا الحميدي ورواية الليث عن عبد الرحمن بن خالد عند الإسماعيلي باب ما ذكر في الأسواق حديث عبد الرحمن بن عوف في فضائل الأنصار وحديث أنس في النكاح وحديث عمر في الاستئذان وفيه قصة أبي موسى الأشعري باب كراهية الصخب في الأسواق متابعة عبد العزيز بن أبي سلمة في تفسير سورة الفتح ورواية سعيد بن هلال عن هلال عن عطاء في مسند الدارمي باب الكيل على البائع وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتالوا حتى تستوفوا" هو طرف من حديث


يتبع
تقبل الله منا

اخت مسلمة
06-09-2009, 12:01 AM
طارق بن عبد الله المحاربي وهو عند أحمد وأبي داود ووقع لنا بعلو في المحامليات وحديث عثمان ابن عفان وصله أحمد وغيره وحديث فراس عن الشعبي عن جابر في الوصايا وحديث هشام عن وهب بن كيسان في الصلح باب بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم فيه عائشة وصله في الحج والهجرة والطلب باب بيع الطعام قبل أن يقبض زاد إسماعيل عن مالك وصله البيهقي باب النجش حديث الخديعة في النار في معجم الطبراني الصغير وحديث من عمل عملا يأتي في الصلح باب بيع الملامسة وباب بيع المنابذة فيه أنس وصله المؤلف بعد أبواب باب النهي عن التصرية رواية أبي صالح عن أبي هريرة وصلها مسلم ورواية مجاهد في المعجم الأوسط للطبراني ورواية الوليد بن رباح في مسند أحمد بن منيع ورواية موسى بن يسار عند أحمد ومسلم ورواية بن سيرين بذكر التمر فيه في مسند الشافعي وابن أبي عمر ومسلم والنسائي وروايته بدون ذكر التمر عند مسلم ووقع لنا بعلو في حديث عبد الله بن إسحاق الخراساني باب هل يبيع حاضر لباد حديث إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له عند أحمد من حديث حكيم بن أبي يزيد عن أبيه وعند البيهقي من حديث جابر وله طرق أخرى بينتها في الكبير باب بيع المزابنة حديث أنس موصول عنده كما تقدم باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها حديث الليث عن أبي الزناد لم أقف على الإسناد إليه وأظنه في نسخة أبي صالح كاتبه عنه لكن رواه سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد وحديث على بن بحر القطان هو شيخ البخاري باب إذا باع الثمار رواية الليث عن يونس في الزهريات باب من باع نخلا قد أبرت رواية إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف وقع في طريق أبي ذر قال لي إبراهيم بن موسى قوله: "في باب من أجرى أمر الأنصار على ما يتعارفون بينهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" هو طرف من حديث عائشة وهو موصول في النفقات باب بيع الأرض مشاعا رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري في مسند مسدد ورواية هشام بن يوسف عن معمر في باب ترك الحيل وحديث عبد الرزاق قبل هذا بباب واحد باب شراء المملوك من الحربي حديث سلمان عند أحمد والطبراني وغيرهما واللفظ المذكور هنا وقع في حديث بريدة عند بن حبان في صحيحه وقصة سبي عمار لم أتحققها وقصة سبي صهيب أشار إليها المؤلف في هذا الباب وصرح بها الحاكم في مستدركه وقصة بلال ذكرها عبد الرزاق في مصنفه ومسدد في مسنده وأبو نعيم في الحلية بألفاظ مختلفة باب قتل الخنزير وباب لا يذاب شحم الميتة وباب تحريم الخمر ذكر فيها حديث جابر وسيأتي باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود ببيع أرضهم حديث المقبري عن أبي هريرة وصله في الجزية ورواية أبي عاصم في حديث جابر أن الله حرم بيع الخمر والميتة الحديث وصله أحمد ومسلم وأبو داود باب السلم إلي من ليس عنده حديث عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان في جامع سفيان روايته وكذا حديثه في باب السلم إلى معلوم باب استئجار المشركين عند الضرورة وعامل النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر وصله في المغازي في باب أجر السمسار حديث المسلمون عند شروطهم وصله أحمد وأبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة والدارقطني والحاكم من حديث عمرو بن عوف باب ما يعطي في الرقية حديث شعبة وصله المؤلف في الطب باب إذا استأجر أرضا قال ابن عمر أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر وصله في الباب من حديث جويرية عن نافع وقال بعده قال عبيد الله بن عمر عن نافع ووصل حديث عبيد الله في المزارعة باب الكفالة حديث الليث عن جعفر بن ربيعة تقدم في أوائل البيوع باب جوار أبي بكر رواية أبي صالح حدثني عبد الله عن يونس في الزهريات وأبو صالح هو سليمان ابن صالح الملقب سلمويه وعبد الله هو بن المبارك باب وكالة الشريك وقد أشرك النبي صلى الله عليه وسلم عليا في هديه ثم أمره بقسمتها هذا الكلام ملفق من حديثين أحدهما في الحج من حديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقوم على بدنه وأمره أن يقسمها والآخر في كتاب الشركة من حديث عطاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا أن يقيم على إحرامه وأشركه في الهدى باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاه تموت متابعة عبدة وصلها المؤلف في كتاب الذبائح باب إذا وكل رجلا حديث عثمان ابن الهيثم وصله المستملي في روايته عن محمد بن عقيل عن أبي الدرداء بن منيب عنه باب إذا قال لوكيله ضعه حيث أراك الله متابعة إسماعيل عن مالك في تفسير آل عمران ورواية روح عنه أخرجها أحمد عنه باب فضل الزرع حديث مسلم بن إبراهيم أخرجه مسلم عن عبد بن حميد عنه باب اقتناء الكلب للحرث حديث بن سيرين وحديث أبي صالح وصله أبو الشيخ في كتاب الترهيب له وكذا حديث أبى حازم باب قطع الشجر والنخل حديث أنس وصله المؤلف في الهجرة وغيرها باب إذا زرع بمال قوم رواية إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن نافع وصلها في الأدب باب أوقاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر تصدق بأصله الخ أورده بالمعنى ووصله من طرق باب من أحيا أرضا مواتا حديث عمرو بن عوف في مسند أبي بكر بن أبي شيبة وحديث جابر في مسند أحمد بن حنبل باب إذا قال رب الأرض أقرك رواية عبد الرزاق عن ابن جريج وصلها أحمد ومسلم باب ما كان الصحابة يواسى بعضهم بعضا رواية الربيع بن نافع عن معاوية بن سلام وصلها مسلم باب الشرب وقال عثمان قال النبي صلى الله عليه وسلم من يشتري بئر رومة وصله الترمذي في حديث طويل باب فضل سقى الماء حديث الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد وصله أبو عوانة في صحيحه وحديث حماد بن سلمة باب من رأى أن صاحب الحوض أحق بمائه رواية علي لم أقف عليها باب كتابة القطائع رواية الليث عن يحيى كذلك باب الرجل يكون له ممر رواية بن إسحاق عن بشير بن يسار كذلك باب أداء الديون رواية صالح وعقيل عن الزهري في الزهريات باب لصاحب الحق مقال حديث لي الواجد يحل عرضه وعقوبته وصله أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم وأخرجه البيهقي من الوجه الذي أشار إليه المؤلف باب من أخر الغريم إلى الغد حديث جابر يأتي في باب الهبة باب إذا أقرضه إلى أجل مسمى رواية الليث عن جعفر في أوائل البيوع باب من رد أمر السفيه حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رد على المتصدق قبل النهي ثم نهاه في مسند عبد بن حميد من طريق محمود بن لبيد عن جابر في قصة الذي أتى بمثل البيضة من الذهب أصابها في بعض المعادن ورواه أيضا أبو داود وابن خزيمة وأبو يعلى وفي روايته عن ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر عن محمود حديث النهي عن إضاعة المال موصول عنده قبل بابين من حديث المغيرة وحديث الذي يخدع في البيوع موصول عنده بعد من حديث بن عمر باب الملازمة رواية الليث عن جعفر بن ربيعة وصلها الإسماعيلي باب إذا وجد خشبة رواية الليث تقدمت باب إذا وجد تمرة في الطريق رواية يحيى القطان عن سفيان في مسند مسدد ومعاني الطحاوي ورواية زائدة عن منصور عند مسلم باب كيف تعرف لقطة أهل مكة حديث طاوس في الحج عند المؤلف وحديث خالد عن عكرمة عنده في أوائل البيوع وحديث أحمد بن سعيد وهو أبو جعفر الدارمي لم أجده باب قصاص المظالم رواية يونس بن محمد عن شيبان في الإيمان لابن منده الديات ووفود الأنصار باب إذا كسر قصعة لغيره رواية بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب لم أجدها باب شركة اليتيم وأهل الميراث رواية الليث عن يونس أخرجها بن جرير الطبري في تفسيره.


"كتاب العتق"باب ما يستحب من العتاقة في الكسوف رواية الدراوردي عن هشام بن عروة وصلها البيهقي باب إذا أعتق عبدا بين اثنين رواية الليث عن نافع وصلها مسلم ووقعت لنا بعلو في جزء أبي الجهم ورواية بن أبي ذئب عن نافع وصلها مسلم ورواية بن إسحاق عن نافع في صحيح أبي عوانة وكذا رواية صخر بن جويرية ورواية جويرية بن أسماء عن نافع وصلها المؤلف في الشركة ورواية يحيى بن سعيد الأنصاري عنه وصلها أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ورواية إسماعيل بن أمية عن نافع وصلها مسلم والطبراني باب إذا أعتق نصيبا في عبد متابعة حجاج بن حجاج وموسى بن خلف لم أجدهما رواية أبان وصلها أبو داود ورواية شعبة في مسند أبي داود الطيالسي باب الخطأ والنسيان حديث لكل امرئ ما نوى وصله في النكاح بهذا اللفظ باب إذا قال لعبده هو لله رواية أبي كريب عن أسامة عند المؤلف في كتاب اللعان باب أم الولد حديث أبي هريرة عنده في كتاب الإيمان باب إذا أسر أخو الرجل حديث أنس في قول العباس فأديت نفسي وعقيلا تقدم في الصلاة وأعاد هذا التعليق أيضا في باب من ملك من العرب رقيقا باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون" وصله المؤلف من حديث أبي ذر بالمعنى في الباب ومن حديث جابر وصحابي لم يسم في الأدب المفرد باب كراهية التطاول على الرقيق حديث قوموا إلى سيدكم هو طرف من حديث أبي سعيد الخدري في قصة حكم سعد بن معاذ في بني قريظة وقد أسنده المؤلف في المغازي وحديث من سيدكم طرف من قوله: "صلى الله عليه وسلم لبني سلمة من سيدكم قالوا جد بن قيس وقد وصله بن منده في المعرفة من حديث كعب بن مالك بإسناد صحيح ووصله المؤلف في الأدب المفرد من حديث أبي الزبير عن جابر باب المكاتب حديث الليث عن يونس في الزهريات باب ما يجوز من شروط المكاتب فيه بن عمر أسنده بعد باب


"كتاب الهبة والمنيحة والعمرى والرقبى"باب من استوهب من ساعته حديث اضربوا لي معكم سهما هو طرف من حديث أبي سعيد في الرقية بفاتحة الكتاب وهو عنده في الطب وغيره باب من استسقى حديث سهل بن سعد في النكاح باب قبول هدية الصيد حديث أبي قتادة في الباب الذي قبله باب من أهدى وتحرى بعض نسائه رواية هشام عن رجل ورواية أبي مروان عن هشام لم أجدهما باب المكافأة في الهدية رواية وكيع رواها بن أبي شيبة في مصنفه عنه ورواية محاضر لم أقف عليها باب الهبة للولد حديث اعدلوا بين أولادكم هو طرف من حديث النعمان ابن بشير وقد وصله المؤلف بعد وحديث اشتري النبي صلى الله عليه وسلم من عمر بعيرا تقدم في البيوع من مسند الحميدي باب هبة الرجل لامرأته حديث استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه أن يمرض في بيت عائشة وحديث العائد في هبته كالكلب مسندان عنده في الباب باب هبة المرأة لغير زوجها رواية


"كتاب الشهادات"حديث الليث عن يونس في قصة الإفك وصله المؤلف في تفسير سورة النور باب إذا شهد شاهد أو شهود بشيء حديث بلال والفضل تقدما في الحج باب الشهادة على الأنساب قال النبي صلى الله عليه وسلم "أرضعتني وأبا سلمة ثويبة" هذا طرف من حديث أم حبيبة ومتابعة بن مهدي عن سفيان وصلها مسلم وحديث نفى النبي صلى الله عليه وسلم الزاني سنة طرف من حديث أبي هريرة في قصة العسيف وهو في النكاح والحدود وحديث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه طرف من قصة توبة كعب وهو في المغازي وغيرها وحديث الليث عن يونس في قصة المرأة التي سرقت وصله أبو داود باب لا يشهد على جور رواية أبي حريز عن الشعبي في صحيح بن حبان والطبراني باب ما قيل في شهادة الزور متابعة غندر وصلها المؤلف في الأدب ومتابعة أبي عامر في الإيمان لابن منده ومتابعة بهز أخرجها أحمد عنه ومتابعة عبد الصمد وصلها المؤلف في الديات وحديث إسماعيل عن الجريري وصله المؤلف في استتابة المرتدين باب شهادة الأعمى زيادة عباد بن عبد الله وصلها أبو يعلى في مسنده باب اليمين على المدعى عليه في الأموال حديث شاهداك أو يمينه هو طرف من حديث الأشعث ووصله المؤلف بعد وأعاد التعليق في باب يحلف المدعى عليه باب كيف يستحلف حديث ورجل حلف بالله كاذبا بعد العصر هو طرف من حديث أبي هريرة ووصله قبل ببابين باب من أقام البينة بعد اليمين حديث لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض هو طرق من حديث أم سلمة وقد وصله في الباب بمعناه وفي كتاب المظالم بلفظه وحديث المسور موصول عنده في الخمس باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة حديث أبي هريرة


"لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم" وصله المؤلف في تفسير البقرة باب القرعة في المشكلات حديث أبي هريرة عرض النبي صلى الله عليه وسلم على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم أسنده المؤلف قبل أبواب من طريق همام بن منبه عنه.


"كتاب الصلح"رواية عبد الله بن جعفر المخرمي وصلها مسلم ورواية عبد الواحد بن أبي عون وصلها الدارقطني ووقعت لنا بعلو في الثالث من حديث المخلص باب الصلح مع المشركين فيه عن أبي سفيان يشير بذلك إلى حديثه الطويل في شأن هرقل وحديث عوف بن مالك وصله المؤلف في الجزية وحديث سهل بن حنيف وصله المؤلف في الاعتصام وحديث أسماء وهي بنت أبي بكر وصله المؤلف في الأدب وسيأتي وحديث المسور وصله في أول الشروط ورواية موسى بن مسعود وهو أبو حذيفة النهدي وصلها أبو نعيم في المستخرج وأبو عوانة في صحيحه ورواية مؤمل بن إسماعيل وصلها أحمد بن حنبل عنه باب الصلح في الدية رواية الفزاري وصلها المؤلف في التفسير باب الصلح بين الغرماء حديث جابر في وفاء دين أبيه من طريق هشام عن وهب وصله المؤلف في الاستقراض ورواية بن إسحاق ينظر فيها باب الصلح بالدين والعين رواية الليث عن يونس في الزهريات


"كتاب الشروط"حديث جابر في قصة جملة رواية شعبة عن مغيرة وصلها البيهقي وراوية إسحاق عن جرير وصلها المؤلف في الجهاد ورواية عطاء عن جابر وصلها المؤلف في الوكالة ورواية بن المنكدر وصلها البيهقي ورواية زيد بن أسلم وصلها البيهقي أيضا ورواية أبي الزبير عن جابر وصلها البيهقي أيضا وأصلها عند مسلم ورواية الأعمش عن سالم رواها مسلم والنسائي ووقع لنا بعلو من حديث محمد بن عبيد عنه ففي مسند عبد بن حميد ورواية عبيد الله بن عمر عن وهب أسندها المؤلف بعد أبواب ورواية بن إسحاق عن وهب وصلها أحمد ورواية أبي إسحاق عن سالم ورواية داود بن قيس عن عبيد الله بن مقسم لم أجدهما ورواية أبي نضرة وصلها أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة باب الشروط في المهر حديث المسور وصله في الخمس باب الشروط في الطلاق متابعة معاذ عن شعبة وصلها مسلم ومتابعة عبد الصمد كذلك ورواية غندر وصلها أبو نعيم في مستخرجه على مسلم ورواية آدم وعبد الرحمن بن مهدي والنضر وهو بن شميل لم أقف عليها ورواية حجاج وهو بن منهال وصلها البيهقي باب إذا اشترط في المزارعة رواية حماد بن سلمة وصلها أبو يعلى باب الشروط في القرض حديث الليث تقدم في أوائل البيوع باب الشروط في الجهاد رواية عقيل عن الزهري وصلها المؤلف في الطلاق.


"كتاب الوصايا والوقف"متابعة محمد بن مسلم وهو الطائفي عن عمرو بن دينار لم أقف عليها باب قول الله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين حديث إياكم والظن وصله المؤلف في الأدب من حديث أبي هريرة وحديث " آية المنافق ثلاث " وصله المؤلف في الإيمان من حديث عبد الله بن عمر وحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية وصله أحمد والترمذي وغيرهما من حديث الحارث عن على حديث "لا صدقة إلا عن ظهر غنى" وصله المؤلف في الأدب من حديث أبي هريرة وحديث آية المنافق ثلاث وصله المؤلف في الإيمان من حديث عبد الله بن عمر وحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية وصله أحمد والترمذي وغيرهما من حديث الحارث عن علي حديث " لا صدقة إلا عن ظهر غنى" وصله المؤلف من حديث أبي هريرة في الزكاة بغير لفظه ووصله النسائي وأحمد بلفظه من وجه آخر وحديث العبد راع في مال سيده وصله المؤلف من حديث بن عمر في العتق باب إذا وقف لأقاربه رواية


"كتاب الجهاد"
باب درجات المجاهدين رواية محمد بن فليح عن أبيه عند المؤلف في التوحيد باب الجنة تحت بارقة السيوف حديث المغيرة عند المؤلف في الجزية وقول عمر طرف من حديث سهل بن حنيف في قصة الحديبية وهو عند المؤلف في الاعتصام وغيره ومتابعة الأويسي عن الفزاري وصلها بن أبي عاصم في كتاب الجهاد له باب من طلب الولد للجهاد رواية الليث عن جعفر في قصة سليمان ابن داود صلى الله عليه وسلم وصلها أبو نعيم في المستخرج باب من حدث بمشاهده قاله أبو عثمان عن سعد وصله المؤلف بعد أبواب من حديث سليمان التيمي عن أبي عثمان باب من حبسه العذر رواية موسى وهو بن إسماعيل عن حماد حماد عن ثابت في قصة ثابت بن قيس عند الطبراني في المعجم الكبير وابن سعد في الطبقات باب الخيل معقود في نواصيها الخير متابعة مسدد في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه ورواية سليمان ابن حرب في المعجم الكبير ومستخرج أبي نعيم باب السبق بين الخيل رواية عبد الله عن سفيان في جامع سفيان رواية سفيان رواية عبد الله بن الوليد عنه باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم حديث بن عمر وصله المؤلف في باب حجة الوداع في أواخر المغازي وحديث المسور سبق أنه وصله في الصلح وحديث موسى عن حماد وصله أبو داود في السنن باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم قاله أنس وصله في المغازي في قصة حنين وحديث أبي حميد في الجزية باب جهاد النساء رواية عبد الله بن الوليد عن سفيان في جامع سفيان. باب الحراسة في الغزو زيادة عمرو وهو بن مرزوق رويناها في أمالي القطيعي ووقع في رواية أبي ذر الهروي زادنا عمرو ووصلها أيضا أبو نعيم في المستخرج باب من استعان بالضعفاء حديث بن عباس عن أبي سفيان ساقه بطوله بعد أبواب باب لا يقال فلان شهيد حديث أبي هريرة الله أعلم بمن يجاهد في سبيله وصله في أوائل الجهاد من حديث بن المسيب عنه وحديث الله أعلم بمن يكلم في سبيله وصله أيضا في أوائل الجهاد من حديث الأعرج عنه باب اللهو بالحراب حديث على عن عبد الرزاق وقع في رواية أبي ذر عن المستملى زادنا على باب الدرق رواية أحمد عن ابن وهب وصلها المؤلف في العيدين باب الرماح حديث بن عمر جعل زرقي تحت ظل رمحي وصله أبو داود ووقع لنا بعلو في مسند عبد بن حميد وله شاهد بإسناد حسن مرسل في مصنف بن أبي شيبة باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم حديث "أما خالد فقد احتبس أدراعه" هو طرف من حديث أبي هريرة أسنده المؤلف في الزكاة ورواية وهيب عن خالد وصلها في التفسير وحديث يعلى عن الأعمش وصله في السلم وحديث معلى وصله في الاستقراض باب الدعاء على المشركين بالهزيمة رواية يوسف بن إسحاق وصلها في الطهارة ورواية شعبة وصلها في المبعث باب دعوة اليهود والنصارى إلى الإسلام حديث عمر وصله المؤلف في الزكاة وحديث بن عمر وصله في الإيمان باب الخروج آخر الشهر رواية كريب عن ابن عباس وصلها في الحج باب التوديع حديث بن وهب عن عمرو وصله النسائي والإسماعيلي باب من غزا وهو حديث عهد بعرس فيه جابر أشار بذلك إلى حديث جابر في قصة جمله وفيه قوله: "فقلت يا رسول الله إن عروس" وهو موصول عنده قبل بباب باب من أختار الغزو بعد البناء فيه أبو هريرة وصله المؤلف في أخبار الأنبياء باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "نصرت بالرعب" حديث جابر وصله المؤلف في الطهارة والصلاة والخمس باب كراهية السفر بالمصاحف رواية محمد بن بشر أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ورواية بن إسحاق وصلها أحمد بن حنبل في مسنده عن يزيد بن هارون عنه باب التكبير عند الحرب متابعة على عن سفيان وصلها المؤلف في علامات النبوة باب السرعة في السير حديث أبي حميد وصله المؤلف في أواخر الحج باب فإما منا بعد وإما فداء فيه حديث ثمامة يشير إلى حديث أبي هريرة في قصة ثمامة بن آثال وقد وصله في المغازي وغيرها باب السير وحده رواية أبي نعيم وقفت موصولة في أكثر الروايات من طريق أبي ذر الهروي وغيره باب لا تمنوا لقاء العدو رواية أبي عامر العقدي وصلها مسلم والنسائي باب ما يجوز من الاحتيال رواية الليث عن عقيل وصلها الإسماعيلي باب الرجز في الحرب حديث سهل وأنس وصلهما المؤلف في قصة الخندق في المغازي وحديث يزيد وهو بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع وصله في المغازي والدعوات وغير موضع باب من قال خذها وأنا بن فلان حديث سلمة وصله في المغازي باب فداء المشركين رواية إبراهيم بن طهمان تقدم الكلام عليها في الصلاة في ذكر المساجد باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود "أسلموا تسلموا" رواية المقبري عن أبي هريرة وصلها المؤلف في الجزية وغيرها باب كتابة الإمام الناس رواية أبي معاوية عن الأعمش وصلها أحمد بن حنبل في مسنده عنه وأخرجها مسلم باب من غلب على العدو فأقام ثلاثا متابعة معاذ وصلها الإسماعيلي ووقعت لنا بعلو في فوائد أبي الحسين بن بشران ومتابعة عبد الأعلى بن عبد الأعلى وصلها مسلم باب من قسم الغنيمة في غزوة حديث رافع وصله المؤلف في الشركة باب إذا غنم المشركون مال المسلم حديث بن نمير عن عبيد الله بن عمر في ذلك وصله بن ماجة باب الغلول رواية أيوب عن أبي حيان عن أبي زرعة وصلها مسلم والطبراني في المعجم الصغير ووقع لنا تاما في كتاب الزكاة ليوسف بن يعقوب القاضي باب القليل من الغلول ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه ثم ساقه من حديث سالم بن أبي الجعد في قصة كركرة قال وقال ابن سلام كركرة يعني بفتح الكاف وإشار بحرق متاع الغال إلى حديث أخرجه أبو داود إسناده ضعيف وصحح المؤلف في التاريخ أنه موقوف باب البشارة في الفتوح حديث مسدد في ذكر ذي الخلصة هو في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه باب ما يعطي البشير حديث كعب بن مالك هو طرف من قصة توبته وقد وصله في المغازي باب الطعام عند القدوم زيادة معاذ عن شعبة في حديث جابر وصلها مسلم باب ما "ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم زيادة سليمان وهو بن المغيرة عن حميد بن هلال وصلها مسلم باب إيثار النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة والأرامل حين سألته فاطمة أن يخدمها وصله أحمد في مسنده من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عن على مطولا وأصله في الصحيح في تعليمها الذكر عند النوم دون مقصود الترجمة رواية حصين عن سالم عن جابر وصلها المؤلف في الأدب ورواية عمرو بن مرزوق عن شعبة وصلها أبو نعيم في المستخرج وحديث إنما أنا قاسم في حديث جابر المذكور وحديث إنما أنا خازن وصله المؤلف في الاعتصام حديث أحلت لكم الغنائم وصله المؤلف في الأدب ورواية عمرو بن مرزوق عن شعبة وصلها أبو نعيم في المستخرج من حديث أبي هريرة ومن حديث جابر باب قسم ما يقدم عليه رواية بن علية وصلها في الأدب ورواية حاتم بن وردان في الشهادات ورواية الليث في اللباس وقصة هوازن وسؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم برضاعة فيهم وصله بن إسحاق في المغازي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ورواه الطبراني وغيره من حديث زهير بن صرد نحوه وقوله: "ما كان يعد الناس أن يعطيهم من الفيء فيه حديث جابر في الباب وقوله: "ما أعطى الأنصار فيه حديث أنس عنده وقوله: "ما أعطى جابر بن عبد الله من تمر خيبر فيه إشارة إلى حديث رواه أبو داود والدارقطني من طريق بن إسحاق عن وهب بن كيسان عن جابر ووقع لنا بعلو في المحامليات ورواية الليث عن يونس وصلها المؤلف في المغازي وكذا رواية عبد الله بن زيد في قصة المؤلفة وزيادة جرير بن حازم وصلها مسلم ورواية معمر وصلها المؤلف في المغازي وزيادة أبي عاصم وصلها المؤلف في العيدين ورواية أبي ضمرة بإرسالها لم أجدها.

"كتاب الجزية"
حديث إبراهيم بن طهمان تقدم في الصلاة في المساجد وحديث عمر في إخراج اليهود وصله في الجهاد وحديث بن عمر موصول في قصة الفتح وحديث بن وهب أخرجه في جامعه وحديث أبي موسى محمد بن المثنى وصله أبو نعيم في المستخرج


يتبع
ربنا تقبل منا

اخت مسلمة
06-09-2009, 12:04 AM
"كتاب بدء الخلق"رواية عيسى وهو بن موسى غنجار وصلها الطبراني في مسند رقبة بن مصقلة وابن منده في أماليه باب ما جاء في سبع أرضين رواية بن أبي الزناد لم أجدها باب ذكر الملائكة حديث أنس قال عبيد الله بن سلام وصله في الهجرة ومتابعة أبي عاصم عن ابن جريج وصلها في الأدب ورواية موسى بن إسماعيل عن جرير بن حازم في المغازي وحديث أبي هريرة في معارضة جبريل وصله المؤلف في فضائل القرآن وحديث عائشة عن فاطمة في علامات النبوة ومتابعة شعبة عن الأعمش وصلها في النكاح ومتابعة أبي حمزة لم أرها ومتابعة بن داود رواها مسدد في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه ومتابعة أبي معاوية وصلها مسلم وحديث أنس تحرس الملائكة المدينة وصله المؤلف في أوامر الحج وحديث أبي بكرة في الفتن باب صفة الجنة رواية أبي عبد الصمد وصلها المؤلف في تفسير سورة الرحمن ورواية الحارث بن عبيد وصلها مسلم ووقعت لنا بعلو في جزء حنبل بن إسحاق أبواب الجنة حديث من أنفق زوجين وصله المؤلف في الصيام من حديث أبي هريرة وحديث عبادة في أبواب الجنة وصله في أحاديث الأنبياء باب صفة النار رواية غندر عن شعبة وصلها المؤلف في الفتن باب صفة إبليس رواية الليث عن هشام رويناها في جزء بن زنبور بعلو وحديث


"كتاب أحاديث الأنبياء"
رواية الليث عن يحيى بن سعيد ورواية يحيى بن أيوب عنه وصلهما البخاري في الأدب المفرد والإسماعيلي في المستخرج باب ذكر إدريس رواية عبدان في الإسراء تقدم في الصلاة ووصله الجوزقي باب عاد حديث عطاء عن عائشة في الريح وصله المؤلف في بدء الخلق وحديث سليمان ابن يسار عنها في تفسير سورة الأحقاف ورواية بن كثير عن سفيان في تفسير سورة براءة حديث قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم رأيت السد مثل البرد المحبر قال رأيته وصله بن أبي عمر في مسنده باب إبراهيم رواية أبي أسامة وصلها في قصة يوسف ورواية معتمر في قصة يعقوب ومتابعة عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد في مسند مسدد رواية أبي خليفة عنه ومتابعة عجلان وصلها أحمد في مسنده ورواية محمد بن عمرو وصلها أبو يعلى ومتابعة أنس في حديث الشفاعة وصله المؤلف في صفة الجنة بطوله ورواية الأنصاري عن ابن جريج في قصة هاجر وصلها أبو نعيم في المستخرج حديث عبد الله بن زيد في أحد وصله المؤلف في البيوع ورواية إسماعيل عن مالك وصلها في التفسير وحديث بن عمر في قصة الكريم بن الكريم في قصة يوسف وحديث أبي هريرة في قصة يعقوب باب ثمود حديث سبرة بن معبد في إلقاء الطعام رواه الطبراني وأبو نعيم وسمويه في فوائده وحديث أبي الشموس فيه الآحاد لابن أبي عاصم والمعرفة لابن منده وحديث أبي ذر في ذلك في مسند البزار ومتابعة أسامة بن زيد عن نافع في فوائد بن المقري باب قصة يوسف رواية حسين الجعفي عن زائدة وصلها المؤلف في الصلاة قصة موسى متابعة ثابت عن أنس في الإسراء وصلها مسلم ومتابعة عباد بن أبي على عنه لم أرها باب قصة داود رواية موسى بن عقبة عن صفوأن ابن سليم وصلها المؤلف في خلق أفعال العباد والإسماعيلي باب قصة سليمان رواية شعيب عن أبي الزناد وصلها المؤلف في الأيمان والنذور ورواية بن أبي الزناد لم أجدها باب قصة مريم رواية بن وهب وصلها مسلم ومتابعة بن أخي الزهري وإسحاق الكلبي في الزهريات ومتابعة عبيد الله عن نافع وصلها مسلم ورواية إبراهيم بن طهمان وصلها النسائي باب نزول عيسى بن مريم متابعة عقيل وصلها بن منده في كتاب الإيمان ومتابعة الأوزاعي وصلها البيهقي باب بني إسرائيل متابعة شعبة عن الأعمش لم أرها وحديث جابر في الشحوم وصله المؤلف في البيوع وحديث أبي هريرة وصله في البيوع أيضا ومتابعة غندر عن شعبة وصلها مسلم قوله: "وقال غيره عن معمر هو عبد الرزاق أخرجه أحمد عنه ورواية معاذ عن شعبة وصلها مسلم ومتابعة عبد الرحمن بن خالد عن الزهري في الزهريات.


"كتاب المناقب"رواية يعقوب بن إبراهيم وصلها مسلم بغير السياق الذي علقه البخاري وقد انتقده أبو مسعود ورواية الليث بن سعد عن أبي الأسود وصله المؤلف بعد باب وحديث بن عمر وأبي هريرة في الكريم بن الكريم تقدما في فضائل الأنبياء عليهم السلام وحديث البراء بن عازب في قوله: "أنا ابن عبد المطلب" وصله المؤلف في الجهاد في أثناء حديث وحديث عائشة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترنى بردائه تقدم في العيدين باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام رواية قبيصة وصلها الإسماعيلي والطبراني باب خاتم النبوة رواية إبراهيم بن حمزة وصلها المؤلف في الطب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم رواية يوسف بن أبي إسحاق وصلها قبل بحديث وفي هذا زيادة ورواية بن بكير عن بكر بن مضر في الصلاة وحديث أبي موسى يأتي في المناقب ورواية الليث عن يونس في الزهريات ورواية سعيد بن ميناء عن جابر في الاعتصام قوله: "وقال غيره يعني عن معتمر بن سليمان فعرفنا أن الغير هو عبيد الله بن معاذ كذلك وصله مسلم والإسماعيلي والبيهقي في الدلائل من طريقه قوله: "وقال عبد الحميد هو عبد بن حميد صاحب المسند ورواية أبي عاصم وصلها أبو داود والبيهقي قوله: "تابعه غيره عن عبد الرزاق هكذا وصله الإمامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق كرواية يحيى عنه رواية محمود عن أبي داود قال أبو نعيم قال البخاري قال لنا محمود رواية همام عن أبي هريرة في نزع أبي بكر وصله المؤلف في التفسير حديث عائشة في الغار وصله في أول الهجرة وحديث بن عباس وصله بعد بباب وكذا حديث أبي سعيد وحديث بن عباس في سد الأبواب وصله في الصلاة وحديث أبي سعيد فيه وصله قبل بباب وحديث عبد الله بن سالم عن الزبيدي وصله الطبراني في مسند الشاميين متابعة جرير عن الأعمش وصلها مسلم ومتابعة أبي معاوية وعبد الله بن داود وصلها مسدد في مسنده رواية أبي خليفة عنه عندهما ووقع لنا بعلو من حديث أبي معاوية في أمالى أبي جعفر الرزاز وأخرجه مسلم لكن قال عن أبي هريرة بدل أبي سعيد وهو وهم منه ومتابعة محاضر عن الأعمش رويناها في فوائد أبي الفتح الحداد رواية السلفي عنه باب مناقب عمر زيادة زكريا بن أبي زائدة وصلها الإسماعيلي رواية حماد بن زيد عن أيوب وصلها الإسماعيلي أيضا مناقب عثمان حديث من يحفر بئر رومه تقدم في آخر الوقف وكذا حديث من جهز جيش العسرة ورواية معمر عن الزهري وصلها المؤلف في هجرة الحبشة متابعة عبد الله بن عبد العزيز لم أرها زيادة حماد عن عاصم وغيره وصلها بن أبي خيثمة مناقب على حديث أنت مني وأنا منك وصله في النكاح من حديث البراء وقول عمر وصله في باب وفاة عمر مناقب جعفر حديث أشبهت خلقي وخلقي وصله في النكاح مناقب فاطمة حديث فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وصله في الوفاة من حديث عائشة عنها مناقب الزبير حديث بن عباس وصله في التفسير مناقب طلحة قول عمر في باب وفاة عمر باب مناقب سعد متابعة أبي أسامة وصلها في باب إسلام سعد وزيادة محمد بن عمرو بن حلحلة في الخمس وحديث البراء في زيد بن حارثة في النكاح ورواية نعيم عن ابن المبارك لم أرها ووقع لي من حديث عبدان عن ابن المبارك رواه بن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف قوله: "حدثني بعض أصحابي عن سليمان ابن عبد الرحمن هو الذهلي كذاك رويناه في الزهريات من طريقه عن سليمان أو يعقوب بن سفيان كذلك رويناه في تاريخه عن سليمان وكذا رواه الطبراني في مسند الشاميين عن أبي عامر الهروي الصوري عن سليمان بالزيادة المذكورة مناقب الحسن رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة أسنده المؤلف في البيوع ورواية عبد الرزاق عن معمر أخرجها أحمد والترمذي ووقعت لنا عاليا في مسند عبد بن حميد مناقب بلال حديث سمعت دف نعليك وصله المؤلف في صلاة الليل حديث فاطمة تقدم حديث لولا الهجرة لكنت امرئ من الأنصار قاله عبد الله بن زيد وصله في غزوة حنين باب فضل دور الأنصار رواية عبد الصمد عن شعبة وصلها المؤلف في مناقب سعد بن عبادة حديث اصبروا حتى تلقوني على الحوض في المغازي من رواية عبد الله بن زيد رواية قتادة عن أنس في مناديل سعد وصلها في الهبة ورواية الزهري عنه تأتي في اللباس إن شاء الله تعالى باب منقبة أسيد بن حضير رواية معمر عن ثابت وصلها الإسماعيلي ووقعت لنا بعلو في فضائل الصحابة لطراد وحديث حماد بن سلمة وصله النسائي منقبة سعد بن عبادة قول عائشة طرف من قصة الإفك وهي في المغازي والتفسير بتمامها مناقب عبد الله بن سلام رواية النضر بن شميل عن شعبة أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ورواية أبي داود ووهب لم أجدهما مناقب خديجة رواية إسماعيل بن الخليل رواها أبو عوانة في صحيحه ذكر هند بنت عتبة رواية عبدان عن عبد الله وصلها البيهقي باب زيد بن عمرو بن نفيل رواية الليث رويناها بعلو في جزء أبي بكر بن زنبور عن ابن أبي داود قوله: "قال موسى بن عقبة حدثنا سالم بن عبد الله ولا أعلمه إلا عن أبيه أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام وصله أبو يعلى في مسنده الكبير من هذا الوجه بتمامه باب أيام الجاهلية حديث بن وهب وصله أبو نعيم في المستخرج باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة متابعة بن إسحاق وصلها أحمد بن حنبل ورواية عبدة عن هشام وصلها النسائي ورواية محمد بن عمرو وصلها البخاري في خلق أفعال العباد وأبو يعلى بتمامه باب انشقاق القمر رواية أبي الضحى وصلها أبو داود الطيالسي في مسنده ورويناها بعلو في المعرفة لابن منده ومتابعة محمد بن مسلم وصلها البيهقي في الدلائل باب هجرة الحبشة حديث عائشة أرأيت دار هجرتكم ذات نخل وصله المؤلف في الصلاة وحديث أبي موسى وأسماء وهي بنت عميس وصله المؤلف في غزوة حنين في حديث واحد رواية يونس عن الزهري وصلها المؤلف في مناقب عثمان ورواية بن أخي الزهري وصلها بن عبد البر في التمهيد باب موت النجاشي متابعة عبد الصمد مضت في الجنائز ورواية عبد الله بن محمد عن ابن عيينة لم أرها باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة حديث عبد الله بن زيد وصله المؤلف في غزوة حنين وحديث أبي هريرة وصله المؤلف في فضائل الأنصار حديث أبي موسى وصله المؤلف في غزوة خيبر وغيرها رواية أبان ابن يزيد عن هشام لم أقف عليها حديث بن عباس طرف من حديث وصله المؤلف في تفسير سورة براءة متابعة خالد بن مخلد وصلها مسلم قوله: "حدثني محمد بن الصباح أو بلغني عنه رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي بدر عباد بن الوليد عن محمد بن الصباح رواية دحيم عن الوليد وصلها الإسماعيلي ورواية محمد بن يوسف مضت في الهبة باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة رواية بشر بن شعيب عن أبيه أخرجها أحمد في مسنده عنه ومتابعة إسحاق بن يحيى الكلبي وصلها أبو بكر بن شاذان البزاز في نسخة يحيى بن صالح عن إسحاق باب التاريخ متابعة عبد الرزاق وصلها الإسماعيلي ورواية أحمد بن يونس وصلها المؤلف في حجة الوداع ورواية موسى في الدعوات وحديث عبد الرحمن بن عوف في البيوع وحديث أبي جحيفة في الصوم


"المغازي"باب غزوة بدر حديث وحشي وصله المؤلف بطوله في غزوة أحد وحديث كعب بن مالك وصله بتمامه في غزوة تبوك ورواية الليث عن يونس وصلها قاسم بن أصبغ ومن طريقه بن عبد البر في التمهيد ومتابعة أصبغ وصلها الإسماعيلي ورواية الليث عن يونس أيضا وصلها البخاري في التاريخ باب حديث بني النضير وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك بن إسحاق في المغازي متابعة هشيم وصلها المؤلف في تفسير سورة الحشر باب غزوة أحد رواية حميد وصلها الترمذي والنسائي ووقعت لنا بعلو في جزء بن ملاس ورواية ثابت وصلها مسلم ووقعت لنا بعلو في مسند عبد بن حميد ورواية أبي الوليد وصلها الإسماعيلي ورواية عباس بن سهل عن أبي حميد وصلها المؤلف في أواخر الحج زيادة خليفة عن يزيد بن زريع في تاريخه باب غزوة الخندق رواية محمود عن عبد الرزاق أخرجها محمد بن قدامة في كتاب أخبار الخوارج له عن محمود وزيادة إبراهيم بن طهمان وصلها النسائي باب غزوة ذات الرقاع رواية عبد الله بن رجاء وصلها أبو العباس السراج في مسنده وسمويه في فوائده وحديث بن عباس وصله أحمد وإسحاق والنسائي ورواية بكر بن سوادة وصلها حرملة في حديثه عن ابن وهب وسعيد بن منصور في السنن ووقعت لنا بعلو في الخلعيات ورواية بن إسحاق وصلها أحمد ورواية يزيد عن سلمة وصلها المؤلف مطولة ورواية معاذ عن هشام رواها بن جرير ومتابعة ليث عن هشام وهو بن سعد وصلها المؤلف في التاريخ ورواية أبان عن يحيى وصلها مسلم والإسماعيلي ورواية مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر يعني عن سليمان ابن قيس عن جابر وصلها في مسنده الكبير رواية معاذ بن المثنى عنه ورواية أبي الزبير عن جابر رواها بن جرير وحديث أبي هريرة رواه أبو داود وابن حبان باب غزوة بني المصطلق قول الزهري كان الإفك في المريسيع وصله البيهقي في الدلائل رواية محمد بن عقبة عن عثمان ابن فرقد لم أقف عليها باب غزوة الحديبية رواية عبيد الله بن معاذ وصلها أبو نعيم في المستخرج ومتابعة محمد بن بشار وصلها الإسماعيلي ومتابعة أبي داود عن قرة وصلها الإسماعيلي أيضا ومتابعة الأعمش عن سالم وصلها المؤلف في الأشربة وقول محمود ثم أنسيتها يعني بإسناده إلى المسيب بن حزن كما وصله المؤلف بعد ومتابعة معاذ عن شعبة وصلها الإسماعيلي ورواية هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم لم أجدها نعم أخرجه أبو نعيم من طريق دحيم عن الوليد باب قصة عكل وعرينة رواية شعبة وصلها المؤلف في الزكاة ورواية أبان لم أجدها ورواية حماد بن سلمة وصلها أبو داود والترمذي والنسائي ورواية يحيى بن أبي كثير وصلها المؤلف في المحاربين ورواية أيوب وصلها في الباب المذكور ورواية عبد العزيز بن صهيب وصلها مسلم وغيره ورواية أبي قلابة وصلها المؤلف من طرق في الطهارة والقسامة وغير موضع باب غزوة خيبر متابعة معمر وصلها المؤلف في القدر ورواية شبيب بن سعيد وصلها الذهلي وابن منده في الإيمان ورواية بن المبارك في كتاب الجهاد له ومتابعة صالح بن كيسان وصلها البخاري في التاريخ ورواية الزبيدي وصلها البخاري أيضا في التاريخ ورواية الزبيدي في قصة أبان ابن سعيد وصلها أبو داود باب استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر رواية عبد العزيز بن محمد وصلها الدارقطني وأبو عوانة في صحيحه باب الشاة التي سمت بخيبر رواية عروة عن عائشة ستأتي من طريق يونس عن الزهري باب عمرة القضاء حديث أنس وصله المؤلف في الحج وزيادة حماد بن سلمة عن أيوب وصلها الإسماعيلي والطبراني وزيادة بن إسحاق وصلها بن خزيمة وابن حبان وهي في المغازي
باب بعث أسامة رواية عمر بن حفص بن غياث في فوائد سمويه ومستخرج أبي نعيم باب غزوة الفتح رواية عبد الرزاق وصلها أحمد في مسنده عنه ورواية حماد بن زيد المرسلة لم أقف عليها باب أين ركز الراية رواية معمر أسندها المؤلف في الجهاد ورواية يونس في الحج ومتابعة معمر عن أيوب وصلها أحمد ورواية وهيب المرسلة لم أرها باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة رواية الليث وصلها المؤلف في الجهاد ومتابعة أبي أسامة في الباب مرسلة وفي الحج موصولة ومتابعة وهيب في الحج ورواية الليث عن يونس في التاريخ الصغير والأدب المفرد للمؤلف ورواية الليث في قصة عبد بن زمعة وصلها الذهلي في الزهريات ورواية خالد عن أبي عثمان في قصة مجاشع وصلها الإسماعيلي ورواية النضر عن شعبة وصلها الإسماعيلي أيضا حديث أبي هريرة أن الله حرم مكة وصله المؤلف في الحج باب غزوة حنين رواية إسرائيل وصلها المؤلف في الجهاد وكذا رواية زهير عن أبي إسحاق.
قوله : "قال بعضهم عن حماد بن زيد يعني موصولا يشير إلى ما رواه مسلم عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد ورواية جرير بن حازم تقدمت في الخمس ورواية حماد بن سلمة وصلها مسلم والطبراني وأبو نعيم ورواية الليث وصلها المؤلف في الأحكام ورواية الحميدي عن سفيان بلفظ الخبر في مسند عبد الله بن عمر من مسند الحميدي ورواية هشام بن يوسف عن معمر لم أقف عليها باب بعث أبي موسى إلى اليمن رواية جرير عن الشيباني وصلها الإسماعيلي ورواية عبد الواحد لم أرها ورواية أبي عامر العقدي وصلها المؤلف في الأحكام ورواية وهب بن جرير وصلها أبو نعيم في مستخرجه على مسلم ورواية وكيع وصلها المؤلف في الجهاد مختصرا وأخرجها بن أبي عاصم في كتاب الأشربة تامة ورواية النضر بن شميل وصلها المؤلف في الأدب ورواية أبي داود وهو الطيالسي في مسنده وأخرجها النسائي من طريقه وزيادة معاذ عن شعبة لم أقف عليها باب بعث علي إلى اليمن زيادة محمد بن بكر عن ابن جريج وصلها الإسماعيلي وأبو عوانة في صحيحه باب وفد عبد القيس رواية بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث وصلها الطحاوي في معانيه باب قدوم الأشعريين حديث أبي موسى وصله المؤلف في هجرة الحبشة ورواية غندر عن شعبة عن سليمان عن ذكوان وصلها أحمد عنه وكذا رواية غندر عن شعبة عن الأعمش عن إبراهيم باب حجة الوداع رواية محمد بن يوسف وصلها الطبراني وأبو نعيم في المستخرج ورواية الليث عن يونس في الزهريات باب غزوة تبوك رواية أبي داود وهو الطيالسي عن شعبة رويناها في مسنده باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته رواية يونس عن الزهري في السم وصلها الإسماعيلي والبزار والحاكم في المستدرك حديث بن عمر في صلاة أبي بكر بالناس وصله المؤلف في الصلاة وحديث أبي موسى كذلك وفي قصة يوسف وحديث بن عباس كذلك وفي هذا الباب ورواية بن أبي الزناد عن أبيه في اللدود وصلها أحمد والحاكم وأبو يعلى


"التفسير"تفسير سورة البقرة رواية بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب وصلها المؤلف في الصلاة ورواية أبي أسامة عن الأعمش وصلها في الاعتصام وزيادة عثمان ابن صالح عن ابن وهب لم أرها ورواية عبد الله بن الوليد عن سفيان هي في جامع سفيان روايته عنه ورواية عبد الصمد عن أبيه رواها إسحاق بن راهويه عنه ومن طريقه أبو نعيم وكذا وصله بن جرير عن أبي قلابة ورواية محمد بن يحيى بن سعيد رواها الطبراني في الأوسط والحاكم في التاريخ رواية إبراهيم بن طهمان عن يونس في النكاح رواية أيوب عن محمد تأتي في الطلاق ورواية محمد بن يوسف عن سفيان كذا رويناها في تفسيره تفسير آل عمران رواية عبد الله بن يوسف عن مالك في قصة أبي طلحة وصلها المؤلف في الزكاة ورواية روح بن عبادة رواها أحمد في مسنده عنه وقد تقدم رواية إسحاق بن راشد عن الزهري وصلها الطبراني ومتابعة عبد الرزاق عن ابن جرير وصلها بن جرير سورة النساء متابعة سعيد عن ابن عباس وصلها المؤلف في الوصايا ورواية الليث عن أبي الأسود وصلها الطبراني في الأوسط سورة المائدة رواية وكيع عن سفيان وصلها أحمد وإسحاق في مسنديهما ورواية النضر عن شعبة وصلها أبو نعيم في المستخرج ورواية روح عنه وصلها المؤلف في الرقاق ورواية أبي اليمان عن شعيب وصلها المؤلف في المناقب ورواية بن الهاد وصلها الطبراني في الأوسط سورة الأنعام زيادة يزيد بن هارون عن العوام وصلها الإسماعيلي ورواية محمد بن عبيد وصلها المؤلف في التفسير بعد ورواية سهل بن يوسف وصلها المؤلف في أحاديث الأنبياء ورواية أبي عاصم عن عبد الحميد بن جعفر تقدم الكلام عليها في البيوع وأن أحمد رواه عنه سورة الأعراف رواية عبد الله بن براد عن أبي أسامة لم أقف عليها سورة الأنفال رواية معاذ عن شعبة لم أقف عليها سورة براءة رواية أحمد بن شبيب في أول الزكاة ورواية الليث حدثني عقيل في الناسخ والمنسوخ لأبي داود ومتابعة عثمان ابن عمر رواها أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه ورواية الليث عن يونس وصلها المؤلف في فضائل القرآن ورواية الليث عن عبد الرحمن بن خالد وصلها البغوي في معجمه ورواية موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد وصلها المؤلف في التوحيد ورواية يعقوب بن إبراهيم عن أبيه وصلها أبو يعلى وابن أبي داود في المصاحف ورواية أبي ثابت وصلها المؤلف في الأحكام سورة هود رواية شيبان عن قتادة حدثنا صفوان تأتي في التوحيد سورة يوسف متابعة أبي أسامة وصلها المؤلف في أحاديث الأنبياء سورة الإسراء رواية يعقوب عن ابن أخي بن شهاب في الزهريات ومن طريقه قاسم في الدلائل وقد رواها أحمد بن يعقوب عن أبيه فليعقوب فيه إسنادان زيادة الأشجعي رويناه في تفسير الثوري روايته عنه سورة مريم رواية الثوري عن الأعمش وصلها المؤلف بعد باب ورواية شعبة وصلها بعد بابين ورواية حفص وهو بن غياث وصلها في الإجارة ورواية أبي معاوية أخرجها أحمد ومسلم والترمذي والنسائي ورواية وكيع وصلها المؤلف مع حديث شعبة وزيادة الأشجعي رويناها في تفسير الثوري روايته عنه سورة الحج رواية أبي أسامة عن الأعمش وصلها المؤلف في أحاديث الأنبياء ورواية جرير وصلها في الرقاق ورواية عيسى بن يونس أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ورواية أبي معاوية وصلها مسلم والطبراني ورواية سفيان عن أبي هاشم وصلها المؤلف في المغازي سورة النور رواية أبي أسامة في قصة الإفك أخرجها أحمد بن حنبل في مسنده عنه ورواية أحمد بن شبيب عن أبيه وصلها بن مردويه في تفسيره سورة الشعراء رواية إبراهيم بن طهمان وصلها النسائي في التفسير من طريقه ومتابعة أصبغ مضت في الوصايا سورة السجدة رواية أبي معاوية وصلها أبو عبيد في فضائل القرآن له عنه ومسلم وابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه سورة الأحزاب متابعة موسى بن أعين عن معمر أخرجها النسائي ورواية عبد الرزاق أخرجها أحمد عنه ورواية الليث عن يونس في الزهريات وكذا رواية أبي سفيان المعمري ومتابعة عباد بن عباد رواها أبو بكر بن مردويه في تفسيره ورويناها في فوائد يحيى بن معين رواية أبي بكر بن علي المروزي عنه رواية بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب تأتي في النكاح رواية أبي صالح عن الليث وصلها بن مردويه في تفسيره سورة حم السجدة رواية المنهال بن عمرو وصلها البخاري في طريق أبي ذر في آخر المتن فقال حدثنيه يوسف بن عدي ورويناها موصولة في المصافحة للبرقاني وفي المعجم الكبير للطبراني سورة النجم رواية عبد الرحمن بن خالد بن مسافر في الزهريات ورواية معمر أخرجها أحمد في مسنده عنه ومتابعة إبراهيم بن طهمان وصلها الإسماعيلي ورواية بن علية المرسلة لم أرها. سورة الرحمن عز وجل قول أبي الدرداء في قوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} رويناه مرفوعا في صحيح بن حبان وغيره من حديثه سورة الممتحنة متابعة يونس تأتي في الطلاق ومتابعة معمر أسندها المؤلف في الأحكام ومتابعة عبد الرحمن بن إسحاق وصلها بن مردويه في تفسير ورواية إسحاق بن راشد في الزهريات للذهلى ومتابعة عبد الرزاق عن معمر في حديث عبادة وصلها مسلم سورة المنافقين رواية بن أبي زائدة عن الأعمش وصلها النسائي سورة الطلاق رواية سليمان ابن حرب وصلها الطبراني في الكبير ورواية أبي النعمان وصلها أبو نعيم في المستخرج والبيهقي من طريق يعقوب بن سفيان سورة المدثر قوله: "حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وغيره قالا حدثنا حرب بن شداد مثل حديث على بن المبارك الغير المبهم هو أبو داود الطيالسي كذلك رويناه في مستخرج أبي نعيم من طريق أبي عروبة الحراني عن محمد بن بشار بندار عن عبد الرحمن بن مهدي وأبي داود قالا حدثنا حرب ورواية على بن المبارك التي أشار إليها رويناها في صحيح مسلم وفي كتاب الأوائل لأبي عروبة من طريق عثمان ابن عمر عنه ووقع لنا بعلو في الغيلانيات من حديث عثمان ابن عمر سورة المرسلات قوله: "وسئل بن عباس عن قوله: "لا ينطقون يشير إلي الحديث الذي تقدم في تفسير حم فصلت من طريق المنهال بن عمرو ومتابعة أسود بن عامر عن إسرائيل وصلها أحمد عنه وأحاديث حفص وأبي معاوية وسليمان ابن قرم تقدمت في بدء الخلق ورواية يحيى بن حماد عن أبي عوانة وصلها الطبراني في الكبير ورواية بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود وصلها أحمد وابن مردويه سورة والشمس وضحاها رواية أبي معاوية وصلها إسحاق بن راهويه عنه باللفظ الذي علقه البخاري سورة اقرأ رواية الليث عن عقيل عن الزهري وصلها المؤلف في تفسير هذه السورة أيضا ومتابعة عمرو بن خالد وصلها على بن عبد العزيز البغوي في منتخب المسند له عنه سورة الكوثر رواية أبي الأحوص وصلها أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عنه ورواية مطرف وصلها النسائي في تفسيره والبيهقي في البعث والنشور ورواية زكريا لم أقف عليها.


"فضائل القرآن"رواية مسدد عن يحيى في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه رواية مسروق عن عائشة عن فاطمة موصولة عنده في علامات النبوة متابعة الفضيل عن حسين بن واقد رواها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ورواية أبي معمر عن عبد الوارث وصلها الإسماعيلي ورواية عثمان ابن الهيثم في آية الكرسي تقدم ذكرها في الوكالة ورواية عمرة عن عائشة في فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وصلها المؤلف في التوحيد وزيادة أبي معمر القطيعي عن إسماعيل بن جعفر أخرجها أبو يعلى في مسنده عنه والنسائي في عمل يوم وليلة باب نزول السكينة رواية الليث عن يزيد بن الهاد وصلها أبو نعيم في مستخرجيه معا باب استذكار القرآن متابعة بشر بن محمد عن ابن المبارك لم أقف عليها ومتابعة بن جريج وصلها مسلم باب نسيان القرآن متابعة على بن مسهر وصلها المؤلف بعد قليل ومتابعة عبدة بن سليمان وصلها المؤلف في الدعوات باب اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم متابعة
الحارث بن عبيد عن أبي عمران وصلها الدارمي في مسنده ومتابعة سعيد بن زيد وصلها الحسن بن سفيان ورواية أبان وصلها مسلم ورواية حماد بن سلمة لم أرها ورواية غندر وصلها الإسماعيلي ورواية بن عون وصلها أبو عبيد في فضائل القرآن له عن معاذ بن معاذ عنه


"كتاب النكاح"باب تزويج المعسر فيه سهل بن سعد وصله المؤلف في باب عرض المرأة نفسها باب قول الرجل لأخيه انظر أي زوجتي شئت رواية عبد الرحمن بن عوف وصلها في الهجرة إلي المدينة باب ما يكره من التبتل والخصاء رواية أصبغ عن ابن وهب وصلها الإسماعيلي والجوزقي باب تزويج الأبكار رواية بن أبي ملكية وصلها المؤلف في تفسير سورة النور باب تزويج الثيبات حديث أم حبيبة وصله المؤلف بعد أبواب باب اتخاذ السراري رواية أبي بكر وهو بن عياش عن أبي حصين أخرجها أحمد بن حنبل في مسنده ووقعت لنا بعلو في مسند الطيالسي وذكر أبو نعيم أن أبا بكر المذكور تفرد به باب قوله: عز وجل {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} رواية بشر بن عمر وصلها مسلم قوله: "ودفع النبي صلى الله عليه وسلم ربيبة له إلى من يكفلها أشار به إلى حديث أم سلمة في قصة تزويجها النبي صلى الله عليه وسلم وتشاغلها برضاعة بنتها زينب لما أراد أن يدخل عليها حتى جاء عمار بن ياسر فأخدها عنده فأقر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقد أسند القصة بن سعد وأحمد والحاكم في المستدرك وروى البزار والحاكم من طريق فروة بن نوفل عن أبيه مقصود الترجمة قوله: "وسمي النبي صلى الله عليه وسلم بن ابنته ابنا هو الحسن والحديث في المناقب من طريق أبي بكرة ورواية الليث عن هشام في قوله: "درة بنت أبي سلمة لم أرها. باب لا تنكح المرأة على عمتها رواية داود عن الشعبي وقعت لنا بعلو في مسند الدارمي ورواها مسلم والترمذي ورواية بن عون رواها النسائي في السنن الكبرى والبيهقي باب هل للمرأة أن تهب نفسها رواية أبي سعيد المؤدب وصلها بن مردوية والبيهقي ورواية محمد بن بشر أخرجها أحمد في مسنده عنه ورواية عبدة وصلها مسلم وابن ماجة باب النهى عن نكاح المتعة رواية بن أبي ذئب وصلها الإسماعيلي والطبراني وحديث على موصول عند المؤلف في المغازي وغيرها باب من قال لا نكاح إلا بولي رواية يحيى بن سليمان عن ابن وهب لم أرها ووجدته بطوله من رواية أصبغ عن ابن وهب عند الدارقطني وكذا وصله أبو نعيم من رواية أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه باب إذا كان الولي هو الخاطب حديث سهل تقدمت الأشارة إليه أول النكاح باب تزويح الأب حديث عمر يأتي قريبا باب السلطان ولي لقول النبي صلى الله عليه وسلم زوجناكها هو طرف من حديث سهل باب تزويج اليتيمة فيه سهل تقدم ورواية الليث عن عقيل وصلها المؤلف في باب الأكفاء في المال باب تفسير ترك الخطبة متابعة يونس في عرض عمر حفصة وصلها الدارقطني في العلل ورواية موسى بن عقبة وابن أبي عتيق في الزهريات باب قول الله {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} حديث سهل تقدم وذكره بعد باب باب الشروط في النكاح حديث المسور وصله المؤلف في الخمس وغيره باب الصفرة للمتزوج حديث عبد الرحمن بن عوف وصله المؤلف في الهجرة باب الهدية للعروس رواية إبراهيم بن طهمان عن أبي عثمان لم أرها لكن وصلها مسلم من حديث جعفر بن سليمان عن أبي عثمان باب الوليمة حق حديث عبد الرحمن بن عوف في الهجرة باب حق إجابة الوليمة ولم يؤقت النبي صلى الله عليه وسلم يوما ولا يومين ذكر فيه حديث بن عمر وهو مطلق في الإجابة وقد ذكرنا ما فيه في التخريج الكبير ومتابعة أبي عوانة عن أشعث وصلها المؤلف في الأشربة ومتابعة الشيباني عنه وصلها في الاستئذان باب المداراة مع النساء حديث إنما المرأة كالضلع وصله المؤلف دون قوله: "في أوله إنما فذكرها الإسماعيلي من الوجه الذي ذكره منه المؤلف باب حسن المعاشرة مع الأهل رواية سعيد بن سلمة عن هشام في قصة أم زرع وصلها مسلم ولم يسق لفظها وساقها أبو عوانة في صحيحه وأبو نعيم في المستخرج على مسلم قوله: "وقال بعضهم فأتقمح هي رواية أحمد بن جناب عن عيسى بن يونس عند أبي يعلى الموصلي ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج على مسلم باب موعظة الرجل ابنته رواية عبيد بن حنين وصلها المؤلف في تفسير سورة التحريم باب لا تأذن المرأة لأحد في بيت زوجها إلا بإذنه رواية أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه وصلها أحمد والنسائي ووقعت لنا بعلو في جزء بن نجيد باب كفران العشير حديث أبي سعيد وصله في العيدين ومتابعة أيوب عن أبي رجاء وصلها النسائي والإسماعيلي ورواية سلم بن زرير وصلها المؤلف في صفة الجنة باب لزوجك عليك حق حديث أبي جحيفة وصله في الصيام باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن حديث معاوية بن حيدة وقع لنا بعلو في جزء البانياسي ووصله أبو داود والنسائي وأبو ذر الهروي في المستدرك باب إذا تزوج البكر رواية عبد الرزاق وصله مسلم باب الغيره رواية وراد عن المغيرة بن شعبة في غيرة سعد وصلها المؤلف في أواخر الحدود باب يقل الرجال حديث أبي موسى وصله في الزكاة باب طلب الولد متابعة عبيد الله عن وهب وصلها في البيوع والثقة المذكور في حديث مسدد عن هشيم هو شعبة قاله الإسماعيلي.

كتاب الطلاق
رواية أبي معمر عن عبد الوارث وصلها أبو ذر الهروي في روايته بلفظ حدثنا أبو معمر باب هل يواجه بالطلاق رواية حجاج بن أبي منيع رواها يعقوب بن سفيان في تاريخه ووقعت لنا بعلو في مشيخته ورواية الحسين بن الوليد عن ابن الغسيل وصلها أبو نعيم في المستخرج باب إذا قال فارقتك حديث عائشة وصله المؤلف بتمامه في التفسير باب من قال لامرأته أنت على حرام رواية الليث عن نافع وصلها مسلم ووقعت لنا بعلو في جزء أبي الجهم باب إذا قال لامرأته هذه أختي قصة إبراهيم وسارة مع الجبار وصلها المؤلف في الهبة وفي أحاديث الأنبياء من حديث أبي هريرة باب الطلاق في الاغلاق حديث الأعمال بالنية وصله المؤلف هكذا في العتق وحديث أبك جنون وصله في الحدود في قصة ماعز وحديث على في قصة حمزة وصله المؤلف في المغازي وحديث علي ألم تعلم أن القلم رفع وصله أبو داود وابن ماجة وابن حبان ووقع لنا بعلو في الجعديات باب الخلع رواية إبراهيم بن طهمان وصلها الإسماعيلي ورواية بن جريج عن عطاء بإرسالها أخرجها عبد الرزاق عنه وكذا رواية مجاهد المرسلة أخرجها عبد بن حميد في تفسيره ورواية إبراهيم بن المنذر رواها الذهلي في الزهريات عنه باب الإشارة في الطلاق حديث بن عمر وصله المؤلف في الجنائز وحديث كعب بن مالك وصله المؤلف في الملازمة وحديث أسماء في الكسوف وصله المؤلف في الصلاة وكذا حديث أنس في صلاة أبي بكر وحديث بن عباس وصله في العلم وحديث قتاة وصله في الحج في باب لا يشير المحرم إلى الصيد وحديث زينت بنت جحش وصله في أواخر أحاديث الأنبياء ورواية الأويسي عن إبراهيم بن سعد وصلها أبو نعيم في المستخرج ورواية الليث عن جعفر في الجبة تقدم في الزكاة باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت راجما بغير بينة


يتبع
ربنا تقبل منا

اخت مسلمة
06-09-2009, 12:09 AM
رواية أبي صالح عن الليث وقعت موصولة في رواية أبي ذر بلفظ قال لي أبو صالح ورواية عبد الله بن يوسف وصلها المؤلف في كتاب المحاربين باب والمطلقات يتربصن بأنفسهن زيادة بن أبى الزناد وصلها أبو داود وابن ماجة باب وبعولتهن أحق بردهن قوله: "وزاد فيه غيره عن الليث رواها مسلم عن محمد بن رمح ووقعت لنا بعلو في جزء أبي الجهم وقد ذكرناه قبل باب تلبس الحادة ثياب العصب رواية الأنصاري عن هشام وصلها البيهقي

"كتاب النفقات"باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده حديث معاوية في نساء قريش وصله أحمد والطبراني وحديث بن عباس وصله أيضا أحمد والطبراني وأبو يعلى باب المراضع رواية شعيب في قصة ثويبة وصلها المؤلف في النكاح.


"كتاب الأطعمة"حديث أنس في التسمية وغيرها وصله مسلم وأبو نعيم في المستخرج وهو المشار إليه في أواخر النكاح من حديث الجعد بن أبي عثمان باب من تتبع حوالي القصعة حديث عمر بن أبي سلمة وصله المؤلف في باب تسمية الطعام باب الخبز المرقق رواية عمرو بن أبي عمرو وصلها المؤلف في باب الحيس باب المؤمن يأكل في معا واحد رواية بن بكير وهو يحيى وصلها أبو نعيم في المستخرج باب الأقط رواية عمرو بن أبي عمرو وصلها المؤلف في باب الحيس ورواية حميد وصلها المؤلف في باب الخبز المرقق باب ما كان السلف يدخرون حديث عائشة وصله المؤلف في الهجرة وكذا حديث أسماء وأسنده أيضا في الجهاد ورواية محمد بن كثير عن سفيان وصلها الطبراني ومتابعة محمد عن ابن عيينة أخرجها بن أبي عمر في مسنده عن سفيان ابن عيينة ورواية بن جريج عن عطاء وصلها في الحج باب من ناول رواية ثمامة عن أنس وصلها في باب من أضاف رجلا باب الرطب والتمر رواية محمد بن يوسف عن سفيان لم أرها باب ما يكره من الثوم والبقول حديث بن عمر وصله المؤلف في غزوة خيبر باب الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر حديث أبي هريرة وصله بن خزيمة وابن حبان وابن ماجة باب الرجل يدعى إلى الطعام رواية وهيب عن هشام وصلها الإسماعيلي ورواية يحيى بن سعيد أخرجها أحمد بن حنبل عنه بلفظه ووصلها المؤلف في الصلاة بلفظ آخر باب إذا حضر العشاء رواية الليث عن يونس في الزهريات


"كتاب العقيقة"رواية حجاج وهو بن منهال عن حماد وصلها البيهقي ورواية غير واحد عن عاصم وهشام رواها النسائي وأحمد من رواية بن عيينة عن عاصم ورواها أبو داود والترمذي من رواية عبد الرزاق عن هشام ورواها بن ماجة من رواية عبد الله بن نمير عن هشام ورواها جماعة عن هشام عن حفصة بإسقاط الرباب كذا أخرجه الدارمي والحارث بن أبي أسامة وغيرهما ورواية يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين لم أرها وكذا رواية أصبغ عن ابن وهب.


"كتاب الذبائح والصيد"باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة رواية عبد الأعلى عن داود وصلها أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى والإسماعيلي وغيرهم باب أكل الجراد رواية سفيان عن أبي يعفور وصلها الدارمي ورواية أبي عوانة عنه وصلها مسلم ورواية إسرائيل وصلها الطبراني باب ذبيحة المرأة


"كتاب الأضاحي"باب سنة الأضحية رواية مطرف عن عامر وصلها المؤلف في العيدين باب أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "ويذكر بكبشين سمينين وصله أبو عوانة في صحيحه من حديث أنس وأحمد من حديث أبي رافع متابعة وهيب وصلها الإسماعيلي ورواية إسماعيل وهو بن علية وصلها المؤلف بعد قليل ورواية حاتم بن وردان وصلها مسلم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة ضح متابعة عبيدة وهو بن معتب عن الشعبي وإبراهيم لم أرها ومتابعة وكيع عن حريث وصلها أبو الشيخ في كتاب الأضاحي له ورواية عاصم وصلها أبو عوانة في صحيحه ورواية داود وصلها أحمد ومسلم ووقعت لنا بعلو في مسند الحارث ورواية زبيد وصلها المؤلف بعد بابين ورواية فراس وصلها المؤلف بعد ثلاثة أبواب ورواية أبي الأحوص وصلها المؤلف في العيدين ورواية بن عون وصلها المؤلف في الأيمان والنذور ورواية حاتم بن وردان تقدمت قريبا.


"كتاب الأشربة"
متابعة معمر عن الزهري وصلها المؤلف في أحاديث الأنبياء ومتابعة بن الهاد وصلها النسائي وأبو عوانة في صحيحة والطبراني في الأوسط وهو عندهم من رواية بن الهاد عن عبد الوهاب بن بخت عن الزهري وبهذا جزم الحاكم فلعل ذكر عبد الوهاب سقط سهوا ومتابعة عثمان وهو بن عمر بن موسى بن عبيد الله التيمي رواها تمام في فوائدة ووهم الحاكم فظن أنه عثمان ابن عمر بن فارس فقال إنما رواه عثمان ابن عمر عن يونس عن الزهري وتبعه المزي علي ذلك فوهم ورواية الزبيدي عن الزهري وصلها النسائي وابن حبان قوله: "وكان أبو هريرة يلحق معها الحنتم والنقير يشير إلى حديث رواه أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بتمامه باب ما جاء أن الخمر ما خامر العقل رواية حجاج عن حماد وصلها علي بن عبد العزيز في منتخب المسند باب ما جاء فيمن يستحل الخمر رواية هشام بن عمار وصلها الحسن بن سفيان في مسنده والإسماعيلي والطبراني في الكبير وأبو نعيم من أربعة طرق وابن حبان في صحيحه وغيرهم باب الترخيص في الأوعية رواية خليفة لم أرها باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر رواية عمرو بن الحارث وصلها مسلم والبيهقي باب شرب اللبن رواية إبراهيم بن طهمان وصلها أبو عوانة في صحيحه والطبراني في الصغير ووقعت لنا


"كتاب المرضى والطب"باب ما جاء في كفارة المرض رواية زكريا بن أبي زائدة عن سعد وهو بن إبراهيم وصلها مسلم باب فضل من ذهب بصره متابعة أشعث وصلها أحمد والطبراني في الأوسط ومتابعة أبي ظلال وصلها الترمذي وعبد بن حميد باب عيادة المشرك رواية سعيد بن المسيب عن أبية وصلها المؤلف في التفسير باب دعاء العائد للمريض رواية عائشة بنت سعد عن أبيها وصلها المؤلف في الطب مطولا ورواية عمرو بن أبي قيس رويناها بعلو في فوائد أبي بكر محمد بن العباس بن نجيح ورواية إبراهيم بن طهمان وصلها الإسماعيلي ورواية جرير عن منصور وصلها بن ماجة ورواية القمي وهو يعقوب عن ليث وصلها البزار ووقعت لنا بعلو في الغيلانيات وفي جزء بن بخيث باب الحجم في السفر حديث بن بحينة وصله المؤلف بعد أبواب باب الحجامة على الرأس رواية الأنصاري وصلها أحمد والإسماعيلي والبيهقي وأبو نعيم باب الحجم من الشقيقة رواية محمد بن سواء وصلها الإسماعيلي باب الإثمد حديث أم عطية وصله المؤلف في الطلاق باب الجذام رواية عفان لم أرها باب العذرة رواية يونس عن الزهري وصلها أحمد بن حنبل ورواية إسحاق بن راشد وصلها المؤلف بعد بابين باب دواء المبطون متابعة النضر بن شميل وصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه باب لا صفر رواية الزهري عن أبي سلمة وسنان وصلها المؤلف بعد بابين باب ذات الجنب رواية عباد بن منصور وصلها أبو يعلى في مسنده باب أجر الصابر متابعة النضر عن داود بن أبي الفرات وصلها المؤلف في القدر باب الرقي بفاتحة الكتاب قوله: "ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله المؤلف بعد باب وإنما لم يجزم به لذكره إياه بالمعني باب رقية العين متابعة عبد الله بن سالم عن الزبيدي وصلها الذهلي في الزهريات ورواية عقيل مع إرسالها وقعت لنا في جزء من رواية أبي الفضل بن طاهر الحافظ وأخرجها الحاكم في المستدرك موصوله باب السحر متابعة أبي أسامة وصلها المؤلف بعد باب ومتابعة أبي ضمرة وصلها في الدعوات ومتابعة بن أبي الزناد لم أرها ورواية الليث مضت في باب صفة إبليس ورواية بن عيينة وصلها المؤلف بعد باب باب السم رواية عروة عن عائشة تقدم الكلام عليها في أواخر المغازي باب ألبان الأتن رواية الليث عن يونس وصلها البغوي في الجعديات دون القصة التي فيه وروى أبو نعيم القصة والحديث معا في المستخرج من طريق أبي ضمرة عن يونس.


"كتاب اللباس "
حديث كلوا واشربوا والبسوا الحديث وصله النسائي وابن ماجة وأبو داود الطيالسي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده باب من جر ثوبه من الخيلاء متابعة يونس عن الزهري


"كتاب الأدب"باب من أحق الناس بحسن الصحبة رواية بن شبرمة ويحيى بن أيوب وصلها المؤلف في الأدب المفرد وروى مسلم طريق بن شبرمة باب صلة المرأة أمها رواية الليث عن هشام رويناها بعلو في جزء أبي الجهم باب تبل الرحم زيادة عنبسة بن عبد الواحد وصلها المؤلف في بر الوالدين له خارج الجامع وفي الأدب المفرد والإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما باب من وصل رحمه في الشرك قوله: "ويقال أيضا عن أبي اليمان أتحنت يعني بالتاء المثناة هي رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان كذا أخرجها أبو نعيم في المستخرج ورواية معمر وصلها المؤلف في الصلاة ورواية صالح بن كيسان وصلها مسلم ووقعت لنا بعلو في الإيمان لابن منده ورواية بن مسافر وصلها الطبراني في الكبير ومتابعة هشام بن عروة وصلها المؤلف في العتق ورواية بن إسحاق في المغازي له باب رحمة الولد رواية ثابت عن أنس وصلها المؤلف في الجنائز باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه متابعة شبابة وصلها الإسماعيلي وأخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ومتابعة أسد بن موسى وصلها الطبراني في مكارم الأخلاق له ورواية حميد بن الأسود لم أرها ورواية عثمان ابن عمر وصلها أحمد في مسنده عنه ورواية شعيب بن إسحاق وأبي بكر بن عياش لم أرها باب طيب الكلام حديث أبي هريرة وصله المؤلف في الصلح من رواية همام بن منبه عنه باب حسن الخلق حديث بن عباس وصله المؤلف في بدء الوحي والصيام وحديث أبي ذر وصله في مناقب قريش باب قول الله تعالى لا يسخر قوم من قوم رواية الثوري عن هشام وصلها المؤلف في النكاح ورواية وهيب وصلها المؤلف في التفسير ورواية أبي معاوية تقدمت الإشارة إليها في التفسير باب ما ينهي من السباب واللعن متابعة غندر أخرجها أحمد في مسنده عنه باب ما يجوز من ذكر الناس حديث ذي اليدين تقدم في الصلاة باب ما يكره من التمادح رواية وهيب عن خالد وهو الحذاء وصلها المؤلف عن موسى عنه بعد باب من أثنى على أخيه حديث سعد وهو بن أبي وقاص وصله المؤلف في مناقب عبد الله بن سلام باب الكبر رواية محمد بن عيسى لم أقف عليها باب الهجران لمن عصى حديث كعب طرف من قصة توبته وقد مضى في المغازي باب هل يزور صاحبه كل يوم رواية الليث عن عقيل وصلها المؤلف في الهجرة من حديث طويل باب الزيارة قصة سلمان وأبي الدرداء وصلها المؤلف في الصيام من حديث أبي جحيفة باب الإخاء حديث أبي جحيفة سبق كما تري وحديث عبد الرحمن بن عوف وصله المؤلف في البيوع باب التبسم والضحك حديث فاطمة وصله في المناقب وحديث بن عباس وصله في الجنائز ورواية الحميدي تقدم في المغازي الكلام عليها باب من أكفر أخاه رواية عكرمة بن عمار وصلها أبو نعيم في المستخرج باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا قول عمر لحاطب وصله المؤلف في المغازي من حديث على عنه باب ما يجوز من الغضب رواية المكي بن إبراهيم أخرجها أحمد في مسنده عنه ووقعت لنا بعلو في مسند الدارمي عنه أيضا قوله: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا وكان يحب التخفيف والتيسير على الناس أما حديث يسروا فوصله في الباب وأما حديث كان يحب التخفيف فأشار به إلي حديث وصله في الصلاة في باب ما يصلي بعد العصر من حديث عائشة بلفظ كان يحب ما خفف عنهم وعنده في الأدب من حديث أبي برزة أنه رأى من تيسير النبي صلى الله عليه وسلم رواية الليث عن يونس في قصة الأعرابي وصلها الذهلي باب المداراة رواية حماد بن زيد عن أيوب وصلها المؤلف في الخمس ورواية حاتم بن وردان وصلها في الشهادات باب قول الضيف لصاحبه لا آكل حديث أبي جحيفة وصله قبل ببابين باب إكرام الكبير رواية الليث عن يحيى وهو بن سعيد وصلها مسلم والترمذي والنسائي ورواية بن عيينة وصلها مسلم والنسائي ووقعت لنا بعلو في الزيادات باب هجاء المشركين متابعة عقيل وصلها الطبراني في الكبير ورواية الزبيدي وصلها المؤلف في التاريخ الصغير والطبراني أيضا باب ما جاء في قول الرجل ويلك متابعة يونس عن الزهري وصلها البيهقي ورواية عبد الرحمن بن خالد وصلها الذهلي ورواية النضر بن شميل عن شعبة وصلها إسحاق بن راهويه عنه فيما أحسب ورواية عمر بن محمد وصلها المؤلف في المغازي ورواية شعبة عن قتادة باختصارها وصلها مسلم وأحمد باب علامة حب الله تعالى متابعة جرير بن حازم وصلها أبو نعيم في كتاب المحبين ومتابعة أبي عوانة وصلها أبو عوانة في صحيحه ومتابعة سليمان ابن قرم وصلها مسلم في صحيحه ورواية أبي معاوية ومحمد بن عبيد قاله مسلم في صحيحه والحسن بن سفيان في مسنده حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير أخبرنا أبو معاوية ومحمد بن عبيد جميعا به ووقع لنا حديث محمد بن عبيد بعلو في فوائد النجاد باب قول الرجل مرحبا حديث عائشة وصله المؤلف في علامات النبوة وحديث أم هاني وصله المؤلف في الصلاة وغيرها من حديثها باب لا تقل خبثت نفسي متابعة عقيل وصلها الطبراني في الكبير وسمويه في فوائده باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الكرم قلب المؤمن وصله في الباب وحديث إنما المفلس وصله المؤلف في الرقاق وحديث إنما الصرعة وصله المؤلف بلفظ إنما الشديد من يملك نفسه ووصله باللفظ المذكور وحديث لا ملك إلا الله وصله مسلم ووقع لنا بعلو في صحيفة همام وأصل الحديث عند المؤلف دون الزيادة باب قول الرجل فداك أبي وأمي حديث الزبير وصله المؤلف في المناقب باب قول الرجل جعلني الله فداك قول أبي بكر وصله المؤلف في الهجرة من حديث أبي سعيد باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سموا باسمي قاله أنس سيأتي في باب من سمى بأسماء الأنبياء حديث أنس تقدم في الجنائز وحديثة في تسموا باسمي وصله في البيوع وحديث أبي بكرة في الكسوف باب من دعا صاحبه رواية أبي حازم عن أبي هريرة وصلها المؤلف في الأطعمة باب كنية المشرك حديث المسور وصله في النكاح باب المعاريض رواية إسحاق عن أنس وصلها في الجنائز باب قوله: "للشيء ليس بشيء حديث بن عباس وصله في الطهارة والجنائز وغير موضع باب رفع البصر إلى السماء رواية أيوب عن ابن أبي مليكة وصلها المؤلف في أواخر المغازي وأخرجها بن حبان بلفظ الذي علقه المؤلف باب التكبير رواية بن أبي ثور وصلها المؤلف في العلم وغيره.


"كتاب الاستئذان"
باب يسلم الصغير على الكبير رواية إبراهيم بن طهمان وصلها المؤلف في الأدب المفرد باب التسليم ثلاثا رواية بن المبارك عن ابن عيينة وصلها أبو نعيم في المستخرج باب إذا دعي رواية سعيد عن قتادة وصلها في الأدب المفرد وأبو داود باب تسليم الرجال على النساء متابعة شعيب عن الزهري وصلها المؤلف في الرقاق ورواية يونس وصلها في فضل عائشة ورواية النعمان بن راشد وصلها الطبراني في الكبير ووقعت لنا بعلو في جزء هلال الحفار باب من رد حديث عائشة سبق كما ترى وحديث رد الملائكة على آدم وصله المؤلف في أول كتاب الاستئذان من رواية همام عن أبي هريرة ورواية أبي أسامة عن عبيد الله وصلها في الإيمان والنذور باب بمن يبدأ في الكتاب رواية الليث عن جعفر تقدمت في البيوع ورواية عمر بن أبي سلمة وصلها أبو نعيم في المستخرج ووقعت لنا بعلو في فوائد بن السماك وفي ثالث المخلص باب قوله: "قوموا إلى سيدكم" قوله: "أفهمنى بعض أصحابي عن أبي الوليد بعضه وقع لنا الحديث تاما من رواية محمد بن سعد كاتب الواقدي عن أبي الوليد أخرجه في الطبقات ووقع لنا أيضا من رواية محمد بن أيوب بن الضريس عن أبي الوليد أخرجه البيهقي في شعب الإيمان باب المصافحة حديث بن مسعود وصله المؤلف بعد باب وحديث كعب بن مالك مختصر من قصة توبته وهو في المغازي وغيرها باب من أجاب بلبيك رواية أبي شهاب وصلها المؤلف في الاستقراض ورواية أبي صالح عن أبي الدرداء تأتي في الرقاق باب من اتكأ بين يدي أصحابه حديث خبات وصله المؤلف في علامات النبوة باب الجلوس كيفما تيسر رواية معمر وصلها المؤلف في البيوع ورواية محمد بن أبي حفصة وعبد الله بن بديل وصلهما الذهلي في الزهريات باب الختان بعد الكبر رواية بن إدريس عن أبيه وصلها الإسماعيلي باب ما جاء في البناء حديث أبي هريرة وصله المؤلف في الإيمان في حديث.


"كتاب الدعوات"رواية معتمر عن أبيه وصلها مسلم باب التوبة متابعة أبي عوانة وصلها أبو نعيم في المستخرج ومتابعة جرير وصلها مسلم ورواية أبي أسامة وصلها مسلم ورواية شعبة وأبي مسلم قائد الأعمش واسمه عبيد الله بن عبد القدوس لم أرهما ورواية أبي معاوية أخرجها أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه باب بلا ترجمة متابعة أبي ضمرة وصلها البخاري في الأدب المفرد ومتابعة إسماعيل بن زكريا وصلها الطبراني في الأوسط ورواية يحيى وهو القطان أخرجها الإمام أحمد عنه والنسائي في اليوم والليلة ووقعت لنا بعلو في السابع من حديث المزكي ورواية بشر بن المفضل أخرجها مسدد في مسنده عنه ورواية مالك وصلها المؤلف في التوحيد ورواية بن عجلان أخرجها أحمد والترمذي والنسائي باب الدعاء في الصلاة رواية عمرو وهو بن الحارث وصلها المؤلف في التوحيد باب الدعاء بعد الصلاة متابعة عبيد الله بن عمر عن سمي وصلها المؤلف في الصلاة ورواية بن عجلان عن سمي ورجاء وصلها مسلم والطبراني في الأوسط ورواية جرير عن عبد العزيز بن رفيع وصلها الإسماعيلي والنسائي ورواية سهيل عن أبيه وصلها مسلم والنسائي ورواية شعبة عن منصور وصلها أحمد باب قول الله تعالى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} حديث أبي موسى وصله المؤلف في المغازي باب رفع الأيدي حديث أبي موسى هو في الذي قبله وحديث بن عمر وصله المؤلف في غزوة الفتح ورواية الأويسي وصلها أبو نعيم في المستخرج باب الدعاء عند الكرب رواية وهب بن جرير بن حازم عن شعبة لم أرها باب الدعاء للصبيان حديث أبي موسى وصله المؤلف في العقيقة وفي الأدب باب الدعاء إذا هبط واديا حديث جابر وصله المؤلف في الجهاد وكذا حديث يحيى بن أبي إسحاق عن أنس باب الدعاء للمتزوج رواية بن عيينة وصلها المؤلف في المغازي ورواية محمد بن مسلم لم أرها باب تكرير الدعاء زيادة عيسى بن يونس وصلها المؤلف في الطب ورواية الليث بن سعد تقدمت في صفة إبليس باب الدعاء على المشركين حديث بن مسعود وصله المؤلف في
الصلاة في الاستسقاء وحديث بن عمر وصله المؤلف في المغازي باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لي رواية عبيد الله بن معاذ أخرجها مسلم عنه باب فضل التهليل رواية إبراهيم بن يوسف لم أرها ورواية موسى بن إسماعيل أخرجها بن أبي خيثمة في تاريخه عنه ورواية إسماعيل وهو بن أبي خالد عن الشعبي وصلها الحسين بن الحسن المروزي في زيادات الزهد لابن المبارك ورواية آدم لم أرها وكأنها في نسخته المعروفة ورواية الأعمش وصلها النسائي في الكبرى ورواية حصين وصلها النسائي ووقعت لنا بعلو في الدعاد لمحمد بن فضيل ورواية أبي محمد الحضرمي عن أبي أيوب وصلها أحمد والطبراني في الكبير ووقعت لنا بعلو في أمالي المحاملي باب فضل ذكر الله رواية شعبة وصلها أحمد والإسماعيلي ورواية سهيل عن أبيه وصلها أحمد وأبو داود الطيالسي ووقعت لنا بعلو في الأربعين للثقفي.


"كتاب الرقاق"رواية العباس العنبري أخرجها بن ماجة عنه باب من بلغ ستين متابعة أبي حازم وصلها الإسماعيلي وابن منده في التوحيد ومتابعة بن عجلان وصلها أحمد والبيهقي ووقعت لنا بعلو في فوائد الفاكهي ورواية الليث عن يونس وصلها الإسماعيلي ورواية بن وهب وصلها مسلم ورواية شعبة من قتادة وصلها مسلم ووقعت لنا بعلو في أمالي الحرقي باب العمل الذي يبتغي به وجه الله حديث سعد وهو بن أبي وقاص وصله المؤلف في الفرائض وغيرها باب المكثرون وهم المقلون رواية النضر بن شميل وصلها الإسماعيلي وابن منده في الإيمان وابن حبان في صحيحه وحديث عطاء بن يسار عن أبي الدرداء وصله البيهقي في البعث والنشور باب ما أحب أن لي أحدا ذهبا رواية الليث عن يونس في الزهريات باب الغني غنى النفس متابعة أيوب مضت في النكاح ومتابعة عرف وصلها المؤلف في النكاح أيضا ورواية صخر وحماد وصلهما النسائي وابن منده في الإيمان ووقع لنا حديث صخر عاليا في الجعديات باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "حدثني أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث قد وصله النسائي والحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحيلة بتمامه باب القصد والمداومة على العمل رواية عفان أخرجها أحمد في مسنده عنه باب فضل الخوف من الله تعالى رواية معاذ عن شعبة تقدم في أحاديث الأنبياء الكلام عليه باب العزلة راحة من خلاط السوء رواية محمد بن يوسف وصلها مسلم والأسماعيلي وابن منده في الإيمان ومتابعة الزبيدي وصلها مسلم ومتابعة سليمان ابن كثير وصلها أبو داود ومتابعة النعمان بن راشد وصلها أحمد بن حنبل ورواية معمر وصلها أحمد ومسلم ووقعت لنا بعلو في مسند عبد بن حميد ورواية يونس في الزهريات للذهلي وكذا رواية بن مسافر ويحيى بن سعيد باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين متابعة إسرائيل عن أبي حصين وصلها الإسماعيلي باب من أحب لقاء الله رواية أبي داود وهو الطيالسي هي في مسنده ووصلها الترمذي ورواية عمر بن مرزوق وصلها الطبراني في الكبير ورواية سعيد عن قتادة وصلها مسلم والترمذي والنسائي ووقعت لنا بعلو في البعث لابن أبي داود باب نفخ الصور حديث أبي سعيد وصله المؤلف في التفسير باب يقبض الله الأرض رواية نافع عن ابن عمر وصلها المؤلف في التوحيد وستأتي باب من نوقش الحساب عذب متابعة بن جريج ومحمد بن سليم وصلهما معا أبو عوانة في صحيحه ومتابعة أيوب وصلها المؤلف في التفسير ورواية صالح بن رستم وصلها إسحاق بن راهويه في مسنده وأبو عوانة في صحيحه ووقعت لنا بعلو في المحامليات باب صفة الجنة والنار حديث أبي سعيد وصله المؤلف في التوحيد ورواية إسحاق بن إبراهيم عن المغيرة بن سلمة وصلها أبو نعيم في المستخرج على مسلم من طريق إسحاق بن راهويه في مسنده باب الحوض حديث عبد الله بن زيد وصله المؤلف في المناقب متابعة عاصم عن أبي وائل وصلها الحارث بن أبي أسامة في مسنده ورواية حصين وصلها مسلم ورواية أحمد بن شبيب عن أبيه وصلها أبو عوانة في صحيحه والإسماعيلي ورواية شعيب وعقيل في الزهريات للذهلي ورواية الزبيدي وصلها الذهلي أيضا والدارقطني في الأفراد وزيادة بن أبي عدي عن شعبة وصلها مسلم.


"كتاب القدر"
رواية آدم عن شعبة وصلها المؤلف في التوحيد باب جف القلم حديث أبي هريرة تقدم في أوائل النكاح باب رواية شبابة وصلها الطبراني في الأوسط باب لا مانع لما أعطى الله رواية بن جريج عن عبدة وصلها أحمد عن عبد الرزاق عنه ووقعت لنا بعلو في مستخرج أبي نعيم على مسلم


"كتاب الأيمان والنذور"حديث سعد وصله المؤلف في كتاب الإيمان في أوائل الكتاب وحديث أبي قتادة وصله في الجهاد في كتاب الخمس ورواية شعبة وصلها في المناقب ورواية إسرائيل وصلها في اللباس باب لا تحلفوا بآبائكم متابعة عقيل وصلها أبو نعيم في المستخرج على مسلم ومتابعة الزبيدي وصلها النسائي ومتابعة إسحاق الكلبي وقعت لنا في نسخته رواية يحيى بن صالح الوحاظي عنه من طريق أبي بكر بن شاذان ورواية بن عيينة رواها الحميدي في مسنده عنه ورواية معمر أخرجها أحمد عن عبد الرزاق عنه واختلف فيه على معمر ورواية أحمد هذه هي الراجحة باب لا يقول ما شاء الله وشئت رواية عمرو بن عاصم وصلها المؤلف في ذكر بني إسرائيل باب وأقسموا بالله جهد أيمانهم حديث بن عباس في قول أبي بكر وصله المؤلف في التعبير باب الحلف بعزة الله حديث بن عباس وصلها المؤلف في التوحيد وحديث أبى هريرة وصله المؤلف في الرقاق وقول أيوب عليه السلام وصله المؤلف في أحاديث الأنبياء عليهم السلام من حديث أبي هريرة ورواية شعبة عن قتادة وصلها المؤلف في التفسير باب إذا قال والله لا أتكلم اليوم حديث أفضل الكلام أربع وصله بن حبان في صحيحه من حديث سمرة بن جندب وأخرج أصله مسلم والنسائي ورواه بن حبان والنسائي من طريق أبي صالح عن أبي هريرة ورواه النسائي وجعفر الفريابي من طريق أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعا ورواه أحمد بن حنبل من طريق أبي صالح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي سفيان تقدم في أوائل الكتاب باب إذا حنث ناسيا في اليمين رواية أيوب عن ابن سيرين وصلها المؤلف في الأضاحي باب إذا حلف أن لا يأتدم رواية بن كثير عن سفيان وصلها البيهقي باب إذا حرم طعامه رواية إبراهيم بن موسى عن هشام وصلها المؤلف في التفسير باب منذر فيما لا يملك رواية الفزاري عن حميد وصلها المؤلف في الحج ورواية عبد الوهاب عن أيوب على إرسالها لم أرها وحديث بن عمر وصله في البيوع وحديث أبي طلحة وصله في الوكالة باب الكفارة قبل الحنث متابعة حماد بن زيد في التوجد ومتابعة أشهل بن حاتم عن ابن عون وصلها أبو عوانة في صحيحه والحاكم ومتابعة يونس وصلها المؤلف في الأحكام ومتابعة سماك بن عطية وصلها مسلم ومتابعة سماك بن حرب وصلها الطبراني في الكبير ومتابعة حميد وصلها البزار والطبراني ومتابعة قتادة وصلها مسلم والنسائي


"كتاب الفرائض"باب الولاء قول بن عباس في قصة بريرة رأيته يعني زوجها عبدا وصله المؤلف في الطلاق باب إذا أسلم على يديه رجل حديث الولاء لمن أعتق وصله المؤلف في الشروط من حديث عائشة وحديث تميم الداري وصله أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة والطبراني وابن أبي عاصم والدارمي والنجاد وآخرون.


"كتاب الحدود"باب قول الله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} متابعة عبد الرحمن بن خالد في الزهريات للذهلي ورواية بن أخي الزهري وصلها أبو عوانة في صحيحه ورواية معمر وصلها أحمد عن عبد الرزاق عنه وأخرجها أبو عوانة في صحيحه من طريق سعيد بن أبي عروبة عن معمر وقال قال سعيد نبأنا معمرا فرويناه عنه وهو شاب ورواية وكيع وابن إدريس على الإرسال وصلها البيهقي وأخرج بن أبي شيبة حديث وكيع في مصنفه ومتابعة بن إسحاق وصلها الإسماعيلي ورواية الليث عن نافع وصلها مسلم باب لا يرجم المجنون والمجنونة قول علي لعمر مضى في الطلاق باب الرجم بالمصلي رواية يونس وصلها المؤلف قبل ثلاثة أبواب ورواية بن جريح وصلها مسلم ووقعت لنا بعلو في مستخرج أبي نعيم عليه باب من أصاب ذنبا دون الحد رواية أبي عثمان عن ابن مسعود وصلها المؤلف في الصلاة وفي التفسير ورواية الليث عن عمرو بن الحارث وصلها البخاري في التاريخ والإسماعيلي والطبراني في الأوسط باب لا يثرب على الأمة إذا زنت متابعة إسماعيل بن أمية وصلها النسائي باب أحكام أهل الذمة متابعة على بن مسهر وصلها مسلم ومتابعة خالد وصلها المؤلف في باب رجم المحصن ومتابعة المحاربي لم أجدها ومتابعة عبيدة وصلها الإسماعيلي قوله: "وقال بعضهم بعد سورة المائدة هذه رواية أحمد بن منيع في مسنده عن عبيدة بن حميد عن أبي إسحاق باب من أدب أهله حديث أبي سعيد وصله المؤلف في الصلاة باب كم التعزير متابعة شعيب وصلها المؤلف في الصيام ومتابعة يحيى بن سعيد وصلها الذهلي في الزهريات ومتابعة يونس وصلها مسلم ومتابعة عبد الرحمن بن خالد ستأتي في الأحكام


يتبع
ربنا تقبل منا

اخت مسلمة
06-09-2009, 12:12 AM
"كتاب الديات والمحاربين"
رواية حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير وصلها البزار والطبراني والدارقطني في الأفراد باب قول الله ومن أحياها حديث أبي بكرة وصله المؤلف في الحج وغيره وحديث بن عباس وصله أيضا في الحج والفتن وحديث أبي موسى وصله المؤلف في الفتن باب من قتل له قتيل رواية عبد الله بن رجاء وصلها البيهقي ومتابعة عبيد الله بن موسى وصلها مسلم قوله: "وقال بعضهم عن أبي نعيم القتل يعني بالقاف والتاء المثناة من فوق أراد به محمد بن يحيى الذهلي هكذا أخرجه الجوزقي من طريقه باب القصاص بين الرجال والنساء قوله: "وجرحت أخت الربيع إنسانا يشير إلي حديث أخرجه مسلم من حديث حماد بن سلمة


"كتاب الإكراه وترك الحيل"حديث الأعمال بالنية مضى القول فيه في الطلاق باب يمين الرجل حديث المسلم أخو المسلم وصله المؤلف في الباب وحديث قال إبراهيم لامرأته هذه أختي وصله في المظالم وغيرها باب إذا غصب جارية حديث أموالكم عليكم حرام وصله المؤلف في الإيمان والحج وحديث لكل غادر لواء وصله في الباب باب احتيال العامل حديث بيع المسلم لا داء ولا خبثه تقدم الكلام عليه في البيوع من حديث العداء بن خالد.


"كتاب التعبير"باب الرؤيا الصالحة رواية ثابت وصلها مسلم ورواية حميد وصلها أحمد ورواية إسحاق بن عبد الله وصلها المؤلف بعد باب ورواية شعيب بن الحبحاب وصلها بن منده في كتاب الروح له ووقعت لنا بعلو في الرابع من حديث أبي جعفر الرزاز باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم متابعة يونس وابن أخي الزهري عن الزهري وصلها مسلم باب رؤيا الليل حديث سمرة وصله بعد قليل بطوله ومتابعة سليمان ابن كثير عن الزهري وصلها مسلم ووقعت لنا بعلو في مسند الدارمي ومتابعة بن أخي الزهري عنه في الزهريات للذهلي ومتابعة سفيان ابن حسين وصلها أحمد في مسنده ورواية الزبيدي وصلها مسلم ورواية شعيب وإسحاق بن يحيى في الزهريات ورواية معمر وصلها مسلم وأخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده مبينا باب القيد في النوم رواية قتادة وصلها مسلم ورواية يونس وصلها البزار ورواية هشام وصلها أحمد وإسحاق في مسنديهما ومسلم ووقعت لنا بعلو في أمالي أبي بكر النجاد ورواية أبي هلال لم أرها وقد بينت موضع الإدراج فيه في كتابي في المدرج باب نزع الماء من البئر حديث أبي هريرة وصله المؤلف في الباب الذي يليه باب من كذب في حلمه رواية قتيبة عن أبي عوانة وقعت لنا في نسخة قتيبة رواية النسائي عنه ورواية شعبة وصلها الإسماعيلي ومتابعة هشام عن عكرمة الموقوفة لم أرها.


"كتاب الفتن"حديث عبد الله بن زيد وصله المؤلف في المغازي وحديث سترون بعدي أمورا تنكرونها وصله المؤلف في الباب بعده باب ظهور الفتن رواية شعيب وصلها المؤلف في الأدب ورواية يونس وصلها مسلم ورواية الليث وصلها الطبراني في الأوسط ورواية بن أخي الزهيري وصلها الطبراني في الأوسط أيضا ورواية أبي عوانة عن عاصم لم أرها باب إذا التقي المسلمان بسيفيهما رواية مؤمل وهو بن إسماعيل عن حماد بن زيد وصلها أحمد في مسنده ورواية معمر وصلها مسلم والنسائي والإسماعيلي ورواية بكار بن عبد العزيز وصلها الطبراني في الكبير ورواية غندر أخرجها أحمد عنه ومسلم ورواية سفيان الموقوفة عن منصور وصلها النسائي باب من كره أن يكثر سواد الفتن رواية الليث عن أبي الأسود تقدمت في سورة النساء باب


"كتاب الأحكام"باب الأمراء من قريش متابعة نعيم بن حماد وصلها الطبراني باب ما يكره من الحرص على الإمارة رواية محمد بن بشار لم أرها حديث خذي ما يكفيك وصله المؤلف بهذا اللفظ في كتاب النفقات باب الشهادة على الخط قوله: "وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل خيبر أشار بهذا إلى حديث سهل بن أبي حثمة في قصة محيصة وقد وصله المؤلف في باب كتاب الحاكم إلي عماله باب من حكم في المسجد رواية يونس وابن جريج تقدما في الحدود ورواية معمر وصلها المؤلف فيه باب الشهادة تكون عند الحاكم قول عمر في الرجم وصله المؤلف في حديث السقيفة وقصة ماعز وصلها المؤلف في الحدود ورواية عبد الله عن الليث في قصة أبي قتادة وقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني قال لي عبد الله وهو بن صالح قوله: "وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم الظن وقال إنما هذه صفية أشار بهذا إلي الحديث الآتي ورواية شعيب وصلها المؤلف في الأدب ورواية بن مسافر في الخمس ورواية بن أبي عتيق في الاعتكاف ورواية إسحاق الكلبي في الزهريات للذهلي باب أمر الوالي رواية النضر ووكيع تقدما في المغازي ورواية أبي داود وهو الطيالسي وقعت لنا في مسنده رواية يونس بن حبيب عنه ورواية يزيد بن هارون وصلها أبو عوانة في صحيحه والبيهقي باب بيع الإمام علي الناس قوله: "وقد باع النبي صلى الله عليه وسلم مدبرا من نعيم بن النحام أشار به إلى حديث جابر في هذه القصة وقد وصله في البيوع باب هدايا العمال زيادة هشام بن عروة تقدمت في الجمعة باب ترجمة الحكام رواية خارجة بن زيد عن أبيه وصلها البخاري في التاريخ ووقعت لنا بعلو في حديث الفاكهي ووقعت لنا بعلو من وجه آخر عن زيد بن ثابت في جزء هلال الحفار باب بطانه الإمام رواية سليمان عن يحيى وصلها الإسماعيلي ورواية سليمان عن ابن أبي عتيق وموسى بن عقبة وصلها البيهقي ووقعت لنا بعلو في حديث يحيى المزكي ورواية شعيب وقعت لنا من طريق علي بن محمد الجكاني عن أبي اليمان عنه ورواية الأوزاعي وصلها أحمد وابن حبان والحاكم ورواية معاوية بن سلام وصلها النسائي ورواية بن أبي حسين وسعيد بن زياد عن أبي سلمة لم أرها ورواية عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوأن ابن سليم وصلها النسائي والإسماعيلي ووقع لنا بعلو في حديث أبي الأحوص العكبري باب بيعة النساء حديث بن عباس في ذلك وصله المؤلف في تفسير سورة الممتحنة ورواية الليث عن يونس في الزهريات باب قوله: "ليت كذا وكذا حديث عائشة وصله المؤلف في الهجرة باب كراهية تمني لقاء العدو رواية الأعرج عن أبي هريرة وصلها المؤلف في الجهاد باب ما يجوز من اللو رواية إبراهيم بن المنذر عن معن ابن عيسى لم أرها ومتابعة سليمان ابن المغيرة عن ثابت وصلها مسلم ووقعت لنا بعلو في مسند عبد بن حميد ومتابعة أبي التياح عن أنس وصلها المؤلف في المغازي ورواية الليث عن عبد الرحمن بن خالد في الزهريات باب إجازة خبر الواحد حديث بن عباس وصله المؤلف في العلم وغيره باب وصاة النبي صلى الله عليه وسلم وفود العرب حديث مالك بن الحويرث وصله قبل في باب إجازة خبر الواحد


"كتاب الاعتصام"متابعة قتيبة عن ليث وصلها الترمذي والإسماعيلي ورواية أبي بكر وصلها المؤلف في باب استتابة المرتدين ورواية عبد الله وهو بن صالح أخرجها أبو عبيد في كتاب الأموال له عنه ووقع لنا في هذا المكان من رواية أبي ذر الهروي قال لي عبد الله باب من آوى محدثا حديث على أسنده المؤلف في أواخر الحج باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسئل حديث بن مسعود أسنده المؤلف في التفسير باب ما جاء من اجتهاد القضاة متابعة بن أبي الزناد وصلها الطبراني ووقعت لنا يعلو من رواية المحاملي عن البخاري عن الأويسي عنه باب الحض على الاتفاق زيادة الليث عن يونس وصلها البيهقي في الصلاة وحديث سهل بن سعد في فضل أحد تقدم في الزكاة ورواية هارون بن إسماعيل عن علي بن المبارك أخرجها عبد بن حميد في مسنده عنه باب وكذلك جعلناكم أمة وسطا رواية جعفر بن عون جزم أبو نعيم بأنها معلقة وقد أخرجها عبد بن حميد في مسنده عنه باب إذا اجتهد العامل حديث من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وصله بهذا اللفظ مسلم من حديث عائشة وأصله عند البخاري باب أجر الحاكم رواية عبد العزيز بن المطلب المرسلة لم أجدها باب الأحكام التي تعرف بالدلائل رواية بن عفير عن ابن وهب تقدم الكلام عليها في الصلاة وكذا حديث الليث وأما حديث أبي صفوان فوصله المؤلف في الأطعمة وزيادة الحميدي عن إبراهيم بن سعد وصلها المؤلف عنه في فضل أبي بكر باب كراهية الخلاف رواية يزيد بن هارون عن هارون الأعور قال الدارمي في مسنده حدثنا أبو النعمان حدثنا هارون الأعور وحدثنا يزيد بن هارون أخبرنا همام جميعا عن أبي عمران فيحرر هذا باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم حديث أم عطية نهينا عن أتباع الجنائز وصله المؤلف في الجنائز ورواية محمد بن بكر عن ابن جريج تقدم الكلام عليها في حجة الوداع وفي الحج باب قول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وأمرهم شورى بينهم حديث شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في الخروج وصله أحمد والحاكم والطبراني بتمامه والنسائي وابن ماجة مختصرا من حديث بن عباس ووصله أحمد أيضا والدارمي والنسائي من طريق جابر حديث شاور النبي صلى الله عليه وسلم عليا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة هو طرف من حديث الإفك وقد تقدم في المغازي وفي التفسير ورواية أبي أسامة تقدمت في التفسير أيضا وقصة جلد الرامين وصلها أبو داود وأحمد والترمذي والبيهقي من طريق بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة وحديث أبي بكر في قتال مانعي الزكاة تقدم في الزكاة وحديث "من بدل دينه فاقتلوه" وصله المؤلف في الجهاد من حديث بن عباس وقوله: "وكان القراء أصحاب مشورة عمر وصله المؤلف في تفسير الأعراف


"كتاب التوحيد"زيادة إسماعيل بن جعفر عن مالك مضت في فضائل القرآن باب قول الله عز وجل {مَلِكِ النَّاسِ} حديث بن عمر يأتي قريبا ورواية شعيب تأتي أيضا ورواية الزبيدي وصلها بن خزيمة ووقعت لنا بعلو في جزء بن جوصا ورواية بن مسافر وصلها المؤلف في التفسير ورواية إسحاق بن يحيى في الزهريات باب قول الله تعالى {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} حديث أنس وصله المؤلف في الأيمان والنذور وبقية التعاليق التي في هذا الباب تقدمت فيه باب {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} رواية الأعمش عن تميم بن سلمة وصلها أحمد في مسنده وابن منده في التوحيد باب السؤال بأسماد الله متابعة يحيى بن سعيد وجميع ما ذكر معها تقدم في الدعوات ومتابعة محمد بن عبد الرحمن والدراوردي وأسامة بن حفص تقدمت أيضا في الذبائح باب قول الله تعالى {الْخَالِقُ الْبَارِئُ} رواية مجاهد عن قزعة وصلها مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ووقعت لنا بعلو في الزيادات ورواية سعيد وهو بن داود عن مالك وصلها اللالكائي في السنة والدارقطني في الغرائب ورواية عمر بن حمزة وصلها مسلم ووقعت لنا بعلو في مسند عبد بن حميد ورواية أبي اليمان وصلها بن خزيمة في التوحيد ووقعت لنا بعلو في مسند الدارمي باب رواية عبيد الله بن عمرو وصلها الدارمي في مسنده باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} رواية الليث عن ابن مسافر تقدمت في تفسير براءة ورواية الماجشون وصلها أبو داود الطيالسي في مسنده وفيه رد على أبي مسعود الدمشقي حيث زعم أن البخاري وهم فيها باب قول الله تعالى {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ} رواية أبي حمزة عن ابن عباس تقدمت في إسلام أبي ذر ورواية خالد بن مخلد وصلها الجوزقي في المتفق باب قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} رواية حجاج بن منهال وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرج ورواية قيس بن سعد عن طاوس وصلها مسلم وأصحاب السنن ورواية أبي الزبير عنه وصلها مالك ومسلم باب ما جاء في قوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} رواية همام وصلها المؤلف في صفة الجنة باب قول الله {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} حديث سعيد بن المسيب عن أبيه وصله المؤلف في المغازي ورواية أحمد بن صالح في الزهريات للذهلي باب ولا تنفع الشفاعة عنده رواية مسروق عن ابن مسعود وصلها المؤلف في خلق أفعال العباد ووقع لنا بعلو في جزء هلال الحفار وحديث جابر عن عبد الله بن أنيس وصله أحمد وأبو يعلى والطبراني وهو في الأدب المفرد للبخاري مطول وفي خلق أفعال العباد بلفظ التعليق باب قول الله أنزله بعلمه زيادة الحميدي في مسنده كما علق البخاري باب قول الله {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} رواية خليفة وقع في رواية أبي ذر الهروي قال لي خليفة باب كلام الرب مع الملائكة رواية آدم عن شيبان لم أجدها باب قول الله تعالى {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} حديث بن مسعود أسنده المؤلف في هجرة الحبشة باب قول الله تعالى {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} حديث أبي هريرة وصله أحمد وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم من حديث أبي هريرة باب قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله حراما إلي قوم وصله المؤلف في الجهاد ورواية محمد عن أبي عامر العقدي لم أرها لكن أخرج الإسماعيلي الحديث من رواية أحمد بن ثابت الجحدري عن أبي عامر باب قول الله {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ} قوله: "وسمي النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان عملا يشير إلى حديث بن مسعود سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل قال إيمان بالله وقد علقه هنا ووصله في الباهلي الذي بعده وستأتي الإشارة إليه من حديث أبي ذر وأبي هريرة أيضا وأشار أيضا إلى حديث بن عمر بني الإسلام على خمس فإن فيه تسمية الإسلام عملا وحديث أبي هريرة في قصة بلال وصله المؤلف في كتاب صلاة الليل قوله: "وسمي النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عملا ذكر معني ذلك في الباب وحديث "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وصله في الصلاة من حديث عبادة بن الصامت باب رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه رواية معتمر عن أبيه وصلها مسلم وابن حبان في صحيحه وزاد في آخر الحديث فالله أوسع بالمغفرة ووقع لنا بلعو في فوائد أبي الحسن العقيقي باب ما يجوز من تفسير التوراة حديث بن عباس عن أبي سفيان ابن حرب تقدم في الإيمان والتفسير والجهاد وغير موضع موصولا ومعلقا باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة وصل المؤلف هذا الحديث من رواية سعد بن هشام عن عائشة في التفسير بغير هذا اللفظ ووصله مسلم بهذا اللفظ وحديث "زينوا القرآن بأصواتكم" وصله في كتاب خلق أفعال العباد وخارج الصحيح من حديث البراء بن عازب من طرق ووقع لنا بعلو في مسند الدارمي وأسنده أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجة ورواه بن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة ورواه بن أبي داود في المصاحف من حديث بن عباس ورويناه في الأول من حديث بن السماك من حديث بن مسعود موقوفا باب قول الله تعالى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} حديث كل ميسر لما خلق له وصله المؤلف في القدر وفي التفسير من حديث على بن أبي طالب باب قول الله تعالى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} قوله: "وسمي النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عملا تقدم قريبا وحديث أبي ذر أي الأعمال أفضل وصله المؤلف في العتق وحديث أبي هريرة في ذلك وصله المؤلف في الإيمان والحج وحديث وفد عبد القيس وصله في الباب من حديث بن عباس قرأت على عبد القادر بن محمد بن علي سبط الذهبي عن أحمد بن علي بن الحسن العابد فيما قرئ عليه وهو يسمع أن محمد بن إسماعيل الخطيب أخبرهم أنبأنا أبو الحسن علي بن حمزة أنبأنا أبو القاسم الشيباني أنبأنا أبو طالب بن غيلان حدثنا أبو بكر الشافعي أخبرنا محمد بن إسحاق بن الحسن الحربي حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن رجل عن مجاهد في قوله: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} قال العدل بالرومية ورواه الفريابي في تفسيره عن ورقاء بن عمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله آخر ما في الصحيح من الأحاديث المعلقة المرفوعة وقد بينت ما وصله منها في مكان آخر من كتابه مع تعيينه وما لم يوصله هو في مكان آخر من كتابه ووصله في مكان من كتبه التي هي خارج الصحيح بينته أيضا وما لم نقف عليه من طريقه بينت من وصله إلى من علق عنه من الأئمة في تصانيفهم وقد استوفيت جميع ذلك بطرقه واختلاف ألفاظه في التخريج الكبير فتصير هذه الأوراق التي لخصت في هذه المقدمة كالعنوان لذلك التخريج ومن تأمل هذا الفصل حق تأمله عرف سعة حفظ البخاري وكثرة روايته وجودة استحضاره وقوة ذاكرته رحمه الله تعالى ورضي عنه وكرمه والله الموفق لا إله إلا هو وهذا الفصل من النفائس المستجادة وهو مستحق لأن يفرد بالتصنيف فمن أراد إفراده فليبدأ بحمد الله تعالى والثناء عليه بأن يقول الحمد لله واصل من انقطع إليه ورافع من وضع حد التواضع متوكلا عليه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الذي أوتى جوامع الكلم واشتهر من نصيحته للأمة ما تيقن وعلم وعلى آله وصحبه نجوم الهدى ومصابيح الاقتدا أما بعد فهذا مختصر جعلته كالعنوان لكتابي تغليق التعليق الذي وصلت فيه تعاليق البخاري في صحيحه وأوضحت فيه ما يحتاج إليه الطالب من تضعيف الحديث وتصحيحه ليرجع إليه من هذا المختصر بأدنى نظر المتأمل ويعول على نسبة الحديث إلى مخرجه من أراد أن يعول هذا آخر الخطبة ويكتب بعد ذلك والمراد بالتعليق إلى أن ينتهي إلى آخر هذا الفصل لمن أراد أن يقف على ذلك بأدنى تحصيل والله تعالى يهدينا جميعا إلى سواء السبيل.


الفصل الخامس: في سياق ما في الكتاب من الألفاظ الغريبة على ترتيب الحروف مشروحاحرف الألف
...
الفصل الخامس: في سياق ما في الكتاب من الألفاظ الغريبة على ترتيب الحروف مشروحا
وقد ذكرت كثيرا منه على ظاهر لفظه غير مراع لأصل مادته تيسيرا للكشف ونبهت على بعض ذلك كما ستراه وأوردت فيه كثيرا وإن كان مذكورا في الأصل لتتم الفائدة في موضع واحد.
حرف الألف
"فصل أا" قوله: "آآآ" كذا وقع مهموزا ممدودا في حديث عبد الله بن مغفل وهو حكاية ترجيعه صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة الفتح قوله : "أوابد" هو جمع آبدة وزن فاعلة يقال أبدت تأبد إذا توحشت ويقال جاء فلان بآبدة إذا جاد بأمر مشكل قوله : "ماء آجن" أي متغير الريح قوله : "آخرة الرحل" بكسر المعجمة وهو عود في مؤخره وهو ضد قادمته قوله : "آدر" أي به أدرة بالقصر وفتح الراء وهو العظيم الخصيتين ويقال بضم الهمزة وسكون الدال قوله : "آدم" في صفة موسى وفي صفة نبينا ليس بالآدم جمعه أدم بالضم وسكون الدال وهو اللون الذي بين البياض والسواد قوله : "ولا يؤده أي ولا يثقله يقال آده يؤده إذا أثقله والآد والأيد القوة قوله : "آسن" في صفة الماء أي متغير قوله : "وآل فلان" أي أهل فإذا صغروا آل ردوه إلى الأصل فقيل أهيل قوله : "آمين" بالمد ويجوز قصر الهمزة وأنكره ثعلب والميم مخففة ويجوز تشديدها وأنكره الأكثرون والنون مفتوحة على كل حال ويقال في فعله أمن الرجل بالتشديد تأمينا واختلف في معناها فقال عطاء هو دعاء وقيل كذلك يكون وقيل هو اسم الله وقيل أصله أمين بالقصر فدخل عليه حرف النداء فكأنه قيل يا الله استجب وقيل هي درجة في الجنة تجب لمن قال ذلك وقيل هو طابع لدفع الافات وقيل غير ذلك قوله : "آنفا" أي قريبا وقيل أول وقت كنا فيه وقيل الساعة وكله بمعنى وهو من الاستئناف قوله : "آية" أي علامة وآية القرآن علامة على تمام الكلام أو لأنها جماعة من كلمات القرآن والآية تقال للجماعة
"فصل أب" قوله : "قول أم عطية بأبي" ضبطه الأكثرون بكسر الباءين وفتح الهمزة بينهما وسهل بعضهم الهمزة ياء وللأصيلي بفتح الموحدة الثانية وكذا لأبي ذر في بعض المواضع لكن مع تسهيل الهمزة وكذا لعبدوس في الحج وهذه الروايات كلها صحيحة قال ابن الأنباري معناها بأبي هو فحذف هو لكثرة الاستعمال وأصله أفديه بأبي ووقع لبعضهم بأبي بفتح الباءين معا وسكون الهمزة بينهما كأنه جعله اسما واحدا وجعل آخره مقصورا قوله : "الأب" هو ما تأكله الأنعام وقيل هو المتهيء للرعي ومنه قول قس بن ساعده فجعل يرتع أبا قوله: "الأبتر" يأتي في الباء قوله : "للأبد" الأبد هو الدهر وقوله : "لا بد أبد" المراد المبالغة في دوام ذلك قوله : "الأباريق" هي المعروفة وقيل ما كان ذا أذن وعروة فهو إبريق وإلا فهو كوب وقيل الإبريق ما له خرطوم فقط وقيل مشتق من البريق فيذكر في الموحدة قوله : "نخل أبرت" وقوله : "أبرها ويؤبرون":
بالتخفيف على الأشهر وبالتشديد والاسم الأبار وهو التلقيح قوله : "لم يئتبر" كذا عند بن السكن بتقديم الهمزة والمشهور عكسه وسيأتي قوله : "أبزن" بفتح أوله قيده القابسي وذكره ثابت بكسرها وهي كلمة فارسية صفة حوض صغير أو قصرية من فخار أو حجر منقور وقال أبو ذز كالقدر يسخن فيه الماء وأنكره عياض قال وإنما أراد أنس أنه يتبرد فيه قلت ولا يمتنع أن يكون أصل اتخاذه للتسخين ثم استعمل للتبريد حيث لا نار قوله : "الأبطح" هو مسيل الماء فيه دقاق الحصي وهو البطحاء أيضا ويضاف إلي مكة ومنى وهو واحد وهو إلى مني أقرب منه إلى مكة كذا قال ابن عبد البر وغيره من المغاربة وفيه نظر قوله : "أبق" بفتح الباء ويجوز كسرها أي هرب وقوله : "أبابيل" أي مجتمعة متتابعة قوله : "أبلسوا" أي أيسوا وقوله : "ألم تر الجن وإبلاسها أي تحيرها ودهشتها والإبلاس الحيرة والسكوت من الحزن أو الخوف وقال القزاز أبلس ندم وحزن قوله : "أبنوا أهلي" بتخفيف الباء أي اتهموهم وذكروهم بالسوء ووقع عند الأصيلي بالتشديد قال ثابت التأبين ذكر الشيء وتتبعه والتخفيف بمعناه ووقع عند عبدوس بتقديم النون وهو تصحيف لأن التأنيب اللوم وليس هذا موضعه وقوله : "نأبنه" نرقيه أي نطبه برقى وهو حجة لمن قال إنه قد يستعمل في غير الشر قوله : "أبهرى الأبهر" عرق في الظهر وقيل هو عرق مستبطن القلب فإذا انقطع لم تبق معه حياة وقيل غير ذلك قوله : "الأبواء" بفتح الهمزة وسكون الموحدة قرية من الفرع من عمل المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا قيل سميت بذلك للوباء الذي بها ولا يصح ذلك إلا على القلب قوله : "حتى يأتي أبو منزلنا" أي صاحبه قوله : "إنا إذا صيح بنا أبينا" كذا للأصيلي بموحدة أي أبينا الفرار ولغيره بالمثناة أي أجبنا الداعي قوله : "وكانت بنت أبيها" أي في الشهامة وقوة النفس قوله : "لا أبالك" كلمة حث على الفعل أي اعمل عمل من لا معاون له
"فصل ات" قوله : "في حديث الهجرة أتينا" على البناء للمفعول أي أدركنا وقوله : "الطريق" المئتاء بكسر الميم بعدها همزة ساكنة وقد تسهل وبالمد أي محجة مسلوكة قوله: "أتى" بالقصر أي جاء وبالمد أي أعطى وقال ابن عباس في قوله: تعالى {ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} أي أعطيا {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} أي أعطينا قال عياض ليس أتى هنا بمعنى أعطى وإنما هو بمعنى جاء ويمكن تخريجه على تقريب المعنى بأنهما لما أمرتا بإخراج ما فيهما فأجابتا كان كالإعطاء فعبر بالإعطاء عن المجيء بما أودعتاه قوله : "لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر أو آتيه" كذا لأبي ذر من الإتيان بلفظ المتكلم وللباقين وابنه بالموحدة والنون وقيل هو وهم وليس كذلك بل هو الصواب بدليل الرواية الأخرى أن ادعوا أباك وأخاك قوله : "كنا عند أبي موسى فأتى ذكر دجاجة" كذا لأبي ذر بفتح همزة أتى وللأصيلي بضمها وهو الصواب فإن التقدير أتى بدجاجة وذكر بلفظ الفعل الماضي كأن الراوي شك في المأتى به لكنه حفظ كونه دجاجة قوله : "في حديث الحديبية فإن يأتونا كان قد قطع الله عينا من المشركين" كذا للأكثر من الإتيان ولابن السكن بموحدة وبعد الألف مثناة مشددة من البتات أي قاطعونا قوله : "أتان" هي الأنثى من الحمر وقوله : "على حمار أتان" ضبطه الأصيلي بالتنوين فيهما على أن أحدهما بدل من الآخر بدل البعض من الكل لأن لفظ الحمار يطلق على الذكر والأنثى وضبط في رواية أبي ذر بالإضافة أي حمار أنثى وقيل المراد وصفه بالصلابة لأن الأتان من أسماء الحجارة الصلبة قوله : "أترجة" واحدة الأترج وهو معروف مشدد الجيم أو بنون ساكنة قبل الجيم ووقع في تفسير يوسف ولا يعرف في كلام العرب الأترج وليس المراد بذلك النفي المطلق وإنما أراد أنه لا يعرف في كلامهم تفسير المتكابه لا أنه نفى اللفظة من كلام العرب فإنها ثابتة في الحديث
"فصل اث" قوله: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} أي يبالغ وقيل يغلب والمراد المبالغة في قتل الكفار يقال أثخنه المرض إذا أوهنه وقول عائشة حتى أثخنت عليها أي بالغت في إفحامها ولبعضهم بالمهملة قبلها نون وهو أصوب وسيأتي قوله : "لولا أن يأثروا" أي ينقلوا يقال أثرت الحديث بالقصر آثره بالمد وضم المثلثة أثرا بسكونها إذا حدثت به وقوله : "ذاكرا ولا آثرا" أي ناقلا وقال مجاهد أو أثارة من علم أي يأثر علما وقوله : "على إثر واحدة منهما" بكسر الهمزة وسكون المثلثة وبفتحها أيضا أي بعدها وقوله : "ينسأ له في أثره" أي يؤخر له في أجله قوله : "لأوثرنه على نفسي" أي لأقدمنه وقوله : "آثر ناسا في القسمة" أي فضلهم ومنه فآثر التويتات كذا للأكثر ولبعضهم فأين التويتات وهو تصحيف قوله : "ستكون بعدي أثرة" بضم الهمزة وسكون الثاء وبفتحهما أيضا قال الأزهري هو الاستئثار أي يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل عليكم غيركم ومنه قول عمر ما استأثر بها عليكم وفي حديث البيعة وعلى أثرة علينا وهي بفتحتين قوله : "من أثل الغابة" بفتح أوله قال ابن عباس هو الطرفاء وقيل ما عظم منه قوله : "تأثلته" أي اتخذته أصلا وأثلة الشيء بضم الهمزة وسكون الثاء أصله ومنه قوله: "غير متأثل ما لا" قوله : "آثم عند الله" أي أعظم إثما وقوله : "تأثيما وتأثما" أي تحرجا من الإثم وكذا قوله : "تأثموا منه" وقوله : "كرهت أن أوثمكم" أي أدخل عليكم إثما بسبب ما يدخل عليكم من المشقة الداعي إلى التسخط ومنه قوله : "حتى يؤثمه" أي يدخله في الحرج قوله : "المأثم" أي الأمر الذي يوجب الإثم أو هو نفس الإثم وضعا للمصدر موضع الاسم قوله: {يَلْقَ أَثَاماً} أي عقوبة قوله : "أثاثا" أي مالا
"فصل أج" قوله: "الأجاج" أي المر قوله: "أجج نارا" بالتشديد أي أشعلها حتى سمع لها صوت وهو من الأجيج قوله : "ما أجد" بفتح أوله وضم ثانيه وتشديد الدال أي اجتهد في القتال ولبعضهم بفتح أوله وكسر الجيم مخففا من الوجدان والأول أقوى قوله : "أجرنا من أجرت" يقال أجار يجير إجارة وقوله : "أجره الله" بالقصر وأجره بالمد يأجره بالضم من الأجر ومن الإجارة للأجير قوله : "ولا يجيز يومئذ إلا الرسل" يقال أجاز الوادي يجيز إجازة إذا قطعه سيرا ومنه أول من يجيز وقوله : "حتى أجاز الوادي" ومنه فنظر ثم أجاز قوله : "قبل أن تجيزوا علي" أي تكملوا قتلي وأجهز على الجريح إذا تممه قتلا قال الجوهري إنما أجهزوه بالهاء ولا يقال أجزت على الجريح قوله : "أجل أن يأكل معك" بسكون الجيم أي من أجل ويقال بكسر الهمزة وأما أجل بفتحتين فمعناه نعم بسكون آخره والأجل بفتحتين أيضا الغاية من كل شيء ويطلق على العمر قوله: "أجم" بضمتين أي حصن والجمع آجام بالمد وبكسر الهمزة أيضا بلا مد قوله: "أجيفوا الأبواب" أي أغلقوها من الإجافة
"فصل أح" قوله : "الأحابيش" هم أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشا والتحبيش التجميع وقال الزبير تحالفت قريش وبنو الحارث بن عبد مناف بن كنانة وعضل والقارة على بني ليث بن بكر فسموا يومئذ الأحابيش وكان ذلك أول إخراج بني ليث من تهامة قال الوافدي وكأن ابنو عبد المطلب هم الذين عقدوا حلف الأحابيش قوله : "أحد" بضمتين جبل بالمدينة معروف قوله : "الحج أحد الجهادين" بفتحتين ومن قاله بهمزة ممدودة ثم خاء مكسورة معجمة ثم راء فقد صحف قوله : "أحسوا" أي توقعوا يقال أحسست كذا أي توقعته ويجيء بمعنى ظننته ويقال حسست وأحسست وسيأتي في الحاء قوله: "فلما أحفظه" أرى أغضبه وزنا ومعنى والإحفاظ الإغضاب قوله: "الإحليل" بكسر أوله أي الذكر
" فصل أخ" قول "اخ اخ" بكسر أوله كلمة تقال للجمل ليبرك قوله : "يتأخي مناخه" ويروي يتوخى بالواو أي يقصد قوله: "إخاذات" بالكسر والتخفيف والذال معجمة أي غدران واحدتها إخاذة قوله: "يؤخذ" بفتح الهمزة وقد تسهل وتشديد الخاء عن امرأته أي يحبس عن جماعها من الآخذة بضم الهمزة وهي رقية الساحر وأصله من الربط ومنه قيل للأسير أخيذ ومنه قوله: "فلما أخذ" أي صرع وقوله : "تأخذ أمتي بأخذ القرون" كذا بالموحدة ويروي مأخذ بالميم منصوبا على التمييز أي يسلكون مسلكهم وضبطه بعضهم بموحدة بعدها همزة مكسورة ثم خاء مفتوحة ثم ذال مكسورة جمع أخذة مثل كسر وكسرة قال ثعلب يقال ما أخذ أخذه أي ما قصد قصده ومنه قوله : "أخذ أهل الجنة أخذاتهم" أي سلكوا طرقهم أو حصلوا كراماتهم قوله: "الآخر" بقصر الهمزة وكسر المعجمة أي الأبعد وقيل الأرذل وأما قوله : "في حديث العسيف واغد يا أنيس إلى امرأة الآخر" فهو بالمد وفتح الخاء قوله: "مؤخرة الرحل" بكسر الخاء المعجمة الثقيلة وأنكره ابن قتيبة وسكن الهمزة وخفف الخاء وصححه النووي وحكى التشديد قولا وفتح الأصيلي الميم وسهل الهمزة كذلك وفيه لغة أخرى آخره بالمد كما تقدم وجمع الجوهري فيها ست لغات قوله: "الأخشبين" هما جبلا مكة قعيقعان وأبو قبيس سميا بذلك لعظمهما وخشونتهما قوله: "أخفره" الإخفار الغدر وهو من الخفرة بضم ثم سكون وحقه أن يذكر في الخاء يقال أخفرته إذا لم تف بذمته وخفرته أجرته والهمزة في أخفرته للإزالة قوله: {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} أي قعد وتقاعس قوله: "ولكن إخوة الإسلام" كذا للأكثر وللأصيلي ولكن خوة الإسلام بغير ألف قال ابن الأخضر النحوي نقل حركة الهمزة إلى نون لكن ثم خرج من الكسرة إلي الضمة بسكون النون وقال ابن مالك هو بضم النون للاتباع
"فصل اد" قوله : "مأدبة" بضم الدال وفتحها أي مدعاة إلي الطعام وفي رواية القابسي ائتدب الله أي أجاب من دعاه والمشهور انتدب بنون قوله: "شيأ إدا" أي قولا عظيما قوله: "به أدرة" بضم الهمزة وسكون الدال أي عظيم الخصيتين قوله: "من أدم البيت" بالضم وسكون الدال جمع أدام ومنه قوله: "خبز مأدوم أي مضاف إليه ما يؤتدم به وهو ما يؤكل مع الخبز ما كان وقوله : "فأدمته" بالمد وبالقصر وتخفيف الميم أي جعلت له أداما قوله: "من أديم الأرض" أي جلدها وقوله: "من أدم الرجال" بضم الهمزة وسكون الدال جمع آدم بالمد من الأدمة قوله: "أرأيت رجلا مؤديا" بهمزة ساكنة وقد تسهل واوا بعدها ياء خفيفة أي قويا على السفر أو كامل الأداة قوله : "أداة الحرب" أي السلاح وأداة كل شيء آلته قوله: "الإداوة" بالكسر هي إناء صغير من جلد يتخذ للماء والجمع أداوى بفتح الواو
"فصل اذ" قوله: "الإذخر" بكسر ثم سكون وبكسر الخاء المعجمة حشيشة معروفة طيبة الريح توجد بالحجاز قوله: "أذربيجان" بفتحتين وسكون الراء وكسر الموحدة بعدها ياء ساكنة ثم جيم وبفتح أوله


يتبع
ربنا تقبل منا

اخت مسلمة
06-09-2009, 12:15 AM
وثالثة وسكون ثانية بلدة معروفة وضبطها الأصيلي بالمد وحكى فيه أيضا فتح الموحدة قوله: "أدرح" بفتح ثم سكون ثم راء مضمومة ثم حاء مهملة قرية بالشام من أدانيه وقيل هي فلسطين قوله: "مذعنين" أي منقادين قوله: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ} أي إعلام وقوله: "أذن" صدق يصدق ما يقال وقوله: {أَذِنَتْ لِرَبِّهَا} أي سمعت وقوله: "ما أذن الله كأذنه بحركات" أي ما استمع كاستماعه وقيل ما أعلم إعلامه وقوله: "آذني" أي أعلمني وإذ تأذن أي أعلم وقوله: "فلم تؤذنوني" أي فلم تعلموني وقوله: "آذناك" أي أعلمناك وقوله: "فآذنتكم" أي أعلمتكم قوله: "لاها الله إذا" هو قسم وإذا ظرف يتعلق به لا بالذي بعده لئلا يختل الكلام ويأتي الكلام على دعوي الخطابي وغيره في أن الألف من إذا زائدة في الشرح إن شاء الله تعالى
"فصل ار" قوله: "أرايت" أي اعلمني وقوله: "أرأيتكم" أي أعلموني وسيأتي توجيهه في حرف الراء قوله: "أرب ماله" بفتح الألف الموحدة بينهما راء مكسورة وبفتح أوله وثانيه وتنوين الموحدة ولأبي ذر بفتح الجميع فمن جعله فعلا فمعناه أحتاج أو تفطن يقال أرب إذا عقل فهو أريب وقيل معناه تعجب من حرصه وقيل دعاء عليه بسقوط أرابه وهي أعضاؤه وهو كقول عمر رضي الله عنه أربت من بدنك أي تقطعت آرابك عن بدنك ومن جعله اسما فمعناه حاجة جاءت به وتكون ما فيه زائدة وأنكر عياض توجيه رواية أبي ذر ووجهها بن الأثير بأن معناه أنه ذو خبرة وعلم قوله: "أملككم لإربه" بكسر ثم سكون قال الخطابي كذا يقول أكثر الرواة والإرب العضو قال وإنما هو لأربه بفتحتين أي لحاجته أه وقد قالوا أيضا الأرب بالسكون الحاجة وقوله: "بكل إرب منه إربا منه" المراد هنا العضو وكذا قوله: "يسجد على سبعة آراب" وقوله: "غير أولى الأربة" أي النكاح قال طاوس الحاجة إليه وقال ابن عباس ولي فيها مآرب أي حاجات قوله: "على إرث من إرث ابراهيم" أي على بقية من شريعته قوله: "أرجئه" أي آخره ترجئ أي تؤخر قوله: "على أرجائها" أي ما لم يتشقق منها وقيل على نواحيها قوله: "أرجوحة" هو حبل يشد طرفاه في موضع عال ثم يحرك راكبه قوله: "الأرجوان" بضم أوله وثالثه وسكون الراء بينهما هو الشديد الحمرة قوله: " أريحاء" بوزن فعيلاء هي قرية الغور بقرب بيت المقدس قوله: "أردبها" هو كيل معروف بمصر قدر خمسين صاعا قوله: "الأرزة" بفتح أوله وسكون ثانيه بعدها زاي هي شجرة قوية عظيمة قيل هي شجرة الصنوبر قوله: "الأرز" فيه ست لغات فتح الهمزة وضمها وضم الراء وسكونها وبحذف الهمزة والراء مضمومة بعدها زاي مشدة أو نون ساكنة بدل التشديد قوله: "ليأرز" يقال أرز بكسر الراء يأرز مثلثة الرأي أي ينضم ويجتمع قوله: "إثم الأريسيين" بفتح أوله وكسر الراء وتشديد الياء بعد المهملة وللنسفى بياء بدل الهمزة الأولى وفيه روايات أخرى خارج الصحيح وهو نسبة إلى أريس قيل هم أتباع عبد الله بن أريس وكان قد ابتدع فيهم دينا وقيل هم الملوك الذين يخالفون أنبياءهم وقيل هم الفلاحون والأتباع وبه جزم الليث بن سعد ويؤيده ما في بعض رواياته فإن عليك إثم رعاياك قوله: "بئر أريس" هي معروفة بالمدينة إلى الآن كأنها نسبت إلى بانيها قوله: "الأرش" بفتح ثم سكون ثم شين معجمة هو ما يأخذه المشتري إذا اطلع على عيب في السلعة قوله: "من أهل الأرض" أي من أهل الذمة قيل لهم ذلك لأنهم أقروا بأرضهم على أن يعطوا الجزية وجمع الأرض أرضون بفتح الراء قوله: "بنى أرفدة" هم الحبشة نسبوا إلى جد لهم قوله: "أرق" بكسر الراء وفتحها أي سهر والاسم الأرق
بالفتح وقوله: "أرقت الماء وجعل يريق" تكرر في الحديث وجاء بالهاء والأصل الهمزة من الإراقة وهي الصب قوله: "أركوا هذين" أي أخروا وأصله الراء لأنه من ركا قوله: "الأراك" هو شجر معروف طيب الريح يستاك به وهو علم على موضع بعرفات معروف قوله: "الأريكة" واحدة الأرائك وهي السرر قيل هي التي في الحجال وقال الأزهري كل ما اتكىء عليه فهو أريكة قوله: "إرمينية" بكسر ثم سكون ثم كسر ثم ياء ساكنة ثم نون مكسورة ثم ياء خفيفة مفتوحة بلدة كبيرة معروفة قوله: "أرنبته" أرنبة الأنف طرفه المحدد قوله: "أنفجنا أرنبا" أي أثرناه والأرنب دويبة معروفة قوله: "اعجل أو آرن" بكسر الراء وسكون النون بوزن أقم للنسفى ولغيره بسكون الراء وكسر النون وضبطه الأصيلي بكسرها وإثبات الياء وقال الخطابي الصواب فيه أيرن فعل أمر من الأرن وهو الإسراع وقد يكون بوزن أطع من أران القوم إذا هلكت مواشيهم أو بوزن أعط بمعنى أدم الحز من رنوت إذا أدمت النظر أو يكون أرن بمعنى هات وقال الزمخشري كل من علاك وغلبك فقد ران بك ورين بفلان ذهب به الموت وأران القوم بمواشيهم أي ذهبوا بها فمعنى أرن أي صر ذا رين في ذبيحتك قوله: "إن بعض النخاسين سمي آرى خراسان وسجستان هو بهمزة مفتوحة ممدودة وراء مكسورة وياء مشددة كذا ضبطه الجرجاني وهو مربط الدابة وقيل معلفها وقيل حبل يدفن في الأرض لتربط فيه الدابة والمعنى أن الدلال كان يسمي مربط دوابه هذا الاسم ليوهم أن الدابة جلبت من تلك البلدة ليرغب فيها وكأن المضاف سقط من الأصل كأن الأصل آرى دوابه أو كان معرفا فسقطت آلة التعريف كأنه كان فيه يسمى الآرى واللام فيه للجنس وعند المروزي أري بفتح الهمزة والراء بوزن دعا ولغيره بضم الهمزة وكلاهما وهم
"فصل از" قوله: "أزاء كذا" أي قبالته وقوله: "وأزينا العدو" أي صاففناهم وأصله الهمز يقال آزيت إلى الشيء انضممت إليه قوله: "إزره المؤمن" بالكسر والمراد الهيئة ويقوله بعضهم بالضم قوله: "أنصرك نصرا مؤزرا" أي بالغا قويا وقيل هو من وازرت صرت وزيرا قوله: "أزري" أي ظهري وأصل الإزر القوة قوله: "وكان لها أزرار في كميها" وقع في رواية الجرجاني إزار وهو خطأ والأزرار جمع زر وهو معروف قوله: "وشد المئزر" كناية عن التأهب والاستعداد قوله: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} أي اقتربت الساعة وأصل الأزف القرب
"فصل اس" قوله: "استبرق" هو ما غلظ من الديباج وهو معرب قوله: "أسد" بوزن علم أي صار كالأسد يقال أسد واستأسد قوله: "إذا أسد الأمر" يأتي في الواو قوله: "شددنا أسرهم" قال معمر بن المثنى الأسر شدة الخلق وكل شيء شددته فهو مأسور وقوله: "يأسرهم" أي يجمعهم قوله: "أسارير وجهه" يأتي في السين قوله: "أساطير" واحدتها أسطورة وأسطارة وهي الترهات وستأتي في السين قوله: "أسطوانة" أي سارية وهي الدعامة قوله: "أسيف" أي سريع الحزن وقوله: {آسَفُونَا} أي أسخطونا وقوله: "أسف" أي ندم وزنه ومعناه قوله: "أسقطوا لهاته" يأتي في السين قوله: "الأسقف" ويقال فيه سقف بضمتين معروف عند النصارى قوله: "أسكفة" بضم الهمزة والكاف بينهما سين مهملة ساكنة والفاء مشددة هي عتبة الباب
السفلى قوله: "يأتسي" أي يتبع ويقتدي وفي رواية يتأسى بوزن يتفعل وقوله: "لا تأس" أي لا تحزن فكيف آسى كيف أحزن قوله: "آساني بماله" يأتي في الواو قوله: "ماء آسن" يقال أسن الماء إذا تغير ريحه قوله: "كان علي مسيأ في شأنها" كذا للنسفى ولابن السكن وكذا هو لابن أبي خيثمة والإساءة المذكورة من جهة قوته والنساء سواها كثير ورواه أكثر رواة البخاري وكان علي مسلما في شأنها ثم اختلفوا فلبعضهم بسكون السين وكسر اللام أي لم يقل فيها شيئا فسلم ولبعضهم بالتشديد أي وقف لم يثبت ولم ينكر
"فصل اش" قوله: "أشخصه" أي نقله من مكان إلى مكان ومنه الإشخاص بكسر أوله قوله: "الأشر" بالفتح أي البطر قوله: "أشربته قلوبكم" يأتي في الشين المعجمة قوله: "الآشرة والواشرة والمؤتشرة" هي المحددة أطراف الأسنان وفي الحديث ذكر المنشار وقع بالنون وبالياء الأخيرة بهمز وبغير همز ونقل أبو زيد عن أبي عمرو بن العلاء توهين النون قوله: "الأشطاط" بفتح أوله وسكون ثانيه هو مكان تلقاء الحديبية قوله: "إشفى" مقصور بكسر الهمزة هو المثقب الذي يخرز به قوله: "وأشفيت منه على الموت" أي أشرفت
"فصل اص" قوله: "إصبع" بكسر الهمزة وفتح الموحدة ويجوز تثليث الهمزة مع تثليث الباء فتكمل تسعة وعاشرها أصبوع بضمتين وزيادة واو قوله: "إصرا" أي عهدا والإصر أيضا الإثم قوله: "الآصال" واحدها أصيل وهو العشي قوله: "استأصلت قومك" أي قتلت جماعتهم فلم تبق منهم أصلا
"فصل اط" قوله: "لا تطروني" الإطراء الإفراط في المدح ومنه يطريه قوله: "أطرتها بين نسائي" يأتي في الطاء قوله: "أطيط" قيل هو صوت المحمل عند السير وقيل صوت الإبل عن كظتها قوله: "الأطم" بضمتين هو الحصن وآطام المدينة بالمد ويقال بالكسر أيضا ويقال لما ارتفع من البناء
"فصل أع" قوله: "اع اع" حكاية الصوت الخارج عند وضع السواك في الفم قوله: "أعيا" أي تعب والاسم الإعياء
"فصل اغ" قوله: "أغروا بي" بضم أوله من الإغراء وهو التسليط وقوله: "لنغرينك" أي لنسلطنك فسره في الأصل
"فصل اف" قوله: {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} أي أنزل كذا في الأصل وهو بمعنى أسكب والاسم الإفراغ قوله: "أفشته حفصه" أي أظهرته ومنه قولها ما كنت أفشى قوله: "أفضوا" من الإفضاء وهو ملاقاة الشيء للشيء وقال ابن عباس قوله: {أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} هو كناية عن النكاح قوله: {تُفِيضُونَ فِيهِ} أي تقولون فيه كذا وهو من الإفاضة ومنه أفاض من عرفة قوله: "أف" بتشديد الفاء وضم أوله يستعمل جوابا عما يستقذر وعما يضجر منه وفيه عشر لغات ضم الهمزة مع سكون الفاء وبتشديدها بالحركات الثلاث منونا وبغير تنوين فذلك ستة وبإشباع الفتحة مع التشديد وبكسر الهمزة مع فتح الفاء المشددة وبفتح الهمزة وتشديد الفاء بعدها تاء تأنيث منونة مفتوحة أيضا وقد جمعها بن مالك في بيت فقال
فأف ثلث ونون إن أردت وأف ... أفا ورفعا ونصبا أفة قبلا
وحكى البارع ضم الهمزة في التاسعة والعاشرة بلا تنوين وقال ابن جنى لا يقال مثل العامة بكسر الفاء وإثبات
الياء وأجازة الأخفش وقال أبو البقاء من كسر جاء على الأصل ومن فتح طلب التخفيف ومن ضم أتبع ومن نون أراد التنكير ومن لم ينون أراد التعريف ومن خفف حذف أحد المثاين قوله: "الأفق" بضمتين جمعه آفاق بالمد وهي نواحي السماء والأرض وأما الأفق بفتحتين فهو جمع أفيق مثل أدم وأديم وزنا ومعنى قوله: "الافك" والأفك الثانية بفتحتين بمنزلة النجس والنجس تقول أفكهم وافكهم ويقال أفكهم بفتحتين فعل ماض بمعنى صرفهم كما قال يوفك عنه من أفك أي يصرف عنه من صرف وأما المؤتفكة فيقال ائتفكت أي انقلبت وأصل الإفك الكذب قوله: "لم يفلته" من الإفلات وهو الإطلاق
"فصل اق قوله: "أقط" بفتح الهمزة وكسر القاف وقد يسكن ويجوز ضم أوله وكسره قال عياض هو جبن اللبن المستخرج زبده وخصه بن الأعرابي بالضأن وقيل لبن مجفف مستحجر يطبخ به قوله: "أقسط" فهو مقسط من الإقساط وهو العدل قوله: "أقلعت عنه الحمى" من الإقلاع والمراد ارتفعت قوله: "أقلني" من الإقالة وهو ترك العقد قوله: "الأقاليد" جمع إقليد وهو المفتاح
"فصل اك قوله: "لو غير أكار قتلني الأكار" هو الزراع مأخوذ من الأكرة بضم وسكون وهي الحفرة بجانب النهر ليصفو ماؤها وأكرت الأرض إذا شققتها للحرث وأشار بذلك إلي الأنصار لأنهم أصحاب زرع قوله: "فأكفئت" وقوله: "لتستكفيء إناءها" الإكفاء الإفراغ قوله: "على إكاف" بكسر أوله هو كالبرذعة ونحوها لذوات الحافر قوله: "أكلة خيبر" وقوله: "أكلة أو أكلتين" بالضم اللقمة وبالفتح المصدر قوله: "تأكل القرى" أي تساق إليها غنائم القرى أو لأنها منها فتحت القرى وغنمت أموالها قوله: "على أكمة" بفتحات هي الرابية والجمع آكام بالمد وبالكسر بلا مد أيضا
"فصل ال" قوله: "ألتنا" أي نقصنا وقوله: {يَلِتْكُمْ} أي ينقصكم قوله: {إِلّاً وَلا ذِمَّةً} قال البخاري الإل القرابة وقال غيره العهد وقيل المراد به الله قوله: "فألحت القصواء" بتشديد الحاء من الإلحاح قوله: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} أي ألفوا ذلك وقال ابن عيينة أي لنعمتي وقوله: "المؤلفة قلوبهم" من التأليف وأصله التجميع وقوله: "ما أئتلفت" أي ما اجتمعت وقالوا الإيلاف العهد والذمام وأول من أخذه من الملوك لقريش هاشم بن عبد مناف قوله: "ما ألفاه السحر" أي وجده ألفوا وجدوا ألفينا وجدنا ألفيا سيدها وجدا قوله: {أَلْقَى السَّامِرِيُّ} أي صنع قوله: "أليم" مؤلم من الوجع وهو من الألم وهو في موضع مفعل وقيل هو ذو ألم قوله: "الألنجوج" بفتحتين وسكون النون وضم الجيم الأولى جاء في تفسير الألوة وهو العود الهندي ويقال بياء أوله على التسهيل وللأصيلي أنجوج بحدف اللام وهو وهم والألوة بالفتح وضم اللام والتشديد قوله: "من هذا المتألي" أي الحالف المبالغ والألية اليمين يقال آلى أي حلف والإيلاء الحلف إلى مدة معينة وهو شرعي ويقال فيه إلا أيضا قوله: "ما آلو ما أفتديت به" أي ما اقصر قوله: "ما ألوت" أي لم استطع وهو من إلا يألوا وتقول ما ألوت جهدا أي لم أدع جهدا وما ألوت نصحا ومنهم من يمده قوله: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} أي لا يقصرون في إفسادكم قوله: "وأولى الأمر" أي ذوي الأمر قوله: "إليك عني" أي تنح وأبعد عني قوله: "أليات بفتح أوله واللام جمع ألية بفتح وسكون أي المعقدة
فصل إلا بالتشديد وكسر أوله أو فتحه وإلا بالتخفيف بالفتح وبالكسر إلا بالكسر والتشديد "حرف استثناء أو استدراك وبالتخفيف للغاية ويرد بمعني مع ك قوله: "يربط إلى سارية المسجد" وبمعنى اللام ك قوله: "جئت إلى أمير السرية" وبالفتح والتشديد للتوبيخ وبالتخفيف للاستفتاح ووقع اختلاف في بعض الأحاديث بيناه في مواضعه
"فصل ام" قوله: "إما لا" تكررت وهي بكسر أوله وتشديد الميم وفتح اللام وضبطه الأصيلي بكسرها وخطأ أبو حاتم من كسرها ونسبه إلى العامة لكن خرج على الإمالة وجعل الكلمة كلها واحدة والمعنى إن كنت لا تفعل كذا فافعل غيره وكأنهم اكتفوا بذكر لا عن ذكر الفعل وأما بفتح وتخفيف "حرف استفتاح ويكون بمعني حقا وهي مركبة من همزة الاستفهام وما النافية وتفيد التقرير وهي مثل ألم ك قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} ووقع في قصة الحسن رضي الله عنه أما علمت ولبعضهم بحذف الهمزة وهي تحذف كثيرا ولا بد هنا من تقديرها قوله: {وَلا أَمْتاً} قال في الأصل هي الرابية قوله: "أمدها" أي غايتها الأمد الغاية قوله: "ويشركونا في الأمر" في رواية الجرجاني في الثمر بفتحتين وهو الأوجه قوله: "لقد أمر" بفتح ثم كسر أمر بن أبي كبشة أي عظم يقال أمر القوم إذا كثروا ومنه لقد جئت شيئا إمرا أي عظيما قوله: "تأمرتم" بوزن تفعلتم أي تشاورتم وهو من الائتمار وهو المشورة وقوله: "يأتمرون" أي يتشاورون قوله: "فإن أصابت الإمرة" بكسر أوله وسكون الميم أي الإمارة وأما الأمارة بالفتح فهي العلامة وورد لفظ الأمر كثيرا في معنى طلب الفعل وأما أمر الساعة وأمر العامة فمعناه الشأن وكذا قوله: "أولي الأمر" قوله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أي كثرناهم وقيل أمرناهم بالطاعة قوله: "في قصة السواك فلينته فأمره" بالتشديد أي استن به وللقابسي بأمره والأول أوجه قوله: "أمللت" أي أمليت وقوله: "تملى عليه" أي تقرأ وقوله: "يمليها علي كلمة كلمة" من الإملاء وهو إلقاء القول على سامعه قوله: "أمنا في ثوب" من الإمامة وقوله: {فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} أي الطريق والإمام كل ما ائتممت به واهتديت قوله: "وإمامكم منكم" قيل خليفتكم وقيل القرآن قوله: {عَلَى أُمَّةٍ} أي على إمام قاله مجاهد وقوله : {أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي دينكم وقوله: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي بعد قرن وقرئ بعد أمة بفتح الهمزة والميم المخففة بعدها هاء والأمة النسيان وللأمة معان أخرى غير هذه قوله: "لا أم لك" هي كلمة تقولها العرب عند الإنكار وقد لا يقصد بها الذم قوله: "أن تلد الأمة" أي الجارية الموطوأة وقوله: "في ولد الملاعنة وكأن ابن أمه" هو بضم أوله وتشديد الميم بعدها هاء أي يدعى إلي أمه لانقطاع نسبه من أبيه قوله: "الأمي" أي الذي لا يقرأ ولا يكتب قيل نسب إلي الأم لأن ذلك من شأن النساء غالبا قوله: "في حديث عمر بعد أن قالها أمنت للأكثر" بكسر الميم مقصورا والتاء مضمومة للمتكلم ومفتوحة على الحكاية وللأصيلي بالمد وفتح الميم قوله: "أمنا بني أرفدة" بالنصب على المصدر أي أمنتم أمنا وللأصيلي والهروي آمنا بالمد أي صادفتم وقتا أو مكانا أو بلدا ولهذا قال في آخره يعني من الأمن وقول عائشة فأممت منزلي بتشديد الميم أي فيممت وهذه الياء مسهلة من الهمزة قوله : "إلا آمن عليه البشر" أي آمنوا عند معاينته لوضوح المعجزة قوله: "إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال" قيل المراد بها التكليف وقيل بمعنى ما إذا تمكن في قلب العبد إذ قام بأداء التكاليف
فصل أن قوله: {آنَاءَ اللَّيْلِ} أي أوقاته وأحدها أني بوزن رحي وبوزن كلا ويقال أني بوزن قدر قوله: "إناء أحدكم" معروف والجمع آنية قوله: "يؤنبوني" أي يوبخوني أنبه وبخع قوله: "الانبجانية" بفتح أوله وثالثه وبكسرهما وبالتشديد والتخفيف وبالتذكير والتأنيث قال ثعلب هي كل ما كثف من الأكسية وقال غيره إذا كان الكساء بعلمين فهي الخميصة وإلا فهي الإنبجانية وأغرب بن قتيبة فقال إنما هي منبجانية نسبة إلي منبج بلد معروف بالشام ومن قالها بهمز أوله فقد غير ونقل ذلك بن عيينة عن الأصمعي وأنكره غيره قوله: "يستنبطونه" أي يستخرجونه من الإنباط وهو إخراج الماء من الأرض قوله: "أنثا بإذن الله" أي ولدا أنثى قوله: "الإنسية" قاله بن أبي أويس بفتحتين والمشهور بكسر أوله وسكون ثانيه والأنس بالفتح التأنس وجوز أبو موسى ضم أوله وهو ضد الوحشية قوله: "استأنس يا رسول الله" هو بالاستفهام أي أنبسط من الأنس قوله: "فحمى أنفا" بفتحات أي حمية وغضبا ويروي بسكون النون قوله: "أنفذه لنا ابن الأصبهاني" يعني بعثه فكأنه رواه عنه بالمكاتبة أو المراد أنه مر فيه إلى آخره من النفوذ لا من الإنفاذ قوله: "الأنام" أي الخلق قوله: "أنين الصبي" أي الصوت الضعيف قوله: "أناه" أي وقته ومنه ألم يأن للرجل يقال أني يأني وآن يئن ونال الكل بمعني أي قرب قوله: "استأنيت بهم" أي انتظرتهم قوله: "واليه أنيب" أي أرجع من الإنابة وهي الرجوع قوله: "أنى بأضك السلام" أي من أين قوله: "أنى شئتم" أي كيف شئتم قوله: "أنهر الدم" أي أراقة قوله: "مئنة من فقهه" أي دليل عليه كذا لأكثرهم بفتح أوله وكسر الهمزة وتشديد النون ولابن السكن مائنة بالمد
"فصل أه" قوله: "أهبة" بحركات جمع إهاب على غير قياس وفي رواية الأصيلي آهبة بكسر الهاء قبلها مدة وهو وهم قوله: "يتأهبون أهبة عدوهم" أي يستعدون لذلك ما يحتاجون له قوله: "أهلك ولا نعلم إلا خيرا" وقوله: "ليس بك على أهلك هوان" الأهل يطلق على النفس وعلى الزوج وعلى الأقارب قوله: "إهالة سنخة" بكسر الهمزة الإهالة ما يؤتدم به من الأدهان والسنخ المتغير الريح قوله: "أهوي وقوله: "يهوين" يأتي في الهاء
"فصل أو" قوله: "آب" أي رجع ومنه آيبون أرى راجعون والأواب الرجاع إيابهم أي مرجعهم كله من الأوب وهو الرجوع وقوله: "أوبي" أي سبحي قوله: "آوانا" كذلك للأكثر من الإيواء ولابن السكن أروانا من الري والأول أشهر وقوله: "آواه الله" أشهر ما يقرأ بقصر الألف ويجوز المد ثلاثيا ورباعيا معدي وغير معدي قوله: "الأوليان" واحدة أولي ومنه أولي به أي أحق وأما قوله: "أولى له" فيقال لمن حاول أمرا بعد أن فاته والعرب تقولها عند المعتبة قوله: "أوه" بتشديد الواو وكسرها أو فتحها بلا مد وهاد ساكنة كلمة يقولها الرجل عند الشكاية والتوجع قوله: "الأواه" أي الرحيم بلسان الحبشة كذا حكاه في الأصل وقيل هو المتضرع وقيل الكثير البكاء أو الدعاء وقال غيره الأواه شفقا وفرقا وقال الشاعر تأوه آهة الرجل الحزين كذا لهم بالمد وللأصيلى بغير مد وبتشديد الهاء قوله: "أوان وجدت" الأوان الزمان والوقت والحين قوله: "إني لأراه مؤمنا فقال أو مسلما" هو بسكون الواو على معنى الإضراب ويجوز أن يكون بمعنى التردد أي لا تقطع بأحدهما ولا يجوز فتح الواو هنا وكذا قول المرأة أو إنه لرسول الله حقا وكذا قوله: "في حديث الحمر التي طبخت أو ذاك"
وأما قوله: "أو خير هو" فهو بفتح الواو وهي ابتدائية قبلها همزة الاستفهام وكذا قوله : "أو أملك لك أن نزع الله" وقوله: "في الأشربة أو مسكر هو"
"فصل أي" قوله: "يوجز الصلاة" وقوله: "أوجز" من الإيجاز وهو الإسراع قوله: "أو جفتم" من الايجاف وسيأتي في الواو قوله: "ليس البر بالإيضاع" قال البخاري أوضعوا أسرعوا وسيأتي في الواو قوله: "وأيضا والله" أي تشتد بصيرتكم فيه قوله: "الأيكة" قال مجاهد إظلال العذاب إياهم كذا في الأصل وقد أشبعت القول فيه في ترجمة شعيب من أحاديث الأنبياء عليهم السلام قوله: "إيلياء" بكسر الهمزة واللام بينهما ياء أخيرة ساكنة وقبل الألف مثلها مفتوحة أي بيت المقدس ووهم من قال أيلة هنا وأيلة بفتح أوله وسكون الياء أيضا وفتح اللام ساحل القلزم كانت مدينة معروفة ثم خربت وهي بين مصر والحجاز قوله: "أيم الله" بسكون الياء وأولها ألف وصل أو قطع وفيها لغات وهي قسم وقد ذكروا فيها عدة لغات جمعها بن مالك في بيتين:
همز أيم وأيمن فافتح واكسر أو أم قل ... أو قل م أو من بالتثليث قد شكلا
وأيمن اختم به والله كلا أضف ... إليه في قسم تستوف ما نقلا
وقوله: "الأيم" بتشديد الياء هي التي مات زوجها أو طلقها وقيل من لا زوج لها ولو كانت بكرا ومنه تأيمت حفصة أي مات زوجها وأما قوله: "أيم هذا" فهو استفهام قال الحربي هي أي وما صلة قال الله تعالى {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} وقال أيا ما تدعوا وهو بالتشديد للأصيلي ولأبي ذر بإسكان الياء قال الخطابي هما لغتان قوله: "أيان مرساها أي متى خروجها قوله: "إيها يا ابن الخطاب" بكسر الهمزة كلمة تصديق ومنه قول بن الزبير إيها والاله وأما إيه بالكسروالتنوين فكلمة استزاده قوله: "إياي وإياك وإياكم" كلمة تحذير وقوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ} و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} أي بالتشديد اسم مبني على الضم قوله: "أي فلان" هوحرف نداء بمعنى يا قوله: "إي والله" بالكسر والتخفيف معناه نعم والله


حرف الباء الموحدة
أصلها الإلصاق لما تقدمها من اسم أو فعل وتأتي زائدة لتحسين الكلام وقد تحذف كما في القسم وتأتي بمعنى من أجل وبمعنى اللام وعن وفي ومن ومع وبمعنى الحال والبدل والعوض
"فصل ب أ" قوله: "باء" أي رجع ومنه باء بها أحدهما وباؤا وتبوء وقيل في باؤا انقلبوا وتبوء تحمل كذا في الأصل قوله: "الباءة" أي النكاح وتبدل همزته هاء وتسهل قوله: "البأساء" من البأس ومن البؤس قال مجاهد نبأس نحزن ومنه لا تبأسوا والبائس وقوله: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} أي شديد والبأساء وكذلك البؤسى الشدة والبؤس بهمز وبغير همز وقوله: "عسى الغوير أبؤسا أي عساه يحدث أبؤسا جمع البأس وهو الشدة من المرض والحرب وغيرهما وسيأتي تمامه في الغوير قوله: {تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} في الأصل هي الدروع وإنما هو تفسير السرابيل وأما البأس هنا فهي الحرب ومنه كنا إذا أشتد البأس قوله: "يا بابوس" بوزن قابوس هو الرضيع من أي نوع كان وزعم الداودي أنه اسم علم على ذلك الصبي وغلطوه
"فصل ب ب" قوله: "ببانا واحدا" بموحدتين الثانية مشددة وبعد الألف الأولى نون فسره بن مهدي شيئا واحدا وقال أبو عبيد لا أحسبه من كلام العرب واستند إلى قول بعضهم لم يلتق حرفان من جنس واحد وهذا لم يطرد فقد ثبت لست من دد وقال أبو سعيد الضرير هو بياء أخيرة بدل الموحدة الثانية أي شيئا واحدا ورده الأزهري وقال هي لغة صحيحة ليست فاشية في كلام مضر وقد صححها صاحب العين وقال يقال هم على ببان واحد أي على طريقة واحدة وقال الطبري المراد لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم أي متساوين في الفقر
"فصل ب ت" قوله: "وبت طلاقي" وقوله: "طلقني بتة" وقوله: "طلقني البتة" وفي الخمس أو هي البتة هذا أصلها والمراد القطع والمراد به في الطلاق قطع العصمة وزعم بعض العجم أن البتة لم تسمع إلا بقطع الهمزة والذي ثبت في الحديث بالوصل على الجادة في ألف التعريف فانتفي ما نفاه وقوله: "في قصة الحديبية فإن باتونا تقدم في
"فصل آت" قوله: "لم يبتئر" أي لم يدخر فسره قتادة ويؤيده قول الشاعر:
فإن لم يبتئر رؤسا قريش ... فليس لسائر الناس ابتئار
يقال بأرت الشيء إذا ادخرته والاسم البئيرة بوزن عظيمة ويجوز كسر أوله وسكون الهمزة قال الشاعر:
فإنك إن تبأر لنفسك مرة ...
تجدها إذا ما غيبتك المقابر
وفي رواية الأصيلي بالزاي وللجرجاني بالنون والزاي وغلط وقال عياض يروي بالميم في غير الصحيحين وأثبته صاحب المطالع لبعض الرواة في مسلم قوله: "المنتثر" يأتي في النون قوله: "الأبتر" هو المقطوع الذنب من الحيات وفي غيرها القصير الذنب وعبر به عمن لا نسل له أو من لا ذكر له بالثناء عليه قوله : "البتع هو نبيذ العسل كان أهل اليمن يشربونه قوله: "بتكه أي قطعه قوله: "التبتل" هو ترك النكاح والبتول المنقطعة عن الزوج وقوله: "تبتل" أي أخلص قاله مجاهد
"فصل ب ث" قوله: "لا أبث خبره" أي لا أظهره أول لا أنشره قوله: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} أي نشر فيها وقوله: "إنما أشكو بثي وحزني إلي الله" وقوله: "حضرني بثي" أي شديد حزني وقولها ولا يولج الكف ليعلم البث قيل هو ذم أي لا يتفقد أمورها وقيل مدح أي لا يستكشف عيبها قوله: "وعصر ابن عمر بثرة" بفتح المثلثة وسكونها هي خراج صغير قوله: "فانبثق الماء" أي انفجر قوله: "فبثقه" يقال بثق النهر إذا كسره ليصرفه عن طريقه وفي رواية فشقه بالشين المعجمة وقوله: "بشق المسافر" يأتي في ب ش
"فصل ب ج" قوله: "بجحنى" بتشديد الجيم وحكى تخفيفها قوله: "فبجحت" بفتح الجيم وبكسرها وضعف الجوهري الفتح أي فرحني ففرحت وقيل عظمني قوله: "عجره وبجره" البجر بضم أوله وفتح الجيم الهموم وقيل المعايب وأصلها العروق المنعقدة في الجسد والأبجر العظيم البطن والعجر يأتي في العين قوله: "انبجست" أي انفجرت وقول أبي هريرة فانبجست منه كذا لابن السكن وأبي ذر إلا عن المستملى وله عنه بالخاء المعجمة وكذا للنسفي والأصيلي والقابسي والصواب بنون ثم خاء معجمة مفتوحة ثم نون مفتوحة بعدها سين مهملة قاله عياض وغيره
"فصل ب ح" قوله: "فأخذته بحة" بالضم والتشديد ما يحدث للصوت فيمنع جهارته قوله: "البحرين" هي بلاد معروفة فيها عدة قرى قاعدتها هجر قوله: "البحيرة وقوله: البحرة" الأول تصغير الثاني المراد القرية والعرب تسمى القرى البحار ومنه قوله عليه السلام: "اعمل من واء البحار" أي البلاد وقال الجرمي البحيرة دوين الوادي وقيل كل بلد لها نهر أو ماء ناقع فهي بحيره قوله: "وكتب لهم ببحرهم" أي ببلدهم وفي رواية عبدوس بالنون بدل الموحدة وهو تصحيف قوله: "البحيرة" بفتح أوله قال ابن المسيب هي التي يمنع درها للطواغيت أي الأصنام والبحر الشق كانوا يشقون أذن الناقة نصفين إذا نتجت خمسة أبطن آخرها ذكر ثم لا تذبح ولا تركب ولا يشرب لبنها وقيل هي بنت السائبة
"فصل ب خ" قوله: "بخ بخ" يقال الشيء إذا ارتضى وقيل إذا عظم وفيها لغات إسكان الخاء وكسرها منونا وبغير تنوين وبضمها منونا وبتشديدها مضموما ومنونا واختار الخطابي إذا كرر تنوين الأولى وتسكين الثانية ومن شواهد التسكين فيهما قول الأعشى بخ بخ لوالدة وللمولود قوله : "بخسا" أي نقصانا قوله: "باخع" أي مهلك
"فصل ب د" قوله: "بدء الوحي وبدء الحيض وبدء الأذان وبدء الخلق" مهموز من الابتداء وقال عياض في الأول روى بالضم غير مهموز من الظهور والأول أولي بدلالة التنبيه عليه قوله: "تكون لهم بدء الفجور أي أوله قوله: "عودا على بدء" أي مرة بعد مرة قوله: "وعدتم من حيث بدأتم" أي رجعتم إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من ترك إعطاء الحقوق غالبا وهو غريب وفي الحديث الآخر لا تقوم الساعة حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة وشرحه عياض بما في تقريره تكلف قوله: "استبد علينا" أي انفرد قوله: "فبدد أصابعه" أي فرق قوله: "لا بد منه" أي لا انفكاك قوله: "أبده بصره" أي أتبعه وللأكثر أمده بالميم قوله: "اقتلهم بددا" أي متفرقين وحكى بكسر أوله وخطئت وقيل الصواب بالضم من البدد بضمه وتخفيفه وهو النصيب أي أعط كلا منهم نصيبه من القتل قوله: "أتى ببدر فيه خضرات" أي طبق فسره بن وهب ولغيره بقدر بالقاف قال النووي والصواب هنا بالموحدة قوله: "بدر الطرف نباته" أي سبق ومنه بادرني عبدي وابتدرته وبدر يمين أحدهم شهادته وابتدره وابتدرني بالكلام وقوله: "بدارا" أي مبادرة قوله: "بوادره" هو جمع بادرة وهي لحمة بين المنكب والعنق وأما قوله: "فإن عجلت منه بادرة" فمن المبادرة قوله: "قليب بدر ويوم بدر" هو موضع معروف كانت به الوقعة المشهورة قوله: "بدعا" أي أولا كذا في الأصل والبديع من أسماء الله قال في الأصل البديع والمبتدع والخالق والبارىء والفاطر واحد ولبعض الرواة والباديء بالدال وقد جاء في الأسماء الحسني في بعض الطرق البادئ وفي أخرى المبدىء ومنه يبدىء الخلق ثم يعيده وبدأ الخلق وفي اللغة بدأ وأبدأ بمعني وقول عمر نعمت البدعة هو فعل ما لم يسبق إليه فما وافق السنة فحسن وما خالف فضلالة وهو المراد حيث وقع ذم البدعة وما لم يوافق ولم يخالف فعلى أصل الإباحة قوله: "إنما البدل" يعني قضاء الحج قوله: "بدنه" هي واحدة البدن قال مجاهد سميت البدن لسمنها وقال عياض البدن مختصة بالإبل وقال غيره يقع على الجمل والناقة والبقرة لكن على الإبل أكثر قوله: "فلما بدن بتشديد الدال أي أسن وبضم الدال مخففا أي كثر شحمه وأنكره بعضهم ورد بالرواية الأخرى فلما أسن وأخذ اللحم قوله: "ثم بدا لأبي بكر" أي ظهر له رأي وفي حديث أبرص وأعمى ثم بدأ الله أن يبتليهم قال عياض قيدناه عن متقنى شيوخنا بدأ الله بالهمزة المفتوحة أي ابتدأ الله ابتلاهم قال والأول لا يجوز إطلاقه على الله إلا أن يؤول بمعنى الإرادة قوله: "بادي الرأي" أي ما ظهر لنا عن ابن عباس وهو على قراءة طرح الهمزة وأما من همز فمن الابتداء ووقع لنا في قصة الخضر مثل هذه اللفظة بالوجهين قوله: "بدأ" أي خرج إلى البادية ومنه أذن لي في البدو وفي البداوة
"فصل ب ذ" قوله: "الباذق" بفتح الذال غير مهموز نوع من الأشربة وهو العصير المطبوخ قوله: "علي أن جاء عمر بالبذر" هو ما عزل من الحبوب للزراعة قوله: "متبذلة بوزن متفعلة بالتشديد وللكشميهني بوزن مفتعلة أي لابسة بذلة الثياب أي غير متزينة وقوله: "المبتاذلين" من البذل وهو الإعطاء
"فصل ب ر" قوله: "برأ النسمة" أي خلقها وقوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} وبرأ كرر تأكيدا والبارئ من أسماء الله والبرية بهمز وبغير همز فمن همز فمن الخلق ومن لم يهمز فمن البري وهو التراب أو من بريت العود إذا قومته وقوله: "أصبح بحمد الله بارءا قال ثابت هذه لغة الحجاز برأت من المرض ولغة تميم برئت وأما برئ من الدين فبالكسر جزما ومنه برئت منه الذمة قوله: "إنني براء" الواحد والإثنان والجمع والمذكر والمؤنث سواء كذا في الأصل وقرأ عبد الله إنني برئ بلفظ الإفراد وكله من البراءة والخلاص قوله: "ولا تستبرأ العذراء وقوله: "يستبرئها بحيضه" أي يمسك عن جماعها وأصله من براءة الرحم وقوله: "استبرأ لدينه" أي أخذ حذره قبل أن يدخل في الأمر قوله: "لا يستبرىء من البول" أي لا يستقصي ما عنده أو لا يتجنبه وهو الموافق للرواية الأخرى لا يستنزه بالنون والزاي قوله: "ولا تبرجن" قال معمر أن تخرج محاسنها قوله: "بروجا" فسره منازل للشمس والقمر قوله: "ما أنا ببارح" أي بذاهب وقد تكرر وقوله: "غير مبرح" أي شديد والبارحة أقرب ليلة مضت وفي قوله: "بعد الصبح هل رأى أحذ منكم البارحة رؤيا رد على من زعم أنه لا يقال إلا بعد الزوال قوله: "من البرحاء" بوزن فعلاء هو شدة الكرب ويقال لشدة الحمى أيضا قوله: "أربعة برد" جمع بريد والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال ويطلق البريد على الرسول العجول وقوله: "بريد الرويثة سيأتي في الراء قوله: "البردة هي الشملة والجمع برود وقوله: "الثلج والبرد" بفتحتين معروف قوله: "من صلى البردين" بفتح أوله وسكون الراء أي الصبح والعصر قوله: "أبردوا عن الصلاة" بكسر الراء أي أخروها عن وقت شدة الحر وقوله: "ابردوها" بالماء بضم الراء مع الوصل وبكسر الراء مع الهمزة وقال الجوهري الثانية لغة رديئة قوله: "لو أن عملنا برد لنا" بفتح الراء أي ثبت وخلص قوله: "ضربه حتى برد أي سكن وبطلت حركته قوله: "حتى أثرت فيه حاشية البرد" كذا للأصيلي ولغيره الرداء قال عياض الأول الصواب لأن في أول الحديث وعليه برد نجراني فلا يسمى بردا كذا قاله ولا يمنع أن يتردى بالبرد قوله: "البراذين" بالذال المعجمة هي الخيل


يتبع
ربنا تقبل منا

اخت مسلمة
06-09-2009, 12:26 AM
التي ليست بعربية قوله: "إبرار القسم وقوله: لأبره وقوله: أتبرر بها" أي أطلب البر وعمله كله من البر وهو ضد الحنث ويطلق على الطاعة وعلى فعل الخير وعلى الخير وعلى الإحسان وقوله: "الحج المبرور" قيل المقبول وقيل الذي لم يخالطه إثم وقيل الخالص والتبر بالفتح ضد البحر وضد الفاجر ويطلق على المحسن والمطيع قوله: "وزن برة بضم أوله والتشديد أي قمحة قوله: "تبرزت وقوله: "البراز" بفتح أوله هو كناية عن قضاء حاجة الإنسان في الخلاء قوله: "أن ابن أبي العاص قد برز" بتخفيف الراء أي ظهر وبتشديدها أي قدم عسكره قوله: "وهو هذا البارز" بفتح الراء قال القابسي أي البارزون لقتال المسلمين يقال بارز وظاهر وقال أبو نعيم في مستخرجه هم الأكراد وقيل الديلم والبارز بلدهم وقال سفيان مرة بتقديم الزاي وعليه شرح أبو موسى قوله: "برزخ" أي حاجز قوله: "نتبرضه تبرضا" بالضاد المعجمة أي نتبعه قليلا قليلا والبرض الماء القليل قوله: "البرطمة" هو ضرب من اللهو وللأصيلي البرطنة بالنون وقيل الذي بالنون الانتفاخ من الغضب قوله: "برق الفجر" أي لمع وبارقة السيوف لمعانها وقوله: "تبرق أسارير وجهه" أي تلمع وقوله: "براق الثنايا" أي شديد البياض وقوله: "البراق" بضم أوله ذكر في المعراج سمي بذلك إما لاشتقاقه من البرق لسرعته وإما لشدة بياضه قوله: "برك الغماد" بفتح أوله للأكثر وقيل بالكسر وسكون الراء وضعف فتحها موضع في أقاصي هجر وقيل في طرف اليمن وقيل وراء مكة بخمس ليال وله تتمة في الغين المعجمة قوله: "برك الجمل" بحركات أي استناخ وبرك بالتشديد من البركة واختلف في قولها في حديث أم زرع كثيرات المبارك فقيل تحبس لتنحر فقليلا ما تسرح وقيل يحلب لبنها لكثرة من يطرق من الضيفان قوله: "البرمة" بالضم قدرة من برام قوله: "مبرمون" أي مجتمعون قوله: "برنس" بضم النون نوع من الثياب معروف قوله: "برني" بسكون الراء وكسر النون بعدها ياء النسب ضرب من التمر معروف وهو أجوده قوله: "والبرية" بالتشديد إلي جانبه أي الفلاة
"فصل ب ز" قوله: "البازر" تقدم قوله: "بزاخة" بضم أوله والخاء معجمة موضع بالبحرين وقيل بالقرب من الكوفة وهو ماء لبني طيء وقيل ماء لبني أسد وهو أشبه
"فصل ب س" قوله: "كان مبسورا" أي به ورم في أسفل مخرجه ومنه قوله: "في بواسير" ورواه بعضهم بالنون قوله: "يبسون" أي يسيرون قال ابن مالك وقيل يزجرون الإبل لأنهم يقولون في سوقها بس بس قوله: "بست" أي فتت قوله: "بسطة" أي زيادة وفضلا قوله: "انبسط" أي أظهر البشر قوله: {بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} قال ابن عباس البسط الضرب قوله: "يقبض ويبسط البسط كناية عن سعة رحمته قوله: "بسق" لغة قليلة في بصق وبالزاي كالصاد قوله: "باسقات" أي طوال قاله مجاهد قوله: "تبسل" أي تفضح قاله بن عباس وقال في قوله: "تعالى أبسلوا" أي أسلموا والبسل يكون بمعنى الحلال والحرام ويقال فلان أبسل ماله أي أسلم بدينه
"فصل ب ش" قوله: "يباشرها" وقوله: "يباشر" أي تلاقى بشرته بشرة غيره وأصل البشرة جلدة الوجه والجسد وتطلق المباشرة على الجماع ومنه قوله: تعالى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} قوله: "اقبلوا البشرى" ووقع للأصيلي بالتحتانية والمهملة وهو تصحيف قوله: "بشاشة القلوبط هي الأنس واللطف ومنه بشاشة العرس قوله: "بشعة في الحلق" أي كريهة في الطعم قوله: "بشق المسافر" بكسر الشين قال أبو عبيدة أي تأخر وقيل مل وقيل ضعف ولغير الأصيلي بثق بمثلثة ولبعضهم مثله لكن أوله لام ورجحه الخطابي.
"فصل ب ص" قوله: "الإبصار" أي التبصر في أمر الله وقوله: "بصر عيني وبصرت به بضم الصاد إذا نظرت إليه بعد مانع والاسم منه البصر بالضم ثم السكون قوله: "مستبصرين أي ضللة" كذا في الأصل والمستبصر هو الداخل في الأمر على بصيرة أي على عمد وهو ك قوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} قوله: "بصرى" بالضم مقصور هي بلد معروف بالشام وقيل هي مدينة حوران قوله: "بصيص" أي بريق قوله: "بصق يقال بالصاد والسين والزاي كما تقدم
"فصل ب ض" قوله: "تبض من الماء" أي تقطر وتسيل ويقال بض الماء إذا سأل وقيل البض الرشح وروى تبص بمهملة من البصيص وهو البريق قوله: "بضع امرأة" بضم أوله هو الفرج ويطلق على الجماع والمباضعة اسم الجماع وقوله: "استبضعي منه" أي اطلبي منه الجماع لأجل الولد ومنه نكاح الاستبضاع فسرته عائشة قوله: "بضاعة" بالكسر قطعة من المال غير النقد وبالضم بضاعة قال القعنبي نخل بالمدينة وقيل هي دار بني ساعده بالمدينة وبئرها مشهور قوله: "بضع" بكسر أوله في العدد ما بين ثلاث إلى تسع علي المشهور وقيل إلى عشر وقيل من اثنين إلى عشرة ومن أثنى عشر إلى عشرين وقيل سبع وقيل من واحد إلى أربع قوله: "مثل البضعة" بفتح أوله هي القطعة من كل شيء ومنه فاطمة بضعة مني
"فصل ب ط"
قوله: "بطحان" بضم أولها وسكون ثانيه اسم واد بالمدينة تكرر ذكره في الحديث وضبطه أهل اللغة بفتح أوله وثانيه وبه جزم أبو عبيد البكري قوله: "البطحاء" والأبطح تقدم قوله: "بطح لها" أي ألقي على وجهه قوله: "بطرت" أي أشرت فسره في الأصل ومنه قوله: "بطرا والبطر فسروه بالطغيان عند النعمة قوله: "بعض بطارقته" جمع بطريق وهو الحاذق بالحرب بلغة الروم قوله: "باطش بجانب العرش" أي متعلق به والبطش الأخذ القوي الشد قوله: "فمثل ذلك بطل أي ذهب باطلا وفي رواية بالتحتانية من طل دمه ورجحها الخطابي قوله: "ماتت في بطن" أي في نفاسها قوله: "كانت له بطانتان" بطانة الرجل صاحب سره قوله: "امرأة بطيئة" بوزن فعيلة وهي ضد السريعة
"فصل ب ظ" قوله: "بظر اللات" بفتح أوله وإسكان ثانيه ما يقطع من فرج المرأة عند الختان ومنه قول حمزة يا بن مقطعة البظور
"فصل ب ع" قوله: "فبعثنا البعير" أي اقمناه من مبركه ومنه حين تنبعث به راحلته قوله: "يبعث البعوث إلى مكة" أي يجهز الجيوش قوله: "فابتعثاني أي أيقظاني قوله: "ونؤمن بالبعث" أي الحياة بعد الموت وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إرساله بالشرع وقوله: "يا آدم ابعث بعث النار" هو من تسمية المفعول بالمصدر والمراد من يرسل إلى النار قوله: "يوم بعاث" بعاث بضم أوله وهو موضع على ميلين من المدينة كان به وقعة بين الأوس والخزرج قبيل الإسلام ومنهم من ذكره بالغين المعجمة كالأصيلي والقابسي وتبعا في ذلك الخليل بن أحمد وتفرد به وغلطوه قوله: "بعثرت" أي أثيرت بعثرت حوضي أي جعلت أسفله أعلاه قوله: "أراكم من بعدي" أي من خلف ظهري وأبعد من فسره بعد الموت وقوله: "في دار البعداء" أي الحبشة لبعد دياركم ونسبهم ودينهم قوله: "فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد" أي بعد أن يسمع النداء ولبعضهم بعذر وهي متعلقة بنفي محذوف والتقدير لا عذر له في ترك الخروج قوله: "البعير" هو الجمل ويطلق على الأنثى أيضا والجمع أبعرة وقوله: "ترمي بالبعرة "واحدة البعر وهو روث الجمال وفي تفسير الحوايا المباعري أي أماكن البعر ولبعضهم الأمعاء بدل المباعر قوله: "البعوض" هو البق وقيل صغاره واحدتها بعوضة ويجمع على بعض أيضا قوله: "بعط فعل أمر من البيع وهو المعاوضة وقال إبراهيم العرب تقول بع لي وهي تعني الشراء يعني أن لفظ البيع يطلق على الشراء
"فصل ب غ"
قوله: "في التلبينة البغيض النافع" بغيض وزن فعيل قيل لها ذلك لأن المريض يكره الدواء وهو نافع قوله: {لا يَبْغِيَانِ} أي لا يختلطان لأنه لا يبغي أحدهما على الآخر بأن يتجاوز مكانه قوله: "مهر البغي" بتشديد الياء قبلها كسرة هي الزانية ومهرها ما تعطاة وقوله: "على البغاء" أي على الزنا وأصل البغاء الطلب وأكثرها ما يستعمل في الشر ومنه فأن بغت إحداهما على الأخرى وبغوا علينا وجاء لمطلق الطلب في قوله: "أبغنى حبيبا" أعني على الطلب ومثله أبغني أحجارا قوله: "يبتغي" أي يطلب وحبسني أبتغاؤه أي طلبه وبغيت حتي جمعتها أي طلبت وصحف من ذكره بلفظ تعبت بمثناه ثم مهملة فموحدة وفي قصة زيد بن عمرو خرج يسأل على الدين ويبتغيه كذا وقع للقابسي أي يطلبه ولغيره يتبعه بمثناه ثقيلة ثم موحدة
"فصل ب ق" قوله: "بقر خواصرهماط أي شقها وأصل البقر التوسع وقوله: "يبقرون بيوتنا" أي ينقبونها ويسرقون ما فيها قوله: "بقع الماء" جمع بقعة وأما البقعة من الأرض فجمعها أيضا بقع وبقاع أيضا قوله: "بقيع بطحان وقوله: البقيع" هو مقبرة أهل المدينة وقال الخليل كل موضع من الأرض فيه شجر يقال له بقيع وكان البقيع أولا كذلك ثم نبش واتخذ مقبرة قوله: "العصف" بقل الزرع أي نباتة الأخضر ووقع للمستملي بمثلثة وفاء والأول هو الوجه قوله: "بقية خير" أي فضلة قوله: "أبقى لثوبك" كذا لأكثرهم من البقاء قال الأصيلي ويقال بالنون قوله: "كراهية أن تري أني كنت أبقيه" كذا لهم بموحدة أي أرهبه وفي مسلم انتبه بنون ومثناة وهو بمعناه قوله: "إلا الإبقاء عليهم" أي الرفق بهم
"فصل ب ك"قوله: "الإبكار" بكسر أوله هو أول الفجر قاله مجاهد قوله: "بدلو بكرة" على الإضافة والبكرة بالتحريك التي يجعل فيها حبل الدلو وللأصيلي بإسكان الكاف والبكرة هي الصغيرة من الإبل قوله: "الصم البكم" قيل ذلك لرعاع الناس وجهلتهم لأنهم لا يقبلون فكأنهم لا يسمعون ولا يحسنون النطق بالحق فكأنهم لا ينطقون قوله: "أبكم" هو أحد البكم قوله: "بكيا" أي جماعة باك
"فصل ب ل"
قوله: "بلحوا على" بالتشديد وبالتخفيف أيضا أي عجزوا يقال بلج الرجل إذا وقف من التعب قوله: "بلدح" بسكون اللام وبالحاء المهملة واد غربي مكة لبني فزارة قوله: "أليست البلدة" أي مكة قيل اللام بدل من الإضافة أي بلدتنا وقيل اسم مكة وقيل اسم مني قوله: "إلى البلاط" هو موضع قريب من مسجد المدينة اتخذه عمر لمن يتحدث وسيأتي البلاط في ملاط قوله: "البلعوم" فسره في الأصل مجرى الطعام قوله: "أبلها ببلالها" وفي رواية ببلاها قال البخاري لا أعرف للثاني وجها ويقال للماء في السقاء بلة ولا بلال بكسر أوله ويفتح أي ماء ومعني الحديث سأصلها بصلاتها ومنه قوله: "بلوا أرحامكم قوله: "تبلغ عليه أي اكتف به وقوله: "لا بلاغ" أي لا وصول وقوله: "أبلى وأخلقى" أمر بالابلاء أي البسي إلى أن يصير خلقا باليا قوله: "بله ما اطلعتم عليه" بفتح أوله وسكون اللام وفتح الهاء تأتي بمعني الإضراب وبمعنى غير وكيف فحيث أدخل عليها من فهي بمعنى غير لا غير قوله: "ما أبلى أحد" أي أغني ومنه أبلاه وأبلاني يستعمل في الخير مقيدا والشر مطلقا لقوله تعالى: {بَلاءً حَسَناً} وقد يطلق فيهما كقوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} وأصله الاختبار ومنه أراد الله أن يبتليهم
"فصل ب ن" قوله: "بالبنات" أي اللعب والصور اللواتي تشبه الجواري تلعب بها الصبايا قوله: "البندقة" معروفة تصنع من طين وغيره يرمي بها الصيد من عصا مجوفة أو من غيرها قوله: "بنانه" أي أصبعه قوله: "تبني زيدا" أي دعاه ابنه قوله: "بني بي" بضم أوله على البناء للمفعول أي دخل على ومنه قوله: "ولم يبن بهاط وأصل ذلك أنهم كانوا يبنون للمتزوج قبة يدخل فيها على أهله قوله: "كالبنيان" أي البناء قوله: "البنية" بكسر النون والتشديد هي الكعبة
"فصل ب ه" قوله: "قوم بهت" بضم أوله وثانيه وقد تسكن جمع بهوت بفتح أوله وضم ثانيه من البهتان وهو قول الباطل ومنه بهتوني وقوله: "فبهت" بالضم وكسر الهاء أي ذهبت حجته قوله: "بهجتها" أي حسنها قوله: "ابهار الليل" بتشديد الراء قيل انتصف أو ذهب معظمه إذ بهرة كل شيء أكثره والأبهر تقدم في الألف قوله: "ما بهشت لهم بقصبة" أي ما مددت يدي إليها قوله: "رعاة البهم" أي الغنم إذ هو جمع بهمة وهي واحدة البهائم قوله: "ذبحت بهيمة" هو تصغير بهمة قوله: "يباهي" أي يفاخر وأصله البهاء وهو الجمال والحسن قوله: "به به" قال ابن السكيت يعني بخ بخ واستبعده بن الأثير إذ هو في مقام الإنكار وجوز غيره أن تكون الباء بمعنى الميم
"فصل ب و" قوله: "فليتبوأ" أي ليتخذ مباءة وهي المنزل ومنه بوأه الله وهو أمر بمعنى الخبر قوله: "ولا يبوح" أي لا يظهر وقوله: "كفرا بواحا" بفتح وتخفيف أي ظاهرا قيل الصواب بوجا بسكون الواو بغير ألف قوله: "دار البوار" هو الهلاك قاله مجاهد وقال ابن عباس النار وكان أحدهما فسر المضاف والآخر فسر المضاف إليه قوله: {قَوْماً بُوراً} أي هالكين قوله: "البؤس" تقدم في البأس قوله: "بواط" بالضم والتخفيف جبل من جهينة قوله: "باعا" وفي رواية بوعا هو طول ذراعي الإنسان وما بينهما قوله: "اتخذوا بوقا" هو شيء مجوف ينفخ فيه قوله: "بوائقه جمع بائقه وهي المصيبة أو الداهية قوله: "بينهما بون" أي بعد ويطلق البون على الاختلاف وعلى مسافة ما بين الشيئين قوله: "بال الشيطان في أذنه" قيل على حقيقته وقيل كناية عن الاستخفاف قوله: "لا يباليهم الله بالة ولا يلقى لها بالا وما باليت" كله من المبالاة وهي الاكتراث بالشيء والبال أيضا الحال والفكر وقيل والهم
"فصل ب ي" قوله: "بينا" تقدم في الهمزة قوله: "فيبيتهم الله وقوله: فيبيتون" هو من البيات وقد تكرر والمراد إيقاع الحرب بالليل وفي قصة بن أبي الحقيق دخل عليه بيته بالتشديد من هذه المادة وفي رواية بإسكان الباء التحتانية وهو متجه قوله: "البيداء" هي الأرض القفر والجمع بيد وزن بير وقوله: "حتى استوت راحلته على البيداء" وقوله: "بيداؤكم هذه" هي الأرض الملساء التي دون ذي الحليفة في طريق مكة وأما قول عائشة حتي إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فقيل هي هي وقال البكري هي أدني إلي مكة من ذي الحليفة قوله: "بيد أنهم" أي غير أنهم وقد تأتي بمعني على وبمعنى إلا وبمعنى من أجل قوله: "بيدر من بيادر التمر" هو الجرين وقوله: "بيدر كل تمر فعل أمر منه أي اجعل كل صنف في بيدر قوله: "بيرحا" موضع قبلي المسجد النبوي يعرف بقصر بني جديلة اختلف في ضبطه فقيل بلفظ البئر والإضافة كمثل"حرف الهجاء وعلى هذا فحركات الإعراب في الراء وأنكر ذلك أبو ذر الخشني وإنما هي بفتح الراء على كل حال وقال الصوري هي بفتح الباء والراء معا في كل حال فحصلنا على ثلاثة أقوال وحكى المد والقصر فيها فتصير ستة وفي رواية لمسلم بريحاء بفتح الباء وكسر الراء بعدها ياء ثم حاء مهملة ولأبي داود مثله لكن أشبع فتحة الباء إلى أن صارت بأريحاء وهو يؤيد ما ذهب إليه الصوري قوله: "بئر جمل بالإضافة والجيم موضع معروف بالمدينة قوله: "بئر أريس" تقدم في الهمزة قوله: "بئر ذروان" هو موضع على ساعة من المدينة قال الأصمعي من قالها ذروان فقد أخطأ وإنما هي ذو أروان وقال غيره إنما قالوا ذروان تخفيفا وجمع البئر أبار بسكون الموحدة بعدها همزة كحمل وأحمال ويقال آبار بالمد وهو جمع قلة وقوله: "بئارها بكسر وهمزة وقد تسهل وهو جمع كثرة قوله: "حريق بالبويرة" تصغير بئر وهي موضع معروف بالمدينة كان لليهود قوله: {بَيْضٌ مَكْنُونٌ} قال ابن عباس اللؤلؤ قوله: "وابياضت" أي صفت يقال أبيض الشيء إذا أسفر وابياض إذا تحول من لون إلى آخر بين اللونين قوله: "البيض" بالكسر جمع أبيض وهي السيوف وبالفتح جمع بيضة وهي التي تلبس في الرأس في الحرب وتطلق على الملك وعلى العز وعلى معظم الشيء قوله: "بيضتهم" بالفتح أي جماعتهم قوله: "بيعة" بكسر أوله وهي الكنيسة وقيل البيعة لليهود كالكنيسة للنصارى وأما البيعة بالفتح فواحدة البيع وهي المعاوضة وقد تكرر وقد تقدم ويطلق على السوم ومنه لا يبع بعضكم على بيع بعض قوله: "البيان" يطلق للظهور وللفهم ولذكاء القلب ومنه البينة لظهورها أو لظهور الحق بها وقوله: "ليس بالطويل البأئن" أي المفرط في الطول وأصل البائن البعيد فكأنه بعد عن أنظاره وقوله: "بن القدح أي أبعده قوله: "بينا وبينما" هو من البين وهو الوصل تقول بينا أنا وبينما أنا أي أنا متصل بفعل ويطلق على البعد فهو من الأضداد وأما بينما فهو الأول زيد فيه ما


حرف التاء المثناة من فوق
"فصل ت أ" قوله: "تائه" أي متحير قوله: "فليتئد وقوله: اتئدوا" المراد التأني والرزانة والاسم التؤدة وقول عمر في قصة علي وعباس تيدكم بفتح أوله وسكون الياء وفتح الدال وللأصيلي بكسر أوله ولأبي ذر بفتح أوله وكسر الهمزة وسكون الدال والأول أصوب وهو اسم فعل من التؤدة وحكى سيبويه بيس فلان بفتح أوله فعلي هذا فالياء مسهلة من الهمزة وهي مبدلة من الواو
"فصل ت ب" قوله: "تباب" أي خسران وقوله: "تبت أي خسرت وقوله: "تبا لك" أي خسرنا ويقال للهلاك ومنه قوله: "تتبيب" أي تدمير كذا في الأصل وكذا قوله: "ليتبروا قال في الأصل ليدمروا وقوله: "متبر" أي خسران قوله: "سبع في التابوت" أي الجسد شبهه بالصندوق قوله: "تبارا" أي هلاكا قوله: "تبرا من الصدقة" أي ذهبا غير مسبوك قوله: "تبيع في زكاة البقر" هو الذي دخل السنة الثانية وقيل استوفاها ودخل في الثالثة وقوله: "كنت تبيعا" لطلحة أي تابعا له أخدمه قوله: "تبع" هو لقب ملوك اليمن سمي بذلك لأنه يتبع صاحبه والظل يسمى تبعا لأنه يتبع الشمس كذا في الأصل وعن الأصمعي سمي تبعا لأنه ملك فتابعه الناس قوله: "تباعا" أي متوالية يتبع بعضها بعضا وقول أبي هريرة ما سألته إلا ليستتبعني أي ليقول لي اتبعني إلى المنزل ووقع لابن السكن ليشبعني من الشبع بمعجمه ثم موحدة قوله: "كنا لكم تبعا" بفتحات واحدة تابع مثل غيب وغائب وقوله: "تبعة" أي حق يطلب به ومنه قوله: "علينا به تبيعا" أي طالبا وعن ابن عباس نصيرا وقيل ثائرا وقيل معني أتبعه سار خلفه واتبعه مشددا حذا حذوه قوله: "إذا أتبع أحدكم فليتبع" بالسكون في الأولى والتشديد في الثانية للمعظم وقيل بالسكون فيهما وبه جزم بن الأثير وخطأ الخطابي التشديد وتبعه النووي والذي ثبت في الرواية وجه وقال صاحب التاريخ أتبعته على فلان أحلته وأتبعني عليه أحالني قوله: "تبوك معروفة وهي من أداني أرض الشام قوله: "التبتل" تقدم في الموحدة قوله: "التبن" هو ما يخرج منه القمح والشعير قوله: "في تبان" بضم أوله والتشديد هو سراويل قصيرة الساقين أو بلا ساقين
"فصل ت ج" قوله: "تجاهه" أي مقابلة من تلقاء وجهه وحقه أن يذكر في الواو
"فصل ت ح" قوله : "من تحت" أي من أسفل وتحت القوم أراذلهم قوله: "يتحفونه" أي يوجهون إليه التحف من طرف الفاكهة وغيرها ومنه قوله: "فما تحفتهم" وهي بسكون الحاء وقد تفتح
"فصل ت ر" قوله: "ترب جبينه" أي قتل لأن القتيل يقع على وجهه ليترب وظاهره الدعاء عليه بذلك ولا يقصد ذلك وكذا قوله: "تربت يداك" أي افتقرت فامتلأت ترابا وقيل المراد ضعف عقلك بجهلك بهذا وقيل افتقرت من العلم وقيل معناه استغنيت يقال هي لغة القبط استعملها العرب واستبعد والراجح أنه شيء يدعم به الكلام تارة للتعجب وتارة للزجر أو التهويل أو الإعجاب وهو كويل أمه ولا أبالك وعقرى حلقي وقال الداودي إنما هو ثربت بالمثلثة وغلط قوله: "ذا متربة" أي الساقط في التراب قوله: "أتراب" أي أمثال وهو جمع ترب بكسر أوله قوله: "الترجمان" بفتح أوله وضمه الأصيلي وضم الجيم هو من يفسر لغة بلغة وقوله: "يترجم له" من ذلك قوله: "سحابة مثل الترس" أي مستديرة والترس معروف ومنه يتترس ويترس قوله: "مترس" يأتي في الميم قوله: "ترعة" بضم ثم سكون بعدها عين مهملة قيل الباب وقيل الروضة وقيل الدرجة قوله: "أترفوا" أي أهلكوا كذا في الأصل وهو تفسير باللازم والمترف المتوسع في ملاذ الدنيا وهو شأن من يحصل له الهلاك قوله : "التراقي" جمع ترقوه بضم القاف وهو العظم الذي بين ثغره النحر والعاتق قوله: "يطالع تركته" أي ولده الذي تركه هناك وهو بكسر الراء الشيء المتروك وقيل بالسكون وهي في الأصل بيض النعامة لأنها لا تحضنه قوله: "قبة تركية" منسوبة إلى الترك وهم الجيل المعروف قال النووي كانت صغيرة من لبود ق وله : "الترهات" تأتي في الأساطير
"فصل ت س" قوله: "تستر" مدينة من بلاد فارس وهو بضم أوله وسكون ثانيه وفتح المثناة وضبطه البكري بفتح أوله وضم ثالثه قوله: "تسنيم" قال ابن عباس يعلو شراب أهل الجنة يريد أن المزاج يكون فوق الممزوج وقال الراغب التسليم عين رفيعة القدر ذكر أهل التفسير أنها تختص بالمقربين ويمزج منها شراب أهل اليمين ثم قيل هو من المعرب وقيل أصله من سنمه بتشديد النون إذا رفعه
"فصل ت ع" قوله: "تعس" بكسر العين وبفتحها أي عثر فسقط على وجهه وقيل معناه بعد وقيل هلك أو لزمه الشر قوله: "تعسا" كأنه يقول أتعسهم الله دعاء عليهم بالتعس قوله: "تعهن" بكسر أوله وقد يفتح وسكون ثانيه وكسر الهاء موضع على ثلاثة أميال من السقيا بطريق مكة وضبطه بعضهم بضم أوله وثانيه وتشديد الهاء حكاه أبو موسى في الذيل ومنهم من يكسر أوله وهو الذي في الحديث مع سكون ثانيه كما ذكرته أولا
"فصل ت ف" قوله: "التفل" بسكون الفاء هو النفخ ببصاق قليل أو بغير بصاق ومنه قوله: "في التيمم وتفل فيهما ويتفل بضم الفاء وبكسرها قوله: "وليخرجن تفلات" التفل بفتح الفاء الرائحة الكريهة والمراد أن لا يتطيبن يقال هو تفل أي غير متطيب قوله : "تفثهم" التفث إذهاب الشعث قوله: "الشيء التافه" أي اليسير الحقير
"فصل ت ق" قوله: "التقية إلى يوم القيامة" أي التستر لأجل الحذر والجمع التقي وقوله: "يتقي بجذوع النخل أي يستتر بها وتقوى الله الخوف منه
"فصل ت ك" قوله: "وكان متكئا وكان يتكيء" قال الخطابي كل معتمد على شيء متمكن منه فهو متكئ ومنه قوله: "يتوكأ"
"فصل ت ل" قوله: "التلبينة" تأتي في اللام قوله: "تلعة" بفتح أوله أرض مرتفعة يتردد فيها السيل والجمع تلاع قوله: "من تلادى" بكسر أوله أي من قديم ما قرأته وتلاد المال قديمه وطارفه جديده قوله: "تله في يده" أي دفعه إليه وقوله: "فتله للجبين أي وضع وجهه بالأرض قوله: "في التلول جمع تل وهو الموضع المرتفع قوله: "لا دريت ولا تليت" قيل معناه ولا تلوت وإنما قالها بالياء للمؤاخاة والاتباع وقيل معناه ولا تبعت الحق وقال ابن الأثير ولا ائتليت أي لا استطعت يقال ما ألوت أي ما استطعت وهي افتعلت منه وهذا الذي جزم به ذكره بن الأنباري تجويزا
"فصل ت م" قوله: "تمتمة" هو تردد اللسان إلى لفظ كأنه التاء واسم الرجل تمتام
"فصل ت ن" قوله: "التنعيم" مكان معروف خارج مكة سمي بذلك لأنه عن يمينه جبل يقال له نعيم وآخر يقال له ناعم والوادي اسمه نعمان قوله: "التنور" هو الذي يخبز فيه وقيل اسم مكان بالكوفة وقال ابن عباس في قوله: {وَفَارَ التَّنُّورُ} أي نبع الماء وقال عكرمة وجه الأرض وقيل من المعرب قوله: "التناوش" هو الرد من الآخرة إلي الدنيا
"فصل ت ه" قوله: "تهامة" بكسر أوله كل ما انخفض من بلاد الحجاز ونجد كل ما ارتفع قال ابن فارس
مأخوذ من التهم بفتحتين وهو شدة الحر وركود الريح قال البكري أولها من مدارج تحت عرق وطرفها الآخر مدارج العرج
"فصل ت و" قوله: "يتوجونه" أي يلبسوه التاج وقوله: "توخاه" أي قصده والتوخي هو القصد قوله: "فدعا بتور هو إناء من حجارة أو غيرها مثل القدر قوله: "توى لأحدهما" أي هلك ومنه لا توي عليه ووهم من قال بالمثلثة قوله: "تيب عليه" أي قبلت توبته والتوبة الرجوع
"فصل ت ي" قوله: "تيس" هو الذكر الثني من المعز الذي لم يبلغ حد الضراب قوله: "تارة" جمعه تيرة وتارات وصوابه تير بكسر أوله وفتح ثانيه قوله: "كيف تيكم" هي من أسماء الإشارة للمؤنث قوله: "التيمم وتيمموا" يأتي في الياء الأخيرة وأصله القصد آمين عامدين وأممت ويممت واحد قوله: "تيماء" موضع قريب بادية الحجاز وهي حاضرة شاطئ يخرج منها إلي الشام على البلقاء


حرف الثاء المثلثة[/COLOR[COLOR="red"]]"فصل ث ا" قوله: "تثاءب" والاسم الثؤباء وقيل الصواب بتشديد الهمزة ولا يقال تثاوب بالواو قال ابن دريد أصله ثئب الرجل إذا استرخى وكسل
"فصل ث ب" قوله: "ليثبتوك" قال ليحبسوك كذا في الأصل وقوله: "فاستثبت عطاء هو من التثبت وقوله: "طعنته فأثبته أي أثبت الطعنة فيه فأصبت مقتله وقوله: "إذا عمل عملا أثبته أي دام عليه قوله: "ثبات يقال وأحدها ثبة بالضم والتخفيف قال ابن عباس أي سرايا متفرقين قوله: "ثبج البحر" أي وسطه وقيل ظهره وأصله ما بين الكاهل إلى الظهر قوله: "ثبير" هو جبل معروف بمكة على يسار الذاهب إلى مني من عرفة قوله: "ثبوراط قال ابن عباس أي ويلا وقوله: "مثبوراط أي ملعونا قوله: "ثبطة" أي ثقيلة وأصله التعويق
"فصل ث ج" قوله: "ثجاجا" أي منصبا والثج الصب
"فصل ث خ" قوله: "أثخنته" أي أثقلته بالجراح
"فصل ث د" قوله: "الثدي" بفتح أوله وسكون الدال وتخفيف الياء للواحد وبالضم وكسر الدال والتشديد للجمع وقوله: "ذي الثدية" المشهور بالمثلثة مصغرا وقيل أوله ياء أخيرة كذلك وله وجه
"فصل ث ر" قوله: "ولا يثرب" أي ولا يوبخ قوله: "الثريد معروف وهو ما يصنع بمرق اللحم وقد يكون معه اللحم غالبا قوله: "الثريا" هو النجم المعروف قوله: "الثرى" هو التراب الندى وقوله: "فثرى" أي بل بالماء حتى صار كالثرى ومنه مكان ثريان قوله: "نعما ثريا أي كثيرة يقال أثروا إذا كثرت أموالهم والاسم الثرى والثروة والثراء بالمد المال والغنى
"فصل ث ع" قوله: "مثعب" أي مسيل ومنه يثعب دما قوله: "الثعبان" قال ابن عباس الحية الذكر قوله: "الثعارير" هي الضغابيس قال الأصمعي هو نبات ينبت في أصول الثمام شبه الهليون وقال أبو عبيدة صغار القثاء وقيل يشبهها ويقال للأقط إذا كان رطبا وقيل هو نبت يخرج من الإذخر وغيره قدر شبر فيه حموضة وقال القابسي صدف الجوهر وكأنه أخذه من الطريق الأخرى حيث قال كأنهم اللؤلؤ ولا تلازم بينهما لأنهما تشبيهان مختلفان وقوله: "في الحديث فينبتون يدل للأول
"فصل ث غ" قوله: "ثغاء" هو صوت الغنم يقال ما له ثاغية أي غنم قوله: "كالثغب شرب صفوه" هو بسكون ثانية وفتحه الماء المستنقع من المطر وقوله: "وكان منها ثغبة" كذا رواه بعضهم وهو تصحيف وإنما هو نقية بالنون والقاف والتشديد وقوله: "ثغرة نحره بضم أوله هي النقرة التي بين الترقوتين والثغر ما يلي دار العدو وأثغر الصبي إذا نبتت سنة وإذا قلعت
"فصل ث ف" قوله: "استثفري بثوب" أي شدي على فرجك وهو مأخوذ من ثفر الدابة وهو الذي يشد تحت ذنبها قوله: "جمل ثفال" بفتح أوله هو البطيء السير وخطؤا من كسر أوله
"فصل ث ق" قوله: "الثاقب المضيء" يقال اثقب نارك للموقد قوله: "ثقب" في تنور وللكشميهني بالنون قوله: "ثقف" أي فطن وزنا ومعنى قوله: "لما ثقل" أي أشتد مرضه قوله: "الثقل من جمع" بفتحتين هو متاع المسافر وأتباعه قوله: "اثقالا" أي أوزارا وقوله: "مثقلة إلى حملها" أي مثقلة ذنبا وقوله: "مثقال ذرة" أي زنة ذرة ومنه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع أي غلب عليهم النوم حتى ما يطيقوا القيام من ثقل الرؤوس والغشى المثقل أي الذي يثقل صاحبه
"فصل ث ك" قوله: "ثكلتك أمك" الثكل بفتحتين وبضم ثم سكون الفقد وهي كلمة تستعمل ولا يراد بها حقيقتها
"فصل ث ل" قوله: "ثلاث ورباع" بين في الأصل قوله: "ثلطت" أي سلحت والثلط بسكون اللام الرجيع السهل قوله: "يثلغ رأسه" أي يشدخ قوله: "ثلة" بالضم أي أمة كذا في الأصل والثلة القطعة من الناس وبفتح أوله القطعة من الغنم قوله: "ثلة الجدار" أي الموضع المنهدم منه
"فصل ث م" قوله: "ثمد قليل الماء" قيل هو ما يظهر من الماء في الشتاء قوله: "ثمال اليتامى" أي مطعمهم وعمادهم أو ظلهم وقيل مطعمهم في الشدة قوله: "ثمل" بكسر الميم أي سكران قوله: "ثمرت أجره" أي نميته وكثرته قوله: "ثمر الأراك" بفتحتين أي ما يؤكل منه قوله: "وكان له ثمر" قال مجاهد ذهب وفضة وقال غيره جماعة الثمر قوله: "ثم" بالضم حرف عطف يرتب ما بعده على ما قبله قوله: "ثم" بالفتح ظرف مكان وقوله: "أثم" هو الهمزة للاستفهام أي أههنا هو قوله: "ثامنوني" أي بايعوني فيه واذكروا لي ثمنه قوله: "ثمنهن" بضم أوله أي ميراثهن وهو الثمن
"فصل ث ن" قوله: "في ثنته" بالضم وتشديد النون بعدها مثناة هو ما بين السرة والعانة قوله: "ثنية جارية" أي سنها المقدم وثنية الوداع موضع على طريق المدينة قوله: "بيع الثنيا" بضم أوله وسكون ثانيه أي ما يستثنى في البيع قوله: {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} قرأ بن عباس تثنوني لأبي الهيثم بمثناة أوله ولغيره بتحتانية ثم مثلثة ساكنة ثم نون مفتوحة وبعد الواو نون مكسورة وصدورهم بالضم وهو أفعوعلت من انثنى الشيء أنعطف قال في الأصل كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا بفروجهم إلى السماء
"فصل ث و" قوله: "ثاب رجال" أي رجعوا وقوله: "ثابت إلينا أحسابنا" أي رجعت وقوله: "مثابة" أي مجتمعا وقيل معاذا قوله: "ثوب بالصلاة" أي دعي إليها قوله: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّار} أي جوزي قوله: "لا بأس أن يعطى الثوب بالثلث" كذا للأكثر بالموحدة ولابن السكن والنسفي بالراء قال عياض الثاني أشبه بسياق الباب قلت والأول موجه أيضا لأنه في النساجة وذاك في الزراعة قوله: "ثائر الرأس" أي منتشر الشعر قوله: "يثور من بين أصابعه" أي ينتشر قوله: "جبل ثور" هو معروف بمكة وثور جبل آخر صغير بالمدينة خلف أحد وأنكره مصعب الزبيري وأثبته جماعة قوله: "ثوى" أي أقام ومثواه أي مقامه
"فصل ث ي" قوله: "الثيب" من تزوج وحصل له الوطء يقال للأنثى وللذكر وهو من ثاب يثوب كأنه من صلح لعود الوطء وقيل لأنها ترجع بغير الوجه الذي كانت عليه من الحياء


حرف الجيم"فصل ج ا" قوله: "فجئثت" يأتي في ج ث قوله: "جأشه" بسكون الهمزة أي قلبه قوله: "لها جؤار" هو صوت البقرة ويستعمل للآدمي وقوله: "ثم إليه تجأرون" أي تضجون وتستغيثون
"فصل ج ب" قوله: "جب أسنمتها" أي قطعها قوله: "الجب" بالضم أي الركبة التي لم تطو قوله: "الجبت" بالكسر قال عمر السحر وقال عكرمة الشيطان قوله: "جبتان" تثنية جبة وهي ما قطع من الثياب مشمرا ويقال بالنون قوله: "جبذت بثوبه" الجبذ معروف ويقال فيه الجذب ومنه فاجتذبتها واجتبذتها قوله: "جبار" أي هدر لا يطلب قوله: "بجبلي طيء" هما أجا بوزن ذهب وسلمى قوله: "والجبلة الأولين" قال هم الخلق جبل خلق ومنه جبلا وجبلا مخفف ومثقل قوله: "الجبن" هو ضد الشجاعة قوله: "تجبى" أي تجلب قوله: "وأحدثنا التجبيه" بفتح المثناة وسكون الجيم وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم هاء فسر في الحديث بالجلد والتحميم والمخالفة في الركوب قال ثابت وقد يكون معناه التعيير والإغلاظ من جبهت الرجل أي قابلته بما يكره وضبطها بعضهم بمثناة آخره وقبلها حركة وأصله البروك وهو بعيد هنا
"فصل ج ث" قوله: "جثئت منه" بكسر المثلثة بعدها همزة ساكنة وقد تسهل ياء ثم تاء المخاطب والأكثر بتقديم الهمزة أي رعبت وخفت قوله: "اجتثت" أي قطعت قوله: "المجثمة" هي المحبوسة لترمى قوله: "جثا" بوزن عرا جمع جاث أي بارك على ركبتيه قوله: "جاثية" أي مستوفزة على الركب وقوله: "فجثا" فعل ماض منه
"فصل ج ح" قوله: "من جحرها" أي مكانها والجحر المكان الضيق قوله: "جحش" بالضم هو أكبر من الخدش قوله: "الجحفة" بالضم ثم السكون مشهورة من المواقيت قوله: "الجحيم" هو من أسماء النار وأصله ما أشتد لهبه
فصل ج د" قوله: "أجادب" إحداها جدبة بفتح أوله وكسر ثانيه وقد يسكن ضد الخصبة قال الأصمعي الأجادب ما لا ينبت الكلأ قوله: "الأجداث" جمع جدث بفتحتين آخره مثلثة هو القبر قوله: "فاجدح لي" أي حرك السويق بالماء وقال الداودي أي احلب وخطيء قوله: "هذا جدكم" بالفتح أي حظكم قوله: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" قال الحسن الجد الغني وقيل الحظ وقيل العظمة وقوله: "تمادى بي الجد" بالكسر أي السرعة في السير قوله: "فأطال جدا" أي بالغ قوله: "جواد الطريق" جمع جادة بالتشديد وقد يخفف وهي الواضح منها قوله: "جداد النخل" أي صرامها وقطع ثمرها قوله: "عن الجدر" هو من البيت أي الجدار الذي في الحجر وهو الأساس القديم وليس المراد الحجر كله ومنه حتى يبلغ الجدر قوله: "أعطيت جدلا" أي حجة ومدافعة قوله: "فجدع وسب" أي دعا عليه بالقطع وقوله: "هل تحس فيها من جدعاء" أي مقطوعة الأذن
"فصل ج ذ" قوله: "فاجتذبتها" تقدم قبل قوله: "في جذر قلوب الرجال" الجذر بالفتح ويجوز الكسر الأصل من كل شيء قيل ومنه حتى يبلغ الماء إلى الجذر والمشهور بالدال المهملة قوله: "جذاذا" قال قتادة قطعهن قوله: "ياليتني فيها جذع" بفتحتين هو أول الأسنان والجذع من الحيوان ما لم يئن ومنه الجذع من الضأن ومنه قوله: "وليست عنده جذعة" قوله: "جذوع النخل وقوله: حنين الجذع" بكسر الجيم وسكون الذال معروف قوله: "بجذل شجرة" بكسر أوله أي أصلها وقوله: "جذيلها" بالصغير هو عود ينصب للجرباء من الإبل لتحتك به قوله: "المجذوم" هو من أصابه الجذام أعاذنا الله منه قوله: "بني جذيمة" بالفتح وزن عظيمة هي قبيلة معروفة قوله: "جذوة" أي قطعة غليظة من الخشب ليس فيها لهب قوله: "المجذبة" بالضم ثم السكون وكسر الذال المعجمة أي المنتصبة
"فصل ج ر" قوله: "جرآء" بوزن فعلاء من الجرأة وهي الإقدام وقوله: "لأنها أجرأ" أي أكثر إقداما ومنه ما جرأ صاحبك قوله: "جرباء وقوله: "أجرب" الجرب داء معروف أعاذنا الله منه قوله: "جراب" بالكسر للجمهور وعاء من جلد وجوز القزاز الفتح قوله: "يجرجر" أي يردده بالجرجرة وهي صوت البعير عند الضجر قوله: "الجرادة" واحدة الجراد معروف وسميت بها فرس أبي قتادة قوله: "جريدة" هي سعفة النخل وقد تطلق على غيره قوله: "المجردل" كذا للأصيلي ويأتي في الخاء المعجمة قوله: "جرداوين" أي ليس عليهما شعر قوله: "تجرر" أي يجرونها من مكان إلى مكان قوله: "اجترت" أي أخرجت الجرة وهي ما كانت ابتعلته لتمضغه قوله: "الجريت لا تأكله اليهود" هو حوت يشبه الحيات ويقال فيه بحذف المثناة من آخره قوله: "الجريرة" أي الجناية ومنه بجريرة قومك أي بجنايتهم قوله: "هلم جرا" أمر بالاستمرار انتصب على المصدر أي جر جرا قوله: {الْجُرُز} بضمتين قال ابن عباس الأرض التي لا تمطر إلا ماء لا يغنى عنها قوله: "الجرس" هو الجلجل وأصله من الجرس بفتح ثم سكون وهو الصوت الخفي ويقال بكسر أوله قوله: "جرست" أي رعت قوله: "الجرف" بضمتين موضع معروف بالمدينة على ثلاثة أميال وقوله: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ} أصله ما تجرفه السيول وطاعون الجارف وقع بالعراق مرارا أولها سنة سبع وستين ثم سنة سبع وثمانين وسمي بذلك لكثرته كأنه جرف الناس كالسيل قوله: {يَجْرِمَنَّكُمْ} أي يحملكنم قاله بن عباس وقيل معنى
لا جرم لا محالة ويقال أجرم وجرم بمعنى وقيل أصل جرم كسب ومنه اجترم أي اكتسب قوله: "الجرية" أي جرى الماء إلى أسفل قوله: "يجري عليه" أي الرزق قوله: "مجراها" أي مدفعها وهو مصدر أجريت قوله: "فأرسلوا جريا أو جريين" الجري بفتح أوله وكسر الراء وتشديد الياء الرسول لأنه يجري في الحوائج ومنه قوله: "لا يستجرينكم الشيطان
"فصل ج ز" قوله: "جزيرة العرب" قال المغيرة مكة والمدينة واليمامة واليمن وروى مثله عن مالك قوله: "في جزارتها" بكسر الجيم أي على عمل الجزار قوله: "الجزور" بفتح أوله هو ما يجزر من الإبل أي يذبح والجمع جزائر وجزر قوله: "الجزع" بالتحريك القول السيء وقيل الفزع قوله: "يجزعه" أي يطرح عنه الجزع قوله: "من جزع أظفار" بإسكان الزاي خرز معروف قوله: "فتجزعوها" أي تقسموها قوله: "جزافا" مثلث الجيم أي بغير كيل ولا وزن قوله: "الجزل" أي القوي قوله: "أيجزي إحدانا" أي أيكفي وقوله: "ما أجزأ فلان أي ما أغني وأجزاني بالهمز كفاني وقوله: "ويجزي من ذلك ركعتان أي ينوب ويقضي وقوله: "أجزي به أي أثيب
"فصل ج س" قوله: "جسدا" قال مجاهد شيطانا وقال غيره ولدا صغيرا شق إنسان قيل هو الذي ولدته إحدى جواريه حيث أقسم أن يطأهن فيحملن فيلدن ولم يقل إن شاء الله قوله: "ثم يؤتى بالجسر" أي الصراط وهو كالقنطرة بين الجنة والنار يمر عليها المؤمنون قوله: "ولا تجسسوا" أي لا تسألوا عن السر وقيل التجسس التبحث
"فصل ج ش" قوله: "جشته"ط أي طحنته قوله: "جشاء" بضم أوله والمد يعني أن فضل طعامهم يخرج فيه قوله: "لتجشمت لقاءه" أي تكلفت
"فصل ج ع" قوله: "جعبة" بفتح أوله من نبل هي الكنانة التي يوضع فيها السهام قوله: "جعدا" الجعد في الشعر المتجعد وفي الرجال والحيوان الشديد الخلق قوله: "الجعرانة" هو موضع معروف بين مكة والطائف بكسر أوله وبكسر العين وتشديد الراء ويقال بإسكانها وتخفيف الراء قال علي بن المديني أهل المدينة يخففونها وأهل العراق يشددونها وخطأ الخطابي التشديد قوله: "يكون انجعافها" أي انقلاعها قوله: "الجعائل" جمع جعيلة وهو ما يجعله القاعد لمن يخرج عنه مجاهدا والجعل ما يجعل على عمل معين
"فصل ج ف" قوله: "فيذهب جفاء" يقال أجفأت القدر إذا غلت فعلاها الزبد قوله: "الجفاء" بفتح أوله أي التباعد وعدم الرقة والرحمة قوله: "يجافى جنبه" أي يجفو فراشه من الجفاء وهو البعد قوله: "الجفرة" بالفتح هي من ولد الضأن ما مضي له أربعة أشهر قوله: "جف طلعة" أي غشاؤها قوله: "جفن السيف" أي غمده وقوله: "كجفنة الركب أي أعظم قصعة معهم
"فصل ج ل" قوله: "تلقى الجلب" أي ما يجلب من البوادي إلي القرى قوله: "جلبان السلاح" بضم اللام وتشديد الموحدة وبتسكين اللام والتخفيف وذكر في الصلح جلبة بضمتين هو جمع جلبة وهي الغمد والغلاف


يتبع
تقبل الله منا

اخت مسلمة
06-09-2009, 12:35 AM
قوله: "جلبابها" قال النضر الجلباب ثوب أقصر من الخمار وأعرض منه وهو المقنعة قوله: "فهو يتجلجل" أي يغوص وروى بخاءين معجمتين والأول أشهر قوله: "فاطلعت في الجلجل" لم يفسره صاحب المشارق والمطالع ولا صاحب النهاية وأظنه الجلجل المعروف وهو الجرس الصغير الذي يعلق في عنق الدابة قوله: "باجليح" بوزن عظيم لم يذكروه أيضا ويحتمل أن يكون فعيلا من الجلح أو هو علم على المخاطب بذلك أو من التجليح وهو التصميم على الأمر قوله: "جليدا" وقوله: "جلدا" هو من الجلادة وهي القوة قوله: "من جلدتنا" أي من جنسنا وقوله: "جلده" أي ضربه بالجلدة قوله: "إنك لجلف" أي غليظ أحمق قوله: "أذخر وجليل" الجليل بالجيم الثمام بضم المثلثة نبت معروف قوله: "جلالها" بالكسر هي الثياب التي تلبسها البدن قوله: "أجليكم منها" الجلاء بالفتح الإخراج من أرض إلى أرض وفي النعوت الحسني ذو الجلال أي العظمة قوله: "في ذكر الحوض فيجلون" أي يبعدون ويرون بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام بعدها همزة أي يطردون عن الماء
"فصل ج م" قوله: "يجمحون" أي يسرعون ومنه فجمح موسى في أثره أي أسرع قوله: "الجمد" بفتح الميم وسكونها الماء الجامد وقوله: "جامدة" أي قائمة وقوله: "جمادى" أي أحد الشهرين سمي بذلك لأنه اتفق وقوعه في قوة الشتاء قوله: "استجمر" أي تمسح بالأحجار والجمار بالكسر الحجارة الصغار وقوله: "رمى الجمرة" هي المواضع التي يرمي فيها حصيات الجمار في مني وأكبرها جمرة العقبة قوله: "جمز" بالزاي أي وثب وعدا وأسرع قوله: "من جمع" بإسكان الميم هو مكان معروف بالمزدلفة وهو اسم المشعر الحرام وقيل هو المزدلفة نفسها وقوله: "تموت بجمع" بفتح أوله وبضمه أيضا والميم ساكنة أيضا أي تموت في نفاسها قوله: "من تمر الجمع" هو كل ما لا يعرف له اسم قوله: "فأجمعت صدقه" أي عزمت عليه قوله: "الصلاة جامعة" أي في جماعة أو ذات جماعة قوله: "مستجمعا ضاحكا" أي مقبلا على ذلك قوله: "جوامع الكلم" قال البخاري بلغني أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت لمن قبله في أمر واحد أو أمرين وقال غيره المراد الموجز من القول مع كثرة المعاني وجزم في النهاية بأن المراد القرآن قوله: {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} قال هي حبال السفن قوله: "جملوه فباعوه" أي أذابوه قوله: "حبا جما" أي كثيرا قوله: "فقد جموا" بالفتح وتشديد الميم أي استراحوا ومنه قوله: "مجمة للمريض بكسر الجيم وفتحها إن فتحت الميم فإن ضممتها كسرت الجيم أي مربحة قوله: "جمته" بالضم أي شعره الكثير وهو أكثر من الوفرة قوله: "فوفى شعري جميمة" بالتصغير أي بقي يسيرا قوله: "مثل الجمان" بالضم والتخفيف وهو شذور تصنع من الفضة أمثال اللؤلؤ
"فصل ج ن" قوله: "يجنأ عليها" بالهمزة قيده الأصيلي ولغيره بالحاء المهملة وصحح أبو عبيد يجنأ بفتح أوله بالجيم قوله: "جنب" وقوله: "أجنبت" من الجنابة وأصلها البعد واستعمل في إنزال المني ونحوه لأن صاحبه يبعد عن المسجد وعن الصلاة قوله: "فبصرت به عن جنب أي عن بعد وقوله: "الجار الجنب" هو الغريب قوله: "تمر جنيب" أي ليس بمختلط وقال مالك هو الكبيس وقيل الطيب وقيل القوي قوله: "جنبات أم سليم" أي نواحيها ومنه على جنبتي الصراط بالتحريك أي ناحيتيه قوله: "جنابذ اللؤلؤ" واحدها جنبذة وفسر بالقباب وسيأتي في حبائل قوله: "جنح الليل" بضم أوله وبكسره هو أول الليل وقيل قطعة من نصفه الأول وقوله: "استجنح الليل" أي أقبل وقوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} أي طلبوا قوله: "أمراء الأجناد" جمع جند كان عمر قسم الشام أجنادا أربعة وقيل خمسة فولى على كل جند منها أميرا ومنه الأرواح جنود مجندة قوله: "جنازة" بكسر الجيم وفتحها يقال للميت ولسريره وقيل بالفتح للميث وبالكسر للسرير قوله: "جنفا" أي ميلا قوله: "جنة من النار" بضم أوله أي ستر ومنه جنتان من حديد ومنه المجن وهو الترس والجمع مجان بفتح الميم ومنه كالمجان المطرقة قوله: "يجن بنانه" أي يسترها قوله: "جن" بالفتح أي أظلم وسمي الجن جنا لاستتارهم وقيل لكل ما استتر جنة بالكسر قوله: "الجنين" هو الولد ما دام في بطن أمه قيل له ذلك لاستتاره فإذا وضعته فإن كان حيا فهو ولد أو ميتا فهو سقط وقد يطلق عليه جنين مجازا قوله: "جنان البيوت" بكسر أوله هي الحيات وقيل البيض الدقاق وقيل ما لا يتعرض للناس وفي الأصل الحيات أجناس الجان والأفاعي والأساود
"فصل ج ه" قوله: "بلغ مني الجهد" الأكثر بالفتح ولبعضهم بالضم وهو المشقة وقرىء {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} بالوجهين قوله: "اجهد جهدك" أي أبلغ أقصى ما تقدر عليه وقوله: "جاهدا عليه أي مبالغا في أذاه وكذا أجهد علي قوله: "جهد البلاء" قيل الشدة وقيل كثرة العيال وقلة المال وقوله: "في الجماع" ثم جهدها أي بالغ في مشقتها وإخراج ما عندها قوله: "جهرة" أي معاينة قوله: "إلا المجاهرين" أي المعلنين بالمعصية والجهر ضد السر وفيه وإن من المجاهرة وفي رواية الحموي وإن من المجانة قوله: "قضيت جهازك" أي فرغت من تحصيل أهبة السفر ومنه أجهز جيشي قوله: "جهش الناس" أي استقبلوه مستعدين للبكاء قوله: "فلا يرفث ولا يجهل" أي لا يقل قول أهل الجهل والجاهلية ما قبل الإسلام وقد تطلق باعتبار قوم مخصوصين
"فصل ج و" قوله: "الجوبة" بالفتح هي المكان المتسع من الأرض وقوله: "جابوا" أي نقبوا بجوب الفلاة أي بقطعها وقال مجاهد كالجوابي حياض الإبل قوله: "مجوب عليه" أي مترس قول جواثي بالضم وفتح الواو الخفيفة وبالمثلثة قرية من البحرين قوله: "جائحة" أي مصيبة ومنه اجتاح أصله أي أهلكه كله قوله: "بالجود" بفتح أوله هو المطر الغزير قوله: "يجود بنفسه" أي يخرجها من جسده قوله: "الجودي" قال مجاهد جبل بالجزيرة قوله: "جور عن طريقك" أي مخالف قوله: "الجوار" بكسر أوله وبواو خفيفة أي المجاورة قوله: "له جؤار" بالضم وبالهمزة أي له صوت تقدم في أول الحرف قوله: "جاسوا" أي يمموا قوله: "جواظ" بوزن فعال آخره ظاء معجمة هو البطين القصير وقيل غير ذلك قوله: "مجاعة" من الجوع أي زمان الجوع وقوله: "الرضاعة من المجاعة" أي ممن يرضع لجوعه قوله: "الجوف من مراد" كذا للأكثر بالواو وهو موضع باليمن وللكشميهني بالراء بدل الواو وغلط قوله: "فأجافوا عليهم الباب" أي أغلقوا ومنه أجيفوا الأبواب قوله: "جولة" أي انكشاف وذهاب عن مكانهم ومنه ثم جالت الفرس قوله: "عروة جوالقه" بالضم أي الغرارة والجمع جوالق قوله: "فاجتووا المدينة" أي استوخموها قوله: "كأنها جونة عطار" بضم أوله مهموز ويسهل هي الوعاء قوله: "يجيل القداح" أي يديرها والمراد أنه يخلطها ويضرب بها
"فصل ج ي" قوله: "جيب القميص" أي فرجه أو شقه الذي يدخل منه الرأس قوله: {الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ}


أي السراع قاله مجاهد قوله: "كأجاويد الخيل" أجاويد جمع جيد وهو الأصيل فيها قوله: "جائزته يوم وليلة" قيل ما يجوز به ويكفيه قوله: "لا نجيز البطحاء إلا شدا" من أجاز الوادي إذا قطعه ومنه فأكون أنا وأمتي أول من يجيز أي أول من يجوز قوله: "قبل أن تجيزوا علي" أي تكملوا قتلي قوله: "أجيزوا الوفد" أي أعطوهم الجائزة قوله: "أن يجيزا بني بواحد من الخمسين" أي يفتديه قوله: "فليتجوز" أي ليسرع قوله: "يشق على اجتيازه" أي المضي فيه قوله: "حتي يجيش" أي يفور أو يندفق قوله: "جيفة" بالكسر الميت الذي أنتن وقوله: "الجيف" بالكسر وفتح الياء هو الجمع وقوله: "قد جيفوا" أي صاروا جيفا قوله: "فوجدوا الجام" هو إناء معروف من فضة أو غيرها وهو مستدير لا قعر له غالبا

"حرف الحاء"فصل ح ب" قوله: "حب رسول الله صلى الله عليه وسلم" بكسر أوله أي محبوبه قوله: "بحبيبتيه" أي بعينيه قوله: "الحبة السوداء" بفتح أوله فسرت في الحديث الشونيز وهي في العرف الآن أشهر من الشونيز وحكى الحربي عن الحسن أنها الخردل قوله: "كما تنبت الحبة" بكسر أوله قال الفراء هي بزر البقل البري وقال أبو عمرو نبت ينبت في الحشيش وقيل ما كان في النبات له اسم فواحده حبة بالفتح وما لا اسم له حبة بالكسر وقوله: "حبة من خردل بالفتح واحدة الحب قوله: "لم يكن لهم يومئذ حب" يعني حنطة وكذا قوله: "حب الحصيد" قيل الحنطة وقيل أعم قوله: "برد حبرة" بكسر أوله وفتح ثانيه من التحبير وهو التزيين والمراد هنا عصب اليمن وقوله: "لا ألبس الحبير" قيل هو مثله وقيل هو ثوب وشى مخطط وقيل جديد قوله: "حبر العرب" بفتح أوله وكسره أي عالمهم وقوله: "كعب الأحبار" أي العالم وقيل سمي بذلك للحبر الذي يكتب به وقال الشاعر
والعالم المدعو حبرا إنما ... سماه باسم الحبر حمل المحبر
قوله: "حبسه القرآن" أي منعه من الخروج منها قال في الأصل يعني قوله: "خالدين فيها قوله: "لعلها تحبسنا" أي تمنعنا وكذا قوله: "فحبسه بعد ما أقيمت الصلاة قوله: "جمعوا لك الأحابيش" تقدم في "فصل ا ح" قوله: "ما يقتل حبطا" يقال حبطت الدابة إذا أكلت المرعى حتي تنتفخ بطنها فتموت وقوله: "حبط عمله" أي بطل قوله: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} أي محتبكة بالنجوم وقال في الأصل يعني استواءها وحسنها قوله: "حبائل اللؤلؤ" كذا لجميع الرواة في جميع المواضع إلا في أحاديث الأنبياء لغير المروزي فقالوا جنابذ وقد تقدم في الجيم قال جماعة حبائل تصحيف من جنابذ وقال ابن حزم لا أعرف حبائل ولا جنابذ وفسر غيره جنابذ بالقباب كما تقدم وقال عياض يحتمل أن يريد بالحبائل القلائد والعقود والحبل هو الطويل من الرمل أو يريد جمع حبلة وهو ضرب من الحلي معروف وتعقبه بن قرقول فقال الحبائل إنما يكون جمع حبالة أول حبيلة لا جمع حبل ولا حبلة وقال صاحب النهاية يحتمل أن يكون حبائل جمع حبل على غير قياس والله أعلم قوله: "نهي عن بيع حبل الحبلة" بتحريك الموحدتين وبتحريك الأولي وتسكين الثاني فسره في رواية مالك عن نافع ببيع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها وفي رواية جويرية عن نافع كذلك وأبهم المفسر في رواية عبيد الله عن نافع وقيل هو شراء نتاج
النتاج على تقدير أن يكون ما في بطن الناقة أنثى وقيل هو بيع العنب قبل طيبه لأن الحبلة وهي الكرمة تقال بسكون الباد وفتحها وقيل معناه بيع الأجنة وهي الحبل في بطون الأمهات وهي الحبلة والحبلة بالتحريك جمع حابلة قاله الأخفش فائدة قالوا الحبل بالموحدة مختص بالآدميات إلا 3في هذا الحديث قوله: "وما لنا طعام إلا ورق السمر والحبلة" قيل الحبلة ثمر السمر وهو يشبه اللوبيا ووقع لمسلم إلا الحبلة وهو السمر وقيل الحبلة ثمر العضاه وقيل ثمر الطلح قوله: "تقطعت بي الحبال" جمع حبل وهو المستطيل من الرمل وقيل الضخم المرتفع منه قوله: "يحتبى بثوبه" أي ينصب ساقيه ويدير عليهما ثوبه أو يعقد يديه على ركبتيه معتمدا والاسم الحبوة والحبية بضم الحاء وكسرها قوله: "ولو حبوا" أي زحفا وهو زحف مخصوص يقال لمن زحف على إستة أو على يديه ورجليه ومنه ومنهم من يحبو
"فصل ح ت" قوله: "تحته بظفرها" أي تقشره ومنه قوله: "فحتها" وكذا قوله: "حتيه وقوله: "لا يتحات ورقها" أي لا يسقط قوله: "مات حتف أنفه" يقال لمن يمرت على فراشه والحتف الموت قال أبو عبيد كأن أنفه أماته بانقطاع النفس وقيل أن نفسه تخرج على فراشه من فمه وأنفه
"فصل ح ث" قوله: "أحث الجهاز" أي أعجله وقوله: "أكلا حثيثا" أي سريعا وتكرر بتصاريفه قوله: "في حثالة" بالضم أي رذالة قوله: "فأحث" فعل أمر بالحثو وهو الحثي أيضا وأصله الغرف باليد
"فصل ح ج" قوله: "حاج آدم موسى" أي غلبه بالحجة وظهر عليه قوله: "لا حجة لهم" أي لا برهان وقال مجاهد لا خصومة قوله: "شهر ذي الحجة" بالفتح وبالكسر سمي بذلك لأنه يحج فيه قوله: "الحجيج" أي الحجاج وهما جمعان قوله: "حجيجه" أي غالبه بالحجة قوله: "ربيبتي في حجري وفي حجر ميمونة" هو بالفتح معناه التربية كالحاضنة وتحت النظر والمنع مما لا ينبغي وحكى في المنع التثليث وكذا في المصدر وأما قوله: "أجلسه في حجره" فيجوز فيه الفتح والكسر إذا أريد به الثوب والحضن وإن أريد به الحضانة أو المنع فالفتح لا غير وكذا المصدر وحكى في المحكم الضم أيضا إذا أريد به الحضن وإن أريد به الاسم فبالكسر لا غير وفي الأصل في قوله تعالى {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ} هو موضع ثمود وأما {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} فمعناه حرام وكل ممنوع فهو حجر محجور والحجر كل بناء بنيته فحجرت عليه من الأرض ومنه سمي حطيم البيت حجرا ويقال للأنثى من الخيل حجر ويقال للعقل حجر وأما حجر اليمامة فهو المنزل ا ه وكل ذلك بالكسر إلا حجر اليمامة قوله: "تحجرت واسعا" أي ضيقت وكذا حجرت وأما تحجر كلمة فمعناه صار يابسا كالحجر من يبسه عند اجتماعه قوله: "وكانت عائشة تطوف حجرة" بالفتح وسكون الجيم أي ناحية منفردة غير بعيدة قوله: "فأتيت به الحجر" بضم ثم فتح هي البيوت جمع حجرة ومنه مما يلي الحجر ومنه احتجره حجرة وقوله: "يحتجره من الليل أي يمنعه قوله: "فما احتجزوا" بالزاي ما انكفوا عنه قوله: "آخذ بحجزكم" بالضم ثم الفتح جمع حجزة وهي معقد السراويل والازار ومنه وهي محتجزة وقوله: "أخرجته من حجزتها وللقابسي من حزتها على الإدغام وقوله: "فجعل يحجزهن ويغلينه أي يحول بينهن وبين النار قوله: "الحجاز" ما بين نجد وجبل السراة وهو جبل ممتد من اليمن إلى أطراف الشام وقيل أوله من جبل طيء قوله: "حجفة" بفتحتين أي درقة قوله: "مثل زر الحجلة" المشهور بفتحتين والزر واحد والأرار التي في العرى كأزرار القميص والحجلة على هذا الكلة وهي ستر مسجف ووقع في صفة النبي صلى الله عليه وسلم الحجلة من حجل الفرس الذي بين عينيه وقيدوه بضم أوله وسكون ثانيه وهو القيد وبه سمي حجل المرأة بمعنى الخلخال وبكسر زوله وفتح ثانيه وقيل هو خطأ لأن حجل الفرس بياض في قوائمها لا في عينيها ومنه يأتون غر محجلين ويمكن توجيه وقال الترمذي هو زر أبيض ووقع للخطابي بتقديم الراء على الزاي وسيأتي قوله: "فجعلت أحجل" أي أقفز على رجل واحدة والاسم منه الحجل بالفتح ويجوز الكسر ثم السكون ومنه يحجل في قيوده قوله: "حجمه واحتجم" والمحجم الالة التي يمص بها موضع الحجامة قوله: "الحجون" بالفتح ثم الضم مخففا هو الجبل الذي بجانب مسجد العقبة وقال الزبيدي هي مقبرة أهل مكة قوله: "بمحجن" بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الجيم عصا معوجة وقوله: "حجنه بمحجنه أي نخسه بطرفه قوله: "يقال للعقل حجر وحجا" بكسر أوله مقصور هو من أسماء العقل بمعنى المعرفة والتيقظ
"فصل ح د" قوله: "الحداء" بضم أوله والمد مهموز هو ضرب من الغناء تساق به الإبل قوله: "الحدأة" بالكسر وفتح الدال بعدها همزة طير معروف ويقال بالقصر أيضا ويقال له الحديا بالضم وتشديد الياء والحدياة مثله بزيادة هاء في آخره والجمع كالأول بلا هاء كعنبة وعنب قوله: {مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} قال قتادة أي أكمة وقال غيره هو ما ارتفع من الأرض ويظهرون من غليظ الأرض ومرتفعها والجمع حداب قوله: "الحديبية" بالتخفيف والتثقيل موضع معروف من جهة جدة بينها وبين مكة عشرة أميال قوله: "لولا حدثان قومك" بكسر أوله وسكون الدال أي قرب عهدهم قوله: "حدث به عيب" بفتح الدال حيث وقع إلا في قولهم ما قرب وما حدث فبالضم قوله: "لمن أحدث عليه" أي تغوط وقوله: "ما لم يحدث" فسر في الحديث بالفساء والضراط وفي رواية النسفي ما لم يحدث فيه يؤذ فيه وهو تفسير للحدث فيحتمل المعنى الأعم أيضا ولبعضهم بزيادة أو بينهما قوله: "من أحدث حدثا" أي فعل فعلا لا أصل له والمراد مما يخالف الشرع قوله: "من أمتي محدثون" بفتح الدال وتشديدها وقرأ بن عباس من نبي ولا محدث قيل المراد يجري الصواب على ألسنتهم من غير قصد وقيل المراد الإلهام وهو في مسلم بلفظ ملهمون قوله: "حداث الأسنان" بضم أوله والتشديد أي شباب والحداث أيضا الذين يتحدثون مثل السمار قوله: "ما يحدون إليه النظر" أي يديمون أو يبالغون قوله: "يستحد بها" أي يحلق شعر عانته وكذا تستحد المغيبة قوله: "مازلت أرى حدهم كليلا" أي شدتهم ضعيفة قوله: "أن تحد على ميت" بالضم من الرباعي وهو الإحداد ومن الثلاثى أيضا يقال حدت وأحدت والمراد الامتناع من الزينة والطيب قوله: "فيحد لي حدا" أصل الحد المنع والفصل بين الشيئين والمعني يمنعني من تجاوزه قوله: "يحادون" قال في الأصل أي يشاقون وهي مفاعلة من المحادة وكأن أصله أن العدو يلاقى عدوه بحد السيف أو أن كلا منهما يجاوز الحد في العداوة قوله: "ذات الشوكة" أي الحدة والمراد حدة القوة والظهور قوله: "محدودين" أي ذهب حدهم وقوتهم ومنه أرى حدهم كليلا وقوله: "أدارى منه بعض الحد أي شدة الخلق ومنه وكان رجلا حديدا أي شديد الخلق قوله: "على حدة منه" بالكسر وفتح الدال مخففا أي ناحية
"فصل ح ذ" قوله: "معها حذاؤها" بالكسر والمد أي نعلها وقوله: "حذاء الإمام" أي بجنبه ومنه حذو قديد قوله: "فحذف بيديه" أي رمى وكذا حذفه بالسيف وأما حدفه بعصاه فغلط من قاله بالمعجمة قوله: "وإما أن يحذيه" يقال أحذيت الرجل إذا أعطيته وحذيته أيضا والاسم الحذيا والحذية ومنه يحذين ومنه يحذين من الغنيمة
"فصل ح ر" قوله: "حراء" هو جبل معروف بمكة بكسر أوله وحكى فيه الفتح والضم وهو ممدود ويقصر ويصرف ولا يصرف قوله: "الحربة" هي رمح قصير معروفة وقوله: "بحرابهم جمعهما قوله: "محروبين" أي مسلوبين يقال حرب الرجل إذا سلب حريبته أي ماله فهو حريب ومحروب والاسم الحرب بفتحتين قوله: "الحربي منسوب إلى أهل الحرب قوله: "المحاربة لله" قال البخاري هي كلمة الكفر قوله: "خميصة حريثية" قيل هو تصحيف والصواب جونية بالجيم والنون وقيل بل منسوبة إلى رجل يقال له حريث قوله: "ويتحرج وقوله: أحرجكم وقوله: التحريج وقوله: حتى يحرجه" كله من الحرج وهو ضيق الصدر وغيره ويطلق علي الإثم وقوله: "علي حرد" قال قتادة جد في أنفسهم قوله: "الحرور" قال هو بالنهار مع الشمس وقال ابن عباس ورؤية الحرور بالليل والسموم بالنهار وقيل هذا هو الأغلب وقد يطلق كل على الآخر وقيل هو الحر الشديد ليلا أو نهارا والسموم بالنهار فقط وعن الكسائي هما سواء قوله: "استحر القتل" بتشديد الراء أي كثر واشتد قوله: "الحرة" بالفتح والتشديد هي أرض ذات حجارة سود والمراد بذلك حرة المدينة ومنه قوله: "إلى الحرتين ويوم الحرة" اسم وقعة كانت بحرة المدينة في خلافة يزيد بن معاوية قوله: "وحرزا للأميين" أي يحوطهم وقوله: "إلى جبل لأحرزه أي أحفظه فيه قوله: "حرضا" أي محرضا يذيبك الهم كذا في الأصل وقال غيره رجل حرض أي فاسد قول حرفتي أي كسبي واحترف أي اكتسب قوله: "فحرفها" أي جعلها محرفة إشارة إلى صفة قطع السيف قوله: "اقرأ على حرف" أي على لغة وقوله: "يحرفون" أي يغيرون قوله: "الحرقات من جهينة" وأحدها الحرقة بالضم ثم الفتح قبائل منهم قوله: "حركت بعيري" أي دفعته ليمشي سريعا قوله: "وحرم على قرية" بكسر الحاء أي وجب أن لا رجوع وعلى قراءة وحرام على قرية حرم الرجوع فيتحد المعنى قوله: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} جمع حرام أي محرم أو داخل الحرم وقوله: "وحرم الحج" بضمتين جميع أموره وفتح الأصيل الراء أي الممنوعات قوله: "مع ذي محرم" أي مع من يحرم عليه نكاحها قوله: "حرمها الله" أي جعلها حراما قوله: "إن الصورة محرمة" أي محرمة الضرب قوله: "لحرمة" بالضم وقيل بالكسر وصوبه ثابت وعكسه الخطابي قوله: "أحرورية" الحروري نسبة إلي حروراء قرية بالعراق وهم طائفة من الخوارج كان ابتداء خروجهم بها ويقال لجماعتهم الحرورية وقال مصعب بن سعد عن أبيه الحرورية الذين ينقضون عهد الله ومنه قوله: "عام حج الحرورية" قوله: "فليتحر الصواب" وقوله: "أحرى أن لا يفعل" هو من التحري وهو طلب الصواب وقوله: "حرى أن لا يفعل أي خليق وزنا ومعنى ويقال أيضا حر بالتنوين بلا تشديد والواحد والإثنان والجماعة سواء وأحرى أفعل تفضيل منه قوله: "يستحلون الحر" مخفف الراء فرج المرأة قيل أصله حرح فحذفت الأخيرة تخفيفا وهي ظاهرة في الجمع
"فصل ح ز" قوله: "الأحزاب" جمع حزب وهم الجماعة المتحزبة وقال مجاهد في تفسير حم الأحزاب القرون الماضية وقوله: "كن حزبين تثنية حزب قوله: "حتي يحزر" أي يقدر ولبعضهم بتقديم الراء أي يحفظ .
قوله: "كان حزاء" فسره بقوله: "ينظر في النجوم" أي في أحكامها ويقال له أيضا الحازي يقال حزى ويحزو إذا تكهن فكأنه أراد بيان جهة تكهنه قوله: "يحتز من كتف شاة" أي يقطع ومنه حتي حزله أي قطع والحزة بالضم القطعة قوله: "حزم على بطنه" أي شد عليه حزاما ورجل حازم أي عاقل
"فصل ح س" قوله: "الحسبة" أي طلب الأجر ومنه يحتسبون آثاركم وقوله: "إيمانا واحتسابا" والاسم الحسبان بكسر أوله وأصله ادخار أجر ذلك العمل قوله: "بغير حساب" قال مجاهد بغير حرج وكأنه تفسير باللازم قوله: "فيحسب الحاسب" أي يظن الظان وهو بكسر السين وبفتحها وأما الذي بضمها فهو من الحساب وقوله: "أتحسب عليه بتطليقة" أي تعد وقوله: "بحسبان" قيل معناه بحساب ومنازل وقيل كحسبان الرحي وحسبان جمع حساب بمثل شهاب وشهبان وقوله: "حسبانه" أي حسابه وقوله: "كتاب الله حسبنا" أي كافينا ومنه حسبنا الله قوله: "حسر" بفتحتين أي كشف وقوله: "حسرا" بالضم والتشديد جمع حاسر وقوله: "يستحسرون" أي ينقطعون وهو استفعال من حسر إذا تعب ومنه حسير وحسرت وقوله: "الحسيس والحس واحد وهو من الصوت الخفي وقوله: "تحسسوا" أي استخبروا وقيل الفرق بينهما إنه بالجيم السؤال عن العورات من غيره وبالحاء استكشاف ذلك بنفسه وقيل هما بمعنى قوله: "هل تحسون فيها قوله: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} يقال حسست وأحسست أي وجدت والرباعي أكثر منه قوله: "حسكة" أي شوكة صلبة قوية قوله: {حُسُوماً} أي متتابعة قوله: "فلم يحسمهم" أي ما كواهم بعد القطع قوله: "إحدى الحسنيين" تثنية حسنى أحداهما الشهادة والأخرى الفتح
"فصل ح ش" قوله: "يحشها" أي يجمع لهبها قوله: "حشفة" واحدة الحشف وهو التمر اليابس قوله: "حاش لله" هو تنزيه واستثناء وقيل معناه معاذ الله وأصله من حاشيت أي نحيت قوله: "حشا رابية" أي وقع على حشاك الربو بسبب التعب فيحصل منه البهر فينشأ عنه الربو يقال حشي بفتح ثم كسر أصابه الربو فانقطع نفسه
"فصل ح ص" قوله: "فحصبني وقوله: فحصبهم" هو الرمي بالحصباء وقال عكرمة معني قوله: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} أي حطب وقال غيره صاحبا الريح العاصف والحاصب ما ترمي به الريح ومنه حصب جهنم أي يرمي به فيها ويقال حصب في الأرض أي ذهب والحصب مشتق من الحصباء وهي الحجارة وقوله: "ليلة الحصبة والمحصب والتحصيب" كله من الحصباء والمراد هو الأبطح وهو خيف بني كنانة ظاهر مكة والتحصيب هو النزول بذلك المكان قوله: "حصائد ألسنتهم" أي ما يقتطعونه من الكلام واحدتها حصيدة شبهها بما يحصد من الزرع قوله: {حَصْحَصَ الْحَقُّ} الحصحصة التحريك والمراد ظهر قوله: "حب الحصيد" هو المستأصل ومنه أحصدوهم قوله: "المحصر" أي الممنوع من التصرف وقال عطاء الإحصار من كل شيء يحبسه يعني في الإحرام قوله: "حصورا" أي لا يأتي النساء قوله: "حصت كل شيء" أي اجتاحته قوله: "حصصهم" جمع حصة وهو النصيب قوله: "حصل" من التحصيل أي ميز وقوله: "بذهيبة لم تحصل من ترابها أي لم تصف ولم تخلص قوله: "حصان رزان" بالفتح أي عفيفة ومنه أحصنت فرجها وأحصنت المرأة أي تزوجت ويأتي بمعنى العفة والحرية والإسلام وحصنت مثلث الصاد قوله: "وحصانه إلي جنبه" أي فرسه المنجب سمي بذلك لأن ظهره
كالحصن لراكبه قوله: "حصن تستر" موضع من بلاد العراق فوله بيع الحصاة هو من بيوع الغرر وهو أن يقول إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع وقيل أن يقول بعتك ما تقع عليه حصاتك إذا رميت بها وبعتك من الأرض ما تنتهي إليها حصاتك قوله: "من أحصاها" أي حفظها كذا في الدعوات وقيل من أحاط بها علما ومعرفة وقيل إيمانا وقيل استخرجها من كتاب الله وقيل أطاق العمل بمقتضاها وقيل أخطرها بباله وقيل من عرف معانيها قوله: "لا أحصي ثناء عليك" أي لا أبلغ وصف واجب حقك وعظمتك
"فصل ح ض" قوله: "حضرموت" هي من بلاد اليمن مشهورة وهذيل تقوله بضم الميم قوله: "إن الكافر إذا احتضر" يقال حضره الموت إذا قرب وحضرته الملائكة الموكلون بنزع الأرواح ومنه إن ابنتي احتضرت قوله: "قراءة الليل محضورة" أي تحضرها الملاذكة قوله: "شرب محتضر" أي يحضرون الماء والحاضر ضد البادي قوله: "يحضننونا عن الأمر" أي يخرجونا قاله أبو عبيد وضبطه الأزهري بضم أوله من الخاصرة وثبت بلفظه في بدء الخلق وفي الصحاح الحضن ما تحت الإبط إلي الكشح
"فصل ح ط" قوله: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} أي حط عنا ذنوبنا قوله: "الحطيم" تقدم في الحجر قيل له ذلك لانحطام الناس فيه أي ازدحامهم قوله: "يحطم بعضها بعضا" أي يأكل بعضها بعضا وسميت جهنم الحطمة لأنها تحطم ما يدخل فيها قوله: "حطمه" أي زحمه الناس يروي بالباء والنون فبالباء المراد به كبر السن وبالنون أي كثر عليه الوفود فشغلوه عن الراحة بالنهار قوله: "قبل حطمة الناس" بالإضافة أي زحمتهم ومنه في قصة كعب يحطمهم الناس قوله: "حطاما" أي محطوما
"فصل ح ظ" قوله: "كهشيم المحتظر" قال الحظار من الشجر والحظار كل شيء مانع بين شيئين ومنه الحظيرة وقوله: "حظار شديد" أي مانع قوي ومنه حظر البيع ويحظره ومنه {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} أي ممنوعا قوله: "فليت حظى أي نصيبي قوله: "أحظى عنده منى" أفعل تفضيل من الحظور وهي عظم المنزلة
"فصل ح ف" قوله: "حفدة" بفتحتين جمع حافد قال ابن عباس من ولد الرجل وقيل أتباعه وخدمه قوله: "الحافرة" قال ابن عباس الأمر الأول وقيل أصل الحافرة الحافر ألحقت به تاء التأنيث لكثرة الاستعمال ثم كثر حتى استعمل في كل أولية قوله: "حفش" بالكسر قال مالك البيت الصغير وقال الشافعي القريب السقف وقال أبو عبيد الحفش الدرج سمي البيت به للصغر وقيل هو زنبيل من خوص شبة البيت الحقير به قوله: "أحفظه" أي أغضبه قوله: "حفوا دونهما بالسلاح وقوله: يحفونهم لأجنحتهم وحفت بهم الملائكة" أي أحدقوا بهم ومنه حافة الطريق أي جانبه والمحفة بالكسر شبة الهودج إلا أنها لا قبة لها وقوله: {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} أي مطيفين به قوله: "تحفل الإبل" أي تترك بلا حلب ليكثر لبنها ومنه المحفلة قوله: "وجعلت تحفن الماء" أي تجمعه بيديها والحفنة الغرفة باليدين أو اليد قوله: "يحفى شاربه" أي يجزه ويستقصيه قوله: "أحفوه بالمسئلة" أي أكثروا وألحوا وقوله: {كَانَ بِي حَفِيّاً} أي لطيفا وقيل بارا قوله: "الحفياء" بالمد والقصر ساكن الفاء موضع معروف بالمدينة


"فصل ح ق" قوله: "حقبا" أي زمانا والجمع أحقاب قوله: "فأحقبها ناقة" أي جعلها وراءه مكان الحقيبة قوله: "حقروا شأنها" أي صغروه وجعلوه حقيرا قوله: "الأحقاف" جمع حقف بالكسر وهو ما اعوج من الرمل قوله: "أمينا حق أمين" أي أمينا حقيقة قوله: "حقة" هي التي دخلت في رابع سنة من الإبل قيل سميت بذلك لأنها استحقت الركوب والتحميل وجمعها حقق بالضم وحقاق بالكسر وحقائق قوله: "الحاقة القيامة لأن فيها حواق الأمور والحقة والحاقة واحد والحاقة النازلة والداهية وبذلك سميت القيامة وقيل لأنها تحق كل إنسان من خير أو شر وقيل لأنها تحق كل مخاصم أي تغلبه وتخصمه قوله: "المحاقلة" هي كراء الأرض بجزء مما يخرج منها ومنه كنا أهل حقل وأصل الحقل الزرع قوله: "حاقنتي" قيل الحاقنة ما سفل من البطن والذاقنة ما علا منها وقيل الحاقنة ما فيه الطعام وقيل الوهدة المنخفضة بين الترقوتين والحلق قوله: "فأعطانا حقوه" بفتح أوله أي إزاره وهو موضع الإزار فأطلق عليه وقيل الخاصرة فقط
"فصل ح ك" قوله: "من حكة" هو داء معروف أعاذنا الله منه قوله: "المحكك" تقدم في الجيم ومعنى المحكك المعاود وأراد أنه يستشفى برأيه كما يستشفى الأجرب من الإبل بالتحكك قوله: "الحكمة" قال البخاري الحكمة الإصابة في غير النبوة وقال قتادة الحكمة السنة وقيل أنها تطلق على الفقه والعلم بالدين وعلى ما ينفع من موعظة ونحوها وعلى الحكم بالحق وعلى الحسنة وعلى الفهم عن الله ورسوله وقد وردت بمعنى النبوة
"فصل ح ل" قوله: "يحلئون" بتشديد اللام وبالهمزة أي يطردون قوله: "الحلاب" بالكسر والتخفيف الإناء الذي يحلب فيه ويقال له المحلب وأما قوله: "في الغسل باب من بدأ بالحلاب أو الطيب ففيه كلام كثير أو جهة أن مراده هل يبدأ بالغسل قبل الطيب ليبقى أثر الطيب أو بالطيب قبل الغسل وقد أوضحته في الشرح قوله: "ومن حقها حلبها على الماء" بفتح اللام ويجوز الإسكان قوله: "جمعت أحلاسها" أي ثيابها جمع حلس بالكسر وهو الكساء ونحوه يجعل على البعير تحت القتب قوله: "لا حلف في الإسلام" أصل الحلف أنهم كانوا يتعاقدون ويتحالفون على نصر بعضهم بعضا ويضعون أيديهم جميعا في جفنة فيها طيب أو غيره ومنه الحلفاء وحلفاؤهم وتحالفت وغمس حلفا قوله: "الحلقوم" فسره في الأصل بمجرى الطعام قوله: "حلق" بتشديد اللام أي ارتفع والحالق الجبل العالي قوله: "الحلقة" بالسكون السلام والجماعة المستديرون وقد تفتح لامه قوله: "اغفر للمحلقين" أي من يحلق شعره قوله: "حلقى" مقصور أصله أن المرأة كانت إذا مات لها حميم حلقت شعرها فكأنه دعا عليها بذلك لكن لا يقصد ظاهره قوله: "فلما حلت" أي صارت حلالا للأزواج قوله: "بلغت محلها" أي موضع الإحلال قوله: "وعلى غلامه حلة" هي ثياب ذات خطوط والحلة لا تكون إلا من ثوبين وقيل إنما تكون حلة إذا كانت جديدة وقال أبو عبيد الحلل برود اليمن قوله: "حل حل" بالفتح وسكون اللام هو زجر الناقة للنهوض قوله: "تحلة القسم" أي تحليل اليمين قوله: "حل من إحرامه" أي صار حلالا وكذا إذا خرج من الحرم قوله: "محلى بفضة" من الحلية قوله: "ثم برك فتحلل" أي انحلت قوته قوله: "حلوان الكاهن" أي رشوته والحلوان أصله الشيء الحلو قوله: "حليلة جاره" هي المرأة ذات الزوج قيل لها ذلك لكونها تحل معه في موضع واحد قوله: "بلغ الحلم" أي أدرك والمحتلم والحالم واحد قوله: "إذا هي احتلمت" أي رأت المجامعة في النوم قوله: "حلمة ثديه" بفتحتين هو طرفه قوله: "ذو الحليفة" يأتي في الذال المعجمة قوله: "الحلى" بفتح ثم سكون ما تتحلى به المرأة وجمعه بضم ثم كسر وتشديد ويجوز كسر أوله وقوله: "في حديث أم زرع من حلى يجوز بالمفرد وبالجمع
"فصل ح م" قوله: "حم" قال مجاهد مجازها مجاز أوائل السور أي حكمها وقيل هو اسم للسورة وقيل هو اسم الله وقيل تجمع من الحروف المقطعة أسماء لله تعالى وقيل غير ذلك قوله: "حمأ" بفتحتين جمع حماة وهو المنتن المتغير قوله: "كأنه حميت" بوزن عظيم هو زق السمن شبه به الرجل الأسود السمين قوله: "لا رقية إلا من حمة" بالضم وتخفيف الميم وخطأ الأزهري التشديد هي فوعة السم وقيل السم نفسه قوله: "حمحمة وقامت تحمحم" هو صوت الفرس وهو دون الصهيل قوله: "الحمس" قال مسلم هي قريش وما ولدت ويدخل معهم حلفاؤهم وقيل سموا بذلك لتحمسهم أي تشددهم في الأمر قوله: "حمص" مدينة بالشام مشهورة بكسر أوله وسكون الميم قوله: "أرأيت إن استحمق" أي فعل فعل الأحمق والأحمق الجاهل المتهور ومنه ليراني أحمق ومنه يحمقوا إنسانا أي ينسبوه إلى الحمق قوله: "حميل السيل" هو ما يجيء به السيل من طين وغيره فعيل بمعنى مفعول وقيل هو خاص بما لم يصك قطره ولبعضهم بالهمزة بدل اللام وهو كالحمأة قوله: "كنا نحامل" أي نحمل على ظهورنا لغيرنا قوله: "حمل على بعير أو على فرس" أي أباحها فجعلها محمولا عليها قوله: {حَمُولَةً وَفَرْشاً} قال ابن عباس يحمل عليها ومنه قوله: "حمولة الناس ولا أجد حمولة قوله: "واستثنيت حملانه" بضم المهملة أي أحمل عليه نفسي أو رحلي ومنه فيستحمله ويسأله الحملان قوله: "هذا الحمال لا حمال خيبر" هو بالكسر من الحمل والذي يحمل من خيبر التمر أي إن هذه الحجارة التي تحمل للبناء في الآخرة أفضل مما يحمل من خيبر وجاء بفتح الجيم وهو تصحيف قوله: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} أي تمشي بالنميمة قوله: "نحممهم" أي نسود وجوههم بالحمم وهو الفحم قوله: "توفى حميم لأم حبيبة" أي قريب وهو الذي يهتم بأمر قريبه والحميم الماء الحار وأصله المطر الذي يجيء في الحر ويطلق على العرق قوله: "الحمنان جمع حمانة وهو صغار الحلم وهو القراد قوله: "أحمى سمعي وبصري" مأخوذ من الحمى وأصله المنع قوله: "الحمو" فسره في مسلم بأنه أخو الزوج وما أشبهه من أقاربه قال الأصمعي الأحماء من قبل الزوج والأصهار من قبل الزوجة وقال أبو علي القالي الأصهار يقع عليهما جميعا قوله: "حمية" أي أنفا وغضبا قوله: "حمى الله" أصل الحمى المنع أي الذي منعه قوله: "بين مكة وحمير" بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح الياء قبيلة مشهورة باليمن وسمي بها الموضع
"فصل ح ن" قوله: "الحنتم" فسره في الحديث بالجرار الخضر وقيل الحمر وقيل البيض وقال الحربي جرار مزفته وقيل الحنتم المزادة المجبوبة قوله: "فيتحنث" أي يفعل فعلا يطرح عنه الحنث أي الإثم ومنه لم يبلغوا الحنث أي لم يدركوا فيكتب عليهم الإثم وأما قول عائشة ولا اتحنث إلى نذري فهو على الأصل أي لا أفعل فعلا يوجب الحنث وقال في العتق أتحنث أي أتبرر وأراد طرح الإثم قوله: "حناجرهم" الحنجرة الحلقوم قوله: "بضب محنوذ" أي مشوي وكذا فجاء بعجل حنيذ قوله: "الحنوط" هو ما يطيب به الميت ومنه فحنطه وأتحنط قوله: "الحنيفية" أي الملة المستقيمة وقوله: "حنيفا" هو للواحد وحنفاء للجماعة وقال أبو عبيد الحنفاء عند العرب من كان على دين إبراهيم وأصل الحنف الميل والمعنى مال إلى الإسلام قوله: "فحنكه" التحنيك إدخال الإصبع في فم الصغير عند ولادته والحنك باطن أعلى الفم قوله: "لأحتنكن" أي لأستأصلن يقال احتنك فلان ما عند فلان من علم أي استقصاه قوله: "ولهم حنين" أصله ترجيع الناقة صوتها لولدها ومنه فحن إليه الجذع حنين العشار أي الناقة قوله: "حنين" بالضم هو الوادي الذي بقرب الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا وكانت به الوقعة المشهورة قوله: "وأحناه على ولد" أي أشفقه يقال حنا عليه يحنو حنوا ومنه فرأيته يحنا عليها قال الخطابي المحفوظ بالحاء المهملة ووقع في الرواية بالجيم قوله: "حنى رأسه" أي أماله
"فصل ح و" قوله: "حوبا" قال ابن عباس أي إثما ومنه تحوبوا أي خافوا الحوب وهو بالضم ويجوز فتح أوله قوله: {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} قال الحسن أي حسدا وقوله: "على حاجته" أي التغوط ونحوه وقوله: "فإن كانت له حاجة إلى أهله كناية عن الجماع قوله: "استحوذ" أي غلب قوله: "حوارى وحواري الزبير" قال سفيان الحواري الناصر وقيل سمي الحواريون لبياض ثيابهم ويطلق الحواري على الخالص والخليل والمخلص والناصح والخصيص والمجاهد والمفضل ومن يصحب الكبير ومن يصلح لخلافة كبيرة قوله: "حار عليه" أي رجع قوله: "الحور العين" أي يحار فيها الطرف قوله: "بالحورانية" نسبة إلى حوران بالفتح وهي مدينة مشهورة قوله: "المحاوره وقوله: يحاوره" المحاورة المراجعة قوله: "حواشي أموالهم" أي أطرافها قوله: "جعلت تحوضه" أي تجعل له حوضا يجتمع فيه الماء قوله: "يحوطك" أي يصونك قوله: "حاك في الصدر" أي تردد قوله: "حولا" أي سنة قوله: "لا حول ولا قوة" أي لا حركة إلا بالله وقيل الحول الحيلة وقيل الانصراف قوله: "ما حال بينهم" أي حجز قوله: "ويحيل بعضهم على بعض" من أحال إذا مال أي يميل بعضهم على بعض من كثرة الضحك وكذا وقع عند مسلم قوله: "أحالوا إلى الحصن" قال أبو عبيد أحال إلى المكان أي تحول قوله: "الحوالة مشهورة" وهي تحول الدين قوله: "الحام" أي فحل الإبل قوله: "يحوى لها بعباءة" أي يجعل حوية تركب عليها وهي كساء ونحوه يحشى بشيء ويدار حول سنام البعير وهي بالتشديد وحكى التخفيف والجمع الحوايا قوله: {الْحَوَايَا} قال ابن عباس المباعر وهي تسمية الشيء بما يحل فيه
"فصل ح ي" قوله: "شر حيبة" بالكسر أي حالة والحيبة أيضا المسكنة والحاجة ويقال فيها حوبة بالواو ويفتح أوله ويضم قوله: "فحاد" أي مال قوله: "الحيرة" بالكسر بلد بالعراق خربت قوله: "الحيس" هو خلط الأقط بالتمر والسمن قوله: "تحوزونه" أي تؤوونه قوله: "من محيص" أي من مجيد أو معدل وقوله: "فحاصوا" أي نفروا قوله: "الحيض" معروف وقوله: "الحيضة" بالفتح هي المرة الواحدة وثياب حيضتي بكسر الحاء أي الحالة وامرأة حائض ولا يقال حائضة والاستحاضة معروفة وهي انفجار عرق من المرأة يخرج الدم من فرجها والمرأة مستحاضة قوله: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} وقوله: وأحيط بهم" أي دنوا من الهلكة قوله: "حاق" أي نزل قوله: "يحيق بهم" أي ينزل قوله: "على حيال أذنه ووجهه" أي مقابله قوله: "حان وحانت" أي وقع حينها ويتحينون الصلاة أي يطلبون حينها أي وقتها ومنه تحينوا ليلة القدر كله من الحين وقوله: {وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} قال الحين عند العرب من ساعة إلى ساعة إلى ما لا عدده والمراد هنا يوم القيامة قوله: "حيهلا وحي على الفلاح" كله بمعنى أقبلوا وسيأتي معنى هلا في الهاء قوله: "كان حييا" أي شديد الحياء قوله: "التحيات" جمع تحية وهي السلام قوله: "والشمس حية" أي باقية على شدة حرها قوله: "الحيات" جمع حية وهي أنثى الثعبان قال الحيات أجناس الأفاعي والأساود والجان قوله: "سيد الحي" هو اسم لمنزل القبيلة ثم سميت القبيلة به قوله: "

حرف الخاء المعجمة"فصل خ ب" قوله: "خبأت لك خبأ" بالفتح وسكون الموحدة مهموزا ومنه {يُخْرِجُ الْخَبْءَ} وبالكسر في الموحدة بوزن عظيم وهو اسم ما خبأته فعيل بمعني مفعول وأختبيء دعوتي أي أدخر وأختبىء أنا أي استتر والخباء بالمد والكسر من بيوت الأعراب وقد يستعمل في غيرها والجمع أخبأ وأخبية ومنه أهل أخبأ قوله: "الخبب" أي الإسراع ومنه يخب ثلاثة أطواف أي يسرع في المشي قوله: "وبشر المخبتين" أي المطمئنين كذا في الأصل وهو تفسير باللازم قوله: "خبث الحديد" بفتحتين وآخره مثلثة وخبث الفضة هو الرديء منهما وأما إذا كثر الخبث فالمراد به الفجور قوله "الخبث والخبائث" قيل ذكران الشياطين وإناثهم أو الخبث الشر كله والخبائث الخطايا أو الأفعال المذمومة قوله: "ولا خبثة" بالكسر أراد بالخبثة الحرام أو الريبة وقيل بيع أهل العهد قوله: "خبيث النفس" أي ثقيلا غير نشيط وقوله: "لا يقل أحد خبثت نفسي" كره الاسم فقط وقوله: "الدواء الخبيث" فسره الترمذي في روايته السم وقال غيره الحرام وقوله: "ثمن الكلب خبيث" أي حرام أو مكروه أو فاسد ومنه أكل من هذه الشجرة الخبيثة فإن خبثها من جهة كراهية رائحتها قوله: "نهى عن المخابرة" هي المزراعة على جزء يخرج من الأرض وأصله أن أهل خيبر كانوا يتعاملون كذلك جزم بذلك بن الأعرابي وقال غيره الخبير في كلام الأنصار الأكار قوله: "خبزة واحدة" هي الطلمة بالمهملة وزنا ومعنى والمراد الرغيف
"فصل خ ت" قوله: "يختله" أي يستغفله ويراوغه ليقتله أو يسمع كلامه بغير علمه قوله: "ختامه مسك" أي طينه قوله: "خاتم النبيين" أي آخرهم قوله: "الختان" هو الموضع الذي يقطع من الفرج ثم استعمل للفعل قوله: "ختنه" بالتحريك أي صهره
"فصل خ د" قوله: "الأخدود" شق في الأرض مستطيل قوله: "ذوات الخدور وقوله: من خدرها وقوله: في خدرها" الخدر ستر يكون للجارية البكر في ناحية البيت وقيل الخدور البيوت قوله: "تخدشها هرة وقوله: خدوشا في وجهه" الخدش قشر الجلد بعود أو نحوه ولو لم يدم قوله: "الخداع ويخدع وخديعة" كله من إظهار غير ما يكتم وقوله: "الحرب خدعة" من ذلك والمشهور فيه بفتحتين ويقال بالضم ثم السكون ويقال بالفتح ثم السكون وحكى فتح الدال فيهما قوله: "خدلج الساقين" بفتحتين وتشديد اللام بعدها جيم أي ممتلئ الساقين وقوله: "خدلا" مثله لكن بلا جيم والدال ساكنة وكسرها الأصيلي قوله: "خدم سوقهما" أي الخلاخيل الواحدة خدمة بفتحتين قوله: "أخدان" أي أخلاء جمع خدن الكسر وهو الخيل قوله: "مذعنين مستخدين"هو بالخاء المعجمة والدال المهملة معناه السير السريع قال كعب بن زهير في وصف الناقة:
تخدى على نشزات وهي لاهية ... يقال خدي يخدي خديا فهو خاد
"فصل خ ذ" قوله: "حصى الخذف" هو الذي يرمي به بين الإبهام والسبابة
"فصل خ ر" قوله: "خرب المدينة" بفتح أوله وكسر ثانيه أو كسر أوله وفتح ثانيه جمع خربة وهي الخرابة قوله: "ولا فارا بخربة" أي بسرقة ضبطوه بفتح أوله إلا الأصيلي فبالضم والراء ساكنة وقال في أواخر الحج الخربة البلية وفي رواية المستملي يعني السرقة وقال الخليل الخربة بالضم الفساد في الدين وهو مشتق من الخارب وهو اللص ولا يكاد يستعمل إلا في سرقة الإبل ويقال المختص بالإبل الخرابة وقال غيره الخربة بالفتح السرقة وقيل العيب وبالكسر هيئة الخارب قوله: "خريتا بوزن فعيل مشدد هو الماهر بالهداية قوله: "خرجا معلوما" أي أجرا قوله: "كان يأكل من خراجه" أي غلته قوله: "المخردل" أي المقطع ومنه قوله: "ومنهم من يخردل قوله: "فخررت عنها" أي سقطت ومنه فخر عليه وخر إلى الأرض قوله: "يخرزان وقوله: أخرز غربه" هو خياطة الجلود قوله: "تلقي خرصها" بضم أوله هي الحلقة التي في الأذن قوله: {قتل الخراصون} أي الكذابون وقوله: "يخرصها" بالفتح أي يحزرها ويقدرها والخرص بالكسر الاسم وبالفتح اسم الفعل وقيل لغتان في الاسم والمصدر بالفتح وأما الذي يمعني الكذب فبالفتح فقط قوله: "يخترط السيف" أي يسله قوله: "مخرفا ومخرافا وخرافا" كله من الخرفة بالضم وهي الفاكهة والمخرف وعاء يجمع فيه الفاكهة ومنه يخترف لهم أي يجمع وقال الأصمعي المخرف جناء النخيل وأطلق المخرف على البستان قوله: "خرقاء" أي لا تحسن العمل قوله: "لا يخرم" أي لا ينقص قوله: "انخرام قرنه" أي انقضاؤه
"فصل خ ز" قوله: "على خزير" هو حيس يصنع من النخالة قوله: "ما لبست خزا" هو ما خلط من الحرير بالوبر ونحوه قوله: "الخزف" هو ما استعمل من الطين المشوي قوله: "كل ما خزق" أي شق وقطع قوله: "يختزلوننا" أي يزيلوننا قوله: "بخزامة" هي حلقة من شعر تجعل في أنف البعير الصعب ليرتاض قوله: "الخزائن" جمع خزانة وهي ما يخزن فيه الشيء قوله: "غير خزايا" أي غير مهانين ولا مفضوحين ومنه قوله: "نخزيهما" أي نفضحهما ولا تخزني ولا يخزيك الله
"فصل خ س" قوله: "خاسئا وقوله: اخسأ" هي كلمة زجر قال في الأدب خسأت الكلب أبعدته طردا خاسئين مبعدين قوله: "خسر" أي ضلال وهي تفسير باللازم لأن الضال خاسر ومنه خبت وخسرت أي هلكت وحرمت الخير قوله: "خسفت الشمس" بفتحتين قيل الخسوف في الكل والكسوف في البعض وهو أولى من قول من قال الخسوف للقمر والكسوف للشمس لصحة ورود ذلك في الصحيح بالخاء للشمس واخسف في الأرض أن تغور هي أو من حل بها
"فصل خ ش" قوله: {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} جمع خشبة وأخشبا مكة جبلاها أبو قبيس وقعيقعان قوله: "خشخشة" أي صوت قوله: "خشاش الأرض" بفتح أوله ويجوز الكسر والضم وهي الحشرات

يتبع
ربنا تقبل منا

اخت مسلمة
06-09-2009, 12:56 AM
ولبعضهم خشيش بوزن عظيم وهو بمعناه وصحف بعضهم الخاء بالإهمال وفسرها بالنبات وهو غلط قوله: "الخاشعين" أي المؤمنين حقا وهو تفسير باللازم وأصل الخشوع هو التذلل والسكون ويظهر بغض البصر وخفض الصوت قوله: "سمعت خشفة" بفتحتين وبتسكين الثاني هو الصوت الذي ليس بشديد
"فصل خ ص" قوله: "خصيبة" أي ذات خصب قوله: "خاصرتي وامتدت خاصرتاها" الخاصرة معروفة وهي الخصر ومنه قوله: "نهي عن الخصر في الصلاة ونهى أن يصلي الرجل مختصرا معناه أن يصلي وهو متوكئ علي خاصرته أو يصلي وبيده عصا يتوكأ عليها مأخوذ من المخصرة وقيل معناه أن لا يتم ركوعها ولا سجودها وقيل أن يقرأ من آخر السورة آية فصاعدا ولا يتم السوره قلت وهذا كله تفسير الاختصار لكن رواية الخصر تؤيد الأول قوله: "خصاصة" أي حاجة قوله: "أخصف نعلى" أي أخرزها وأصل الخصف الضم والجمع ومنه يخصفان عليهما من ورق الجنة أي يجمعان بعضه إلي بعض قوله: "خصفة" بفتحتين وحجرة مخصفة هي حصير من خوص قوله: "خصلة من النفاق" أي جزء أو شعبة أو حالة وأصل الخصلة لحمة منفردة في الجسم قوله: "الخصم" بفتح أوله وكسر ثانيه الخصام والخصم بفتح ثم سكون يطلق على الواحد والجمع مؤنثا ومذكرا قوله: "ما سد منها من خصم" بالضم ثم السكون أي ناحية وطرف والمراد به هنا فم الرواية الأسفل قوله: "يستخصى" يستفعل من الخصاء وهو قطع الذكر أو سل الأنثيين
"فصل خ ض" قوله: "المخضب" بكسر أوله وفتح ثالثه شبه القصرية يغسل فيها الثياب قوله: "مخضود" قال مجاهد الموقر حملا ويقال الذي لا شوك له قوله: "خضرة حلوة" أي ناعمة مشتهاة والخضر من النبات الرخص الطري قوله: "نهى عن بيع المخاضرة" هي بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها قوله: "إلا آكلة الخضر" بفتح ثم كسر وحكى بضم ثم فتح ولبعضهم آكلة الخضراء بالمد قال الأزهري المراد ما له أصل غائص في الأرض فالماشية تشتهيه ونكثر منه لأنه يبقي فيه خضرة ورطوبة قوله: "خضراء قريش" أي معظمهم وقوله: "كتيبة خضراء أي ملبسة أطلق على سواد الحديد خضرة قوله: "خضعانا بضم أوله ويكسر أي مذللا وهو مصدر خضع أو جمع خاضع
"فصل خ ط" قوله: "خطأ" أي إثما وهو اسم خطئت والخطأ مفتوح مصدر من الإثم وخطئت بمعنى أخطأت قوله: "على خطبة أخيه" بالكسر وهو التكلم في ذلك في النكاح وأما في الجمعة والعيد وغيرهما فبضم أوله قوله: "وعزني في الخطاب أي الكلام قوله: "حتى يخطر" بكسر الطاء ومنهم من يضمها أي يوسوس ويخطر في مشيه أي يتمايل قوله: "يخاطر بنفسه" أي يلقيها في المهالك قوله: "خطة" بضم أوله أي قضية ومنه خطة رشد أي أمر حق قوله: "حتى أسمع خطيطه" أي صوت نفسه وهو نائم ويروي غطيطه بالغين المعجمة وهو المعروف في اللغة قوله: "أخذ خطيا" بفتح أوله وحكى الكسر أي رمحا منسوبا إلي الخط موضع بالبحرين قوله: "فمن وافق خطه فذاك" أي علم مثل علمه قوله: "خط خططا" أي علم علامات في الأرض ومنه قوله: "فخططت بزجه قوله: "يتخطفه الطير" أي يذهب به بسرعة ومنه قوله: فخطفته قوله: "خطيفة" أي عصيدة وزنا ومعني وقيل تكون من اللبن وقوله: "إن للجن خطفة" أي يختطفون بسرعة قوله: "أخذ بخطامه" هو الحبل يشد على رأس البعير ومنه مخطوم وقوله: "خطم بأنفه أي جادت الضربة في موضع الخطام والخطم مقدم الأنف ومنه خطم الجبل قوله: "تخط رجلاه وقوله: "يخطان" هو من الخطو1 وقوله: "خطوات" جمع خطوة وهو بالضم ما بين نقل القدم في المشي وبالفتح المصدر ويقال خطوت خطوة واحدة وجمعها خطوات بالفتح وجمعها أيضا خطا ومنه كثرة الخطا
"فصل خ ف" قوله: "خفت" بكسر الفاء أي مات أو قرب من الموت قوله: "لا تخفروا وقوله: إنا كرهنا أن نخفرك" يقال أخفرت الرجل إذا غدرت به وخفرته إذا أجرته قوله: "فخفضهم" أي سكتهم وقوله: "فخفضت عاليه أي أملته وقوله: "فخفضوا أصواتهم أي أخفوها وقوله: "فخفض البصر أي أماله ومنه يخفض القسط ويرفعه وقوله: "خافضة أي تخفض قوما إلى النار رافعة أي ترفع قوما إلى الجنة قوله: "وأخفاؤهم" بالتشديد وخفافهم بالتخفيف جمع خفيف قوله: "خف" غلاف للرجل من جلود قوله: "الخفقة" كالسنة من النوم وأصله ميل الرأس قوله: "من طرف خفي أي ذليل" كذا في الأصل وهو تفسير بالمعنى وقوله: "أخف علينا" أمر بالإخفاء وقوله: "يتخافتون" أي يتناجون سرا قوله: "خافت" أي سارر
"فصل خ ل" قوله: "خلأت القصواء" بفتحتين مهموزا أي امتنعت من المشي وهو كالحران للفرس قوله: "حبب إليه الخلاء" بالمد أي الخلوة قوله: "إن كان خلبها" أي خدعها قوله: "لا خلابة" أي لا خديعة قوله: "خلبة" بالضم هو ليف ويطلق على الحبل المتخذ منه قوله: "خليج" أي نهر يخرج من جنب وخليج الوادي جانبه قوله: "اختلجوا دوني" أي اقتطعوا أو انتزعوا مني ومنه ليختلجن قوله: "يختلسه الشيطان" أي يأخذه سرقة بسرعة قوله: "أخلص اليه" بضم اللام وقوله: خلصت إلى عظمي وقوله: خلص إلى من عمله وقوله: لسنا نخلص إليك وقوله: تخلص في أهل الفقه وقوله: إذا خلص المؤمنون" قال في البارع خلص فلان إلى فلان وصل إليه ويطلق على السلامة والنجاة وقوله: "ورهطك المخلصين" بفتح اللام أي المختارين والمخلص بالكسر السالم من الرياء وقوله: {خَلَصُوا نَجِيّاً} قال في الأصل معناه اعتزلوا قوله: "ذو الخلصة" هو بيت صنم كان ببلاد دوس قوله: "خليطين" أي شريكين والخلطاء الشركاء والخلط من التمر بمعنى المخلوط وقوله: "ما له خلط" أي ما يخالطه شيء من ثفل الطعام إذا خرج قوله: "الخلع" بالضم وسكون اللام معروف في أبواب الطلاق قوله: "وقد كانت هذيل خلعوا خليعا ومخلوعا" أي أخرجوه من حلفهم فكأنهم نزعوا اليمين التي لبسوها معه قوله: "تختلف أيدينا" أي يضع هذا حين يرفع هذا قوله: " لخلوف فم الصائم " أي تغير رائحته قال عياض الأكثر يقولونه بالفتح وبعضهم بالضم وبعضهم بهما قوله: "ونفرنا خلوف" بالضم أي رجالنا غيب قوله: "الخوالف" الخالف الذي خلفك فقعد بعدك ومنه يخلفه في الغابرين قوله: "خلفه لمن أراد أن يذكر" قال في الأصل من فاته عمل من الليل أدركه بالنهار قوله: "أو ليخالفن الله بين وجوهكم" قيل تحول إلى أقفائهم قوله: "أو خلفات" بكسر اللام جمع خلفه وهي التي يمضي لها نصف الحمل قوله: "خلافك وخلفك" واحد أي من بعدك قوله: "مخلافان" أي إقليمان وهو بلغة اليمن قوله: "ولجعلت له خلفا بسكون اللام أي بابا في الظهر قوله: "إذا وعد أخلف" أي فعل خلاف ما ذكر أنه يفعله قوله: "ثم أخالف إلي رجال" أي أقصدهم من خلفهم
ـــــــ
1 الصواب "من الخط" بدون واو كما هو ظاهر الحديث أو أخالف ظنهم إياي مشتغلا بالصلاة لآخذهم على غرة قوله: "خالقوا الناس" أي تخلقوا لهم بخلق حسن قوله: "اختلاق" أي كذب وأصله من الخلق كأن الكاذب يخلق ما يقول قوله: "أبلى وأخلقى" أي اقطعي يقال خلق الثوب وأخلق ولبعضهم أخلفى بالفاء قوله: "ثوب خلق" بفتحتين أي بال قوله: "خليق للإمارة" أي حقيق بها قوله: "أتى بخلوق" أي طيب مخلوط بزعفران قوله: "لا خلاق" أي لا نصيب قوله: "أخلاقهم على خلق رجل واحد" بفتح أوله وسكون اللام للأكثر وللنسفى بضمتين قوله: "يخلل أصول شعره" أي يفرق شعره ليدخله الماء قوله: {لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} أي مخاللة وقوله: "ولا خلة" أي مودة ومنه قوله: "خلة الإسلام" أي مودته والخلة مثلثة الخاء والكسر أشهر في الخل ووجه عياض الفتح وحكى الفراء الضم والخليل الصادق الخالص المختص بالمودة الذي لا خلل عنده في شيء من ذلك قوله: "خلائل خديجة" جمع خليلة أي صديقة قوله: "في خلتها" بالضم أي حلائلها أقام الواحد مقام الجمع والخلة بالفتح الخصلة والحاجة قوله: "خلالكم" من التخلل وفجرنا خلالهما أي بينهما ومن خلال السحاب أي أضعاف السحاب قوله: "خلا منها" مقصورا أي ذهب شبابها قوله: "لا يختلي خلاها" مقصور ومن مده فقد أخطأ وهو النبات الرطب قوله: "لست لك بمخلية" أي منفردة بك قوله: "كانوا يستحيون أن يتخلوا" أي يتكشفوا عند قضاء الحاجة
"فصل خ م" قوله: "خامدين" أي هامدين وقوله: "خمدت النار" سكن لهبها قوله: "الخمر" ما خامر العقل أي غطاه وهو وارد على من زعم اختصاصه بماء العنب وقد ثبت في مسلم كل مسكر خمر قوله: "الخمرة" بالضم حصير صغير مضفور بقدر الوجه والكفين قوله: "علي خمارها" هي سترة الرأس والجمع خمر بضمتين قوله: "خمر إناءك" أي غطه ومنه إلا خمرته وخمرت وجهي قوله: "والخميس" الجيش قيل سمي الجيش بذلك لأن له قلبا ومقدمة وساقة وميمنة وميسرة وقيل لأنه يخمس وردد عياض بأن التخميس أمر شرعي والعرب شأنها أن تقول للخمس خميس وللنصف نصيف والخمس بضم الميم وإسكانها جزء من خمسة أجزاء الغنيمة قوله: "خموش" أي خدوش وهي الجراحات التي لا أثر لها ومنه اقتص شريح من خموش قوله: "في خميصة" قال الأصمعي كساء من صوف أو خز معلم وقال أبو عبيدة كساء مربع له علمان قوله: "بعرض ثياب خميص أو لبيس" وذكره أبو عبيدة بالسين المهملة وفسره بالثوب الصغير ووجه ما في البخاري على أنه تذكير الخميصة قوله: "أصابه خمص ورأيت به خمصا" بفتح الميم أي ضمورا في بطنه من الجوع ويعبر عن الجوع به قال في الأصل مخمصة أي مجاعة قوله: "أخمص قدمه" هو المتجافى من باطنه على الأرض قوله: "الخمط" هو الأراك قوله: "خمل رقيق" أي هدب والخميلة كساء ذات خمل من أي لون كان وقيل الخميل الأسود من الثياب
"فصل خ ن" قوله: "أخنأ اسم عند الله" أي أفحش مشتق من الخنى وهو الفجور قوله: "خلف المخنث" أي المتكسر المتعطف المتخلق بخلق النساء قوله: "انخنث في حجري" أي مال وانثنى عند الموت قوله: "لم يختز اللحم أي لم ينتن قوله: "خنس الإبهام" أي قبضها قوله: "خنسه الشيطان" أي قبض على قلبه ومنه الخناس بلفظ المبالغة منه قوله: "الخنس" هي النجوم التي تخنس في مجراها أي ترجع وقيل لأنها تغيب بالنهار وتظهر بالليل وخصها بعضهم بالسبعة السيارة وبعضهم بالخمسة ما سوي القمرين قوله: "الخنصر" هي الأصبع الصغرى وقد يطلق على الوسطى قوله: "أخنع اسم" أي أذل قوله: "لهم خنين" أي بكاء له صوت فيه غنة
"فصل خ و" قوله: "خوخة" أي كورة بين بيتين عليها باب صغير قوله: "روضة خاخ" موضع بقرب حمراء الأسد ووقع في رواية أبي عوانة بمهملة ثم جيم وقالوا أنها تصحيف قوله: "خوار" هو صوت البقر قوله: "خوز وكرمان" الخوز جيل من العجم وكرمان بلد قوله: "خويصة" تصغير خاصة أي حاجة تخصه قوله: "مخوصة" أي منسوجة بالذهب قوله: "فيتخوضون" بالمعجمتين أي يتلبسون قوله: "على تخوف" أي تنقص تضرعا وخيفة من الخوف قوله: "خولنا" أي أعطينا قوله: "إخوانكم خولكم" أي خدمكم وعبيدكم قوله: "يتخولنا" أي يصلحنا وقال أبو عبيدة أي يذللنا قوله: "خامة الزرع" هي أول ما ينبت منه يكون غضا طريا أو ضعيفا قوله: "خوان" بكسر أوله وضمه هو المائدة المعدة للأكل وشذ من أثبت في أوله همزة بلفظ جمع أخ قوله: "خاوية" أي لا أنيس فيها
"فصل خ ي" قوله: "خيبة لك" أي حرمانا قوله: "استخيرك" أي أطلب خيرتك قوله: "بين خيرتين" هو مصدر أختار كذا قال القاضي قوله: {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} واحدتها خيرة بالفتح قوله: "خير دور الأنصار" أي أفضل قوله: "بيع الخيار" أي التخيير قوله: "في فضل جعفر كان أخير الناس" ولبعضهم بغير ألف في أوله وهو المشهور قال ابن مالك إثبات الألف هو الأصل في أفعل التفضيل لكن لم يستعملوا في الخير والشر إلا خير وشر ك قوله: تعالى {شَرٌّ مَكَاناً} و {خَيْرٌ ثَوَاباً} وقد استعمل الأصل في بعض الأحاديث كهذا ومنه قول رؤبة
يا قاسم الخيرات وابن الأخير
وعن أبي قلابة أنه قرأ سيعلمون غدا من الكذاب الأشر بفتح الشين وتشديد الراء قوله: "المخيط" بفتح الميم وكسر الخاء أي الثوب وبكسر ثم سكون أي الإبرة قوله: "خيف بني كنانة" هو الوادي المعروف بالمحصب قوله: "يخيل إليه" أي يظن وقوله: "يخال إلي" مثل يخيل إلي قوله: "لا أخاله" أي لا أظنه قوله: "خيلاء" أي تكبرا ومرحا ومنه "يجر إزاره من مخيلة" قوله: "الختال والمختال" واحد قال ابن مالك صواب الأول الخال يحذف التاء المثناة انتهي ويجوز أن يكون بالمثناة من تحت وهي رواية الأصيلي قوله: "إذا رأى مخيلة" أي سحابة يخيل فيها المطر قوله: "أوجس خيفة" أي أضمر خوفا فذهبت الواو لكسرة الخاء قوله: "خائنة الأعين" هو النظر إلى ما نهي عنه وهو بلفظ المصدر كقولهم عافاه الله عافية قوله: "جمل خيار" أي مختار جيد

"حرف الدال المهملة
"فصل د ا" قوله: "داء" أي مرض قوله: "دأب" أي حال قال مجاهد في تفسير قوله: "كدأب آل فرعون" والدأب الحال الملازمة ومنه دأبي ودأبهما قوله: "تدأدأ" أي تدلى كما في الرواية الأخرى يقال تدأدأ وتدهده إذا انحط من علو إلى أسفل
"فصل د ب" قوله: "الدباء" ممدود ويقصر القرع قوله: "دابة الأرض" أي الأرضة قوله: "من ديباج" هي الثياب المتخذة من ابريسم وقد يفتح داله قوله: "برأ الدبر" بفتح الباء هو الجرح الذي يكون على ظهر البعير قوله: "غلاما عن دبر" أي بعد موته قوله: "دابر" أي آخر قوله: "لا تدابروا" أي لا تقاطعوا قوله: "مثل الظلة من الدبر" بسكون الموحدة جماعة النحل وقيل الزنابير قوله: "الدبور" هي الريح الغريبة
"فصل د ث" قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} وقوله: "دثورني" أي غطوني قوله: "أهل الدثور" أي أهل المال الكثير
"فصل د ج" قوله: "مدجج" أي كامل السلاح والآلة قوله: "الدجال" أي الكذاب قوله: "شاة داجن هي ما تألف البيت من الحيوان
"فصل دح" قوله: "دحورا" أي طردا ومدحورين أي مطرودين قوله: "تدحض الشمس" أي تزول عن كبد السماء قوله: "الدحض والطين" أي الماء يكون منه الزلق وقوله: "دحض مزلة مثله ليدحضوا ليزيلوا والدحض الزلق زلقا لا يثبت فيه قدم قوله: "دحاها" أي بسطها ودحي السيل أي بسط فيه ما ساقه من تراب
"فصل د خ" قوله: "لن أدخر" أصله من الذخر بالذال المعجمة فلما أدغمت في تاء افتعل قلبت دالا والمدخر الكنوز قوله: "الدخ" قيل هو لغة في الدخان وقيل نبت موجود بين النخيل قاله الخطابي ووهاه عياض قوله: "داخرين" أي خاضعين وأصله من الذلة داخر أي ذليل قوله: "فولجت داخلا لهم" أي بيتا أو مخدعا قوله: "مدخلا" أي مكانا يدخلون فيه قوله: "داخلة إزاره" طرفه الذي يلي الجسد قوله: "دخلا" بفتحتين أي مكرا وخديعة قوله: "دخانا" هو ما يصعد من النار قوله: "على دخن قلت وما دخنه" أي غير صاف ولا خالص
"فصل در" قوله: {فَادَّارَأْتُمْ} أي اختلفتم كذا في الأصل وهو من الدرء وهو الدفع فالمعني دفع ذلك بعضهم عن بعض قوله: "يدرءون" أي يدفعون ودرأته عني دفعته قوله: "الدرجة" بكسر أوله وفتح ثانيه جمع درج بضم أوله قوله: "درج زمزم" جمع درجة بفتحتين وهي السلالم قوله: "سنستدرجهم" من التدريج وهو النقلة من الشيء إلي الشيء علي مهل قوله: "لبن الدر ويمنع درها ويدر لبنها" أي يندفق قوله: "مدرارا" أي يتبع بعضه بعضا قوله: "تدرد" الدرد بالتحريك سقوط الأسنان قوله: "تدردر" أي تدحرج وزنا ومعنى قوله: "فيدارسه القرآن" أي يقرأ معه قوله: "بيت المدراس" هو البيت الذي يقرأون فيه والمدراس مفعال من الدرس ومنه فوضع مدراسها يده قوله: "دراستهم" أي تلاوتهم وقوله: "خفت دروس العلم" أي ذهابه قوله: "أدراعه ولبس الدرع" أي الثوب الذي يلبس في الحرب قوله: "الدرك الأسفل" هو اسم من الإدراك ويقال الدرك بفتح الراء وسكونها ومنه قوله: "دركا" لقضاء حاجته ومنه قوله: "درك الشقاء" أي لحاق الشقاء قوله: "اداركوا" أي اجتمعوا كذا في الأصل وكأن المراد لحق بعضهم بعضا قوله: "من درنه" أي من وسخه قوله: "درنوك" هو ضرب من الثياب له خمل قصير
"فصل د س" قوله: "دسره البحر" أي دفعه وقوله: {ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} هي أضلاع السفينة قوله: "دسته


في ثوبه أي غيبته قوله: "دساها" أي أغواها وأصله دسس أي وضع الشيء بخفية قوله: "في دسكرة بحمص" الدسكرة بناء كالقصر قوله: "دسماء وكذا دسمة" أي متغيرة اللون إلى السواد أي وسخة كالثوب الذي أصابه الدسم من الزيت ونحوه وكان ذلك من العرق وقيل كان ذلك لونها الأصلي فإن في بعض الروايات سوداء
"فصل د ع" قوله: "أدعج" أي شديد سواد العين قوله: "يدعون" أي يدفعون من دععت كذا في الأصل قوله: "فذعته" يأتي في الذال المعجمة قوله: "من لم يجب الدعوة" بفتح الدال علي المشهور هي الطعام قوله: "بدعوي الجاهلية" هي قولهم يا آل فلان ومنه حتى تداعوا قوله: "بدعاية الإسلام" بكسر الدال بدعوته وهي التوحيد قوله: "دعاة على أبواب جهنم" أي يدعون الناس إلى العمل بما يولج فيها قوله: "دعار طيء" بضم أوله والتشديد جمع داعر وهو الشرير ويطلق على المفسد والسارق
"فصل دغ" قوله: "تدغرون أولادكن" بفتح أوله هو غمز الحلق بسبب العذرة وهي المسماة بسقوط اللهاة
"فصل دف" قوله: "بين الدفتين" أي حافتي المصحف قولهدفت دافة الدف بالفتح السير الذي ليس بشديد قوله: "تدففان أي تضربان بالدف وهو بالضم ويفتح وهو الذي يضرب به في الأعراس قوله: "دف نعليك" بالفتح أي صوت مشيتك فيهما قوله: "الدفء" ما استدفأت به
"فصل د ق" قوله: "فاندقت عنقها" أي انكسرت قوله: "دق الباب" أي ضربه
" فصل د ك" قوله: "دكت" أي زلزلت وقوله: "فدكتا وقوله: فدككن" جعل الجبال واحدة قوله: "حتى دكن" أي صار لونه أدكن وهو الشديد السواد قوله: "دكه دكا" أي ألزقه بالأرض وناقة دكاء لا سنام لها والدكداك من الأرض مثله
"فصل د ل" قوله: "والدلجة" هو بالضم وسكون اللام سير الليل كله ويقال بفتح الدال وبفتح اللام أيضا وكذلك قوله: "فأدلجوا" قيل هو سير الليل كله ويقال أدلج بالتشديد سار آخر الليل وأدلج بالتخفيف سار الليل كله وهذا قول الأكثر وقوله: "فلقيناه مدلجا" هو من أدلج أي سار آخر الليل قوله: "تندلق اقتابه" أي تخرج أمعاؤه قوله: "دلك" أي عالج إخراج الوسخ قوله: "دلوك الشمس" هو من زوالها عن الاستواء ويأتي بمعنى الغروب قوله: "دل الطريق" أي هدايته قوله: "أشبه الناس سمتا ودلا" أي هديا وهي الطريقة الحسنة
"فصل د م" قوله: "من ديماس" بكسر أوله ويفتح أي حمام قوله: "دموا وجهه" أي جرحوه فخرج منه الدم قوله: "الدمان" بالفتح والضم وتخفيف الميم هو فساد الطلع ويقال إن داله مثلثة
"فصل د ن" قوله: "الدنس" أي الوسخ قوله: "الدنان" بكسر الدال جمع دن بالفتح وهي الخابية قوله: "دانية" أي قريبة قوله: "الجمرة الدنيا" بكسر الدال وضمها أي القريبة قوله: "الدنية" أي الحقيرة وزنا ومعنى
"فصل د هـ" قوله: "تدهده" تقدم في تدأدأ قوله: "دهش" أي ذهل وزنا ومعني ومنه فدهشت قوله: "دهاقا" أي ممتلئة قاله بن عباس قوله: "الدهقان" بكسر أوله وبالضم أيضا فارسي معرب أي رئيس القرية قوله: "مدهامتان" أي سوداوان من الري قوله: "مدهنون" أي مكذبون مثل {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} كذا في الأصل وكأنه تفسير باللازم وإلا فالادهان من المداهنة ومنه قوله: "مثل المداهن في حدود الله" أي المصانع فيها قوله: "أدهى وأمر أفعل من الداهية
"فصل د و" قوله: "دوحة" أي شجرة كبيرة ومنه دوحات المدينة قوله: "من دارة الكفر" تأنيث الدار قوله: "تدوكون" أي يخوضون قوله: "فيدال علينا" أي تكون الدولة وهو الظهور قوله: "دووى" أي صنع له الدواد أو عولج قوله: "دومة الجندل" بضم الدال وفتحها هي قرية قريبة من تبوك قوله: "دوي صوته" أي رفعه وتتابعه
"فصل د ي" قوله: "ديباج" تقدم قوله: "دائرة" أي دولة ودائرة السوء العذاب قاله مجاهد قوله: "ديارا" أي أحدا وكأنه فيعال من الدوران قوله: "دائس" اسم فاعل من الدياس وهو دوس الطعام بعد حصده قوله: "الدين" أي الجزاء في الخير والشر كما تدين تدان ومنه تدانون وقال مجاهد بالدين بالحساب مدينين محاسبين قوله: "لا يجمعهم ديوان" أي كتاب حاسب


"حرف الذال المعجمة"
"فصل ذ ا" قوله: "أخذ بذؤابتي" أي بشعر ناصيتي ويطلق على موضعها من الرأس وقد تسهل الهمزة وفتح أوله خطأ
"فصل ذ ب" قوله: "ذبابة بين ثدبيه" أي طرف سيفه قوله: "يقتل الذباب" هو الطير المعروف من جملة الحشرات وهو جمع والواحد ذبابة وقيل هو اسم جمع يقال للواحد والجمع
"فصل ذ خ" قوله: "ذخرها" بالتحريك أي خبأها
"فصل ذ ر" قوله: "ذرفت" يقال بفتح الراء أي انصب الدمع منها قوله: "ذرة" بفتح أوله واحدة الذر وهو النمل الصغير وقيل الهباء الذي يظهر في عين الشمس وقيل غير ذلك قوله: "ذرها" أي دعها وقوله: "أن تذر" أي تدع قوله: "موتا ذريعا" أي فاشيا كثيرا أو سريعا قوله: "والذاريات" قال على الرياح وقال غيره تذروه تفرقه قوله: "فذروني بضم الذال وتشديد الراء فعل أمر بالتذرية ومنه قوله: تعالى {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} أي تفرقه يقال ذرته الريح تذروه وتذريه إذا أطارته قوله: "الذرة" بضم الذال وتخفيف الراء نوع من القطاني ذكره في الزكاة قوله: "أتى بدريرة" هو نوع من الطيب معروف قوله: "غر الذرى" أي بيض الأعالي أي الأسنمة وذروة كل شيء أعلاه وهو بكسر أوله ويجوز ضمه

فصل ذ ع" قوله: "ذعته" بفتح الذال والعين وتشديد المثناة أي خنقته وقيل غمرته غمرا شديدا وروى بالدال المهملة أي دفعته بعنف قوله: "ذعرتها" أي أفزعتها وقوله: "ذعرا" أي فزعا
"فصل ذ ف" قوله: "مسك أذفر" أي ذكي وهو من الذفر بفتح الفاء يقال للطيب الريح وغيره وأما بسكونها وإهمال الدال فخاص بالسكرية الريح
"فصل ذ ق" قوله: "ذاقننى" قيل الذاقنة نقرة النحر وقيل طرف الحلقوم قوله: "الأذقان" قال هو مجتمع اللحيين الواحد ذقن
"فصل ذ ك" قوله: "أحرقني ذكاؤها" أي شدة حرها قوله: "لا ذاكرا ولا آثرا" قال أبو عبيدة ليس هو من الذكر ضد النسيان وإنما معناه قائلا كما تقول ذكرت لفلان حديث كذا قوله: "قعدوا إلى المذكر" أي القاص ووهم من قال هو الوقت وكذا من قال موضع الذكر فضبطه بفتح الميم والكاف وسكون الذال بينهما قوله: "مذاكيره" أي ذكره وهو اسم واحد بلفظ الجمع وقيل المراد ذكره وخصيتاه فهو من باب التغليب قوله: "يقاتل للذكر" أي ليذكر بين الناس ويوصف بالشجاعة ولفظ الذكر يطلق على ضد النسيان وعلى القرآن والوحي والحفظ والخبر والطاعة والشرف والخير واللوح المحفوظ وكل كتاب منزل من الله تعالى والنطق بالتسبيح والتفكير بالقلب والصلاة الواحدة ومطلق الصلاة والتوبة والغيب والخطبة والدعاء والثناء والصيت والشكر والقراءة فهذه زيادة على عشرين وجها من كلام الحربي والصنعاني وغيرهما قوله: "ذكاه" أي ذبحه والتذكية اسم للذبح الشرعي وهو قطع الأوداج
"فصل ذ ل" قوله: "ذلف الأنوف" بضم الذال وسكون اللام والاسم الذلف بتحريك اللام أي فطس الأنوف وقيل هو قصر الأنف وانبطاحه وقيل ارتفاع طرفه مع صغر أرنبته قوله: "أذلقته الحجارة" أي بلغت منه الجهد وقيل معناه أضعفته قوله: {لا ذَلُولٌ} قال أبو العالية لم يذللها العمل ليست بذلول تثير الأرض ولا تعمل في الحرث
"فصل ذ م" قوله: "ذمة الله" أي ضمانه وقيل الذمام الأمان
"فصل ذ ن" قوله: "ذنوبا أو ذنوبين" قال الذنوب الدلو العظيم وقيل لا تسمى بذلك إلا إذا كان فيها ماء وفي قوله: {ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} أي نصيبا وقال مجاهد سبيلا
"فصل ذ ه" قوله: "الذهاب" بالفتح المطر وأما الذهاب بالكسر فمعروف ويفتح أيضا قوله: "بذهيبة" تصغير ذهبة قوله: "يذهل" أي يشغل قوله: "اسأل عن ذه" اسم إشارة للمؤنث يقال ذه وذي وهذه وهذي والهاء للسكت
"فصل ذ و" "خمس ذود" قوله: "الذود من الإبل" ما بين الإثنين إلي التسع قوله: "لأذودن" أي لأطردن قوله: "ذرقوا" قال معناه باشروا وجربوا وليس هو من ذوق الفم قوله: "ذواقا" مصدر ذاق يذوق

"فصل ذ ي" قوله: "فاذا هو بذيخ" بكسر الذال بعدها ياء تحتانية ثم خاء معجمة هو ذكر الضباع قوله: "ذات الجنب" قيل هو السل وقيل الدبيلة وقيل قرحة في الباطن وقيل طول المرض قوله: "ذات الجيش" موضع على بريد من المدينة قوله: "ذات الرقاع" بكسر الراء اسم شجرة بنجد سميت بها الغزوة وقيل اسم جبل فيه بياض وحمرة وقيل لكونهم عصبوا أرجلهم بالرقاع ومال غير واحد إلى أنهما غزوتان قوله: "ذات السلاسل" هو موضع بأطراف الشام كانت به غزوة عمرو بن العاص قوله: "ذات عرق" هو مهل أهل العراق قوله: "ذات العشيرة" بالمعجمة وقيل بالمهملة مصغرا هي اسم الوقعة التي كانت بالعشيرة وهي أول المغازي ولم يتفق فيها قتال.
تنبيه تكرر قوله: "ذات يوم وذات يده وذات ليلة وذات بينكم وكله كناية عن نفس الشيء وحقيقته وتطلق على الخلق والصفة وأصلها اسم الإشارة للمؤنث وقد يجعل ذات اسما مستقلا فيقال ذات الشيء والله أعلم وسيأتي الكلام على قول خبيب وذلك في ذات الإله في شرح كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى مبسوطا قوله: "ذو الحليفة" هو ميقات أهل المدينة قوله: "ذو الخلصة" بفتحات بيت صنم لدوس قوله: "ذو السويقتين" يأتي في حرف السين قوله: "ذو طوى" بفتح الطاء مقصور وقيل بكسر الطاء وقيل بضمها قال الأصمعي الوادي المقدس مقصور والذي في طريق الطائف ممدود قوله: "ذو الطفيتين" يأتي في الطاء قوله: "ذو قرد" بفتحتين ماء على نحو يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان قوله: "ذو المجاز" هو سوق من أسواق الجاهلية وكان بمكان قريب من مكة تنبيه ذو جاء بمعنى صاحب ومنه تصل ذا رحمك وقال القاضي عياض في المشارق هي عند النحاة وأهل العربية إنما تضاف إلى الأجناس ولا تصح إضافتها إلي غيرها ولا تثني عند أكثرهم ولا تجمع ولا تضاف إلى مضمر ولا صفة ولا ألف ولا اسم مفرد ولا مضاف لأنها نفسها لا تنفك عن الإضافة ومهما جاء من ذلك كذلك فهو نادر كقولهم ذوو رأينا وقوله: "إن تقتل تقتل ذا دم" وكذا ذو مال وفي التنزيل ذوا عدل منكم وذواتا أفنان وقال الزبيدي في مختصر العين أصل ذو ذوو لأنهم قالوا في التثنية ذوا قال وذكره في اللفيف بالياء وبالواو انتهي وذكر صاحب الصحاح نحوه واستشهد بقوله سبحانه وتعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} وهذا يعكر على ما تقدم إلا أن التزم أنه من النادر والله أعلم والأذواء اسم لرؤساء اليمن قيل ذي عين وذي يزن وأضيفت إلى مفرد في رواية الأصيلي في الجهاد ففيه أهل من ذي مسجد ذي الحليفة وسقطت ذي من رواية غيره وتجيء بمعنى الذي كقولهم أنا ذو سمعت به


حرف الراء"فصل ر ا" قوله: {أَثَاثاً وَرِئْياً} قال ابن عباس الأثاث المال والرئى المنظر قوله: "أرأيت" معناه الاستخبار أي أخبرني عن كذا وهو بفتح المثناه في الواحد والمثني والجمع تقول أرأيت وأرأيتك وأرأيتكما وأرأيتكم ويقال للمؤنث في الجمع بكسر المثناة أو الكاف وفي الجمع كالأول لكن بنون بدل الميم وقد يراد بنها الرؤية فيئني ما قبل علامة المخاطب ويجمع قوله: "راءينا المشركين" بوزن فاعلنا من الرؤية أي أريناهم بذلك الفعل أنا أقوياء وليس هو من الرياء قوله: "كريه المرآة" بفتح الميم والمد أي المنظر وأما المرآة بكسر الميم فهي التي يرى فيها الوجه

"فصل ر ب" قوله: "ربتها" أي سيدتها قوله: "يربني بنو عمى" أي تدبر أمري وتصير لي ربا أي سيدا ومنه قول سلمان تداولني بضعة عشر من رب إلى رب أي من سيد إلي سيد قوله: "الربانيون" أي العلماء قيل سموا بذلك لعلمهم بالرب سبحانه وتعالى وقيل الرباني الذي يربى الناس بصغار العلم قبل كباره أي بالتدريج وقيل غير ذلك ومنه قوله: "ربيون واحدة ربي قوله: "يربيها كما يربي" هو من التربية وهي القيام على الشيء وإصلاحه قوله: "ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم" بوزن فعيلة من التربية والمراد أنها بنت امرأته قوله: "الربابة البيضاء" أي العمامة قوله: "مال رابح" بالموحدة من الربح وبالتحتانية أي يروح الأجر عليه على الدوام قوله: "مربد النعم" بكسر الميم أي الموضع الذي تحبس فيه قوله: "الربذة" بفتحات مكان معروف بين مكة والمدينة قوله: "مرابض الغنم" جمع مربض وهو موضع إقامتها على الماء قوله: "الرباط" أي ملازمة الثغر للجهاد وأصله الحبس كأن المرابط حبس نفسه على هذه الطاعة قوله: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي ألهمناهم الصبر قوله: "من رباع" بكسر أوله هو جمع ربع وهي الدار المعروفة وقيل لا يقال الربع إلا لما فيه بناء زائد قوله: "رباعيته" أي المقدم من أسنانه قوله: "اربعوا على أنفسكم" أي الزموا شأنكم ولا تعجلوا وقيل معناه كفوا أو ارفقوا قوله: "على أربعاء" بكسر الموحدة جمع ربيع وهو الجدول والأربعاء اسم لليوم المخصوص وهو مثلث الباء قوله: "ربا من أسفلها" أي زاد وقوله: "يربي الصدقات أي ينميها قوله: "رابيا" هو من ربا يربو إذا زاد والربا في المعاملة مقصور قوله: "ربا الرجل" أي أصابه نفس في جوفه ومنه قوله: "مالك حشا رابية أي أصابك الربو فعلا نفسك ومنه سميت الربوة لما ارتفع من الأرض وقوله: "ربت أي ارتفعت
"فصل ر ت" قوله: "ورتعت وترتع" أي تأكل وهي مطلقة قوله: "رتقاء" أي ملتصقة قوله: "يرتل القرآن" أي لا يستعجل في قراءته
"فصل ر ث" قوله: "يرثى له" أي يتوجع
"فصل ر ج" قوله: "وأرجأ أمرنا" أي أخره وكذا قوله: "ترجى أي تؤخر قوله: "عذيقها المرجب"ط الرجبة بضم الراء وسكون الجيم البناء الذي يحاط به النخل مخافة أن يسقط قوله: "رجب مضر" هو الشهر نسب إلى مضر لتعظيمهم له قوله: "حتى يرتج" أي يتحرك ويضطرب وفي قوله: "رجت" أي زلزلت قوله: "وزن لي فأرجح" أي زاد في الميزان حتى مال قوله: "الرجز" قال هي الأوثان وهو تفسير باللازم لأنها تؤدي إلى الرجز وهو العذاب ومنه في الطاعون رجز أرسل قوله: "الرجز" بفتحتين هو ضرب من الشعر معروف وأنكر بعضهم أن يكون شعرا قوله: "رجس" بسكون الجيم أي قذر وقيل الرجس النجس ويجيء الرجس بمعنى الإثم وبمعنى الكفر كقوله: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} {فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} وقد يجيء بمعنى العذاب أو بما يقتضيه قوله: "يرجع" أي يكرر وقوله: "الرجعي" تأنيث المرجع قوله: {ذَاتِ الرَّجْعِ} أي ترجع بالمطر قوله: {رَجْعٌ بَعِيدٌ} أي رد وقوله: "باسترجاعه أي ب قوله: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} ومنه قوله: "فاسترجع قوله: "غزوة الرجيع" هو مكان من بلاد بني سليم وهذيل وقوله: "يتراجعان بينهما بالسوية" يتعلق بالخليطين في الزكاة وتفسيره يأتي في الشرح قوله: "يرجف فؤاده" أي يضطرب وترجف المدينة أي يقع بها زلزلة لطيفة {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} هم الذين يخوضون في الفتن وغيرها قوله: "كنت أرجل رأسه" أي أسرح شعره ومنه قوله: "أراد الحج فرجل" أي شعر رأسه ومنه قوله: "المرجل بالتشديد وأما المرجل بكسر أوله وسكون الراء فهو القدر قوله: "فما ترجل النهار" أي ارتفع قوله: "المترجلات من النساء" أي المتشبهات بالرجال قوله: "برجلك" الرجل الرجالة وقول الشاعر:
ورجلة يضربون البيض
...
هو جمع رجل على غير قياس قوله: {لَأَرْجُمَنَّكَ} أي لأشتمنك وقيل لأهجرنك وأما قوله: {أَنْ تَرْجُمُونِ} فقيل معناه القتل ومنه {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} قوله: "ترجين النكاح" بالضم والتشديد من الرجاء وهو الأمل ويجيء أيضا بمعنى الخوف ومنه {لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} أي لا تخافون عظمته كذا في الأصل ومثله {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} أي يخافه يقال في الأمل رجوت ورجيت بالواو وبالياء وفي الخوف بالواو لا غير
"فصل ر ح" قوله: "مرحبا" هي كلمة تقال عند إرادة المبرة للقادم أصلها الرحب أي صادفت حبا قوله: "رحب بي" أي قال لي مرحبا قوله: "رحراح" أي واسع قوله: "الرحضاء" بضم الراء وفتح الحاء والضاد المعجمة مع المد هو عرق الحمى وقوله: "مراحيض" جمع مرحاض وهو بيت الخلاء مأخوذ من الرحض وهو الغسل قوله: "الرحيق" قال ابن عباس الخمر وقال غيره الشراب الذي لا غش فيه قوله: "الرحلة في المسألة النازلة" أي الرحيل بسبب ذلك وقوله: "لا تشد الرحال" وقوله: "على الرحل" هو مفرد الذي قبله ما يوضع على ظهر البعير تحت الراكب يقال رحلت البعير بالتخفيف أي شددت عليه الرحل قوله: "صلة الرحم" بفتح الراء وكسر الحاء وذوو الرحم هم الأقارب ويقع علي كل من يجمع بينهما نسب من جهة النساء قوله: "الرحى" هي التي يطحن فيها معروفة
"فصل ر خ" قوله: "رخاء حيث أصاب" قال مجاهد أي طيبة وقيل لينة قوله: "الرخصة" وقوله: "أرخص له" هو من ذلك وهي مقابلة العزيمة قوله: "بايعه برخص" أي بدون قيمة الوقت قوله: "في شدة ولا رخاء" أي في ضيق ولا سعة قوله: "منزلي متراخ" أي بعيد
"فصل ر د" قوله: "ردء الإسلام" أي عونهم وقال ابن عباس ردا يصدقني يقال معينا ويقال مغيثا قوله: "رداح" بالفتح أي ثقيلة ممتلئة قوله: {فَارْتَدَّا} أي رجعا وقوله: "فرددتها عليه أي أعدتها وقال ابن عباس المتردية التي تتردى أي تسقط فتموت والمردودة من بناته هي المطلقة قوله: "فردتني" أي جعلته لي رداء وقيل معناه صرفت به جوعي وهو غلط قوله: "ردع" بسكون الدال وبالعين المهملة أي صبغ وقوله: "ردغ" بالغين المعجمة أي طين كثير قوله: "ردف" أي اقترب قوله: "ردف فلان" بكسر أوله وسكون الدال أي راكب خلفه يقال أردفته أي حملته خلفي وردفته أي ركبت خلفه
"فصل ر ز" قوله: "لا أرزأ وقوله: ما رزئنا وقوله: فلم يرزأني" كله من الرزء بالفتح وهو النقص وأما قوله: "الرزية" فهو من الرزء بالضم وهو المصيبة قوله: "ثوبين رازقيين" أي من كتان أبيض وفي اللون زرقة وقيل الرازقي الضعيف من كل شيء قوله: "حصان رزان" أي عاقلة من الرزانة وهو الثبات والوقار
"فصل ر س" قوله: "الرس" قال هو المعدن جمعه رساس وقيل الرس الفساد وسمي أهل الرس بذلك


يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 01:12 AM
لأنهم رسوا نبيهم أي دسوه في بئر حتى مات قوله: "راسيات" أي ثابتات قوله: "مرساها" أي مقرها قوله: "على رسغه" بضم الراء أي المفصل الذي بين الكف والساعد وكذا مجمع الساق والقدم قوله: "يرسف في قيوده" بضم السين ويقال بكسرها هو مشى المقيد قوله: "على رسل" بكسر الراء فسر في الحديث وهو لبن المنحة يقال الرسل بالفتح الإبل وبالكسر اللبن وقوله: "على رسلكما" بفتح الراء وبكسرها أي على هينتكما وقيل بالكسر التؤدة وبالفتح الرفق وأصله السير البطيء ومنه قوله: "مشي مسترسلا ويأتون أرسالا
"فصل ر ش" قوله: "رشحهم المسك" أي عرقهم ومنه قوله: "في رشحه" قوله: "رشد" بكسر ثانيه وبفتحه هو الصواب كيفما تصرف قوله: "يرشون" هو صب الماء مفرقا قوله: "ارشقوهمط أي ارموهم بالنبل ومنه قوله: "رشقتهم نبال ثقيف" قوله: "الرشوة" بكسر الراء وبضمها أي العطية في الباطل والجمع الرشا بضم الراء والقصر
"فصل ر ص" قوله: "رصدته" أي رقبته وقوله: "أخذ علينا بالرصد" أي الارتقاب ومنه أرصده بضم الصاد أي أرقبه وأرصد الله له ملكا أي أقعده على طريقه قوله: {بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} قال ابن عباس ملصق بعضه ببعض وهو قول الأكثر وقال يحيى وهو الفراء مبنى بالرصاص قوله: "تراصوا" أي تلاصقوا قوله: "رصافة" بكسر الراء أي العقبة التي تلوى على مدخل النصل في السهم
"فصل رض" قوله: "ارضخى" أي أعطى الرضخ وهو الشيء القليل بالنسبة لغيره ومنه "يرضخ لها" وقوله: "رضخ رأسها" أي شدخ وزنا ومعني قوله: "رض رأسها" أي دق ويرض فخذي أي يدقها قوله: "يوم الرضع" جمع رضيع أي لئيم والمعنى يوم هلاك اللئام وقيل للئيم راضع لأنه يمتص اللبن من الضرع لئلا يسمع غيره صوت الحلب فيطلب منه والرضاعة بكسر الراء وبفتحها قوله: "رضف" هي الحجارة المحماة ومنه رضيفها أي ما طرحت فيه الحجارة المحماة قوله: "الرضم" بفتح الضاد وقد تسكن حجارة مجتمعة قوله: "قوم رضا" يقال للواحد والجمع وقوله: "وكان رضيا" أي مرضيا يعني أنه فعيل بمعنى مفعول
"فصل ر ط" قوله: "رطبة" بسكون الطاء أي لم يجف لسانه من قراءتها قوله: "فقام في الرطاب" بكسر الراء جمع رطبة أي النخل ذات الرطب قوله: "ارتطمت" أي ساخت بالخاء المعجمة قوله: "رطن" أي تكلم بغير العربية ومنه الرطانة بفتح الراد وكسرها
"فصل رع" قوله: "رعبت" أي فزعت ومنه رعب المسيح أي الفزع منه قوله: "فاذا ترعرت" أي كبرت قوله: "رعاع الناس" بفتح الراء وبمهملتين هم السقاط منهم قوله: "تحت راعوفة" هي صخرة تترك في أسفل البئر ليجلس عليها المستقى قوله: "رعامها" بضم الراء وبالعين المهملة أي ما يسيل من أنوفها قوله: "رعل" بكسر الراء وسكون العين حي من سليم قوله: "رعاء الشاء" بكسر الراء ممدود وبضم أوله وبعد الألف هاء تأنيث وهما جمع راع وهو القائم على الماشية ومنه "كلكم راع" أي حافظ مؤتمن قوله: "راعنا" فسره بقوله: "وانظرنا" وقيل معناه حافظنا من الرعي أي أرعنا سمعك
"فصل رغ" قوله: "والرغباء إليك" بفتح الراء وبالمد من الرغبة وهي الطلب وتكررت في الحديث


قوله: "رغسه الله مالا" أي كثره له قوله: "أرغم الله أنفه ورغم أنفه" هو دعاء بالذل والخزي كأنه دعا عليه بأن يلصق بالرغام وهو التراب وقيل معناه الاضطراب والرغم المساءة والغضب وقوله: "سنة نبيكم وإن رغمتم" أي كرهتم
"فصل ر ف" قوله: "رفاتا أي حطاما قوله: "ولا رفث" قيل الجماع وقيل الفحش في الكلام وقيل مذاكرة ذلك مع النساء قوله: "الرفاة" بالكسر أي المعونة قوله: {الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} قيل معناه العون المعين يقال رفدته إذا أعنته وقيل معناه بئس العطاء المعطي قوله: "رفرفا أخضر" هو بساط أخضر قوله: "ارفضي عمرتك" أي اتركي ومنه رفضه ويرفضه كله من الترك قوله: "لو أن أحدا ارفض" بالتشديد أي سقط قوله: "رفعت فرسي" أي طلبت منه الزيادة في السير قوله: "على رف" هو خشب يرفع عن الأرض إلي جنب الجدار والجمع رفوف ورفاف قوله: "المرفق" بفتح أوله وثالثه ويكسر هو طرف عظم الذراع مما يلي العضد قوله: "كأن ابنا رافقا" أي معينا قوله: "الرفيق الأعلى" قيل هو اسم من أسماء الله تعالى وخطأ ذلك الأزهري وقال بل هم جماعة الأنبياء وغيرهم وهو المراد بقوله سبحانه وتعالى: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} وقال غيره الرفيق الأعلى الجنة ومنه قوله: "وكان رفيقا" هو من الرفق قوله: "الرفقة" أي الجماعة المترافقة في السفر قوله: "الرفاهية" أي رغد العيش
"فصل رق" قوله: "فما رقأ الدم" بالهمز أي انقطع جريه ومنه قولها لا يرقأ لي دمع وأما قوله: "فكنت رقاء في الجبال" فهو فعال من الرقي قوله: "ارقبوا محمدا" أي احفظوه قوله: {رَقِيبٌ عَتِيدٌ} قال مجاهد أي رصيد وقوله: "الرقيب" هو من أسماء الله سبحانه وتعالى ومعناه الحافظ وقوله: "فارتقب" أي انتظر وقوله: "في الرقاب هم المكاتبون" يعطون من الصدقات ما يفكون به رقابهم قوله: "الرقوب" فسره في الحديث بمن لم يقدم من ولده شيئا قال أبو عبيد معناه في كلامهم إنما هو فقد الأولاد في الدنيا فجلعها فقدهم في الآخرة وليس هذا بخلاف ذاك1 ولكنه تحويل قوله: "الرقبى" هو أن يقول الرجل لآخر قد وهبتك كذا فإن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهو لك فكل واحد منهما يرقب صاحبه ومنه أن يكون ذلك من الجانبين معا قوله: "من أعتق رقبة" أي شخصا من الآدميين وهو من تسمية الشيء باسم بعضه قوله: "رقاع تخفق" أي أوراق والمراد صحائف سيآنه وقيل ما يكتب عليه من الحقوق التي أثم بتأخير وفائها قوله: "رغيفا مرققا أي لينا واسعا ومنه الرقاق بالضم والتخفيف قوله: "مراق البطن" بتشديد القاف يأتي في الميم قوله: "رقم في ثوب" أي طرز ونحوه قوله: "الرقمة في زراع الحمار" هي كالدائرة فيه أو شبه الظفر يكون في قوائم الدواب قوله: "الرقيم" أي الكتاب مرقوم من الرقم وقيل الرقيم الكهف نفسه وقيل اسم القرية وقيل اسم الكلب قوله: "رقاه" وقوله: "إني لأرقي" بكسر القاف من الرقية وهي العوذة قوله: "رقى المنير" أي صعد وكذا قوله: "رقيت على ظهر بيت لنا" أي صعدت
ـــــــ
1 قوله "وليس هذا بخلاف ذاك" في النهاية وفيه أنه ما تعدون الرقوب فيكم قالوا الذي لا يبقى له ولد فقال بل الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا الرقوب في اللغة من يعيش له ولد فنقله صلى الله عليه وسلم إلى الذي لم يقدم شيئا من الولد تعريفا أن الأجر والثواب لمن قدم شيئا من الولد وأن الاعتداد به أكثر وأن من لم يرزق ذلك فهو كالذي لا ولد له وليس هذا نفيا لتفسيره اللغوي وإنما هو على حد إنما المحروب من دينه اهـ

"فصل ر ك" قوله: "ركب ذات غداة مركبا" أي سار مسيرا وهو راكب قوله: "فبعثوا الركاب" أي أثاروا الإبل قوله: "في ركوب" أي ركائب جمع ركاب قوله: "أركد في الأوليين" أي أسكن وأترك الحركة والمعنى أنه يطيل القراءة فيهما قوله: "الركاز" هو الكنز عند أهل الحجاز وفسره أهل العراق بالمعدن قوله: "ركز الراية" أي غرزها قوله: "ركزا" أي صوتا وقيل الصوت الخفي قوله: "هذا ركس" أي نجس يقال بالكاف وبالجيم وأما قوله: "أركسهم" فقال ابن عباس معناه بددهم وقال غيره ردهم من حالة إلى حالة قوله: "ركض دابته" أي حركها ودفعها للسير ومنه ركضني ويركض قوله: "اركعي" أي صلى من تسمية الشيء ببعضه قوله: "فيركمه جميعا" أي يجمعه والركام جعل الشيء بعضه فوق بعض قوله: "الى ركن شديد" أي عشيرة وكذا قوله: "فتولى بركنه" أي بمن معه وأصل الركن الناحية من الجبل ويوضع موضع القوة وقوله: "ولا تركنوا" أي لا تميلوا وكذا قوله: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} قوله: "يستلم الركنين اليمانيين" أي الحجر الأسود والذي يسامته من قبل اليمن قوله: "علي رأس ركي" وقوله: "على شفة الركى" أي البئر وهي الركية أيضا وإثبات الهاء فيها قليل
"فصل ر م" قوله: "ترمح الدابة" أي تضرب برجلها قوله: "عظيم الرماد" هو كناية عن كثرة الأضياف لأن من لازم ذلك كثرة الطبخ فتكثر النيران فتكثر الرماد وقوله: "رمادا" هو ما يبقى من الفحم مذرورا قوله: "له رمزة" وفي رواية زمرة بتقديم الزاي وفي رواية رمرمة براءين وفي رواية بزايين قال عياض وغيره هو بمعجمتين تحريك الشفتين بكلام من الخيشوم والحلق لا يتحرك فيه اللسان وبمهملتين صوت خفي ساكن جدا وبتقديم الراء صوت خفي بتحريك الشفتين لا يفهم وبتقديم الزاي صوت من داخل الفم قوله: "حمل أرمك" أي أورق وهو الذي فيه سواد وبياض قوله: "رمال حصير" وقوله: "وقد أثر الرمال" وقوله: "على سرير مرمول" هو المنسوج من السعف بالحبال قوله: "أن يرملوا الأشواط" الرمل في الطواف الوثب في المشي ليس بالشديد قوله: "أرملوا في الغزو" أي نفد زادهم والأرملة التي لا زوج لها وقيل تختص بمن مات زوجها وقد يطلق على المحتاجة قوله: "رميم" أي نبات الأرض إذا يبس وديس كذا فيه وقال غيره الرميم الجاف المنحطم والرمة بكسر وتثقيل العظم البالي قوله: "إلى مرماتين" قال أبو عبيد وغيره المرماة بكسر الميم وبفتحها أيضا ما بين ظلفي الشاة من اللحم فعلى هذا الميم أصلية وقيل هو السهم الذي يرمي به فالميم زائدة وهي مكسورة قولا واحدا وقيل هو سهم يلعب به في كوم تراب فمن رمى به فثبت على الكوم غلب وقيل المرماتان السهمان اللذان يرمي بهما الرجل فيجوز السبق والرمية بكسر الميم والتشديد الصيد الذي يرمي به
"فصل ر ه" قوله: "رهبة منك" أي خوفا وكذا قوله: "يرهبون" وقوله: {اسْتَرْهَبُوهُمْ} من الرهب أيضا وهو الخوف ومنه قوله: "رهبوت" بوزن فعلوت من الرهبة أيضا قوله: "رهطا" قال أبو عبيد الرهط ما دون العشرة وقيل إلى ثلاثة قوله: "أرهقتنا الصلاة" أي أدركتنا وقوله: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} أي تلحقها وتغشاها وقوله: {وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} أي لا تحملني ما لا أطيق قال الأزهري الرهق اسم من الإرهاق وهو الحمل على ما لا يطاق وقوله: "راهقت الحلم" أي أدركته قوله: "الرهن" وقوله: "فرهن مقبوضة" أصل الرهن الحبس ومنه {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} والهاء للمبالغة أي محبوسة بكسبها والرهن معروف في الفقهيات قوله: "واترك البحر رهوا" قال مجاهد أي طريقا يابسا وقال غيره ساكنا وقيل منفرجا وقال ابن عرفة يجوز أن يكون رهوا من نعت موسى عليه الصلاة والسلام أي على هينتك أو من نعت البحر كما تقدم وقال ابن الأعرابي رهوا أي واسعا بعيد ما بين الطاقات
"فصل ر و" قوله: "ولا تأتني بروثه" أي بعره ومنه قوله: "وأروائها" قوله: "بريد الرويثة" بلفظ تصغير روثة وهو مكان معروف قوله: "غدوة أو روحة" وقوله: الروحة وعلى الروحة" هو وقت لما بين زوال الشمس إلى الليل قوله: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} قال مجاهد جنة ورخاء وقيل راحة واستراحة قوله: "من روح الله" أي رحمته وقيل معناه الرجاء والريحان يأتي وقوله: {رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} بضم الراء قال ابن عباس القرآن وكل ما كان فيه حياة للنفوس بالإرشاد وقيل هو جبريل وقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} هو جبريل وكذا روح القدس وفي الروح أقوال منتشرة قوله: "الروحاء" بفتح الراء والمد موضع من عمل المدينة بينهما ما بين الثلاثين والأربعين ميلا قوله: "فيكون لهم أرواح" جمع ريح والمراد الرائحة الكريهة قوله: "لم يرح" بفتح الراء ويروي بكسرها مع فتح أوله وضمه يقال رحت الشيء أراحه ورحته بالكسر أريحه إذا وجدت ريحه وأرحته أيضا أريحه قوله: "فلم يرعهم" أي فلم يفزعهم والروع بالفتح الفزع وبالضم النفس قوله: "فراغ" بالغين المعجمة أي مال وقيل رجع في خفية قوله: "رويدك" أي أرفق تصغير رود بالضم وهو الرفق وانتصب على صفة محذوف
"فصل رى" قوله: "المرائي" وقوله: "الرياء" هو إظهار الخير لقصد الشهرة مع إبطان غيره قوله: "يريبنى" أي يشككني من الريب قوله: "راث علينا" أي أبطأ قوله: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} قال قتادة الحرب وقال غيره النصر قوله: "يوما راحا" أي ذا ريح قوله: "وريحان" قال مجاهد الرزق وقيل النضيج الذي لم يؤكل وقوله: "ريحانتاي الريحانة" كل بقلة طيبة الريح وهو ما يستراح إليه أيضا قوله: "وريشا" قال ابن عباس المال وقيل ما ظهر من اللباس قوله: "الريع" الارتفاع من الأرض وجمعه ريعة والرياع واحده ريعة قوله: "لم يرم" أي لم يبرح يقال رام يريم ريما إذا برح وأقام قوله: {كَلَّا بَلْ رَانَ} أي غلب حتى غطى على قلوبهم وقيل المراد ثبت الخطايا قوله: "لأرى الري" كناية عن ظهوره قوله: "يوم التروية" هو اليوم الثامن من ذي الحجة سمي بذلك لأنهم كانوا يتروون من الماء للخروج إلى الموقف


حرف الزاي"فصل زب" قوله: "له زبيبتان" هما الزبدتان اللتان في جانبي شدقي الحية من السم وقيل الزبيبة النكتة السوداء فوق عينها ويقال بجانب فيها قوله: "الزبد" قال مجاهد السيل وزبد مثله خبث الحديد والحلية قوله: {زُبَرَ الْحَدِيدِ} أي قطع الحديد واحدها زبرة قوله: "زبرني" أي زجرني وزبره أي أغلظ له قوله: "الزبر" الكتب وأحدها زبور ويقال زبرت أي كتبت قوله: "الزبيل" بفتح أوله وكسر ثانيه هو القفة الكبيرة ويقال لها أيضا الزنبيل قوله: "الزبانية" هي الملائكة قيل سموا بذلك لدفعهم الناس في جهنم والزبن الدفع واحده زبنية قوله: "المزابنة" هو بيع من بياعات الغرر مشتق من الزبن وهو الدفع كأن كلا من المتبايعين يدفع الآخر عن حقه وقيل هي بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر


"فصل زج" قوله: "فخططت بزجه" الزج بالضم الحديدة التي في أسفل الرمح قوله: "زجج موضعها" أي سمرها أو حشا شقوق لصاقها بالزج ويحتمل أن يكون النقر في طرف الخشبة فترك فيه زجا ليمسكه ويحفظ ما في جوفه قوله: "الزجاجة" معروفة قوله: {زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} أي صيحة وقوله: "زجرا شديدا" أي نهيا قويا ومنه قوله: "زجرها" قوله: {مُزْدَجَرٌ} قال مجاهد أي متناهي وقال غيره مزجر وفي قوله: "وازدجر" قال مجاهد استطير جنونا وقال غيره افتعل من الزجر وقال غيره أي زجر بالشتم قوله: "مزجى السحاب" أي باعثها وسائقها
"فصل ز ح" قوله: "زحزح" أي بوعد والزحزحة والإبعاد وقوله: "بمزحزحه" أي بمباعده قوله: "زحفا" أي مشا على الإلية
"فصل ز خ" قوله: "زخرف القول" هو كل شيء حسنته ووشيته وهو باطل وقوله: "لتزخرفنها" أي تزينونها بالذهب وغيره والزخرف الذهب أيضا
"فصل ز ر" قوله: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} قال يحيى الفراء هي الطنافس لها خمل رقيق وقال غيره زرابي البيت ألوانه قوله: "زر الحجلة قيل المراد بالحجلة الكلة وزرها ما تزرر به وقيل المراد بها الطير وزرها بيضها وقيل المراد بها البياض وزرها النقطة البيضاء قوله: "مزررة بالذهب" أي أزرارها ذهب وقوله: "ويزره" أي يشده كشد الأزرار قوله: "لا تزرموه" أي لا تقطعوا بوله قوله: "الريح ريح زرنب" هو نوع من الطيب كأنها وصفته بطيب الريح أو بحسن الثناء
"فصل ز ط" قوله: "من رجال الزط" هم صنف السودان
"فصل ز ع" قوله: "فلا تزعزعوها" أي لا تحركوها ولا تقلقوها قوله: "زعم الزعم" مثلث الزاي وأصله في المشكوك فيه وقد يطلق على الكذب وقد يطلق على المحقق وعلى مطلق القول ويتميز بالقرينة
"فصل ز ف" قوله: "يزفر لنا القرب" أي يخيط وقيل لا يعرف هذا التفسير في اللغة وهو في رواية المستملى وحده والمعروف يحملها مملوءة والزفر بكسر أوله القربة قوله: {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} قال ابن عباس صوت شديد وصوت ضعيف وقيل الأصل في الزفير صوت الحمار في ابتداء النهيق والشهيق آخره وقيل الزفير من الصدر والشهيق من الحلق قوله: "زفت امرأة" هو من الزفيف وهو تقارب الخطو قوله: "المزفت" هو المطلي بالزفت من الأواني
"فصل زق" قوله: "الزقاق" بالضم هو الطريق جمعه أزقة وقوله: "زقاق" بالكسر جمع زق وهو الظرف قوله: "الزقوم" من الزقم وهو اللقم الشديد والشرب المفرط
"فصل ز ك" قوله: "الزكاة" الطاعة والإخلاص وقوله: {لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} لا يشهدون أن لا إله إلا الله قوله: "لا أزكى به" أي لا يثني علي بسببه بما ليس في قوله: {أَزْكَى طَعَاماً} أي أكثر ريعا
"فصل زل" قوله: "كان أزلفها" أي قربها أو جمعها أو اكتسبها قوله: "وزلفى" ساعات بعد ساعات ومنه سميت المزدلفة لأن الزلف منزلة بعد منزلة وأما زلفى فمصدر مثل قربى ويقال ازدلفوا اجتمعوا أزلفنا جمعنا قوله: "هناك الزلازل" قيل على ظاهره جمع زلزلة وهي اضطراب الأرض وقيل المراد الحروب الواقعة في الفتن لكثرة الحركة فيها قوله: "الأزلام" ذكر في تفسير سورة المائدة والأزلام وأحدها زلم وهي القداح وهي سهام مكتوب عليها أفعل أو لا تفعل فإذا أراد أمرا أدخل يده فإن خرج الأمر فعل وإن خرج النهى لم يفعل قوله: "فأزلهما" أي زحزحهما عن القصد المستقيم
"فصل ز م" قوله: "زمرة" بالضم أي جماعة وتقدم زمرة بالفتح في الراء قوله: "مزمارة الشيطانط الزمر الغناء والصوت الحسن والعالى ويقال المزمار صوت بصفير قوله: "زملوني" أي لفوني في ثيابي قوله: "زاملته" الزاملة البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع كأنها فاعلة من الزمل وهو الحمل قوله: "الزمهرير" هو البرد الشديد
"فصل زن" قوله: "الزنادقة" الزنديق من لا يعتقد ملة وينكر الشرائع ويطلق على المنافق قوله: "تزن بريبة" أي تتهم قوله: "زنيم" يقال له زنمة مثل زنمة الشاة بتحريك النون وهي لحمة معلقة في عنقها
"فصل ز ه" قوله: "يزهدها" أي يقللها قوله: "أزهر اللون" أي مشرقه قوله: "المزهر" بكسر الميم هو عود الغناء ويطلق على المعزفة وهي أكثر عند العرب قوله: {زَهَقَ الْبَاطِلُ} أي هلك والزهوق الخروج وهي استعارة قوله: "الزهو" هو ابتداء ارطاب البلح وأصله الظهور وقوله: "حتى يزهي" فسره في الحديث فقال حتى يحمر فهو بضم أوله وكسر الهاء من الرباعي وفي رواية حتى يزهو من زها ثلاثيا ومنهم من أنكرها ومنهم من أنكر الأول ويقال زها إذا ظهر وأزهى إذا أشتد وأما قول عائشة يزهى أن تلبسه أي يترفع عنه ولا يرضاه
"فصل ز و" قوله: "من أنفق زوجين" أي شيئين من كل شيء ويطلق الزوج على الصنف والنوع وعلى كل مقترنين ونقيضين وشبيهين قوله: "مرود تمر" المرود وعاء كالجراب ونحوه قوله: "مزادة" أي وعاء الماء قوله: "قول الزور" أي الكذب والباطل قوله: "زورت مقالة" أي هيأتها وصورتها في نفسي قوله: "تزاور" أي تميل وهو من الزور وهو الميل والأزور الأميل قوله: "نهي عن الزور" وهو بالضم يعني وصل الشعر بشعر آخر أو غيره قوله: "لزورك" بفتح الزاي أي لضيفك وقد تكلم عليه المصنف في باب إكرام الضيف من الأدب قوله: "الزوراء" بالمد هو موضع بسوق المدينة قوله: "يزول في الناس" أي يتحرك ذاهبا وآيبا ولا يستقر قوله: "يزوى بعضها إلى بعض" أي ينقبض وينضم قوله: "الزاوية" هو موضع بالبصرة على فرسخين منها كانت به وقعة مشهورة للحجاج وكان به قصر لأنس بن مالك
"فصل ز ي" قوله: "زاح عني الباطل" أي ذهب قوله: "زيادة كبد الحوت" هي القطعة المنفردة المتعلقة من الكبد قوله: {الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال مجاهد مغفرة وقال غيره النظر إلى وجه الله وثبت الثاني في حديث صحيح عنه مسلم قوله: "قبل أن أزيغ" أي أميل ومنه زاغت الأبصار أي مالت وقوله: {مَا زَاغَ الْبَصَر} قوله: "إن تزيغ الشمس" أي تميل إلى وجه المغرب قوله: "زينة القوم" الحلي الذي استعاروا من آل فرعون

حرف السين"فصل س ا" قوله: "صنع سؤرا" بسكون الهمزة أي طعاما وقيل السؤر الصنيع بالحبشية وقيل بالفارسية وقيل لا يهمز قوله: "إنك لسؤل" أي كثير السؤال قوله: "السآمة" أي الملالة
"فصل س ب" قوله: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} قوله: "بسبب" أي بحبل قاله ابن عباس وقال الأسباب السماء وقال مجاهد طرقها في أبوابها قوله: {تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} قال مجاهد الوصلات في الدنيا قوله: "سبابتيه" تثنية سبابة وهي الإصبع التي بجنب الإبهام قوله: "ساببتط بوزن فاعلت من السب وهو الشتم وقوله: "سباب" هو مصدر قوله: "النعال السبتيةط منسوبة إلى السبت بالكسر وهو جلد البقر قوله: "يسبحون" أي يدورون قوله: "سابح يسبحط أي يعوم قوله: "حين التسبيح" أي حين صلاة النافلة ومنه قوله: "سبحة الضحى" وسميت الصلاة سبحة لما فيها من تعظيم الله وتنزيهه ومنه كان يسبح بعد العشاء أي يتنفل وأما قوله تعالى: {لَوْلا تُسَبِّحُونَ} فمعناه لولا تقولون إن شاء الله أريد بالتسبيح ذكر الله تعالى قوله: "سبحان الله" هو تنزيهه عن السوء وهو منصوب على المصدر قوله: "ذات سبخة" بفتحتين وخاء معجمة هي أرض مالحة وقد يسكن ثانيه والجمع سباخ قوله: "سيماهم" التسبيد أي استئصال الشعر بالحلق أو غيره وقيل المبالغة في التقشف والأول أشهر قوله: "سباطة قوم" هي المزبلة قوله: "الأسباط" هم قبائل بني إسرائيل قوله: "سبط الشعر" أي ليس فيه تكسر وسبط الكفين أي بسيطهما وقد تكسر الموحدة وحكى فيها الفتح أيضا قوله: "لكل سبوع ركعتين" هو جمع سبع مثل ضرب وضروب والمراد طاف سبع مرات قوله: "من لها يوم السبع" بضم الموحدة وبسكونها قيل هي اسم موضع المحشر وقيل موضع ظفره بها تقول سبع الذئب الغنم إذا افترسها وقيل المراد يوم الإهمال وقيل يوم يفترس السبع الراعي فينفرد الذئب بالغنم وقيل هو يوم عيد كان في الجاهلية يجتمعون فيلهون عن الغنم فيأكلها السبع وقيل المراد يوم الذعر يقال أسبع فلانا إذا أذعره وقال النووي أكثر الرواة علي ضم الباء ومنهم من سكنها والأصح أن المعنى من لها عند الفتن حين تترك لا راعي لها وادعى بعضهم أنها بالموحدة تصحيف وأن الصواب بالمثناة التحتانية وهو الضياع يقال أسيعت وأضيعت قوله: "سبغت" أي كملت وقوله: "توضأ فأسبغ" أي أكمل وقوله : "لم يسبغ" أي خفف قوله: "سابغات" قال شاملات وهي الدروع وقوله: "سابغ الإليتين" أي عظيمهما من سبوغ الثوب وقيل شديد السواد من كثرة الشعر قوله: "انقطعت بي السبل" أي الطرق قوله: "بسبيل" أي بطريق وسبيل الله طاعته والسبيل في الأصل الطريق ويذكر ويؤنث والتأنيث أكثر وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص أريد به التقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات وإذا أطلق أريد به الجهاد غالبا وأما بن السبيل فهو المسافر سمي ابنا لها لملازمته لها وفي قصة وقف عمر سبل ثمرتها أي جعلها مباحة سبلت الشيء إذا أبحته كأنك جعلت إليه طريقا قوله: "المسبل إزاره هو الذي يطول ثوبه ويرسله إذا مشى كبرا وعجبا قوله: "السبىء" وقوله: "سبيئة" مهموز وغير مهموز هو ما غلب عليه من الآدميين أو استرق
فصل س ج" قوله: "ملكت فأسجح" بفتح الهمزة ثم مهملة ساكنة ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة أي قدرت فسهل أي فاعف قوله: "يسجرون" قال مجاهد يوقد لهم النار وفي قوله : "المسجور" قال مجاهد الموقد وفي رواية الموقر بالراء وقال غير المملوء وهو بمعني الذي بالراء وفي قوله: "سجرت" قال الحسن تسجر حتى يذهب ماؤها فلا يبقى فيه قطرة وهذا بمعنى قول مجاهد الأول لكن قال مجاهد في هذا معني سجرت أفضى بعضها إلى بعض فصارت بحرا واحدا وقوله: "فأخذته فسجرته في التنور" أي أوقدته وهذا يؤيد التفسير الأول قوله: "سجف حجرته" هو الستر المشقوق الوسط قوله: "السجل" بتشديد اللام هي الصحيفة وقيل ملك وروى أبو داود أنه اسم صحابي قوله: "سجلا" بفتح أوله وسكون الجيم أي دلوا قوله: "الحرب سجال" بالكسر أي مرة كذا ومرة كذا مأخوذ من مساجلة المستقيين حيث يدلى هذا سجله مرة وهذا مرة قوله: "سجيل" قال هو الكبير الشديد ويقال باللام والنون وقال ابن عباس أصله سنك وكل فأدغم ثم عرب قال الأزهري قد بين الله المراد ب قوله: {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} حيث قال حجارة من طين مسومة وأما سجين حيث وقع فقيل هو فعيل من السجن وقيل حجر تحت الأرض السابعة قوله: "مسجى" أي مغطى به كله قوله: {إِذَا سَجَى} أي أظلم وقيل استوى وقيل غطى النهار بظلمته
"فصل س ح" قوله : "ثم سحبوا إلى القليب" أي جروا إلى البئر قوله: "فيسحتكم" أي يهلككم وقيل يستأصلكم قوله: "السحت" أي الحرام سمي بذلك لأنه يسخت المال أي يهلكه وقيل المراد به الرشوة قوله: "سحا" كذا في الصحيحين منون على المصدر أي تسح سحا روى في غيرهما سحاء بالمد والهمز على الصفة قوله: "سحري ونحري" السحر بالفتح وسكون الحاء الرئة تريد أنه مات وهو مستند لصدرها ما بين جوفها وعنقها قوله: "مسحرين" أي مسحورين مرة بعد مرة وقوله: "يسحرون" أي يعمون وقيل يصرفون قوله: "السحر" هو آخر الليل قوله: " السحور" هو الغداء في ذلك الوقت وبالفتح ما يؤكل في ذلك الوقت قوله: "سحقا" أي بعدا يقال سحيق بعيد قوله: "اسحقوا" ابعدوا قوله: "اسحقوني" أي دقوا الرماد إذا أحرقتموني قوله: "إن من البيان لسحرا" أي منه ما يصرف قلوب السامعين وإن كان غير حق وكذلك السحر فإن أريد بالحديث المدح فالمعنى أنه يستمال به القلوب ويرضى به الساخط ويستنزل به الصعب وإن أريد به الذم فالمعنى أنه يكتسب به من الإثم ما يكتسبه الساحر قوله: "سحولة" هي نسبة إلى قرية يقال لها سحول باليمن وقال ابن حبيب وابن الأعرابي السحول القطن ووقع في رواية ثلاثة أثواب سحولية كرسف والكرسف القطن قوله: "أسحم" أي شديد السواد قوله: "السحنة" بكسر أوله ويفتح وسكون الحاء بعدها نون هي بشرة الوجه وهيئته قوله: "بمساحيهم" بسكون الياء جمع مسحاة وهي المجرفة من الحديد والميم مكسورة وهي زائدة لأنه من السحر وهو الكشف والإزالة
"فصل س خ" قوله: "ليس بصخاب" وفي رواية بصخاب والصخب اختلاط الأصوات يقال بالصاد والسين والأول أشهر قوله: "ألبسة سخابا" بكسر أوله والتخفيف هي القلادة من طيب أو قرنفل وقيل خيط ينظم فيه خرز ويعلق على الصبيان والجواري ومنه تلقى سخابها قوله: "اتسخر بي" أي أتستهزئ بي قاله من شدة الدهش بالفرح أو ظن لما وقع منه من الاخلاف أنه يقابله بذلك عقوبة قوله: "سخطة لدينه" بفتح السين وتضم أي كراهية ويقال السخط والسخط كالسقم والسقم قوله: "سخاوة نفس" أي طيب نفس وقيل ترك الحرص عليه

فصل س د" قوله: "سد الروحاء" يقال بالضم والفتح وهو الجبل وفي قوله: "بين السدين" قيل الجبلين وقوله: "رأيت الصد مثل البرد المحبر" هو سد يأجوج ومأجوج وهو المكان الذي سده عليهم ذو القرنين وهو الردم وهو ما جعل بعضه على بعض حتي يتصل قوله: "سددوا وقاربوا" السداد القصد في الأمر قوله: "سدرة المنتهى" هي شجرة في السماء السابعة وقيل في السادسة قوله: "سادلة رجليها" أي مرسلتهما على الجمل ويروي سابلة بالموحدة قوله: "يسدل شعره" أي يرسله من خلفه ومنه كانوا يسدلون والسدل في الصلاة إرخاء الثوب قوله: "سديدا" أي صدقا قاله مجاهد وقال غيره قصدا مستقيما لا ميل فيه وهو السداد قوله: {أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} أي هملا
"فصل س ر" قوله: "سربا" بسكون الراء ويفتح أي مذهبا قوله: "يسرب" أي يسلك ومنه وسارب بالنهار ومنه يسربهن إلى أي يرسلهن واحدة بعد أخري قوله: "سرابيل" هي القمص قوله: "السراب" هو ما يظهر نصف النهار في الفيافي كأنه ماء قوله: "أمثال السرج" أي المصابيح قوله: "سرح الماء" أي أطلقه قوله: "قليلات المسارح كثيرات المبارك" أي أن إبله لا تغيب عن الحي ولا تسرح إلى المراعى البعيدة ولكنها تكون بفنائه لتقرى من لحمانها وألبانها الضيفان قوله: "سرحة" أي شجرة طويلة قوله: "سرح المدينة" أي الإبل التي ترعي قوله: "سرادق" أي حجرة وهم المعنية بالفسطاط وقيل كل ما أحاط بشيء كالمضرب قوله: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أي قدر المسامير لا تدق ولا تعظم وقيل متابعة حلق الدرع شيئا بعد شيء قوله: "أسرد الصوم" أي أتابعه قوله: "سرر هذا الشهر" بفتح أوله وثانيه قال أبو عبيد سرار الشهر آخره وسرره مثله قوله: "ملوك على الأسرة" جمع سرير وهو معروف قوله: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} قال الحسن الزنا وقيل الإفصاح بالنكاح وقيل المجامعة وقيل غير ذلك قوله: "أسارير وجهه" أي خطوط الجبهة وأحدها سر وسرر والجمع أسرار وجمع الجمع أسارير قوله: "سري عنه" أي كشف عنه قوله: "سرعان الناس" بفتحتين أي المسرع المستعجل منهم قوله: "سرغ" موضع بالشام بفتح أوله وسكون الراء آخره غين معجمه قوله: "سرف" بفتح السين وكسر الراء قرية في ستة أميال من مكة بها قبر ميمونة رضي الله عنها وأما قوله: "وحمى عمر السرف" فقيل الصواب بالشين المعجمة قال أبو عبيد البكري هو ماء لبني باهلة أو بني كلاب قال وأما سرف الذي بقرب مكة فلا تدخله الألف واللام قوله: "أسرف رجل على نفسه" السرف مجاوزة القصد والغلو في الشيء قوله: "سرقة من حرير" بفتح السين والراء قيل هو الأبيض منه وقيل الجيد منه قوله: "السرقين" فسره في الأصل بزبل الدواب ويقال بالقاف والجيم وهي فارسية عربت قوله: "سرمدا" أي دائما قوله: "سروات الجن" أي ساداتهم ومنه قوله: "وقتلت سرواتهم" أي ساداتهم وأحدها سري مشتق من السرو قوله: "نكحت رجلا سريا" أي جمع المروءة والسخاء معا قوله: {تَحْتَكِ سَرِيّاً} أي نهرا صغيرا بالسريانية وقيل السري الجدول سمي بذلك لأن الماء يسري فيه أي يمر فيه جاريا قوله: "ما السري يا جابر" وقوله: "أسرينا" من السري وهو سير الليل قوله: "خلف سرية" قال ابن السكيت السرية ما بين الخمسة إلى الثلاثمائة وقال الخليل هي نحو أربعمائة ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم: "خير السرايا أربعمائة" أخرجه أبو داود وغيره
"فصل س ط" قوله: "سطحية" هو إناء من جلود قال ابن الأعرابي هي المزادة إذا كانت من جلدين سطح أحدهما على الآخر قوله: "الأساطير" وأحدها أسطورة وهي الترهات بضم المثناة وتشديد الراء وتخفيف الهاء واحدتها ترهة وهي فارسي معرب أصلها الطرق الصغار غير الجادة تتشعب عنها ثم استعير للباطل وربما جاء مضافا قوله: "المسيطرون" المسيطر المسلط يقال بالصاد وبالسين قوله: {يَسْطُرُونَ} أي يخطون قوله: "يسطون" أي يفرطون من السطوه ويقال يبطشون
"فصل س ع" قوله: "لبيك وسعديك" أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة قوله: "شوك السعدات" هو نبت ذو شوك من أحسن مراعي الإبل قوله: "سعروا البلاد" بتشديد العين وحكى أبو حاتم التخفيف أي ألهبوها كالتهاب السعير قوله: "السعر" أي الثمن الذي يقف عليه الأسواق والتسعر والاضطرام التوقد الشديد قوله: "سعيرا" أي وقودا قوله: "السعوط" وقوله: "استعط" أي جعل فيه سعوط بفتح السين وهو ما يجعل في الأنف من الأدوية قوله: "يسعى في الوادي" أي يمشي قويا قوله: "ساعيه" وقوله: "سعاة" هم ولاة الصدقة قوله: "الساعي على الأرملة" أي العامل عليها قوله: "سعوا له بكل شيء" أي طلبوا قوله: "لا تأتوها وأنتم تسعون" أي تجرون ومنه السعي بين الصفا والمروة ويسعون في السكك وأما قوله: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فمعناه فامضوا إلي ذكر الله فالسعي يراد به الجري ويراد به المضي قال بعضهم إذا كان بمعنى المضي أو بمعني الجري تعدي بإلى وإذا كان بمعنى العمل تعدى باللام ك قوله: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} ويرده فاسعوا إلي ذكر الله فإنه بمعنى امضوا قوله: "على ساعتي هذه" أي على حالتي أو في وقتي قوله: "في حديث الجمعة من راح في الساعة الأولى" ذهب مالك إلى أن أولها دخول الوقت وهو زوال الشمس وذهب غيره إلي أنها من أول النهار قوله: "في حديث المكاتب ثم استسعى" أي أتبع فيما بقي عليه فطلبه بالسعى في فكاك رقبته قوله: "من أشراط الساعة" سمي يوم القيامة الساعة لأنها كلمحة البصر ولم يكن في كلام العرب في المدد أقصر من الساعة
"فصل س غ" قوله: {فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} أي مجاعة
"فصل س ف" قوله: "مسفوحا" أي دما مهراقا قوله : "سفح الجبل" أي عرضه من أسفله قوله: "بعد ما أسفر" أي أضاء وابتدأ الأسفار والأصل فيه البيان يقال أسفر وسفر قوله: "سفرة" قال هم الملائكة واحدهم سافر يقال سفرت بينهم أي أصلحت وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله وتأديته كالسفير الذي يصلح بين القوم وفي تفسير سورة عبس فيه زيادة قوله: "وصنعنا لهم سفرة في جراب" أي زاد أصل السفرة الزاد الذي يصنع للمسافر ثم استعمل في وعاء الزاد كالمزاودة والرواية قوله: "سفعة" روى بالفتح والضم فسرها في الحديث صفرة وفي بعض اللغة صفرة مشوبة بسواد أو زرقة وقيل غير معروف في اللغة وقيل معناه ضربة واحدة من الشيطان من قوله: "لنسفعن أي لنأخذن سفعت بيده أخذت وقبضت يقال سفعت لطمت وقيل معناه علامة الشيطان ومنه سفعاء الخدين قوله: "بعدما سهم سفع" أي سواد من لفح النار أو علامة من النار وقوله: "سفعة من غضب" بضم السين هو سواد مشرب بحمرة قوله: "السفق بالأسواق" يقال بالصاد والسين المراد المبايعة وأصلها عند البيع ضرب أيدي المتبايعين بعضها ببعض قوله: "فسمعت تسفيقها" أي ضرب كف على كف قوله: "يسفك دما" أي يهريقه قوله: "اليد السفلى" فسرها في الحديث بأنها الآخذة وعن الحسن أنها المانعة والسفل والعلو بضم أولهما

ويجوز الكسر قوله: "السفن" جمع سفينة وهي ما يركب في البحر قوله: "سفيهة" أي خفيفة العقل جاهلة
"فصل س ق" قوله: "سفاءها" أي ما تشرب فيه قوله: "أحق بسقبه" أي بما يلاصقه قوله: "السقط" أي ما يولد ميتا وهو مثلث السين قوله: {سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} قال كل من ندم فقد سقط في يده وقال غيره تحير قوله: "وكأن ابن الناطور سقف" أي جعل أسقفا وهو رئيس النصارى قوله: "سقيفة بني ساعدة" هو مكان لهم كانوا يستظلون به قوله: {السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} هو السماء قوله: {جعل السقاية في رحل أخيه} قيل هي مكيال يكتالون به قوله: "سقيهم" بالكسر اسم للشيء المسقى والاستسقاء الدعاء يطلب السقي قوله: "وهو قائل السقيا" هو اسم موضع من الفرع وقعت القائلة فيه
"فصل س ك" قوله: {مَاءٍ مَسْكُوبٍ} أي جار قوله: "فجعلته في سك" بضم المهملة وتشديد الكاف طيب قوله: "اسكاتة" بكسر أوله وضمه الأصيلي مصدر سكت قوله: "سكر الأنهار" هو سدها وقوله: "سكرت" أي غطيت قوله: "السكر" بفتحتين هو ما حرم قوله: "سكك المدينة" جمع سكة وهي الطريق المسلوكة قوله: "فاستكانا" أي خضعا قوله: "السكينة في أهل الغنم" أي الوقار أو الرحمة أو الطمأنينة مأخوذ من سكون القلب وتطلق السكينة أيضا بإزاء معان غير ما ذكر منها الملائكة في قوله: "تلك السكينة تنزلت لسماع القرآن" وقيل في سكينة بني إسرائيل هي ريح وقيل خلق كرأس الهر وقيل له وجه كوجه الإنسان وقيل روح يتكلم وقال النووي هي شيء من خلق الله فيه طمأنينة ورحمة ومعه ملائكة قوله: "المسكنة" مصدر يقال فلان أسكن من فلان أي أحوج منه ولم يرد السكون وقال غيره المسكنة فقر النفس وإن كان موسرا وتمسكن تشبه بالمساكين الواحد مسكين وهو الذي أسكنه الفقر أي قلل حركته فعلي هذا هو مفعيل من السكون
"فصل س ل" قوله: "مسلحة لهم" بفتح الميم واللام هم القوم الذين يعدون بالسلاح لحراسة الجيش قوله: "السلحفاة" بضم أوله وفتح ثانيه وسكون المهملة وسكون وثانيه وفتح ثالثه وبحذف الهاء فيهما وبتحتانية بدل الألف مع كسر الفاء وبالمد والقصر فيها لغات قوله: "نسلخ" أي نخرج أحدهما من الآخر قوله: "سلخ حية" أي جلدها قوله: "في مسلاخها" بكسر أوله أي جلدها والمراد أن يكون نظيرها في كل شيء قوله: "سلسلت الشياطين" أي ربطت بالسلاسل قوله: "سلسبيلا" قال مجاهد حديدة الجرية وقيل هو اسم العين وقيل لينة سهلة في الحلق تسلسل فيه وقال ابن الأعرابي لم أسمع هذا الحرف إلا في القرآن قوله: "قال ابن عباس كل سلطان في القرآن حجة" وأصله من التسلط وهو الغلبة وقيل اشتقاقه من السليط وهو الدهن لإضاءته قوله: "ترعى بسلع" هو جبل معروف بالمدينة قوله: "السلعة" أي المتاع قوله: "اجعله سلفا" أي خيرا متقدما قوله: "السلف" أي القرض إلى أجل قوله: "تنفرد سالفتي" أي ينقطع عنقي لأن السالفة أعلي العنق وقيل للإنسان سالفتان وهما جانبا العنق قوله: "سلق" بكسر أوله بقلة معروفة قوله: "السالقة" وقوله: "ليس منا من سلق" بتخفيف اللام أي رفع صوته عند المصيبة وقيل هو ضرب الوجه قوله: "سلكت" أي دخلت قوله: "فانسللت منه" أي خرجت في خفية ومنه فانسل فذهب قوله: "فأتى بسلي جزور" هي مشيمة البهيمة ومنه ما قرأت سلى قط قوله: "سلالة" أي الولد وقيل النطفة قوله: "سليم" أي لديغ سمي بذلك للتفاؤل قوله: "السلم" هو السلف إلى أجل معلوم قوله "سلمات الطريق" جمع سلمة بكسر اللام وهي الحجارة وبفتح اللام جمع سلمة أي شجرة كبيرة وأغرب الداودي فقال هي ما تفرع من جوانب الطريق قوله: "وهل لي بعد قومي من سلام" أي سلامة
"فصل س م" قوله: "فيما سقت السماء" أي المطر سماه سماء لنزوله من السماء وكذا قوله: "على أثر سماء" قوله: "سمتا وهديا" أي قصدا وطريقة قوله: "تسميت العاطس" قال ثعلب هو بالمهملة من السمت وقال أكثر الناس بالمعجمة وأصله الدعاء بالخير وقيل أصله من إشمات الشيطان قوله: "الحنيفية السمحة" أي السهلة قوله: "مكانا سمحا" أي سهلا وكذا أسمح لخروجه قوله: {سَامِدُونَ} قال عكرمة يتغنون بالحميرية وقال غيره أي لاهون والسمود الغفلة عن الشيء وقيل معناه مستكبرون وقيل السامد القائم في تحير قوله: "وسمر أعينهم" أي كحلها بالمسامير المحماة قوله: "السمسار" هو الدلال وقوله: "السمسرة" أي الدلالة وأصلها القيام بالأمر قوله: "إلى ظل سمرة" بضم الميم هي شجرة الطلح قوله: "وجاءت السمراء" أي القمح الشامي ومنه يردها وصاعا من تمر لا سمراء قوله: "أهل سمره" أهل المتحدثين عنده بعد العشاء وأصل السمر مشتق من لون القمر لأنهم كانوا يتحدثون فيه قوله: "شاة سميط أو مسموطة" أي شويت بجلدها قوله: "سمكها" أي بناءها قوله: "رياء وسمعة" أي يرى فعله ويسمع به قوله: "سمل أعينهم" أي فقأها بالشوك وقيل بحديدة محماة تدني من العين حتى يذهب ضوءها وقيل كحلهم بحديدة قوله: "سم الخياط" أي ثقب الإبرة ومسام الإنسان كلها تسمى سموما قوله: "قتل نفسه بسم معروف يقال بفتح السين وضمها والفتح أفصح والسموم بالفتح هي الريح الحارة قوله: "ويظهر فيهم السمن" أي كثرة اللحم ووجه كونه عيبا أنه يحصل من كثرة الأكل وليس من الصفات المحمودة قوله: "تساميني" أي تضاهيني وأصله من السمو وهو الارتفاع
"فصل س ن" قوله: "بالسنح" بضم أوله وآخره حاء مهملة هو موضع معروف في عوالي المدينة وقول عائشة فأكره أن أسنحه أي أمر إمامه قوله: "واهالة سنخة" أي دهن زنخ قوله: "أسند الأمر" أي وكل قوله: "يسندون في الجبل" أي يصعدون قوله: "سندس" هو رقيق الديباج قوله: "أسنمة الإبل" جمع سنام وهو حدبة الجمل قوله: "مسنما" أي مرتفعا على وجه الأرض مأخوذ من السنام قوله: "فاسنن" أي استاك والاستنان الاستياك وهو دلك الأسنان بالعود ونحوه قوله: "إن فرص المجاهد لتستن" أي لتمرح وقيل ترعى وقيل تقمص قوله: "يتسنه" أي يتغير والمسنون المتغير قوله: "حتى أسن" بالتشديد أي دخل في السن قوله: "أعطوه سنا" أي ناقة لها سن معين قوله: "سنن من كان قبلكم" بفتح أوله أي طريقهم قوله: "سنة حسنة" أي فعلة جميلة قوله: "معنى برقه" أي ضياؤه قوله: "سناه سناه" أي حسنة بلسان الحبشة قوله: "سنة" بكسر أوله أي نعاس قوله: "أصابتهم سنة" أي عام مجاعة قوله: "نهي عن بيع السنين" وهو بيع التمر سنة وهو من بيوع الغرر
"فصل س ه" قوله: "الساهرة" قيل وجه الأرض وقيل المكان المستوي قوله: "اسهكوني" أي اسحقوني قوله: "إلا أسلهن بنا" أي أفضين بنا إلي سهل من الأرض يقال أسهل القوم إذا صاروا إلى السهل ومنه قوله: "ثم يسهل" بإسكان السين أي يسير في السهل قوله: "إلا أن يستهموا عليه" أي يقرعوا بالسهام قال الله تعالى {فَسَاهَمَ} أي قارع وكذا قولها خرج سهمي وقوله: "سهمي الذي بخيبر أي نصيبي وكذا قوله: "اضربوا لي معكم سهما" قوله: "على سهوة" أي صفة بين يدي البيت أو مخدع أو عيدان يوضع عليه المتاع أو كومة بين بيتين أو حائط بين والسقف على الجميع فما كان وسطا فهو سهوة وما كان داخلا فهو مخدع وقيل السهوة بيت صغير منحدر في الأرض مرتفع السمك يشبه الخزانة وقيل صفة بين بيتين قوله: "السهو في الصلاة" أي النسيان
"فصل س و" قوله: "واسوأتاه" السوأة الفعلة القبيحة ويسمى الفرج بذلك ومنه قوله تعالى: {مِنْ سَوْآتِهِمَا} قوله: "ومن أساء في الإسلام" أي استمر على كفره أو أسلم ثم ارتد قوله: "من سوء الفتن" وفي رواية سواي الفتن السوء الهلاك والبلاء ونحوه ومنه السيئة وهي كل ما قبحه الشرع والسوأى تأنيثه قوله: "إنا إذا نزلنا بساحة قوم" أي بفنائهم قوله: "ساخت فرسي" أي غاصت قوله: "سوادي" بالكسر أي سراري ومنه قوله: "صاحب السواد" أي السر وأما قوله: "لا يفارق سوادي" سواده بالفتح أي شخصي شخصه وتكرر ومنه ورأيت أسودة بالساحل أي أشخاصا وأما قوله: "وأتى بسواد بطنها" فقيل الكبد وقيل حشوة البطن كلها قوله: "سيد" مأخوذ من السودد وهي الرياسة والزعامة ورفعة القدر ويطلق على الرب والمالك والرئيس والأمير والشريف والفاضل والكريم والحليم الدي يتحمل أذى قومه والزوج قوله: "الحبة السوداء فسرت في الحديث بالشونيز قيل هو الخردل وقيل البطم وقيل السرو وقيل الرازيانج قوله: "تسورت عليه الجدار" أي علوت سوره قوله: "إن جابرا صنع سورا" أي طعاما تقدم في س ا قوله: "سوارات" وقوله: "أساورة" هو جمع سوار بفتح أوله وضمه وهو ما يتحلى به النساء في أيديهن ويقال له اسوار بكسر الهمزة وبضمها ويطلق الأخير على آحاد الفرس وقيل هو الرامي منهم أو الغاية أو القائد أو المقاتل قوله: "ما خلا سورة من حدة" بفتح السين أي ثورة وعجلة قوله: "كدت أن أساوره" أي آخذ برأسه أو أواثبه قوله: "يسوسه" أي يتعهد الشيء بما يصلحه سواء كان آدميا أو دابة وقوله: "أسوسه" أي أقوم عليه وقوله: "ليسوسهم الأنبياء" أي تحكم بينهم قوله: "ويساط بالحميم" أي يخلط ومنه سمي السوط لأنه يخلط اللحم بالدم قوله: "سواع" هو اسم صنم قوله: "فلم يجد مساغا" أي مسلكا قوله: " كم سقت اليها" أي كم أمهرتها وأصله أنهم كانوا يمهرون المواشي قوله: "نزل يسوق بهن" أي يحدو ومنه سوقك بالقوارير قوله: "يرى مخ سوقها" جمع ساق وأما السوق الذي يباع فيها فقيل سميت بذلك لما يساق إليها من الأمتعة وقيل للقيام فيها على السوق قوله: "ذو السويقتين" تصغير الساقين صغرهما لدقتهما وحموشتهما وهي صفة السودان غالبا قوله: {يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قيل الأمر الشديد وقيل غير ذلك والساق حاملة الشجر قوله: "السويق" هو القمح أو الشعير المقلو ثم يطحن قوله: "يسول لهم" أي يزين قوله: "سائمة الغنم" أي الراعية يسومون يرعون وقال مجاهد المسومة المطهمة قيل المطهم السمين قوله: "على سوم أخيه" أي طلبه أو عرضه يقال سامنى عرض على كأنه يعرض على البائع الثمن وأما قوله: {يَسُومُونَكُمْ} ففسره في الأصل يولونكم وقيل يحملونكم على ذلك أي يطالبونكم به ومنه استيام البائع وهو أن يطلب لسلعته ثمنا معينا والمساومة المحادثة بين المتبايعين قوله: "السام عليك" أي الموت وقيل أصله السأمة فسهلت الهمزة وحذفت الهاء والأول المعتمد قوله: "سواء" بالفتح ويمد وسوى بالكسر ويقصر منونا وغير منون فالممدود بمعنى مثل وبمعنى وسط ومنه سواء الجحيم وبمعنى معتدل ومنه سواء السبيل ويقال

اخت مسلمة
06-09-2009, 01:36 AM
فيهما بالكسر مقصورا وأما المقصور فبمعنى غير قوله: "ساوى الظل التلول" معناه ماثل امتداده ارتفاعها وهو قدر القامة وشرحه الداودي بما وهم فيه قوله: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} هو من المتشابه الذي يفوض علمه إلى الله تعالى ووقع تفسيره في الأصل قوله: "وقال مجاهد السوأى الإساءة" كذا للأصيلي وتقدم في أول الفصل قوله: "سويا" أي صحيحا
"فصل س ي" قوله: "سيب السوائب" وقوله: "إن أهل الإسلام لا يسيبون" كانوا في الجاهلية إذا نذروا قال أحدهم ناقتي سائبة أي تسرح ولا تمنع من مرعى والسائبة أن يقول لعبده أنت سائبة أو أعتقتك سائبة فيصح عتقه واختلف لمن يكون ولاؤه قوله: "الساج" بالجيم هو ضرب من الخشب يؤتى به من الهند والواحدة ساجة ويجمع على سيجان قوله: "وما سقي بالسيح" أي بالأنهار والسوقي قوله: "ساخت قوائم فرسي" أي دخلت في الأرض قوله: "حلة سيراء" تقدم في الحاء قوله: "سير" هو قد من جلد وجمعه سيور قوله: "كان لا يسير بالسرية" ظاهره أنه لا يخرج مع سراياه وقيل معناه لا يسير بالسيرة السوية أي العادلة والسيرة هي طريقة الإمام في رعيته والرجل في أهله وفي قوله: "على سيرتها" أي حالتها قوله: "سيف البحر" بكسر أوله أي ساحله قوله: {سَيْلَ الْعَرِمِ} قال هو السد وهو ماء أحمر ذكره مفصلا في تفسير سورة سبأ قوله: "بطن المسيل" أي مسيل مياه الأمطار من الجبل قوله: "وأسلنا له" أي أذبنا قوله: "سيماهم" بالتخفيف أي علامتهم قال مجاهد السحنة وقيل التواضع وبقيته في سورة الفتح قوله: "لا سيما" بالتشديد


حرف الشين المعجمة"فصل ش ا" قوله: "الشؤم" بالهمز هو ما كانوا يتطيرون به ويقال لكل محذور مشئوم ومشأمة والشؤمى اليسرى تأنيث الأشأم ومئة حديث عدي فينظر أشأم منه وسميت أرض الشام شأما لأنها عن يسار الكعبة قوله: "شؤون رأسها" هي الخطوط التي في عظم الجمجمة وواحدها شأن وأما قوله: "أني لفي شأن" فمعناه الخطب أو الأمر أو الحال ومنه قوله: "ما شأنكم" أي ما خطبكم أو أمركم ومنه كان لي ولها شأن ومنه ثم شأنك بأعلاها أي هو مباح لك وكذلك شأنك بها وأما قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} فهو إشارة إلى تنفيذ ما قدره وإيجاد ما سبق في علمه أنه يوجد قوله: "شاه شاه" منون الأول فسره في الحديث فقال ملك الملوك وهو فارسي وأصله شاهان شاه فشاه ملك وشاهان جمعه وهو على قياس كلامهم في التقديم والتأخير وكذا قوله: "أبو شاه" وقد غلطوا من جعل هاءه تاء مثناة قوله: "أرفع فرسي شأوا" الشأو الشوط والمدى ومنه شأوت القوم أي سبقتهم عدوا
"فصل ش ب" قوله: "يشبب بأبيات له" أي يتغزل قوله: "وشب ضرامها" أي عظم شرها وهو استعارة من وقود النار إذا اشتد اشتعالها قوله: "شببة" جمع شاب وكذا قوله: "شبان" قوله: "بشبع بطني" بالسكون وبالفتح والباء سببة والشبع ضد الجوع قوله: "شبرا" الشبر بالكسر من طرف الخنصر إلى طرف الإبهام قوله: "الشبرق" هو نبت حجازي يؤكل ولا شوك له إذا يبس يسمى الضريع قوله: "مشتبهات" أي مشكلات وكذا متشابهات وقوله: "متشابها" ليس من الاشتباه ولكن يشبه بعضه بعضا ويختلف في الطعم قوله: "من أين يكون الشبه" بفتحتين وبكسر أوله وسكون ثانيه كمثل ومثل وزنا ومعنى
فصل ش ت" قوله: "أشتاتا وشتى وشتات وشت واحد" كذا وقع ومراده أن اشتقاق ذلك متحد والأفشت مفرد وما عداه جمع ومعناه متفوقون ومختلفون قوله: "في يوم شات" أي في زمن الشتاء
"فصل ش ث" قوله: "شئن الكفين" بسكون المثلثة أي غليظهما
"فصل ش ج" قوله: "على المشجب" هي أعواد توضع عليها الثياب قوله: "شجك أو فلك" أي جرحك والشج مختص من الجراح بالرأس والوجه قوله: {شَجَرَ بَيْنَهُمْ} أي اختلفوا والشجر بالفتح الأمر المختلف وقوله: "شاجره" أي نازعه وقوله : "الرمح شاجر" أي قاصد أن يطعن قوله: "شجاع أقرع" هو الحية الذكر وقيل كل حية شجاع بضم أوله وقد يكسر قوله: "شجنة من الرحمن" بضم أوله وبكسره وحكى الفتح أيضا وأصله اشتباك العروق والأغصان ومنه الحديث شجون أي متداخل وإضافة إلى الرحمن مجازا
"فصل ش ح" قوله: "شاحبا" أي متغير اللون بهزال أو جوع أو مرض قوله: "ويلقي الشح" فسره في الأصل بالحرص الشديد قوله: "يتشحط في دمه" أي يضطرب فيه قوله: "حرمت عليهم الشحوم" هي شحم الكلى والكرش والأمعاء خاصة فاللام فيه عهدية قوله: "شحناء" هي العداوة قوله: {الْمَشْحُونِ} قال مجاهد الموقر أي المملوء
"فصل ش خ" قوله: "يشخب" أي يصب قوله: "شخص بصره" أي ارتفع وامتد وقوله: "لا شخص" هو كل جسم له ارتفاع وظهور واستعمل هنا استعارة
"فصل ش د" قوله: "يشدخ رأسه" أي يكسر قوله: "اشدد وطأتك أي خذهم بشدة قوله: "لن يشاد هذا الدين" بتشديد الدال أصلها يشادده أي يغالبه قوله: "اشتد النهار" أي ارتفع وقوله: "فخرج يشتد واشتد وراءه" كله من الجري وكذا لا يقطع البطحاء إلا شدا قوله: {بَلَغَ أَشُدَّهُ} وأحدها شد بضم الدال كذا في الأصل وقال غيره الأشد من خمسة عشر إلى أربعين وهي جمع شدة مثل نعمة وأنعم وهي القوة والجلادة في البدن والعقل وقيل الأشد بلوغ الحلم وقيل ثماني عشرة وقيل ثلاثة وثلاثون عاما وقيل غير ذلك قوله: "أشد منه" أي أشجع قوله: "إلا تشد" أي تحمل فتقاتل وكذا قوله: "شد على" أي حمل على وقوله تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} قال ابن عباس أي سنعين قوله: "شدقه" أي فمه وقوله: "لو كنت في شدق الأسد" كناية عن الموافقة أي لو كنت في موضع لا يوصل إليك فيه عادة لأحببت أن أصل إليك
"فصل ش ذ" قوله: "لا يدع شاذة" الشذوذ الانفراد
"فصل ش ر" قوله: "يشرئبون" بالهمز وتشديد الموحدة هو مد العنق كالمتطاول وقال الأصمعي هو رفع الرأس قوله: "في مشربة" بضم الراء وفتحها أي غرفة قوله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ} أي حل فيها محل الشرب وقبلوه يقال ثوب مشرب أي مصبوغ قوله: "في شرب من الأنصار" بالفتح وسكون الراء جمع شارب وقوله: "ما جاء في الشرب" بكسر الشين أي حكم قسمة الماء قوله: "شراج الحرة" الشراج بكسر أوله مسايل الماء وأحدها شرج بسكون الراء وكذا قوله: "شريج الحرة" قوله: "شرد" أي فرق قوله: "شرذمة" أي طائفة قوله: "فيشرشر شدقه" أي يقطعه ويشقه والشرشرة أصلها أخذ السبع بفيه قوله: {أَشْرَاطُهَا} أي علاماتها وهو جمع شرط بفتحتين وقيل هو الرديء من كل شيء فعلى هذا فالمراد صعاب أمورها وشدائدها قبل قيامها قوله: {شُرَّعاً} أي شوارع وقال ابن قتيبة أي شوارع في الماء جمع شارع كأنه يريد شاربة قوله : "فنشرع فيه جميعا" أي نتناول قوله: "الشريعة والشرعة" أي السنة والطريقة قوله: {شَرَعَ لَكُمْ} أي سن لكم أو أظهر وبين قوله: "كان في شارف" أي ناقة من قوله: "مشرف الوجنتين" بسكون الشين أي مرتفعهما قوله: "بشرف الروحاء" أي الجبل العالي الذي بها قوله: " شرفا أو شرفين" أي شوطا أو شوطين أو طلقا أو طلقين وقيل الشرف ما علا من الأرض قوله: "ولا مشرفط أي متطلع وقوله : "ذات شرف" بفتحتين أي ذات قدر كبير وقيل يستشرف الناس لها أي يرفعون أبصارهم إليها قوله: "شرقوا أي توجهوا نحو المشرق قوله: "تشرق الشمس أي تطلع قوله: "شرق" بذلك بكسر الراء أي ضاق صدره حسدا كمن غص بالماء قوله: "شرقيا" أي مما يلي الشرق قوله: "أيام التشريق" أي أيام منى سميت بذلك لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي أي يقطعونها ويقددونها وقيل سميت بذلك من أجل صلاة العيد لأنها تصلى وقت شروق الشمس وقيل لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس قوله: "أو شرك في دم" أي شركة وكذا من أعتق شركا وأصل الشركة معلوم وقوله: "لمن يشركهم"1 بكسر الراء أي يشاركهم قوله: "شراك نعله" الشراك أحد سيور النعل التي تكون على وجهه قوله: "شروا" أي باعوا والشراء والبيع واحد لكنه غلب من جهة معطى الثمن كما غلب البيع من جهة صاحب السلعة قوله: "ركب فرسا شري"ا أي فرسا يستشري في مشيته ويتمادى وقال ابن السكيت أي فرسا خيارا وشراة المال خياره
"فصل ش س" قوله: "شسع" هو أحد سيور النعل وهو الذي يدخل بين الإصبعين وقوله: "شاسع الدار" أي بعيدها
"فصل ش ط" قوله: "شطأه" أي فراخه يقال شطء السنبل تنبت الحبة عشرا وثمانيا وسبعا فيقوى بعضه ببعض ولهذا قال فآزره أي قواه ولو كانت حبة واحدة لم تقم علي ساق قوله: "مسل شطبه" قيل الشطبة من جريد النخل وقيل عود محدد قوله: "شطر ما يخرج منها" أي نصفه وقوله: "وضع عني شطرها" أي بعضها وقوله: {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي جهته قوله: {شَطَطاً} أي إفراطا أو إسرافا وقال مجاهد قوله: {وَلا تُشْطِطْ} أي لا تسرف قوله: "على شط النهر" أي جانبه قوله: "بشطنينط أي بحبلين والشطن بالتحريك الحبل الطويل
"فصل ش ع" قوله: "بين شعبها" أي المرأة والشعب النواحي قيل المراد ما بين يديها ورجليها وقيل شعب الفرج وكنى بذلك عن الجماع لأن القعود كذلك مظنته وقيل غير ذلك قوله: "شعبة من الإيمان" أي قطعة قوله: "الشعب" بالكسر الطريق في الجبل وأما الشعب فواحد الشعوب ومنه جعلناكم شعوبا وقيل الشعوب النسب البعيد والقبائل دون ذلك وقال ابن عباس الشعوب القبائل العظام وقيل الشعوب العجيم والقبائل العرب وقول أنس أتخذ مكان الشعب سلسلة أي الصدع قوله: "شعبان" الشهر المعروف قيل سمي بذلك لتشعبهم فيه أي لتفرقهم قوله: "تمتشط الشعثة" يقال امرأة شعثاء وشعثة أي ملبدة الشعر ورجل أشعث وشعث رأسه من ذلك قوله: {مِنْ
ـــــــ
1 الصواب فتح الراء كما يعلم في الصحاح والقاموس وغيرها.

شَعَائِرِ اللَّه} جمع شعيرة أي علامة ومنه المشعر الحرام ومشاعر الحج قوله : "ثم لم أشعر" أي لم أعلم ومنه قولهم ليت شعري وقوله: "فشق من قصه إلى شعرته بكسر الشين أي شعر عانته قوله: "أشعرنها إياه" أي ألففنها فيه واجعلنه مما يلي جسدها مأخوذ من الشعار وهو ما يلي الجسد ومنه قوله: "للأنصار شعار وأشعار وأشعار البدن أن يشق أحد جنبتي السنام حتي يسيل الدم ويجعل ذلك علامة لها يعرف بها أنها هدى قوله: {رَبُّ الشِّعْرَى} قال هو مرزم الجوزاء وقال غيره الشعرى يقال لنجمتين في السماء أحدهما العبور لأنها عبرت المجرة وليس في السماء نجم يقطعها عرضا غيره والآخر الغميصاء لأنها لا تتوقد توقد العبور وكان أبو كبشة الخزاعي يعبدها فأنزل الله في تكذيبه وتكذيب من تابعه وأنه هو رب الشعرى أي رب النجم الذي كانوا يعبدون قوله: "شعف الجبال" أي رؤوسها وأطرافها وقال في التفسير وقوله: "شعفها حبا" بالمهملة من المشعوف ولم يرد أي في القرآن والعرب تقول فلان مشعوف بفلانة أي برح به حبها وأما بالمعجمة فيقال لصق بقلبي وداخله والشغاف حجاب القلب وقال أبو عبيد المشغوف بالمعجمة الذي بلغ حبه شغاف قلبه وبالمهلمة الذي خلص الحب إلى قلبه فأحرقه قوله: "واشتد اشتغال القتال وقوله: "اشتعلت وشب ضرامها" أي عظم أمرها وقوله: "يتبعني بشعلة من نار" الشعلة بالضم ما اتخذت فيه النار والتهبت فيه قوله: "رجل مشعان" بضم أوله وتشديد النون أي منتفش الشعر وقال في الأصل مشعان أي طويل جدا فوق الطويل
"فصل ش غ" قوله: "نهى عن الشغار" فسره في الحديث قيل أصله من رفع الرجل وكنى بذلك عن النكاح وقيل أصل الشغر البعد وقيل الاتساع قوله: "يشغلهم" بفتح الغين من الشغل ضد الفراغ
"فصل ش ف" قوله: "وأخذ الشفرة" أي السكين وشفرة السيف حده وشفير جهنم حرفها وشفير الوادي طرفه وشفير العين منبت شعر الجفن قوله: "يشفع الأذان" أي يقوله: زوجا زوجا ومنه قام في الشفع وإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وشفعها بالسجدتين ومنه الشفع والوتر قال القتيبي الشفع الزوج والوتر الواحد وأما في الآية فعن مجاهد الوتر الله والشفع جميع الخلق وقال غيره الوتر يوم عرفة والشفع أيام العشر وقيل أيام النحر وقيل الوتر آدم شفع بحواء وقال ثعلب الشفعة بالضم اشتقاقها من الزيادة لأنه يضم ما شفع فيه إلي نصيبه والشفاعة الرغبة لزيادته في الرغبة وشفع أول كلامه بآخره قوله: "ولا تشفوا بعضها على بعض" بضم التاء أي لا تفضلوا وتزيد واو الشف بالكسر الزيادة والنقصان وهو من الأضداد والشف بالفتح اسم الفعل ويقال للثوب الرقيق الذي يظهر ما وراءه شف بكسر أوله ومنه جوهر شفاف قوله: "شف هذا على هذا" أي زاد قوله: "وإذا شرب اشتف" أي استقصى هذا على رأي من رواه بالمعجمة قوله: "غاب الشفق" هي الحمرة التي تبقى بعد مغيب الشمس وهي بقية شعاعها وقيل الشفق البياض الذي يبقى بعد الحمرة قوله: "أشفق أبو بكر" أي خاف قوله: "شافهني" أي كلمني بغير واسطة قوله: "ما شفيتني" أي ما بلغت مرادي والشفاء الدواء ومنه هجاهم حسان فشفى واشتفى والشفاء أيضا الراحة قوله: "أشفيت منه" أي أشرفت على التلف قوله: {شَفَا حُفْرَةٍ} قال في الأصل مثل شفا الركية وهو حرفها


"فصل ش ق" قوله: "حتى تشقح" أي تحمر أو تصفر قوله: "بمشقص" هو نصل السهم الطويل وجمعه مشاقص قوله: "من باع شقصا" أي نصيبا قوله: "شقه الأيمن" بكسر أوله أي جانبه قوله: "أهل غنيمة بشق" بكسر أوله أي في جهد من العيش وقيل الشق موضع معين ويجوز فتح أوله أي مكان ضيق وقوله: "لولا أن أشق على أمتي" لولا أن أثقل عليهم وقوله: "غير مشقوق عليه" أي غير مجهود قوله: "جئناك من شقة بعيدة" بضم أوله ويجوز الكسر أي من مسير بعيد فيه مشقة قوله: "يشق عصا المسلمين" أي يفرق جماعتهم قوله: "الشاقة أي التي تشق جيبها عند المصيبة ومنه شق الجيب قوله: "من شقيقة كانت به" أي صداع شديد في الرأس
"فصل ش ك" قوله: "فشكر الله له" أي رضي الله عنه والشكور من أسماء الله تعالى الحسني قيل معناه الذي يذكر عنده القليل من عمل عباده فيضاعف لهم ثوابه وقيل الراضي بالقليل من الشكر وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أفلا أكون عبد شكورا" فمعناه مثنيا على الله مبالغا في ذلك قوله: "الشكس" قيل هو العسر الذي لا يرضى بالإنصاف ومنه {مُتَشَاكِسُونَ} قوله: "فشكت عليها ثيابها" أي جمعت أطرافها ويقال شككته بالرمح إذا انتظمته به والشك إلصاق الشيء بالشيء كالعضد بالجنب ويطلق على اللزوم قوله: "شاكي السلاح" أي جامع لها يقال شاك وشائك والشكة السلاح التام وقيل أصله شائك السلاح ومعنى شائك ذو شوكة فهو من المقلوب قوله: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" قيل المراد نفي الشك عنهما أي لم يشك ونحن كذلك ولو شك لكنا أولى بذلك منه إعظاما لإبراهيم قوله: {عَلَى شَاكِلَتِهِ} أي طريقته أو ناحيته أو نيته قوله: "الشكلة" بفتح الشين وكسر الكاف هي الغزلة الغنجة في شكواه الذي قبض فيه وفي رواية في شكوه أي في مرضه وقوله: "وهو شاك" أي مريض ومنه اشتكى سعد وأما قول أم سلمة شكوت أني اشتكى فالثاني بمعناه والأول معروف ومنه أخذ الثاني ومنه شكت ما تلقى من الرحى وقوله: "يكثرن الشكاةط وقول بن الزبير وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ويراد بالشكاة الذم والعيب
"فصل ش ل" قوله: "شلت يداه" أي يبست وهو بالفتح ولا يقال بالضم والاسم الشلل قوله: "شلو" بالكسر هو العضو من اللحم وممزع أي مقطع وقيل الشلو الجسد من كل شيء
"فصل ش م" قوله: "اشمأزت" أي نفرت قوله: "تشميت العاطس" أي الدعاء له بإزالة الشماتة عنه وتقدم في المهملة قوله: "مشمر الإزار" أي رافعه ومنه وانهما المشمرتان قوله: "شمس أناسا" أي أقامهم في الشمس قوله: "شمط رأسه" أي اختلط البياض بالسواد ومنه أعد شمطاته وقال ثابت كل لونين اختلطا فذلك الشمط قوله: "اشتمال الصماء" فسره في الحديث بالتوشح وهو إدارة الثوب على الجسد بغير إخراج اليد والاسم الشملة وقيل إنما تسمى شملة إذا كان لها هدب وحكى الخليل كسر أوله والجمع شمال مشترك مع اليد وأما بالفتح فهو الريح التي تأتي من دبر القبلة وفيها لغات كاليد وبوزن جعفر مهموزا وبتقديم الهمزة على الميم وغير ذلك
"فصل ش ن" قوله: "شنآن" أي بغض وعداوة قوله: "تشنجت الأصابع" أي يبست قوله: "شنار" بالفتح أي عيب قوله: "شن الغارة" أي فرقها وصبها كصب الماء وتفريقه قوله: "شن معلقة" أي قربة بالية وكل سقاء خلق فهو شن قوله: "شنقوا له" بكسر النون أي أبغضوه قوله: "حل شناقها" قال أبو عبيدة هو الخيط الذي تعلق به القربة ومنه شنق للقصوى الزمام أي عطف به رأسها قوله: "أزد شنوأة" بفتح الشين وضم النون وبعد الواو همزة قبيلة معروفة
"فصل ش ه" قوله: "شهاب" أي الكوكب الذي يرمي به جمعه شهب وشهاب النار كل عود اشتعلت في طرفه قوله: "أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم" أي أخبر بعلم وقوله: "في اللعان أشهد بالله" أي أحلف وكذا قول أبي هريرة وغيره أشهد بالله أي أحلف لقد سمعت وفي الأصل الأشهاد واحدة شاهد مثل أصحاب وصاحب قوله: "ليبلغ الشاهد الغائب" أي الحاضر السامع من غاب قوله: "شهد الله" أي بين وقيل للشاهد شاهد لأنه يبين الحكم ومنه إنا أرسلناك شاهدا قوله: "كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد" قيل هو أن يحلف بعهد الله أو يشهد بالله ويؤيده قوله: "في الرواية الأخرى نهينا أن نحلف بالشهادة والعهد" قوله: "ما يجد الشهيد" قيل سمي شهيدا لأنه يشاهد ماله من الخير والمنزلة عند موته وقيل لأن الله وملائكته شهدوا له بالجنة وقيل الشهيد الحي قال أبو عبيد الهروي هذا قول النضر بن شميل كأنه تأول قوله تعالى: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وقيل لأن ملائكة الرحمة تشهد له وقيل لأنه قام بشهادة الحق في الله وقيل لأنه ممن يشهد على الأمم قبله قوله: "الشهر" قيل سمي بذلك لاشتهاره قوله: "شهيق" تقدم في زفير قوله: "شواهق الجبال" أي طوالها جمع شاهق وهو العالي الممتنع
"فصل ش و" قوله: "لم يشب" أي لم يخلط يقال شيب يشاب شوبا ومنه شوب اللبن بالماء وقوله: "ثم إن لهم عليها لشوبا" قيل في تفسيره يخلط طعامهم ويساط بالحميم قوله: "شارة حسنة" أي هيئة ومنه الشوار بالفتح أي متاع العروس قوله: "أشار عليهم" أي نصحهم وهو من المشهورة وهي بفتح أوله وضم ثانيه وسكون الواو ويجوز سكون ثانيه وفتح الواو يقال أصله من شار الدابة إذا عرضها للبيع ويقال من شار العسل إذا جناه وأما قوله: "أشار إليهم فمعناه أومأ وهو من الإشارة قوله: "يشوص فاه" بالسواك أي يدلكه أو يحكه وقيل الشوص الغسل وقيل الشوص الاستياك بالعرض وهو قول الأكثر وقال وكيع بل بالطول من سفل إلى علو قوله: "طفت أشواطا" جمع شوط بالفتح أي مرة وهو في الأصل مسافة تعدوها الفرس والشوط في حديث أبي أسيد كالأول وبالمعجمة وآخره مهملة بستان بالمدينة ويقال فيه بالطاء المعجمة قوله : {شُوَاظٌ مِنْ نَار} أي لهب وهو الذي لا دخان له قوله: "متشوفين أي متطلعين ومنه تشوفت قوله: "شاكي السلاح" تقدم قوله: "كواه من الشوكة" بالفتح هو داء كالطاعون قوله: "ذات الشوكة" أي الحد وشوكة القتال سدته وحدته قوله: "وإذا شيك فلا انتقش" أي إذا أصابته الشوكة فلا أخرجت منه بالمنقاش قوله: "الشؤم" ضد اليمن تقدم قوله: "شامة وطفيل" قيل هما جبلان بمكة قوله: {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} قيل هي الأطراف واليدان والرجلان وجلدة الرأس يقال لها شوى قوله: "الشوائل" جمع شائلة وهي الناقة التي شال لبنها أي نفد وتسمى الشول أي ذات شول لأنه لم يبق في ضرعها إلا شول من لبن أي بقية
"فصل ش ي" قوله: "أشاح" أي انكمش وقبض وجهه قوله: "مشيخة قريش" جمع شيخ وهو بسكون الشين وحكى كسرها قوله: "مشيد" أي مبنى قوله: "من الشيزي" مقصور هي الجفان وأصل الشيزي شجر تصنع منه وأراد بها الشاعر أصحابها الذين كانوا يطعمون فيها وقتلوا قوله: "فشام السيف" أي أغمده قوله: "شيمته الوفاء" أي خلقه وطبعه قوله: "شانه" أي عابه والشين ضد الزين قوله: {فِي شِيَعِ الْأَوَّلِين} أي الإثم والشيع والأنصار والأولياء والطوائف ومنه {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} أي فرقا قوله: {لا شِيَةَ فِيهَا} أي لا بياض قاله أبو العالية وقيل كل لون يخالف معظم الألوان فهو شية ويطلق على العلامة

حرف الصاد المهملة"فصل ص ب" قوله: "صبأنا" بالهمز وقد يسهل وقوله: "الصابئ كذلك والصباة من همز قاله بوزن كفرة ومن لم يهمز قاله بوزن رماة ومعناه الخروج من دين إلى دين فأما الصابئون فقال أبو العالية هم فرقة من أهل الكتاب وقيل من النصارى تخالفهم إلى أشياء من اليهودية فكأنهم خرجوا من الدينين إلى ثالث وهم يزعمون أنهم على شريعة نوح أو إدريس أو إبراهيم ومنهم من يعبد الكواكب أو الملائكة قوله: "انصبت قدماه" أي انحدرت قوله: "مصبح في أهله" أي يؤتى وقت صلاة الصبح فيسلم عليه وصبحنا خيبر بالتخفيف والتثقيل أتيناها صباحا قوله: "صبح رابعة" بضم أوله ويجوز كسره قوله: "يا صباحاه" كلمة تقال عند هجوم العدو وخص هذا الوقت لأنه كان الأغلب لوقت الغارة فكأن المعنى جاء وقت القتال فتأهبوا وقوله: "اصطبح" أي شرب صباحا ومثله الصبوح وضده الغبوق وقولها أتصبح أي أنام أول النهار قوله: "أصبحي سراجك" أي أوقديه والمصباح السراج لأنه يطلب به الضياء قوله: "قتله صبرا" وقوله: "أن تصبر البهائم" وقوله: "ولا تصبر يمينه" كله من الحبس والقهر ففي الأيمان الإجبار عليها وفي البهائم نصبها للرمي وفي القتل ظاهر وأصل الصبر الثبات وقوله: "أصبر على أذى" أي أشد حلما وقوله: "الصبرة من الطعام" ما جمع من الحب بلا كيل قوله: "قرظ مصبور" معناه مجتمع على الأرض بعضه على بعض قوله: {صِبْغَةَ اللَّهِ} أي دينه قوله: "أصيبغ من قريش" كذا لبعضهم بالمهملة والغين المعجمة وعكس آخرون والأول معناه أسود كأنه عيره بلونه والثاني كأنه تصغير ضبع على غير قياس وقال له ذلك تحقيرا له وهو أشبه بمساق الكلام ل قوله: بعد وتدع أسدا قوله: "الصبية" بكسر أوله وتخفيف الموحدة جمع صبي والصبيان بكسر أوله ويجوز ضمه والصبا بكسر أوله الصغر ويجوز المد فيه وقوله: "نصرت بالصبا" بفتح أوله مقصور الريح التي تهب من مطلع الشمس
"فصل ص ح" قوله: "لا يورد ممرض على مصح" أي ذو إبل مريضة على ذي إبل صحيحة وراء يورد وممرض وصاد مصح مكسورات قال ابن القطاع أصح القوم سلمت إبلهم من العاهة وذلك مخافة ما يقع في النفوس من اعتقاد العدوى التي نفاها صلى الله عليه وسلم حسما للمادة وجودا واعتقادا وأبطلها شرعا وطبعا قاله عياض قوله: "في صحفتها" أي القصعة وقيل هي أصغر
"فصل ص خ" قوله: "وكثر عنده الصخب" أي اختلاط الأصوات ومنه قوله: "ولا صخب فيها" وقوله: "ليس بصخاب" وقوله: "يصخب عليه" قوله: "الصاخطة "أي الصيحة التي تكون عنها القيامة تصخ الأسماع تصمها
"فصل ص د" قوله: "يصد هذا" أي يعرض ويهجر وقوله: "صددت عن البيت" أي منعت عن الوصول إليه ومنه إنهم صادوك ولا يصدنكم قوله: "صديد" هو اللحم المختلط بالدم وقيل هو قيح ودم قوله {يَصِدُّونَ} بكسر الصاد أي يضجون بالجيم قاله مجاهد قوله: {يَصَّدَّعُونَ} بالإدغام أي يتفرقون ومنه قوله: "فتصدعوا عنها" أي انكشفوا وكذا فتصدع السحاب وأصله الانشقاق عن الشيء ومنه انصداع الفجر وقوله: {ذَاتِ الصَّدْ} أي تتصدع بالنبات قوله: "صدغيه" الصدغ جانب الرأس مما يلي الوجه قوله: "صدف" أي أعرض وقوله: "الصدفين" أي الجبلين قوله: "المصدق" بالتخفيف هو الذي يتولى العمل على الصدقة والمصدق بالتشديد الذي يعطيها وقد يخفف أيضا والصديق بالتشديد مبالغة من الصدق والصديق بالتخفيف وفتح أوله الصاحب المخلص الذي صدقت مودته قوله: "أصدقاء خديجة" جمع صديقة وهو نادر كسفيهة وسفهاء والمشهور اختصاص هذا الجمع بالمذكر قوله: "الصدمة الأولي" أي أول نزول المصيبة وأصل الصدمة الضربة الصاءبة قوله: "وكيف حياة أصداء" هو جمع صدى كانوا في الجاهلية يزعمون أن الميت إذا بلى خرج من هامته شبه الطائر فيسمى الصدى فيذهب فلا يرى بعد قوله: "فتصدى لي رجل" أي تعرض لي وأما قوله: "في عبس تصدى" أي تغافل كذا في الأصول وفي بعض النسخ تلهى تغافل فلعل تصدي تغيير من تلهى أو سقط تفسير تصدى إلي تفسير تلهى ووصل ما بين الكلامين ويحتمل أن يكون المراد تتصدى لأجل من استغنى فتتغافل عن الأعمى وأصله التصدد فأبدلت الدال ياء
"فصل ص ر" قوله: "في صريح الحكم" أي خالصه ومثله صريح الإيمان قوله: "صرخ" أي رفع صوته وكذا استهل صارخا ولأصرخن بها واستصرخ قوله: "صوت الصارخ" أي الديك قوله: {الصَّرْحَ} يعني هنا كل بلاط اتخذ من القوارير قال والصرح جماعته صروح تكلم عليه في تفسير النمل قلت والصرح في اللغة القصر والبناء المشرف قوله: "صر" بكسر أوله أي برد شديد وقوله: {صَرْصَرٍ} أي شديدة قوله: "صرة" بالفتح أي صيحة قوله: "صرة" بالضم أي خرقة مربوطة قوله: "المصراة" قال هي التي صري لبنها وحقن وجمع وأصل التصرية حبس الماء وقال غيره أصله من صرى بوزن زكى وقوله: "لا تصروا" بوزن تزكوا من صرى إذا جمع مثقل ومخفف وأما بحذف واو الجمع وبضم لام الإبل فعلي ما لم يسم فاعله ويخرج ذلك على تفسير من فسره بالربط والشد من صر يصر وهو تفسير الشافعي ومنه نهى عن التصرية وهو حبس اللبن في ضرع الشاة لتباع كذلك يغر بها المشتري واستشهد الخطابي للشافعي بقول الشاعر:
فقلت لقومي هذه صدقاتكم ... مصررة أخلافها لم تجرد
قوله: "فصرهن" أي قطعهن قوله: "صرار" بالكسر والتخفيف موضع قريب من المدينة وقيل بئر قديمة على ثلاثة أميال منها من طريق العراق قوله: "صراط الجحيم" أي وسط الجحيم قاله بن عباس والصراط في الأصل الطريق ومنه الصراط المستقيم والصراط الذي ينصب على جهنم يجوز عليه الناس جاء في صفته أنه أحد من السيف وأدق من الشعر قوله: "الصرعة" بضم الصاد وفتح الراء وهو الذي يصرع الناس بقوته وقيل للذي يملك نفسه عند الغضب صرعة لأنه قهر أقوى أعدائه نفسه وشيطانه قوله: "بين مصراعين" المصراع الباب ولا يقال مصراع إلا إذا كان ذا درفين قوله: "صرعى" أي وقوعا وقوله: "صرعت عن دابتها" أي سقطت قوله: "لا ينصرف" أي لا يذهب ولا ينصرف من الصلاة أي لا يخرج منها قوله: "وصرفت الطرق" أي قسمت الدار فبينت طرقها قوله: "صرف ولا عدل" قيل الصرف التوبة والعدل الفدية وقيل الصرف النافلة والعدل الفريضة نقل ذلك عن الحسن البصري وعن الجمهور عكسه وقيل الصرف الحيلة والعدل الدية أو الفدية وقيل العدل التصرف في الفعل وفيها أقوال أخرى منتشرة قوله: "صريف الأقلام" أي صريرها على اللوح قوله: "منصرف الروحاء" هو موضع معروف تقدم في الراء قوله: "فهدى الله ذلك الصرم" بالكسر أي القطعة من الناس قوله: {كَالصَّرِيمِ} فعيل من الصرم وهو القطع وهو بمعني مصروم وهو كل رملة انصرمت من معظم الرمل قوله: "صرام النخل" أي قطعه والصريمة من الإبل وغيرها القطعة القليلة ومنه قوله: "رب الصريمة" بالتصغير قوله: "من يصريني منك" أي من يقطعني والصرى القطع قال الحربي إنما هو ما يصريك عني أي يقطعك عن مسألتي يعني فجرى على القلب
"فصل ص ع" قوله: "جملا صعبا" أي لم يذلل للركوب قوله: "في صعيد" أي أرض والصعيد وجه الأرض التي لا ثبات فيها والجمع صعد بضمتين ويطلق على التراب أيضا وقوله: "الصعدات" بالضم هي الطرق مأخوذة من الصعيد وقوله: "صعد" أي علا وأصعد مثله يقال أصعد في الأرض أي ذهب مبتدئا لا راجعا وفي الرجوع انحدر ومنه إذ تصعدون قوله: "فسما بصري صعدا" بضمتين للأكثر بالقصر منون وللأصيلي بالمد من غير تنوين معناه ارتفع طالعا وأما تنفس الصعداء فهو بفتح العين والمد أي علا نفسه صاعدا قوله: "صعد النظر" بتشديد العين أي نظر إلى أعلى بتدريج وصوب عكسه قوله: {وَلا تُصَعِّرْ} الإعراض بالوجه وأما قول كعب وأنا إليها أصعر فمعناه أميل وجاء بالغين المعجمة
"فصل ص غ" قوله: "صاغيتي" أي خاصتي يقال صغوك إلي فلان أي ميلك ومنه يصغى إلى رأسه أي يميله قوله: {صَاغِرُونَ} يعني أذلاء
"فصل ص ف" قوله: "على صفاحهما" أي جانبيهما ومنه على صفحتهما قوله: "غير مصفح" بفتح الفاء وبكسرها أي غير ضارب بعرضه بل بحده فمن فتح جعله وصفا للسيف ومن كسر جعله وصفا للضارب وصفحا السيف وجهاه وغراره حداه والصفيحة من السيوف العريضة وصفحة العنق جانبه قوله: "صفدت الشياطين" أي أوثقت بأغلال الحديد قوله: "في الأصفاد" أي في الوثائق قوله: "لا صفر" قيل المراد الشهر وكانت الجاهلية تغير حكمه واسمه في النسيء وقيل بل كانوا يزيدون في كل أربع سنين شهرا يسمونه صفرا الثاني فتكون السنة الرابعة ثلاثة عشر شهرا لتستقيم لهم الأزمان من جهة الشتاء والصيف وقيل المراد دواب في البطن كالحيات تصيب الإنسان إذا جاع وكانوا يقولون إنها تعدي فأبطل الشارع العدوى قوله: "ملك بني الأصفر" هم الروم سموا بذلك باسم جدهم الأصفر بن الروم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم قاله الحربي قيل لأن الحبشة غلبت عليهم فولدت نساؤهم منهم أولادا صفرا فنسبوا إليهم حكاه ابن الأنباري قوله: "صفر رداءها" أي خاليته والصفر بالكسر الشيء الفارغ يريد أنها ضامرة البطن لأن الرداء ينتهي إلى البطن وقيل المراد أنها خفيفة الأعلى ثقيلة الأسفل أي امتلاء منكبيها وردفيها وقيام نهديها يدفعان الرداء عن مس بطنها قوله: "الصفراء والبيضاء" أي الذهب والفضة قوله: "دعت بشيء من صفرة" بالضم أي خلوق قوله: "من صفر" بالضم أي نحاس قوله: "الصفراء" موضع
في طريق المدينة قوله: "أهل الصفة" هي سقيفة مظللة كانت تأوي إليها المساكين في المسجد النبوي وأبعد من قال أنهم سموا بذلك لأنهم كانوا يصفون على باب المسجد قوله: "صفة زمزم" هو مكان مظلل كان هناك قوله: "الصافون" أي الملائكة وقوله: {الصَّافَّاتِ} قال بسط أجنحتهن عند الطيران ومنه {الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} قوله: "كانوا صفا" أي جميعا قوله: {صَوَافَّ} أي قياما قوله: "الصفق بالأسواق" أي التصرف في التجارة ومنه قوله: "أعطاني صفقة يمينه" أي عهده وميثاقه وأصله من صفق اليد على الأخرى عند البيع ومنه صفقة البيع وقد تكرر التصفيق وهو ضرب إحدى الكفين على الأخرى ويقال له التصفيح أيضا قوله : {الصَّافِنَاتُ} قال مجاهد صفن الفرس رفع إحدى رجليه قوله: "اللقحة الصفي" أي الكريمة الغزيرة اللبن والجمع صفايا قوله: {صَفْوَانٍ} أي صخرة ملساء بإسكان الفاء ووهم من فتحها قوله: "الصفا" أي الجبل الذي بمكة قوله: "صفين" بكسر أوله وتشديد الفاء موضع الوقعة المشهورة بين الشام والعراق
"فصل ص ق" قوله: "أحق بصقبه" بفتح الصاد والقاف بعدها موحدة أي بجواره قوله: "مثل الصقرين" تثنية الطائر المعروف
"فصل ص ك" قوله: "صك في صدري" أي ضرب فيه ضربة شديدة وقوله: "صكه موسى" كذلك وقوله: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} قيل جمعت أصابعها فضربت جبهتها
"فصل ص ل" قوله: "الصلب" أي ظهر الرجل قوله: "فيكسر الصليب" أي الذي تعظمه النصارى قوله: "في ثوب مصلب يريد فيه صورة الصليب قوله: "صلتا" بفتح أوله وبضم أي مسلولا قوله: "صلدا" أي ليس عليه شيء قوله: "يصلون" قال أبو العالية صلاة الله الثناء والملائكة الدعاء وكذا من بني آدم وقال ابن عباس يصلون أي يركعون قوله: "صلة الرحم" أي إكرام القرابة من جهة الأم قوله: "الصالقة" هي المولولة بالصوت الشديد عند المصيبة ومنه ليس منا من صلق قوله: "صلصال" قال هو طين خلط بزبل فصلصل كما يصلصل الفخار ويقال منتن يريدون به صل كما قيل صر الباب وصرصر قوله: "صلصلة الجرس" هو صوت وقع الحديد أي طنينه قوله: "بها صليا" يقال صلى يصلي بفتح اللام في المضارع أي شوى يشوي ومنه قوله: "مصلية" بفتح الميم أي مشوية
"فصل ص م" قوله: "الصامت" هو العين من الذهب والفضة وله: "اصمت" أي اسكت صمت الرجل إذا سكت هو وأصمته غيره إذا أسكته قوله: "الصمد" الذي لا جوف له وقيل الذي انتهى إليه السودد وقيل المقصور وقيل الذي لا يأكل وقيل الذي لا عيب له وقيل الملك وقيل الحليم وقيل المالك وقيل الكامل وقيل الذي لا شيء فوقه وقيل الذي لا يوجد أحد بصفته قوله: "اشتمال الصماء" قيل سميت بذلك لاشتمالها على الأعضاء حتى لا يجد منفذا كالصخرة الصماء والصمصامة السيف بحد واحد قوله: "صومعة" هو منارة الراهب ومتعبده قوله: "المن" صمغة كذا وقع الصمغة ما يدوب من الشجر والصحيح أنه عسل ينزل على بعض الثمار في بعض البلاد وهو المسمى بالترنجبين

"فصل ص ن" قوله: "صناديد" جمع صنديد وهو العظيم الشرف قوله: "في قصة أبي لؤلؤة الصنع" يقال رجل صنع بفتحتين أي حاذق في صناعته ومنه أن زينب بنت جحش كانت صناعا قوله: "في قصة صفية نصنعها" بالتشديد أي نزينها قوله: "صنعاء" بلد معروف باليمن قوله: "صنعة ثوبه" أي طرفه الذي يلي طرته قوله: "صنف تمرك" أي اجعل كل صنف منه على حدة قوله: "صنم" قال نفطويه كل ما كان معبود مصورا فهو صنم أو غير مصور فهو وثن قوله: "صنو أبيه" أي مثله وقريبه وأصله النخلتان تخرجان عن أصل واحد ومنه صنوان
"فصل ص ه" قوله: "الصهباء" مكان معروف بين المدينة وخيبر قوله: "صهرا له" الأصهار من جهة النساء والأحماء من جهة الرجال والأختان يجمعهما كذا في المطالع وقال غيره الصهر أعم وأصل المصاهرة المقاربة قوله: "أهل صهيل" أي خيل والصهيل صوت الخيل قوله: "صه" كلمة زجر للسكوت
"فصل ص و" قوله: "صيبا أي نافعا" بياء تحتانية مشددة أي مطرا صاب يصوب إذا نزل وروى صيبا بسكون الياء قوله: "الصور" قال مجاهد كالبوق قوله: "الصورة محرمة" أي الوجه الذي لا يحل ضربه قوله: "صواع الملك" هو مكيال وهو المكوك بالفارسية قوله: "الصاع" مكيال معروف والجمع أصوع وصيعان قوله: "يصول" كالجمل أي يحمل على الناس ويحطمهم قوله: "أصبت أصاب الله بك" أي قصدت طريق الهدى فوجدته والإصابة الموافقة قوله: "رخاء حيث أصاب" أي حيث أراد قوله: "في قصة حنين أن يصيبهم ما أصاب الناس" أي ينالهم من عطاياه قوله: "أصيب يوم أحد" أي قتل قوله: "أصابنيها يوم خيبر1 أي أصابتني في ساقي وأصل الإصابة الأخذ ويقال أصابوا من الطعام إذا أكل منه قوله: "صيتا" أي جهير الصوت
"فصل ص ي" قوله: "صيحة" أي هلكة قوله: "إنا أصدنا" أي اصدطنا وهو مثل أن يصالحا وقيل أصدت بمعني أثرت الصيد قوله: "من صائر الباب" أي شق الباب فسر في الحديث قوله: "يكفيك آية الصيف" أي التي أنزلت في زمن الصيف


حرف الضاد المعجمة
"فصل ض ا" قوله: "من ضئضئي هذا أي من أصله أو معدنه أو نسله قوله: "من قدوم ظأن" الظأن من الغنم معروف وقيل المراد بالضأن هنا جبل ببلاد دوس وقدوم بقربه
"فصل ض ب" قوله: "وأضبا" بضم الضاد جمع ضب وهي دابة معروفة قوله: "أضيبع من قريش" بالتصغير تقدم في الصاد المهملة قوله: "ضابة" بالفتح وهو البخار المتصاعد من الأرض في يوم الدخن قوله: "بيدي ضبيعه" بفتح أوله وسكون ثانيه أي عضدية وقيل إبطيه وقيل الضبع ما بين الإبط إلى نصف العضد والأضباع وضع الثوب تحت الإبط الأيمن وإلقاء طرفيه على الكتف الأيسر
ـــــــ
1 "أصابتها يوم خيبر" كما في "الفتح جزء 7"

حرف الطاء المهملة"فصل ط ا" قوله: "طأطأ رأسه" أي خفضه
"فصل ط ب" قوله: "مطبوب" أي مسحور والطب بالفتح السحر وبالكسر العلاج ويطلق على الطبيب وقيل هو من الأضداد قوله: "وبالناس طباخ" بفتح أوله وتخفيف ثانيه أي قوة وقد يستعمل في غيرها يقال لا طباخ لفلان أي لا عقل أو خير ويطلق على السمن قوله: "طبع" أي خلق قوله: "طبقا عن طبق" أي حالا بعد حال قوله: "عاذ ظهره طبقا" أي فقارة واحدة قوله: "فاطبقت عليهم" أي عمهم مطرها قوله: "طبقاء" بالفتح ممدود قيل هو الأحمق الذي انطبقت عليه أموره وقيل الأحمق الفدم وقيل العي لأنه ينطبق فمه من عيه وقيل الثقيل الصدر عند الجماع وقيل الذي لا يأتي النساء
"فصل ط ح" قوله: "طحاها" أي دحاها والمراد اتساعها
"فصل ط ر" قوله: "حيث انتهى طرفه" بسكون الراء أي امتد لحظه ويقال طرف العين حركتها والطرف بالتحريك الأخير قوله: "طرفاء الغاية" الطرفاء شجر من البادية واحدتها طرفة بالتحريك وبه سمي الرجل قوله: "أطارد حية" أي أتصيدها قوله: "بطريقتكم" أي بدينكم قوله: "طرقه وفاطمة" أي جاءه ليلا وكذا قوله: "أن يأتي الرجل أهله طروقا قال في الأصل ما أتاك في الليل فهو طارق ويقال للنجم الثاقب الطارق قوله: "سبع طرائق" أي سبع سماوات سميت بذلك لأنها مطارقة بعضها فوق بعض قوله: "طرائق قددا" أي فرقا مختلفة قوله: "طروقة الجمل" أي استحقت أن يطأها الفحل قوله: "المجان المطرقة" بالتشديد وفتح الطاء وبالسكون وتخفيف الراء أي الترسة التي أطبقت بالعقب قوله: "لا تطروني" الإطراء ممدودا مجاوزة الحد في المدح
"فصل ط س" قوله: "الطست" واحد الطساس وهو الإناء المعروف ويقال له طس وطسة وفي الجمع طسوس وطسوسة يذكر ويؤنث
"فصل ط ع" قوله: "إنما هي طعمة" أي أكلة وروي بالكسر أي هيئة الكسب وقوله: "فما زالت تلك طعمتي" أي صفة أكلي قوله: "بيع الطعام" هو كل مطعوم يقتات به قوله: "فاستطعمته الحديث" أي طلبت منه أن يحدثني به قوله: "الطاعون" هو قروح تخرج في المغابن قلما يلبث صاحبها قوله: "المطعون شهيد" هو من مات بالطاعون قوله: "فجعل يطعن بيده" أي يضرب برأسها ومنه يطعنها بعود وهو بضم العين ويجوز الفتح
"فصل ط غ" قوله: "الطاغوت" قال عمر هو الشيطان وقال عكرمة الكاهن وقيل الطواغيت بيوت الأصنام وهي الطواغي بغير تاء قوله: "طغى الماء" أي كثر وقوله : "بالطاغية" أي الريح طغت على الخزان قوله: "بطغواها" أي معاصيها


"فصل ط ف" قوله: "كأنها عنبة طافئة" يروي بالهمز أي مطموسة وفي وصفها أيضا ممسوحة وغير ناتئة وبغير همز أي بارزة ومنه الطافي من السمك كما سيأتي وفي وصفها أيضا جاحظة وكأنها كوكب ويحتمل أن تكون عيناه بهاتين الصفتين قوله: "أطفات السراج" مهموز أي نفخت فيه حتى خمد لهبه قوله: "طفق بالحجر ضربا" أي جعل وصار ملتزما بذلك قوله: "العوذ المطافيل" هو النوق التي معها أولادها قوله: "ويل للمطففين" المطفف الذي لا يوفى غيره والتطفيف النقص ويطلق على الزيادة ومنه طف بن الفرس أي زاد على الغاية وطف الكيل امتلأ ويطلق على ما قارب الامتلاء قوله: "شامة وطفيل" هما جبلان بمكة قوله: "الطافى من السمك" وهو الذي مات فطفا على وجه الماء
"فصل ط ل" قوله: "طلبة" بكسر اللام يعني شيئا يطلبه قوله: "لو أن لي طلاع الأرض" بكسر الطاء أي ما طلعت عليه الشمس من الأرض والمطلع بالتشديد ما يطلع عليه من أهوال يوم القيامة وقال في الأصل المطلع الطلوع وبالكسر الموضع الذي يطلع منه قوله: "فليطلع لنا قرنه" أي يظهر نفسه قوله: "طليعة" يقال لمن أرسل ليطلع علي خبر العدو قوله: "اطلع إطلاعه" أي أشرف وزنه ومعناه قوله: "استطلق بطنه" أي أصابه الإسهال فانطلق قوله: "تطلق وجهه" أي انبسط وظهر فيه البشر ووجه طليق أي منبسط قوله: "الطلقاء" أي من أسلم يوم الفتح وهو بفتح اللام والمد جمع طليق ويقال لمن أطلق من أسر ونحوه قوله: "فانتزع طلقا من جفنة" هو قيد من أديم أحمر وقيل الحبل القوي قوله: "طلقت المرأة" بضم أوله والتشديد من الطلاق وبالتخفيف الولادة والماضي بفتح اللام مخففا ويقال في الطلاق بالضم أيضا وهي طالق فيهما معنى ومطلقة بالسكون من الطلق وبالتشديد من الطلاق قوله: "الطل" هو المطر الرقيق قوله: "ومثل ذلك يطل" أي يبطل يقال طل دمه بضم الطاء ويجوز الفتح وأطل وطله الحاكم وأطله قوله: "ويطلى بها السفن" أي تدهن قوله: "الطلاء" ممدود بكسر أوله هو ما طبخ من العصير حتى يغلظ وشبه بطلاء الإبل وهو القطران الذي يطلى به الجرب
"فصل ط م" قوله: "طمثت" أي حاضت والطمث الحيض ومنه طمثها أي من حيضها قوله: "طمحت" أي شخصت قوله: "طمسه" أي محاه وقوله: "نطمس" وجوها أي نسويها حتي تعود كالأقفية قوله: "اطمأن" سكن وأقام والموضع المطئمن المنخفض
"فصل ط ن" قوله: "طنبي المدينة" الطنب الحبل الذي يسد إلى الوتد قوله: "أطنب" أي بالغ في المدح قوله: "طنبور" آلة من الآت الملاهي قوله: "طنفسة" بكسر الطام وفتح الفاء على الأفصح بساط صغير له خمل ويجوز ضمهما وكسرهما وفتحهما وفتح الطاء مع كسر الفاء
"فصل ط ه" قوله: "طه" قال عكرمة معناه يا رجل بالنبطية وقيل غير ذلك وقال الخليل من فتح طه فمعناه يا رجل ومن قرأ بكسرهما فهما حرفان من حروف المعجم وقيل معناه فعل أمر بالطمأنينة وقيل الهاء ضمير الأرض وإن لم يتقدم لها ذكر والمعنى طأ الأرض قوله: "تطهري" أي تنظفي لتنقطع رائحة الدم بطيب المسك وأصل التطهير في الشرع بالماء وفي اللغة الإبقاء قوله: "المطهرة" بكسر أوله أي الإناء يتطهر به وبفتح أوله المكان قوله: "المطهمة" بالتشديد هي التامة الخلق
"فصل ط و" قوله: "الطوفان" قيل هو الموت الكثير وقيل إنما هذا في قصة آل فرعون وأما في قصة نوح فالماء بلا خلاف قوله: "كان يطوف على نسائه" أي يجامع وأصله أن يدور على الشيء من جوانبه قوله: "كالطود" أي كالجبل قوله: "عدا طوره" أي قدره قوله: "أطوارا" أي أحوالا طورا كذا وطورا كذا وقوله: "الطور" أي الجبل بالسريانية قوله: "مثل الطاق" أي الكوة قوله: "الطول" بالفتح أي الفضل قوله: "طوقه" أي جعل في طوقه وكذا سيطوقون قوله: "طوي" هو اسم الوادي قوله: "طوبى" قال في الأصل طوبى فعلى من كل شيء طيب وهي ياء حولت إلى الواو قوله: "طوى" بتشديد الياء من أطواء بدر قال الطوي البئر المطوية قوله: "بطولي الطوليين" طولى تأنيث أطول والطوليين تثنية طولى وفسر الطولى بالأعراف وفسر الطوليان بالأعراف والأنعام وهو رواية النسائي وغيره
"فصل ط ي" قوله: "فطار لنا عثمان" أي صار في نصيبنا وقسمنا ومنه فطارت القرعة لعائشة ولحفصة ومنه أطرتها بين نسائي أي قسمتها والطير يطلق على النصيب وقال ابن عباس طائركم أي مصائبكم وقوله: "لا طيرة" هي نفي لما كانوا يعتقدونه في الجاهلية وأصله أن يعتبر حال الطائر إذا طار فإن تيامن فعلوا وإن تشاءم تركوا واعتقدوا أن ذلك مشئوم ثم أطلق على كل ما يتشاءم به قوله: "إذا مسهم طيف من الشيطان" أي ألم بهم لمم ويقال طائف قوله: "طائفة" يقال للواحد فما فوقه أخذا من قوله: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} وقيل أقله ثلاثة قوله: "فما أصابته في طيلها" بكسر أوله وفتح التحتانية أي الحبل الذي تربط به ويقال له طول بالواو المفتوحة

اخت مسلمة
06-09-2009, 01:50 AM
حرف الظاء المعجمة"فصل ظ 1" قوله: "وكان ظئرا لإبراهيم" أي أبا من الرضاعة ويطلق على المرضعة أيضا
"فصل ظ ب" قوله: "لو رأيت الظباء" جمع ظبي بفتح الظاء وهو الغزال
"فصل ظ ر" قوله: "ظرب" هو واحد الظراب وهي الجبال الصغار قوله: "ظروف الأدم" أي الأوعية قوله: "غلاما ظريفا" أي حسن الهيئة
"فصل ظ ع" قوله: "الظعن" جمع الظعينة وهي المرأة وأصله الهودج إذا كانت فيه المرأة ثم أطلق على المرأة وقيل سميت المرأة بذلك لكونها يظعن بها أي يرحل بها فعلية بمعني مفعولة
"فصل ظ ف" قوله: "الظفر" بضمتين معروف قوله: "كل ذي ظفر" قال نحو البقرة والنعامة وفي الظفر لغات بضمتين وبكسرتين أتباعا وبسكون الفاء مع ضم أوله وكسره وأظفور قوله: "ظفار" بوزن قطام اسم مدينة باليمن وقوله: "من جزع ظفار" منسوب إليها ولبعضهم من جزع أظفار جمع ظفر وهو القسط المعروف الذي يتبخر به كأنه كان يثقب وينظم قوله: "قسط ظفار" فيه ما في الأول والأصوب في الأول جزع ظفار وفي الثاني قسط أظفار
"فصل ظ ل" قوله: "أخاف ظلعهم" أي ميلهم وضعف إيمانهم وأصله داء في الرجل قوله: "الظلف" هو كل حافر منشق وقد يطلق على ذات الظلف وقوله: "بأظلافها" هو جمع للظلف قوله: "ظلل عليه" أي جعل له ما يظله قوله: "يظل الرجل" أي يصير قوله: "أظله" أي غشيه قوله: "مثل الظلة" أي السحابة وجمعها ظلل ومنه رأيت ظلة تنظف السمن قوله: "تحت ظلال السيوف" كناية عن القرب من القرن في القتال حتي يصير تحت ظل سيفه قوله: "لم يظلم" أي لم ينقص
"فصل ظ ن" قوله: "الظنين" أي المتهم مأخوذ من أظن وهو من الأضداد يقال ظننت إذا تحققت وإذا شككت وقيل الشك الظن المستوى
"فصل ظ ه" قوله: "ظاهر وبارز" أي لبس درعا فوق أخرى قوله: "ظهير" أي عون أو نصير ومنه يظاهرون عليكم قوله: "ببعير ظهير" أي قوي قوله: "الظهار" هو قول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي قوله: "بين ظهرانيهم" أي بينهم على سبيل الاستظهار والعرب تضع الإثنين موضع الجمع ومنه قوله: "ظهراني جهنم" وقوله: "ظهراني الحجر" قوله: "ظهريا" أي لم يلتفتوا إليه ويقال لمن لم يقض الحاجة ظهرت حاجتي وجعلتني ظهريا والظهري أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به كذا قال في الأصل قوله: "جعل لي ظهره إلى المدينة" أي أباح لي ركوالذي يتبخر به كأنه كان يثقب وينظم قوله: "قسط ظفار" فيه ما في الأول والأصوب في الأول جزع ظفار وفي الثاني قسط أظفار
"فصل ظ ل" قوله: "أخاف ظلعهم" أي ميلهم وضعف إيمانهم وأصله داء في الرجل قوله: "الظلف" هو كل حافر منشق وقد يطلق على ذات الظلف وقوله: "بأظلافها" هو جمع للظلف قوله: "ظلل عليه" أي جعل له ما يظله قوله: "يظل الرجل" أي يصير قوله: "أظله" أي غشيه قوله: "مثل الظلة" أي السحابة وجمعها ظلل ومنه رأيت ظلة تنظف السمن قوله: "تحت ظلال السيوف" كناية عن القرب من القرن في القتال حتي يصير تحت ظل سيفه قوله: "لم يظلم" أي لم ينقص
"فصل ظ ن" قوله: "الظنين" أي المتهم مأخوذ من أظن وهو من الأضداد يقال ظننت إذا تحققت وإذا شككت وقيل الشك الظن المستوى
"فصل ظ ه" قوله: "ظاهر وبارز" أي لبس درعا فوق أخرى قوله: "ظهير" أي عون أو نصير ومنه يظاهرون عليكم قوله: "ببعير ظهير" أي قوي قوله: "الظهار" هو قول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي قوله: "بين ظهرانيهم" أي بينهم على سبيل الاستظهار والعرب تضع الإثنين موضع الجمع ومنه قوله: "ظهراني جهنم" وقوله: "ظهراني الحجر" قوله: "ظهريا" أي لم يلتفتوا إليه ويقال لمن لم يقض الحاجة ظهرت حاجتي وجعلتني ظهريا والظهري أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به كذا قال في الأصل قوله: "جعل لي ظهره إلى المدينة" أي أباح لي ركوبه قوله: "عن ظهر قلب" هو كناية عن الحفظ قوله: "مصبح على ظهر" أي على رحيل قوله: "قبل أن يظهر" أي يعلو ومنه قوله: "أن يظهروه" أي يعلوا عليه وكذا قوله: "ظهرت لمستوى" ومنه قوله: "أسرينا حتى ظهرنا" وقوله: "ظاهر عنك" عارها أي زائل وقوله: "حتى إذا أظهرنا" أي دخلنا في الظهيرة قوله: "ما كان عن ظهر غنى" أي زائدا كأنه يطرح خلف الظهر
الحرف العين المهملة"فصل ع ب" قوله: "ما يعبأ به" يقال ما عبأت بكذا أي لم اهتم به من العبء بكسر العين والهمز وهو الثقل قوله: "بعباءة" مهموز ممدود وقد تبدل ياء هي كساء قيل إذا كال فيه خطوط قوله: "تعبثون" قال في الأصل تبنون والعبث في الأصل فعل ما لا فائدة فيه قوله: "فأنا أول العابدين" أي الجاحدين من عبد يعبد بكسر الماضي وفتح المضارع أي جحد وقيل من العبادة على طريق الفرض والمشروط لا يستلزم الوقوع قوله: "احتبس أدراعه وأعبده" هي بالموحدة في رواية الأكثر جمع عبد ويروي بالمثناة وسيأتي قوله: "العبرانية" هي لسأن ابني إسرائيل قوله: "يعبرون" أي يؤولون الرؤيا يقال عبر الرؤيا مثقل ومخفف إذا أعلم بما يئول إليه أمرها قوله: "العبير" هو طيب معمول من أخلاط قوله: "حتى يعبر عنه لسانه" أي يبين قوله: "لعله أن يعتبر" أي يتذكر من العبرة ومنه قوله: "عبرة لمن بقي" قوله: "وجد معابر صغارا" أي مراكب يعبر فيها من جانب إلى جانب قوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} أي كلح واعرض من الأصل قوله: "عبقريا يفري" قال ابن نمير العبقري عتاق الزرابي وقال:
أبو عبيدة العبقري من الرجال الذي ليس فوقه شيء ويطلق على السيد والبيت والكبير والقوي وقيل هو منسوب إلى عبقر موضع بالبادية يسكنه الجن فأطلقته العرب على كل ما كان عظيما في نفسه فائقا في جنسه
"فصل ع ت" قوله: "فعتب الله عليه" أي لامه ومنه عاتبني أبو بكر وقيل العتاب الموجدة وقيل الملام بإدلال وأما قوله: "لعله يستعتب" فمعناه يعترف فيلوم نفسه وأعتب أزال الشكوى قوله: "عتبة الحجرة" هي العارضة التي تكون للباب من خشب أو حجارة قوله: "أعتده جمع عتيد وهو الفرس الصلب المعد للركوب وقيل السريع الوثب وقيل هو جمع قلة للعتاد وهو ما يعد من سلاح ودابة وآله حرب قوله: "عتود" بفتح أوله وضم المثناة من ولد المعز ما بلغ السفاد ولم يكمل سنة قوله: "أعتدنا" أي أعددنا من العتاد قوله: "عتيرة "هي التي تذبح في رجب قيل كانوا ينذرونها لمن بلغ ماله عددا معينا أن يذبح من كل عشرة منها رأسا للأصنام ويصب دمها على رأسها قوله : "المعتر" أي الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير أي يلم بها مرة وقيل هو الذي يتعرض ولا يسأل صريحا قوله: "العواتق" جمع عاتق وهي البكر التي لم يبن بها الزوج أو الشابة أو البالغة أو التي أشرفت على البلوغ أو التي استحقت التزويج ولم تتزوج أو التي زوجت عند أهلها ولم تخرج عنهم وأما العاتق من الأعضاء فمن المنكب إلى أصل العنق قوله: "البيت العتيق" أي عتق من الجبابرة أو من الغرق في عهد نوح أو سمي عتيقا لشرفه أو لحسنه أو لقدمه قوله: "من العتاق الأول" أي من أول ما نزل من القرآن أو المراد بالعتيق الشريف قوله: "على فرس عتيق" أي بالغ في الجودة أو السبق وسمي أبو بكر عتيقا لشرفه أو لحسنه أو لعتقه من النار وقيل بل هو علم شخص سماه أبوه عبد الله وأمه عتيقا قوله: "فاعتلوه" أي ادفعوه قوله: "عتل" بالتشديد هو الجافي الغليظ وقيل الشديد من كل شيء قوله: "ليلة معتما" أي مظلمة وأعتم دخل في ظلمة الليل والعتمة ظلمة الليل وتنتهي إلى ثلث الليل وأطلقت على صلاة العشاء لأنها توقع فيها ومنه قولهم روضة معتمة قوله: "عتيا" أي عصيا عتا يعتو عتوا أي عصى وقال مجاهد عتوا أي طغوا وقال ابن عيينة عاتية عتت على الخزان
"فصل ع ث"
قوله: "فان عثر" أي ظهر أو اطلع وأكثر ما يستعمل في وجود ما أخفى بغير تطلب وعثر الفرس والرجل بالضم في الماضي والمضارع زل برجله وبلسانه ومنه أعثرنا عليهم أي أظهرنا قوله: "أو كان عثريا" بفتحتين أي سقته السماء من غير معالجة قوله: "عثان" بضم أوله أي دخان
"فصل ع ج" قوله: "عجب ذنبه" بفتح ثم سكون هو العظم المحدد أسفل الصلب وهو مكان الذنب من ذوات الأربع قوله: "عجاب" مبالغة من عجب قوله: "من تعاجيب ربنا" أي أعاجيب لا واحد له من لفظه أي ما أظهره في خلقه من العجائب قوله: "عجاجة الدابة" أي غبارها الذي تثيره قوله: "معتجرا بعمامة" هو ليها فوق الرأس دون تحنيك وقيل اللف مطلقا قوله: "عجزه وبجره" أي عيوبه والعجر العقد التي تجتمع في الجسد قوله: "عجز راحلته" أي مؤخرتها وهو بوزن رجل على الأفصح ويجوز سكون الجيم وأعجاز الأمور أواخرها وعجيزة المرأة معروفة وقد تقال للرجل والعجز بفتحتين جمع عاجز قوله: "أعجمي" الأعجم الذي لا يفصح ولو كان عربيا والعجمي من ينسب إلى العجم ولو كان فصيحا قوله: "العجماء جبار" أي البهيمة والجبار تقدم في الجيم قوله: "العجوة" هو اللين من التمر والجيد منه
"فصل ع د" قوله: "اعداد مياه الحديبية" العد بكسر أوله الماء المجتمع المعين ويطلق على الذي لا تنقطع مادته وجمعه أعداد كند وأنداد قوله: "فاسأل العادين" أي الملائكة لأنهم يعدون الأنفاس فضلا عن الأعمال قوله: "ما زالت أكلة خيبر تعادني" بتشديد الدال أي تعاودني والعداد اهتياج الألم باللديغ كلما مضت سنة من يوم لدغ هاج قوله: "وعدلت الصفوف" أي سويت قوله: "عدلتمونا" أي شبهتمونا قوله: "مما عدل به" أي وزن به قوله: "صرف ولا عدل" تقدم في الصادر قوله: "بعدل تمرة" قال المصنف يقال عدل بالكسر أي زنة وبالفتح أي مثل ومنه أو عدل ذلك صياما وقال غيرهما لغتان بمعنى وقيل بالكسر من الجنس وبالفتح من غير الجنس وقيل بالعكس قوله: "ثم هم يعدلون" أي يجعلون له عدلا بالفتح ومنه قيمة عدل قوله: "فقسم فعدل" من العدل وهو الاستقامة قوله: "قد عدلنا بالله" أي أشركنا والعديل الشريك قوله: "نعم العدلان" أي الحمل والعدل بالكسر نصف الحمل لاستوائهما قوله: "تكسب المعدوم" أي الشيء الذي لا يوجد تجده أنت لوفور معرفتك وتكسبه لنفسك وقيل غير ذلك قوله: "جنة عدن" أي خلد يقال عدن بالمكان أي أقام به ومنه سمي المعدن ومعدن كل شيء أصله قوله: "عدا حمزة" من العدوان وهو مجاوزة الحد وكذا عدا عليه الذئب وعدا يهودي ومنه غير باغ ولا عاد ومنه يعدون في السبت أي يتجاوزون ما أمروا به ومنه قوله: "لن تعدو قدرك" أي لن تجاوزه وقوله: "بغيا وعدوا" من العدوان ومنه قوله: "لا يحب المعتدين" أي في الدعاء وفي غيره قوله: "له عليه عدة" أي وعد مثل زنه ووزن قوله: "عدوتان" أي جانبان والعدوة بالضم شفير الوادي قوله: "لا عدوى" العدوى ما كانت الجاهلية تعتقده من تعدي داء ذي الداء إلى من يجاوره ويلاصقه ف قوله : "لا يحتمل النهي عن قول ذلك" واعتقاده أو النفي لحقيقة ذلك كما قال لا يعدي شيء شيئا ومن أعدى الأول وهذا أظهر قوله: "تعادى بنا خيلنا" أي تجري والعدو الطلق من الجري وأصله التوالي والعادية الخيل تعدو عدوا قوله: "ما عدا سورة من حدة" أي ما خلا وخلا وعدا من حروف الاستثناء قوله: "استعدى عليه" أي رفع أمره إلى الحاكم قوله: "فلم يعد أن رأى الناس" أي لم يجاوز
"فصل ع ذ" قوله: "العذراء" أي البكر قوله: "ليتعذر في مرضه" أي ليتمنع قوله: "فاستعذر" أي طلب المعذرة أي قال من يعذرني أي يقوم بعذري قوله: "وأحب إليه العذر" أي الاعتذار قوله: "أعلقت عليه من العذرة" بالضم ثم السكون هي اللهاة وتطلق على وجع الحلق من هيجان الدم وقيل قرحة في الخرم بين الأنف والحلق تعرض للأطفال عند طلوع العذرة وهي تحت الشعرى وطلوعها في وسط الحر وأي العذرة بفتح ثم كسر فالغائط قوله: "أعطت عذاقا" جمع عذق بالفتح وهي النخلة ومنه قوله: "عذق أبي زيد" وأما بالكسر فالعرجون وقوله: "عذيقها المرجب" فهو تصغير عذق والمرجب المعظم قوله : "عذله" أي لأمه والعذل بالسكون والتحريك اللوم
"فصل ع ر" قوله: "التعرب في الفتنة" أي سكنى البادية بين الأعراب قوله: "عربا" بضمتين واحدها عروب مثل صبر وصبور قيل العرب المحببات إلى أزواجهن والعربة الحديثة السن التي تحب اللهو ولا تمل منه قوله: "أعربهم أحسابا" أي أصحهم وأوضحهم قوله: "عرج بي إلى السماء" أي صعد قوله : "ذي المعارج" قال تعرج الملائكة إليه وقيل المعراج سلم تصعد فيه الملائكة والأرواح والأعمال وقيل هو من أحسن شيء لا تتمالك النفس إذا رأته أن تخرج إليه واليه يشخص بصر المحتضر من حسنه وقال ابن عباس المعارج درج قوله: "إلى العرج" بفتح ثم سكون هو أول تهامة قوله: "من تعار" أي استيقظ وقيل تمطى وأن وقيل تكلم وقيل تقلب في فراشه من السهر قوله: "ممن تخشى معرته" بفتح المهملة وتشديد الراء أي عيبه قوله : "من عرس" بالضم ثم السكون أي من وليمة وقوله: "أعرس الرجل بأهله" إذا دخل بها والعروس الزوجة لأول الابتناء بها والرجل كذلك وقوله: "أعرستم الليلة" هو كناية عن الجماع قوله: "معرسين التعريس نزول آخر الليل للنوم والراحة ويستعمل في كل وقت ومنه معرسين في نحر الظهيرة قوله: "من عريش" أي مظلل بجريد ونحوه يقال عروش وعريش وقال ابن عباس معروشات ما يعرش من الكوم والعروش الأبنية وعرش البيت سقفه وكذا عريشه والعرش والسرير للسلطان قوله: "أقام بالعرصة" ثلاثا أي وسط البلد وعرصة الدار ساحتها قوله: "عرض ثياب" بفتح أوله وسكون الراء ما عدا الحيوان والعقار وما يكال وما يوزن ويطلق أيضا على متاع الدنيا ومنه كثرة العرض وهذا أكثر ما يقال بالحركة وهو ما يسرع إليه الفناء ومنه يبيع دينه بعرض قوله: "عرضوا" بالضم فأبوا أي عرض عليهم الطعام فامتنعوا والعراضة بالضم الهدية قوله: "عرض الوسادة" بفتح أوله ضد الطول وذكره الداودي بالضم وصوبوا الأول وعرض الشيء جانبه وقيل وسطه قوله: "عرض له رجل" أي ظهر له قوله: "عرضت يوم الخندق" أي أحضرت للاختبار ومنه عرض الأمير الجيش قوله: "المعراض" خشبة محدودة الطرف أو في طرفها حديدة يرمي بها الصيد قوله: "معروضة في المسجد اعتراض الجنازة" مأخوذ من العرض ضد الطول قوله: "يعرض" بالتشديد ولا يبوح أي يلوح والمعاريض التورية بالشيء عن آخر بلفظ يشركه فيه أو يحتمله مجازه أو تصريفه قوله: "ولو أن تعرض عليه عودا" بضم الراء وفتح أوله وذكره أبو عبيد بكسر الراء معناه تضع عليه بالعرض قوله: "وهذ الخطوط الأعراض" جمع عرض بفتح الراء وهو حوادث الدهر قوله: "عرض له" أي عارض من الجن أو من الجن أو من المرض قوله: "عرض الحائط" بالضم أي جانبه قوله: "أعرض عنه" أي لم يلتفت إليه قوله: "عارضا مستقبل" هو السحاب قوله: "عراض الوجوه" يريد سعتها قوله: "يتعرض للجواري" أي يتصدى لهن يراودهن قوله: "استبرأ لدينه وعرضه" العرض بكسر أوله وسكون ثانيه وجمعه أعراض ومنه اعراضكم عليكم حرام قال ابن قتيبة هو بدن الإنسان ونفسه وقال غيره هو موضع المدح والذم من نفسه أو سلفه أو من نسب إليه وقيل ما يصونه من نفسه وحسبه قوله: "العرف عرف مسك" بالفتح أي الريح الطيبة قوله: "عرفها لهم" أي بينها لهم ويحتمل أن يكون أيضا من العرف قوله: "العرفط" بضمتين هو شجر الطلح وله صمغ يقال له مغافير رائحته كريهة قوله: "بعد المعرف" أي وقوف الناس بعرفة قوله: "عرفاؤكم" جمع عريف وهو من يلي أمر القوم ومنه فعرفنا أي جعلنا عرفاء قوله: "إذا انشق معروف من الفجر ساطع" أي ظاهر قوله: "ليس لعرق ظالم حق" قيل هو الذي يبني في موات غيره وقيل المشتري في أرض غيره قوله: "كان يصلي إلى العرق" أي الجبل الصغير من الرمل قوله:
"إنما ذلك عرق" واحد العروق أي انفجر قوله: "عرقا سمينا بفتح أوله هو العظيم عليه بقية من اللحم ومنه فيجعل أصول السلق عرقه ومنه عرقه واعترقه قال الخليل العراق عظم لا لحم عليه وما عليه لحم فهو عرق وقال غيره العرق واحد العراق ومثله رذال جمع رذل قوله: "مكتل يقال له العرق" بفتحتين وسكنه بعضهم هو المكتل الضخم يسع خمسة عشر صاعا إلي عشرين صاعا قوله: "عركت المرأة" أي حاضت والمعركة موضع القتال لأن المتقاتلين يعتركان ومنه اعتركوا قوله: "رجل عارم" من العرامة وهي الشهامة في شدة وشر قوله : "العرم" قيل هو اسم الوادي وقيل المطر الشديد وقيل الفار الذي خرب السد وقيل هو السد وقيل العرم المسناة بالحميرية قوله: "كنت أرى الرؤيا أعرى منها" أي أحم من العرقاء بضم ثم فتح وهو بعض الحمى قوله: "لحقوقه التي تعروه" أي تغشاه وقوله: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ} افتعل من عروته أي قصدته وقوله: "يعتريهم" أي يقصدهم قوله: "في أعلاه عروة" أي شيء يتمسك به وعروة الكلا ما له أصل في النبت وعروة الدلو أذنه قوله: "أن تعرى المدينة" أي تخلو فتترك عراء والعراء الفضاء من الأرض قوله: "العرايا" جمع عرية فعلية بمعني مفعولة وهو من عراه يعروه أي أعطاه ويحتمل أن يكون من عرى يعرى كأنها عريت من الذي حرم فهي فعلية بمعني فاعلة يقال هو عرو من الأمر أي خلو منه قوله: "النذير العريان" أصله أن رجلا من خثعم طرقه عدوهم فسلبه ثيابه فأنذر قومه فكذبوه فاصطلموا وقيل لأن العادة أن ينزع ثوبه ويلوح به ليري من بعد وشرطه أن يكون على مكان عال
"فصل ع ز" قوله: "عزب" بفتح الزاي أي لا زوج له ومنه اشتدت علينا العزبة ورجل عزب وأعزب بمعنى ومنهم من أنكر أعزب ويقال للمرأة أيضا عزب قال الشاعر يا من يدل عزبا على عزب قوله: "الكوكب العازب" كذا للأصيلي ولغيره بالغين المعجمة والراء المهملة وللكشميهني بتقديم الموحدة على الراء قوله: {لا يَعْزُبُ} بضم الزاي أي لا يغيب قوله: "فأصبحت بنو أسد تعزرتي" أي توقفني عليه أو توبخني علي التقصير فيه قوله :{ فَعَزَّزْنَا} أي شددنا وقوينا قوله: "في عزة" أي مغالبة وممانعة قوله: { وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أي غلبني فصار أعز مني أعززته جعلته عزيزا وكيفما تصرفت هذه الكلمة فهي راجعة إلي القوة والغلبة قوله: "تعازفت الأنصار" مأخوذ من المعازف وهي المزاهر والات الملاهي قوله: "العزل" هو ترك صب المني في الفرج عند الجماع خشية أن تحبل المرأة قوله: "وأطلق العزالى" جمع عزلى وهي فم المزادة الأسفل قوله: "عزمة" أي حق واجب ومنه عزائم السجود" أي مؤكداتها قوله : "عزم الأمر" أي جد قوله: "العزى" صنم كان بالطائف قوله: {عِزِينَ} أي حلق وجماعات واحدها عزة بالتخفيف وأصلها عزوة
"فصل ع س" قوله: "عسب الفحل" بسكون السين مع فتح أوله ويجوز ضمه هو كراء ضرابه وقيل العسب الضراب نفسه ويقال ماؤه قوله: "العسيب" واحد العسب وهو سعف النخل قوله: "غزوة العسرة" وهي غزوة تبوك سميت بذلك لمشقة السفر إليها قوله: "العسير أو العسيرة" مصغر المشهور بالإهمال وقيل بالإعجام قوله: "وأمر لي بعس" بضم أوله هو القدح الكبير قوله: "عسفان" بضم أوله موضع معروف بقرب مكة قوله: "العسيف" هو الأجير قوله: "العسيلة" هي كناية عن لذة الجماع والتصغير للتقليل إشارة إلى أن القليل منه يجزيء والتأنيث لغة في العسل وقيل هو إشارة إلي قطعة منه وليس المراد بعض المني لأن الإنزال لا يشترط قوله: "وما عسيتهم" قال ابن مالك ضمن عسي معنى حسب فعداه تعديته مع جواز أن تكون التاء حرف خطاب والضمير اسم عسى والتقدير عساهم وأطال في تقرير ذلك
"فصل ع ش" قوله: "كأصوات العشار" بكسر أوله هي النوق الحوامل ومنه ناقة عشراء بضم أوله وفتح ثانيه ممدود وهي التي مضى لحملها عشرة أشهر قوله: "يكفرن العشير" أي الزوج مأخوذ من المعاشرة وكل معاشر عشير وعشيرة الرجل بنو أبيه الأدنين قوله: "فيما سقت الأنهار العشر" أي زكاة ما يخرج منه سهم من عشرة قوله: "عاشوراء" قال ابن دريد هو يوم إسلامي ولم يكن في الجاهلية لأنه ليس في كلامهم عاشوراء وتعقب بما في الصحيح كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية ثم هو بالمد وحكى أبو عمرو الشيباني فيه القصر قوله: "معشار" مفعال من العشر قوله: "معشر" هم كل من يشترك في وصف قوله: "تعشيشا" أي لا تملأ زواياه زبالة فيصير كالعش قوله: "العشنق" بفتح أوله وثانيه وتشديد النون ثم قاف أي الطويل وقيل المقدام الشرس وقيل الجريء قوله: "العشى " قال مجاهد هو ميل الشمس إلي أن تغرب وصلاة العشي الظهر أو العصر وقوله: "تعشيت" أي أكلت آخر النهار قوله: "ومن يعش" بضم الشين قال ابن عباس يعمى وقال غيره الأعشى الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل
"فصل ع ص" قوله: "من لحم أو عصب" أي عروق قوله: "العصبية" أي الحمية والعصبة بالتحريك في اللغة القرائب الذكور يدلون بالذكور والعصبة بالضم الجماعة والعصابة أيضا الجماعة وقوله: "تجعل علي رأسه العصابة" أي تعصبه بالتاج ومنه عصب رأسه أي شده قوله: "العصب" بفتح وسكون ثباب يؤتى بها من اليمن بعصب غزله أي يشد ويجمع ثم يصبغ ثم ينسج فيأتي موشيا لأن الذي عصب منه يبقى أبيض وأبعد السهيلي فقال العصب صبغ لا يثبت إلا باليمن قوله: "العصر" أي المدة وقال يحيى الفراء قوله: {وَالْعَصْرِ} الدهر أقسم به قوله: "إعصار" أي ريح عاصف شديدة قوله: "العصفر" نبت معروف قوله: "العصف" هو بقل الزرع إذا قطع قبل أن يدرك وقيل هو التبن وقيل غير ذلك قوله: "عصم منى" أي منع ومنه عصمة للأرامل أي يمنعهم من الأذى قوله: {عِصَمِ الْكَوَافِرِ} جمع عصمة وهي عقدة النكاح قوله: "لا يضع عصاه عن عاتقه" كناية عن كثرة ضربة المرأة وقيل كان كثير السفر والأول الصواب لثبوته في بعض الطرق قوله: "عصبة" بالتصغير حي من بني سليم
"فصل ع ض" قوله: "العضباء" هو اسم ناقج النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عبيد الأعضب المكسور القرن فقيل كانت مقطوعة الأذن وقيل بل هو اسم فقط وهو الأرجح وقيل العضباء القصيرة اليد قوله: "العضد" هو ما بين المرفق إلى المنكب قوله: "عضادتيه" جمع عضادة وهي جانب الباب قوله: "لا يعضد" شجرها أي لا يقطع وأصله من قطع العضد وفيه سب لغات وزن رحل ورجل وحقب وكتب وفاس وقف قوله: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ} قال ابن عباس كل ما عززت شيئا جعلت له عضدا قوله: "عض يد رجل" العض معروف وهو الأخذ بالأسنان ومنه قوله: "أن بعض بأصل شجرة والمراد به اللزوم قوله: "عضل والقارة" هما حيان من بني سليم قوله: "لا تعضلوهن" أي لا تقهروهن قاله بن عباس والمعني منع الرجل وليته من التزويج وأصله التضييق قوله: {جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} جمع عضة من عضيت الشيء إذا فرقته قال ابن عباس هم أهل الكتاب آمنوا ببعض وكفروا ببعض أو واحدته عضيهة عضهه إذا رماه بالقبح قوله: "العضاة" هو كل شجر له شوك
"فصل ع ط" قوله: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} أي جانب رقبته كناية عن التكبر قوله: "متعطفا بملحفة" المتعطف المتوشح بالثوب كذا في العين وقال ابن شميل هو أن يكون على المنكبين لأنه يقع على عطفى الرجل وهما جانبا عنقه ومنه قوله: "ونظره في عطفيه قوله: "حتى ضرب الناس بعطن" أي رووا ورويت إبلهم فأقامت على الماء ومنه أعطان الإبل أي مواضع إقامتها على الماء
"فصل ع ظ" قوله: "فيه عظم من الأنصار" أي جماعة قوله: "عظة النساء" أي موعظتهن
"فصل ع ف" قوله: "عفر إبطيه" أي بياضهما المشوب مأخوذ من عفر الأرض وروى بفتحتين وروى بضم أوله وسكون ثانيه وعفراء ليست خالصة البياض وقوله: "يعفر وجهه" أي يسجد وقوله: "لأفرن وجهه" أي لألصقنه بالتراب قوله: "عفاصها" بكسر أوله أي الوعاء قوله: "تعففا" أي طلبا للعفة وهي الكف عما لا يحل ومنه يستعف أي يطلب العفاف قوله: "في عفاف" أي في كفاف عما لا يحل قوله: "عفريت" هو القوي النافذ مع خبث ودهاء ويطلق على المتمرد من الجن والإنس أيضا قوله: "استعفوا" أي اطلبوا العفو قوله: "عفوا" أرى كثروا قوله: "عفا الأثر" أي كثر أو خفي وهو الأظهر ومنه يعفو أثره قوله: "عوافي الطير ورأوا طيرا عافيا" العافي كل طالب رزق من إنسان أو دابة أو بهيمة قوله: "فله العفو" أي الصفح
"فصل ع ق" قوله: "ويل للأعقاب من النار" العقب مؤخر القدم ومنه رجع على عقبيه قوله: "العاقب" هو الذي يخلف من قبله قوله: "فعاقبتم" هو ما يؤدي المسلمون إلي من هاجرت امرأته من الكفار قوله: "من شاء فليعقب" أي فليرجع عقب مضى صاحبه والتعقيب الغزوة بأثر الأخرى في سنة واحدة ومنه يعتقبون وقوله: "يتعاقبون" أي يتداولون قوله: "معقبات" قال في الأصل هم الملائكة الحفظة تعقب الأولى الأخرى ومنه على بعير يعتقبانه قوله: "لا معقب" أي لا مغير قوله: "عقبى الله" أي ثوابه في الآخرة والعقبى ما يكون كالعوض من الشيء ومنه العقاب على الذنب لأنه بدل من فعله قوله: "لا يضمن الدابة ما عاقبت بيد أو رجل" أي فعلت ذلك بمن فعله بها قوله: "ثم تكون لهم العاقبة" أي الغلبة في آخر الأمر قوله: {عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} قال في الأصل هو كل من لم ينطق بحرف من تمتمة أو فأفأة ونحو ذلك والحق أنه لم يبق في كلام موسى شيء من ذلك ل قوله: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ} قوله: "وعقد بيده تسعين" أي ثنى السبابة إلي أصل الإبهام قوله: "عقد لي" أي أمرني قوله: "معقود في نواصيها الخير" أي ملازم لها قوله: "العقود" قال ابن عباس العهود قوله: "عقرى حلقى" تقدم في الحاء قال ابن عباس هي لغة قريش أي الدعاء بهذا أي أصيبت بحلق شعرها وعقر جسمها وظاهره الدعاء وليس بمراد وجوز فيه أبو عبيد التنوين وقيل المعنى أنها لشؤمها تعقر قومها وتحلقهم وهو كناية عن إدخال الشر عليهم قوله: "لا تعقر مسلما" أي تجرح وقوله: "فعقرته" أي جرحته وهو هنا كناية عن الذبح ويطلق على ضرب قوائم البعير بالسيف قوله: "فعقرت حتى ما تقلني رجلاي" بفتح أوله وكسر القاف ووهم من ضمه أي دهشت والاسم العقر بفتحتين وهو فجأة الفزع قوله: "رفع عقيرته" أي صوته قيل أصله أن رجلا قطعت رجله فكان يرفع المقطوعة على الصحيحة ويصيح قوله: "لمسيلمة لأن أدبرت ليعقرنك الله" أي ليهلكنك قيل أصله من عقر النخل وهو أن يقطع رؤوسها فتيبس قوله: "أهل الأرض والعقار" بالفتح أي الدور ويطلق على أصل المال والمتاع قوله: "عقاص رأسها" العقاص جعل الشعر بعضه على بعض وضفره والعقيصة الشعر المضفور قوله: "العقيقة" هي الذبيحة التي تذبح يوم سابع المولود والعقوق العصيان وأصله من العق وهو الشق وزنه ومعناه والعق أيضا القطع قوله: "الإبل المعلقة" أي المشدودة في العقال وهو الحبل ومنه إلي عقال أسود ولو منعوني عقالا وقتله في عقال أي بسبب عقال ويطلق العقال على زكاة عام قوله: "وعقلت ناقتي" أي شددتها قوله: "العقل" أي حكم العقل وهو الدية ومنه أما أن يعقل أي يعطي الدية والمراد بالعاقلة في الدية العصبات وهم من عدا الأصول والفروع قوله: "الريح العقيم" قال مجاهد التي لا تلقح والعقيم التي لا تلد
"فصل ع ك" قوله: "عكازة" هي عصا في أسفلها زج قوله: "اعتكف" أي لازم المسجد واعتكف المؤذن للصبح أي انتصب قائما يراقب الفجر قوله: "في عكة عسل" قربة صغيرة قوله: "عكاظ" موضع بقرب مكة كان به سوق عظيم قوله: "عكومها رداح" الأعكام الأحمال والغرائر والرداح المملوءة والمراد وصفها بالسمن قوله: "عكن بطني" جمع عكنة وهي طيات البطن
"فصل ع ل" قوله: "علبة فيها ماء" هي قدح ضخم من خشب أو غيره قوله: "العلابي" بفتح أوله وتخفيف اللام بعدها موحدة وهي القصب الرطب يشد به أجفان السيوف والرماح قوله: "علاجه" أي عمله قوله: "يعالج من التنزيل شدة" أي يمارس قوله: "عالجت امرأة" أي داوتها قوله: "العلج" بكسر أوله وسكون ثانيه القوي الضخم قوله: "العلقة" يضم أوله وسكون ثانيه الشيء اليسير الذي فيه بلغة قوله: "علقت به الأعراب" أي لزموه قوله: "أعلاقنا" أي خيار أموالنا وقيل المراد ما يعلق علي الدواب والأحمال من أسباب المسافر قوله: "أعلق الأغاليق" أي علق المفاتيح قوله: "علقة" بفتحتين هي القطعة من الدم قوله: "بعلاقته" أي ما يعلق به قوله: "اعلقت عليه" ويروي علقت وقوله: "بهذا العلاق" ويروي الأعلاق هو معالجة عذرة الصبي وهو ورم في حلقه ترفعه أمه أو غيرها بإصبعها قوله: "المعلقة" هي التي لا أيم ولا ذات زوج قوله: "تعلت من نفاسها" أي انقطع دمها فطهرت قوله: "العلك" هو ما يطول مضغه وأصله نبت بأرض الحجاز قوله: "أولاد علات" أي إخوة من أبي أمهاتهم شتى قوله: "حتى أتى العلم" أي العلامة في الأرض وهي المعلم أيضا ويطلق على جبل ومنه ينزل إلي جنب علم قوله: "والعلم في الثوب وقوله: أعلامها" جمع علم أي العلامة أيضا وقوله: "أن تعلم الصورة" أي يجعل الوسم في وجوه الحيوان قوله: "تعلم" بالتشديد والجزم" أي أعلم قيل أصله تعلم مني فحذف ويقال في الأمر المحقق قوله: "العالم" بفتح اللام قيل الخلق وقيل العقلاء منهم فعلى الأول هو من العلامة وعلي الثاني هو من العلم فمن الأول رب العالمين ومن الثاني ليكون للعالمين نذير ويطلق على الآدميين فقط ك قوله: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} قوله:
لم أعلنه" أي لم أظهره وقوله: "لا تستعلن به" أي لا تقرأه علانية أي جهرا قوله: "العلاوة" بكسر وتخفيف ما يوضع على البعير وغيره بعد الحمل زيادة قوله: "وعال قلم زكريا" أي مال ولبعضهم فعلا أي غلب في العلو وجاء في غير الأصل فصعد
"فصل غ م" قوله: {ذَاتِ الْعِمَادِ} أهل عمود لا يقيمون وقيل ذات الطول والبناء الرفيع قوله: "رفيع العماد" إشارة إلى أن بيته عالي السمك متسع الأرجاء وقد يكنى بالعماد عن نفس الرجل لحسبه وشرفه قوله: "هل أعمد من رجل" أي أعجب أو أعذر وقيل هل زاد عميد قوم قتل وعميد القوم سيدهم قوله: "العمري" هي إسكان الرجل الآخر داره عمره أو تمليكه مناف أرضه عمره أو عمر المعطي قوله: "استعمركم" أرى جعلكم عمارا قوله: "التعمق" أي التنطع والمتعمق البعيد الغور الغالي في القصد المتشدد في الأمر وعميق أي بعيد المذهب وأعمقوا أي أبعدوا في الأرض قوله: "فأمر لي بعمالة" بضم أوله يجوز الكسر هي أجرة العامل وقوله: "فعملني" أي جعل لي عمالة أو جعلني عاملا أي نائبا على بلد وكذا من يتولى قبض الزكاة قوله: "في خيبر ليعتملوها" أي ليعملوا ما يحتاج إليه من زراعة وغيرها قوله: "روضة معتمة" بتشديد الميم أي تامة النبات ويروى بالتخفيف أي شديدة السواد
"فصل ع ن" قوله: "دابة يقال لها العنبر" يقال هو الحوت الذي يقذف العنبر وقد ورد أنه كان على صورة البعير قوله: "العنت" بمثناة آخره أي الزنا وأصله الضرر ومنه لأعنتكم أي لأحرجكم قوله: "عنيد وعنود واحد" من العنود وهوالتجبر والعناد جحد الحق من العارف قوله: "عنزة" بفتحتين هي عصا في طرفها زج قوله: "منيحة العنز" بسكون النون أي عطية لبن الشاة قوله: "عنصرهما" أي أصلهما قوله: "فلم يعنف" التعنيف اللوم والعنف بالضم ضد الرفق قوله: "العنفقة" ما بين اللحيين قوله: "عناق جذعة" هي الأنثى من ولد المعز قوله: "العنق" هو سير سهل سريع ليس بالتشديد قوله: "العنقري" منسوب إلى العنقر وهو نبت معروف وقيل هو المرزنجوش قوله: "العنان" بفتح أوله أي السحاب قوله: "عنان" فرسه بكسر أوله أرى لجامها قوله: "عنانا" بالتشديد أي أتعبنا والعناء المشقة والتعب قوله: "معنية بأمري" بالتشديد أي ذات عناية بي قوله: "عنت" أي خضعت يقال عني يعني وعنا يعنو وقوله: "فكوا العاني" أي الأسير وأصله الخضوع قوله: "عن" هو حرف جر بمعني من غالبا لأن فيها البيان والتبعيض قيل إلا أن من تقتضي الانفصال بخلاف عن يقال أخذت منه مالا وأخذت عنه علما وقد تأتي بمعنى علي ك قوله: "خالف عنا" علي والزبير وقوله: "لكذبت عنه" أي عليه وقوله: "اقتصروا عن قواعد إبراهيم" أي قواعده وقوله: "لست أنافسكم عن هذا الأمر" أي عليه أو فيه ومنه قوله: "يتعلى عني" وورد بلفظ علي أي يترفع ومنه سقط عنهم الحائط وروى عليهم وقد تأتي عن سببية ك قوله: "كان يضرب الناس عن تلك الصلاة وقوله: "لا تهلكوا عن آية الرجم" وقد يحتمل أن يكونا على حذف مضاف
"فصل ع ه" قوله: "العهد" أي الذمة ومنه المعاهد وقوله: "كانوا يضربوننا على الشهادة" والعهد العهد يطلق على اليمين والأمان والذمة والحرمة وأمر بالشيء والمعرفة والوقت والالتقاء والإلمام والوصية والحفاظ والظاهر أنه أراد هنا اليمن كأنهم كانوا يعلمونهم ويؤدبونهم على المحافظة على الشهادات والإيمان أن يتحفظوا في ذلك قوله: "عما عهد" أي عرفه في البيت قوله: "وللعاهر" أي الزاني قوله: "من عهن" أي صوف
"فصل ع و" قوله : "غير ذي عوج" أي لبس قوله: "بالمعوذات" جاء مفسرا في الرواية الأخرى بالإخلاص والسورتين بعدها قوله: "العوذ المطافيل" العوذ بالذال المعجمة جمع عائذ وهي الناقة التي وضعت إلى أن يقوى ولدها قوله: "ذات عوار" أي عيب قوله: "فأعوز أهل المدينة" أي عدموا والعوز العدم قوله: "أيعاض صاحبها" أي يعطي العوض قوله: "عوان بين ذلك" أي نصف لا بكر ولا هرمة قوله: "عاهة" أي آفة أو مرض
"فصل ع ي" قوله: "عيبتي" أي موضع سري مأخوذ من عيبة الثياب وهي ما تحفظ فيها ومنه قوله: "عيبة نصحى" أي موضع سري وأمانتي قوله: "عاثت في دمائها" أي أفسدت ومنه {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أي لا تعيثوا قوله: "فعيرته بأمه" أي عبته قوله: "سهم عائر" هو الذي لا يدري من رمى به قوله: "من عير إلى ثور" وفي رواية من عائر هما جبلان بالمدينة وقيل إن ذكر ثور فيه غلط وصحيح غير واحد أن له وجودا بالمدينة أيضا قوله: "حتى يخرج العير" بكسر العين أي القافلة قوله: "أعافه" أي أتقذره قوله: "عالة" أي فقراء والعيلة الفقر قوله: "عائلا" أي ذا عيال وقوله: "عالها" أي جعلها من عياله قوله: "عين من المشركين" أي جاسوس قوله: "عين ركبته" أي رأسها قوله: "يوم عيين" أي يوم أحد قوله: "عين التمر" موضع خارج البصرة قوله: "زوجي عياياء" بالمدينة" أي عي عاجز


حرف الغين المعجمة
"فصل غ ب" قوله: "لا تغبروا علينا" أي لا تثيروا علينا الغبار ومنه مغبرة قدماه أي علاها الغبار وهو التراب الناعم قوله: "غبرات" بضم ثم تشديد أهل الكتاب أي بقاياهم قوله: "الكوكب الغابر" أي الذاهب الماضي وفي رواية الغارب قوله: "العشر الغوابر" أي البواقي ويطلق على المواضي وهو من الأضداد قوله: "الاغتباط" أصله الحسد وقيل الفرق بينهما أن الحسد تمني زوال النعمة والغبطة تمني مثل النعمة قوله: "لا أغبق قبلهما" بفتح أوله وضم الموحدة ويجوز تثليثها والغبوق شرب الغشي قوله: "غبن أهل الجنة أهل النار قوله غبنته" أصل الغبن النقص ثم استعمل في نحو القهر قوله: "غبي عليكم" بالتخفيف أي خفي عليكم وفي رواية أغمى وفي رواية غم عليكم
"فصل غ ث" قوله: "جمل غث" أي هزيل قوله: "غثاء" هو الزبد وما ارتفع على الماء قوله: "ياغنثر" قيل النون زائدة وهو مأخوذ من الغثر وهو السقوط وقيل أصلية والغنثر ذباب كأنه استحقره
"فصل غ د" قوله: "غدة كغدة البعير" الغدة خراج في الحلق قوله: "أي غدر" معناه يا غادر والغادر الناقض العهد وقوله: "لا يغادر" أي لا يترك قوله: "غدير الأشطاط" هو موضع والغدير النهر الصغير قوله: "غندر" قيل النون زائدة من الغدر وقيل الغندر المشعب قوله: "غدوة في سبيل الله" الغدوة بفتح أوله من أول النهار إلى الزوال والمراد بها هنا سير أول النهار

فصل غ ر" قوله: "سهم غرب" أي جاء من حيث لا يدري قال أبو زيد بتحريك الراء إذا رمى شيئا فأصاب غيره وبسكونها إذا لم يعلم من رمى به ويجوز فيه الإضافة وتركها قوله: "غربوا" أي توجهوا قبل المغرب قوله: "فاستحالت غربا" أي انقلبت دلوا كبيرة قوله: "أخرز غربه" أي دلوه قوله: "غرابيب سود" أي أشد سوادا قوله: "تصبح غرثى الغرث الجوع" أي لا تذكر أحدا بسوء قوله: "غرا محجلين" الغرة بياض في الوجه غير فاحش ومنه يطيل غرته وقوله: "غر الذرى" أي بيض الأعالي وتطلق الغرة على النسمة ومنه بغرة عبدا وأمه وقيل الغرة الخيار وقيل البياض ويروي بالتنوين وتركه قوله: "بيع الغرر" بفتحتين أي المخاطرة ومنه عش ولا تغتر والمراد به في البيع الجهل به أو بثمنه أو بأجله قوله: "لا يغرنك أن كانت جارتك" أي ضرتك أو صاحبتك أي لا تغتري بها فتفعلي كفعلها فتقعي في الغرر لأنها تدل بحبه لها قوله: "وهم غارون" بالتشديد أي غافلون قوله: "الغرور" قال مجاهد الشطان وقال غيره الهلاك قوله: "اغرورقت عيناه" أي امتلأت بالدموع ولم تفض قوله: "غرض" بفتحتين أي هدف وزنه ومعناه قوله: "بقيع الغرقد" قال أبو حنيفة الغرقدة هي العوسج إذا عظمت صارت غرقدة وسمي البقيع بذلك لشجرات كانت فيه قديما قوله: "تغرة أن يقتلا" أي حذارا قوله: "في الغرز" بفتح أوله وسكون ثانيه ثم زاي هو ركاب البعير قوله: "في غرفة" أي مكان عال والجمع غرف والغرفة أيضا بالضم مقدار ملء اليد وبالفتح المرة الواحدة قوله: "غرلا" أي غير مختتنين قوله: "المغرم" هو الدين والغريم الذي عليه الدين والذي له أيضا وأصله اللزوم قوله: "غراما" أي هلاكا قوله: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} قال مجاهد لملزمون قوله: "أغروا بي" بضم أوله أي سلطوا علي قوله: "كأنما يغرى في صدري" بضم أوله وسكون المعجمة أي يلصق به
"فصل غ ز" قوله: "غزا" قال وأحدها غاز والغزاة أيضا جمع غاز قوله: "للغزالين" أي الذين يبيعون الغزل
"فصل غ س" قوله: "غساقا" يقال غسقت عينه وغسق الجرح كان الغساق والغسق واحد وقيل الغساق المنتن وأما غسق الليل فاجتماع ظلمته قوله: "غسلين كل شيء غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين فعلين من الغسل من الجرح والدبر
"فصل غ ش" قوله: "غششته" من الغش وهو نقيض النصح وتغطية الحق ويطلق على الخديعة أيضا قوله: {غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} أي عقوبة تغطي عليهم قوله: "غاشية أهله" أي الذين يلوذون به ويتكررون عليه قوله: "لها غشاء" أي غطاء قوله: "فتغشى بثوبه" أي تغطى به قوله: "فغشى عليه" وقوله: "علاني الغشاء" هو ضرب من الإغماء خفيف قوله: "غشيان الرجل امرأته" أي مجامعتها وغشيت امراتي أي جامعتها وقوله: "فاغشنا به" أي باشرنا به ومنه فلا تغشنا ومنه أن غشيت شيئا وقوله: "لم يغشهن اللحم "ومنه ما لم تغش الكبائر" أي تؤتى وتباشر قوله: {سْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} أي يتغطون
"فصل غ ص" قوله: "غاص بأهله" أي ممتلئ بهم


فصل غ ض" قوله: "لو غض الناس" أي لو نقصوا وقيل معناه رجعوا وقيل كفوا ومنه غضوا أبصاركم وأغض للبصر والغضاضة النقص
"فصل غ ط" قوله: "فغطني" أي غمني وزنا ومعنى قوله: "وان برمتنا لتغط" أي تغلى ولغليانها صوت ومنه فغط حتى ركض برجله أي صوت وهو نائم بنفسه ومنه سمعت غطيطه وغطيط البكر صياحه قوله: "أغطش" أي أظلم
"فصل غ ف" قوله: "غفرانك" مصدر منصوب على المفعول أي اعطنا ذلك قوله: "المغفر "بكسر الميم هو ما يجعل من الزرد على الرأس مثل القلنسوة قوله: "مغافير" قيل جمع مغفور وهو شيء يشبه الصمغ يكون في أصل الرمث فيه حلاوة ووقع في تفسير عبد الرزاق أن المغافير بطن الشاة كذا قال عبد الرزاق من قبل نفسه ولم يتابع وقد تقدم في العرفط له تفسير آخر وقيل الميم فيه أصلية قوله: "لحوم الغوافل" أي الغافلات عن الفواحش قوله: "أغفى إغفاءة" نام نوما خفيفا ويجوز غفا وأنكره بن دريد
"فصل غ ل" قوله: "غلبنا" قال الغلب الملتفة قوله: "ليس بالأغاليظ" جمع أغلوطة وهو ما يغلط فيه ويخطأ قوله: "أغلظت له" أي شددت عليه في القول قوله: "قلوب غلف" كل شيء في غلاف يقال سيف أغلف ورجل أغلف إذا لم يكن مختونا قوله: "فغلفها بالحناء" بالتخفيف وحكى التشديد وأنكره بن قتيبة والمراد صبغها قوله: "الأغاليق" أي المفاتيح قوله: "في إغلاق" أي إكراه وقيل غصب قوله: "أكره الغل" هو ما يجعل في العتق قوله: "من غلول" أي خيانة في المغنم قوله: "من غلته" أي من أجرة عمله قوله: "نام الغليم" بالتصغير وكذا قوله: "أغيلمة من بني عبد المطلب" وقوله: "غلمة من قريش" جمع غلام قوله: "غلت القدور" من الغليان وهو الفوران قوله: "من غلوة" بفتح أوله أي طلق فرس وهو مدى جريه
"فصل غ م" قوله: "برك الغماد" المشهور في الروايات كسر الغين وجزم بن خالويه بضمها وخطأ الكسر ونسبه النووي لأهل اللغة لكن جوز أبو عبيد البكري وغيره الضم والكسر وجوز القزاز وغيره الفتح أيضا وذكره بن عديس في المثلث وهو موضع على خمس ليال أو ثمان من مكة إلى جهة اليمن مما يلي البحر وأغرب بعضهم فحكى فيها إهمال الغين قوله: "يتغمدني" أي يسترني قوله: { فِي غَمْرَتِهِمْ} ضلالتهم قوله: {فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} أي شدائده قوله: "أما صاحبكم فقد غامر" فسره المستملى بأن المراد سبق بالخير وقال الخطابي خاصم فدخل في غمرات الخصومة وقال الشيباني المغامرة المعاجلة وقد تكون مفاعلة من الغمر وهو الحقد قوله: "الغمز من العذرة" رفع اللهاة بالإصبع قوله: "غمس يمين حلف" أي حالفهم وأصله أنهم كانوا يحضرون يوم التحالف جفنه مملوءة طيبا أو خلوقا ويدخلون أيديهم فيها قوله: "اليمين الغموس" هي التي لا استثناء فيها قيل سميت بذلك لغمسها صاحبها في المأثم قوله: "فغمس منقاره" أي وضعه في الماء قوله: "أغمصه عليها" أي أعيبه وقوله: "مغموصا عليه" أي مطعونا عليه قوله: "أغمضته عند الموت" أي أطبقت أجفانه قوله: "غمة" أي هم وضيق قوله: "فان غم عليكم" أي ستره الغمام قوله: "بالغميم" ماء بين عسفان وضجنان

فصل غ ن" قوله: "غنثر" تقدم قوله: "الغنجة" هو تكسر في الجارية قوله: "غندر" تقدم قوله: "غنيمة" تصغير غنم كأنه أراد الجماعة قوله: "يتغنى بالقرآن" قال ابن عيينة يستغنى به يقال تغانيت وتغنيت أي استغنيت وفي رواية يجهر به وكل رفع صوت عند العرب يقال له غناء وقيل المراد تحزين القراءة وترجيعها وقيل معناه يجعله هجيراه وتسلية نفسه وذكر لسانه في كل حالة كما كانوا يفعلون بالشعر والرجز والغني بالكسر والقصر ضد الفقر وبالفتح والمد الكفاية قوله: "ربطها تغيبا" أي استغناء قوله: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي لم يعيشوا وقيل لم ينزلوا أو لم يقيموا راضين وهو أقرب وقول عثمان أغنها عنا بقطع الألف أي اصرفها وقيل كفها
"فصل غ و" قوله: "الغابة" بالموحدة من أموال عوالي المدينة وأصل الغابة شجر ملتف قوله: "غواث" بالضم والكسر أي إغاثة قوله: "عسى الغوير أبؤسا" أي عسى أن يكون باطن أمرك رديئا وقيل أصله غاز كان فيه ناس فانهد عليهم فصار مثلا لكل شيء يخاف أن يأتي منه شر ثم صغر فقيل غوير وقيل نصب أبؤسا على إضمار فعل أي عسى أن يحدث الغوير أبؤسا قوله: "أغار عليهم ويغير عليهم ويغيرون" والغارة الدفع بسرعة لقصد الاستئصال قوله: "غائر العينين" أي داخلتين في المقلتين غير جاحظتين قوله: {إ ِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً} يقال ماء غور وبئر غور المفرد والجمع والمثنى واحد وهو الذي لا تناله الدلاء وكل شيء غرت فيه فهو مغارة قوله: "غواش" تقدم في غ ش قوله: "الغائط" هو المنخفض من الأرض ومنه سمي الحدث لأنهم كانوا يقصدونه ليستتروا به قوله: "غوغاء" الجراد قيل هو الجراد نفسه وقيل صوته قوله: "غوغاؤهم" أي اختلاط أصواتهم قوله: {لا فِيهَا غَوْلٌ} قال مجاهد وجع بطن وقيل لا تذهب عقولهم والغول بالضم التي تغول أي تتلون في صور لتضل الناس في الطرق وحديث لا غول فيه نفى ما كانوا يعتقدونه من ذلك
"فصل غ ي" قوله: "غيابة الحب" قال كل شيء غيبته عنك فهو غيابة قوله: "تستحد المغيبة" بالضم هي التي غاب عنها زوجها قوله: "وان نفرنا غيب" بفتحتين وللأصيلي بضم أوله وتشديد الياء أي غير حضور قوله: "غيبوبة الشفق" أي مغيبة قوله: "الغيبة هو ذكر الرجل بما يكره ذكره مما هو فيه قوله: "الغيث" هو الماء الذي ينزل من السماء وقد يسمى الكلأ غيثا قوله: "أنا أغير منك وإني امرأة غيور والمؤمن يغار" كله من الغيرة وهي معروفة قوله: "لا يغيضها شيء" أي لا ينقصها قوله: "غيقة" هو مكان بين مكة والمدينة لبني غفار قوله: "ما يسقى الغيل" بفتح أوله هو الماء الجاري على وجه الأرض قوله: "قتل غيلة" بكسر أوله أي خديعة والاغتيال الأخذ على غفلة وقوله: "أنهى عن الغيلة" بكسر أوله أي نكاح الحامل والأخذ على غرة ويقال بفتح أوله أيضا ويقال لا يفتح إلا مع حذف الهاء والغائلة في البيع كل ما أدى إلى بلية وقال قتادة الغائلة الزنا وقال غيره السرقة قوله: "ثمانين غاية" أي راية قيل لها ذلك لأنها تشبه السحابة وفي حديث السباق ذكر الغاية وهي الأمد قوله: "غياياء" روى بالغين المعجمة وأنكر أبو عبيد لكن له وجه قوله: "إذا كان لغية" بفتح أوله من الغي ويكسر أيضا وأنكره أبو عبيد والغى ضد الرشد وقوله: "غوت أمتك الغي هو الانهماك في الشر ومنه أغويت الناس أي رميتهم في الغي


"حرف الفاء
"فصل ف ا" قوله: "فأفاء" هو الذي يغلب على لسانه الفاء وترديدها من حبسة فيه قوله: "يرجف فؤاده" قيل الفؤاد القلب وقيل غير القلب وقيل غشاؤه وجمع الفؤاد أفئدة قوله: "الفأرة" معروفة بهمز وقد تسهل قوله: "فأخذ فأسا" وقوله: "بفوسهم" هي القدوم برأسين قوله: "ويعجبني الفال" مهموز وقد لا يهمز قال أهل المعاني الفال فيما يحسن وفيما يسوء والطيرة فيما يسوء فقط وقال بعضهم الفال فيما يحسن فقط والفال ما وقع من غير قصد بخلاف الطيرة قوله: "فئام" بكسر أوله وحكى فتحه وبالهمز وقد يسهل اسم جمع لا واحد له من لفظه
"فصل ف ت" قوله: "تفتأ تذكر" أي لا تزال قوله: "فتت" أي بست قوله: "يستفتحون" أي يستنصرون ومنه أفتح هو وقوله: "الفتاح" أي القاضي ومنه افتح بيننا أي اقض قوله: "فتخها" قال عبد الرزاق الفتخ الخواتم العظام وقيل هي خواتم تلبس في الرجل وقال الأصمعي لا فصوص لها واحدها فتخة كقصب وقصبة قوله: "فاذا فترت تعلقت به" أي كسلت ومنه يقوم فلا يفتر وقوله: "فتر الوحي" أي سكن وتأخر نزوله وزمان الفترة هو ما بين الرسولين من المدة التي لا وحي فيها قوله: "لا ينفتل" أي لا يلتفت ومنه ثم انتفل وقوله: "فأخذ بأذني يفتلها" أي يمعكها قوله: "تفتنون في قبوركم" أصل الفتنة الاختبار والامتحان ثم استعمل فيما أخرجه الاختبار للمكروه ومنه وظن داود إنما فتناه وفتنة كذا وأفتنه والأول أشهر وجاءت بمعنى الكفر وبمعني الضلالة وبمعنى الإثم وبمعني العذاب وبمعنى ذهاب العقل وبمعنى الاعتذار فمما ورد بمعنى الاختبار قوله: "الفتنة" التي تموج والفتن وتفتنون في قبوركم وبمعنى الكفر قوله: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} وبمعنى الضلال ما أنتم عليه بفاتنين قال مجاهد بضالين وبمعنى الإثم قوله {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} وبمعنى العذاب قوله: "فتنة النار" ذوقوا فتنتكم ونحوه وبمعنى ذهاب العقل كدنا أن نفتتن في صلاتنا وبمعني الاعتذار ثم لم تكن فتنتهم قال ابن عباس معذرتهم وبمعنى التوبيخ قوله: {ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} قال أي لا توبخني وقال غيره لا تضلني ووردت بمعنى الالتهاء بالشيء عن أولى منه ومنه إنما أموالكم وأولادكم فتنة وبمعنى الدلالة على الشيء ومنه وإن كادوا ليفتنونك قوله: {فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} جمع فتاة والمراد الإماء قوله: "فتيا" أصله السؤال ثم سمي الجواب به
فصل ف ج" قوله: "لم يفجأهم" وقوله: "نظر الفجاء" هو بضم الفاء ممدود ولبعضهم بفتح الفاء ثم سكون وهو بمعنى البغتة يقال فجأني الأمر أي أتاني بغتة ومنه فجأة الحق قوله: "سالكا فجا" أي طريقا واسعا قال في قوله: {سُبُلاً فِجَاجاً} أي طرقا واسعة قوله: "فإذا وجد فجوة" أي طريقا متسعا والجمع فجوات قوله: "فجرت" أي فاضت ومنه تفجر دما والفجور إكثار المعصية شبه بانفجار الماء ويطلق على الكذب
"فصل ف ح" قوله: "أفحج" أي بعيد ما بين الفخدين قوله: "لم يكن فاحشا" أي بذيا وهو الذي يتكلم يقبح ويطلق على الباطل أيضا والمتفحش الذي يكثر من ذلك ويتكلفه وقيل الفحش عدوان الجواب والفاحشة


يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 02:03 AM
كل ما نهى الله عنه وقيل كل ما يشتد قبحه من المنهيات كالزنا وكلام الحليمي يقتضي أن الفاحشة أكبر الكبائر قوله: "عسب الفحول" هو ذكرها المعد لضرابها قوله: "فحمة العشاء" أي شدة الظلمة
"فصل ف خ" قوله: "من فخذ أخرى" بفتح أوله وسكون ثانيه ويجوز كسره دون القبيلة وفوق البطن والفخذ من الأعضاء مثله ويقال أيضا بكسر أوله وثانيه أتباعا
"فصل ف د" قوله: "في الفدادين" بالتشديد وحكي التخفيف قال الأصمعي هم الذي تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم يقال فد الرجل يفد بكسر الفاء فديدا إذا أشتد صوته وقيل هم المكثرون من الإبل وقيل أهل الجفاء من الأعراب قوله: "على فدفد" هي الفلاة من الأرض لا شيء فيها وقيل ذات الحصي وقيل الجليدة وقيل المستوية قوله: "فدك" بفتحتين مدينة عن المدينة بيومين قوله: "لما فدع أهل خيبر" أي أزالوا يده من مفصلها فاعوجت قوله: "فاديت نفسي" أي أعطيت الفداء وهو العوض الذي يبذله المأسور عن نفسه لئلا يقتل قوله: "فدا لك" بالقصر وبالمد وبكسر الفاء فيهما وحكي فتح أوله مع القصر وقيل المد في المصدر فقط
"فصل ف ذ" قوله: "صلاة الفذ" أي المنفرد قوله: "الآية الفاذة" أي المنفردة وكذا قوله: "لا تدع شاذة ولا فاذة
"فصل ف ر" قوله: "الفرات" أي الماء العذب وهو اسم النهر المعروف بالشام قوله: "فرثها" أي ما في الكرش قوله: "فرج سقف بيتي" أي شق أو فتح ومنه فرج صدري قوله: {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} أي شقوق قوله: "وجد فرجة في الحلقة" أي مكانا خاليا والفاء مثلثة والفتح أشهر قوله: "فروج حرير" بفتح أوله وتشديد الراء وتخفيفها أيضا وحكى ضم أوله هو القباء الذي شق من خلفه قوله: "حتي يفرج عنكم" أي يوسع عليكم أو ينكشف عنكم الغم والاسم الفرج بفتحتين قوله: "فرج بين أصابعه" أي فتح قوله: "لا يحب الفرحين" أي لا يحب المرحين كذا في الأصل وقال غيره المراد البطر قوله: "فرجعنا فرحى" بفتح أوله مقصور جمع فارح مثل هلكى جمع هالك قوله: "حتى تنفرد سالفتي" أي تزول عن جسدي قوله: "فارا بدم" أي هاربا قوله: "فرسخ" أصله الشيء الواسع ويطلق على مقدار ثلاثة أميال قوله: "فرسن شاة" هو ما فوق الحافر وهو كالقدم للإنسان وهو بكسر أوله وثالثه قوله: "الفراش" بفتح الفاء ما يتطاير من الذباب ونحوه في النار ومنه قوله: {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} وقيل المراد هنا الجراد قوله: "فراشا" أي مهادا قوله: "الولد للفراش" أي لمالك الفراش وهو السيد أو الزوج قوله: "فرصة ممسكة" أي قطعة من قطن أو صوف تطيب بالمسك وقيل الممنى أنها تقطع بجلدها والجلد هو المسك بفتح الميم والمشهور في فرصة كسر الفاء وحكى تثليثها قوله: "فرضتي الجبل" الفرضة المكان المتسع وهو هنا ما انحدر من وسط الجبل وجانبه قوله: "الفريضة هو ما فرض الله" أي ألزم به ويطلق على السن المعين من زكاة المواشي قوله: "فرطنا قوله فرط صدق وقوله اجعله فرطا" الفرط بفتح الفاء والراء الذي يتقدم الواردين فيهيء لهم ما يحتاجون وهو في هذه الأحاديث المتقدم للثواب والشفاعة وأما قوله: "تفارط الغزو" فقيل معناه تأخر وقته وفات والتفريط التقصير والإفراط الزيادة وقوله: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} أي ندما كذا في الأصل قوله: "يفرعها الحر" أي يزيل بكارتها قوله: "يفرع النساء طولا" أي يزيد عليهن في الطول قوله: "لا فرع" بفتحتين هو أول النتاج كانوا يذبحونه للأصنام فنفاه الإسلام وقيل كان من تمت إبله مائة قدم بكرا فنحره للصنم فهو الفرع والفرع بضمتين مكان من عمل المدينة قوله: "أفرغ على يديه" أي سكب قوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} أي سنحاسبكم كذا في الأصل وقال المبرد سنفرغ أي سنعمل والفراغ على وجهين الفراغ من الشغل والقصد إلي الشيء قوله: "فرق رأسه ويفرقون رؤوسهم" بفتح الماضي وضم المستقبل والراء مخففة فيهما وشددها بعضهم والتخفيف أشهر وانفراق الشعر أنقسامه من وسط الرأس ومفرق الرأس مقدمه ومنه على مفارقه قوله: "فرقنا" أي فزعنا وزنه ومعناه وهو بكسر ثانيه قوله: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ} قال ابن عباس فصلناه قوله: "من قدح يقال له الفرق" بفتح الراء ويجوز إسكانها هو إناء يأخذ ستة عشر رطلا ومنه على فرق آرز قوله: "على فروة بيضاء" قال ابن عباس رضي الله عنه الفروة وجه الأرض وقيل قطعة يابسة من حشيش قوله: "فرهين" أي مرحين أو حاذقين قوله: "أعظم الفرى بكسر أوله جمع فرية وأفرى الفري أي الكذب قوله: "يفري فريه" بالتخفيف والتشديد وأنكر الخليل التشديد يقال فلان يفري الفري أي يعمل العمل البالغ
"فصل ف ز" قوله: "استفزز" أي استخف بخيلك الفرسان قوله: "فافزعوا إلى الصلاة" أي بادروا إليها قوله: "وقع فزع" أي ذعر واستغاثة يقال فزع من الشيء إذا ارتاع منه وفزع له إذا أغاثه قوله: {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} أي كشف عنها الرعب
"فصل ف س" قوله: "فسيحة" أي واسعة ومنه وبيتها فساح ضبطوها بضم الفاء ويجوز فتحها قوله: "فسطاط" أي خباء ونحوه ويطلق أيضا على مجتمع أهل الناحية قوله: "خمس فواسق" أصل الفسق الخروج عن الشيء ومنه سمي هؤلاء فواسق لخروجهم عن الانتفاع بهم
"فصل ف ش" قوله: "فشت تلك المقالة" أي ظهرت وقوله: "يفشو العلم" أي يظهر وأفشته حفصة تقدم في الألف
"فصل ف ص" قوله: "يتفصد عرقا" أي يسيل قوله: "بأمر فصل" بإسكان الصاد أي قاطع يفصل المنازعة قوله: "فصل الخطاب" قال مجاهد الفهم في القضاء وقيل البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وقيل قوله: "أما بعد قوله: "المفصل" قال ابن عباس هو المحكم وهو من أول الفتح إلى آخر القرآن وقيل في ابتدائه غير ذلك أقوال تزيد على عشرة وسمي المفصل لكثرة الفواصل بالبسملة وبغيرها قوله: "وفصيلته" قال هم أصغر آبائه القربى إليه ينتهي نسبه وقيل غير ذلك قوله: "فصاله" أي فطامه قوله: "فصلت الهدية" أي خرجت وفارقت أهلها وقوله: "بعد أن فصلوا" أي رحلوا قوله: "كانت الفيصل" أي القطيعة قوله: "فيفصم عنى" أي يقلع والفصم الإزالة من غير أبانة قوله: "فصه مما يلي كفه" بفتح أوله وحكى تثليثه معروف قوله: "تفصيا" أي زوالا أو تفلتا

فصل ف ض" قوله: "يفضحهم" أي يشهرهم بقبح ما فعلوا مأخوذ من الفضيحة قوله: "الفضيخ" هو البسر يفضخ أي يشدخ ويلقي عليه الماء قوله: "لا تفض الخاتم" أي تكسره وهو كناية عن افتضاض عذرة البكر وقد يطلق على الوطء الحرام قوله: "فتفتض به" فسره مالك بالتمسح أي تمسح قبلها به فلا يكاد يعيش من نتن ريحها وقيل معني تفتض أي تصير كالفضة والأول أولي قوله: "ولو أن أحدا انفض" أي تفرق قوله: "انفضوا" أي تفرقوا قوله: "أفضلت فضلى" أي ما فضل عن حاجتي ومنه فضل سواكه وفضل وضوئه ومنه كان لرجال فضول أرضين ومنه أفضلا لأمكما ومنه فضل الإزار وفضل الماء وفي صفة الجنة لا تزال تفضل حتى ينشئ الله لها خلقا قوله: "وعندي منه فاضلة" أي فضلة منه ورآه بعضهم فاضلة بضم اللام وهاء الضمير قوله: "وأفضل عليك" أي أعطاك قوله: "ملائكة فضلا" بضم أوله وثانيه وبسكون ثانيه فسر في الأصل بالزيادة قوله: "يفضي بفرجه إلى السماء" أي يكشفه قوله: "وقد أفضوا إلى ما قدموا" أي وصلوا
"فصل ف ط" قوله: "على الفطرة" أي فطرة الإسلام ومنه في الإسراء أخذت الفطرة وقيل المراد بالفطرة أصل الخلقة وأما حديث الفطرة خمس أو خمس من الفطرة فالمراد بها السنة عند الأكثر قوله: "تنفطر قدماه" أي تنشق قوله: "فطس الأنوف" الفطس انخفاض قصبة الأنف
"فصل ف ظ" قوله: "ليس بفظ" أي غليظ القلب وقوله: "أنت أفظ وأغلظ ليس المراد به المفاضلة بل بمعنى فظ وغليظ ويحتمل المفاضلة بتأويل قوله: "أفظع منه" أي أسوأ منظرا ومنه أفظعني ويفظعنا أي يفزعنا ويسوءنا أمره
"فصل ف غ" قوله: "فغر لها فاه" أي فتحه
"فصل ف ق" قوله: "فقأ عينه" بالهمز أي شقها فأطفأها قوله: "فقار ظهره" واحدها فقارة وهي عظام الظهر والمراد أنه أباح له ركوبه ومنه أفقرني ظهره قوله: "فاقع لونها" أي صاف نقي قوله: "الفقاع" هو شراب يتخذ من الشعير ومن الزبيب
"فصل ف ك" قوله: "انفكت قدمه" أي انخلعت قوله: "فكاك الأسير" أي تخليصه من الأسر قوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ} أي خلاصها قوله: "تفكهون" أي تعجبون والفاكهة ذكرها المؤلف في تفسير الرحمن
"فصل ف ل" قوله: "افتلتت نفسها" أي ماتت فلتة والفلتة ما يعمل بغير روية قوله: "المفلس" الذي قل ماله قوله: "الفلق" أي الصبح وقيل فلق الصبح بيانه وانشقاقه وقال ابن عباس رضي الله عنهما فالق الإصباح هو ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل قوله: "مفلطحة" أي لها شوكة عظيمة لها عرض واتساع قوله: "فالق كبدي" أي يشقها ومنه فلق رأسه شقه قوله: {ِفي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} أي يدورون في فلك مثل فلكه المغزل قوله: "اصنع الفلك" أي السفينة والفلك والفلك واحد كذا في الأصل ولبعضهم الفلك واحد أي جمعا ومفردا وقال أبو حاتم السجستاني الفلك أي بالضم والسكون في القرآن واحدة والجمع والمؤنث والمذكر بلفظ واحد ولا نعلم أحدا جمعه كذا قال وجمعه غيره على أفلاك وأما الفلك بحركتين فهو ما دون السماء ركبت فيه النجوم
قاله الخليل قوله: "فلك" أي كسرك قوله: "بهن فلول" أي ثلم ومنه فلها يوم بدر وقوله: "أي فل مثل قوله: "يا فلان" أو هو ترخيمة قوله: "فلوه" أي مهره قوله: "فلت رأسه" وقوله: "تفلي رأسه" أي أخذت منه القمل
"فصل ف م" قوله: "فم" مثلث الفاء بإثبات الميم وحذفها وتضعيفها والعاشرة أتباع فائه لميمه وأفصحها فتح الفاء مع النقص
"فصل ف ن" قوله: "بفناء داره" أي ساحتها وكذا قوله: "بفناء الكعبة وفناء المسجد قوله: "أفنان" أي أغصان قوله: "تفندون" أي تجهلون
"فصل ف ه" قوله: "فهد" أي جلس جلوس الفهد والفهد معروف بكثرة النوم وقيل معناه وثب وثوب الفهد وهو موصوف أيضا بسرعة الوثوب قوله: "بفهر" بكسر أوله أي حجر
"فصل ف و" قوله: "من تفاوت" أي تخالف قوله: "فوجا فوجا" أي جمعا بعد جمع قوله: "من فور حيضتها" أي ابتدائها قوله: "من فورهم" أي من غضبهم وقيل من ساعتهم قوله: "بمفازتهم مأخوذ من الفوز وهو النجاة وسميت المفازة بها تفاؤلا قوله: "فوضت أمري إليك" أي صرفته قوله: {مَا لَهَا مِنْ فَوَاق} قال مجاهد من رجوع وقيل من راحة قوله: "الفاقة" هي الفقر قوله: "أتفوقه تفوقا" مأخوذ من فواق الناقة لأنها تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب قوله: "الفوم" قال مجاهد هي الحبوب وقيل الثوم والفاء قد تبدل ثاد مثلثة قوله: "فاه" تقدم في ف م وجمع الفم أفواه لأن أصله فوه كثوب وأثواب
"فصل ف ي" قوله: "يتفيأ" قال ابن عباس رضي الله عنه يتهيأ أو يتميل وقال غيره مأخوذ من الفيء وهو ظل الشمس ومنه فيء التلول والفيء الغنيمة ومنه يستفيء سهماننا ومنه أول ما يفيء الله علينا قوله: "تفيئها الريح" أي تميلها قوله: "فئة" أي جماعة وقوله: "فئتين" أي جماعتين قوله: "فئام" أي جماعة قوله: "من فيح جهنم" أي وهجها ويروي من فوح جهنم قوله: "ثم يفيض الماء" أي يصبه ومنه يفيض المال وقوله: "أفاض من عرفة" أي أخذ منها إلي مني قوله: {إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} أي يرجعون قوله: "الفيول" جمع فيل وهو الدابة المعروفة قوله: "في في امرأتك" أي فمها
حرف القاف[/COLOR[COLOR="red"]]"فصل ق ب" قوله: "قباء" مكان معروف بالمدينة بضم أوله والمد وحكى تثليثه والقصر والتنوين وعكسه قوله: "وعليه قباء" بفتح أوله ممدود هو جنس من الثياب ضيق من لباس العجم معروف والجمع أقبية قوله: "قبة" أي خيمة وقوله: "تركية" نسبة إلي الترك الجيل المعروف ويقال قبوت الشيء أي رفعته قوله: "أقول فلا أقبح" أي لا يرد قولي والقبح الإبعاد قوله: { مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} أي المهلكين وقيل المبعدين قوله: "المقبرة" مثلث الموحدة وكسرها نادر قوله: "قبس" أي شعلة من نار قوله: "قبل بيت المقدس" أي جهته قوله: "العذاب قبلا" قال في الأصل قبلا وقبلا وقبلا الأول بكسر ثم فتح والثاني بضمتين والثالث بفتحتين فالأول معناه معاينة أو مقابلة والثاني مثله وقيل جمع قبيل والمعنى أنها ضروب للعذاب كل ضرب منها قبيل والثالث قيل معناه استئنافا قوله: "قبيله" أي جيله الذي هو منهم قوله: "لا قبل لي" أي لا طاقة قوله: "لها قبالان" أي شراكان قوله: "قبلت الماء" أي أقرته فيها قوله: "القبيل في السلف" أي الكفيل قوله: "القبول" بفتح أوله أي الرضا قوله: "اقبال الجداول" أي وقت سيلها
"فصل ق ت" قوله: "حملها على قتب" هو للجمل كالسرج للفرس وجمعه أقتاب وأما قوله: "تندلق أقتابه" فالمراد الأمعاء وهي جمع قتب بكسر أوله وسكون ثانيه ويقال ذلك للصغير من آلة الجمل قوله: "لا يدخل الجنة قتات" أي نمام قوله: "حمل قت" هو ما تأكل الدواب من الشيء اليابس قوله: "الإقتار" أي الإملاق والافتقار قوله: "قترة الجيش" أي الغبرة وكذا قوله: "على وجهة قترة" قوله: { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} أي لعن الكذابون ومنه قتل الإنسان ومنه قوله: "قاتل الله فلانا" ويطلق القتل والقتال على المخاصمة مبالغة
"فصل ق ث" قوله: "القثاء هو المأكول المعروف وحكي ضم أوله والهمزة فيه أصلية
"فصل ق ح" قوله: "اقتحم المكان" أي دخله واقتحم عن بعيره أي نزل عنه قوله: "أقحط" أي جامع ولم ينزل والقحط ضد الخصب معروف
"فصل ق د" قوله: "القدح" هو السهم الذي لا ريش فيه كانوا يتفاءلون به وجمعه قداح قوله: "فقده" أي قطعه قوله: "موضع قدة" أي قطعة قوله: "قديد" بضم أوله مصغر موضع معروف بين مكة والمدينة قوله: "فاقدروا له" أي احتاطوا لقدره وقد فسر في الرواية الأخرى وأكملوا العدة قوله: "ليلة القدر" أي ذات القدر العظيم ويطلق عليها ذلك لشرفها قوله: "فوجدوا قميص عبد الله يقدر عليه" أي قدره سواء قوله: "على قدر" أي على موعد قاله مجاهد قوله: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} أي يوسع ويضيق قوله: "المقدس" قال ابن عباس رضي الله عنه المبارك والقدس اسم البلد والمسجد قوله: "روح القدس" أي جبريل قوله: "القادسية بلد معروف بالعراق قوله: "لك من القدم" بفتحتين أي السبق قوله: "قدم صدق" قال مجاهد خير وقال زيد بن أسلم محمد صلى الله عليه وسلم وقيل غير ذلك قوله: "برز القدمية" بضم القاف وفتح الدال يقال لمن يتقدم في الشر والخير وقيل المراد أنه طلب معالي الأمور قوله: "قدوم ضأن" بالتخفيف اسم موضع وصوابه فتح القاف وضمه بعضهم قوله: "اختتن بالقدوم" رواية شعيب عن أبي الزناد مخففة وغيره بالتشديد وقيل بالتخفيف الموضع وبالتشديد الآلة وفي قصة الخضر فأخذ القدوم ورويت أيضا بالتخفيف وقيل لا يقال في الالة إلا بالتخفيف قوله: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ} أي لا تفتاتوا عليه قوله: "قد بيده" أمر بالقود ومنه قوله: "تقتدى
"فصل ق ذ" قوله: "إلى قذذه" بضم القاف أي ريش السهم قوله: "قد قذرني الناس وقوله تقذرا وقوله القذر" معروف كله وهو بالمعجمة قوله: "يقذف في قلوبكما" أي يرمي والمراد وسوسة الشيطان قوله: "قذف امرأة" أي رماها بالزنا ومنه قذف المحصنات قوله: "يقذف في النار" أي يرمي ومنه ويقذفون من كل جانب دحورا وقوله: "يقذفن في ثوب بلال" أي يرمين

قوله: "فيتقذف عليه نساء قريش" أي يترامون عليه قوله: "فقذفتها" أي فألقيتها قاله مجاهد قوله: "القذى" أي التراب ونحوه في العين
"فصل ق ر" قوله: "يقرأ السلام" بفتح أوله والهمزة من القراءة وقوله: "يقرؤك السلام بضم أوله من الإقراء يقال أقرئ فلانا السلام وأقرأ عليه السلام كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويرده قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أي قراءته وقد تكرر ذكر القراءة والإقراء والقاريء والقرآن والأصل في هذه الكلمة الجمع وكل شيء جمعته فقد قرأته وسمي القرآن بذلك لأنه جمع القصص والأحكام وغير ذلك وهو مصدر كالغفران والكفران ويطلق على الصلاة لكونها فيها قراءة من تسمية الشيء باسم بعضه وعلى القراءة نفسها كما مضى وقد يحذف الهمز تخفيفا وقوله: "استقرءوا القرآن من أربعة" أي اسألوهم أن يقرؤوكم قوله: "إلا تدعني أستقرى لك الحديث" أي أتتبعه وآتى به شيئا فشيئا قوله: "أيام أقرائك" جمع قرء بالضم والفتح وقد تكرر ويجمع على قروء أيضا وهو الطهر من الحيض وقيل هو الحيض وقال معمر وهو أبو عبيدة اللغوي يقال أقرأت المرأة إذا دنا حيضها وأقرأت إذا دنا طهرها وأطلق غيره أنه من الأضداد ويدل على ذلك قوله: "صلى الله عليه وسلم دعي الصلاة أيام إقرائك" أي أيام حيضتك وقوله: "من قرء إلى قرء" أي طهر إلى طهر فاستعمل مشتركا والتحقيق أنه انتقال من حال إلى حال وقيل الوقت وقيل الجمع وقوله: "وقال معمر يقال ما قرأت سلمى إذا لم تجمع ولدا في بطنها وقال غيره ما قرأت الناقة جنينا أي لم تشتمل عليه وهذا مصير منه إلى أن معناه الجمع قوله: {يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ} أي ذا قرابة قوله: "يقرب في المشي" أي يسرع قال الأصمعي التقريب أن ترفع الفرس يديها معا وتضعهما معا قوله: "القراب بما فيه" قراب السيف وغيره وعاؤه قوله: "سددوا وقاربوا" أي لا تغلوا ولا تقصروا وأقربوا من الصواب قوله: "إذا قرب الزمان لم تكد روياء المؤمن تكذب" قيل المراد اقتراب الساعة وقيل المراد استواء الليل والنهار وقوله: "يتقارب الزمان وتكثر الفتن" قيل المراد قصر الأعمار وقيل قصر الليل والنهار ويؤيده أن في الحديث الآخر يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر وقيل استواء الناس في الجهل قوله: "أقرب السفينة" جمع قارب علي غير قياس وهي معابر صغار قوله: "لأقربن لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي لأرينكم ما يشبهها ويقرب منها قوله: "وكانوا إلي على قريبا" أي رجعوا إلى مقاربته حين بايع أبا بكر بعد نفورهم منه قوله: "شيطانك قربك" بكسر الراء يقال قربه بالكسر يقربه بالفتح في المستقبل فإذا لم يكن هناك تعدية قلت قرب بالضم قوله: {مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} أي ألم الجراح ويطلق أيضا على الجراح والقروح الخارجة في الجسد ومنه إن يمسسكم قرح وقوله: "قرحت أشداقنا بكسر الراء" أي أصابتها القروح قوله: "غزوة ذي قرد" بفتحتين أوله قاف ويروي بضمتين حكاه البلاذري وقال إن الصواب الفتح فيهما قوله: "يقرد بعيره" أي يزيل عنه القراد قوله: "قرت عين أم إبراهيم" أي حصل لها السرور كأن عين الحزين مضطربة وعين المسرور ساكنة وقيل قرت أي نامت وقيل هو من القر بالضم وهو البرد لأن دمعة المسرور باردة ودمعة الحزين حارة ولذا يقال في الشتم سخنت عينه وقول امرأة أبي بكر لا وقره عيني أقسمت بالشيء الذي يقر عينها وقيل أرادت بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "يقر في صدري" أي يثبت ويروي يقرأ من القراءة ويروي يغرى بالغين المعجمة أي يلصق بالغراء قوله: "يتقرى حجر نسائه" أي يتتبعهن قوله: "فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة" أي يثبتها والمراد بقر الدجاجة صوتها وأما الرواية الأخرى فيقرقرها قرقرة الدجاجة فالمعنى يرددها ترديد صوت الدجاجة ويروى الزجاجة بالزاي وهو كناية عن استقرارها فيها وقال ابن الأعرابي يقال قررت الكلام في الأذن إذا وضعت فمك عند المخاطبة عند الصماخ وتقول قر الخبر في الأذن يقره قرا إذا أودعه قوله: "في الإفك يقره" بضم أوله والتشديد أي لا ينكره وأما أقر بالشيء فمعناه صدق به قوله: "تقرصه بالماء" بالصاد المهملة أي تمعكه بأطراف أصابعها قوله: "قرضه" بالمعجمة أي قطعه بالمقراض قوله: "تقرضهم قال مجاهد تتركهم وقال غيره تعدل عنهم وهو نحوه وقوله: "القرض" بفتح القاف هو السلف والقراض المضاربة وهو أن يجعل للعامل جزء من الربح قوله: "تلقى القرط" أي ما تحلى به الأذان قوله: "قيراط من الأجر" أي جزء من أربعة وعشرين جزأ قوله: "على قراريط لأهل مكة" قيل هو موضع وقيل جمع قيراط وبه جزم سويد بن سعيد فيما حكاه عنه بن ماجة قال معناه كل شاة بقيراط قوله: "مقروظ" أي مدبوغ بالقرظ وهو معروف قوله: "أقرع بين نسائه واقترعوا وكانت قرعة واقتسم المهاجرون قرعة" هي رمي السهام على الخطوط وصفته أن يكتب الأسماء في أشياء ويخرجها أجنبي فمن خرج اسمه استحق قوله: "قرع نعالهم" أي صوت خفقها بالأرض قوله: "حتى قرع العظم" أي ضرب فيه قوله: "لنقرعن بها أبا هريرة" أي لنرد عنه والتقريع يطلق على التوبيخ ويحتمل أن يكون من أقرعته إذا قهرته بكلامك قوله: "من قراع الكتائب" أي قتال الجيوش وأصله وقع السيوف قوله: "اقترفت ذنبا" أي اكتسبت وقارفت ذنبا أي خالطت ومنه من لم يقارف الليلة أي يكتسب وقيل المراد هنا الجماع قوله: "القرفصى" هو الاحتباء باليد وقيل هي جلسة المستوفز قوله: "قرام لعائشة" أي ستر وهو بكسر القاف قوله: "قرنى" أي أصحابي واختلف السلف في تعيين مدة القرن فقيل مائة سنة وهو الأشهر وحكى الحربي الاختلاف فيه من عشرة إلى مائة وعشرين ثم قال عندي أن القرن كل أمة هلكت فلم يبق منها أحد قوله: "قرن الشيطان وبين قرني الشيطان" قيل أمته وقيل تسلطه وقيل جانبا رأسه وأنه حينئذ يتحرك ويدل عليه قوله: "فإذا ارتفعت فارقها وإذا استوت قارنها" قوله: "فليطلع لنا قرنه" أي فليظهر لنا رأسه وهو كناية عن عدم الاختفاء بالكلام قوله: "يغتسل بين القرنين" أي جانبي البئر وهما الدعامتان أو الخشبتان اللتان تمتد عليهما الخشبة التي تعلق فيها البكرة قوله: "بكبش أقرن" الأقرن من الكباش الذي له قرن ومن الناس الذي التقت حاجباه قوله: "ثلاثة قرون" أي ضفائر قوله: "قرن الثعالب" وقرن المنازل ومهل أهل نجد قرن كلها بسكون الراء وأصله جبيل صغير منفرد مستطيل من الجبل الكبير ثم سميت به أماكن مخصوصة قوله: "قرينتها في كتاب الله" أي نظيرتها ومنه خذ هاتين القرينتين وقوله: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} قيل المراد الشياطين وهو جمع قرين ومنه قوله: "فهو له قرين" وهو الشيطان الذي وكل به وقوله: {أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} أي يمشون معا قوله: "بئسما عودتم أقرانكم وحتى تقتل أقرانها" هذا جمع قرن بكسر القاف وهو الذي يناظره في بطش أو شدة وكذا في العلم وأما في السن فبالفتح والقرآن في الحج جمعه مع العمرة ويقال منه قرن ولا يقال أقرن وكذلك قران التمر وهو جمع التمرتين في لقمة ووقع في أكثر الروايات نهى عن الإقران وصوابه التمر القران وقوله: "وما كنا له مقرنين" أي مطيقين وقيل ضابطين يقال فلان مقرن لفلان ضابط له

"فصل ق ز" قوله: "وما نرى في السماء من قزعة" أي سحابة والقزع في الأصل السحاب المتفرق الرقيق قوله: "نهى عن القزع" قال عبد الله راويه هو أن يحلق رأس الصبي ويترك له ههنا وههنا شعر وههنا يعني في جوانب الرأس وأصله من الذي قبله
"فصل ق س" قوله: { فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} قيل هو أصوات الناس واختلاطهم وكل شديد قسورة وقال أبو هريرة القسورة الأسد قوله: "القسى" قال أبو بردة عن على هي ثياب مضلعة بالحرير فيها أمثال الأترج وقال غيره كانت تعمل بالس من ديار مصر فنسبت إليها قوله: "القسط الهندي" بضم القاف نوع مما يتبخر به من العود قوله: "القسطاس" قيل هو العدل بالرومية حكاه عن مجاهد وقال غيره هو أقوم الموازين وليس بعربى وقيل القسط مصدر المقسط وهو العادل وأما القاسط فمعناه الجائر كذا في الأصل وفيه نظر ووجوه بتأويل وقوله: "يخفض القسط ويرفعه" قيل المراد الرزق وقيل الميزان وقيل النصيب قوله: "أجر القسام" هو فعال من القسم بفتح القاف وهو تمييز النصيب والاسم القسامة بالضم والتخفيف والقسامة بالفتح هي الأيمان في الدماء قوله: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ} ذكره في المائدة وهو الضرب بالسهام لإخراج ما قسم الله لهم من أمر قوله: {عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ} أي الذين حلفوا أن لا يتركوا الشرك وقوله: {لا أُقْسِمُ} أي أقسم ويقرأ لا قسم وقوله: {تَقَاسَمُوا} أي تحالفوا وقاسمهما" أي حلف لهما قوله: "لو أقسم على الله لأبره" قيل لو دعا لأجابه وقيل على ظاهره
"فصل ق ش" قوله: "قشبني ريحها" أي ملأ خياشيمي والقشب الشم ويطلق على الإصابة بكل مكروه قوله: "تقشع السحاب" أي تفرق قوله: "قشام " بضم القاف والتخفيف هو أكال يقع في التمر وقيل هو أن يتساقط وهو يسر قيل أن يصير بلحا
"فصل ق ص" قوله: "من قصب" أي من لؤلؤ مجوف قوله: "يجر قصبه" بضم القاف وسكون الصاد أي أمعاءه وسمي الجزار قصابا من التقصيب وهو التقطيع تقول قصبت الشاة أي قطعتها أعضاء قوله: "قصد السبيل" أي وسطه وأعدله ومنه عليكم بالقصد أي الاستقامة قوله: "قصرت الضلاة" أي نقصت عن الإتمام ومنه تقصير الصلاة والتقصير في السفر أي جعل الرباعية اثنتين والتقصير في النسك قطع طرف بعض شعر الرأس وقوله: "اقتصروا عن قواعد إبراهيم" أي نقصوا يقال اقصر عنه إذا تركه عن قدره وقصر عنه إذا تركه عن عجز ويقال اقتصر عليه إذا لم يطلب سواه وقوله: "قصرت الدعوة عليهم" أي خصت بهم قوله: "قصرت بهم النفقة" أي ضاقت عليهم وقوله: "فاقصر الخطبة" أي قللها وقوله: "قيصر هو لقب من يملك الروم قوله: {بِشَرَرٍ} قال ابن عباس يرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أي بقدر ثلاثة أذرع قوله: "قصر بني خلف" هو بالبصرة والمراد بهم أولاد طلحة الطلحات قوله: {مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} أي محبوسات قاصرات لا يبغين غير أزواجهن قوله: "قصيه" أي اتبعي أثره ومنه على آثارهما قصصا قوله: "قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي حدثه بها تامة وقوله: "لا تسجد لسجود القاص" أي المذكر الواعظ قوله: "قاصة في الدين" أي حاسبه ومنه يتقاصون مظالم كانت بينهم ومنه القصاص لأنه يأخذ منه حقه وقيل من القطع لأن أصله في الجرح يقطع كما قطع قوله: "القصمة البيضاء" بفتح القاف كناية عن النقاء والمراد به ماء أبيض يخرج آخر الحيض عند انقطاعه كالخيط الأبيض وقيل هو خروج ما تحتشى به أبيض كالقصة وهي لجص ومنه بناه بالحجارة المنقوشة والقصة قوله: "تناول قصة من شعر " بضم القاف ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس سمي بذلك لأنه يقص والقص ما في وسط الصدر من شعر وقيل المشاش المغروزة فيه أطراف الأضلاع قوله: "القصعة هي الإناد يكون من خشب قوله: "فقصعته" أي فركته بظفرها وقوله: "فأقصعته يأتي في ق ع قوله: "قاصفا يقصف كل شيء" أي يرميه وقوله: "فتقصف عليه النساء" أي يزدحمن قوله: "حتى يقصمها الله" أي يكسرها ويستعمل في الإهلاك وقول عائشة فقصمته بكسر الصاد أي شققته ويروى بالضاد المعجمة أي قطعته
"فصل ق ض" قوله: "بقضيب" أي بسيف رقيق أو بعود قوله: "يريد أن ينفض" أي يتصدع من غير أن يسقط وقوله: "لو أن أحدا انقض لما فعل بعثمان" أي أنهار وتصدع وتفرق قوله: "يقضمها كما يقضم الفحل" أي يقطعها ومنه فقضمته قوله: "أحسنكم قضاء" أي وفاء قوله: "تقاضى بن أبي حدرد" أي طلب منه وفاء دينه قوله: "قضى" أي مات قوله: "عمرة القضاء أو القضية" أي ما في الكتاب الذي اصطلحوا عليه بالحديبية ويحتمل أنها سميت بذلك لكونهم اعتمروا بعدها فكأنها عوض عنها وإن لم تجب وأما قوله: "لا يعدل في القضية فمعناه الحكومة قوله: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ} أي أمرناهم ويأتي القضاء على وجوه بمعني الأمر والحكم والخلق ومنه فقضاهن سبع سماوات أي خلقهن كذا في الأصل ويأتي القضاء بمعنى الأجر والوفاء ومنه قضى دينه وبمعنى صنع ومنه فاقض ما أنت قاض والفراغ ومنه فلما قضي صلاته وبمعنى الإتمام ومنه قضى أجلا والقتل ومنه فوكزه موسى فقضى عليه وبمعنى الإحصاء والتقدير وبمعنى الإعلام ومنه وقضينا إلى بني إسرائيل
"فصل ق ط" قوله: "درع قطر بكسر أوله هو ضرب من ثياب اليمن فيه حمرة قوله: {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} أي أصب عليه رصاصا ويقال الحديد ويقال الصفر ويقال النحاس قاله بن عباس قوله: {مِنْ أَقْطَارِهَا} جوانبها وأحدها قطر بضم أوله ثم سكون قوله: "قطر الدم" أي انسكب ومنه وذكرنا أحدنا يقطر قوله: " {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} أي نصيبنا وقيل عذابنا وقيل القط الصحيفة وهي صحيفة الحسنات قوله: "جعدا قططا" هو الشديد الجعودة كالسودان قوله: "قط هو" بالتشديد إذا كانت ظرفا وقد تخفف والقاف مفتوحة على الأشهر وحكي ضمها وقيل إذا كانت بمعنى حسب فالطاء ساكنة جزما وفي وصف جهنم فتقول قط قط بسكون الطاء وبكسرها وفي رواية قطني قطني بزيادة نون وكله بمعنى حسبي وبمعنى التقليل1 قوله: "يقطع من دونها السراب" أي أسرعت حتى أن السراب يرى من دونها وينقطع قوله: {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} أي سواد وقوله: "ليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر" قيل هو من قولهم منقطع القرين وقيل معناه ليس فيكم سابق إلى الخيرات مثله مأخوذ من سبق الجواد يقال للفرس إذا سبق تقطعت أعناق الخيل فلم تلحقه قوله: "يقتطع" أي يسلب قوله: "قطعوا لي قميصا" أي فصلوه ثم خاطوه قوله: "تقطعوا" أي اختلفوا قوله: "أربعة آلاف مقطعة" أي منجمة قوله: "ان يقطع بعثا قطعة" أي يفرد قوما للغزو ومنه قطع بعث كذا وأما قوله: "أن نقتطع دونك" فمعناه أن يمنعنا العدو من اللحاق بك قوله: "القطائع هو تسويغ الإمام شيئا لمن يراه أهلا قوله: "أن يقطع لهم البحرين" أي يخصهم
ـــــــ
1 قوله "وبمعنى التقليل" كذا في نسخة، وفي أخرى "بمعنى التوكيد"، وعبارة ابن الأثير "وتكرارها للتأكيد"

بجزيتها وأما قوله: "الأرض التي أقطعها الزبير" فالمراد بها التي أفردت له من الموات فأحياها قوله: "على قطيع من الغنم" أي طائفة منها قوله: "قطيفة" هي الكساء ذات الخمل قوله: "قطفا من العنب" بكسرأوله من العنقود قوله: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} أي يقطفون كيف شاءوا قوله: "جمل يقطف" أو به قطاف هو المتقارب الخطو بسرعة وهو من عيوب الدواب قوله: "من قطمير هي لفافة النواة
"فصل ق ع" قوله: "قعب هو إناء من خشب مدور قوله: "مقعد صدق" أي مستقر قوله: "قعد لها على مال لم يسم فاعله أي أجلس أو احتبس لها قوله: "قعود بفتح أوله ما اقتعد للركوب وأمكن ركوبه يقال ذلك للذكر والأنثى لكن للأنثى قعودة بزيادة هاء قوله: "عند القعدة" أي الجلسة في الصلاة وهي بالفتح قوله: "القواعد" أي الأساس واحدتها قاعدة والقواعد من النساء واحدتها قاعد قوله: "من قعر حجرتها هي داخلها من السفل قوله: "كقعاص الغنم هو داء يسرع إهلاكها قوله: "فأقعصته" أي قتلته ويروي أقصعته أي شدخته والقصع شدخ الشيء بين الظفرين قوله: "تقعقع" أي تتحرك وتضطرب بصوت ومنه قعقة السلاح قوله: "نهى عن الإقعاء هو إن يلصق إليته بالأرض وينصب ساقية ويداه بالأرض وهكذا المكروه ويطلق على الجلوس على وركيه وهذا ورد أنه فعل في الجلوس بين السجدتين مثله
"فصل ق ف" قوله: "كل قفار كذا روي والأشهر بتقديم الفاء كما تقدم قوله: "يقتفر الصيد" أي يطلبه في الأرض الفقر وهي الأرض الخالية قوله: "عن القفازين " بضم القاف هو ما تلبسه المرأة في اليد ليسترها قوله: "قف البئر " بضم أوله وهو البناء الذي حوله قوله: "قف شعري" أي انقبض وانجمع من إنكار ما قلت والقفوف القشعريرة من البرد وشبهه قوله: "حين قفل الجيش وإنا قافلون أصله الرجوع ومنه مقفلة من خيبر ولا تسمى قافلة إلا إذا رجعت وقد يطلق في الابتداء عليها تفاؤلا قوله: "المقفى" أي جئت في أثر الأنبياء أخيرا والذي يقفوا لشيء يتبع أثره
"فصل ق ل" قوله: "تلقى القلب" بضم القافالسوار قوله: "ما به قلبة" أي داء من القلاب بضم أوله مخففا قوله: "في تقلبهم" أي اختلافهم قوله: "فقام يقلبها" بفتح أوله أي يصرفها إلى بيتها ويرجعها إليه يقال قلبته فانقلب هو ومنه فلم أنقلب إلى أهلي وينقلبون قوله: "القليب" البئر وقيل يختص بغير المطوية قوله: "قلات السيل جمع قلت بالفتح هي الحفرة التي يجتمع فيها الماء قوله: "القلادة والقلائد" هو ما يعلق في العنق والمقاليد والأقاليد المفاتيح قوله: "قلص دمعي" أي انقبض وارتفع وقوله: "وتقلصت عليه" أي انقبضت وانضمت قوله: "ثلاثة عشر قلوصا" القلوص بالفتح في الواحد والجمع قلاص بالكسر وقلائص وهي فتيات النوق قوله: "أقلعي" أي أمسكي قوله: "أقلع عنها" أي كف والقلع بكسر أوله شراع السفينة قوله: "الأقلف الذي لم يختتن قوله: "يقلقل" أي يحرك بصوت شديد قوله: "تلال هجر" أي الجرار قوله: "فذهب يقله" أي يرفعه قوله: "يقلم أظفاره" أي يقصها قوله: "القلنسوة" بفتح أوله وضم السين وبالواو وقال ابن دريد أراه مشتقا من قلس الرجل إذا غطاه وستره والنون زائدة وفيها سبع لغات قلنسوة وبياء بدل الواو وقلساة بغير نون وقليسنة بعد اللام تحتانية ثم سين مكسورة ثم نون وبتحتانية بدل النون وقلينيسة بعد اللام تحتانية ساكنة ثم نون مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم سين مهملة قوله: "وما قلى" أي أبغض ومنه وإن قلوبنا لتقليهم أي تبغضهم وفي رواية لتلعنهم
"فصل ق م" قوله: "أشرب فأتقمح" أي أشرب حتي أروى أو زيادة على ذلك والتقمح في الشرب كالزيادة في الشبع من الأكل وروي اتقنح بالنون قال البخاري بالميم أصح قوله: "تعال أقامرك" القمار معروف وهو جعل شيء لمن يغلب مطلقا في أي شيء كان قوله: "القمطرير" أي الشديد يقال قمطرير وقماطر العبوس أشد ما يكون وقال الأزهري القمطرير المنقبض ما بين العينين قوله: "فينقمعن منه" أي يتغيبن ويدخلن البيت قوله: "في القمقم" أي ما يسخن فيه الماء من نحاس وغيره قوله: "القمل" الحمنان الصغار قوله: "يقم البيت" أي يكنسه
"فصل ق ن" قوله: "قنأ لونها" بالهمز أي اشتدت حمرتها يقال أحمر قاني أي شديد الحمرة قوله: "قنت شهرا" أي دعا والقنوت يطلق على الدعاء والقيام والخضوع والسكون والسكوت والطاعة والصلاة والخشوع والعبادة وطول القيام قال ابن الأنباري يحمل كل ما يرد منها في الحديث على ما يقتضيه سياقه ومنه وقوموا لله قانتين وقال ابن مسعود القانت المطيع قوله: "أتقنح" تقدم في أتقمح قوله: "قنطرة" معروفة والجمع قناطر وإثبات الياء فيها غلط فذاك جمع قنطار واختلف النقل في قدره فالأكثر أنه مائة رطل وقيل الجملة الكثيرة من المال ملء جلد ثور من الذهب وقيل أربعة آلاف دينار ورجحه ثعلب وقال إذا قالوا قناطير مقنطرة فهي اثنا عشر ألف دينار وقيل هو ألف ومائتا أوقية وقيل أربعون أوقية ذهبا وقيل ألف ومائتا دينار وقيل هو مائة من أو مائة مثقال أو مائة درهم وقيل سبعون ألف دينار وقيل ثمانون ألف دينار ولعل هذين الأخيرين في القناطير المقنطرة قوله: "يتقنع وتقنع بردائه" أي غطى رأسه ومقنع بالحديد أي مغطى رأسه به قوله: "قنع بقوله" قوله: "أي اكتفى قوله: {مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ} أي رافعي رءوسهم أي ينظرون في ذل قوله: "القنو" قال هو العذق والإثنان كالجمع قنوان مثل صنو وصنوان قوله: "اقتنى" أي اكتسب شيئا فأبقاه عنده قوله: "وادى قناة هو واد من أودية المدينة عليه حرث ومال
"فصل ق ه" قوله: "قهرمانه" أي القائم بأموره قوله: "القهقري وقوله: "تقهقر هو الرجوع إلى خلف
"فصل ق و" قوله: {قَابَ قَوْسَيْنِ} أي قدر قوسين قوله: "أقاد بها الخلفاء وقوله إما أن يقاد" القود قتل القاتل بمن قتله وأصله أنهم كانون يدفعون القاتل لولي المقتول فيقوده بحبل ومنه يقيدني قوله: "يقودني" أي يجرني وقوله: "قد بيده" أمر بالقود قوله: "فاستقاد لأمر الله" أي أذعن قوله: "القوارير" قال أبو قلابة يعني النساء شبههن لضعفهن بالزجاج قوله: "فقوض" أي أزيل قوله: "ففشت تلك المقالة" أي المقول ويحتمل أن تكون الفعلة ويحتمل أن يكون بمعنى القائلة أي الجماعة القائلة وقد يطلق القول موضع الفعل ومنه في قصة الخضر فقال بيده فأقامه أي أشار بيده وقوله: "فقال بيده هكذا في الوضوء" أي نفضها وقوله: "البر تقولون بهن" أي تظنون قوله: "تقاولت به الأنصار" أي تهاجوا وقوله: "تقاولنا" أي تشاتمنا وقوله: "تقول" بالتشديد أي كذب قوله: "يؤم القوم هم الجماعة من الرجال على الصحيح


"فصل ق ي" قوله: "القاحة" بمهملة خفيفة واد على ثلاث مراحل قبل السقيا قوله: "قيد شبر وقيد سوط" أي قدره قوله: "المقير"هو بمعنى المزفت والمقير المطلي بالقار وهو القير قوله: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} أي سلطنا أو وكلنا قوله: "فأجلسني في قاع وقوله: "قاعا يعلوه الماء" وقوله: "إنما هي قيعان" وقوله: "بقاع قرقر" القاع المستوى الصلب الواسع من الأرض قوله: "وهو قائل السقيا" أي نازل للقائلة بالسقيا ومنه ولم يقل عندي ومنه قائلة الضحى والاسم المقيل قوله: "قيلت الماء" قيل القيل شرب وسط النهار قوله: "أنت قيام السماوات والأرض" بتشديد الياء والقيام والقيوم القائم بالأمر وكذلك القيم ويوم القيامة سميت بذلك لقيام الناس فيها وإقامة الصلاة إتمامها والإقامة في الصلاة معروفة قوله: "لقينهم" أي الصائغ وقوله: "قينه" أي جارية تغني وقوله: "تقين" أي تمشط وتزين وتجلي على زوجها قوله: {وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ} أي السائرين في القي وهو القفر والأرض الملساء والأرض القفر الخالية وأقوت الدار خلت من أهلها


حرف الكاف
"فصل ك ا" قوله: "كآبه" أي حزن
"فصل ك ب" قوله: "كبه الله" أي ألقاه يقال في اللازم أكب وفي المتعدى كب تقول أكب عليه ومنه أكببنا على الغنائم وقد تكلم عليه المصنف قوله: "كبت الكافر" أي صرعه أو خيبه أو أذله أو آخزاه ومنه كبتوا أي أخزوا قوله: "الكباث" بفتحتين مخففا هو ثمر الأراك وقيل ورقه وغلط قائله قوله: "ونحن ننقل التراب على أكبادنا" كذا في غزوة الخندق بغير خلاف وهو استعارة ويروي في غير هذا الموضع بالتاء الفوقانية والكتد مجمع العنق والصلب ويؤيده رواية مسلم أكتافنا قوله: {فِي كَبَدٍ} أي في شدة خلق وقيل الذي يكابد أموره وقيل خلق منتصبا غير منحن قوله: "في حفر الخندق فعرضت لنا كبدة" بكسرالموحدة في رواية القابس والأصيلي وغيرهما أي قطعة من الأرض يشق حفرها لصلابتها ويروي بالنون يعني مكسورة وبالمثناة الفوقية قال القاضي ولا أعرف معناهما وبالياء التحتانية وبتقديم الدال عليها أيضا قوله: "كبد الحوت هو العضو المعروف من كل حيوان قوله: "الله أكبر" قيل معناه الكبير وقيل أكبر من كل شيء فحذف لوضوح المعني قوله: "واشتد وعظم ذلك وكبره" بضم الكاف وبكسرها أيضا ومنه والذي تولي كبره أي معظمه وقيل المراد الإثم الكبير من الكبيرة كالخطء من الخطيئة قوله: "كبر كبر" أي قدم الكبير السن وقال يحيى القطان أي ليلي الكلام الأكبر وفي رواية الكبر الكبر أي قدم السن وفي رواية كبر الكبر أي قدم الأكبر قوله: "على ساعتي هذه من الكبر أي على حالتي من زيادة السن قوله: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ} أي الملك لأنه يلزم منه العظمة
"فصل ك ت" قوله: "أهل الكتاب" أي المنزل على أحد النبيين موسى أو عيسى قوله: "كتاب معلوم" أي أجل وكتاب الله القرآن وقد يطلق على ما أوجبه ك قوله: "لأقضين بينكما بكتاب الله ومنه وكتبنا عليهم وكتب عليكم القتال قوله: "كتائب وكتيبة" هي الجيوش المجتمعة التي لا تنتشر قوله: "المكتوبة" أي المفروضة قوله: "لأقضين بينكما بكتاب الله" أي بحكمه وكذا كتاب الله القصاص وأقم على كتاب الله وكتاب الله أحق قوله:
المكاتبة وكاتبوهم وكاتب يا سلمان أصله أن السيد يعتق عبدة على مال معلوم يؤديه إليه مقطعا فيكتب بذلك بينهما كتاب قوله: "علي أكتادنا" جمع كتد وهو جمع العنق والصلب وقد تقدم قوله: "ائتونى بكتف" أي جلد كتف الشاة ليكتب فيه قوله: "في مكتل هو الزنبيل والقفة قال ابن وهب المكتل يسع من خمسة عشرة صاعا إلى عشرين قوله: "بالحناء والكتم" هو نبات يصبغ به الشعر يقرب لونه من الدهمة
"فصل ك ث" قوله: "عنده كثيب" أي قطعه من الرمل مستطيلة تشبه الربوة من التراب والجمع كثب بضم المثلثة قوله: "إن أكثبوكم" أي قاربوكم قوله: "فحلب كثبة" بالضم وسكون المثلثة أي قليلا منه جمعه قوله: "من كثب" بفتحتين أي من قرب قوله: "كث اللحية" أي فيها كثافة واستدارة وليست طويلة قوله: "الكوثر" هو نهر صغر في الجنة وقيل القرآن وقيل النبوة وقيل فوعل من الكثرة ومعناه الخير الكثير قوله: "من سأل تكثرا" أي ليجمع الكثير بلا حاجة ومنه ومن ادعى دعوى ليتكثر بها
"فصل ك ح" قوله: "على الأكحل" قال الخليل هو عرق الحياة وقال أبو حاتم هو في اليد وقيل في كل عضو منه شعبة
"فصل ك خ" قوله: "كخ كخ" كلمة زجر للصبي عما يريد فعله يقال بفتح الكاف وكسرها وسكون الخاءين وكسرهما وبالتنوين مع الكسر وبغير التنوين قيل هي كلمة أعجمية عربتها العرب
"فصل ك د" قوله: "كداء بالمدينة" مفتوح الكاف وكدى بالقصر مضموم الكاف جبلان وقرب مكة الأعلى الممدود والأسفل المقصور ويقال في المقصور بصيغة التصغير والأصح أن الذي بصيغة التصغير موضع آخر من جهة اليمن قوله: "يكدحون" أي يكتسبون قوله: "ليس من كدك" أي تعبك قوله: "الكديد" بفتح الكاف هو ما بين عسفان وقديد على اثنين وأربعين ميلا من مكة قوله: "انكدرت" أي انتشرت قوله: "الكدرة" بالضملون يقرب من السواد قوله: "مكدوس" بالمهملة أي مطروح قوله: "يكدم الأرض" أي يعضها قوله: "أكدي" أي قطع عطاءه قوله: "كدية" أي قطعة غليظة
"فصل ك ذ" قوله: "فإن كذبني" بالتخفيف أي أخبرني بالكذب قوله: "أن أكون مكذبا" بالفتح أي يكذبني الناس ويروي بالكسر أي يكذب قولي عملي وقد يطلق الكذب على الخطأ قوله: "فكذاك وكذاك حتي أهل مكة من مكة الإشارة إلي من يسكن بين الميقات والحرم
"فصل ك ر" قوله: "وأكرب أباه" أي غمه ومنه فكرب لذلك قوله: "فكر الناس عنه" أي رجعوا قوله: "اية الكرسي " أي الله لا إله إلا هو الحي القيوم إلي قوله: "العلى العظيم قوله: "الكرسف " أي القطن قوله: "كرشى" بكسر الراء وبالشين المعجمة أي جماعتي وموضع ثقتي ويطلق الكرش على الجماعة من الناس قوله: "كرعنا " أي شربنا بأفواهنا قوله: "لو دعيت إلى كراع قيل المراد اسم مكان وهو كل أنف سائل من جبل أو حرة وقيل المراد العضو والجمع أكارع وهو لذوات الظلف خاصة قوله: "الدواب والكراع وقوله: "هلك الكراع هو اسم لجميع الخيل قوله: "تكركر حبات من شعير " أي تطحنها قوله: "يقاتلون خوزا وكرمان"أي أهلها وأحرم من كرمان هي بلد معروف من بلاد العجم بكسر الكاف وفتحها قوله: "الكرم" قيل سمت العرب شجرة الخمر كرما لأن الخمر كانت تحملهم على الكرم والكرم والكريم بمعنى وصف بالمصدر فنهى الشرع عن تسمية العنب كرما لأنه مدح لما حرم الله وقيل سميت كرما لكرم ثمرتها وظلها وكثرة حملها وطيبها وسهولة جناها قوله: "الكريم بن الكريم " أي الذي جمع كثرة الخير قوله: "كرائم أموالهم " أي نفائسها قوله: "قال لكريه " أي الذي اكتري منه قوله: "رجل كريه المرآة " أي قبيح المنظر قوله: "الكرى" مقصور النوم ويطلق على النعاس قوله: "الكراء" بالمد هو الأجرة
"فصل ك س" قوله: "تكسب المعدوم" أشهر الروايات فيه فتح أوله أي تكسيه لنفسك وكني عن العزيز الوجود بالمعدوم وقيل تكسيه غيرك يقال كسب مالا وكسب غيره مالا لازما ومتعديا وأجاز بن الأعرابي أكسب بالهمزة وأنكره القزاز ويدل على الجواز قوله: "فأكسبني مالا وأكسبته" حمدا قوله: "نهى عن كسب الإماء" هو أجورهن على البغاء قوله: "كست أظفار " أي قسط أظفار يقال بالكاف والقاف وبالطاء والتاء قوله: "فلم يكسره لهم " أي لم يمكنهم من أخذ جميع الحائط قوله: "كسع أنصاريا قال المصنف الكسع هو أن يضرب بيده على شيء أو برجله ويكون أيضا إذا رماه بسوء وقال الخليل أن يضرب بيده ورجله دبر إنسان قوله: "كسفت الشمس " أي ستر ضوءها قوله: "كسفا " أي قطعا قاله بن عباس قوله: "يكسل " بضم أوله من الرباعي وبفتحه من الثلاثي أي جامع فلم ينزل وأصل الكسل ترك العمل لعدم الإرداة فإن كان لعدم القدرة فهو العجز قوله: "كاسية في الدنيا " أي مكتسية
"فصل ك ش" قوله: "أنا لنكشر في وجوه قوم" بكسرالشين الكشر ظهور الأسنان عند التبسم قوله: "فيكشط السحاب " أي يفزق والكشط والقشط سواء يقال كشطت وقشطت قوله: "انكشفوا عنه " أي انهزموا
"فص قوله: "وهو كظيظ" بوزن عظيم أي ممتلئ يقال كظ الوادي أي امتلأ قوله: "كظامة قوم " أي سقاية أو كناسة ل ك ظ"قوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} أي الكاتمين" يقال كظم الغيظ أي احتمله وصبر عليه أي حبسه ومنه في التثاؤب فليكظم ما استطاع قوله: "مكظوم " أي مغموم
"فصل ك ع" قوله: "كواعب" جمع كاعب وهي الناهد قوله: "تكعكعت " أي نكصت أي رجعت وراءك
"فصل ك ف" قوله: "أكفاء تتكافأ دماؤهم " أي يتساوون في القصاص والكفء بالضم وبالكسر مع المد والقصر المثل قوله: "يتكفؤها الجبار " أي يقلبها ويميلها وقيل يضمها قوله: "فانكفأت إلى امرأتي " أي رجعت ومنه انكفأت إليهن قوله: "تكفأ" بتشديد الفاء أي تمايل إلى قدام قوله: "اكفتوا صبيانكم " أي ضموهم ومنه قوله: "ولا نكفت شعرا قوله: "كفاتا " أي ذات كفت أي ضم وجمع قوله: "يكفرن العشير " أي يجحدن إحسانه قوله: "كافور" هو الطيب المعروف ويطلق على الوعاء قال بعضهم وعاء كل شيء كافوره وكفراه ويقال العنب إذا خرج كافور وكفري قوله: "الكفري " بضم الكاف وفتح الفاء وبضمهما معا وتشديد الراء مقصورهو وعاء الطلع قاله الأصمعي ورجحه القالي وقال الخطابي هو الطلع بما فيه وقال الفراء هو الطلع حين ينشق ويؤيده قوله: في الحديث قشر الكفري قوله: "غير مكفي ولا مكفور " أي غير مجحود قوله: "كفارة اليمين" قال الراغب الكفارة ما يعطي الحانث في اليمن واستعملت في كفارة القتل والظهار وهي من التكفير وهو ستر الفعل وتغطيته فيصير بمنزلة ما لم يعلم قال ويصح أن يكون أصله إزالة الكفر نحو التمريض في إزالة المرض وأصل الكفر الستر وتكفر الرجل بالسلاح إذا استتر به قوله: "يتكففون الناس " أي يسألونهم ليعطوهم في الأكف قوله: "كفاف " أي سواء قوله: "كفة واحدة " أي ملء كفة من الماء قوله: "كفى رأسك " أي اجمعي أطرافه قوله: "فكف " أي ترك قوله: "كفيل " أي ضمين والجمع كفلاء ومنه الكفالة وتكفل الله وكفلهم عشائرهم قوله: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} أي ضمها ومنه فقال أكفلنيها أي ضمها إلى وكله بمعنى الضم وليس من كفالة الديون قوله: "كفل" أي نصيب وقال أبو موسى كفلين من رحمته أي أجرين بلسان الحبشة قوله: "الكفن هو ما يلبسه الميت
"فصل ك ل" قوله: "الكلأ" مهموز بغير مد هو المرعى رطبا ويابسا قوله: "كلاب وكلوب " أي خطاف والجمع كلاليب قوله: "عبس " أي كلح الكلح بفتح اللام تقلص الشفتين وقال في موضع آخر كالحون عابسون قوله: "أكلفوا" من العمل يقال كلفت بالشيء إذا أولعت به قوله: "تحمل الكل " أي من لا يقدر على العمل والكسب وقال المصنف الكل العيال وهو أحد معانيه ويطلق على الواحد والجمع والذكر والأنثى وأصله من الكلال وهو الإعياء ثم استعمل في كل أمر ضائع أو أمر مثقل ومنه قوله: "من ترك كلا " أي عيالا أو دينا قوله: "كلالة" قال المصنف هو من لم يرثه أب ولا بن وهو مصدر من تكلله النسب وقوله: "تكلله النسب " أي عطف عليه وأحاط به وزاد غيره من لم يرث والدا ولا ولدا قوله: "الإكليل" هو التاج وأكاليل الوجه الجبين وما يحيط به وهو موضع الإكليل قوله: "كلا" كلمة زجر وتأتي بمعنى لا والله قوله: "يكلم في سبيل الله " أي يجرح ويداوى الكلمى أي الجرحى والكلم الجرح قوله: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} أي قوله: "كن قوله: {إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} هي كلمة التوحيد قوله: "بكلمة الله " أي بأمر الله قوله: "بكلمات الله التامة قيل معناه كلامه وقيل علمه
"فصل ك م" قوله: "الكمأة" بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه مهموز ويجوز حذف الألف وخطيء من أثبتها مسهلة هو معروف من نبات الأرض والعرب تسمية جدري الأرض فسماه الشارع منا أي طعاما بغير عمل كالمن الذي أنزل على بني إسرائيل قوله: "فكمنا فيه " أي اختفينا قوله: "الأكمه" من يولد أعمى وقال مجاهد الذي يبصر بالنهار لا بالليل وهو انتقال من تفسير الأعشى إلى تفسير الأكمه والكمه العمى
"فصل ك ن" قوله: "هذا كنزك" وتكرر ذكر الكنز وهو ما يودع في الأرض من الأموال والمراد به هنا ما يدخر ولا يؤدي الحق منه قوله: "الكنود الكفور " أي الجحود قوله: "كنز من كنوز الجنة " أي أجر قائلها مدخر كالكنز قوله: "كنس كما يكنس الطبي " أي تغيب واستتر قوله: "ما كشفت كنف أنثى " أي ثوبها الذي يسترها وكنى هنا بذلك عن الجماع ومنه قول المرأة لم يكشف لنا كنفا قوله: "فتكنفه الناس " أي أحاطوا به

وتكرر قوله: "بين أكنافكم " أي جوانبكم قوله: "فيضع عليه كنفه" بفتح أوله أي يستره فلا يفضحه قوله: "الكنيف" بفتح أوله هو الخلاء قوله: "كنانته " أي ما يضع فيها سهامه سميت بذلك لأنها تكنها أي تحفظها ومنه قول عمر أكن الناس من المطر أي أصنع لهم كنا قال المصنف اكنة وأحدها كنان وأكنان وأحدها كن مثل حمل وأحمال يقال كننت الشيد أخفيته قوله: "يتعاهد كنته" بفتح أوله أي امرأة ابنه أو امرأة أخيه
"فصل ك ه" قوله: "الكهف" قال مجاهد الجبل قوله: "وكهلا" قال مجاهد هو الحليم وقال غيره هو الذي بين الرجولية والشيخوخة قوله: "على كاهله " أي ما بين كتفيه وقيل مقدم أعلى الظهر وهو الثلث الأعلى فيه قوله: "الكهان" جمع كاهن وهو الذي يتعاطى الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان
"فصل ك و" قوله: "الكوب" قال البخاري ما لا أذن له ولا عروة وقال أيضا الأكواب الأباريق التي لا خرطوم لها وقال غيره الأكواب ما كان مستديرا لا عروة له وقيل غير ذلك قوله: "مثل الكوة" هي الطاقة بالفتح إذا كانت غير نافذة وبالضم إذا كانت نافذة قوله: "كورت تكور حتي يذهب ضوؤها قوله: "يكوران يوم القيامة " أي يذهب نورهما وضياؤهما وقيل يرمي بهما قوله: "كيزانه عدد نجوم السماء" جمع كوز ويجمع على أكواز قوله: "الكوفة" هي مشهورة من بلاد العراق قوله إن الشيطان لا يتكونني أي لا يتمثل بي
"فصل ك ي" قوله: "كيت وكيت" هذا اللفظ مبني علي الفتح وهو كناية عن الأحوال والأفعال تقول فعلت كيت وكيت وكان من الأمر كيت وكيت فإن كان من الأقوال تقول قلت ذيت وذيت قوله: "من كاد أهل المدينة وقوله يكادان به" من الكيد والمكيدة وهو اعتقاد فعل السوء وتدبيره بهما قوله: "كادوا" يقال كاد الشيء بمعني قرب قوله: "وهو يكيد بنفسه " أي يسوق كأنه من كاد إذا قارب قوله: "كما ينفي الكير خبث الحديد"الكير معروف وهو آلة الحداد التي ينفخ بها قوله: "الكيس الكيس " أي الولد يقال كاس إذا ولد كيسا وقال ابن حبان المراد بالكيس هنا الجماع وسبقه إلي ذلك بن الأعرابي وهو كيس مخصوص لأن من أطال الغيبة عن أهله فلما اجتمع جامع كان ذلك من فطنته وقيل المراد هنا الجماع لطلب الولد والنسل وهي فطنة فاعله لامتثاله السنة قوله: "غلام كيس" بالتثقيل والتخفيف أي فطن والكيس هنا ضد العجز فيكون بالتخفيف فقط قوله: "من كيس أبي هريرة" بكسر أوله أي مما عنده من العلم المقتني في قلبه" ويروى بفتح أوله أي من فقهه وفطنته قوله: "كيل بعير " أي ما يحمل بعير قوله: "إذا بعت فكل" أمر بالكيل


حرف اللام
"فصل ل ا"
قوله: "كأنهم اللؤلؤ" قيل هو كبار الدر وقيل اسم جامع لجنس الدر وقوله: "يتلألأ " أي يشرق قوله: "نرهنك اللأمة" هي الدرع وتستعمل في جميع السلاح ومنه ويستلئم للقتال قال الأصمعي معناه يلبس سلاحه التام قوله: "ولأم بينهما " أي ضم بعضهما إلى بعض
"فصل ل ب" قوله: "لبيك" معناه إجابة لك بعد إجابة كما قال حنانيك ونصب على المصدر قال الحربي:

الألباب القرب وقيل الطاعه وقيل الخضوع وقيل الاتجاه والقصد وقيل المحبة وقيل الإخلاص قوله: "فلببته بردائه " أي جمع عليه ثوبه عند صدره في لبته وهو بالتشديد والتخفيف واللبة بالفتح والتشديد المنحر قوله: "لذي لب " بضم اللام أي عقل والجمع ألباب وجمع اللبيب ألباء بكسر اللام والتشديد والمد قوله: "استلبث الوحي " أي أبطأ نزوله كذا في المشارق وقال في النهاية هو استفعل من اللبث وهو الإبطاء والتأخير ولم يتعرضا لمعنى السين هنا وقال شيخنا في القاموس استلبثه استبطأه وهذا على القياس ولكن مقتضاه أن يقرأ الوحي بالنصب وقد قيل إنه ضبط في بعض نسخ البخاري كذلك فيحتمل أن معنى الرواية المشهورة تأخر عامدا مثل استأخر قوله: "من لبد شعره والتلبيد وملبدا" هو جمع الشعر في الرأس بما يلصقه وقوله: "كساء ملبد " أي مشطت حتى صارت كاللبد وقيل معناه مرقعا قوله: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} أي أعوانا وقيل لبدا أي كثيرا قوله: "لبيس " أي ملبوس قوله: "لبوس لكم " أي الدروع قوله: "وللبسنا" قال ابن عباس رضي الله عنه أي لشبهنا وقال غيره أي خلط عليهم وقال يلبسكم من الالتباس أي الاختلاط قوله: "يتلبط " أي يتقلب في الأرض قوله: "لبنة وموضع اللبنة" جمعه لبن بكسر الموحدة معروف وهو الطين يعجن ثم يجفف ويبنى به فإذا أحرق فهو الآجر ومنه لبن المسجد وقوله: "على لبنتين" ومنه قوله: "لبنتها" بالكسر كالأول وبالسكون من ديباج أي رقعة في الجيب قوله: "عندي عناق لبن" بفتح الموحدة أي ملبونة تطعم اللبن قوله: "بنت لبون" معروف من أسنان الإبل ما دخل في الثالثة قوله: "التلبينة" هي حساء كالحريرة يتخذ من دقيق أو من نخالة سميت بذلك لشببها باللبن في البياض
"فصل ل ت" قوله: "اللات والعزى" قال ابن عباس رضي الله عنه كان اللات رجلا يلت السويق للحاج كأنه كان في الأصل مثقلا ثم خفف
"فصل ل ث" قوله: "لثق المسافر" بكسر الثاء أي وقع في ماء وطين
"فصل ل ج" قوله: "الجأت ظهري " أي أسندت ومنه ولا ملجأ قوله: "من استلج في يمينه من اللجاج وهو التمادي في الأمر قوله: "أن للمسجد للجة" بفتح اللامين مثقل أي اختلاط الأصوات قوله: "يلجمهم العرق " أي يصل إلى أفواههم حتى يصير موضع اللجام من الدابة
"فصل ل ح" قوله: "ألحت " أي تمادت علي فعلها قوله: "اللحد" سمي لحدا لأنه في ناحية وقوله: "ملتحدا " أي معدلا وإذا كان مستقيما يقال له الضريح قوله: "لحاف" هو الذي يتغطى به قوله: "ألحف " أي بالغ في الطلب قوله: "اللحيف" بالضموالمهملة مصغرا اسم فرس النبي صلى الله عليه وسلم ويقال بالخاء المعجمة قال الواقدي سمي اللحيف لأنه كالملتحف بمعرفته ويقال شبه بلحف جبل ثم صغر قوله: "ألحن بحجته " أي أفطن بها وأقوم واللحن مشترك بين الخطأ والفطنة وقيل إنما يقال في الفطنة بالتحريك قوله: "ما بين لحييه" قيل لسانه وقيل بطنه واللحي بفتح اللام وكسرها العظم الذي تنبت عليه اللحية من الإنسان قوله: "تلاحى رجلان " أي تخاصما والملاحاة الخصومة والسباب أيضا والاسم اللحاء مكسور ممدود قوله: "لحى جمل" يقال بكسر اللام وبفتحها هو موضع على سبعة أميال من المدينة قال ابن وضاح هو عقبة الجحفة وفي رواية لحي جمل بالتثنية

"فصل ل د" قوله: "الألد الخصم" هو الدائم الخصومة والاسم اللدد مأخوذ من لديدي الوادي وهما جانباه قوله: "لا تلدوني" وقوله: "إلا لد" وقوله: "يلد به من ذات الجنب" ولددناه اللدود بفتح اللام الدواء الذي يصب من أحد جانبي فم المريض وهما لديداه ولددت فعلت ذلك بالمريض قوله: "لدا " أي عوجا ألد أعوج قوله: "لدغ يقال لدغته العقرب " أي ضربته بذنبها وأما لذعته نار فبالعين المهملة والذال المعجمة
"فصل ل ذ" قوله: "إنما البدل على من نقض حجه بالتلذذ " أي بالجماع وأنواعه
"فصل ل ز" قوله: "لازب " أي لازم قوله: "ألزقته ضممته إليه قوله: "اللزام " أي فصل القضية وفسره في الحديث بيوم بدر وقوله: "فيلتزمه " أي يضمه
"فصل ل ص" قوله: "ملصقا في قريش " أي لست من أنفسهم
"فصل ل ط" قوله: "اللطخ بالتحريك " أي التهمة قوله: "اللطف بالتحريك أيضا " أي البر والرفق لطم الخدود أي ضربها
"فصل ل ظ" قوله: {نَاراً تَلَظَّى} أي توهج وقيل تلتهب ولظى من أسماء جهنم
"فصل ل ع" قوله: "تلاعبها وتلاعبك" قيل هو من اللعب وقيل من اللعاب بكسر اللام وتدل عليه الرواية الأخرى أين أنت من العذارى ولعابها ورواه الكشميهني بضم اللام فيرجع إلى المعنى الأول ويشير الثاني إلى مص ريقها وارتشافه قوله: "رجل لعاب " أي مزاح بصيغة مبالغة من اللعب قوله: "اللعن والالتعان" من القذف الشرعي وهو معروف وأصل اللعن البعد واللعين المطرود
"فصل ل غ" قوله: "فلغبوا " أي تعبوا ومنه قوله: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} قال هو النصب قوله: "لغاديده "هو ما تعلق من لحم اللحيين وقيل هي لحمة في باطن الأذنين من داخل قوله: "فكثر عنده اللغط" هو الكلام الذي لا يفهم ومنه ولغط نسوة قوله: "أكثروا اللغو" وقوله: "فقد لغا وقوله: "لاغية" وقوله: "فقد لغوت" أصل اللغو ما لا محصول له من الكلام ولغو اليمين ما لا كفارة فيه وفسر المصنف اللغو بالباطل
"فصل ل ف" قوله: "لفحتك النار " أي أثرت فيك قوله: "لفظته الأرض " أي طرحته قوله: "متلفعات بمروطهن " أي متلففات والتلفع يستعمل في الالتحاف مع تغطية الرأس وقد يجيء بمعنى تغطية الرأس فقط قوله: "إذا أكل لف " أي جمع قوله: "ألفافا " أي مجتمعة فص ل ق قوله: "لقحة" وقوله: "بلقاح اللقحة" بكسراللام ويقال بفتحها ذوات الألبان من الإبل قال ثعلب هي بعد ثلاثة أشهر من إنتاجها لبون وجاءت في الحديث في البقر والغنم ونوق لواقح أي حاملات الأجنة وقول المصنف لواقح ملاقح هي أحد الأقوال بمعني ملقحة أو ذوات لقح أي تلقح الشجر والنبات وتأتي بالسحاب وقيل لواقح حاملات للسحاب كما تحمل الناقة قوله: "لقست نفسي " أي خبثت وقيل ساءت خلقا قوله: "اللقطة " بضم اللام وفتح القاف ومنه ولا تحل لقطتها والالتقاط أخذ الشيء الموجود على غير طلب قوله: "تلقف " أي تلقم قوله: "ما لم يكن نقع أو لقلقة" فسر المصنف وغيره اللقلقة بالصوت واللقلقة حكاية الأصوات


يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 02:22 AM
إذا كثرتواللقلق اللسان كأنه يريد تردد اللسان بالصوت بالبكاء وندبه الميت قوله: "لقن " أي فهم حافظ قوله: "يلقى الشح " أي يجعل في القلوب قوله: "ألقاها إلى مريم " أي أعلمها به وقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} قيل معناه يعطاها وقيل يوفق لها قوله: "نهى عن التلقي " أي ملاقاة القادمين بالسلع
"فصل ل ك" قوله: "تلكأت " أي ترددت قوله: "فلكزني لكزة" قال البخاري لكز ووكز واحد وقال غيره الدفع باليد في الصدر قوله: "أثم لكع" قال الهروي هو الصغير في لغة بني تميم وقيل الجحش الراضع وقال ذلك للحسن على سبيل الإشفاق والرحمة
"فصل ل م" قوله: "لمح البصر " أي التفاته قوله: "يلمزون الناس " أي يعيبوهم وقيل هو بغير التصريح بإشارة العينين قوله: "نهى عن اللماس وعن الملامسة" هو نوع من بيوع الجاهلية وهو أن يبتاع الثوب لا يعلمه إلا أن يلمسه بيده قوله: "يتلمظه " أي يتتبعه بلسانه في فمه قوله: "ما رأيت شيئا أشبه باللمم يعني قوله: تعالى { إِلَّا اللَّمَمَ} وقد قيل في تفسيره خلاف ما قال ابن عباس وهو أن يأتي بالذنب ثم لا يعاوده وقيل ترك الإصرار وقيل كل ما دون الشرك وقيل ما لم يأت فيه حد في الدنيا ولا وعيد في الأخرى وقيل ما كان في الجاهلية وقول بن عباس أقوى وحاصله أنه ما دون الكبائر قوله: "إن كنت ألممت بذنب" الملم بالشيء هو الذي يأتيه غير معتاد له وهو بخلاف المصر وقوله: "يقتل أو يلم " أي يقرب من القتل وقوله: "من كل عين لامة " أي ذات لمم وهو طرف من الجنون قوله: "من اللمم" بكسراللام جمع لمة بالكسر أيضا وهو شعر الرأس سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين "فصل ل ه" قوله: "يلهث " أي يخرج لسانه من التعب أو العطش قوله: "بلهزمتيه" بكسر اللام والزاي أي شدقيه كذا فسره في الحديث وقال الخليل هما مضغتان في أصل الحنك وقيل غير ذلك قوله: "الملهوف " أي المكروب وقيل المظلوم قوله: "في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم" جمع لهاة وهي اللحمة التي بأعلى الحنجرة قوله: "ألهاني الصفق بالأسواق " أي شغلني وفي التفسير تلهى أي تشاغل
"فصل ل و" قوله: "لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي الراية وقوله: "لكل غادر لواء " أي علامة إذ موضوع اللواء العلامة والمراد به شهرة مكان الرئيس وعلامة موضعه قوله: "ما بين لابتيها " أي المدينة يعني حرتيها من جانبيها واللابة الحرة ذات الحجارة السود قوله: "لاثتني " أي لفت على بعضه وإدارته عليه يعني خمارها قوله: "لاث الناس به " أي استداروا حوله قوله: "لا ذمني " أي استتر عني ومنه يلذن به " أي يستترن قوله: "يلوط حوضه" ويروي يليط حوضه أي يصلحه ويطينه يقال لاط الشيء بالشيء إذا ألزقه وقوله: "فالتاط به " أي دعاه ابنه ومنه يليط أولاد الجاهلية لمن أدعاهم أي يلصق ويلحق قوله: "فلكنا " بضم اللام وقوله: "فلاكها ولاكوه" اللوك بالفتح مضغ الشيء الصلب وإدارته في الفم قوله: "تلوم بإسلامها الفتح " أي تنتظر أراد تتلوم فحذف إحدى التاءين تخفيفا قوله: "سبعة عجوة وستة لون" اللون من التمر ما عدا العجوة وقيل هو الدقل أي رديء التمر لا الدقل الذي هو الدوم وهو المقل وفي رواية واللين على حدة قيل اللين هو اللون واللينة وهو ما خلا العجوة والبرني وقيل اللون واللينة الاخلاط من التمر وقيل اللينة اسم النخلة قوله: "فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي تغير لونه غضبا قوله: "لواه حقه " أي مطله ومنه لي الواجد قوله: "لوى ذنبه" بالتشديد قال أبو عبيد يريد أنه لم يفعل المعروف ولكنه زاغ عنه وتنحى قوله: "لا يلوي أحد على أحد " أي لا يتعطف قوله: "في الترجمة باب ما يجوز من اللو يريد من قول لو وإدخال الألف واللام عليه فيه نظر إذا لو حرف وهما لا يدخلان على الحرف كذا أطلقه عياض والجواب عن البخاري ظاهر كما سنذكره إن شاء الله في موضعه
"فصل ل ي" قوله: "خطامها ليف وحشوها ليف" هو ما يخرج من أصول سعف النخل يحشى بها الوسائد ويفتل منها الحبال وقد تقدم الليط واللينة في
"فصل ل و" إذ هو أصلها وكأن ابن دريد يذهب إلى أن الياء والواو لغتان وقد تقدم أيضا
قوله: "لى الواجد " أي مطله والله أعلم


"حرف الميم
"فصل م أ" قوله: "مؤنة عاملى " أي لازمه وما يتكلفه قيل مراده ناظر صدقاته قوله: "فتلك أمكم يا بني ماء السماء" قال الخطابي يريد العرب لانتجاعهم الغيث وقيل أراد الأنصار لأنهم ينسبون إلى ماء السماء وهو عامر والد عمرو الملقب مزيقيا
"فصل م ت" قوله: "مترس" ضبطها الباجي عن أبي ذر بكسر الميم وفتح المثناة المخففة وسكون الراء وضبطه الأصلي بتشديد التاء وسكون الراء وغيره بكسر الراء هي كلمة بالفارسية معناها الأمان قوله: "متع النهار" بفتح المثناة أي طال وقيل علا وارتفع قوله: "متاعا" المتاع ما يتمتع به أي ينتفع قوله: "عن المتعة" لها مدلولان متعة الحج وهي جمع غير المكي الحج والعمرة في أشهر الحج ومتعة النساء وهو النكاح إلى أجل وكان في الجاهلية يشارط الرجل المرأة على شيء معلوم وأيام معلومة فإذا انقضت خلى سبيلها بغير عقد ولا طلاق وفي الحديث ذكر ثالثة وهي متعة المطلقة ومنه قوله : تعالى {وَمَتِّعُوهُنَّ} وهو ما يعطي الزوج المطلقة بعد طلاقها إحسانا إليها وأما غير المدخول بها فمتاعها ما فرض لها وحكى عن الخليل أن متعة الحج بكسر الميم قوله: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} تقدم في المثناة وقد تكلم البخاري عليه في سورة يوسف عليه السلام قوله: "علي متن ثور " أي ظهره ومنه على متونهم قوله: "فقام ممتنا" كذا وقع في كتاب النكاح بضم الميم الأولى وسكون الثانية وكسر المثناة قيل معناه طويلا وضبطه أبو ذر بفتح المثناة وتشديد النون أي متفضلا وروى فقام ممثلا أي منتصبا
"فصل م ث" قوله: "متاعب المدينة جمع متعب وهو مسيل الماء قوله: "ستجدون في القوم مثلة " بضم الميم وسكون المثلثة ويروي بفتح أوله وضم ثانيه ويروي بضمهما معا هو ما فعل من التشويه بالقتلى وجمعه مثلات بضمتين وأما قوله: تعالى {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ} فهي العقوبات واحدها مثلة بفتح الميم وفي الأصل المثلات واحدها مثلة وهي الأشباه والأمثال قال أبو عمرو المثلة بالضم ثم السكون والمثل بفتح أوله وسكون ثانيه قطع الأنف والأذن ومنه مثل به المشركون قوله: "فيها تماثيل " أي صور مصورة على صفة الأجساد ومنه
(1/185)

قوله: ما هذه التماثيل هي الأصنام واحدها تمثال قوله: "رأيت الجنة والنار ممثلتين " أي منتصبتين وهذا على أنه رآهما حقيقة وهو الأظهر ويحتمل أنه رأى مثالهما قوله: "لا يتمثل في صورتي " أي لا يتشبه بي قوله: "فتمثل ببيت شعر " أي أنشده وضربه مثلا قوله: "ومضى مثل الأولين " أي سنتهم قاله مجاهد وقيل عقوبتهم وقوله: "مثلا للآخرين " أي عظة لمن بعده قاله قتادة وقال غيره عبرة وقوله: "طريقتكم المثلى هي تأنيث الأمثل وقال ابن عيينة أمثلهم أعدلهم ومنه الأمثل فالأمثل أي الأشرف فالأشرف
"فصل م ج" قوله: "وعقل مجة مجها وقوله فمج فيها" معناه إرسال الماء من الفم بإبعاد له وعبر عنه طرح الماء من الفم بالتزريق قوله: "يمجدونك " أي يتنون عليك والمجيد من أسماء القرآن معناه العظيم وقيل الشريف وهو من الأسماء الحسني أيضا وأصل المجد الشرف الواسع قوله: "كأثر المجل" بفتح أوله وسكون ثانيه وقد تفتح هي النفاخات التي تخرج في الأيدي مملوءة ماء قوله: "المجان المطرقة جمع مجن وهو الترس والميم زائدة لأنه من الجنة قوله: "وهل أردن يوما مياه مجنة هو موضع بأسفل مكة وهو بفتح الميم وتكسر أيضا وهي زائدة
"فصل م ح" قوله: {مِنْ مَحَارِيبَ} جمع محراب وهو معروف قوله: "قد امتحشوا " بضم المثناة وكسر الحاء على ما لم يسم فاعله وضبطه الأصيلي يفتحهما يقال محشته النار أي أحرقته والمحش احترق الجلد وظهور العظم وحكى يعقوب أمشحه الحر قال صاحب الأفعال محشت لغية وأمحشت هو المعروف وقال الداودي معناه انقبضوا واسودوا قوله: "التمحيض" يقال محضته استخرجت ما عنده قوله: "محضا " أي خالصا قوله: " ممحلين " أي أصابهم المحل وهو القحط قوله: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} أي العقوبة وقيل القوة وقيل الكيد وقيل الجدال يقال ما حل عن أمره أي جادل قوله: "امتحن الله قلوبهم " أي أخلصها قوله: "لا أمحاه" هو ك قوله: "أمحوه" يقال محيته أمحاه ومحوته أمحوه إذا أزلته
"فصل م خ" قوله: "مخ سوقها " أي الدهن الذي داخل العظم قوله: "تمخر الريح السفن" وقوله: "مواخر" قال الخليل مخرت السفينة إذا استقبلت الريح وقال أبو عبيد المخر الشق والمعنى تشق السفن الماء بصدرها وقال الفراء المخر صوت جرى الفلك بالريح وفي الحديث استمخروا الريح أي اجعلوا ظهوركم إليها قوله: "بنت مخاض" هي التي حملت أمها وهي في السنة الثانية والماخض الناقة الحامل والمخاض الطلق قوله: "والأوطاب تمخض " أي تحرك والمخيض من اللبن هو الذي حرك وعاؤه ليخرج زبده منه قوله: "مخاليف اليمن وأحدها مخلاف وهو كالأقليم لغير أهل اليمن
"فصل م د" قوله: "في المدة التي ماد فيها أبا سفيان" بتشديد الدال أي جعل بينه وبينه مدة صلح ومنه إن شاءوا ماددتهم قوله: "مد أحدهم وتوضأ بالمد" وتكرر ذكر المد وهو كيل يسع(1) رطلا وثلثا قيل سمي بذلك لأنه1 يسع ملء كفي الإنسان قوله: "المد الأول" إشارة إلى أن المد زيد في زمن بني أمية قوله: "مادة
ـــــــ
1 قوله "لأنه يسع ملء" كذا في جميع النسخ التي بأيدينا" وعبارة ابن الأثير: وقيل أصل المد مقدر يمد يديه
فيملأ كفيه طعاما الإسلام" أي عونه قوله: "وامتد النهار " أي طال وارتفع قوله: "يمدونهم في الغي " أي يطليون لهم قوله: "المدر" هو الطين الذي لا رمل فيه ومنه يمدر حوضه قوله: "مداد كلماته " أي كثرتها وزيادتها تقول مد الشيء مدا ومدادا قوله: "وليس لنا مدى" جمع مدية وتكرر هي السكين والميم مضمومة ويجوز كسرها في الجمع ويجوز كسرها أيضا في المفرد قوله: "وإلى مدين " أي إلى أهل مدين لأن مدين بلد قوله: "مدى صوت المؤذن " أي غاياته ومنتهاه
"فصل م ذ" قوله: "كنت رجلا مذاء" ممدود المذي بفتح الميم الماء الرقيق يخرج عند الملاعبة يقال فيه مذى الرجل وأمذى قوله: "مدقة لبن " أي قليل مخلوط بماء قوله: "الماذيانات" بكسر الذال ويجوز فتحها قيل هي السواقي الصغار وقيل الأنهار الكبار
"فصل م ر" قوله: "المرأة" واحدة النساء والمرأتان تثنية ولا جمع له من لفظه والمرء من الرجال الواحد والجمع مرءون ويجوز ضم ميمه وبلا لام أمرؤ وامرآن قوله: "المروءة" هي مكارم الأخلاق والمرآة بالمد والكسر التي يرى فيها الشخص صورته والميم زائدة وكذا قوله: "كريه المرآة" بفتح الميم أي الرؤية قوله: "مربد النعم" وقوله: "فوضعت في المربد" هو الموضع الذي تحبس فيه الإبل للبيع قوله: "سألته عن المرجئة" هم طائفة من المبتدعة تقول لا يضر مع الإيمان معصية قوله: "من مارج" المارج اللهيب المختلط وقيل نار دون الصواعق قوله: "في مرج أو روضة المرج" أرض فيه نبات تمر فيه الدواب قوله: "مرج أمر الناس " أي اختلط ومرج البحرين خلطهما وقد تكلم عليه المصنف في سورة الرحمن قوله: "مرجل " أي قدر قوله: "يمرحون " أي يبطرون قاله مجاهد قوله: "مريدا " أي متمردا كذا في الأصل وهو من المرد بفتح الميم وسكون الراء والمارد الماكر وهو المبالغ في الشر قوله: "مرة" بكسر الميم أي قوة قوله: "بمرورهم" جمع مر بكسر الميم وهي المسحاة قوله: "مر الظهران" موضع خارج مكة تقدم في الظاء قوله: "مستمر" قال مجاهد أي ذاهب وقال غيره قوي نافذ قوله: "ممر الناس " أي ممشاهم قوله: "في تفسير الشعرى" هو مرزم الجوزاء قد تعقب بأن المرزم نجم آخر غير الشعرى قوله: "المريسيع ماء لبني خزاعة قوله: "أصابه مراض " بضم الميم مخففا وكسر بعضهم الميم هو من عاهات الثمر قوله: "لا يورد ممرض على مصح " أي مريض على صحيح أو صاحب إبل مريضة على صاحب إبل صحيحة قوله: "أن يمرض في بيتي " أي يعالج في مرضه قوله: "في قلوبهم مرض" قال أبو العالية أي شك قوله: "تمرط شعرها " أي انتتف وتقطع قوله: "في مروطهن" وقوله: "في مرطى" بكسر الميم وتكرر هو الدرع من خز أخضر قاله النضر بن شميل وقال الخليل كساء ويؤيده قوله: "في مرط مرحل من شعر أسود" قوله: "فتمرغت " أي تمعكت قوله: "يمرقون من الدين " أي يخرجون منه كما ينفصل السهم من الرمية إذا أنفذها قوله: "مراق البطن" وهو بتشديد القاف مارق من أسفل البطن ولان ولا واحد له من لفظه وميمه زائدة قوله: "مرمرة حمراء" هو نوع من الرخام قوله: "مرماتين" قال البخاري المرماة ما بين ظلف الشاة من اللحم انتهى وهي مكسورة الميم قوله: "المروة" هي الحجارة المحددة وبها سميت قرينة الصفا قوله: "أفتمارونه " أي تجادلونه من المراء أو تشكون فيه من المرية ومنه يتمارى في الفوق ولا أماريك وتمارينا وقوله: "إلا إنهم في مرية من لقاء ربهم أي في شك وقوله: "يمترون " أي يشكون قوله: "المريء" بفتح الميم وكسر الراء آخره مهموز أي الحلقوم وأما المري بضم الميم وسكون الراء بلا همز فهو الذي يؤكل قوله: "كنيسة يقال لها مارية" بتخفيف الياء وهو نظير اسم سرية النبي صلى الله عليه وسلم
"فصل م ز" قوله: "مزجاة " أي قليلة فسره في الأصل قوله: "مزدلفة" قال عطاء إذا أفضت من مأزمي عرفة فهي المزدلفة إلى محسر وسميت بذلك لازدلاف القوم بها أي اجتماعهم وقيل لأنها تقرب إلى الله وقيل غير ذلك قوله: "المزر" فسره بشراب الذرة والشعير ويصنع من القمح أيضا قوله: "مزعة لحم وقوله: "شلو ممزع " أي قطعة من لحم مقطعة مفرقة قوله: "مزقه " أي قطعه قوله: "أن يمزقوا كل ممزق " أي يتفرقوا بذهاب ملكهم قوله: "المأزمان" وأحدهما مأزم وهو المضيق قوله: "المزن " أي السحاب
"فصل م س" قوله: "المسيح بن مريم" قيل سمي بذلك لأنه كان إذا مسح ذا عاهة برأ وقيل لمسحه الأرض وسياحته وقيل لأنه ممسوح الرجل لا أخمص له وقيل هو الصديق وهذا قول إبراهيم النخعي وغيره وقيل لأن زكريا مسحه بالدهن وقيل لأنه ولد ممسوحا به وقيل غير ذلك قوله: "المسيح الدجال" أكثر الرواة يقولونه كالأول قال أبو عبيد سمي بذلك لمسح إحدى عينيه وقيل لمسحه الأرض وقيل فيه غير ذلك أيضا وبعض أهل اللغة يقولونه بكسر الميم وتشديد السين المهملة ومنهم من يقوله بالخاء المعجمة مع التشديد وقال أبو الهيثم المسيح بالمهملة ضد الذي بالمعجمة مسحه الله إذا خلقه خلقا حسنا ومسخه إذا خلقه خلقا قبيحا ملعونا قوله: "فلما مسحوا الركن حلوا " أي استلموه قوله: "المساحى" جمع مسحاة وهي الآلة التي يقلع بها الطين ونحوه قوله: "فلا يتمسح بيمينه " أي يستجمر قوله: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قال هو ليف المقل وهي السلسلة التي في النار قوله: "لا مساس" مصدر ماسه يماسه مساسا قوله: "المس مس أرنب" ضربه مثلا لحسن خلقه وعشرته لأن جلد الأرنب لين المس قوله: "ما دون أن أمسها " أي أجامعها والمس والمساس الجماع قوله: "مسيك" بالتشديد بوزن فعيل وبالتخفيف مع فتح أوله من البخل قوله: "فرصة ممسكة" قيل مطيبة بالمسك وقيل ذات مسك بفتح الميم أي جلد والمراد قطعة صوف والمسك معروف وهو أطيب الطيب
"فصل م ش" قوله: "أمشاج " أي اختلاط قاله في الأصل ويقال مشيج كخليط وممشوج مخلوط قوله: "في مشط ومشاطة" ويروي مشاقة فالبلطاء ما يمشط من الشعر ويخرج في المشط منه وبالقاف مثله وقيل ما يمشط من الكتان والمشط الآلة التي يمشط بها بكسر الميم وبضمها وبسكون ثانيه ويجوز الضم والجمع أمشاط ووقع في رواية القابسي مشاط الحديد وغلط وقوله: "امتشطي " أي سرحي شعرك قوله: "المشعر الحرام هو مزدلفة قوله: "المشقص معروف" بكسر أوله وفتح ثالثه قوله: "ثوب ممشق " أي مصبوغ بالمشق بكسر أوله وهو المغرة قوله: "المشكاة" قال سعد بن عياض هي الكوة وقال غيره هي غير النافذة قوله: "المشلل " بضم أوله وفتح الشين والتشديد موضع بقديد من ناحية البحر وهو الجبل الذي يهبط إليها منه
"فصل م ص" قوله: "المصيصة وقع ذكرها في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم وهي بكسر الميم مخففا ومثقلا بلد بالشام معروفة قوله: "أمصص بظر اللات" بفتح الصاد الأولى من المص قوله: "مصانع" قال هو كل بناء صنع
"فصل م ض" قوله: "مضغته بظفرها " أي أذهبته وأصل المضغ التحريك قوله: "في الجسد مضغة " أي قطعة لحم والمراد القلب كما صرح به
"فصل م ط" قوله: "تمطر في المطر " أي طلب نزول المطر عليه يقال مطرت السماء وأمطرت ويقال مطرت في الرحمة وأمطرت في العذاب وقال ابن عيينة ما سمي الله مطرا في القرآن إلا عذابا يعني ما أطلق المطر في القرآن إلا على العذاب وتعقب ب قوله: تعالى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ} قوله: "فتمطأت" وقع في الأصل بالهمز وهو وهم والصواب تمطيت وأصله تمطط أي تمدد وقيل هو من المطا وهو الظهر لأن المتمطى يمد مطاه بتمطيه أي ظهره قوله: "بمطارق جمع مطراق وهو آلة معروفة قوله: "مطل الغنى" المطل معروف وهو ترك إعطاء ما حل أجله مع طلبه
"فصل م ع" قوله: "إلى معاد" قال ابن عباس مكة وهو تفسير بالإشارة قوله: "معادن العرب" جمع معدن وهو كناية عن الأصول قوله: "المعرف" هو موضع الوقوف بعرفة قوله: "المعرس" هو موضع معروف على ستة أميال من المدينة قوله: "فتمعر وجهه " أي انقبض وتغير ويروي بالمعجمة قوله: "فامتعضوا" بضاد معجمة أي أنفوا من ذلك لكراهتهم له ومشقته عليهم قوله: "تمعط شعرها " أي انتتف وسقط قوله: "فتمعكت " أي تحككت وتقلبت قوله: "في معا واحد" بالقصر ويجوز المد والجمع أمعاء وأمعية وهو محل الأكل من الإنسان قوله: "مع" بالسكون وتفتح إذا وصلت وكسرها لغة
"فصل م غ" قوله: "فتعمر وجهه " أي صار أحمر كالمغرة وروى بالمهملة وقد تقدم
"فصل م ق" قوله: "المقام مقام إبراهيم" هو الحجر الذي قام عليه حين رفع بناء البيت وقيل بل هو الذيوضعته زوج إسماعيل لإبراهيم حيث غسلت رأسه وهو راكب
"فصل م ك" قوله: "مكاء " أي إدخال أصابعهم في آذانهم وقيل الصفير قوله: "مكتل" هو الزنبيل وهو القفة قوله: "فمكثنا غير بعيد " أي أقمنا قوله: "ماكستك" المماكسة إعطاء الثمن بأنقص قوله: "مكوك" معروف بالعراق يسع صاعا ونصفا قوله: "مكانتكم " أي مكانكم قاله في الأصل قوله: "مكة" قيل سميت بذلك لقلة مائها وقيل لأنها تمك الذنوب ولها أسماء كثيرة
"فصل م ل" قوله: "ملأى " أي شديدة الملء وقوله: "يمين الله ملأى" عبارة عن كثرة الجود وسعة العطاء قوله: "أحسنوا الملأ" بالهمز مقصور مع فتح أوله وثانيه هو العشرة وقيل إنه يقرأ بكسر أوله وسكون ثانيه وهو متجه أيضا ومنه ملء السماوات والأرض والملأ الجماعة ومنه إن الملأ قد بغوا علينا والملأ الأشراف والرؤساء ومنه ذكرته في ملأ خير منه وكذا الملأ الأعلى وأصله ما اتسع من الأرض وقوله: "كلمة تملأ الفم" " أي عظيمة قوله: "على ملأ بالهمز " أي غنى قوله: "كبش أملح " أي في صوفه بياض وسواد وقوله: في تفسير الصرح كل ملاط بكسر أوله هو الطين كذا للأكثر وللأصيلي وابن السكن بالموحدة وهي ما فرشت به الأرض من حجارة أو غيرها قوله: "أملق " أي افتقر ونفد زاده قوله: "لتملنه" من الملال وهو السآمة ومنه لا يمل الله حتى تملوا وهو من المقابلة وقيل غير ذلك في تفسيره قوله: "فأمللت عليه" يقال أمللت الكتاب وأمليت لغتان قوله: "أمليت لهم " أي أطلت لهم من الملى والملاوة ومنه سرت مليا ويقال للواسع الطويل من الأرض ملاء كذا في الأصل قوله: "ويملل" بلامين موضع على ثمانية عشر ميلا من المدينة
"فصل م م" قوله: "وكان مما يحرك شفتيه " أي كان كثيرا ما يحرك شفتيه وقيل هي من ما فمن بمعنى رب وما كافة ومنه قول الشاعر
وإنا لمما نضرب القرن ضربة ... على وجهه تلقى اللسان من الفم
"فصل م ن" قوله: "لأن يمنح أحدكم أخاه خير له" المنحة عند العرب على وجهين أحدهما العطية مثلا كالهبة والصلة والآخر يختص بذوات الألبان وهو أن يعطيه الشاة مثلا لينتفع بلبنها ويردها ومنه المنيحة ومنيحة العنز قوله: "منديل" معروف قوله: "قرن المنازل" هو قرن الثعالب وهو بقرب مكة قوله: "المناصع" قال الأزهري أراها مواضع خارج المدينة وجاد في الحديث صعيد أفيح خارج المدينة قوله: "منصف" قال في رواية المنصف الوصيف وهو تفسيره قوله: "منعة" بالتحريك أي جماعة يمنعوني جمع مانع ويقال بالتسكين أي عزة امتناع أمتنع بها قوله: "أهل منق" بفتح النون ويجوز كسرها هو الذي ينقي القمح من قشوره وقيل يغربله والميم فيه زائدة قوله: "بين منكبي الكفار" المنكب معروف وهو أعلي الكاهل والكاهلان الجانبان والمراد أعلاهما قوله: "فامشوا في مناكبها " أي جوانبها قوله: "فقام ممتنا" هو من المن وهو القوة وقد تقدم في م ت قوله: "من أمن الناس" أفعل تفضيل من المن وهو العطاء ومنه من من الله على وأما قوله: "بالمن والأذى" فهو الذي يذكر عطاءه ليمتدح به ومنه غير ممنون قال في تفسيره غير محسوب وقال غيره مقطوع يقال من إذا أعطى ومن إذا قطع ومن إذا تمدح بالعطاء قوله: {الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} قال في تفسيره المن صمغة وتعقب بأنه شيء يسقط على الشجر وهو الترنجبين وأما قوله: "الكمأة" من المن فالمعنى أنها تشبه المن لكونها تأتي عفوا بلا علاج قوله: "منسأته " أي عصاه قوله: "المنون" بفتح أوله وضم ثانيه مخففا أي الموت قوله: "مناة الطاغية" هو صنم نصبه عمرو بن لحي لجهة البحر مما يلي قديدا وكانت الأزد تهل لها قوله: "ما تمنون" أي من النطف ويقال هو من التقدير يقال مني الله الشيء أي قدره وأمنيت كذا يقال هو مأخوذ من المني بفتح الميم والنون وهو القدر لأن صاحبه يقدر حصوله والاسم المنية والأمنية والجمع المني بالضم والأماني ومنه من نطفة إذا تمنى قوله: "فلم يمن " أي لم ينزل قوله: "منى" بالكسر والقصر حدها من العقبة إلى محسر وسميت بذلك لما ينى فيها من الدماء أي يراق
"فصل م ه" قوله: "تمهدون " أي تسوون المضاجع قوله: "الماهر " أي الحاذق وأكثر ما يوصف به السابح والمهر الصداق يقال مهرت المرأة وأنكر أبو حاتم أمهرت ويقال أنها لغة ضعيفة وصححها أبو زيد قوله: "أبيض أمهق " أي خالص البياض لا تشوبه حمرة ولا غيرها وقيل بياض في زرقة قوله: "إنما هي للمهلة" هو صديد الجسم وقيحه والمشهور بضم أوله وحكى فتحه وكسره قوله: "مهلا " أي رفقا وزعم بعضهم أن أصله مه زيدت فيه لا قوله: "مهنة أهله وقوله: "مهنة أنفسهم" الأول بسكون الهاء أي خدمتهم والميم مفتوحة وحكى كسرها وأنكره الأصمعي والمهنة الحذاقة بالعمل والثاني بفتحات أي خدمة أنفسهم والواحد ما هن ومنه فامتهنوا وعالجوا قوله: "مهيعة" هي الجحفة وهي بوزن مخرمة وقيل بوزن فعيلة قوله: "مهيمنا عليه" قال المهيمن الأمين القرآن أمين على من قبله قوله: "مهيم" هي كلمة يمانية معناه ما هذا ووقع في قصة هاجر موضع مهيم مهيا والأول المعروف وأفاد بعض حذاق المتأخرين أن أصلها ما هذا الأمر فاقتصر في كل كلمة على
"حرف لأمن اللبس قوله: "مهين " أي ضعيف قاله مجاهد قوله: "مه" كلمة زجر وقد تكرر وقد ترد للاستفهام ك قوله: "في حديث موسى ثم مه " أي ثم ماذا يكون كأن أصله ما والهاء للسكت
"فصل م و" قوله: "الموبقات" قال البخاري المهلكات وقال غيره الموبق بعمله المحاسب عليه المعاقب وأصلها الواو قوله: "ثم موتان كقعاص الغنم " بضم الميم ويفتح وهو اسم للطاعون والموت قوله: "فليمتها طبخا " أي ليذهب رائحتها وقوله: "فقد مات ميتة جاهلية" بكسر الميم أي على حالة الموت الجاهلي قوله: "الموات" موات الأرض ما لم يعمر ولا هو في ملك أحد ويقال موتان بفتحتين قوله: "مؤتة" بالضم مهموز وقد لا تهمز موضع بالشام قريب من البلقاء قوله: "ماج الناس " أي اختلطوا وتموج موج البحر أي تضطرب قوله: "مادت " أي مالت وزنه ومعناه قوله: "تمور مورا " أي تدور فسره في الأصل قوله: "الموسم " أي اجتماع الناس في الحج وغيره قوله: "موقها" هو الخف فارسي معرب وموق العين طرف شقها ولكل عين موقان وفيه تسع لغات موق وماق وماقي بوزن قاضي وماق بوزن عال بالهمز في الأربعة وبغير الهمز في الأربعة وأمق بوزن ظلم ويقال الموق المؤخر والماق المقدم قوله: "المومسات" جمع مومسة ويجمع أيضا على مواميس وهي البغايا
"فصل م ي" قوله: "ميتة" تقدم قبل قوله: "فلما فرغ من الطعام ماثنه وفي رواية أماتته رباعى والأول أشهر لغة والمعنى حللت التمر ومرسته في الماء قوله: "الميثرة" قال علي رضي الله عنه كانت النساء تصنعه لبعولتهن وقيل الميثرة جلود السباع والجمع مياثر والميم زائدة وأصله الواو من الشيء الوفير قوله: "المائدة" أصلها مفعولة كعيشة راضية والمعنى ميد بها صاحبها يقال مادني يميدني كذا في الأصل والمائدة أصلها الخوان الذي يؤكل عليه وأما قوله: "أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي سفرته ولم يكن له خوان وهو الذي يعد لذلك من الخشب كما صح عن أنس ويقال لا يقال له مائدة إلا إذا كان عليه طعام وقيل هو اسم الطعام نفسه قوله: "ميري أهلك" الميرة ما يمتاره البدوي من الطعام قوله: "تكاد تميز " أي تتميز فسره في الأصل تتقطع قوله: "بالميشار" ويقال بالنون أيضا وهو معروف قوله: "أميطى" وقوله: "أمط" يقال ماطه هو وإماطه غيره أي أبعده ونحاه والاسم الميط قوله: "إلا انماع كما ينماع الملح في الماء " أي سأل وجرى والاسم الميع قوله: "كمقدار ميل" الميل يطلق على مسافة من الأرض وهي ألف باع ومنه ثلاثون ميلا وعلى ما يكتحل به قوله: "والعشى ميل الشمس" بفتح الميم أي وقت دنوها للغروب وقد استعملوا الميل في الأجسام وغيرها ومنه فلا تميلوا كل الميل قوله: "مائلات مميلات" قيل زائغات قوله: "ما" ترد للاستفهام والنفي وموصولة وموصوفة وزائدة


حرف النون
"فصل ن أ" قوله: "نأى بي الشجر " أي بعد بن طلب المرعى والنأي البعد نأى ينأى مثل سعى يسعى ويقال مقلوبا ناء يناء مثل حار يحار وناء ينوء بوزن دار يدور ومنه ناء بصدره أي تباعد وأما قوله: "ثم ذهب ينوء فمعناه يقوم قوله: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} أي يتباعدون قاله بن عباس قال البخاري ناء تباعد قوله: "ما أراه إلا نيئه" أي غير نضيج ويروي إلا نتنه بالمثناة بعدها نون أي رائحته الكريهة
"فصل ن ب" قوله: "النبأ" أي الخبر وقال البخاري النبأ العظيم القرآن والنبيء بالهمزة المخبر عن الله وقيل بمعنى مفعول أي أخبره الله بأمره وقيل اشتق من النبأ وهو ما ارتفع من الأرض لرفعه منازلهم وقيل النبأ الطريق سمي بذلك لأنه الطريق إلى الله تعالى ولغة قريش ترك الهمز إما تسهيلا وإما مشتقا من النبوة وهو الارتفاع قوله: "نهى عن المنابذة" هو من البيوع المنهي عنها وهي المبايعة لشيئين ينبذه كل واحد منهما إلى صاحبه يجب بذلك بيعهما وقيل في تفسيره غير ذلك كجعل النبذ قطعا للخيار قوله: "خذي نبذة من قسط" أي قطعة والنبذ الرمي والطرح ومنه فنبذ الناس خواتيمهم قوله: "قبر منبوذ" أي متباعد منفرد ويروى بالإضافة أي لقيط وهو من طرح صغيرا لأول ما يولد ويقال له لقيط إذا أخذ ومنبوذ ما دام مطروحا وقد يطلق عليه منبوذ بعد الأخذ مجازا ومنه في حديث عمر أتى في منبوذ
وقوله: "فانتبذت به" أي قعدت ناحية وقوله: "فنبذناه" أي ألقيناه وقوله: "انتبذت من أهلها" أي اعتزلت وقوله: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} أي اكشف لهم الأمر في نقض ما بينك وبينهم ومنه فنبذ أبو بكر في ذلك العام إلى الناس أي نقض العهد الذي كان بينهم والنبذ يقع بالقول والفعل في الأجسام والمعاني قوله: "النبيذ" تكرر في الحديث وهو ما يعمل من الأشربة من التمر وغيره والنباذ هو طرح التمر أو الزبيب في الماء قوله: {وَلا تَنَابَزُوا} النبز بالتحريك اللقب فنهوا عن التداعي بالألقاب قوله: "أن رجلا نباشا" أي كان ينبش القبور قوله: "النبط" والنبيط والأنباط هم نصارى الشام الذين عمروها وأهل سواد العراق سموا بذلك لاستنباطهم الماء واستخراجه وقيل هم جيل من الناس وتقدم أيضا في الهمزة قوله: "ينبع" من النبع وهو خروج الماء من الأرض قوله: "وإذا نبقها" أي ثمرتها والنبق ثمر السدر وأحدها نبقة بالفتح وبالكسر أيضا ويسكن قوله: "النبل" هي السهام العربية لا واحد لها من لفظها وإنما يقال له سهم قوله: "نبا بالقصر" أي بعد
"فصل ن ت" قوله: "كما تنتج البهيمة" أي تلد قوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ} أي رفعنا قوله: "منتنة" أي كلمة قبيحة قوله: "هؤلاء النتنى" أراد الجيف المنتنة قوله: "ناتىء الجبين" أي بارزه من النتوء
"فصل ن ث" قوله: "الاستئثار" واستنثر استفعل منه أي استنشق الماء ثم أستخرج ما في نفه فنثره وقيل من النثرة وهي طرف الأنف قوله: "لا تنث حديثنا" بالنون والموحدة وهما بمعنى قوله: "تثل لي كنانته" أي صبها واستخرج ما فيها ومنه وأنتم تنتثلونها أي تستخرجون ما فيها ومنه فينتثل طعامه
فصل ن ج" قوله: "لا منجا" من النجاء وهو السلامة قوله: "طويل النجاد" أي حمالة السيف وهو

كناية عن طول القامة قوله: "أهل نجد" حدها ما بين حرس إلى سواد الكوفة وبحد يطلق على كل ما كان مرتفعا وأما قوله: تعالى {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} أي طريق الخير وطريق الشر وقيل هما الثديان قوله: "نواجذه" أي أنيابه قوله: "نجر خشبة" أي كسرها بقدوم قوله: "برد نجراني" أي منسوب إلى نجران ومنه أهل نجران وهي مدينة معروفة قوله: "لا تبيعوا غائبا بناجز" أي بحاضر قوله: "المؤمن لا ينجس" بضم الجيم من الثلاثي وبفتحها أيضا أي لا يصير نجس العين قوله: "نهى عن النجش" بسكون الجيم هو مدح السلعة بما ليس فيها والزيادة في ثمنها وهو لا يريد شراءها بل ليغر غيره ومنه لا تناجشوا والناجش آكل الربا ولعله فيمن يفعل ذلك برشوة قوله: "أربعة آلاف منجمة" أي مقطعة في أوقات معلومة ومنه نجمتها عليه قوله: "تجرى نجلا" بفتح النون وسكون الجيم أي تنز ماء قليلا وقيل النجل الغدير الذي لا يزال فيه الماء وفي الأصل نجلا يعني آجنا قوله: "استنجي" أي إنزال النجو وهو الغائط سمي نجوا لأنهم كانوا يقصدون به النجوة وهو المرتفع من الأرض ليأخذوا منه ما يزيلون به أثره فسمى باسمه كما سمي الغائط لأنهم كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة وقوله: تعالى {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ} أي نلقيك على نجوة من الأرض من الأصل قوله: {خَلَصُوا نَجِيّاً} قال في الأصل هي أي لفظة نجي كلمة تقال للواحد فأكثر ويقال للجميع أنجية يتناجون أي يتخافتون ومنه قوله: "وإذ هم نجوى" مصدر من ناجيت فوصفهم بذلك والمراد يتناجون ومنه لا يتناجى اثنان دون واحد قوله: {مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ} أي إلى الإيمان قاله مجاهد وهو تفسير باللازم وقال غيره النجاء السلامة وكذلك النجاة وحديث النجوى في الآخرة معناه تقرير الله تعالى العبد على ذنوبه في ستر من الناس
"فصل ن ح" قوله: {قَضَى نَحْبَهُ} وقع في التفسير أي عهده وقيل نذره أي الزامه نفسه ويؤيده قوله: "في طلحة هذا ممن قضى نحبه" والنحب أيضا الموت كأنه ألزم نفسه الموت ولا يفر فوفى بذلك قوله: "بين سحري ونحري" النحر مجمع التراقى في أعلى الصدر ومنه على نحوركما وقوله: نحر الظهيرة هو مبلغ الشمس منتاها من الارتفاع وقوله: "رد كيد الكافر في نحره" كناية عن خيبته قوله: "وكانوا في نحر العدو" أي مقابله قوله: "ونحاس" قال هو الصفر يذاب على رءوسهم قوله: {يَّامٍ نَحِسَاتٍ} أي مشائيم قاله مجاهد قوله: {صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} أي مهورهن عطية وتطلق النحلة على المعتقد قوله: "فانتحى عليها" أي اعتمد قوله: "حتي انتحيت عليها" أي قصدتها فغلبتها وقوله: "صلى نحو بيت المقدس" أي قصده قوله: "فنحوا من الديوان" أي أزيلوا ونحاه أي أزاله وعند الأكثر فمحوا من المحو قوله: "كان على أربعة أنحاء" أي أوجه
"فصل ن خ" قوله: "الناخرة والنخرة سواء" قال بعضهم النخرة البالية والناخرة العظم المجوف الذي تمر فيه الريح قوله: "نخس بعيري" أي طعنه قوله: "فلا يتنخع النخاعة والنخامة بمعنى وسيأتي قوله: "النخاع" بكسر النون والنخع قطع نخاع الشاة وهو خيط عنقها الأبيض الداخل في القفا قوله: "الى نخلة" هو موضع قريب من مكة ونخلة أيضا موضع بسوق المدينة قوله: "منخلا" أي غربالا قوله: "الى نخل قريب من المسجد" ويروي بالجيم وقد تقدم المراد به قريبا قوله: "تنخم رمى بالنخامة" وهو ما يخرج من الفم من رطوبة الرأس أو الصدر وقيل بالميم من الرأس وبالعين من الصدر
(1/193)

"فصل ن د" قوله: "يندبن من قتل من آبائهن" أي يرثينهم والندبة تختص بالثناء على الميت قوله: "انتدب الله" أي سارع إليه بالثواب يقال انتدب فلان في حاجتي أي نهض لها قوله: "فرس يقال له مندوب" يحتمل أن يكون علما عليه ويحتمل أن يكون سمي بذلك لندب فيه وهو أثر الجرح ومنه وأنه لندب بالحجر من ضرب موسى وقوله: "ندب الناس فانتدب الزبير" أي دعاهم فأجاب الزبير قوله: "فند منها بعير" أي شرد ونفر قوله: "أن تجعل لله ندا" بكسر النون أي مثلا وجمعه أنداد ويطلق الند على الضد أيضا قوله: "أندر ثنيته" أي أسقطها قوله: "فأكلوا فندموا" من الندامة قوله: "غير خزايا ولا ندامى" أي نادمين قوله: "نديا" الندى والنادي واحد وهو المجلس الذي يتحدث فيه قوله: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} أي عشيرته كأنه أطلق على الجماعة اسم مجلسهم
"فصل ن ذ" قوله: "النذير" أي المبلغ وأنذرته أعلمته
"فصل ن ز" قوله: "نزحناها ونزحوها" هو استقاء جميع ماء البئر قوله: "نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم" بتخفيف الزاي ويجوز تشديدها أي ألححت عليه قوله: "نزع إلى أهله" أي رجع ومنه وينزع إلى أهله وقوله: "نزع الولد إلى أبيه" أي جذبه وهو كناية عن الشبه ومنه نزعه عرق قوله: "ونزعنا منها ونزعت بموقها" أي استقت وقوله: "لا ينزع هذا العلم انتزاعا" أي يزيله قوله: "شديد النزع" بفتح أوله وسكون الزاي أي شديد جذب الوتر للرمى قوله: "ولم ينزل" أي المني قوله: {يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ} أي يتعاطون قاله مجاهد والمنازعة المجادلة قوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ} أي يستخفنك وهو من الأصل قوله: "لا ينزفون" أي لا تذهب عقولهم وأصل النزف السيلان ومنه فنزفه الدم أي استخرج قوته قوله: "أعد الله له نزلا" أي ضيافة وقال البخاري أي ثوابا قوله: "نزوت لأخذه" أي وثبت وقوله: "فنزا منه الماء" أي ارتفع وظهر قوله: "ستعلم أينا منها بنزه" أي ببعد قوله: "لا يستنزه من البول" أي لا يتباعد
"فصل ن س" قوله: "إن كان نساء" بالفتح ممدود أي مؤخرا وللأكثر نسيا بوزن عظيم ومنه أنسأ الله في أجله أي أخره ومنه ينسأ في أثره قوله: "نسيئة" أي موخرة وقوله: "إنما النسيء" أي التأخير قوله: "في نسب قومها" أي في شرف بيوت قومها قوله: "ونسرا "هو اسم الصنم الذي كان يعبده قوم نوح قوله: {لَنَنْسِفَنَّهُ} يقال نسف الشيء إذا أذراه قوله: "نسكنا ونسكت شاتي والمنسك والمناسك والنسك ومن إحدى نسيكتيك" النسيكة الذبيحة وجمعها نسك والمنسك بفتح السين وكسرها موضع الذبح وأما المناسك فهي مواضع متعبدات الحج واحدها أيضا منسك وهو موضع التعبد قوله: "ينسلون" أي يخرجون قاله بن عباس قوله: "نسم بنيه" بالتحريك أي أرواحهم الواحدة نسمة قوله: "ونسواتها تنطف" وفي رواية ونوساتها وهو أشبه وسيأتي قوله: "فنسيتها" بفتح النون والتخفيف وبضمها مع التثقيل روايتان قوله: "في التفسير وكنت نسبا" أي حقيرا وقيل المراد هنا خرقة الحيض
"فصل ن ش" قوله: "نشأ" أي قام بالحبشية قوله: "فأنشأ يحدثنا وأنشأت سحابة وأنشا رجل" كل ذلك بمعنى الابتداء قوله: "فلم ينشب" بفتح الشين أي لم يمكث وأصل النشوب التعلق فكأنه قال لم يتعلق بشيء غير ما ذكر قوله: "نشيج عمر وقوله: "فنشج الناس يبكون" هو صوت معه توجع وتحزن قوله: "ينشدنك العدل و قوله أنشدك الله" قيل أصله سألت الله برفع صوتي والمعني سألتك بالله أو ذكرتك به والتشديد هو الصوت قوله: "إلا لمنشد" أي لمعرف يقال في الضالة أنشدتها إذا عرفتها ونشدتها إذا طلبتها وأصله رفع الصوت قوله: "ينشرها" أي يخرجها قوله: "نشرا بين يدي رحمته" أي متفرقة وقوله: "فلما نشر الخشبة" أي شقها وقوله: "النشرة" وينشر هو نوع من الاغتسال على هيئة مخصوصة لدفع ضرر العائن قوله: "نشوزا" أي بغضا قاله بن عباس وقال غيره النشوز أحدهما على الآخر قوله: "ناشز الجبهة" أي مرتفعها قوله: "على نشز" النشز المكان المرتفع قوله: "ينشغ للموت" النشغ الشهيق وعلو النفس الصعداء حتي يكاد يبلغ الغشي قوله: "الاستنشاق" هو جذب الماء بالنفس في المنخرين قوله: "انتشل عرقا" أي رفعه وأخرجه قوله: "قال لنشوان" أي سكران
"فصل ن ص" قوله: "نصبا" بفتحتين ويجوز ضم أوله وسكون ثانيه أي تعبا ومنه من النصب والجوع وقوله: "على قدر نصبك" أي تعبك قوله: "فنصب يده" أي مدها ونصب رجله أي أقامها قوله: "ونصبني للناس" أي رفعني لأبصارهم وشهرني قوله: "نصب" بضمتين وبفتح ثم سكون واحد الأنصاب وهي الحجارة التي كانوا يذبحون عليها قوله: "إلى نصب" قرأ الأعمش إلي نصب أي شيء منصوب والنصب بالضم واحد والنصب مصدر قاله المصنف وقال غيره قرأ الجمهور بفتح ثم سكون وقرأ بن عامر وحفص عن عاصم بضمتين والأول هو الشيء المنصوب والثاني قيل مفرد مثل حقب واحد الأحقاب وقيل جمع مثل سقف جمع سقف وقيل مثل كتب جمع كتاب قوله: "جن" نصيبين هي بلد من بلاد الجزيرة معروفة قوله: "ذات منصب" أي قدر ورفعة ونصاب كل شيء أصله قوله: "أنصت" أي اسكت ومنه استنصت الناس أي أمرهم بالسكوت قوله: "توبة نصوحا" قال قتادة الصادقة وقال الزجاج أي بالغة النصح وقيل نصوحا بمعنى منصوح أخبر عنها باسم الفاعل لأن العبد نصح نفسه كما قال عيشة راضية أي ذات رضا قوله: "إذا وجد فجوة نص" أي رفع في سيره وأسرع والنص منتهى الغاية في كل شيء قوله: "وينصح طيبها" أي يخلص وقيل يظهر ورد لازما ومتعديا قوله: "الى المناصع" واحدها منصع وهو الصعيد الأفيح قوله: "مد أحدهم ولا نصيفه" أي نصفه يقال نصف ونصيف وإما قوله: "ونصيف إحداهن" فهو الخمار قوله: "إن يناصفه" أي يقسمه بيننا وبينه نصفين قوله: "فأتاني منصف" روى بفتح الميم وكسرها وهو الوصيف كما فسره في الحديث وإنما يقال لمن يكون صغير يقال نصفت الرجل إذا خدمته قوله: "بنصالها وينظر إلى نصله" النصل حديدة السهم وقوله: "منصل الأسنة" يريد شهر رجب لأنهم كانوا ينزعون أسنة رماحهم إذا استهل قوله: "في نواصي الخيل" أي ملازم لها ولم يرد الناصية خاصة ومنه ناصيته بيد شيطان
"فصل ن ض" قوله: "نضب عنه الماء" أي نفد ونشف قوله: "لحما نضيجا" أي استوى طبخه ومنه ما ينضجون كراعا أي يطبخونه قوله: "فيما سقى بالنضح" أي بالسواني وما في معناها من السقي بالدلو ونحوه وسميت الإبل نواضح لنضحها الماء باستقائها وصبها إياه وقد تكرر في الحديث ذكر الناضح والنواضح قوله: "ينضح" أي يسيل والنضح الرش وقد يأتي بمعنى الصب ومنه تقرصه بالماء ثم تنضح وقوله: "فمن نائل وناضح" أي آخذ وراش قوله: "ينضخ طيبا" بالمعجمة قال الخليل النضخ كاللطخ يبقى له أثر وقال غيره هو أكثر من الذي بالمهملة قوله: "نضاختان" أي فياضتان قاله بن عباس وقال غيره يفوران بكل خير قوله: "طلع نضيد" قال في الأصل هو الكفري ما دام في أكمامه أي هو منضود بعضه على بعض وقال غيره معناه نضد بعضه إلى جنب بعض قوله: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} قال مجاهد الموز وقال غيره المعنى ليس لها سوق بارزة ولكنها منضودة بالورق والثمار من أسفلها إلى أعلاها قوله: "وما فيها من النضرة" أي البهجة قوله: "قدح من نضار" أي خشب جيد والنضار الخالص من كل شيء والنضار الذهب والنضار يتخذ من النبع والأثل ولونه إلى الصفرة قوله: "وقال الحسن نظرة النعيم" النضرة في الوجه والسرور في القلب قوله: "ومنا من ينتضل" أي يرمي بسهمه والمناضلة بالسهام المراماة بها قوله: "ينظر إلي نضيه" بفتح النون وكسر الضاد وتشديد الياء هو القدح وعود السهم
"فصل ن ط" قوله: "النطيحة" أي الدابة تنطح فتموت وقال ابن عباس تنطح الشاة فما أدركته يتحرك فاذبح وكل وقوله: "تنطعه" أي تضربه بقرونها وهو بكسر الطاء وحكى فتحها قوله: "نطعا" وهو الذي يفترش من الجلود وفيه لغات فتح النون وكسرها وسكون الطاء وفتحها والأفصح كسر النون وفتح الطاء قوله: "نطفة" أي المني قوله: "المتنطعون" جمع متنطع وهو المبالغ في الأمر قولا وفعلا وتنطع في الكلام أي بالغ فيه كتشدق والنطع بفتحتين أعلى الفم من داخل وحكى بضم ثم سكون وتقدم ضبط الشدق قوله: "ينطف رأسه" أي يقطر ويسيل ومنه تنطف سمنا وعسلا قوله: "ذات النطاقين" سميت به أسماء بنت أبي بكر لأنها كانت تجعل لها نطاقا فوق نطاق وقيل كان لها اثنان تلبس إحداهما وتحمل في الآخر الزاد إلى أبيها والثاني أصم لأنه جاء عنها صريحا في الصحيح وفي حديث هاجر أول ما أتخذ النساء المنطق بكسر أوله وفتح ثالثه هو النطاق والجمع مناطق وهو أن تلبس الثوب ثم تشد الوسط بشيء وترفع وسط الثوب وترسله على الأسفل لئلا تعثر في الذيل
"فصل ن ظ" قوله: "بخير النظرين" أي خير الأمرين إما الأخذ أو الترك ورد في البيع وفي القصاص قوله: "أن بها النظرة" بفتح ثم سكون أي العين من نظرة الجن قوله: "كنت أنظر المعسر" أي أوخره ومنه استنظرته أي طلبت منه التأخير والاسم منه النظر بفتح ثم كسر قوله: "فقال الحجاج انظرني" أي انتظرني ومنه حسو1 فانظرهم بألف وصل أي انتظرهم ومنه انظرونا نقتبس قوله: "أعرف النظائر" أي الأشباه
"فصل ن ع" قوله: "فنعته وينعتها" النعت الوصف والجمع النعوت قوله: "نعس" بفتح العين من النعاس بضم النون وهو مقدمة النوم قيل تأتي ريح لطيفة من قبل الدماغ إلي العين فتغطى العين هذا هو النعاس فإذا وصل إلى القلب فهو النوم قوله: "نعجه" أي امرأة قاله مجاهد قوله: "نعشهم" أي جبرهم وقوله: "وانتعش المريض" أي أفاق قوله: "تنعق بغنمها" أي تصيح ومنه وينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس قوله: "نعل السيف" هي الحديدة التي تكون في أسفل القراب قوله: "فنعله" أي ألبسه النعل والنعل التي تلبس في الرجل معروفة وقوله: "ينتعلون الشعر" أي نعالهم من حبال مضفورة من شعر وقد يحتمل أن مراده كمال شعورهم ووفورها حتى يطؤنها بأقادامهم قوله: "حمر النعم" بفتحتين أي الإبل وحمرها أفضلها والنعم الإبل خاصة وإذا قيل الأنعام دخلت معها البقر والغنم وقيل بل النعم للثلاثة ومنه قوله: "بنعمهم" قوله: "نعما ثريا" بفتحتين أي إبلا كثيرة وجاء بكسر أوله
ـــــــ
1 قوله حسو كذا هو في نسخة سقوط هذه اللفظة مع الجملة بعدها

جمع نعمة قوله: "فأنعم أن يبرد" أي بالغ فأحسن قوله: "لم أنعم أن صدقهما" أي لم تطلب نفسي بذلك قوله: "ولا نعمة عين" أي لا تقر عينك بذلك والنعمة بالفتح وبالضم المسرة وبالكسر ما أنعم الله على عباده قوله: "نعما" أي نعم الشيء فبولغ فيه وقد تكرر مثل نعم كذا كنعم الرجل ونعم المجيء قوله: "نعي النجاشي" أي أخبر بموته قوله: "نعي أبي سفيان" بكسر العين والتشديد أي الخبر بموته قوله: "فسمعت الناعي" اسم الفاعل من النعي قوله: "ينعى على قتل رجل" أي يعيبه به ويوبخه
"فصل ن غ" قوله: "ما فعل النغير" بالتصغير هو طائر يشبه العصفور قيل أحمر المنقار قوله: "نغض كنفه " بضم أوله وسكون الغين هو فرع الكتف الذي يتحرك قوله: "فسينغضون" أي يهزون قاله بن عباس
"فصل ن ف" قوله: "نفث ثلاث نفثاث وقوله جعل ينفث" بمثلثة أي ينفخ في الرقية كالذي يبزق وقيل لا بزاق فيه فإن كان فهو التفل وقيل هما بمعنى قوله: "نفث في روعي" أي ألقى إلي وأوحي والروع النفس قوله: "أنفجنا أرنبا" أي أثرناها فنفجت أي وثبت ووهم من ذكره بلفظ بعجنا بموحدة ثم عين مهملة ثم جيم وفسره بشق البطن ويرده فسعيت حتى أدركتها قوله: "ينفح منه الطيب" أي يظهر ريحه والنفحة دفع الدابة برجلها قوله: "نفد" أي فرغ قوله: "ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي يدافع ويخاصم قوله: "ينفذهم البصر" بفتح أوله وبالذال المعجمة أي يحيط برؤيتهم قوله: "حتى نفذ" أي خلص قوله: "أنفذ" أي أرسل قوله: "ولينفذن الله أمره" أي يمضيه قوله: "هؤلاء النفر" أي الجماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة قوله: "ونفرنا خلوف" أي جماعتنا غيب قوله: {مُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌْ} أي نافرة مذعورة قوله: "ولا تنفروا وأن منكم منفرين" هو من النفار وهو الشرود والهرب ومنه نفور الدابة قوله: "فانفروا ولينفر" هو يوم رحيل الناس من مني ويوم النفر هو اليوم الثالث من أيام منى قوله: "نفور" بفتح أوله أي كفور وأما بضم أوله فمن النفرة قوله: "أكثر نفرا" أي عددا أو جماعة قوله: "لعلك نفست" أي حضت والنفساء التي ولدت والجمع نفاس مثل كرام قوله: "نفاسة" أي حسدا ومنه لم ينفس عليك ومنه ولا تنافسوا قوله: "أنفسها عند أهلها" أي أفضلها قوله: "فأنفسهم" بفتح الفاء أي أعجبهم وعظم في نفوسهم قوله: "فلينفس عن معسر" أي يؤخر قوله: "ولا يتنفس في الإناء" أي ينفخ فيه وهو يشرب قوله: "مما يخرج من الأنفس" يشير إلى الريح الخارجة من الدبر يصوت قوله: "اقتلتت نفسها" أي توفيت فجأة والمراد بالنفس الروح وتكرر في مواضع قوله: "اذ نفشت فيه غنم القوم" أي رعت قوله: "حمى بنافض" أي برعدة قوله: "فلم ينفض به" أي يتمسح ومنه قوله: "استنفض بهن" قوله: "نفض الأديم" أي أجهدها وأعركها كما يعرك الأديم قوله: "فنفط" بكسر الفاء أي ورم قوله: "نافق والنفاق والمنافقين" أصله إظهار شيء باطنه بخلافه واشتقاقه من نافقاء اليربوع قوله: "منفقة السلعة" أي سبب لسرعة بيعها قوله: "الأنفال ونفلني ونفلنا النفل" بفتح الفاء الزيادة وأطلق على الغنيمة لأن الله زادها لهم فيما أحل لهم مما حرم على غيرهم قال المصنف النافلة العطية ويطلق النفل أيضا على اليمين قوله: "نفهت نفسك" بكسر الفاء أي أعيت وكلت قوله: "نفي ولده" أي أنكره والنفي الإبعاد

"فصل ن ق" قوله: "أنقاب المدينة" جمع نقب أي مداخل المدينة أبوابها وفوهات طرقها قوله: "وإذا نقب مثل التنور" هو شق في الحائط يتخلص منه إلى ما وراءه قوله: "نقبت أقدامنا" بكسر القاف أي تقرحت وقطعت الأرض جلودها قوله: "كان أحد النقباء" جمع نقيب وهو مقدم القوم وأنقب عنه أي أفتش قوله: "نقبوا في البلاد" أي ضربوا قاله مجاهد وقال غيره جالوا فيها وبحثوا وسلكوا أنقابها قوله: "لا تنقبث ميرتنا تنقيثا" أي تنقلها قوله: "نقد لي ثمنه" أي عجله والنقد في الزكاة العين قوله: "نهي عن النفير" وهي النخلة ينفر أصلها وينبذ فيها قوله: "نقره بالفعل الماضي أن عضه بمخلبه قوله: "الناقور" أي الصور قوله: "ينقزان القرب" أي يثبان بها والنقز الوثب قوله: "الناقوس" هي آلة من نحاس أو غيره يضرب فيها فتصوت قوله: "إذا شيك فلا انتقش" أي إذا أصابته شوكة فلا وجد من يخرجها والانتقاش إخراج الشوكة من الرجل وأصله من المقاش الذي يستخرج به قوله: "من نوقش الحساب" أي استقصى عليه والمناقشة الاستقصاء قوله: "لا ينقصان" أي معا في سنة واحدة قال الخطابي غالبا وقيل لا ينقص الثواب بسبب نقص العدد وقيل لا ينقص أحدهما عن الآخر في الأجر وهذا أضعفها قوله: "لنقضت الكعبة" أي هدمتها قوله: {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} أي أتقن كذا في الأصل قال الفربري قال أبو معشر الصواب أثقل وهو مأخوذ من النقيض وهو صرير رجل الدابة من ثقل الحمل قوله: "أن ينقض" أي ينهدم قوله: "انقضي رأسك" أي حلي ضفائره قوله: "النقع التراب" وقيل الغبار وقيل الصوت وقوله: "نقعا" أي غبارا قوله: "أتى النقيع" هو موضع سوق بالمدينة وقوله: "حمى النقيع" هو واد بينه وبين المدينة عشرون فرسخا ومساحته ميل في بريد قال الخطابي صحفه بعضهم بالموحدة وحكى أبو عبيد البكري فيه الوجهين ووقع عند الأصيلي كالأول لكن بالباء1 وغلطوه قوله: "منق" قال أبو عبيد جاء بكسر النون ولا أعرفه وإنما هو بالفتح الذي ينقي الطعام وقال غيره بالكسر هو من النقيق وهو صوت المواشي كالدجاج قوله: "ولا سمين فينتقل" أي يذهب من الانتقال ويروي فينتقى أي يرغب فيه ويختار قوله: "ما ينقم بن جميل" أي ينكر أو يعيب قوله: "حتي نقهت" أي أفقت من مرضي قوله: "ما رأى النقي وقرصه النقي" بفتح النون وكسر القاف والتشديد أي الدرمك قوله: "التي لا تنتقى" أي ليس لها نقي بكسر النون وسكون القاف والتخفيف وهو الشحم وأصله مخ العظم قوله: "وكان منها نقية" أي أرض بيضاء قوله: "والشمس نقية" أي بيضاء صافية
"فصل ن ك" قوله: "ينكأ العدو" كذا الرواية بفتح الكاف والهمز وهي لغة والأشهر في هذا ينكى والمراد المبالغة في الأذى قوله: "لناكبون" أي عادلون من الأصل قوله: "على منكبه" تقدم في الميم قوله: "نكبت أصبعه" أي أصابها حجر فأدماها قوله: "ينكت بقضيب" أي يضرب به الأرض حتى يؤثر فيها ومنه فنكت في قلبه قوله: "أنكاثا" أي نقضا والنكث النقض قوله: "نكح ونكحت والنكاح" يطلق على العقد وعلى الجماع ومنه ما أنت بناكح حتى تنقضي العدة وأكثر ما ورد في الكتاب والسنة بمعنى العقد قوله: "إلا نكدا" أي قليلا أو عسرا قوله: "نكرهم" أي استنكر هيئتهم قوله: {نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} أي غيروا صفته قوله: "شيئا
ـــــــ
1 قوله "لكن بالباء" لعله "لكن بالفاء" كما في المغانم المستطابة للفيروزبادي صفحة 416
نكرا" أي داهية قوله: "نكس" أي أطرق ونكسوا أي أطرقوا وانتكس أي انقلب على وجهه قوله: "نكسوا" أي ردوا إلى وراء قوله: "ويأسها من بعد أنكاسها" الأنكاس جمع نكس بالكسر وهو الضعيف قوله: "نكص على عقبيه وعلى أعقابهم ينكصون" أي يرجعون على العقب قوله: "انكالا" أي قيودا أو عقوبة قوله: "كالمنكل لهم" التنكيل العقوبة قولة ينكلوا بضم الكاف والنكول الامتناع
"فصل ن ل" قوله: "نلت منها" أي أخذت وكذا تمكنت منها بما أريد
"فصل ن م" قوله: "نمرقه " بضم النون والراء ويقال بالكسر فيهما هي الوسادة قوله: "نمرة" بكسر الميم جمعه أنمار وهي الشملة المخططة من صوف قوله: "الناموس المراد به جبريل وهو في الأصل صاحب سر الملك قوله: "النامصة" أي التي تنتف الشعر والمتنمصة التي تطلبه قوله: "اتخذتم انماطا" النمط بالفتح ظهر فراش ويطلق على ما تغشى به الهوادج والنمط أيضا الصنف والطريق قوله: "لا يدخل الجنة نمام وقوله يمشي بالنميمة" هو نقل كلام الناس لقصد الإفساد قوله: "فنميت ذلك" أي نقلته قوله: "ينمي ذلك" أي يرويه
"فصل ن ه" قوله: "نهب إبل" أي غنيمة إبل قوله: "نهى عن النهي" بالضموكذا النهبة ولا ننتهب كله اسم الانتهاب وهو أخذ الجماعة الشيء على غير اعتدال قوله: "وإني لأنهج" بفتح الهاء أي أنفخ من التعب وقوله: "النهد" بالكسر هو طعام الصلح بين القبائل وكذا المسافرون إذا جمعوا أزوادهم ونهد إليه مثل نهض والنهد أيضا الثدي قوله: "فانتهرهما أبو بكر" أي صاح عليهما قوله: "ما أنهر الدم" أي ما أسأله وصبه بكثرة قوله: "ناهزت الاحتلام" أي قاربته قوله: "لا ينهزه إلا الصلاة" أي لا ينهضه قوله: "فنهس منها نهسة بالمهملة وقيل بالمعجمة وقيل النهس الأكل من اللحم وأخذه بأطراف الأسنان وبالمعجمة بالأضراس وقال الخطابي بالمهملة أبلغ من المعجمة قوله: "نهيق الحمير" أي صوتهم قوله: "تنتهك ذمة الله" أي تستباح ويتناول ما لا يحل قوله: "نهكتهم الحرب" بكسر الهاء أي أثرت فيهم ونالت منهم ونهك الرجل المرض إذا أضعفه قوله: "المنهل كل ماء ترده على الطريق فإذا كان على غير الطريق فلا يسمى منهلا قوله: "نهمته من سفره" بفتح النون أي رغبته وشهوته قوله: "التقي ذو نهية " بضم النون وتفتح أيضا وسكون الهاء أي عقل وانتهاء عن فعل القبيح قوله: "فتناهى بن صياد" أي انتهى عن الكلام قوله: "لأولي النهى " بضم النون أي العقول وقال ابن عباس التقي قوله: "سدرة المنتهى" فسرت في الخبر بأنها ينتهى إليها ما دونها فلا يتجاوزها
"فصل ن و" قوله: "فذهب لينوء" أي ليقوم وينهض قوله: "لتنوء بالعصبة" أي لتثقل قوله: "ونواء على أهل الإسلام" أي معاداة لهم قوله: "مطرنا بنوء كذا" أي بنجم كذا والنوء عند العرب سقوط نجم من نجوم المنازل الثمانية والعشرين وهي معينة بالمغرب مع طلوع الفجر وطلوع مقابله من قبل المشرق قوله: "للشرف النواء" بكسر النون ممدود أي السمان قوله: "نتناوب النزول" أي ننزل بالنوبة قوله: "فكانت نوبتي" أي وقتي قوله: "واليك أنبت" أي رجعت والأبانة التوبة والرجوع قوله: "من نابه شيء" أي نزل به قوله: "يتناوبون الجمعة" أي ينزلون إليها قوله: "لنوائبه" أي حوائجه ولوازمه التي تحدث له قوله: "نهى النياحة" والنوح أصله التناوح وهو التقابل ثم استعمل في اجتماع النساء وتقابلهن في البكاء على الميت قوله: "ان ينوروا نارا" أي يظهروا نورها قوله: "أناس من حلى أذني" أي ملأها حليا ينوس أي تحرك قوله: "ونوساتها تنظف" أي قرون رأسها تقطر الماء وروى نسواتها وهو مقلوب قوله: "ولا حين مناص" أي حين فرار والنوص الهرب قوله: "في نواصيها الخير" جمع ناصية وهي مقدم الرأس قوله: "مالك تنوق في قريش" من النيقة بكسر النون وسكون المثناة وهو فعل المختار في الأمور قوله: "ناقة منوقة" أي مذللة قوله: "بغير نول" أي جعل وقوله: "فيما نال من أجر" النول الأجر والنيل بالفتح العطية قوله: "ما نال للرجل" أي حان قوله: "ما نولك أن تفعل" أي ما حقك قوله: "تناولت" أي مددت يدي فأخذت قوله: "حتى تناولتها" أي أخذتها بلساني والمراد الشتم والذم قوله: "المناولة هي الإعطاء وفي الاصطلاح إعطاء الكتاب للطالب ليرويه عنه ويشترط أن يصرح بالإذن على الصحيح قوله: "في قصة أمية بن خلف حين نام الناس" أي قيلوا ومنه فأنيموهم أي أقيلوهم قوله: "زيادة كبد النون وقوله أخذ نونا" أي حوتا والنينان الحيتان قوله: "وزن نواة من ذهب قال أبو عبيد هي خمسة دراهم وقيل اسم يطلق على ما زنته ذلك وقيل قدر نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم قوله: "النوى" هو المكان البعيد وقد يطلق على البعد نفسه قوله: "أنوي" أي قصد مكانا بعيدا
"فصل ن ي" قوله: "لا يعني إلا نيئة" بالكسر والمد والهمز ضد النضيج قوله: "حتى بدت أنيابه" الناب السن الذي خلف الرباعية قوله: "فمن نائل وناضح" أي فمن مدرك وأخذ ومنه مع ما نال من أجر أو غنيمة قوله: "نلت من فلان" أي سببته ومنه فنال من عرضه

"حرف الهاء"فصل ه أ" قوله: "هاء وهاء" بالمدينة ويروي بالقصر وقيل معناه هاك فأبدلت الكاف همزة وأبقيت حركتها عليها أي هاك وهاك بمعنى خذ وخذ كأن كل واحد منهما يقول ذلك لصاحبه وقيل معناه هاك وهات قوله: "إذا قال ها ضحك الشيطان" هي حكاية صوت المتثائب
"فصل ه ب" قوله: {هَبَاءً مَنْثُوراً} قال ابن عباس الهباء ما تسفى به الريح وقال غيره ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيه بالغبار قوله: "هبت الركاب" أي ثارت قوله: "هب ساعة من الليل" أي قام من نومه قوله: "هبورا هي لغة نبطية بتشديد الموحدة وهو دقاق الزرع قوله: "اعل هبل" هو اسم الصنم الأكبر الذي كانوا يعبدونه وكانوا قد وضعوه على الكعبة قوله: "لم يهبلن" أي لم يغشهن اللحم قال الخليل التهبل كثرة اللحم
"فصل ه ت" قوله: "فهتف بي البواب" أي ناداني معلنا قوله: "فهتكه" أي جذبه فقطعه
"فصل ه ج" قوله: "تهجد" أي قام من الليل والهجود من الأضداد يقال للقيام وللنوم قوله: "اهجر" بهمزة الاستفهام والاسم الهجر وهو الهذيان ويطلق على كثرة الكلام الذي لا معنى له قيل وهو استفهام إنكار قوله: "لو تعلمون ما في التهجير والصلاة بالهاجرة والمهجر" قال الخليل وغيره الهجير والهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر قوله: "هجرة إلى" الهجرة الترك وهي هنا التحول من دار إلى دار قوله: "مجوس هجر وقلال هجر هي بلد معروف من ناحية البحرين قوله: "هجع" أي نام قوله: "هجمت عينك" بفتح الميم مخففا أي غارت وقوله: "انهجم عليهم الغار" أي سقط قوله: "الهجين" هو الذي أبوه عربي دون أمه
"فصل ه د" قوله: "هذا نفسه" أي سكن قوله: "الهدأة" بسكون الدال وفتح الهاء والهمزة موضع بين عسفان ومكة وبين مكة والطائف موضع آخر غير هذا يقال له الهدة بغير همزة وينسب إليه هدوى قوله: "مهدبة" أي لها هدب وواحدتها هدبة وبها سمي الرجل قوله: "هدد بن بدد" اسم علم على رجل قوله: "فأهدها" أي أبطلها فلم يجعل فيها قصاصا قوله: "هدنة" أي صلح قوله: "الهدي وأشبه الناس هديا أي طريقة وسمتا قوله: "يهادي بين اثنين" أي يمشي مشيا ثقيلا والتهادي المشي الثقيل مع التمايل قوله: "هدوا إلى الطيب من القول" أي ألهموا وهو من الهداية قوله: "أو لم يهد لهم" أي يبين لهم قوله: "هديناهم" أي دللناهم على الخير والشر ك قوله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} ومنه { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} إما شاكرا وإما كفورا والهدي بضم الهاء والقصر والإرشاد والإسعاد ومنه أولئك الذين هدى الله قوله: "أهدى الهدى" بفتح الهاء وسكون الدال هو ما يهدى إلي البيت من بقرة وبدنة وشاة وأهل الحجاز يخففونه وبعض العرب يثقلونه قوله: "هدنا" أي تبنا
"فصل ه ذ" قوله: "هذبوا ونقوا" أي أخلصوا وصفوا قوله: "هذا كهذ الشعر" أي سرعة بالقراءة وعجلة والهذ السرعة
"فصل ه ر" قوله: "الهرج" فسره في الحديث القتل وفي رواية بلغة الحبشة قال عياض هي وهم من قول بعض الرواة وإلا فهي عربية صحيحة قلت كونها عربية لا يمنع كونها بلغة الحبشة فإن لغتهم توافق اللغة العربية في أشياء كثيرة قوله: "هرة" أي قطة قوله: "إلى مهراس" هو الحجر الذي يهرس به الشيء قوله: "ثنية هرشا" بسكون الراء وبالمعجمة جبل من تهامة قرب الجحفة قوله: "يهرعون" أي يسرعون قوله: "هريقوا عليه" هو من الأمر بالإراقة والهاء مبدلة من الهمزة ومنه أهرق هذه القلال قوله: "هرمة" أي كبيرة إلي الغاية ومنه أعوذ بك من الهرم قوله: "هرولة وأهرول ويهرولون" قال الخليل الهرولة بين المشي والعدو
"فصل ه ز" قوله: "أتستهزيء بي" الهزء السخرية قوله: "تهتز" قال الخليل اهتزت الأرض إذا أنبتت واهتز النبات إذا طال وقوله: "اهتز العرش" أي استبشر وقيل المراد الملائكة قوله: "هزيلة" تصغير الهزل وهو ضد الجد
"فصل ه ش" قوله: "هشمت البيضة" أي كسرت قوله: "فأصبح هشيما" أي جافا
"فصل ه ص" قوله: "هصر ظهره" أي ثناه وعطفه إلى أسفل مستويا
"فصل ه ض" قوله: "هضبة" بسكون الضاد هي الصخرة الراسية العظيمة وجمعها هضاب وقيل الجبل المنبسط على الأرض قوله: "طلعها هضيم" أي يتفتت إذا مس كذا في الأصل وقال غيره هو المنضم في وعائه قبل أن يظهر قوله: "لا تخاف ظلما ولا هضما" أي نقصا
"فصل ه ط" قوله: "مهطعين إلى الداعي" أي النسلان كذا في الأصل وقال غيره أهطع الرجل فهو

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 02:27 AM
مهطع إذا أسرع وقال ثعلب المهطع هو الذي ينظر في ذل وخشوع
"فصل ه ل" قوله: "الهلع" قيل قلة الصبر وقيل الحرص قوله: "سلطه على هلكته" أي أهلاكه قوله: "قلادة هلكت" أي ضاعت وقوله: "فإن العلم لا يهلك" بكسر اللام وحكى الفتح أي لا يضيع قوله: "مهل أهل المدينة وقوله أهل الهلال و قوله الإهلال واستهل الشهر" أصل الاستهلال رفع الصوت وأصل الإهلال قول لا إله إلا الله ثم إطلق على رفع الصوت بالتلبية قوله: "يتهلل وجهه" أي يشرق حتي كأنه الهلال وفي الأصل يقال أهل تكلم به واستهللنا الهلال واستهل المطر من السحاب واستهل الصبي كله من الظهور قوله: "وما أهل به لغير الله" أي ما ذبح لغيره وأصله رفع الذابح صوته بذكر من ذبح له قوله: "هلم" قال في الأصل لغة أهل الحجاز للواحد والإثنين والجمع انتهى وصرفه غيرهم ومنه حديث أبي هريرة في الملائكة السيارة فيقولون هلموا
"فصل ه م" قوله: "همزة لمزة" الهامز الغائب في الغيبة والحضرة وهذا البناء من صيغ المبالغة قوله: "من همزات الشياطين" أي طعنهم وقيل خطراتهم بقلب الإنسان قوله: "إلا همسا" أي صوتا خفيا قوله: "همل النعم" بفتح الميم هي الإبل بغير راع وكذا غيرها قوله: "إذا هم أحدكم" أي قصد واعتمد بهمته وهو أول العرم قوله: "الهيمان" أي تكة اللباس ويطلق على ما يوضع فيه النفقة في الوسط
"فصل ه ن" قوله: "فلم يقربها إلا هنة واحد"ة بتخفيف النون وحكى تشديدها وأنكره الأزهري والمراد بالهنة هنا المرة الواحدة الضعيفة قوله: "وذكر هنة من جيرانه" أي حاجة قوله: "أسمعنا من هنياتك" بالتصغير جمع هنة أي من أمورك وفي رواية من هنيهاتك وهو تصغير هنيهة1 وهو مما تقدم وزيدت فيه الهاء قوله: "يا هنتاه" قال الخليل إذا دعوت امرأة فكنيت عن اسمها قلت يا هنة فإذا وصلتها بالألف والهاء وقفت عندها في النداء فقلت يا هنتاه ولا يقال إلا في النداء قوله: "هنية" تصغير هنة قوله: "لست هناك هنا اسم للمكان والمعني لست في تلك المنزلة
"فصل ه و" قوله: "وأفئدتهم هواء" أي جوف لا عقول لهم قاله في الأصل وقال غيره أصله من الهواء الذي لا يثبت فيه شيء فهو خال قوله: "هودجها وقوله هودجي" الهودة ما تركب فيه المرأة على الجمل وهو كالمحفة عليه قبة قوله: "هادوا" أي صاروا يهودا من الأصل وقال غيره هادوا تابوا قوله: "يتهوع" أي يتقيأ قوله: "عذاب الهون" أي الهوان والهون بالفتح الرفق قوله: "آذاك هوامك" جمع هامة بالتشديد وهو يطلق على ما يدب من الحيوان كالقمل وشبهه وعلى دواب الأرض من حية وذات سم ومنه من كل شيطان وهامة قوله: "وكيف حياة أصداء وهام" قيل كانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لا يؤخذ بثأره تصير هامة وهي كالطير وقيل هي البومة وأنها تقول اسقوني اسقوني حتي يؤخذ بثأره وجاء الإسلام برفع ذلك ومنه لا هامة وهو بالتخفيف قوله: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} أي ألقاه في هوة قوله: "هوى" أي نزل قوله: "فقد هوي" قال ابن عباس أي شقي قوله: "فاهويت لأنزع" أي ملت وقوله: "استهوته" أي أضلته
"فصل ه ي" قوله : "أتهيبني" من الهيبة وهي الخوف قوله: "هيت لك" قال عكرمة معناه هلم وقال
ـــــــ
1 قوله "هنيهة" فيه نظر، والصواب تصغير هنة كما في الفنح جزء 7 ص374، ونظيره سنة وسنيهة


بن جبير تعاله وقرأ بن مسعود بكسر الهاء ومعناه تهيأت لك قوله: "لا تهيج الريح الرسل" أي ما تحرك عليهم شيئا ومنه قوله: هاجت السماء وهاج المطر قوله: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} أي هائر يقال تهورت البئر إذا انهدمت ومثله انهار قوله: "كثيب أهيل أو أهيم" أما بالميم فلا معنى له هنا والمعروف باللام وقيل معنى الذي بالميم الذي لا يتماسك فشبه بالإبل الهيم ومنه كثيبا مهيلا وهو الرمل السائل قوله: "ومهيمنا عليه" أي شاهدا ويقال قائما ويقال أمينا قوله: {شُرْبَ الْهِيمِ} أي الإبل التي يصيبها الداء الذي يقال لها الهيام يكسبها العطش فلا تروي حتى تموت قوله: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} أي بعيد بعيد قاله في الأصل وقال غيره أصلها هاها وهو ما يقال عند الحث على السير السريع


حرف الواو
...
قوله: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ} أي أمامهم ومثله من ورائه جهنم وقوله: "يقاتل من وراء الإمام" قيل معناه بين يديه قوله: "يوم وردها" بكسر الواو أي شربها قوله: "وردا" أي عطاشا والورود الأخذ في الشرب قوله: "ورطات الأمور" جمع ورطة بسكون الراء أي شدائدها ومالا يتخلص منه قوله: "هل فيها من أورق وأن فيها الورقا" الورقة من الألوان في الإبل التي تضرب إلي لون الرماد قوله: "واروا الصبى" أي ادفنوه قوله: "وروى بغيرها" أي سترها وأوهم بذكره أن مراده غيرها قوله: "توارى" أي تغطى قوله: "ولا توروا نارا" أي توقدوا قوله: "حتى يريه هو" من الورى" بفتح الواو وسكون الراء داء يصيب الرئة
"فصل و ز" قوله: "لا وزر" أي لا حصن كذا في الأصل وقال غيره الوزر بالفتح المكان الذي يلتجأ إليه قوله: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أي لا يؤخذ أحد بذنب أحد والوزر الثقل والجمع أوزار وقوله: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} قال أي آثامها وقال غيره الأوزار السلاح والوزر ما يحمله الإنسان وسمي السلاح بذلك قوله: "أوزاع" أي جماعات متفرقون وأصله من التوزيع وهو الانقسام ومنه فقاموا إلى غنيمة فتوزعوها قوله: "يوزعون" أي يكفون قوله: "أوزعني" أي اجعلني في الأصل وقال غيره ألهمني قوله: "وازت برءوسنا وقوله وازى" هو من الموازاة وهي المقابلة
"فصل و س" قوله: "الوسادة" هي ما تجعل تحب الرأس عند النوم وقد تكرر ومنه واضطجعت في عرض الوسادة قوله: "إذا وسد الأمر " بضم أوله والتشديد ويخفف أي أسند وجعل في غير أهله وأصله أن الملك كان يجعل له وسادة عليها ليعلو مجلسه قوله: "وسطا" الوسط العدل قوله: "وما وسق" أي وما جمع قوله: "خمسة أوسق" جمع وسق بفتح أوله وسكون ثانيه وحكى كسر أوله وهو ستون صاعا قوله: "الوسيلة" هي منزلة في الجنة قوله: "اتسق" أي استوى قوله: "المتوسمين" أي الناظرين بعين البصيرة قوله: "الوسم في الصورة" أي العلامة ومنه ليسم إيل الصدقة والميسم الآلة قوله: "يخضب بالوسمة" هو نبت يخضب بورقة الشعر أسود قوله: "أوسم" أي أجمل من الوسامة وهي الجمال قوله: "الموسوس والوسواس ووسوست به صدورها" الوسوسة حديث النفس ويطلق الموسوس على من أختلط كلامه ودهش
"فصل و ش" قوله: "أوشاب" أي أختلاط قوله: "الوشاح" هو سير ينظم فيه خرز تتوشح به المرأة قوله: "يوشك وأوشك" أي يسرع وأسرع قوله: "الواشمة والمستوشمة والموشومة" هو من الوشم وهو شق الجلد بإبرة وحشوه كحلا أو غيره فيخضر مكانه قوله: "موشيا" أي مصبوغا بالوشى وهو من الحرير رفيع السنعة قوله: "يستوشبه" أي يستخرجة
"فصل و ص" قوله: "لا وصب" أي لا مرض قوله: "عذاب واصب" أي دائم قوله: "الوصيد هو الفناء وجمعه وصائد ووصد ويقال الأصيد الباب قوله: "مؤصدة" أي مطبقة قوله: "بالوصيف" أي الخادم الصغير ذكرا كان أو أنثى وقيل المراد به هنا القبر قوله: "تقطعت أوصاله" أي أعضاؤه ومفاصله قوله: "نهى عن الوصال" أي صوم الليل والنهار دون فطر في الليل قوله: "الوصيلة" هي الشاة إذا ولدت ستة أبطن عناقين عناقين ثم ولدت في السابعة عناقا وجديا قالوا وصلت أخاها فأحلوا لبنها للرجال دون النساء فإذا ولدت في السابع ذكر فللنساء دون الرجال فإن ولدت ميتا أكلوه كلهم قوله: "الواصلة والموصولة" هو من وصل الشعر في الرأس .


قوله: "صلة الرحم ومن وصلها وصله الله" قالوا صلة الرحم بر من يجمع بينه وبينه في النسب أنثى
"فصل و ض" قوله: "الوضوء" بالضمالفعل والاسم بالفتح وهو الماء الذي يتوضأ به وأصله النظافة ثم نقل في الشرع إلي كيفية مخصوصة قوله: "أوضأ منك" أفعل من الوضاءة قوله: "وضح وجهه" أي بياضه قوله: "على أوضاح" هي نوع من الحلي سميت بذلك لبياضها لأنها تعمل من الفضة قوله: "وضر من صفرة" أي لطخ من خلوق أو طيب له لون قوله: "فنضع كما تضع الشاة" أراد أن نجوهم كان يخرج بعسر ليبسه من أكلهم ورق السمرقندي وعدم الغذاء المألوف قوله: "يستوضع الآخر" أي يطلب منه الوضيعة وهي ترك بعض الدين قوله: "موضونة" أي منسوجة قوله: "الوضين" هو بطان منسوج بعضه على بعض يشد به الرحل على البعير كالحزام للسراج
"فصل و ط" قوله: "وطاء" أي مواطأة وهي الموافقة قوله: "اشدد وطأتك" أي عقوبتك وأخذك قوله: "والأوطاب فغض" جمع وطب وهو سقاء اللبن خاصة ووقع في النسائي الوطاب وهو القياس قوله: "الطلاق عن وطر" أي غرض قوله: "المواطن" جمع موطن وهو كل مقام أقام به الإنسان
"فصل و ع" قوله: "وعاءين وقوله وعاءها" واحد الأوعية وهي ما يحفظ فيه الشيء قوله: "وعك أبو بكر" أي مرض قوله: "استوعى الزبير حقه" أي استوفاه واستوعبه وقوله: "لا توعى فيوعى عليك" أي لا تحصى قوله: "واعية" أي حافظة وقوله: "وتعيها" أي تحفظها من الأصل قوله: "الواعية" أي الصارخة المعلمة بموت من مات
"فصل و ف" قوله: "وفد عبد القيس" الوفد الزائر والمراد به هنا من يقدم على الرئيس من قومه قوله: "موفرا" أي طيبا أو كاملا قوله: "موفورا" أي وافرا كذا في الأصل وقال غيره وفرته فهو موفور أي غير ناقص والمراد لا ينقص من جزائه شيئا قوله: "فوا ببيعة الأول" أمر بالوفاء قوله: "أن يفى به" أي لا يغدر قوله: "موافين" أي مقاربين
"فصل و ق" قوله: "وقب" أي أظلم قوله: "وقت" أي حدد قوله: "وقيذ" أي قتيل بلا ذكاة وقوله: "الموقوذة قال هي التي تضرب بالخشب فتموت قوله: "وقر في أنفسهم" أي تمكن ومنه وقر الإيمان في قلبي قوله: "وقر" بالفتح أي صمم قوله: "الوقار" أي السكينة وقوله: "وقارا" أي عظمة قوله: "وقصته ناقته أو أوقصته" الوقص كسر العنق قوله: "بمواقع النجوم" أي بمساقط النجوم إذا سقطت وقيل محكم القرآن كذا في الأصل وقال ابن عباس النجوم نجوم القرآن ونزوله شيئا بعد شيء قوله: "أن ابن أختي وقع" بكسر القاف مصروف أي مريض قوله: "يتقي بجذوع النخل" أي يجعلها وقاية له
"فصل و ك" قوله: "وكاءها" بالمد هو الخيط الذي يربط به الظرف ومنه لم تحلل أوكيتهن وقوله: "لا توكى فيوكى الله عليك" أي لا تضيقي على نفسك في النفقة كنى عن ذلك بالربط قوله: "موكب جبريل" أي هيئة عسكره عند ركوبه قوله: "الوكت" فسره في الأصل أثر الشيء الصغير منه قوله: "وكزه" أي طعنه قوله:


ولا وكس" أي لا نقص قوله: "وكف المسجد" أي قطر سقفه بالماء قوله: "وكل بالرحم ملكا" روى بالتخفيف والتشديد أي استكفاه ذلك وكفله إياه قوله: "من توكل لي ما بين رجليه" أي تكفل
"فصل و ل" قوله: "فولجت عليه" أي دخلت قوله: "فليلج النار" أي فليدخلها ومنه وولج عليه شاب وقوله فليلج عليك قوله: "وليجة" قال في الأصل كل شيء أدخلته في شيء فقد أولجته فيه ومنه يولج الليل في النهار قوله: "وليدة" أي أمة قوله: "شاة والد" أي معها ولدها قوله: "نهى عن قتل الولدان" أي الأطفال قوله: "ولغ" أي شرب بلسانه قوله: "مزينة موالى" أي أوليائي المختصون بي قوله: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} بالتشديد وهي قراءة العامة أي يرويه بعضهم عن بعض قاله مجاهد وقالته بالتخفيف وكسر اللام عائشة وهو من الولق أي الكذب قوله: "أولم" أي جعل وليمة وهي ما يصنع من الطعام عند السرور والمراد به هنا التزويج وقال صاحب الأفعال الوليمة طعام النكاح قوله: "أولى الناس بعيسى" أي أخصهم به وأقربهم إليه وفي المواريث فالأولى رجل ذكر أي أقرب وأقعد والمولى يقع على الولي بالنسب والاسم منه الولاية بالفتح وعلى القيم بالأمر والاسم منه الولاية بالكسر وعلى المعتق من فوق ومن أسفل والاسم منه الولاء وعلى الناصر والحليف وابن العم والعصبة قال الفراء المولي والولي واحد والمولي يطلق أيضا على أشياء منها التابع والمحب والجار والمأوى والصهر والأخ والابن وابن الأخت والشريك والصاحب وغير ذلك وفي الأصل قال معمر يعني أبا عبيدة بن المثنى اللغوي ونقل عنه ما في تفسير سورة النساء وفي الأصل أيضا الولاية مفتوح الواو مصدر الولاء وهي الربوبية وبالكسر الإمارة وتكرر قوله: "الولاء" والمراد به ميراث المعتق من أسفل قوله: "يسمعها من يليه" أي يقرب منه
"فصل و م" قوله: "المومسات" جمع مومسة وهي العاهرة المجاهرة بذلك
"فصل و ن" قوله: "لا تنيا في ذكرى" أي لا تضعفا من الوناء وهو الضعف
"فصل و ه" قوله: "وهل بن عمر" يقال بفتح الهاء وكسرها في الفزع وبفتحها خاصة في الغلط وحكي الكسر أيضا وقال صاحب الأفعال وهل في الشيء بالفتح وهلا بالسكون ذهب وهمه إليه ووهل بالكسر وهلا بالفتح أي نسي قوله: "وهنته حمى يثرب" أي أضعفتهم وقال في الأصل في قوله: تعالى { وَلا تَهِنُوا} أي ولا تضعفوا وهو من الوهن قوله: {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} قال في الأصل وهيها تشققها وقال غيره أي ضعيفة جدا
"فصل و ي" قوله: "ويحك" ويح هي كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها قال الحسن ويح كلمة رحمة قوله: "ويكأن الله" قال سيبويه كلمة ويك تنبيه معناه أما تنتبه وقال غيره معني ويكأن كذا ألم تر قوله: "ويل" هي كلمة تقال لمن وقع في هلكة يستحقها وقال سيبويه ويح كلمة زجر لمن أشرف على هلكة وويل لمن وقع فيها وقيل ويل كلمة ردع وقيل هو الحزن وقيل أشق العذاب وقيل واد في جهنم ومنه قوله: "يا ويلها" وويلك وتكررت في الحديث قوله: "ويل أمه" هي كلمة تعجب لا يراد بها الذم


"حرف الياء
"فصل ي أ" قوله: "لا تيأسوا" اليأس ضد الرجاء قوله: "فلما استيأسوا منه" أي افتعلوا من يئست كذا في الأصل قوله: "يؤس كفور" فعول من اليأس ومنه أفلم ييأس الذين آمنوا
"فصل ي ب" قوله: "يبسا" أي يابسا
"فصل ي ت" قوله: "وذكرت أنها مؤتمة" أي ذات أيتام
"فصل ي ث" قوله: "يثرب" هو اسم المدينة قبل الإسلام فسماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة ونهاهم عن تسميتها يثرب ووقع في القرآن حكاية قول المنافقين
"فصل ي ح" قوله: "يحموم" هو دخان أسود قاله مجاهد
"فصل ي د" قوله: "اتخذت عندهم يدا يحمون بها قرابتي" اليد تطلق على النعمة والإحسان ونحو ذلك قوله: "أطولهن يدا" أي اسمحهن ووقع ذكر اليد في القرآن والحديث مضافا إلى الله تعالى واتفق أهل السنة والجماعة على أنه ليس المراد باليد الجارحة التي هي من صفات المحدثات وأثبتوا ما جاء من ذلك وآمنوا به فمنهم من وقف ولم يتأول ومنهم من حمل كل لفظ منها على المعنى الذي ظهر له وهكذا عملوا في جميع ما جاء من أمثال ذلك قوله: { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} أي عن قهر وقيل عن ذل واعتراف وقيل بغير واسطة قوله: "في ذات يده" أي فيما ملكه
"فصل ي ر" قوله: "يوم اليرموك" بفتح أوله موضع من بلاد الشام كانت فيه الوقعة
"فصل ي س" قوله: "ذو اليسار" أي المال واليسار أيضا ضد اليمن قوله: "أيسر على المعسر" أي أعامله بالمياسرة قوله: "يسر لي جليسا" أي هيىء لي واليد اليسرى يقال لها الشؤم وهي ضد اليمنى
"فصل ي ع" قوله: "لها يعار" بالضمهو صوت المعز من الغنم ومنه شاة تيعر أي تصوت
"فصل ي غ" قوله: "ولا يغوث" هو اسم صنم كان في قوم نوح ثم صار إلى قوم من العرب وكذا قوله: "ويعوق
"فصل ي ق" قوله: {شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} وقع في الأصل هو كل ما كان من الشجر لا أصل له كالدباء ونحوه وقال غيره اليقطين القرع قوله: "يقظان ويقظ واستيقظ ويقظى كله من اليقظة وهي الانتباه
"فصل ي ل" قوله: "يلملم" هو واد معروف بقرب مكة من طريق اليمن
"فصل ي م" قوله: "اليم" هو البحر قوله: "اليمامة" بلد معروف بين مكة واليمن قوله: "يعجبه التيمن" أي البداءة باليمين ويحتمل التفاؤل أيضا قوله: "اليمن" قال سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة والشام لأنها عن شمالها وتقدم ذكر اليد اليمنى قريبا قوله: {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} أي عن الحق
"فصل ي ن" قوله: "أينعت له ثمرته" أي أدركت وطابت والينع بفتح الياء إدراك الثمار
آخر الفصل والحمد لله كثيرا لا نحصي ثناء عليه على كل حال وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله


الفصل السادس: في بيان المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والألقاب والأنساب
الأول
...
الفصل السادس:
في بيان المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والألقاب والأنساب
مما وقع في صحيح البخاري على ترتيب الحروف ممن له ذكر فيه أو رواية وضبط الأسماء المفردة فيه
وهو قسمان الأول في المشتبه في الكتاب خاصة والثاني في المشتبه بغيره مما وقع خارجا عن الكتاب
الأول
"حرف الألف" الأحنف بالحاء المهملة والنون معروف وبالخاء المعجمة والياء المثناة من تحت مكرز بن حفص بن الأخيف له ذكر في الحديث الطويل في قصة صلح الحديبية "أخزم" بالخاء المعجمة والزي زيد بن أخزم من شيوخ البخاري روي عنه في كتاب المناقب وبالحاء المهملة من أجداد عباد بن منصور لكنه لم يقع سياق نسب عباد في الصحيح وإنما نذكر مثل هذا ليستفاد في الجملة "أسلم" بفتح اللام كثير وبضمها في نسب قضاعة وهو أسلم1 بن الحارث بن الحاف بن قضاعة لكن لم يقع له ذكر في نسب أحد من الرواة ممن ينسب إليه "أسيد" بفتح أوله وكسر السين أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي له ذكر في قصة صلح الحديبية وعمرو بن أبي سفيان ابن أسيد بن جارية الثقفي من شيوخ الزهري وقيل فيه عمر بضم العين وبضم الهمزة وفتح السين جماعة "أفلح" بالفاء جماعة وبالقاف عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح له صحبة "أمية" كثير وبغير ألف يعلى بن عبيد بن ميتة لكن لم يقع ذكر اسم جده في الصحيح "أمينة "بياء تحتانية ساكنة بعدها نون هي بنت أنس بن مالك حدث عنها أبوها في الصحيح "أنس" كثير ومنهم محمد بن أنس له ذكر في آخر كتاب الجنائز ومن قاله بتاء مثناة من فوق بعدها شين معجمة فقد صحف "الأسدي" بفتح السين كثير وبسكونها جماعة من الأزد وقد تبدل الزاي سينا منهم عبد الله بن بحينة وابن اللتبية وممن اجتمع له النسبتان جميعا الفتح والسكون مسدد بن مسرهد شيخ البخاري فإنه من الأزد فيجوز أن يقال فيه الأسدي بالإسكان ثم هو من بطن منهم ينسبون إلى أسد بن شريك بالفتح فيجوز أن يقال فيه الأسدي بالفتح لكنه مع ذلك لم يقع منسوبا في الصحيح "الأزدي" كثير وبواو بدل الزاي عمرو بن ميمون الأودي من كبار التابعين وهزيل بن شرحبيل وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان وإدريس بن يزيد الأودي الكوفي وابنه عبد الله بن إدريس الفقيه وأحمد بن عثمان ابن حكيم الأودي من شيوخ البخاري وهذا قد لا يلتبس
"حرف الباء الموحدة" "بشار" بالباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة والد بندار محمد بن بشار
ـــــــ
1 الصواب سقوط الحارث كما في: الإكمال والمشتبه والتبصير


البصري شيخ البخاري والجماعة فرد في الصحيح وبقية من فيه بهذه الصورة بالياء التحتانية وتخفيف السين وبتقديم السين وتثقيل الياء التحتانية أبو المنهال سيار بن سلامة تابعي "بشر" بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة كثير وبضم الموحدة وإهمال السين عبد الله بن بسر المازني له في البخاري حديث موصول في صفة شيب النبي صلى الله عليه وسلم وحديث معلق في صلاة الجمعة قال فيه ويذكر عن عبد الله بن بسر وبسر بن سعيد الحضرمي المدني تابعي وبسر بن عبد الله الحضرمي الشامي وبفتح النون أوله يحيى بن أبي بكير بن نسر لكنه لم يقع ذكر جده في الصحيح "بريد" يأتي في يزيد "بشير" كثير وبضم الموحدة وفتح الشين المعجمة بشير بن بشار الأنصاري المدني وبشير بن كعب العدوي البصري تابعيان ليس في الصحيح بهذه الصورة مصغرا غيرهما وبوزنه لكن أوله ياء تحتانية ثم سين مهملة يسير بن عمرو تابعي كبير وأكثر ما يرد بهمزة في أوله "بصير" بالفتح وكسر الصاد أبو بصير الثقفي ذكر في صلح الحديبية وبضم النون وفتح الصاد نصير بن أبي الأشعث له في البخاري موضع واحد في اللباس "برة" كان اسم زينب بنت أم سلمة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم وكذا جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وبزاي القاسم بن أبي بزة من صغار التابعين "بيان" ظاهر وبفتح الياء التحتانية وتشديد النون وآخره قاف الحسن بن مسلم بن يناق من صغار التابعين وهذا قد لا يلتبس "البراء" بالتخفيف بن عازب وبتشديد الراء أبو العالية تابعي واسمه زياد بن فيروز على المشهور وأبو معشر واسمه يوسف بن زياد "البزاز" بزايين جماعة وبراء في آخره الحسن بن الصباح من شيوخ البخاري وكذا يحيى بن محمد بن السكن وبشر بن ثابت هؤلاء الثلاثة في صحيح البخاري بالراء ومن عداهم بالزاي والله أعلم "البصري" بالباء كثير وبالنون مالك بن أوس بن الحدثان وعبد الواحد بن عبد الله ما في الكتاب بالنون غيرهما
"حرف التاء المثناة من فوق" تميلة بالتاء المثناة كنية يحيى بن واضح وبالنون جد محمد بن مسكين شيخ البخاري وما في الكتاب بهذه الصورة غير هذين "تيهان" بالياء التحتانية وتشديدها والد أبي الهيثم الصحابي وبنون وباء موحدة ساكنة أبو صالح مولي التوأمة اسمه نبهان "التوزي" بالفتح وتثقيل الواو ثم زاي هو أبو يعلى محمد بن الصلت وكل ما في الكتاب غيره فهو بالتاء المثلثة والواو ساكنة وبالراء المهملة التغلبي بإسكان الغين المعجمة وكسر اللام ثم باء موحدة المسيب بن رافع وحده ومن عداه بالثاء المثلثة والعين تحت المهملة وفتح اللام
"حرف الثاء المثلثة" "ثور" ظاهر وبضم الموحدة ثور بن أصرم شيخ البخاري وهو بين الباء والفاء إلا أنه لم يقع في الصحيح مسمى بل كناه قال في الجهاد حدثناه أبو بكر بن أصرم فسماه أبو ذر في روايته فقال بور المروزي انتهى وأما ثور ففيه رجلان ربما اشتبها مدني وشامي فالمدني ثور بن يزيد أول اسم أبيه ياء مثناة من ثم زاي مكسورة والشامي ثور بن زيد أول اسم أبيه الزاي المفتوحة
"حرف الجيم" "جمرة" بالجيم وبالراء المهملة كنية نصر بن عمران الضبعي وهو أبو جمرة روى عن ابن عباس وأبي بكر بن عمارة بن رويبة وغيرهما وليس في البخاري ما يشتبه به من الكنى غير أبي حمزة الأنصاري الراوي عن زيد بن أرقم وغير أبي حمزة السكري المروزي وأما الأسماء دون الكنى فجماعة وأما ما وقع في المغازي من طريق شعبة عن أبي جمرة عن عائذ بن عمرو فالجمهور على أنه بالجيم والراء ووقع لأبي ذر الهروي عن الكشميهني بالحناء المهملة والزاي والله أعلم "جرير" كثير وبحاء ثم راء مهملتين وآخره زاي اثنان حريز بن عثمان الرحى وأبو حريز واسمه عبد الله بن حسين قاضي سجستان وليس في الكتاب بضم الحاء المهملة شيء ولا بفتحها وآخره راء شيء "جعيد" بضم الجيم بن عبد الرحمن تابعي وبحاء مهملة وفاء أم حفيد لها ذكر في حديث بن عباس "الجريري" بالفتح هو يحيى بن أيوب من ولد جرير بن عبد الله له ذكر في رواية معلقة لكنه لم ينسب فيها وبضم الجيم وفتح الراء سعيد بن إياس وعباس بن فروخ بصريان وبالحاء بوزن الأول يحيى بن بشر من شيوخ البخاري
"حرف الحاء المهملة" "حارثة" جماعة وبجيم وياء مثناة من تحت جد عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية وجد عمرو بن أبي سفيان ابن أسيد بن جارية وأبو نصير بن أسيد بن جارية وجارية بن قدامة التميمي له ذكر بلا رواية "الحبر" كثير وبخاء معجمة وياء مثناة آخر الحروف أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني "حبان" بالكسر وباء موحدة مثقلة حبأن ابن موسى وجد أحمد بن سنأن ابن حبأن ابن القطان وهما من شيوخ البخاري وأما حبأن ابن عطية وحبأن ابن العرقة فلهما ذكر بلا رواية وبفتح الحاء واسع بن حبان وابن أخيه محمد بن يحيى بن حبان وحبأن ابن هلال ومن عدا هؤلاء بالياء المثناة من تحت وكل ما فيه أبو حيان كنية فهو بالياء المثناة من تحت "حصين" بفتح الحاء وكسر الصاد المهملة كنية عثمان ابن عاصم الأسدي ومن عداه بالضم وفتح الصاد ووهم أبو الحسن القابسي فقال في الحصين بن محمد الأنصاري أنه بالضاد المعجمة والمحفوظ أنه كالجادة ولم يخرج البخاري لحضين بن المنذر الذي يكنى أبا ساسان وهو بالضاد المعجمة وأما حضير آخره راء مهملة فهو والد أسيد وقد لا يشتبه "حازم" بإلحاء المهملة كثير وبالمعجمة والد أبي معاوية محمد بن خازم وكنية والد هشام بن أبي خازم وأما محمد بن بشر العبدي فمختلف في كنيته هل هو أبو خازم بالخاء المعجمة أو المهملة ولم يقع عنده مكنيا "حجير" بالضم وفتح الجيم آخره وراء هشام بن حجير عن طاوس وأما حجين بن المثنى فهو مثله إلا أن آخره نون "حرام" بالراء المهملة في نسب الأنصار ومنه قول أم سلمة وعنده نسوة من بني حرام في الرواة بالزاي حكيم بن حزام وموسى بن حزام شيخ البخاري وأما بالخاء المعجمة والذال فهو والد خنساء بنت خذام لها ذكر وقد لا يشتبه "حكيم" بالفتح كثير وبالضم مصغر رزيق بن حكيم له ذكر وقيل فيه بالفتح أيضا "حباب" بضم الحاء وتخفيف الموحدة وهو بن المنذر له ذكر وكنية عبد الله بن أبي بن سلول له ذكر أيضا وكنية سعيد بن يسار له رواية ومن عدا هؤلاء خباب بفتح الخاء المعجمة وتثقيل الباء وليس في الكتاب جناب بالجيم والنون "حماد" كثير وبكسر الحاء وتخفيف الميم وآخره راء اسم واحد ذكر في حديث أن رجلا صحابيا كان يلقب بذلك "حبة" بالباء الموحدة هو أبو حبة الأنصاري ذكر في حديث الإسراء وبالياء آخر الحروف والد جبير بن حية الثقفي ما في صحيح البخاري بهذه الصورة غير هذين "حريث" تصغير حرث آخره ثاء مثلثة كثير وبكسر الخاء المعجمة وتثقيل الراء وآخره تاء مثناة من فوق والد الزبير بن الخريت وقد لا يشتبه لملازمة الألف واللام له "حبيش" بالضم وفتح الموحدة وآخره شين معجمة جماعة وبالخاء المعجمة وفتح النون وآخره سين مهملة خنيس بن حذافة صحابي له ذكر واختلف في حبيش بن الأشعث المقتول يوم الفتح ففي جميع الروايات كالأول وقاله بن إسحاق في المغازي كالثاني "حبيب" كثير وبضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة ثلاثة خبيب بن عبد الرحمن شيخ مالك وكنية عبد الله بن الزبير وخبيب بن عدي صحابي له ذكر "حرب" كثير وبزاي ونون جد سعيد بن المسيب بن حزن فقط حزم بالزاي جماعة وبالجيم والراء قبيلة معروفة وفي حديث زهدم دخل رجل من جرم على أبي موسى "الحرامي" بتخفيف الراء في نسب الأنصار ومن عداه بالزاي الحراني نسبة إلي حران كثير وبالضم والدال بدل الراء عقبة بن صهبان الحداني ويحيى بن موسى ختنه فقط "الحرشي" بالشين المعجمة واضح وبضم الجيم النضر بن محمد الجرشي ويونس بن القاسم اليمامي وباهمال السين بوزن الأول لم يقع في الكتاب
"حرف الخاء المعجمة" الخزاز" بالزايين كثير1 وبراء ثم زاي عبيد الله بن الأخنس فقط وليس فيه بالجيم بعدها زاي وبعد الألف راء شيء من الاعلام نعم في حديث علي ولا يعطي الجزار منها شيئا "الخياط" اسم لا نسب خليفة بن خياط وفي الكتاب اثنان ينسبان هذه النسبة أبو خلدة خالد بن دينار وحريث بن أبي مطر لكن لم يقعا في الكتاب منسوبين وما عدا ذلك فهو الحناط بالحاء المهملة والنون
"حرف الدال" "داود" كثير وبضم أوله وتقديم الواو المهموزة أبو المتوكل الناجي اسمه علي بن داود
"حرف الراء" "الربيع" كثير وبالضم وفتح الباء وتثقيل الياء الأخيرة امرأتأن ابنت معوذ بن عفراء صحابية لها رواية وبنت النضر عمة أنس بن مالك لها ذكر ووقع في الجهاد أم الربيع بنت البراء والصواب أنها الربيع بنت النضر وسننبه عليه بعد إن شاء الله تعالى "رزيق" بن حكيم وبتقديم الزاي في نسب الأنصار بني زريق "رباب" بالفتح والموحدة هي بنت صبيع بضم الصاد المهملة مصغرا تابعية لها حديث في العقيقة وبكسر الراء بعدها ياء تحتانية وقد تهمز رياب بن يعمر جد زينب بنت جحش وأقاربها وبضم الزاي أو فتحها بعدها نون خاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت أم سلمة "رباح" بفتح الراء والباء الموحدة عطاء بن أبي رباح وزيد بن رباح فقط ومن عداهما بكسر الراء وبالياء المثناة من تحت "أبو الرجال" بكسر الراء بعدها جيم خفيفة محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان المدني روى عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن وبفتح الراء وتشديد الحاء المهملة أبو الرحال عقبة بن عبيد علق له البخاري في الجمعة "رداد" بتشديد الدال الأولى هلال بن رداد في أوائل الكتاب وبواو بدل الدال الأولى جماعة وبتقديم الواو على الراء وراد كاتب المغيرة بن شعبة وهذا الفصل قد لا يلتبس "رقبة" بفتحات وموحدة هو بن مصقلة قال البخاري في بدء الخلق وروى عيسى عن رقبة وبضم الراء وياء تحتانية مشددة بدل الموحدة رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم زوج عثمان لها ذكر وأبو رقية تميم الداري قال البخاري في الفرائض ويذكر عن تميم الداري فذكر حديثا لكنه لم يقع مكنيا في الصحيح وإنما يذكر مثل هذا ليستفاد في الجملة كما قلنا غيره مرة
"حرف الزاي" "الزبير" واضح ومما يشتبه منه الزبير بن عدي له حديث واحد عن أنس في الجامع
ـــــــ
1 قوله "وبراء ثم زاي" الخ، كما في النسخ التي بأيدينا، وعبارة الخلاصة "عبيد الله بن الأخنس النخعي أبو مالك الكوفي الخراز، وهكذا في التقريب.


والزبير بن عربي بالراء بعدها موحدة بلفظ النسب له حديث واحد فيه عن ابن عمر وبفتح أوله عبد الرحمن بن الزبير مذكور في حديث عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته البتة وبنون ساكنة ثم موحدة مفتوحة سعيد بن داود بن أبي زنبر الزنبري له ذكر في التوحيد تعليقا لكنه لم ينسب
"حرف السين المهملة" "سريج" في البخاري بهذه الصورة بالمهملة وبالجيم اسمان وكنية فالإسمان سريج بن يونس وسريج بن النعمان والكنية أحمد بن أبي سريج الرازي والثلاثة من شيوخه إلا أنه في الصحيح روى عن الأول بواسطة وحدث عن الثاني تارة بواسطة وتارة بغير واسطة وبالشين المعجمة والحاء المهملة جماعة "سلام" بالتشديد كثير وبتخفيف اللام عبد الله بن سلام الصحابي المشهور فقط واختلف في محمد بن سلام شيخ البخاري والراجح أنه بالتخفيف أيضا "سليم" بالضم وفتح اللام جماعة وبالفتح وكسر اللام سليم بن حبان الهذلي فقط وفي الجامع راو ربما اشتبه بهذا وهو سليمان ابن حيان أبو خالد الأحمر لكن فيه زيادة النون "سلمة" بفتح اللام جماعة ومما يشتبه به مسلمة بن علقمة له رواية في الجامع وليس لمسلمة بن علقمة عنده رواية وبكسرها في نسب الأنصار ويقال لهم بنو سلمة وهو سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج منهم جابر بن عبد الله وأبو قتادة الأنصاري وغيرهما وسلمة الجري وابنه عمرو بن سلمة "سعيد" كثير وبضم السين وفتح العين في نسب عمرو بن العاص وغيره سعيد بن سعد بن سهم ولم يأت مذكورا في صحيح البخاري وبوزنه لكن آخره راء سعير بن مالك بن الحمس "سواد" بالفتح في نسب الأنصار وبالضم في نسب بلى منهم كعب بن عجرة "السامي" نسبة إلى سامة بن لؤي منهم عبد الأعلى بن عبد الأعلي وعباد بن منصور وأبو المتوكل الناجي ومحمد بن عرعرة بن البرند السامي ومن عدا هؤلاء بالشين المعجمة "السلمى" بالضم كثير وبالفتح في الأنصار فقط "السيناني" بالكسر بعدها ياء أخيرة وقبل الألف وبعدها نونان الفضل بن موسى فقط وباقي ما في الكتاب بفتح المعجمة بعدها ياء أخيرة ثم موحدة
"حرف الشين المعجمة" "شعيب" واضح وبثاء مثلثة في آخره عبد الرحمن بن حماد بن شعيث الشعيثي
"حرف الصاد المهملة" "صبيح" بالضم أبو الضحى مسلم بن صبيح وبالفتح الربيع بن صبيح ذكر في كفارة اليمين في المتابعات "صعير" بالضم وفتح المهملة عبد الله بن ثعلبة بن صعير وبالفتح وكسر الغين المعجمة واضح لكن لم يأت علما نعم فيه حاتم بن أبي صغيرة لكن بزيادة هاء
"حرف الظاء المعجمة" "الظفري" بفتحتين في الأنصار وبالكسر وسكون الهاء بدل الفاء المعافى بن عمران الظهري
"حرف العين المهملة" "عابد" بالموحدة كثير وبياء أخيرة والذال معجمة عائذ بن عمرو المزني صحابي وأيوب بن عائذ الطائي وأبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله "عباس" واضح وبالياء المثناة من تحت وإعجام الشين أبو بكر بن عياش المقري الكوفي وعلي بن عياش الحمصي من شيوخ البخاري وليس بينه وبين أبي بكر نسبة ومما يشتد اشتباهه في هذه المادة عباس بن الوليد وعياش بن الوليد أحدهما بالموحدة والمهملة والآخر بالمثناة المعجمة وكلاهما من شيوخ البخاري فالأول هو النرسي له في الكتاب حديثان أحدهما في علامات النبوة والثاني في المغازي في باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قال في كل منهما حدثنا عباس بن الوليد وعلق له ثالثا في كتاب الفتن قال قال عباس الترسي حدثنا يزيد بن زريع فذكر حديثا وباقي ما في الكتاب من حديث الآخر وهو عياش بن الوليد الرقام يذكر أباه تارة وتارة لا يذكره واختلف في موضع في الحج قال فيه حدثنا عباس بن الوليد حدثنا محمد بن فضيل فذكر حديث أبي هريرة في فضل المحلقين فأكثر الروايات بالشين المعجمة وفي رواية بن السكن بالمهملة وكان القابسي يشك فيه عن أبي زيد فيقول عباس أو عياش ويجزم به عن الأصيلي فيقول عياش بالمعجمة وهو الصواب واختلف في موضع آخر في المبعث قال فيه حدثنا عياش بن الوليد حدثنا الوليد بن مسلم ففي أكثر الروايات بالمعجمة وهو غير مقيد في كتاب الأصيلي ونقل أبو علي الجياني عن بعضهم أنه عباس بن الوليد بن مزيد البيروتي ورد ذلك وقال إنه ليس بشيء وهو كما قال "عبادة" كثير وبالفتح محمد بن عبادة الواسطي عن يزيد بن هارون "عباد" كثير وبالضم وتخفيف الموحدة قيس بن عباد تابعي "عبدة" واضح وبفتح الباء بحالة بن عبدة التميمي عن عمر "عبيدة" بالفتح بن عمرو السلماني تابعي وابن عمرو الحذاء الكوفي عن عبد الملك بن عمير وعامر بن عبيدة قاضي البصرة له ذكر في كتاب الأحكام ثلاثة فقط وبالضم جماعة كنى وأسماء "عبثر" بإسكان الموحدة بعدها ثاء مثلثة ثم راء هو بن القاسم يكني أبا زبيد وبنون ثم موحدة محمد بن سواء بن عنبر السوسي وبضم أوله والغين معجمة بعدها نون وفتح الثاء المثلثة قاله أبو بكر الصديق لابنه عبد الرحمن في قصته "عبس" بالموحدة أبو عبس بن جبر هو جد القبيلة المشهورة من قيس وبالنون جد القبيلة الأخرى من اليمن وأما أبو عبسى بزيادة ياء في آخره فمشهور لا يلتبس "عتيبة" ظاهر وبياءين مثناتين تحتانيتين بعدهما نون سفيان ابن عيينة تكرر ذكره مسمى وغير مسمى وعيينة بن حصن الفزاري ليس له رواية وإنما ذكر في اثناء الحديث وهو صحابي "عتبة" كثير وبفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد الياء الأخيرة عبد الملك بن حميد بن أبي غنية وابنه يحيى ووقع في كتاب العيدين وأمر أنس مولاهم بن أبي عتبة بالزاوية وهذا كأصل الباب بالعين المهملة المضمومة وله في الكتاب رواية عن أبي سعيد الخدري في الأدب وفي الحج واسمه عبد الله بن أبي عتبة لكن وقع في الموضع الذي ذكرناه في العيدين عند أبي ذر الهروي عن مشايخه بن أبي غنية بفتح الغين المعجمة كعبدالملك بن حميد وهو تصحيف فتفطن له وأما حبيب بن عبد الرحمن بن حبيب بن يساف بن عنبة الأنصاري فبكسر العين المهملة وفتح النون بعدها باء موحدة ولم ينسب حبيب إلى جده في الكتاب "عتاب" بالمثناة والموحدة هو بن بشير الجزري وغياث بكسر المعجمة بعدها مثناة من تحت وبعد الألف ثاء مثلثة عثمان ابن غياث الراسي وحفص بن غياث وابنه عمر وغيرهم "عثام" بمثلثة بن علي العامري وبالمعجمة والنون طلق بن غنام بن طلق بن معاوية شيخ البخاري "عزيز" بالفتح والزاي وبعد الياء زاي أيضا في حديث بن أبي ملكية عن عقبة بن الحارث أنه تزوج بنتا لأبي أهاب بن عزيز ورواه أبو ذر الهروي عن المستملى والسرخسي بضم العين وقتادة بن دعامة بن عزيز التابعي المشهور وخيثمة بن عبد الرحمن كان اسم أبيه عزيزا فغيره النبي صلى الله عليه وسلم وليس في الصحيح من صرح به إلا الأول وبضم الغين المعجمة وفتح الراء وبعد الياء راء أيضا على التصغير محمد بن غرير الزهري شيخ البخاري "عقيل" بفتح العين بن أبي طالب أخو علي وأبو عقيل الأنصاري صحابيان لهما ذكر وأبو عقيل رهرة بن معبد تابعي وأبو عقيل بشير بن عقبة الدورقي وفي البخاري بالضم عقيل بن خالد صاحب
(1/214)

الزهري وقد تكرر ذكره "عنزة" بفتح النون والزاي ينسب إليه العنزيون وبكسر الغين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت بعدها راء في نسب بني ليث منهم بنو البكير إياس وإخوته وهو البكير بن عبد يا ليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة العابدي بالموحدة والمهملة عبد الله بن السائب "العابدي" من ولد عابد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وبالياء المثناة من تحت والذال معجمة علي بن مسهر العائذي "العبدي" كثير وبالفاء بعدها ياء مثناة من تحت محمد بن جعفر الفيدي شيخ البخاري وهذا قد لا يلتبس "العبسي" بالموحدة من بني عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان منهم حذيفة بن اليمان صحابي مشهور وصلة بن زفر تابعي وربعي بن حراش تابعي أيضا وعبيد الله بن موسى شيخ البخاري وبالياء المثناة من تحت والشين المعجمة عبد الرحمن بن المبارك العيشي وأمية بن بسطام العيشي وهما من شيوخ البخاري ويزيد بن زريع مشهور وهو عيشي ولكنه لم يرد منسوبا وهؤلاء من بني عيش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وبنون بعدها مهملة من ينسب إلي عنس بن مالك بن أدد في مذحج منهم عمار بن ياسر الصحابي المشهور ومنهم الأسود الكذاب وآخرون "العدوي" كثير وبالذال المعجمة الساكنة والراء عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير روى عنه الزهري وقد نسبه أحمد بن صالح في حديث رواه عنه فقال العدوي كالأول فصحفه وإنما هو من بني عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن قضاعة "العمري" كثير وبفتح العين وسكون الميم جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث نسب إلى جده عمرو بن حريث وفي الأنصار من ينسب إلى بني عمرو بن عوف منهم مرارة بن الربيع أحد الثلاثة المخلفين مذكور في حديث كعب بن مالك لكنه لم يذكره بنسبه وعبد الرحمن ومجمع ابنا يزيد بن جارية لهما في الكتابين حديث إلا أنهما لم ينسبا أيضا "العمي" بفتح العين واضح وبضم القاف يعقوب القمي ذكر في الشواهد وقد لا يلتبس "العنزي" بفتح النون كثير وبسكونها عامر بن ربيعة العنزي حليف بني عدي صحابي وابنه عبد الله بن عامر من بني عنز بن وائل أخي بكر بن وائل قال أبو عبيدة معمر بن المثنى وعدد بني عنز بن وائل قليل في الأرض "العنبري" واضح وبقاف بدل الموحدة والزاي معجمة عمرو بن محمد العنقزي وقد لا يلتبس "العوفي" بسكون الواو بعدها فاء من ينسب إلى عبد الرحمن بن عوف الزهري وبفتح الواو بعدها قاف محمد بن سنان العوقي شيخ البخاري وهو من العوقة بطن من عبد القيس وهو عوق بن الدليل بن عمرو بن وديعة بن بكير بن أفصى بن عبد القيس
"حرف الغين المعجمة" "غزية" بالفتح وكسر الزاي بعدها ياء مثناة تحتانية ثقيلة عمارة بن غزية استشهد به في كتاب الزكاة وبضم العين المهملة وفتح الراء على التصغير خاطبت به عائشة عروة بن الزبير وهو في آخر تفسير سورة يوسف
"حرف الفاء" "الفروي" إسحاق بن محمد بن أبي فروة وبتقديم الواو وبدل الراء زاي خطاب بن عثمان الفوزي
"حرف القاف" "القاري" من ينسب إلى القراءة جماعة وبتشديد الياء نسبة إلي القارة عبد الرحمن بن عبد القاري روى عن عمر بن الخطاب وحفيد أخيه يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري نزيل الإسكندرية من طبقة الليث "القاضي" كثير وبالصاد المشددة من غير ياء عطاء بن يسار قاص أهل


المدينة وغيره ولا يلتبس
"حرف الكاف" "كثير" كثير وبالموحدة جنادة بن أبي أمية واسم أبي أمية كبير لكن لم يسم في الصحيح وكبير بن غنم بن ذودأن ابن أسد في نسب زينب أم المؤمنين وغيرها كذلك وبنون وزاي عمرو بن علي بن بحر بن كنيز المعروف بالفلاس
"حرف الميم" "مبارك" واضح وبالنون والزاي واللام أبو المنازل خالد الحذاء "محرز" بإسكان الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاي صفوأن ابن محرز تابعي وعبيد الله بن محرز له ذكر في كتاب الأحكام والجيم المفتوحة وكسر الزاي بعدها زاي أخرى بجزز المدلجي صحابي ذكر في حديث عائشة في قصة أسامة بن زيد بن حارثة وحكى إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن ابن عيينة أن ابن جريج صحفه فقال محرز كالأول واختلف في علقمة بن محرز قال البخاري باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن محرز المدلجي ففي رواية بن السكن وغيره كالأولوضبطه الدارقطني وعبد الغني كالثاني "مثنى" واضح وبكسر الميم بعدها ياء تحتانية ثم نون عطاء بن مينا وسعيد بن مينا تابعيان ولا يلتبس لأنه لا يكتب إلا بالألف دون الأول "معتب" بالمثناة ثم الموحدة واضح وهو في نسب جبير بن حية وغيره من ثقيف ولم يصرح به في الكتاب وبكسر الغين المعجمة بعد هاء ياء تحتانية ثم مثلثة مغيث زوج بريرة ذكر في قصتها "معقل" جماعة وبضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء عبد الله بن مغفل صحابي مفرد "معمر" واضح وبضم الميم وفتح العين وتشديد الميم معمر بن يحيى بن سام وقد قيل فيه بالتخفيف كالأول وهو رواية الأكثر وأما معمر بن سليمان الرقي فهو بالتثقيل ولم يخرج له البخاري ووهم الدمياطي فيزعمه أنه روى له حديث المغيرة بن شعبة "منبه" ظاهر وبسكون النون وفتح الياء التحتانية يعلى بن منية الصحابي وهي أمه واسم أبيه أمية "المخرمي" بالفتح وسكون الخاء المعجمة وتثقيل الراء محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي من شيوخ البخاري نسب إلي المخرم موضع ببغداد نزله بعض ولد يزيد بن مخرم فنسب إليه المري بالراء المثقلة جماعة وبفتح الزاي بعدها نون النعمان ابن مقرن وسويد بن مقرن ومعقل بن يسار وعبد الله بن ماسرجس وعبد الله بن مغفل ورافع بن عمرو وعائذ بن عمرو المزنيون الصحابيون وفي التابعين معاوية بن قرة وعبيد أبو الحسن وبكر بن عبد الله وقيل لخالد بن عبد الله الطحان المزني لأنه مولى بن مقرن
"حرف النون" "نصر" جماعة ونضر كذلك فالذي بالمهملة عار من الألف واللام والذي بالمعجمة ملازم له كالنضر بن شميل "النسائي" أبو خيثمة زهير بن حرب من نساء بلد معروف وبكسر النون والشين معجمة بعدها مدة محمد بن حرب النشائي كان يبيع النشاء كلاهما من شيوخه
"حرف الهاء" "هذيل" بالذال المعجمة واضح وبالزاي هزيل بن شرحبيل الأودي تابعي
"حرف الياء "يزيد" كثير وبالتاء المثناة من فوق أوله تزيد بن جشم في نسب بعض الأنصار منهم معاذ والبراء بن معزور وبضم الموحدة وفتح الراء بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري واختلفوا في كنية عمرو بن سلمة فجمهور الرواة قالوه كالجادة وحكى أبو ذر عن شيخه أبي محمد السرخسي أنه قال:
بالموحدة والراء وقال عبد الغني بن سعيد لم أسمعه من أحد إلا بالياء والزاي وذكره مسلم في الكنى بالموحدة والراء والله أعلم


القسم الثاني
"أبي" كل ما فيه بهذه الصورة من الأسماء فهو بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد الياء وليس فيه أبي بالمد وكسر الموحدة أما قوله: في كتاب الطهارة قال وقال أبي ثم توضأ فقائل ذلك هشام بن عروة وأراد أن أباه قال ذلك وقوله: في كتاب الحج من حديث عائشة ثم بعث بها مع أبي فهو بفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة وتخفيف الياء بالإضافة تعني أباها أبا بكر الصديق ووقع في الأيمان والنذور من حديث أسامة بن زيد أن ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إليه ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة وسعد وأبي أو أبي أن ابني قد احتضر الحديث فهذا شك من الراوي أن أسامة هل قال وأبي يعني أباه زيد بن حارثة أو قال وأبي بالضم ويعني أبي بن كعب وهذا في رواية أبي ذر وحده وفي رواية الباقين وأبي من غير شك وهو الصواب فقد وقع عند المصنف في كتاب القدر وأبي بن كعب وأما قوله: في حديث عائشة في وقعة أحد فقال حذيفة أبي أبي فإنما يعني أباه اليمان لأنه قتل يومئذ والله أعلم "أحمد" كل ما فيه فهو بالحاء وبالدال وليس فيه أجمد بالجيم ولا أحمر بالراء "الأعور" جماعة وليس فيه بالغين المعجمة والزاي شيء "أثاثة" بضم الهمزة وبين الثاءين المثلثتين ألف هو مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب المذكور في حديث الإفك "أشوع" بشين معجمة ساكنة بعدها واو مفتوحة هو سعيد بن عمرو بن أشوع الهمداني أشهل بالشين المعجمة وفتح الهاء بعدها لام هو بن حاتم البصري "الأغر" بالغين المعجمة والراء وليس فيه بالمهملة والزاي شيء "إشكاب" بكسر أوله وشينه معجمة "الأيلي" بفتح الهمزة بعدها ياء تحتانية ساكنة ثم لام جماعة في الكتاب ينسبون إلي أيلة وليس فيه بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام شيء "الألهاني" بفتح الهمزة وسكون اللام وبعد الألف نون محمد بن زياد تابعي
"بحينة" بالضم وفتح الحاء المهملة "بدل" بفتحتين أوله موحدة "بعجة" أوله موحدة ثم عين مهملة ثم جيم تابعي حديثه في الأضاحي "بجرة" بفتح الباء والجيم والد مقسم أخرج حديث مقسم في التفسير إلا أنه لم يذكر أباه "بحالة" بفتح الموحدة والجيم الخفيفة "بقية" فعيلة من البقاء ذكر في الصلاة استشهادا "البكالي" بكسر الموحدة وتخفيف الكاف نوف ذكر في حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس في قصة الخضر "البناني" بضم الموحدة وتخفيف النون وبعد الألف نون أخرى كل ما في الكتاب بهذه الصورة فهو بهذا الضبط وليس فيه بالنون والموحدة وبعد الألف مثناة شيء "البرساني" بالضم وسكون الراء والسين المهملة وبعد الألف نون محمد بن بكر وغيره "البيكندي" بكسر الموحدة وسكون الياء الأخيرة وفتح الكاف وسكون النون بعدها دال مهملة "البعلاني" بالفتح وسكون العين المهملة "البرلسي" بضم الموحدة والراء وتشديد اللام المضمومة والسين مهملة "البردي" بضم الموحدة وسكون الراء وليس في الكتاب بفتح الياء الأخيرة وسكون الزاي شيء
"تويت" بضم أوله وفتح الواو بعدها ياء أخيرة ثم مثناة الحولاء بنت تويت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى لها ذكر في حديث عائشة "التنعى" بالمثناة والنون لسلمة بن كهيل التنعي"ثابت" كل ما في الكتاب بالمثلثة وبعد الألف موحدة ثم مثناة وليس فيه نابت أوله نون نعم اسم أبي حفصة نابت وحديث عمارة بن أبي حفصة في الكتاب وكذا ابنه حرمي بن عمارة بن أبي حفصة لكنه لم يقع مذكورا في الكتاب باسمه "ثروان" بفتح المثلثة وسكون الراء أبو قيس عبد الرحمن بن ثروان الأودي وليس في الكتاب بالموحدة والزاي شيء
"جبر" بفتح الجيم وسكون الموحدة أبو عبس بن جبر صحابي وليس في الكتاب بفتح الخاء المعجمة بعدها ياء مثناة من تحت شيد نعم أبو الخير مرثد اليزني لكنه بملازمة الألف واللام "جميل" بفتح الجيم واضح ومنه يسرة بن صفوأن ابن جميل اللخمي في تفسير الحجرات وليس في الكتاب خميل بالخاء المعجمة ولا بالمهملة نعم في خبر لعمر فأخذ حميلا والحميل الكفيل ولا في الكتاب بضم الحاء المهملة شيء "جعشم" بالضم وسكون العين وضم الشين المعجمة "أبو الجوزاء" بالجيم والزاي وليس في الكتاب بالحاء والراء شيء "جيسور" بفتح الجيم وقيل الحاء المهملة بعدها ياء أخيرة ثم سين مهملة مضمومة وبعد الواو راء اسم الغلام الذي قتله الخضر اختلف رواة الجامع في ضبط أوله "الجمال" بالجيم جماعة ولم يقع عنده بالحاء المهملة "الجدي" بضم الجيم وتشديد الدال عبد الملك بن إبراهيم وليس عنده غيره
"الحدثي" بفتح الحاء والدال المهملتين ثم الثاء المثلثة "الجندعي" بضم الجيم وبسكون النون وفتح الدال ويجوز ضمها وليس فيه الخندعي بالخاء المعجمة وسكون الموحدة والدال المعجمة "حيوة" بفتح المهملة وسكون الياء الأخيرة وفتح الواو
"خوات" بالمعجمة وآخره مثناة وليس في الكتاب بالجيم وآخره موحدة شيء "خيار" بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الياء الأخيرة عبيد الله بن عدي بن الخيار وليس في الكتاب من أسماء الآدميين بفتح الجيم وتشديد الموحدة شيء "الخدري" بالضم أبو سعيد وليس في الكتاب الجدري بالجيم المفتوحة نعم سنأن ابن أبي سنان الدؤلي ينسب هذه النسبة إلا أنه لم يذكرها في الكتاب "خراش" بالخاء المعجمة المكسورة وفتح الراء الخفيفة وآخره شين معجمة معدوم في الكتاب وفيه ربعي بن حراش بالحاء المهملة "خذام" والد خنساء بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الذال "الخشني" بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين أبو ثعلبة وليس فيه بفتح الحاء والسين المهملتين شيء "خمير" بضم الخاء المعجمة وفتح الميم الخفيفة بعدها ياء أخيرة ثم راء معدوم في الكتاب وفيه محمد بن حمير بكسر الحاء المهملة وإسكان الميم وفتح الياء الأخيرة "خصيب" بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد معدوم وفيه بريدة بن الحصيب بضم المهملة وفتح الصاد صحابي "الختلى" بضم الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة الفوقانية المثقلة عباد بن موسى وليس فيه الحبلي بضم الحاء المهملة والباء الموحدة "خلاس" بن عمرو بالكسر وتخفيف اللام تابعي "خرشة" بالفتح وفتح الراء والشين المعجمة "الخمس" والد سعيد بالكسر وسكون الميم "خربوذ" بالفتح وفتح الراء المشددة وضم الموحدة وآخره ذال معجمة "خلي" على وزن علي والد خالد شيخ البخاري "الحريبي" بالضم وفتح الراء بعدها ياء أخيرة ثم موحدة "الخاركي" بفتح الراء الخلقاني بالضم وسكون اللام بعدها قاف
"دكين" بالضم وفتح الكاف وآخره نون أبو نعيم الفضل بن دكين وليس فيه بالراء المهملة شيء "دحية" :
بالكسر وسكون الحاء المهملة بعدها ياء أخيرة صحابي "دخشم" بالضم وسكون الخاء المعجمة وضم الشين المعجمة وآخره ميم وقيل في آخره نون وقيل بالتصغير صحابي "الدثنة" بفتح الدال وكسر المثلثة وفتح النون "الدغنة" بوزنه وغينه معجمة وقيل بضم الدال والغين وتشديد النون "الدؤلي" أبو الأسود الدؤلي ويقال له الديلي منسوب إلي الدؤل ويقال الديل بن بكر بن عبد مناف بن كنانة قال أبو علي القالي في كتاب البارع قال الأصمعي وسيبويه والأخفش وابن السكيت وأبو حاتم والعدوي وغيرهم هو بضم الدال وفتح الهمزة منسوب إلي الدئل بضم الدال وكسر الهمزة وإنما فتحت في النسب كما فتحت نون نمر في النمري ولأم سلمة في السلمي قال الأصمعي وكان عيسى بن عمر يقولها في النسب بكسر الهمزة أيضا تبقية على الأصل وحكاه أيضا عن يونس وغيره قال وتبقيته على الأصل شاذ في القياس قال أبو علي وكان الكسائي وأبو عبيدة ومحمد بن حبيب وغيرهم يقولون أبو الأسود منسوب إلى الديل بكسر الدال وسكون الياء قلت ومن رهط أبي الأسود أيضا جماعة نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل صحابي حديثه في المناقب من الجامع الصحيح ومن هذا القبيل أيضا ممن خرج حديثه في الجامع الصحيح ومنهم من لم يذكر بنسبه سنأن ابن أبي سنان شيخ الزهري وثور بن زيد الديلي شيخ مالك ومحمد بن عمرو بن حلحلة ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك
"ذر" بن عبد الله الذهبي بفتح الذال المعجمة وابنه عمر بن ذر "ذكوان" بفتح الدال المعجمة وسكون الكاف جماعة ومما يشتبه فيه الحسين بن ذكوان والحسن بن ذكوان بصريان في عصر واحد وحديث الثاني منهما عن أبي رجاء العطاردي عن عمرأن ابن حصين في الشفاعة ليس له في الكتاب غيره كما سيأتي في ترجمته. "روح" بفتح الراء وحكى القابسي أن بعضهم قرأ روح بن القاسم بالضم وهو خطأ "الربعي" بفتح الباء الموحدة أبو الجوزاء تابعي منسوب إلي الربعة وهو بن الغطريف من بني زهران "الرواجني" بالجيم المكسورة والنون عباد بن يعقوب
"زر "بكسر الزاي بن حبيش مخضرم "زرير" والد سلم بفتح الزاي وكسر الراء بعدها ياء أخيرة ثم راء أيضا سلم بن زرير قال الأصلي قرأ لنا أبو زيد المروزي زرير بضم الزاي والصواب بالفتح "الزماني" بكسر الزاي وتشديد الميم ليس له ذكر في الجامع وفيه أبو هاشم الرماني بضم الراء "زبر" عبد الله بن العلاء بن زبر بفتح الزاي وسكون الموحدة بعدها راء "زبيد" بالباء الموحدة وليس في الجامع زبيد بباءين مثناتين من تحت "الزبيدي" بضم الزاي نسبة إلي القبيلة وليس في الجامع من ينسب إلى البلد وهي بالفتح
"سمرة" بضم الميم "سبرة" بإسكان الباء الموحدة "أبو سروعة" بكسر المهملة وسكون الراء وفتح الواو "سياه" بالكسر والياء المثناة من تحت "سلامة" بتخفيف اللام وليس في الكتاب بتشديدها شيء "السفر" بفتح الفاء عبد الله بن أبي السفر وليس فيه بإسكانها شيء "سيدان" بالكسر وياء أخيرة ساكنة "سمي" بالضم وفتح الميم بعدها ياء أخيرة مشددة "السلماني" بسكون اللام "السرماري" بفتح السين وسكون الراء ثم ألف وبعدها راء "السعدي" بفتح السين وسكون العين المهملتين وضبط بعض المغاربة إبراهيم بن نصر السعدي شيخ البخاري بالضم والغين المعجمة وهو تصحيف
"الشنائي" بفتح الشين المعجمة والنون وهمزة مكسورة سفيان ابن أبي زهير صحابي من أزد شنواة وليس فيه
بالسين المهملة والموحدة بوزنه شيء "شبابة" بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف موحدة أخرى مفتوحة "شبيل" بضم الشين المعجمة مصغرا هو الحارث بن شيبل فقط "شميل" والد النضر بالتصغير "الشعبي" بالفتح وليس فيه بالكسر "الشعيثي" منسوب إلى شعيث بالثاء المثلثة "الشعيري" منسوب إلي بيع الشعير وليس فيه بالمهملة والمثناة من فوق شيء
"صباح" حيث أتى بتشديد الباء الموحدة وليس فيه بتخفيفها ولا بالياء المثناة تحت شيء "أم صبية" بضم الصاد كنية خولة بنت قيس "صدى" بالضم وفتح الدال اسم أبي أمامة الباهلي "صرد" والد سليمان ابن صرد بضم المهملة وفتح الراء بعدها دال مهملة "الصنعاني" بالنون والعين المهملة وليس فيه بحذف النون وبالغين المعجمة شيء
"ضمام" بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الميم
"طرخان" بكسر أوله والد سليمان التيمي
"عبدان" بالباء الموحدة وليس فيه بالياء الأخيرة شيء "علي" بن أبي طالب عليه السلام وكل ما في الكتاب بهذه الصورة بوزنه وليس فيه بضم العين وفتح اللام شيء "عميس" والد أسماء بنت عميس بالضم وفتح الميم وبوزنه عبيس بالباء الموحدة بدل الميم والد بشر شيخ البخاري "عبلة" بسكون الباء الموحدة "علية" بضم العين وفتح اللام بعدها ياء أخيرة مشددة "أبو عبس" بن جبر بسكون الباء الموحدة "عكاشة" بضم أوله وتشديد الكاف وقد تخفف والشين المعجمة "عابس" بباء موحدة وسين مهملة وليس فيه بالياء الأخيرة والشين امعجمة شيء "العرقة" بفتح العين وكسر الراء وفتح القاف "العنزي" بفتح النون بعدها زاي وأما بسكون النون ففي الجامع عبد الله بن عامر بن ربيعة وأبوه وليس فيه بالغين المعجمة المضمومة والموحدة المفتوحة شيء "العلقي"بفتح العين واللام بعدها قاف "العتقي" بضم العين وفتح المثناة "العيزار" بفتح العين المهملة بعدها ياء مثناه من تحت ثم زاي وبعد الألف راء مهملة
"غفلة" بفتح الغين المعجمة والفاء واللام "غزوان" بسكون الزاي "غورث" المذكور في حديث جابر بالفتح وسكون الواو وفتح الراء بعدها ثاء مثلثة
"فطر" بكسر الفاء وسكون الطاء
"القشب" بكسر القاف وسكون الشين المعجمة بعدها باء موحدة "قوقل" بقافين في حديث أبي هريرة هذا قاتل بن قوقل "قزعة" بفتح القاف والزاي والعين "القنطري" بسكون النون منسوب إلى القنطرة "القنوي" بالقاف والنون المفتوحتين قرة بن حبيب منسوب إلى القنا وهي الرماح وأما بالغين المعجمة فليس فيه شيء وزيد بن أبي أنيسة وإن كان ينسب هذه النسبة لكنه لم يرد منسوبا "القطيعي" بضم القاف وفتح الطاء "القردوسي" بضم القاف وسكون الراء وضم الدال هو هشام بن حسان وليس في الجامع بكسر القاف وفتح الدال شيء "القسملي" بالفتح وسكون السين المهملة وفتح الميم "القطواني" بفتحات خالد بن مخلد ولم يذكره في الجامع بهذه النسسبة لأنه نقل عنه أنه كان يغضب منها
"كريز" بضم الكاف وفتح الراء وبعد الياء زاي عبد الله بن عامر بن كريز ذكر في الصلح وبنت الحارث بن كريز في أواخر المغازي وليس فيه بفتح الكاف شيء "أبو كدينة" بضم الكاف وفتح الدال بعدها ياء أخيرة ثم نون "أبو كبشة" بالفتح وسكون الموحدة بعدها شين معجمة وليس فيه بالياء الأخيرة المشددة بعدها سين مهملة شيء وقد روى البخاري في كتاب الأشربة المفرد حديثا عن أبي كبشة نبه عليه الدارقطني في المؤتلف والمختلف له
"ابن اللتبية" بضم اللام وفتح المثناة وكسر الموحدة وتشديد الياء وقيل بفتح اللام
"منير" والد عبد الله شيخ البخاري بضم الميم وكسر النون آخره راء وليس فيه بفتح النون آخره نون شيء "مخلد" بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وليس فيه بضم الميم وفتح الخاء وتشديد اللام شيء "مرار" بفتح أوله وتشديد الراء هو أبو أحمد بن حمويه لكن لم يقع مسمى في الكتاب إلا في بعض الروايات أبي ذر "مقرن" بالضم وفتح القاف وكسر الراء المشددة مل والد أبي عثمان عبد الرحمن بل مل بفتح الميم ويقال بضمها وبه جزم الصوري وأبو ذر الهروي ويقال بكسرها "معرور" بن سويد بسكون العين المهملة وليس فيه بالغين المعجمة شيء "محاصر" بالضم وفتح المهملة "مجزأة" بن زاهر تابعي بفتح الميم وسكون الجيم وفتح الزاي بعدها الألف المهموزة المفتوحة وربما سهلوا الهمزة وربما كسروا الميم "مطهر" بوزن محمد "محبر" بالمهملة والموحدة بوزنه أيضا "مجلز" بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام "أبو مراوح" بالضم والراء وكسر الواو بعدها حاء مهملة "أبو المليح" بفتح الميم وليس فيه بضمها شيء "المقبري" بالفتح وسكون القاف وضم الموحدة "المرهبي" بكسر الهاء والباء الموحدة "المسلي" بالضم وسكون السين المهملة وكسر اللام "المعولى" بالكسر وسكون العين المهملة وفتح الواو "المعني" بالفتح وسكون المهملة وكسر النون "المسندي" بفتح النون.
"نابل" بالباء الموحدة بعد الألف وليس فيه بالمثناة شيء "الناجي" بالنون والجيم "نسيبة" بالضم وفتح المهملة وسكون الياء الأخيرة بعدها باء موحدة "نشيط" بفتح النون وكسر الشين المعجمة هو عبد الله بن عبيدة بن نشيط "النفيلي" بالضم وفتح الفاء وليس فيه بالموحدة والقاف شيء "النخاس" بالخاء المعجمة وليس فيه بالمهملة شيء
"هريم" بالضم وفتح الراء بعدها ياء أخيرة "الهمداني" بسكون الميم والدال مهملة وليس فيه بفتح الميم وإعجام الذال شيء
"واقد" بالقاف وليس فيه بالفاء شيء "ورقة" بن نوفل بفتحات "وساج" بتشديد السين المهملة آخره جيم "الواشحي" بالشين المعجمة والحاء المهملة "وبرة" بفتحات "الوحاظي" بضم الواو وبعدها حاد مهملة وظاؤه معجمة
"ياسر" والد عمار وليس فيه بالنون والشين المعجمة شيد وقد قيل إن اسم والد أبي ثعلبة الخشني ناشر لكن لم يذكر في الجامع "يسرة" بفتح الياء الأخيرة والسين المهملة هو بن صفوان شيخ البخاري وليس في الجامع بالباء الموحدة المضمومة ولا المكسورة مع الشين المعجمة ولا المهملة شيء "يعفور" بالفاء والراء أبو يعفور الأكبر تابعي والأصغر من شيوخ بن عيينة



يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 02:44 AM
الفصل السابع: في تبيين الأسماء المهملة التى يكثر اشتراكها
فصل : فيمن ذكر مجردا عن النسب في سبع تراجم
...
الفصل السابع:
في تبيين الأسماء المهملة التي يكثر اشتراكها
قال الشيخ قطب الدين الحلبي وقع من بعض الناس اعتراض على البخاري بسبب إيراده أحاديث عن شيوخ لا يزيد على تسميتهم لما يحصل في ذلك من اللبس ولا سيما أن شاركهم ضعيف في تلك الترجمة وقد تكلم في بيان بعض ذلك الحاكم والكلاباذي وابن السكن والجياني وغيرهم قلت وقد نقل البياشي أحد الحفاظ من المغاربة في الأحكام الكبرى التي جمعها عن الفربري ما نصه كل ما في البخاري محمد عن عبد الله فهو بن المبارك وكل ما فيه عبد الله غير منسوب أو غير مسمى الأب فهو بن محمد الأسدي وما فيه عن إسحاق كذلك فهو بن راهويه وما كان فيه محمد عن أهل العراق مثل أبي معاوية وعبدة بن سليمان ومروان الفزاري فهو بن سلام البيكندي وما فيه عن يحيى فهو بن موسى البلخي قلت وقد يرد على بعض ما قال ما يخالفه وقد يسر الله تتبع ذلك في جميع الكتاب واستوعبته هنا مبينا لجميعه ناسبا كل قول إلي قائله نفع الله بذلك
"ذكر من اسمه أحمد"
"فصل" فيمن ذكر مجردا عن النسب وهو سبعة تراجم الأولى أحمد قال حدثنا بهز بن أسد وذكره البخاري في البيوع عقيب حديث حفص بن عمر عن همام عن قتادة حديث حكيم بن حزام البيعان بالخيار قال وزاد أحمد حدثنا بهز قال قال همام فذكرت ذلك لأبي التياح فذكره وأحمد هذا لم يذكره الحاكم ولا الكلاباذي ولا أبو على الجياني ولأفرده الحافظ أبو الحجاج المزي بترجمة كما صنع في غيره والمتبادر إلى الذهن أنه الإمام أحمد بن محمد بن حنبل إلا أن هذا الحديث بهذا الإسناد ما هو في مسنده وقد رواه أبو عوانة في صحيحه قال حدثنا أبو جعفر الدارمي قال حدثنا بهز بن أسد وأبو جعفر هذا اسمه أحمد بن سعيد بن صخر حافظ جليل قد روى عنه البخاري في الجامع في باب صلاة التطوع على الحمار قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا حبان قال حدثنا همام فذكر حديثا وروى عنه غير هذا فيظهر أنه هو والله أعلم الثانية أحمد عن ابن وهب وقع في الصلاة في باب رفع الصوت في المساجد حدثنا أحمد حدثنا بن وهب بحديث كعب من مالك أنه تقاضى بن أبي حدرد دينا وفي باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام فحوله حدثنا أحمد حديث بن وهب بحديث بن عباس نمت عند خالتي ميمونة وفي الجمعة في موضع سيأتي ذكره وفي العيدين في باب الدرق والحراب في العيدين حدثنا أحمد حدثنا بن وهب بحديث عائشة دخل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان وفي الجنائز في موضعين الأول في باب نقض شعر رأس المرأة حدثنا أحمد حدثنا بن وهب بحديث أم عطية أنهن جعلن رأس بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون الثاني في باب كيفية الإشعار للبيت وهو حديث أم عطية أيضا لكن الأول من رواية حفصة بنت سيرين عنها والثاني من رواية أخيها محمد عنها في الحج في ثلاثة مواضع الأول في باب قوله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالاً} حديث بن عمر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يركب راحلته بذي الحليفة الثاني في باب مهل أهل نجد حديث بن عمر مهل أهل المدينة ذو الحليفة الحديث الثالث في باب الطواف على غير وضوء حديث عائشة أن أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت وفي الجهاد في باب الدرق حديث عائشة الذي تقدم في العيدين ذكر طرفا منه تعليقا وفي المغازي في باب غزوة خيبر حدثني أحمد حدثنا بن وهب بحديث أنس فقدمنا خيبر فلما فتح الله الحصن ذكر له جمال صفية الحديث وفي المغازي أيضا في باب غزوة مؤتة حدثنا أحمد حدثنا بن وهب بحديث بن عمر أنه وقف على جعفر فقال فعددت به خمسين بين طعنة وضربة الحديث وفي بدء الخلق في باب حدثنا أحمد حدثنا بن وهب بحديث زيد بن خالد أن أبا طلحة حدثه بحديث لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة وفي تفسير سورة الأحقاف حدثنا أحمد حدثنا بن وهب بحديث عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا حتى أرى منه لهواته الحديث وقد اختلف الحفاظ في تعيين أحمد هذا هل هو أحمد بن صالح الطبري أو أحمد بن عيسى التستري أو أحمد بن عبد الله بن وهب بن أخي بن وهب فقال أبو علي بن السكن أحد رواة الصحيح عن الفربري هو في المواضع كلها أحمد بن صالح وقال الحاكم أبو أحمد الكرابيسي هو بن أخي بن وهب وقال الحاكم أبو عبد الله هو أحمد بن صالح أو أحمد بن عيسى لا يخلو أن يكون واحدا منهما ولم يحدث عن ابن أخي بن وهب شيئا ومن زعم أنه بن أخي بن وهب فقد وهم والدليل على ذلك أن مشايخ البخاري الذين لم يخرج عنهم في الصحيح قد روى عنهم في بقية كتبه كأبي صالح ولم نجد له رواية عن ابن أخي بن وهب في شيء من تصانيفه فإما أن يكون لم يكتب عنه شيئا وإما أن يكون كتب عنه وتركه وقال أبو عبد الله بن منده كل ما في الجامع أحمد عن ابن وهب فهو بن صالح وإذا حدث عن أحمد بن عيسى نسبه ولم يخرج عن ابن أخي بن وهب شيئا وقال الإسماعيلي في كثير من هذه المواضع بعد أن يخرجها من طريق أحمد بن أخي بن وهب أحمد بن أخي بن وهب ليس من شرطه قلت واختلف رواة الجامع في تعيين بعض هذه المواضع فأما الموضع الأول الذي في الصلاة فنسبه الوليد بن بكر العمري عن أبي علي محمد بن عمر الشبوي عن الفربري عن البخاري قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا بن وهب وأهمله الباقون وأما الموضع الثاني فلم أره منسوبا في شيء من الروايات لكن جزم أبو نعيم في المستخرج بأنه بن صالح وأخرجه من طريقه وأما الموضع الذي في الجمعة فهو في باب من أين تؤتى الجمعة قال حدثنا أحمد حدثنا بن وهب بحديث عائشة كان الناس يتناوبون الجمعة من العوالي الحديث هكذا في أكثر الروايات وفي رواية أبي زيد المروزي ورواية أبي ذر عن مشايخه وفي أصل أبي سعيد بن السمعاني الذي قرأ فيه على أبي الوقت وكذا في رواية الوليد بن بكر عن أبي علي الشبوي حدثنا أحمد بن صالح حدثنا بن وهب ولم ينبه أبو على الجياني على هذا الموضع وأما الموضع الذي في العيدين فهو في رواية أبي ذر في هذا الحديث حدثنا أحمد بن عيسى وكذا هو في رواية الحافظ أبي القاسم بن عساكر عن مشايخه ووقع في رواية أبي علي الشبوي حدثنا أحمد بن صالح وقد علق البخاري في الجهاد في باب الدرق عقب حديث إسماعيل عن ابن وهب طرفا من حديث أحمد هذا كما قدمنا واستخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من حديث الحسن بن سفيان عن أحمد بن عيسى والله أعلم وأما الموضعان اللذان في الجنائز فقال أبو علي الشبوي في الأول منهما حدثنا أحمد بن صالح وقال في الثاني حدثنا أحمد يعني بن صالح وأما المواضع الثلاثة التي في الحج ففي رواية أبي ذر حدثنا أحمد بن عيسى ووافقه أبو على الشبوي في الموضعين الأولين وخالفه في الثالث فقال فيه حدثنا أحمد بن صالح حدثنا أحمد بن عيسى ووجدت في الحج في موضع آخر وهو باب من أين يخرج من مكة حدثنا أحمد حدثنا بن وهب ولم أره منسوبا في شيء من الروايات وأما الموضع الذي في الجهاد فمضى في العيدين وأما الموضع الذي في بدء الخلق ففي رواية الشوبي حدثنا أحمد بن صالح وأما الموضع الأول في المغازي ففي رواية الشبوي حدثنا أحمد بن صالح وفي رواية كريمة المروزية حدثنا أحمد بن عيسى وأما الموضع الثاني في المغازي فلم أره منسوبا في شيء من الروايات ولم ينبه عليه أبو الجياني لكن جزم أبو نعيم في المستخرج بأنه أحمد بن صالح وأما الموضع الذي في التفسير ففي رواية أبي ذر حدثنا أحمد بن عيسى وأهمله الباقون ووضح من مجموع ذلك أنه لم يخرج عن ابن أخي بن وهب شيئا إذ الرواة متفقون في الجملة على أحمد بن صالح وأحمد بن عيسى والله أعلم الثالثة أحمد عن محمد بن أبي بكر المقدمي بحديث أنس قال جاء زيد بن حارثة يشكوا فذكر الحديث وهو في باب وكان عرشه على الماء من كتاب التوحيد قال أبو علي الجياني لم ينسب أبو علي بن السكن ولا غيره من رواة الجامع هذا وقال الكلاباذي يقال إنه أحمد بن سيار أبو الحسن المروزي وقال الحاكم أبو عبد الله هو عندي أحمد بن النضر يعني إلى الرابعة أحمد عن عبيد الله بن معاذ بحديث أنس في ذكر أبي جهل وهو في تفسير سورة الأنفال لم ينسب أيضا في جميع الروايات وجزم الحاكمان أبو أحمد وأبو عبد الله بأنه أحمد بن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري قال الحاكم بلغني أن محمد بن إسماعيل كان يكثر السكون بنيسابور عند بن النضر وقد روى الحديث المذكور في السورة المذكورة عن محمد بن النضر عن عبد الله الخامسة قال البخاري في كتاب اللباس في باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن أبيه عن ثمامة عن أنس أن أبا بكر لما استخلف كتب له الحديث ثم قال وزادني أحمد حدثنا الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة عن أنس قال كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده وفي يد أبي بكر قلت ولم يذكر أبو علي الجياني أحمد هذا من هو وجزم المزي في الأطراف في ترجمة أنس عن أبي بكر بأنه أحمد بن حنبل وتبع في ذلك الحميدي لكن لم أر هذا الحديث من هذه الطريق في مسند أحمد فينظر فيه السادسة قال البخاري في الشهادات حدثنا أبو الربيع سليمان ابن داود وأفهمني بعضه أحمد قال حدثنا فليح بن سليمان عن الزهري قال فذكر حديث الإفك قلت لم يبين أبو علي الجياني من هو أحمد هذا ووقع في كتاب خلف الواسطي في الأطراف وأفهمني بعضه أحمد بن يونس وبهذا جزم الدمياطي وقال ابن عساكر والمزي أنه وهم قلت ورأيته في نسخة الحافظ أبي الحسين اليونيني وقد أهمله في جميع الروايات التي وقعت له إلا رواية واحدة فإنه كتب عليها علامة ق ونسبه فقال أحمد بن يونس وقال الذهبي في طبقات العدالة1 في ترجمة أحمد بن النضر هو الذي أبهمه البخاري في حديث الإفك يعني هذا وجوز أبو عبد الله بن خلفون أن يكون هو أحمد بن حنبل وأما أبو نعيم في المستخرج فإنه أخرجه من طريق عن أبي الربيع الزهراني عن فليح وقال في آخره أخرجه البخاري عن أبي الربيع ولم يتعرض لذكر أحمد ولم أره في المصافحة للبرقاني مع أنه وقع له عاليا عن أبي الربيع وهو على شرطه لو كان عنده أن أحمد المهمل الذي ثبت في البخاري في بعضه ممن سمعه من أبي الربيع الزهراني كما قال الذهبي وغيره فتركه لإخراجه يدل على أنه اعتمد على أنه أحمد بن يونس وعلى تقدير أن لا يكون هو أحمد بن يونس
ـــــــ
1 الصواب: طبقات القراء له

فالذين سمعوا من أبي الربيع ممن يسمى أحمد جماعة منهم أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى وأحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل أبو بكر وأحمد بن النضر السابعة أحمد حدثنا عنبسة ذكره في باب شهود الملائكة بدرا من كتاب المغازي هكذا هو في رواية أبي ذر الهروي عن مشايخه غير منسوب ونسبه الأصيلي وغيره في روايته فقال حدثنا أحمد بن صالح وقد أخرج البخاري عن أحمد بن صالح عن عنبسة عدة مواضع غير هذا ولم ينبه أبو علي الجياني على هذا الموضع أيضا تنبيه أحمد حدثنا أبي يأتي قريبا فيما بعد أنه أحمد بن حفص النيسابوري

فصل : فينت ذكر منسوبا لكنه لم يتميز عمن يشترك معه في ذلك
...
"فصل" فيمن ذكر منسوبا لكنه لم يتميز عمن يشترك معه في ذلك وهو تراجم الأولى أحمد بن محمد عن إبراهيم عن أبيه في باب حج النساء قال ابن عدي هو أحمد بن محمد بن عون القواس وقال غيره هو أبو الوليد الأزرقي جد صاحب التاريخ وهذا هو الصواب وإبراهيم شيخه هو بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الثانية أحمد بن محمد حدثنا عبد الله بن المبارك قال الدارقطني هو أحمد بن محمد بن ثابت يعرف بابن شبويه وقال الحاكم أبو عبد الله هو أحمد بن محمد بن موسى المروزي معروف بمردويه ورجح المزي وغيره هذا الثاني ووقع في باب كم تقصر الصلاة تابعه أحمد عن ابن المبارك وهو هذا الثالثة أحمد بن أبي عمرو عن أبيه عن إبراهيم وهو بن طهمان هو أحمد بن حفص بن راشد السلمي النيسابوري له أحاديث في الحج والنكاح وقد قال ابن السكن في روايته في النكاح حدثنا أحمد بن حفص ووقع في باب قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} في أثناء كتاب الحج حدثنا أحمد حدثنا أبي حدثنا إبراهيم وهو هذا الرابعة أحمد بن واقد حدثنا حماد بن زيد وقع في الصلاة وغيرها وهو أحمد بن عبد الملك بن واقد نسبه إلى جده.
"ذكر من اسمه ابراهيم" قال في الحج حدثنا إبراهيم أخبرنا الوليد حدثنا الأوزاعي وإبراهيم هذا هو بن موسى الفراء المعروف بالصغير وكان من كبار الحفاظ ووقع منسوبا في رواية أبي علي بن شبويه وغيره والوليد هو بن مسلم ويروي عن الوليد بن مسلم في صحيح البخاري ممن اسمه إبراهيم إبراهيم بن المنذر الحزامي ومن شيوخه ممن حدث عن الوليد بن مسلم أيضا إبراهيم بن حمزة الزبيري ولم يذكر الجياني هذه الترجمة وقال في باب من باع نخلا قد أبرت قال لي إبراهيم أخبرنا هشام عن ابن جريج وإبراهيم هذا هو بن المنذر قاله المزي وهشام هو بن سليمان المخزومي نبه عليه المزي قال لأن ابن المنذر لم يسمع من هشام بن يوسف قلت ويحتمل أن يكون إبراهيم هو بن موسى الرازي وهشام هو بن يوسف
"ذكر من اسمه إسحاق" على ترتيب المشايخ "ترجمة": قال في باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته وفي باب المعانقة من كتاب الأدب حدثنا إسحاق حدثنا بشر بن شعيب وهو حديث واحد ولم أر إسحاق هذا منسوبا في شيء من الروايات إلا في رواية بن السكن فإنه نسبه في الباب الأول فقال حدثنا إسحاق بن منصور "ترجمة": قال في باب أحلت لكم الغنائم حدثنا إسحاق سمع جرير وقال في باب تفسير لقمان حدثنا إسحاق حدثنا جرير وقال في البيوع عن إسحاق عن جرير عن مغيرة أما الموضع الأول فنسبه المزي في الأطراف إسحاق بن إبراهيم وهو في ترجمة عبد الملك بن عمير عن جابر بن محمد بن سمرة ولم أره منسوبا في شيء من الروايات وكذا قال أبو علي الجياني أنه لم يره منسوبا في شيء من الروايات ولا ذكره أبو نصر الكلاباذي قلت ولا ذكره خلف في الأطراف ومستند المزي فيه أن الحديث وجد في مسند جابر بن سمرة من مسند إسحاق بن راهويه بهذا السياق وأما الموضع الثاني فقال الجياني فيه كما قال في الأول ونسبه المزي في الأطراف أيضا إسحاق بن إبراهيم ويؤيد ذلك أن البخاري روى في تفسير سورة الأحزاب وفي باب استئذان الإمام من كتاب الجهاد عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير وأما الموضع الثالث فهو إسحاق بن إبراهيم بدليل ما مضى والله أعلم "ترجمة": قال في باب الأذان للمسافر حدثنا إسحاق حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو العميس عن عون أن أبي جحيفة عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح الحديث لم يقع إسحاق هذا منسوبا في شيء من الروايات إلا في بعض النسخ من طريق أبي الوقت وجزم خلف في الأطراف بأنه بن منصور وتردد أبو نصر الكلاباذي هل هو بن إبراهيم أو بن منصور ورجح أبو علي الجياني أنه بن منصور واستدل على ذلك بأن مسلما روى هذا الحديث بعينه عن إسحاق بن منصور عن جعفر بن عون بهذا الإسناد وهو استدلال قوي "ترجمة": قال في باب فضل صلاة الفجر وفي باب البيعان بالخيار وفي باب إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع وفي باب حديث أبي النضر وفي باب أجر الصابر في الطاعون من كتاب الطب وفي باب الجعد من كتاب اللباس وفي باب المعاريض مندوحة عن الكذب وفي باب كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم وفي باب إذا أقر بالقتل مرة حدثنا إسحاق حدثنا حبأن ابن هلال قال أبو علي الجياني لم أجد إسحاق هذا منسوبا عن أحد من رواة الكتاب ولعله إسحاق بن منصور فإن مسلما قد روى في صحيحه عن إسحاق بن منصور عن حبأن ابن هلال قلت رأيته في رواية أبي علي محمد بن عمر الشبوي في باب البيعان بالخيار قد قال فيه حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان فهذه قرينة تقوى ما ظنه أبو علي رحمه الله ويقوى ذلك أن إسحاق بن راهويه لا يقول حدثنا وإنما يقول أخبرنا "ترجمة": قال في باب الأذان قبل الفجر وفي باب إسلام سعد رضي الله عنه من كتاب المغازي حدثنا إسحاق حدثنا أبو أسامة واسمه حماد بن سلمة وقال في باب كم تقصر الصلاة حدثنا إسحاق قال قلت لأبي أسامة قال أبو علي الجياني قد روى البخاري في كتاب الأطعمة عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن أبي أسامة وروي في غير موضع عن إسحاق بن إبراهيم عنه وروى في العقيقة وغيرها عن إسحاق بن منصور عن أبي أسامة وروى في تفسير سورة السجدة وغيرها عن إسحاق بن نصر عن أبي أسامة فلا يخلو أن يكون إسحاق الذي لم ينسبه أحد هؤلاء الثلاثة قلت جزم المزي في الأطراف في الموضع الأول أنه إسحاق بن إبراهيم وفيه نظر وأما الموضع الثالث فلم ينبه عليه أبو علي الجياني وهو عندي إسحاق بن إبراهيم أيضا لأن هذه الصيغة هي التي عبر بها في مسنده فقال في ترجمة عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قلت لأبي أسامة حدثكم عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تسافر المرأة ثلاث إلا مع ذي محرم" وقد جزم المزي في الأطراف أيضا بأنه إسحاق بن إبراهيم وعلى هذا فينبغي حمل الموضع الثاني عليهما ويتقرر أنه إذا روى عن إسحاق عن أبي أسامة إذا لم ينسب إسحاق فهو بن إبراهيم الحنظلي وإن روى عن غيره نسبه وربما روى عنه فنسبه أيضا والله أعلم "ترجمة": قال في باب النسك شاة من كتاب الحج وفي باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال من كتاب بدء الخلق وفي باب غزوة الخندق وفي باب تفسير البقرة في موضعين وفي باب تفسير سورة الأنفال وفي باب ومن يتوكل على الله فهو حسبه من كتاب الرقاق حدثنا إسحاق حدثنا روح وهو بن عبادة قال أبو علي الجياني لم أجد إسحاق هذا منسوبا عن أحد من الشيوخ في شيء من هذه المواضع يعني التي ذكرها وهي التي في بدء الخلق وتفسير البقرة والرقاق ولم ينبه على ما عداها قال وقد روى البخاري في تفسير سورة الأحزاب وتفسير صورة ص عن إسحاق بن إبراهيم عن روح قلت وكذا في الرقاق اه قال وقد روي في الصلاة والأشربة وغير موضع عن إسحاق بن منصور عن روح ومراده أن التردد في كونه بن إبراهيم أو بن منصور باق والذي يظهر لي أنه إسحاق بن منصور في المواضع كلها إلا الذي في بدء الخلق وقد جزم خلف في الأطراف بأن إسحاق المذكور في الحج وفي بدء الخلق وفي تفسير الأنفال هو إسحاق بن منصور ووافقه المزي والموضع الثاني من الموضعين اللذين في تفسير البقرة قد أعاده البخاري في كتاب العدة فقال حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا روح فذكره بعينه فهذه المواضع تدل على أنه إذا روى عن إسحاق عن روح ولم ينسبه فهو بن منصور إلا أن عبر إسحاق ب قوله: "أخبرنا فهو بن إبراهيم لأنه لا يقول حدثنا وقد عبر بهذا في بدء الخلق فأخرجه أبو نعيم من مسند إسحاق بن راهويه موافقا لسياقه حرفا حرفا وقال أخرجه البخاري عن إسحاق "ترجمة": قال في باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الفتح من كتاب المغازي وفي باب قول الله تعالى {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} في كتاب التوحيد حدثنا إسحاق حدثنا أبو عاصم وهو الضحاك بن مخلد شيخ البخاري لم أره منسوبا في شيء من الروايات وجوز أبو علي الجياني أنه إسحاق بن منصور واستدل على ذلك بأن مسلما أخرج في صحيحه عن إسحاق بن منصور عن أبي عاصم قلت وجزم أبو عبد الله الحاكم بأن إسحاق الذي حدث البخاري عنه عن أبي عاصم هو إسحاق بن نصر الآتي ذكره والله أعلم "ترجمة": قال في تفسير سورة الأحزاب حدثنا إسحاق حدثنا عبد الله بن بكر وهو السهمي قال أبو علي لم ينسبه أحد من شيوخ الجامع ولا أبو نصر الكلاباذي قلت جزم خلف في الأطراف والمزي بأنه إسحاق بن منصور "ترجمة": قال في باب سترة الإمام سترة لمن خلفه وفي باب من أجرى أهل الأمصار على ما يتعارفون في كتاب البيوع وفي تفسير سورة النساء حدثنا إسحاق حدثنا عبد الله بن نمير قال أبو علي لم أجده منسوبا لأحد من الرواة ولا نسبه أبو نصر يعني الكلاباذي قلت الحديث الذي في البيوع هو الحديث الذي في التفسير وقد جزم خلف في الأطراف وتبعه المزي بأن إسحاق الذي في التفسير هو إسحاق بن منصور فيتعين أن يكون هو الذي في البيوع وأما الذي في الصلاة فلم ينسباه وينبغي حمله عليه "ترجمة": قال في باب حدثنا إسحاق حدثنا عبد الله هو بن الوليد العدني1 "ترجمة": قال في باب كراهية الخلاف من كتاب الاعتصام حدثنا إسحاق حدثنا عبد الرحمن بن مهدي جزم أبو نصر الكلاباذي بأنه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومال أبو علي الجياني إلى أنه إسحاق بن منصور "ترجمة": قال في باب فضل الإصلاح بين الناس وفي باب من يأخذ بالركاب ونحوه من كتاب الجهاد وفي تفسير سورة الأنعام وفي تفسير الأعراف وفي باب الله أعلم بما كانوا عاملين من كتاب القدر وفي باب ترك الحيل حدثنا إسحاق حدثنا عبد الرزاق وإسحاق هذا في هذه المواضع قال أبو علي الغساني يحتمل أن يكون إسحاق بن نصر فإنه أخرج عنه الكثير عن عبد الرزاق وهو إسحاق بن إبراهيم بن نصر نسبه البخاري إلى جده وقد روى البخاري أيضا عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي وهو إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق وذلك في كتاب الوضوء وروى أيضا عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق وذلك في كتاب
ـــــــ
1 بياض في جميع النسخ، وكتب بهامش بعضها: أنه وجد كذلك في النسخة الأم

الإيمان وفي تفسير قل هو الله أحد فاجتمع لنا أن البخاري يروي عن هؤلاء الثلاثة عن عبد الرزاق قلت لكن القاعدة أن مثل هذا المهمل إنما يحمل على الأكثر وأما الأقل فينسب فيتعين حمل ذلك على إسحاق بن نصر لكن الذي في مناقب عمر من الصحيح حدثنا إسحاق حدثنا عبد الرزاق فنسبه بن السكن فقال ابن منصور ونسبه الأصيلي فقال إسحاق بن نصر ولم ينسبه غيرهما والذي في تفسير سورة الأنعام مهمل في أكثر الأصول فنسبه خلف بن نصر ونسبه مسعود بن منصور والحديث الذي في فضل الإصلاح نسبه أبو ذر في روايته إسحاق بن منصور والحديث الذي في القدر نسبه أبو ذر في روايته إسحاق بن إبراهيم وفي باب وفد بني حنيفة حدثنا إسحاق حدثنا عبد الرزاق فنسبه أبو زيد المروزي وابن السكن إسحاق بن نصر ونسبه الإسماعيلي عن أبي أحمد إسحاق بن منصور "ترجمة": قال في باب إذا شرب الكلب من الإناء وفي باب صلاة القاعد وفي باب هل يؤذن إذا جمع و في باب وقف الأرض للمسجد ومناقب سعد وغزوة خيبر وغزوة الفتح وفي باب التسليم والاستئذان وفي باب ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب من كتاب الأحكام وفي باب كراهية الخلاف من كتاب الاعتصام حدثنا إسحاق حدثنا عبد الصمد قال الغساني نسب الأصيلي إسحاق الذي في باب الوقف وفي باب غزوة الفتح وفي الباب الذي في الأحكام فقال في هذه المواضع الثلاثة حدثنا إسحاق بن منصور وأهمل سائرها ولم أجده لابن السكن ولا غيره منسوبا قلت قد وقع في رواية أبي علي الشبوي عن الفربري في باب وقف الأرض حدثنا إسحاق هو بن منصور حدثنا عبد الصمد وجزم أبو نعيم في المستخرج بأن الذي في باب إذا شرب الكلب وكذا الذي في التسليم والاستئذان هو الكوسج وهو إسحاق بن منصور ومما يدل على أنه هو أن البخاري قال في باب صلاة القاعد حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا روح بن عبادة فذكر حديثا وقال بعده سواء وحدثنا إسحاق حدثنا عبد الصمد فهذه قرينة في أنه هو بن منصور والموضع الذي في الأحكام ثبت في رواية أبي ذر الهروي عن شيوخه الثلاثة منسوبا فقال فيه حدثنا إسحاق بن منصور فتعين حمل باقي المواضع عليه وأهمل الغساني موضعا آخر وهو في التوحيد في باب كلام الرب مع الملائكة وهو مهمل أيضا في جميع الروايات إلا أنني رأيت في بعض النسخ حدثنا إسحاق هو بن راهويه وهذا تفسير من بعض من لا يعرف فلا يعتمد والله أعلم وقد أخرج البخاري في باب غزوة خيبر عن إسحاق عن عبد الصمد حدثنا فأشار أبو نعيم إلى أنه ليس بإسحاق بن إبراهيم لأن إسحاق بن إبراهيم إنما روي ذلك الحديث في مسنده عن النضر لا عن عبد الصمد فالحاصل من هذا كله أن إسحاق عن عبد الصمد حيث أبهم فهو بن منصور والله أعلم "ترجمة": قال في باب الأدب حدثنا إسحاق حدثنا أبو المغيرة وهو عبد القدوس بن الحجاج نسبه بن السكن في روايته إسحاق بن راهويه وحكى الكلاباذي عن أبي حاتم الحذاء أنه إسحاق بن منصور والله أعلم وأحكم "ترجمة": قال في باب وفد عبد القيس حدثنا إسحاق حدثنا أبو عامر العقدي ذكر الكلاباذي أنه إسحاق بن راهويه وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من مسند إسحاق بن راهويه "ترجمة": قال في باب كيف صلاة الليل وفي باب كم يقرأ القرآن من فضائل القرآن حدثنا إسحاق حدثنا عبيد الله قال الغساني لم أجده منسوبا لأحد من رواة الكتاب وذكر الكلاباذي أن إسحاق الحنظلي يروي عن عبيد الله بن موسى قلت وقد أخرج أبو نعيم الحديثين من مسند إسحاق بن راهويه الحنظلي "ترجمة": قال في الذبائح حدثنا إسحاق سمع عبدة قال الغساني نسبه أبو على بن السكن إسحاق بن راهويه قلت وكذا أخرجه أبو نعيم في مسند إسحاق بن راهويه ترجمة قال في الجهاد والاعتصام والتوحيد حدثنا إسحاق حدثنا عفان قال الغساني لم ينسبه الكلاباذي ولا أحد من الرواة التي وقع لنا رواياتهم قلت وقع في رواية الأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت في كتاب الجهاد حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عفان فيحمل الموضعان الآخران على ذلك "ترجمة": قال في الاعتصام حدثنا إسحاق أخبرنا عيسى بن يونس وابن إدريس وابن أبي غنية ثلاثتهم عن أبي حيان قال الغساني نسبه الكلاباذي إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال ولم أجده منسوبا في شيء من الروايات قلت وقد جزم خلف في الأطراف أنه إسحاق بن راهويه وكذا أخرجه أبو نعيم في مسند إسحاق بن راهويه والله أعلم "ترجمة": قال في باب كنية النبي صلى الله عليه وسلم حدثني إسحاق أخبرنا الفضل بن موسى قال الغساني ذكر الكلاباذي أن إسحاق بن راهويه يروي في الجامع عن الفضل بن موسى قلت وقد وقع منسوبا في أصل أبي ذر الهروي وفي الأصل المقروء على أبي الوقت ولفظه حدثني إسحاق بن إبراهيم وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من مسند إسحاق بن راهويه "ترجمة": قال في باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا في أول كتاب الجهاد حدثنا إسحاق حدثنا محمد بن المبارك هو الصوري قال الغساني نسبه الأصيلي فقال حدثنا إسحاق بن منصور قلت وأخرجه الإسماعيلي من حديث إسحاق بن زيد الخطابي وكان يسكن حران حدثنا محمد بن المبارك قال كأن الأصيلي ما نسبه من قبل نفسه وإلا فهو هذا الخطابي فيما أراه والله أعلم "ترجمة": قال في الصلاة في باب إذا قال الإمام مكانكم وفي تفسير سورة النور حدثنا إسحاق حدثنا محمد بن يوسف قال الغساني لم ينسبه أحد من الرواة ولعله إسحاق بن منصور قلت وبذلك جزم المزي في الأطراف "ترجمة": قال في باب "فصل الخاتم من اللباس حدثنا إسحاق حدثنا معمر قال الغساني لم أجده منسوبا لأحد من الرواة قلت وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من مسند إسحاق بن راهويه "ترجمة": قال في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين وفي باب تشبيك الأصابع من الصلاة وفي فضائل الصحابة وفي موضعين من تفسير سورة البقرة وفي باب تشمير الثياب من اللباس وفي باب يسروا ولا تعسروا من الأدب وفي باب وصاه وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم من إجازة خبر الواحد حدثنا إسحاق حدثنا النضر وهو بن شميل أما الموضع الأول فوقع في رواية الأصيلي وأبي علي بن شبويه حدثنا إسحاق بن منصور وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج وفيما بعده وجزم في باقي المواضع بأنه إسحاق بن إبراهيم ووقع في رواية أبي علي بن السكن في جميع المواضع حدثنا إسحاق بن إبراهيم وقال الكلاباذي في ترجمة النضر أنه يروي عنه في الجامع إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور والله أعلم "ترجمة": قال في الصوم حدثنا إسحاق حدثنا هارون بن إسماعيل قال الغساني لم ينسبه أبو نصر ولا غيره من شيوخنا قلت أخرجه أبو نعيم من مسند إسحاق بن راهويه "ترجمة": قال في الأذان وفي الاستسقاء وفي باب التقاضي من البيوع وذكر الملائكة حدثنا إسحاق حدثنا وهب بن جرير أما الموضع الذي في الأذان فلم يقع منسوبا في شيء من الروايات وأما البقية فنسبه أبو علي بن السكن إسحاق بن إبراهيم وبه جزم الكلاباذي في ترجمة وهب بن جرير وكذا أخرجها أبو نعيم في المستخرج من مسند إسحاق بن راهويه "ترجمة": قال في الكسوف وفي الوكالة وفي غزوة الحديبية وفي الأيمان والنذور حدثنا إسحاق حدثنا يحيى بن صالح قال الغساني لم ينسب إسحاق هذا وأظنه بن منصور فإن مسلما أخرج الحديث الذي أخرجه البخاري في الوكالة فنسبه فقال حدثنا إسحاق بن منصور قلت أخرج أبو نعيم الحديث الذي في الكسوف والذي في الأيمان والنذور من مسند إسحاق بن راهويه ووقع في رواية كريمة المروزية عن الكشميهني في الحديث الذي في الأيمان والنذور حدثنا إسحاق يعني بن إبراهيم "ترجمة": قال في باب قول الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا من كتاب الشهادات وفي أبي إذا زوج ابنته وهي كارهة من كتاب النكاح وفي باب الدعاء بعد الصلاة من كتاب الدعوات حدثنا إسحاق أخبرنا يزيد بن هارون قال الغساني لم أجده منسوبا وقد صرح البخاري في باب شهود الملائكة بدرا فقال حدثنا إسحاق بن منصور أخبرني يزيد بن هارون "ترجمة": قال في باب ما يستر من العورة وفي باب من قال لا يقطع الصلاة شيء وفي باب النوافل جماعة وفي باب إذا قال المشرك لا إله إلا الله من كتاب الجنائز وفي باب الفتيا على الدابة وفي باب حج الصبيان من كتاب الحج وفي باب هل يرشد المسلم أهل الكتاب من الجهاد وفي باب نزول عيسى بن مريم من الأنبياء وفي باب شهود الملائكة بدرا وفي عمرة الحديبية وفي باب قول الله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} من المغازي وفي باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وفي تفسير التوبة وفي تفسير الممتحنة وفي باب لحوم الحمر وفي باب آية الحجاب حدثنا إسحاق حدثنا يعقوب بن إبراهيم قلت وقع في رواية أبي ذر في الموضع الثاني وفي الموضع الأخير حدثنا إسحاق بن إبراهيم والموضع الذي في نزول عيسى أخرجه أبو نعيم من مسند إسحاق بن إبراهيم وقال رواه البخاري عن إسحاق والموضعان اللذان في الحج وقعا في رواية الأصيلي وفي رواية أبي علي بن شبويه معا حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا يعقوب ووافقه أبو علي بن السكن في الموضع الأول ووقع في عدة مواضع منها عند بن السكن حدثنا إسحاق بن إبراهيم ووقع في رواية أبي علي بن شبويه في الموضع الذي في الجنائز حدثنا إسحاق بن إبراهيم وفي الموضع الذي في الجهاد حدثنا إسحاق بن منصور والموضع الذي في غزوة الحديبية أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق الحسن بن سفيان عن إسحاق بن أبي كامل عن يعقوب وقال بعده أخرجه البخاري عن إسحاق عن يعقوب"ترجمة": قال في الطهارة وفي عدة مواضع حدثنا إسحاق حدثنا خالد وإسحاق هذا حيث أتى فهو بن شاهين الواسطي وخالد هو بن عبد الله الطحان وقد نسبه في بعض المواضع
"ذكر من اسمه اسماعيل" "ترجمة": قال في باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال وفي عدة مواضع حدثنا إسماعيل حدثنا مالك وإسماعيل هذا حيث أتى هكذا فهو بن عبد الله بن أبي أويس المدني بن أخت مالك وكذا إذا قال حدثنا إسماعيل حدثني سليمان وهو بن بلال هكذا وقع في باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وفي غير هذا الموضع قال حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي حدثني سليمان وإسماعيل بن أبي أويس قد سمع من سليمان ابن بلال وسمع من أخيه واسمه عبد الحميد يكنى أبا بكر ويعرف بالأعشى عن سليمان وروى أيضا عن إسماعيل عن عبد العزيز الأويسي وعن إسماعيل عن ابن وهب في مواضع وهو هو وقال في تفسير المنافقين حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وهو هو "ترجمة": قال في باب وضع اليمنى على اليسرى في صفة الصلاة عقب حديث القعنبي عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد وقال إسماعيل يفي ذلك ولم يقل يفي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم إسماعيل هذا هو بن أبي أويس وزعم مغلطاي أنه إسماعيل بن إسماعيل القاضي وأنه رواه عن القعنبي وفيما قاله نظر فإن إسماعيل القاضي لم يذكره أحد من شيوخ البخاري بل هو من أقرانه في الأخذ عن القعنبي وعلي بن المديني وأمثالهما والبخاري أكبر منه في غير ذلك وقد وجدت الحديث من رواية إسماعيل بن اسجق المذكور عن القعنبي باللفظ الذي ساقه البخاري عنه أولا في المتفق للجوزقي فدل على أنه ليس هو المراد وتعين أنه بن أبي أويس والله أعلم
"ذكر من اسمه حبان وغير ذلك" "ترجمة": قال في باب من نسي صلاة قال حبان حدثنا همام وحبان هذا بفتح الحاء المهملة وهو بن هلال وليس هو حبان بالكسر وهو بن موسى لأنه لم يدرك هماما وليس هذا من شرط هذا الفصل لكن ذكره للفائة "ترجمة": قال في باب الإنصات للعلماء وفي غير موضع حدثنا حجاج حدثنا شعبة وهذا هو بن منهال وقال في باب وجوب الزكاة حدثنا حجاج حدثنا حماد بن زيد وهو بن منهال أيضا نسبه أبو علي بن شبويه في روايته وقال في باب إذا عدل رجل أحدا حدثنا حجاج حدثنا عبد الله بن عمر النميري وهو بن منهال أيضا نسبه البخاري في هذا الحديث بعينه في باب حمل الرجل امرأته في الغزو "ترجمة": قال في تفسير الزمر حدثنا الحسن حدثنا إسماعيل بن الخليل كذا في أصولنا والحسن هذا هو بن شجاع البلخي جزم بذلك أبو حاتم سهل بن السري الحافظ نقله عنه أبو نصر الكلاباذي ووقع في المصافحة للبرقاني الحسين بضم الحاء ونقل عن الحاكم أبي أحمد أنه الحسين بن محمد بن زياد القباني "ترجمة": قال في غزوة خيبر حدثنا الحسن حدثنا قرة بن حبيب والحسن هذا هو محمد بن الصباح الزعفراني نسبه أبو علي بن السكن وغيره وزعم الحاكم أنه الحسن بن شجاع والأول هو الصواب "ترجمة": قال في كتاب الطب في باب الشفاء في ثلاث حدثني حسين عن أحمد بن منيع قال الحاكم حسين هذا هو بن يحيى بن جعفر وقد أكثر البخاري عن يحيى وكان ابنه الحسين كبير القدر حدث أبوه عنه وقال الكلاباذي حسين عندي هو بن محمد بن زياد القباني فإن عنده مسند أحمد بن منيع عنه وكان القباني ممن يلازم البخاري لما كأن ابنيسابور "ترجمة": قال في باب التيمم في الوضوء والغسل حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة وقد تكرر كثيرا وأخرج عنه أيضا عن هشام الدستوائي ويزيد بن إبراهيم التستري وغيرهما وحيث أتى فهو أبو عمرو الحوضي البصري وفي عصره أبو عمرو حفص بن عمر الدوري المقري وغير واحد ولهذا ميزته "ترجمة": قال في باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا وفي باب الجمعة وفي باب الخيمة في المسجد وفي باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا عبد الله بن نمير قال الكلاباذي هو في هذه المواضع الثلاثة زكريا بن يحيى بن صالح أبو يحيى البلخي وقال أبو أحمد بن عدي هو زكريا بن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الكوفي وكذا ذكر الدارقطني في رجال البخاري زكريا بن يحيى الكوفي قلت وقد وجدت البخاري في باب العيدين فقال حدثنا زكريا بن يحيى أبو السكين حدثنا المحاربي وقال في باب خروج النساء إلى البراز حدثنا زكريا قال حدثنا أبو أسامة فيحتمل أنه أبو السكين الطائي الكوفي ويحتمل أنه البلخي ويحتمل أيضا أن المراد في المواضع البقية الطائي فإنه يحدث عن ابن نمير أيضا لكن دل اقتصار البخاري على تمييز الذي في العيدين دون غيره على تغايرهما "ترجمة": قال في باب الخيل معقود في نواصيها الخير قال سليمان حدثنا شعبة وقال في باب سمي النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عملا في أواخر الكتاب حدثنا سليمان حدثنا شعبة وسليمان هذا هو ابن حرب البصري قاضي مكة نسبه البخاري في عدة مواضع من كتابه "ترجمة": قال في تفسير سورة النساء حدثنا صدقة حدثنا يحيى وهو بن سعيد القطان وصدقة هذا هو بن الفضل المروزي من حفاظ خراسان وقد روى البخاري في مواضع أخرى عنه عن سفيان ابن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي وحجاج بن محمد والوليد بن مسلم وأبي خالد الأحمر وغندر وأبي معاوية وربما نسبه وليس في شيوخه من اسمه صدقة غيره ترجمة عباس بن الوليد وعياش بن الوليد وهذان شيخان مشتبهان في الاسم خطأ مختلفان نطقا متفقان في الأب خطأ ونطقا مختلفان شخصا فالأول بالباء الموحدة والسين المهملة والثاني بالياء المثناة من تحت والشين المعجمة وقد أوضحت أمرهما في الفصل الماضي فليراجع منه "ترجمة": قال في باب من سأل الناس تكثرا زاد عبد الله حدثني الليث وعبد الله هذا هو بن صالح أبو صالح كاتب الليث وقد ذكره في مواضع أخرى تعليقا وقال في باب التكبير إذا على شرفا حدثنا عبد الله حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة وفي تفسير سورة الفتح حدثنا عبد الله حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة فأما الموضع الأول فنسبه أبو علي بن السكن عبد الله بن يوسف وتردد أبو مسعود الدمشقي بين أن يكون هو عبد الله بن صالح كاتب الليث أو عبد الله بن رجاء الغداني وأما الموضع الثاني فتردد فيه أبو مسعود ونسبه أبو علي بن السكن وأبو ذر في روايتهما أنه عبد الله بن مسلمة وجزم أبو علي الغساني وتبعه جماعة من المتأخرين بأنه عبد الله بن صالح واستدل المزي على صحة ذلك بأن البخاري أخرج الحديث المذكور هنا في كتاب الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح فنسبه فدل أنه هو والله أعلم "ترجمة": قال في باب ما يكره من النياحة على الجنازة تابعه عبد الأعلى عن يزيد بن زريع وعبد الأعلى المذكور هو عبد الأعلى بن حماد أحد مشايخه "ترجمة": قال في باب وإلى ثمود أخاهم صالحا حدثنا عبد الله حدثنا وهب بن جرير وفي باب علامات النبوة حدثنا عبد الله حدثنا أبو عاصم وفي باب وضع الصبي على الفخذ حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عارم وقال في تفسير سورة التوبة حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج فذكر حديثا وعبد الله في هذه المواضع هو بن محمد البخاري الجعفي المسندي وقد أكثر عنه المصنف ونسبه في مواضع كثيرة إلى أبيه وتارة يقول الجعفي وتارة يقول المسندي وهو من نبلاء مشايخه وإن كان قد لقي من هو أعلي إسنادا منه "ترجمة": قال في تفسير البقرة قال عبد الله حدثنا سفيان وعبد الله هو بن الوليد العدني وسفيان هو الثوري ولم يدركه البخاري ويحتمل أنه المسندي المذكور قبل وسفيان هو بن عيينة وهذا الثاني أرجح عندي "ترجمة": قال في تفسير الأعراف حدثنا عبد الله حدثنا سليمان ابن عبد الرحمن وموسى بن هارون هو البردي قالا حدثنا الوليد بن مسلم وقال في إسلام أبي بكر حدثني عبد الله عن يحيى بن معين حدثنا إسماعيل بن مجالد فذكر حديثا فأما الأول فنسبه بن السكن في روايته عبد الله بن حماد وبه جزم أبو نصر الكلاباذي وغيره وكان عبد الله بن حماد من تلامذة البخاري وروايته عنه ههنا من رواية الأكابر عن الأصاغر وأما الثاني فنسبه أبو زيد المروزي عبد الله بن حماد وبه جزم أبو نصر الكلاباذي أيضا وأما أبو علي بن السكن فنسبه عبد الله بن محمد قال أبو علي الجياني لم يصنع شيئا قلت بل لصنيعه وجه فقد تقدم قبل ترجمته أن البخاري روى عن عبد الله بن محمد عن يحيى بن معين فذكر حديثا غير هذا فهذه قرينة تقوسى ما ذهب إليه أبو علي بن السكن ورواية عبد الله بن محمد المسندي عن يحيى بن معين من باب رواية الأقران والله أعلم "ترجمة": قال في علامات النبوة قال عبد الحميد حدثنا عثمان ابن عمر فذكر حديثا وعبد الحميد هذا اتفق الحفاظ على أنه عبد بن حميد الحافظ المعروف لكني لم أجد هذا الحديث في تفسيره ولا في مسنده والله أعلم "ترجمة": قال في باب من خرج من اعتكافه عند الصبح حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان وقال في تفسير البقرة حدثني عبد الرحمن حدثنا يحيى بن سعيد وقال في الصلاة وفي الأدب حدثنا عبد الرحمن حدثنا بهز بن أسد أما الأول فوقع منسوبا في رواية أبي ذر الهروي عبد الرحمن بن بشر وهو بن الحكم العبدي النيسابوري وهو معروف بالرواية عن سفيان ابن عيينة وأما الموضع الثاني فلم أره منسوبا في شيء من الروايات وجزم صاحب الأطراف بأنه عبد الرحمن بن بشر وأما الموضعان الآخران فنسبه أبو علي بن السكن وغيره فيهما عبد الرحمن بن بشر أيضا والحديثان معروفان من روايته والله أعلم
"ذكر من اسمه عبدة" "ترجمة": قال في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه وفي قصة يوسف حدثنا عبدة حدثنا عبد الصمد وعبد وعبدة هذا هو بن عبد الله الخزاعي المروزي وقد نسبه المصنف في التفسير وقال ابن عدي إن البخاري روى عن عبدة بن سليمان المروزي ولم يذكر ذلك غيره
"ذكر من اسمه عثمان" "ترجمة": قال في باب من سأل وهو قائم عالما جالسا وفي غير موضع حدثنا عثمان حدثنا جرير وعثمان هذا هو بن أبي شيبة تكرر له في مواضع
"ذكر من اسمه علي" "ترجمة": قال في كتاب الديات حدثنا علي حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي وعلي هذا لم يذكره أبو علي الجياني ولم أره منسوبا في شيء من الروايات وجوز صاحب الأطراف أن يكون هو علي بن الجعد ولا يبعد ذلك فإن إسحاق بن سعيد المذكور قديم مات قبل مالك فلم يدركه علي بن المديني ولا اللبقي لكن لم أجد لعلي بن الجعد فيما جمعه البغوي من حديثه رواية عن السعيدي والله أعلم "ترجمة": قال في باب الغيرة من كتاب النكاح حدثنا علي عن ابن علية زعم أبو نصر الكلاباذي أن عليا هذا هو بن أبي هشام ولا يبعد عندي أن يكون هو علي بن المديني والله أعلم "ترجمة": قال في باب ما يقول إذا رجع من الغزو وفي باب شهود الملائكة بدرا حدثنا علي حدثنا بشر بن المفضل وعلي في الموضعين هو بن عبد الله بن المديني وقد صرح به في كتاب الأدب فقال حدثنا علي بن عبد الله حدثنا بشر بن المفضل "ترجمة": قال في باب الترغيب في النكاح حدثنا علي سمعت حسأن ابن إبراهيم وعلي هذا لم يذكره الجياني ولم أره منسوبا في شيء من الروايات ونسبه صاحب الأطراف على بن عبد الله فهو بن المديني "ترجمة": قال في باب الطيب للجمعة حدثنا على حدثنا حرمي بن عمارة وعلي هذا هو بن المديني صرح به بن عساكر وغيره في الرواية قالوا حدثنا علي بن عبد الله بن جعفر "ترجمة": قال في الطهارة وفي غير موضع حدثنا علي حدثنا سفيان وعلي هذا هو بن عبد الله بن جعفر المديني قد نسبه في مواضع كثيرة أيضا "ترجمة": قال في الشفعة وفي تفسير الفتح حدثنا علي حدثنا شبابة وعلى هذا نسبه أبو ذر عن المستملي في روايته في الموضعين علي بن سلمة وهو اللبقي ونسبه في الموضع الثاني في روايته عن أبي الهيثم وأبي محمد الحموي علي بن عبد الله وكذلك نسبه أبو علي بن السكن في روايته عن القربري ورجح أبو علي الجياني أنه بن سلمة والله أعلم "ترجمة": قال في باب إن حلف لا يشرب نبيذا حدثني علي سمع عبد العزيز بن أبي حازم وعلي هذا لم يذكره الجياني ولا وجدته منسوبا في شيء من الروايات ولكن نسبه خلف في أطرافه علي بن عبد الله فهو ابن المديني "ترجمة": قال في تفسير سورة الحشر حدثنا على حدثنا عبد الرحمن هو بن مهدي تكرر وهو بن المديني وقد نسبه في باب الدعاء إذا انتبه من الليل في الدعوات وغيره "ترجمة": قال في تفسير سورة المائدة وفي باب الدعاء في الصلاة من كتاب الدعوات حدثنا علي حدثنا مالك بن سعير وعلي هذا هو بن سلمة اللبقي بفتح اللام والباء الموحدة بعدها قاف جزم بذلك أبو مسعود الدمشقي وأبو نصر الكلاباذي ووقع في رواية أبي ذر عن المستملى منسوبا في الموضع الأول "ترجمة": قال في باب الدواء بالعجوة حدثنا علي حدثنا بن مروان وعلى هذا لم أره منسوبا في شيء من الروايات ولا ذكره أبو علي الغساني وذكر صاحب الأطراف أنه علي بن عبد الله يعني بن المديني "ترجمة": قال في باب قراءة الفاجر والمنافق حدثنا علي حدثنا هشام هو بن يوسف حدثنا معمر وعلي هذا هو بن المديني "ترجمة": قال في باب ما أدى زكاته فليس بكنز حدثنا علي سمع هشيما وفي تفسير آل عمران حدثنا علي حدثنا هشيم أما الأول فنسبه أبو ذر في روايته عن المستلمي علي بن أبي هاشم ووافقه أبو مسعود الدمشقي على ذلك وكذلك نسب أبو ذر عن المستملي عليا هذا في الموضع الثاني والله أعلم "ترجمة": قال في باب افتراش الحرير حدثنا حدثنا علي حدثنا وهب بن جرير وعلي لم أره منسوبا والظاهر أنه بن المديني "ترجمة": قال في باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته حدثنا علي حدثنا يحيى وعلى هذا هو بن المديني قد أكثر عنه عن يحيى بن سعيد القطان "ترجمة": قال في باب أين يصلي الظهر يوم التروية من كتاب الحج حدثنا علي سمع أبا بكر بن عياش وعلى لم أره منسوبا ويشبه أن يكون هو بن المديني "ترجمة": قال في الأدب باب وضع الصبي على الفخذ حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عارم حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه سمعت أبا تميمة يحدث عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد وعن علي حدثنا يحيى حدثنا سليمان عن أبي عثمان عن أسامة فعلي الظاهر أنه علي بن المديني لأنه أكثر عن يحيى بن سعيد القطان كما بيناه لكن قوله: "وعن علي هل هو معطوف على عارم فيكون من رواية الأقران أو ذكره البخاري عن شيخه علي بالعنعنة وعلي الثاني فما السر فيه "ترجمة": قال في باب اغتباط صاحب القرآن حدثنا علي بن إبراهيم سمع روح بن عبادة فاختلفوا في تعيين علي هذا فقيل هو علي بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الحميد الواسطي حكاه الحاكم ورجحه اللالكائي وابن السمعاني وقيل هو علي بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي وإنما نسب إلي جده حكاه الحاكم أيضا وقد روى البخاري في باب إجابة الداعي عن علي بن عبد الله بن إبراهيم عن حجاج بن محمد حديثا آخر وقال أبو آحمد بن عدي يشبه أن يكون علي بن إبراهيم الذي في الفضائل هو علي بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب نسبه إلى جده وقد حدث عن أخيه محمد في الجامع قلت الأول أصح وأصوب وقد حدث البخاري في التاريخ عن علي بن إبراهيم بحديث آخر
"ذكر من اسمه عمر" "ترجمة": قال في تفسير والليل إذا يغشى حدثنا عمر حدثنا أبي حدثنا الأعمش وعمر هذا هو بن حفص بن غياث وقع منسوبا في رواية أبي ذر وإنما نبهت عليه لأنه روى في موضع آخر عن عمر بن محمد بن الحسن الكوفي عن أبيه وأبوه يروي عن الأعمش
"ذكر من اسمه عياش" ترجمة عياش تقدم في عباس
"ذكر من اسمه محمد" "ترجمة": قال في باب أمامة المفتون والمبتدع حدثنا محمد بن أبان حدثنا

غندر قيل هو البلخي مستملي وكيع وقيل الواسطي "ترجمة": قال في الصوم حدثنا محمد بن خالد حدثنا محمد بن موسى بن أعين وقال في باب رقية العين من كتاب الطب حدثنا محمد بن خالد حدثنا محمد بن وهب بن عطية حدثنا محمد بن حرب وقال في الأذكار حدثنا محمد بن خالد حدثنا الأنصاري محمد بن عبد الله وقال في كتاب التوحيد حدثنا محمد بن خالد حدثنا عبد الله بن موسى قال الحاكم والكلاباذي وأبو مسعود محمد بن خالد هو الذهلي نسبه إلى جد أبيه فإنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس وقد حدث أبو محمد بن الجارود عن محمد بن يحيى الذهلي عن محمد بن وهب بن عطية بالحديث الثاني الذي في الطب فهذه قرينة بأنه هو مع أنه وقع التصريح به في رواية الأصيلي فقال حدثنا محمد بن خالد الذهلي أما الذي في الأحكام فذكر خلف أنه الواقفي وقد ذكر بن عدي في شيوخ البخاري محمد بن خالد بن جبلة الواقفي وقد أخرج عنه عن عبيد الله بن موسى "ترجمة": قال في كتاب الصلح حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا الأويسي وإسحاق بن محمد الفروي وقال في الجهاد حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا حسين بن محمد وقال في المغازي حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة وقال في تفسير الكهف حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا سعيد بن أبي مريم وقال في تفسير ص حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي وقال في الأيمان والنذور حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا عثمان ابن عمر وقال في الحدود حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا عاصم بن علي وقال في القسامة حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا محمد بن سابق وقال في التوحيد حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا يحيى بن بكير أما الموضع الأول الذي في الصلح فهو هكذا في جميع الروايات إلا رواية أبي أحمد الجرجاني ورواية إبراهيم بن معقل النسفي فسقط منها ذكر محمد بن عبد الله وصار الحديث عندهما للبخاري عن إسحاق الفروي والأويسي بلا واسطة وذكر الحاكم أن محمد بن عبد الله المذكور هو الذهلي نسبه البخاري إلى جده وأما الثاني الذي في الجهاد فجزم الكلاباذي بأنه الذهلي ووقع في رواية أبي علي بن السكن أنه محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي القاضي ببغداد وأما الثالث الذي في المغازي فجزم الكلاباذي بأنه الذهلي وكذا جزم البرقاني وأما الرابع الذي في تفسير الكهف فجزم الحاكم بأنه الذهلي وأما الخامس الذي في تفسير ص فقال الكلاباذي أراه الذهلي وأما السادس والسابع فقال الجياني لم أره منسوبا في شيء من الروايات ولا ذكر الكلاباذي فيه شيئا قلت جزم المزي في التهذيب بأنه فيهما الذهلي أيضا وقد روى البخاري في كتاب بدء الخلق عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي كما تقدم وعن محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي الثلج وهما من هذه الطبقة وروى أيضا عن محمد بن عبد الله الرقاشي في التفسير ومحمد بن عبد الله بن نمير ومحمد بن عبد الله بن حوشب وهما أعلى من هذه الطبقة وعن محمد بن عبد الله الأنصاري وهو أعلى من بن حوشب والرقاشي وأما الثامن وهو الذي في القسامة فقال الكلاباذي يقال إنه الذهلي والله أعلم وأما التاسع فلم يذكره الجياني وجزم المزي في التهذيب بأنه الذهلي والله تعالى أعلم "ترجمة": قال في موضعين من الصلاة حدثنا محمد بن أبان حدثنا غندر ومحمد بن أبان هذا هو الواسطي روى عن البصريين وغندر بصري وزعم بن عدي أنه محمد بن أبان البلخي قال الباجي هو وهم فإن البلخي إنما يروي عن الكوفيين قلت ويؤيد هذا أن البخاري ذكر الواسطي في تاريخه ولم يذكر البلخي "ترجمة": قال في باب غزوة خيبر حدثني محمد بن أبي الحسين حدثنا عمر بن حفص ومحمد بن أبي الحسين هذا هو السمعاني واسم أبيه جعفر وكان من الحفاظ وهو من طبقة البخاري وليس له عنده غير هذا الحديث فيما قيل "ترجمة": قال في باب فضائل الصحابة

حدثنا محمد بن يوسف حدثنا أحمد بن إبراهيم بن يزيد الحراني ومحمد بن يوسف هذا هو البيكندي البخاري من صغار شيوخه فقد أكثر البخاري في الجامع عن محمد بن يوسف وهو الفرياني وهو أعلى طبقة من هذا وقال في العلم حدثنا محمد بن يوسف حدثنا أبو مسهر ومحمد بن يوسف أيضا هو البيكندي "ترجمة": قال في فضائل الأنصار حدثنا محمد بن يحيى سمع شاذان جزم الحاكم والكلاباذي بأنه محمد بن يحيى بن عبد العزيز الصائغ وليس هو الذهلي "ترجمة": قال في البيوع حدثنا محمد بن عمرو حدثنا المكي بن إبراهيم جزم الدارقطني بأنه أبو غسان الرازي المعروف بزنيج ووقع في رواية أبي أحمد الجرجاني أنه محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة وجزم الحاكم والكلاباذي بأنه محمد بن عمرو السواق البلخي ويؤيده أن المكي شيخه بلخي والله أعلم "ترجمة": قال في باب فضل أبي بكر حدثنا محمد بن يزيد الكوفي حدثنا الوليد عن الأوزاعي ومحمد بن يزيد هذا هو الرفاعي أبو هشام فيما جزم به أبو أحمد بن عدي وأبو الوليد الباجي والخطيب وغيرهم وجزم غيرهم بأنه محمد بن يزيد الحزامي وهو كوفي أيضا وقد ذكره البخاري في التاريخ فقال محمد بن يزيد الكوفي سمع الوليد بن مسلم وضمرة وذكر أبا هشام الرفاعي في ترجمة على حدة فهذه قرينة تقوى أن المراد بمن ذكره في الصحيح هو الحزامي والله أعلم "ترجمة": قال في الطب حدثنا محمد حدثنا أحمد بن بشير أبو بكر جزم أبو نصر الكلاباذي بأنه محمد بن سلام وكذا نسبه الأصيلي وأبو ذر في روايتهما "ترجمة": قال في تفسير سورة براءة حدثنا محمد حدثنا أحمد بن أبي شعيب هكذا في أكثر الروايات وسقط ذكر محمد من رواية أبي علي بن السكن فصار الحديث للبخاري عن أحمد بن أبي شعيب نفسه وجزم الحاكم بأنه محمد بن إبراهيم البوسنجي وقال مرة هو محمد بن النضر النيسابوري قال أبو علي الجياني والذي عندي أنه محمد بن يحيى الذهلي لثبوت الحديث بعينه في كتاب علل حديث إبراهيم1 لمحمد بن يحيى الذهلي قلت وبذلك جزم البيهقي في الدلائل "ترجمة": قال في التوحيد حدثنا محمد حدثنا أحمد بن صالح كذا في معظم الروايات وسقط ذكر محمد لابن السكن وجزم الحاكم والكلاباذي بأن محمد هذا هو الذهلي ترجمتان قال في النكاح وفي الأدب حدثنا محمد حدثنا إسماعيل بن جعفر وقال في السلم حدثنا محمد حدثنا إسماعيل بن علية قال أبو ذر في روايته في الأول هو بن سلام وجزم الكلاباذي بأنه محمد بن سلام في الموضعين "ترجمة": قال في الصلاة في باب الاستسقاء في الجامع حدثنا محمد حدثنا أبو ضمرة هو أنس بن عياض وقع في رواية الأصيلي وغيره حدثنا محمد بن سلام "ترجمة": قال في أول كتاب الاستقراض حدثنا محمد حدثنا جرير وقع منسوبا في رواية أبي علي الشبوي وغيره محمد بن سلام وفي رواية أبي ذر عن أبي الهيثم أنه محمد بن يوسف وقال في الفرائض حدثنا محمد حدثنا جرير قال الجياني هو بن سلام إن شاء الله تعالى "ترجمة": قال في باب ما ذكر عن ابني إسرائيل حدثنا محمد حدثنا حجاج بن المنهال قال الحاكم هذا هو الذهلي ونسبه أبو علي بن السكن في روايته فقال محمد بن معمر "ترجمة": قال في باب الحج وفي باب المغازي حدثنا محمد حدثنا شريح بن النعمان حدثنا فليح قال الحاكم هو الذهلي في الموضعين ونسب أبو علي بن السكن الذي في الحج محمد بن سلام وقال أبو علي الجياني الأشبه عندي أنه محمد بن رافع فإن البخاري قال في الصلح حدثنا محمد بن رافع حدثنا شريح بن النعمان حدثنا فليح فهذه الأحاديث الثلاثة من نسخة واحدة قلت وقد قال أبو ذر في روايته في الحديث الذي في المغازي هو بن رافع
ـــــــ
1 الصواب "علل حديث الزهري" أما لفظ إبراهيم فمقحم

فهذا موافق لما رجحه الجياني "ترجمة": قال في بدء الخلق حدثنا محمد حدثنا بن أبي مريم كذا وقع في رواية أبي ذر عن أبي الهيثم وسقط في رواية الباقين ذكر محمد جعلوه عن البخاري عن سعيد بن أبي مريم فإن كان أبو الهيثم حفظه فهو الذهلي كما قدمناه أنه روى في تفسير سورة الكهف عن محمد بن عبد الله عن ابن أبي مريم وأن الحاكم جزم بأنه الذهلي والله أعلم "ترجمة": قال في الطهارة والجهاد والمغازي والتفسير حدثنا محمد حدثنا سفيان ابن عيينة ومحمد هذا هو بن سلام فإنه نسبه في موضع آخر في الطهارة "ترجمة": قال في الصيام حدثنا محمد حدثنا أبو خالد سليمان ابن حيان الأحمر نسبه بن السكن محمد بن سلام وإليه أشار الكلاباذي "ترجمة": قال في الصلاة وفي الإيمان والنذور حدثنا محمد حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم نسبه بن السكن محمد بن سلام وكذا نسبه الأصيلي وغيره في الحديث الذي في الصلاة "ترجمة": قال في ذكر الأنبياء حدثنا محمد قال حدثنا سهيل بن يوسف نسبه بن السكن محمد بن سلام وقال الكلاباذي قال لي أو أحمد الحافظ هو بن المثنى وقد روى البخاري في الجهاد عن محمد بن يسار عن سهيل بن يوسف حديثا غير هذا "ترجمة": قال في الديات حدثنا محمد حدثنا عبد الله بن إدريس نسبه بن السكن محمد بن سلام "ترجمة": قال في ذكر بني إسرائيل حدثنا محمد حدثنا عبد الله بن رجاء قال الجياني لم ينسبه أحد من الراوة ولعله محمد بن يحيى الذهلي قلت قد حوز أن يكون الذهلي أبو ذر الهروي في روايته فقال يشبه أن يكون محمدا هذا هو الذهلي وقد سمع البخاري من عبد الله بن رجاء ولكن هذا الحديث عنده عن محمد عن عبد الله بن رجاء ثم ذكره بسنده عن محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي عن عبد الله بن رجاء وكذلك ساقه أبو نعيم في مستخرجه من طريق الذهلي عن عبد الله بن رجاء وقال البرقاني قيل هو الذهلي "ترجمة": قال في التفسير في أواخر تفسير البقرة حدثنا محمد حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي هكذا ثبت في جميع الروايات إلا في رواية أبي علي بن السكن فإنه جعله عن البخاري عن النفيلي ولم يذكر بينهما أحدا وقال الكلاباذي أرى أن محمدا هذا هو الذهلي قال وقال لي أبو عبد الله بن البيع هو محمد بن إبراهيم البوشنجي قال وهذا مما أملاه البوشنجي بنيسابور قلت حكى الحاكم في تاريخه ذلك عن نسخة أبي عبد الله بن الأخرم وقد أخرج أبو نعيم هذا الحديث في مستخرجه من طريق أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي عن النفيلي ثم قال أخرجه البخاري عن محمد النفيلي ويحتمل أن يكون محمد هو أبو حاتم "ترجمة": قال في الصلاة وفي عدة مواضع حدثنا محمد حدثنا عبد الله لا ينسبهما ومحمد هو بن مقاتل وعبد الله هو بن المبارك وقد نسبهما أو أحدهما في عدة مواضع وجزم بما قلناه أبو علي بن السكن "ترجمة": قال في البيوع حدثنا محمد حدثنا عبد الله بن يزيد قال الجياني لم ينسبه أحد من الرواة قلت ويظهر لنا أنه الذهلي وبه جزم الحاكم ثم راجعت نسخة أبو علي بن شبويه فإذا به قد أسقطه فصار عن البخاري عن عبد الله بن يزيد ولم يذكر بينهما أحدا "ترجمة": قال في الحج وفي اللباس حدثنا محمد حدثنا عبد الأعلى نسبه بن السكن محمد بن سلام وفي رواية أبي ذر في الحج حدثنا محمد هو بن سلام قال الجياني وقد روى البخاري في الحج أيضا عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى والله أعلم "ترجمة": قال في العتق وفي الفتن حدثنا محمد حدثنا عبد الرزاق جزم الحاكم بأنه الذهلي ونسب بن السكن الذي في العتق محمد بن سلام ولم يصنع شيئا وما ذكر الحاكم أشبه بالصواب قاله الجياني قلت ويشبه عندي أن يكون محمد في الموضعين هو محمد بن رافع فإن البخاري أخرج عنه عن عبد الرزاق غير ذلك "ترجمة": قال في العلم حدثنا محمد حدثنا المحاربي يعني عبد الرحمن بن محمد ومحمد هذا نسبه

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 02:47 AM
أبو ذر والأصيلي في روايتهما بن سلام "ترجمة": قال في التفسير حدثنا محمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ومحمد هذا نسبه أبو علي بن السكن بن سلام "ترجمة": قال في الهجرة حدثنا محمد حدثنا عبد الصمد ومحمد نسبه بن السكن بن بشار بن دار وقال أبو نعيم يقال أن محمدا هنا هو أبو موسى محمد بن المثنى "ترجمة": قال في الطهارة والصلاة والجنائز والمناقب والنكاح والتوحيد حدثنا محمد حدثنا عبد الوهاب يعني الثقفي ومحمد نسبه بن السكن في بعض هذه المواضع بن سلام وكذا نسبه أبو ذر في الصلاة ونسبه الأصيلي في الجنائز محمد بن المنثى وقد صرح البخاري في الأضاحي وغيرها باسم أبيه وروى في تفسير اقتربت وفي الإكراه عن محمد بن عبد الله بن حوشب عن عبد الوهاب فالله أعلم "ترجمة": قال في الصلاة والصيام والحج والجهاد وبدء الخلق والأنبياء والمناقب وتفسير البقرة ويوسف وفي النكاح واللباس والأدب والإيمان والأحكام والتمني حدثنا محمد حدثنا عبدة يعني بن سليمان ومحمد نسبه بن السكن في بعض هذه المواضع بن سلام وكذا نسبه أبو ذر في روايته في الجهاد به جزم أبو نصر الكلاباذي وابن عساكر وغيرهما "ترجمة": قال في الطب وفي الاعتصام حدثنا محمد حدثنا عتبا بن بشير نسبه أبو ذر عن المستملي بن سلام وبه جزم الكلاباذي وغيره "ترجمة": قال في الأدب حدثنا محمد حدثنا عثمان ابن عمر نسبه بن السكن بن بشار بندار "ترجمة": قال في المغازي في آخر حديث الإفك قال محمد حدثنا عثمان ابن فرقد نسبه الأصيلي والمستملي محمد بن عقبة وقال في البيوع حدثنا محمد حدثنا عثمان ابن فرقد نسبه بن السكن هنا وفي الذي قبله "ترجمة": قال في اللباس وفي الإيمان والنذور حدثنا عثمان ابن الهيثم أو محمد عنه جزم الحاكم بأن محمدا هو الذهلي "ترجمة": قال في المغازي وفي التفسير حدثنا محمد حدثنا عفان جزم الحاكم في الموضع الأول بأنه الذهلي ولم يتعرض للثاني وسقط ذكر محمد من رواية بن السكن جعله عن البخاري عن عفان بلا واسطة "ترجمة": قال في العيدين حدثنا محمد حدثنا عمر بن حفص قال أبو علي الجياني بشبه أن يكون هو الذهلي وقد سقط ذكر محمد من رواية بن السكن وأبي أحمد الجرجاني وأبي زيد المروزي قلت وعلى تقدير ثبوته فيشبه أن يكون هو محمد بن جعفر السمناني وقد تقدم له حديث عن عمر بن حفص غير هذا "ترجمة": قال في الجنائز حدثنا محمد حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال الكلاباذي محمد هذا يقال إنه الذهلي "ترجمة": قال في الاعتصام حدثنا محمد حدثنا الفضيل بن سليمان نسبه الأصيلي محمد بن عقبة الشيباني وكذا هو في رواية بن عساكر وغيره وقال الجياني لا يبعد أن يكون هو محمد بن أبي بكر المقدمي فإن البخاري يروي عنه عن فضيل بن سليمان كثيرا "ترجمة": قال في الصيام والتفسير والطلاق حدثنا محمد حدثنا غندر محمد بن جعفر لم ينسبه أحد من الرواة فيما قاله الجياني قلت ويحتمل أن يكون هو الذهلي فإنه سمع من غندر ويحتمل أنه محمد بن أبان الذي تقدم ذكره وقد روى البخاري في تفسير الفتح عن محمد بن الوليد البسري عن غندر غير هذا وفي أخبار الأنبياء في قصة موسى حدثنا محمد حدثنا غندر ومحمد هذا يحتمل أنه محمد بن المثنى أبو موسى فقد روى أبو نعيم في مستخرجه هذا الحديث من طريق الحسن بن سفيان عنه "ترجمة": قال في الطهارة والجنائز والحج والشهادات والمغازي وتفسير عم والنكاح والأطعمة والأدب والتعبير والاعتصام حدثنا محمد حدثنا أبو معاوية جزم بن السكن بأنه محمد بن سلام ونسبه الأصيلي في بعضها كذلك وقد صرح البخاري بالرواية عن محمد بن سلام عن أبي معاوية في النكاح وغيره وروى في الطهارة عن محمد بن المثنى عن محمد بن حازم وهو أبو معاوية هذا والظاهر أنه محمد بن سلام حيث أهمله "ترجمة": قال في تفسير المائدة وزادني محمد عن أبي النعمان يعني محمد بن الفضل قال الجياني محمد هذا هو الذهلي قلت وقع في رواية بن الحطية من طريق أبي ذر وزادني محمد البيكندي عن أبي النعمان فعلى هذا فهو بن سلام أو محمد بن يوسف البخاري البيكندي وهو أصغر من بن سلام والله أعلم "ترجمة": قال في الاعتكاف والبيوع الصيد حدثنا محمد حدثنا بن فضيل وقع في رواية الأصيلي في الاعتكاف حدثنا محمد بن سلام وفي رواية كريمة عن أبي الهيثم حدثنا محمد هو بن سلام وبه جزم بن السكن في المواضع الثلاثة وقد صرح البخاري في النكاح بروايته عن محمد بن سلام عن محمد بن فضيل "ترجمة": قال في الجمعة وفي البيوع والوصايا والمناقب والمرضى واللباس حدثنا محمد حدثنا مخلد بن يزيد قال الجياني هو بن سلام قلت وقد نسبه أبو ذر في روايته في الوصايا وصرح البخاري في مواضع أخرى بذكر أبيه وجزم أبو نعيم في المستخرج في عدة منها أنه بن سلام "ترجمة": قال في الحجد زادني محمد حدثنا محاصر نسبه بن السكن بن سلام "ترجمة": قال في الحج والمغازي وتفسير المائدة حدثنا محمد حدثنا مروان الفزاري نسبه بن السكن وأبو ذر عن المستملي بن سلام وبه جزم الكلاباذي عن أبي أحمد وفي رواية كريمة عن أبي الهيثم حدثنا محمد هو بن سلام "ترجمة": قال في الطهارة والشركة والجزية واللباس حدثنا محمد حدثنا وكيع نسب الأصيلي وغيره الذي في الطهارة محمد بن سلام وبه جزم بن السكن في بقية المواضع وقد صرح به في الفرائض وقد روى في الوضوء عن محمد بن المثنى عن وكيع والله أعلم "ترجمة": قال في الحج حدثنا محمد حدثنا يحيى بن صالح قال الحاكم هو الذهلي وقال أبو مسعود الدمشقي هو محمد بن مسلم وارة وقال الكلاباذي قال لي السرخسي هو أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي وذكر أنه وجده في أصل عتيق "ترجمتان" قال في العيدين حدثنا محمد حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح وقال في السلم حدثنا محمد حدثنا يعلى بن عبيد نسبه بن السكن في الموضعين محمد بن سلام وبه جزم الكلاباذي فيهما
"ذكر من اسمه محمود " روى البخاري في مواضع عن محمود غير منسوب عن عبد الرزاق وعن سعيد بن عامر وعن أبي أحمد الزبيري وعن أبي أسامة وعن شبابة بن سوار وعن وهب بن جرير وعن عبيد الله بن موسى ومحمود هذا هو بن غيلان المروزي وقد صرح به في مواضع أخرى عن هؤلاء وعن غيرهم وجزم أبو ذر والأصيلي وغيرهما في روايتهم ببعض من ذكر فيما ذكر وفي طبقته محمود بن آدم المروزي ولم يخرج عنه البخاري شيئا
"ذكر من اسمه مسلم " روى البخاري في مواضع عن مسلم عن وهيب وعن هشام الدستوائي وعن أبان العطار وعن أبي عقيل وهو بن إبراهيم الفراديسي وقد صرح به في مواضع أخرى
"ذكر من اسمه موسى" روى البخاري في مواضع عن موسى عن وهيب وعن أبي عوانة وعن ثابت بن يزيد وعن جويرية بن أسماء وعن عبد الواحد بن زياد وهو موسى بن إسماعيل التبوذكي وقد صرح به في مواضع أخرى عن هؤلاء وعن غيرهم و روى عن موسى بن حزام عن حسين بن علي الجعفي في كتاب بدئ الخلق حدثنا موسى وموسى بن حزام أصغر من التبوذكي ولم يلق أحدا ممن ذكر أولا
"ذكر من اسمه هارون" قال في الوصايا حدثنا هارون حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم وهارون هذا هو ابن الأشعث البخاري نسبه أبو ذر في روايته وقد روى البخاري عن هارون بن إسماعيل الخزاز و روى عن واحد عنه والخزاز أصغر من بن الأشعث هذا
"ذكر من اسمه هشام" قال في قيام الليل قال هشام حدثنا بن أبي العشرين وهشام هو بن عمار الدمشقي وابن أبي العشرين هو عبد الحميد وفي طبقة هشام بن عمار هشام بن خالد الدمشقي ولم يخرج عنه البخاري شيئا
"ذكر من اسمه يحيى" "ترجمة": قال في اللباس وغيره حدثنا يحيى حدثنا الليث ويحيى هذا هو يحيى بن عبد الله بن بكير وقد أكثر البخاري الرواية عنه عن الليث لكنه ينسبه إلى جده فيقول حدثنا يحيى بن بكير وبهذا اشتهر "ترجمة": قال في الحيض وفي الاعتصام حدثنا يحيى حدثنا بن عيينة أما الذي في الحيض فنسبه أبو علي بن السكن في روايته يحيى بن موسى وهو المعروف تحت واسم جده عبد الله بن سالم فيحمل الثاني عليه "ترجمة": قال في الصلاة والصيام والمناقب وعلامات النبوة وتفسير اقرأ واللعان والنفقات واللباس والأحكام حدثنا يحيى حدثنا عبد الرزاق نسبه بن السكن أيضا يحيى بن موسى ووافقه أبو ذر الهروي على الذي في المناقب وكذا وجدته منسوبا لجميعهم في باب كسب الرجل من كتاب البيوع وذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عائشة في حديث أبي موسى عن عروة عنها في قصة زيد بن حارثة وأسامة بن زيد الذي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم يحيى هذا غير منسوب ويقال إنه يحيى بن قزعة قلت ولم أر ذلك لغيره وقد ذكرت أنه في رواية أبي ذر حدثنا يحيى بن موسى فهو الصواب وقد روى البخاري أيضا عن يحيى بن جعفر عن عبد الرزاق لكنه ينسبه وجدته كذلك في موضعين في أول كتاب الاستئذان وفي باب قوله: تعالى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} من كتاب البيوع "ترجمة": قال في الصلاة والجنائز وتفسير سورة الدخان حدثنا يحيى حدثنا أبو عوانة أما الذي في الجنائز فنسبه بن السكن يحيى بن موسى فيحمل الباقي عليه "ترجمة": قال في الصلاة والجهاد والمغازي وتفسير الأعراف ومريم والدخان في موضعين و النجم واقتربت والمدثر والليل وفي موضعين من النكاح والذبائح والأدب والمرتدين وخبر الواحد والتوحيد حدثنا يحيى حدثنا وكيع نسبه بن السكن في أكثر هذه المواضع يحيى بن موسى لكن في الموضع الذي في الصلاة وهو في باب الصلاة عند مناهضة الحصون نسبه أبو ذر عن المستملي يحيى بن جعفر وكذا جزم أبو نعيم في الذي في الأدب وغيره بأنه يحيى بن جعفر وقد صرح بروايته عن يحيى بن جعفر عن وكيع في باب عدة أصحاب بدر والله أعلم "ترجمة": قال في أوائل الصلاة وفي الجنائز وفي تفسير الدخان حدثنا يحيى حدثنا أبو معاوية ويحيى هذا نسبه بن السكن في الموضع الذي في الجنائز يحيى بن موسى فيحمل الموضعان الآخران عليه قال أبو علي الجياني لم أجده منسوبا لأحد من المشايخ قلت جزم أبو نعيم بأن الذي في الجنائز هو يحيى بن جعفر وجزم أبو مسعود وخلف والمزي في الأطراف بأنه يحيى بن يحيى وهو بعيد والاعتماد على ما قال ابن السكن وقد وافقه على ذلك أبو علي بن شبويه عن الفربري والله أعلم
"ذكر من اسمه يعقوب" "ترجمة": قال في الطهارة حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ويعقوب هذا هو الدورقي وقد نسبه أبو ذر الهروي في روايته في باب الصلاة في مسجد قباء وكذا نسبوه كلهم في باب قوله: "للأنصار أنتم أحب الناس إلي "ترجمة": قال في باب إذا اصطلحوا على جور وفي باب فضل من شهد بدرا حدثنا يعقوب حدثنا إبراهيم بن سعيد جزم الكلاباذي بأن يعقوب في هذين الموضعين هو بن حميد بن كاسب وبه جزم الحاكم عن مشايخه ثم جوز أن يكون هو يعقوب بن محمد الزهري وقال الحاكم أيضا ناظرني شيخنا أبو أحمد الحاكم في أن البخاري روى في الصحيح عن يعقوب بن حميد بن كاسب فقلت له إنما روى عن يعقوب بن محمد فلم يرجع عن ذلك قلت وجزم بن منده وأبو إسحاق الحبال وغير واحد بما قال أبو أحمد الحاكم وقال الجياني اتفقت النسخ كلها على أن الذي في الصلح غير منسوب إلا بن السكن فإنه قال فيه حدثنا يعقوب بن محمد وكذا قال في الذي في المغازي وخالفه أبو ذر الهروي وأبو محمد الأصيلي فقالا حدثنا يعقوب بن إبراهيم وبذلك جزم أبو مسعود الدمشقي في الأطراف ثم جوز أن يكون هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد وهو غلط فإن يعقوب مات قبل أن يرحل البخاري وقد روى له الكثير بواسطة وجوز المزي أن يكون هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي المذكور قبل هذا والله أعلم وقال البرقاني في المصافحة يعقوب بن حميد ليس من شرطه وقيل هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد ولكن سقط من النسخة الواسطة بينه وبين البخاري لأن البخاري لم يسمع منه
"ذكر من اسمه يوسف" قال في التوحيد حدثنا يوسف بن راشد حدثنا أحمد بن عبد الله يعني بن يونس ويوسف هذا هو بن موسى بن راشد وقد روى عنه غير هذا فقال حدثنا يوسف بن موسى ونسبه هنا إلى جده
"ذكر من يكنى أبا أحمد" قال في الشروط حدثني أبو أحمد حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى الكناني حدثنا مالك سماه بن السكن في روايته مرار بن حمويه وذلك جزم أبو ذر الهروي عن بعض مشايخه وأبو نعيم في المستخرج وأبو مسعود في الأطراف وغيرهم وقال الحاكم أهل بخارى يزعمون أنه أبو أحمد محمد بن يوسف البيكندي البخاري وقد أكثر البخاري من الرواية عنه قال الحاكم وقرأت هذا الحديث بخط أبي عمرو المستملي قال حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء عن أبي غسان يعني فيجوز أن يكون هو الفراء والله أعلم
"ذكر من يكنى أبا صالح" قال في الكفالة قال أبو صالح حدثنا عبد الله بن يونس عن الزهري وأبو صالح هذا هو سليمان ابن صالح لقبه سلمويه وقد روى البخاري في تفسير سورة اقرأ وفي الذبائح عنه بواسطة وقال في مواضع قال أبو صالح عن الليث وهو عبد الله بن صالح كاتب الليث كما سيأتي في الفصل التاسع وقال في بدء الوحي عقب حديث يحيى بن بكير عن الليث تابعه أبو صالح وعبد الله بن يوسف وأبو صالح هذا هو عبد الله بن صالح كاتب الليث فيما جزم به أبو نعيم في المستخرج وغير واحد و ذكر الحافظ قطب الدين الحلبي في شرحه تبعا للحافظ أبي أحمد الدمياطي أنه عبد الغفار بن داود الحراني وبه جزم بعض المتأخرين ثم وجدته كذلك في القطعة التي شرحها الشيخ محي الدين النووي رحمه الله وهو وهم والحديث موجود من رواية كاتب الليث في عدة دواوين منها في تاريخ يعقوب بن سفيان ومعجم الطبراني الأوسط ومسند محمد بن هارون الرويناني وغير ذلك والله أعلم
"ذكر من يكنى أبا معمر" قال في العلم وغيره حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث وأبو معمر هذا اسمه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج البصري يقال له المقعد وقد روى البخاري أيضا عن أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم القطيعي لكنه لا يروي عن عبد الوارث "ذكر من يكنى أبا الوليد" قال في الطهارة حدثنا أبو الوليد حدثنا بن عيينة وأبو الوليد هو هشام بن عبد الملك وقد روى البخاري عن غير واحد ممن يكنى أبا الوليد ويروى عن ابن عيينة منهم أحمد بن محمد الأزرقي وهشام بن عمار وغيرهما لكنه يسميهم وأكثر من الرواية عن أبي الوليد الطيالسي عن شعبة وزائدة وهذه الطبقة هذا آخر ما قصدت تحريره في هذا الفصل ثم ظهر لي أن الاقتصار عليه قصور إذ لا فرق بين ما وقع من ذلك في شيوخ المصنف أو شيوخ شيوخه فصاعدا فرأيت أن أمر على ما في الكتاب من هذا النمط وأسرده على الولاء لكونه أكثر نفعا وأسهل تناولا وألحقت به ما في معناه من تسمية مكنى أو مبهم أو مقلب سواء كان في الإسناد أو المتن وقدمت على ذلك فصولا الأول في ضابط تسمية من ذكر بالكنية الثاني في ضابط تسمية من ذكر بالبنوة كابن فلان الثالث في ضابط معرفة من ذكر بالنسبة الرابع في ضابط من ذكر باللقب ثم مشيت على الكتاب على الولاء وأعدت المكرر إذا تباعد العهد به في الغالب والله الموفق
"فصل في تسمية من اشتهر بالكنية وتكرر اسمه غالبا جمعته ليسهل ورتبته على حروف المعجم" أبو
الأحوص التابعي اسمه عوف بن مالك أبو الأحوص من طبقة حماد بن زيد اسمه سلام بن سليم أبو إدريس الخولاني عائد الله بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله أبو إسحاق الشيباني سليمان ابن فيروز أبو إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد بن الحارث أبو الأسود الديلي ظالم بن عمرو عن عمر وغيره أبو الأسود عن عروة وعكرمة اسمه محمد بن عبد الرحمن أبو أسيد الساعدي صحابي اسمه مالك بن ربيعة أبو الأشهب العطاردي جعفر بن حيان أبو أمامة بن سهل اسمه أسعد أبو أنس الأصبحي حليف بني تميم اسمه مالك بن أبي عامر أبو إياس معاوية بن قرة أبو بدر شجاع بن الوليد أبو بردة بن أبي موسى قيل اسمه الحارث وقيل عامر أبو بردة بن نيار خلا البراء اسمه هاني وقيل غير ذلك أبو بردة الأصغر بريد بن عبد الله أبو بردة الأسلمي نضله بن عبيد أبو بشر بن جبير وطبقته اسمه جعفر بن أبي وحشية أبو بشر الأنصاري مشهور بكنتيه قيل اسمه قيس بن عبيد أبو بكر بن أبي الأسود اسمه عبد الله بن محمد بن حميد بن الأسود أبو بكر بن أصرم اسمه بور بالباء الموحدة أبو بكر بن حزم هو محمد بن عمرو الآتي أبو بكر بن أبي أويس اسمه عبد الحميد بن عبد الله أبو بكر بن أبي خيثمة هو أبو بكر بن سليمان ابن أبي خيثمة العدوي ينسب إلى جده أبو بكر بن سالم بن عبد الله بن عمر اسمه كنيته أبو بكر بن أبي شيبة اسمه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي أبو بكر بن شيبة اسمه عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة نسب إلى جده أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي قيل اسمه محمد وقيل اسمه كنيته أبو بكر بن أبي مليكة أخو عبد الله لا يسمى أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر اسمه كنيته أبو بكر بن عياش قيل اسمه شعبة وقيل غير ذلك على عشرة أقوال وصحح بن حبان وغيره أن اسمه كنيته ورجح أبو زرعة أنه شعبة أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري اسمه كنيته أبو بكر بن المنكدر أخو محمد اسمه كنيته وكان محمد يكنى أبا بكر وأبا عبد الله أبو بكر بن أبي موسى الأشعري قيل اسمه عمرو وقيل عامر وقال ابن سعد وغيره اسمه كنيته أبو بكر الحنفي اسمه عبد الكبير بن عبد المجيد أبو الصديق عبد الله بن عثمان ابن أبي قحافة أبو بكرة الثقفي نفيع أبو تميلة المروزي يحيى بن واضح أبو تميمة الهجيمي طريف بن خالد أبو توبة الحلبي الربيع بن نافع أبو التياح يزيدبن حميد الضبعي أبو ثابت المدني محمد بن عبيد الله أبو ثعلبة الخشني اسمه جرثوم وقيل غير ذلك أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي أبو جعفر السمناني محمد بن جعفر أبو جمرةالضبعي نصر بن عمران أبو جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري قيل اسمه عبد الله أبو الجويرية الجرمي اسمه حطأن ابن خفاف أبو حازم الأشجعي عن أبي هريرة اسمه سليمان أبو حازم الأعرج عن سهل بن سعد الساعدي اسمه سلمة بن دينار أبو الحباب سعيد بن يسار المدني أبو حبة البدري أنصاري قيل اسمه عمرو وقيل عامر وقيل مالك وقيل غير ذلك أبو حذيفة النهدي موسى بن مسعود أبو حسان عن ابن عباس اسمه مسلم بن عبد الله أبو الحسن السوائي اسمه عطاء أبو حصين الأسدي بفتح أوله اسمه عثمان ابن عاصم أبو حفص بن العلاء قيل اسمه عمر أبو حمزة السكري المروزي محمد بن ميمون وقد يأتي بكنيته مجردا ويعرف بأنه شيخ شيوخ البخاري أبو حميد الساعدي قيل اسمه عبد الرحمن وقيل المنذر أبو حيان التيمي يحيى بن سعيد بن حيان أبو خالد الأحمر سليمان ابن حيان أبو خلدة السعدي خالد بن دينار أبو خيثمة زهير بن معاوية الجعفي أبو خيثمة زهير بن حرب شيخه أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني أبو داود الطيالسي سليمن بن داود أبو الدرداء عويمر أبو ذبيان خليفة بن كعب أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة وقيل بريد بن جندب وقيل جندب بن السكن وقيل غير ذلك أبو رافع الصائغ نفيع أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه إبراهيم وقيل أسلم وقيل ثابت وقيل هرمز أبو الربيع الزهراني سليمان ابن داود أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري أمه عمرة بنت عبد الرحمن أبو رجاء مولى أبو قلابة اسمه سلمان ووقع في بعض الروايات سلمان وهو تصحيف أبو رجاء العطاردي عمرأن ابن تيم أبو الرحال الطائي عقبة بن عبد الله أبو زبيد عبثر بن القاسم أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس أبو زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قيل اسمه هرم وقيل عبد الله وقيل عبد الرحمن وقيل اسمه جرير ويقال اسمه كنيته أبو الزناد عبد الله بن ذكون المدني أبو زيد الهروي سعيد بن الربيع أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد أبو سعيد بن المعلى الأنصاري يقال اسمه رافع وقيل الحارث صحابي أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان أبو سعيد المقبري كيسان أبو سعيد مولى بني هاشم عبد الرحمن بن عبد الله أبو السفر سعيد بن يحمد أبو سفيان صخر بن حرب أبو سفيان عن جابر طلحة بن نافع أبو سفيان المعمري محمد بن حميد أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى أبو سفيان مولى بن أبي أحمد قيل اسمه وهب وقيل قزمان وكان مولى لبني عبد الأشهل فلازم عبد الله بن أبي أحمد بن جحش فنسب إليه أبو السكن الطائي زكريا بن يحيى أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل وقيل اسمه كنيته أبو سلمة التبوذكي موسى بن إسماعيل أبو سلمة الخزاعي منصور بن سلمة أبو سهيل بن مالك بن أبي عامر اسمه نافع أبو السوار العدوي قيل اسمه حسأن ابن حريث وقيل حريث بن حسان وقيل حجير بن الربيع وقيل غير ذلك أبو شريح الخزاعي الكعبي العدوي خويلد وقيل عبد الرحمن بن عمرو وقيل هانئ وقيل غير ذلك أبو شريح عبد الرحمن بن شريح بصري أبوالشعثاء جابر بن زيد تابعي وأبو الشعثاء المحاربي اسمه سليم بن أسود وهو أكبر من الذي قبله أبو شهاب الخياط الكبير اسمه موسى بن نافع له حديث واحد في الحج أبو شهاب الخياط الصغير اسمه عبد ربه عن نافع مكثرا أبو صالح عن الليث هو عبد الله بن صالح الجهني أبو صالح السمان الزيات اسمه ذكوان صاحب أبي هريرة وأبي سعيد أبو صالح مولى التوأمة اسمه نبهان مقل أبو صخرة جامع بن شداد أبو الصديق الناجي بكر بن عمرو أبو صفوان عبد الله بن سعيد الأموي أبو الضحى مسلم بن صبيح أبو ضمرة أنس بن عياض الليثي أبو الطفيل عامر بن واثلة أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري أبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري أبو ظبيان حصين بن جندب أبو ظلال هو هلال بن أبي هلال عن أنس ووقع في رواية أبي ذر أبو ظلال بن هلال وفيه نقص أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل بصري من قدماء شيوخ البخاري أبو العالية الرياحي رفيع تابعي كبير أبو العالية البراء بالتشديد قيل اسمه زياد بن فيروز وقيل اسمه كلثوم وقد رويا معا عن ابن عباس والرياحي يأتي غير منسوب أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو أبو عامر الأشعري يأتي في الأشربة أو أبو مالك كذا بالشك ولا يعرف اسمه وأبو مالك هوالمشهور يأتي أبو عباد يحيى بن عباد الضبعي أبو العباس الشاعر الأعمى اسمه السائب بن فروخ المكي أبو عبد الله الأغر اسمه سلمان أبو عبد الله الصنابحي اسمه عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب أبو عبد الله المقرئ عبد الله بن يزيد أبو عبد الصمد العمي عبد العزيز بن عبد الصمد أبو عبس بن جبر اسمه عبد الرحمن وقيل عبد الله أبو عبيد القاسم بن سلام أبو عبيد عن عقبة بن وساج وغيره هو صاحب سليمان قيل اسمه حي وقيل حيي وقيل عبد الملك أبو عبيد مولى بن أزهر اسمه سعد بن عبيد أبو عبيدة بن الجراح عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود اسمه عامر أبو عبيد الحداد عبد الواحد بن واصل أبو عثمان الجعد بن دينار عن أنس أبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل أبو عثمان التبان مولى المغيرة عن أبي هريرة اسمه سعيد وقيل عمران أبو عطية الوادعي مالك بن عامر على الصحيح أبو عقيل الدورقي بشير بن عقبة أبو عقيل زهرة بن معبد أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد أبو عمر الحوضي حفص بن عمر أبو عمر مولى أسماء بنت أبي بكر اسمه عبد الله بن كيسان أبو عمرو الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الشيباني سعد بن إياس أبو عمرو مولى عائشة اسمه ذكوان أبو عمران الجوني عبد الملك بن حبيب أبو العميس عقبة بن عبد الله المسعودي أبو عوانة الوضاح بن عبد الله أبو عون الثقفي محمد بن عبيد الله أبو العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير أبو عياض عمرو بن الأسود العبسي أبو غسان يحيى بن بكير العنبري أبو غسان المدني محمد بن مطرف أبو غسان النهدي شيخ البخاري اسمه مالك بن إسماعيل أبو علاب يونس بن جبير الباهلي أبو الغيث مولى بن مطيع اسمه سالم مدني أبو فروة الجهني مسلم بن سالم هو الأصغر أبو فروة الهمداني عروة بن الحارث تابعي أبو قتادة الأنصاري اسمه الحارث بن ربعي وقيل النعمان وقيل عمرو والأول أشهر أبو قتيبة مسلم بن قتيبة الشعيري أبو قدامة الحارث بن عبيد أبو قدامة السرخسي عبيد الله بن سعيد أبو قلابة الجرمي عبد الله بن زيد عن أنس وغيره أبو قيس الأودي عبد الرحمن بن ثروان أبو قيس مولى عمرو بن العاص لا يعرف اسمه أبو كبشة السلولي لا يعرف اسمه ووهم فيه الحاكم أبو كدينة يحيى بن المهلب أبو كريب محمد بن العلاء أبو لبابة الأنصاري بشير وقيل رفاعة بن عبد المنذر صحابي أبو ليلى عبد الله بن عبد الرحمن بن سهيل الأنصاري شيخ مالك وقيل هو أبو ليلى عبد الله بن سهل أبو مالك الأشعري لا يعرف اسمه أو هو الحارث بن الحارث أبو المتوكل الناجي علي بن داود وقيل بن داود أبو مجاهد الطائي سعد أبو مجلز لاحق بن حميد أبو محمد الحضرمي عن أبي أيوب زعم الطبراني أنه أفلح مولى أبي أيوب والحق أنه غيره أبو محمد مولى أبي قتادة اسمه نافع بن عباس أبو مراوح الغفاري عن أبي ذر يقال إن اسمه واقد أبو مرة اسمه يزيد مولى عقيل أبو مريم الأسدي عبد الله بن زياد أبو مساور الفضل بن مساور أبو مسعود البدري اسمه عقبة بن عمرو الأنصاري أبو مسعود الجريري سعيد بن إياس أبو مسلم قائد الأعمش اسمه عبيد الله بن سعيد أبو مصعب الزهري أحمد بن بكر المدني أبو معاوية الضرير محمد بن خازم بمعجمتين أبو معاوية النحوي شيبأن ابن عبد الرحمن أبو معبد عن ابن عباس اسمه ناقد أبو معشر البراء يوسف بن يزيد أبو معشر البخاري ذكر في سورة ألم نشرح من أصحاب البخاري حكى عنه الفربري واسمه الفضل بن أحمد بن يعقوب أبو المعلى عن سعيد بن جبير اسمه يحيى بن ميمون الكوفي أبو معمر عن ابن مسعود عبد الله بن سخبرة أبو معمر عن عبد الوارث عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المقعد أبو المغيرة عبد القدوس بن الجاج أبو المليح بن أسامة الهذلي اسمه عامر وقيل زيد تابعي أبو المنهال عن أبي برزة اسمه سيار بن سلامة أبو المنهال عن زيد بن أرقم والبراء اسمه عبد الرحمن بن مطعم المكي أبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس صحابي أبو موسى محمد بن المثنى البصري شيخ البخاري أبو موسى عن الحسن اسمه إسرائيل أبو موسى عن جابر في صلاة الخوف يقال هو علي بن رباح وقيل هو أبو موسى الغافقي ولا يثبت أبو ميسرة اسمه عمرو بن شرحبيل تابعي أبو النجاشي عن رافع بن خديج اسمه عطاء بن صهيب أو نصر عن ابن عباس في النكاح لا يعرف اسمه أبو النضر هاشم بن القاسم بغدادي أبو النضر الدمشقي الفراديسي إسحاق بن إبراهيم بن يزيد وقد ينسب إلى جده أبو نضرة العبدي المنذر بن مالك بن قطعة أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي عارم أبو نعيم الفضل بن دكين بن زهير الكوفي أبو نوح اسمه عبد الرحمن بن غزوان لقبه قراد أبو هارون الغنوي إبراهيم بن العلاء له موضع واحد رواه عنه سفيان ابن عيينة مقطوعا أبو هاشم الرماني يحيى بن دينار وقيل بن نافع وقيل غير ذلك أبو هريرة جزم بن الكلبي بأنه عمير بن عامر وجزم بن إسحاق بأنه عبد الرحمن بن صخر ورواه بعض أصحابه عن أبي هريرة قال كان اسمي عبد شمس بن صخر فسماني النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن رواه الحاكم في المستدرك ويقويه ما رواه بن خزيمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان اسمي عبد شمس وصححه جمع من المتأخرين ومال الدمياطي إلى قول بن الكلبي وقال ابن خزيمة اسمه عبد الله أو عبد الرحمن قلت وفيه اختلاف كثير جدا وما ذكرناه أقرب إلى الصحة مع ما فيها والله أعلم أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي أبو همام محمد بن الزبرقان أبو هلال الراسبي محمد بن سليم أبو واقد الليثي قيل اسمه الحارث بن مالك وقيل غير ذلك أبو وائل شقيق بن سلمة أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك أبو الوليد صاحب بن سيرين اسمه عبد الله بن الحارث أبو لاس الخزاعي له موضع واحد يقال اسمه عبد الله بن غنمة ولا يصح وهو صحابي أبو يحيى الحماني هو عبد الحميد بن عبد الرحمن أبو يزيد المدني تابعي قال أبو زرعة لا يسمى أبو يعفور الأكبر تابعي اسمه وقدان وقيل واقد أبو يعفور الأصغر عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس أبو يعلى منذر الثوري أبو يعلى التوزي محمد بن الصلت أبو اليمان الحكم بن نافع شيخ البخاري آخر الكنى "فصل منه" أم حرام بنت ملحان يقال لها الغميصاء أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص اسمها أمة أم الدرداء الكبرى اسمها خيرة بالمعجمة المفتوحة أم الدرداء الصغرى هجيمة أم رومان والدة عائشة قال ابن إسحاق اسمها زينب وحكى السهيلي أن اسمها دعد أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية أم سليم والدة أنس بن مالك اسمها سهلة ويقال رميلة ويقال ملكية ويقال الرميصاء ويقال غير ذلك أم شريك قيل اسمها غزية ويقال غزيلة أم عطية اسمها نسيبة أم عمرو بنت عبد الله بن الزبير لا يعرف اسمها أم العلاء الأنصارية يقال هي والدة خارجة بن زيد بن ثابت أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية أم قيس بنت محصن الأسدية حكى أبو القاسم الجوهري أن اسمها آمنة أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معطي كنيتها اسمها أم هانئ بنت أبي طالب فاختة وقيل هند أم يعقوب لها قصة مع بن مسعود لم تسم.
"فصل فيمن ذكر ابسم أبيه أو جده أو نحو ذلك" بن أبزى عبد الرحمن بن أخي الزهري محمد بن عبد الله بن مسلم بن إدريس الأودي عبد الله بن إدريس الشافعي محمد ذكر في موضعين في الركاز والعرايا بن أذينة عبد الرحمن ذكر في الوصايا بن إسحاق محمد بن أشوع سعيد بن عمرو بن أشوع ذكره في الهبة بن أوفى عبد الله بن الأصبهاني عبد الرحمن بن عبد الله بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة هو عمر بن كثير بن أفلح نسب إلى جده بن أبي أويس إسماعيل بن أبي أيوب سعيد بن بحينة عبد الله بن مالك بن القشب بن براد عبد الله بن أبي بردة سعيد بن بريدة هو عبد الله ولم يخرج لسليمان أخيه شيئا بن بشار هو محمد لقبه بندار بن بكير المصري هو يحيى بن عبد الله بن بكير ينسب إلى جده بن أبي بكير الكرماني اسمه يحيى واسم أبي بكير نسر بالنون والمهلمة بن بكر محمد البرساني بن أبي بكرة اسمه عبد الرحمن بن أبي بكر أخبرنا عبد الله بن عمر عن عائشة هو عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق نسب إلى جده بن التيمي معتمر بن سليمان ابن أبي ثور عبيد الله بن عبد الله بن جابر اسمه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر في حديث أبي بردة بن نيار هو عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله الأنصاري بن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جرير نسب إلى جده بن جعفر عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن أبي جعفر هو عبيد الله المصري بن أبي حازم عبد العزيز بن سلمة بن دينار بن أبي حبيب يزيد المصري بن أبي حثمة أبو بكر بن سليمان ابن أبي حثمة نسب إلى جده بن حزم هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري نسب إلى جده بن أبي حسين عبد الله بن عبد الرحمن وعمر بن سعيد أبو حسين جدهما بن الحضرمي العلاء صحابي بن أبي محمد بن ميسرة بن حلحلة محمد بن عمرو بن حلحلة نسب إلى جده بن حمير اسمه محمد بن الحنفية محمد بن علي بن أبي طالب والحنفية أمه واسمها خولة كانت من سبي اليمامة بن حكيم عن سعيد بن جبير اسمه يعلى بن حنين عبد الله وعبيد وإبراهيم أبناء عبد الله بن حنين بن حي صالح بن صالح بن حيأن ابن أبي خالد هو إسماعيل بن خربوذ اسمه معروف بن الخطاب هو عمر كذا في مناقب أبي بكر بن خلي خالد بن داود عبد الله الخربي بن دكين الفضل بن دينار عبد الله بن ذر عمر بن ذكوان هو أبو الزناد عبد الله بن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن أبي رافع عبيد الله بن راهويه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي بن رجاء عبد الله بن أبي رجاء الهروي أحمد بن أبي رزمة محمد بن عبد
العزيز بن أبي رواد عبد العزيز بن أبي زائدة يحيى بن زكريا بن أبي زائدة بن زبر عبد الله بن العلاء بن زبر نسب إلى جده بن الزبير عبد الله بن أبي الزناد عبد الرحمن بن السباق عبيد بن أبي سرح عياض بن عبد الله بن سعد بن سعيد بن جبير عبد الله بن أبي السفر عبد الله بن سعيد بن محمد بن سلمة هو حماد وقع في عمرة القضاء بن أبي سلمة الماجشون عبد العزيز بن عبد الله بن سواء محمد بن سوقة محمد بن سلام الصحابي عبد الله بن سلام شيخ البخاري محمد البيكندي بن سيرين محمد بن شبرمة عبد الله بن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن الحارث بن زهرة الزهري الفقيه بن أبي الشعثاء أشعث بن سليم بن أبي صعصعة عبد الله بن عبد الرحمن بن طاوس عبد الله بن أبي طلحة هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري بن عابس عبد الرحمن بن عباس هو عبد الله رضي الله عنهما بن عبد الرحمن بن أبزي سعيد بن أم عبد هو عبد الله بن مسعود بن أبي عبلة إبراهيم بن أبي عبيد عن سلمة اسمه يزيد بن أبي عتبة مولى أنس اسمه عبد الله بن أبي عتيق هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بن أبي قحافة التيمي وهذا يروي عن الزهري وأبوه يروي عن عائشة بن عثمان هو محمد بن عثمان ابن موهب له في الأدب بن عجلان محمد بن عرعرة محمد بن أبي عروبة سعيد بن أبي عدي محمد بن أبي العشرين عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين بن عطية هو حيان له ذكر في أواخر الجهاد بن عفير سعيد بن كثير بن عفير نسب إلى جده بن علاقة زياد بن علية إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم وعلية أمه وقيل جدته بن عمر عبد الله بن عمر بن عمرو بن العاص عبد الله بن عون عبد الله بن عوف عبد الرحمن بن عياش أبو بكر بن عيينة سفيان ابن الغسيل عبد الرحمن بن سليمان ابن عبد الله بن حنظلة وهو غسيل الملائكة بن أبي عامر الأنصاري بن أبي غنية عبد الملك بن أبي فديك محمد بن إسماعيل بن فضيل محمد بن فلان هو عبد الله بن زياد بن سمعان روى عنه بن وهب له موضع واحد مقرون بن فليح محمد بن أبي قتادة عبد الله بن قسيط يزيد بن عبد الله بن قسيط بن أبي كثير يحيى بن أبي ليلى عبد الرحمن بن الماجشون عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة بن المبارك عبد الله بن أبي المجالد اسمه مخلد بن مجمع إبراهيم بن إسماعيل بن محيريز عبد الله بن أبي مريم سعيد بن مسافر عبد الرحمن بن خالد بن مسافر بن مسهر علي بن المسيب سعيد بن مغفل المزني الصحابي عبد الله بن مقدم عمر بن علي بن مقسم عبيد الله بن أبي مليكة عبد الله بن عبيد الله وأبو مليكة جده1 بن منبه همام بن المنكدر محمد بن مهدي عبد الرحمن بن موهب هو عثمان ابن عبد الله بن موهب بن أبي نجيح عبد الله واسم أبيه يسار بن أبي نعيم عبد الرحمن بن نمر عبد الرحمن بن أبي نمر شريك بن نمير عبد الله وابن نمير شيخ البخاري محمد بن عبد الله بن نمير بن الهاد يزيد بن عبد الله بن هرمز عن ابن بحينة هو عبد الرحمن الأعرج بن أبي هند عبد الله بن سعيد بن أبي هلال سعيد بن وهب عبد الله بن أبي يعقوب محمد بن عبد الله الضبي بن يعمر يحيى بن يونس أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي
ـــــــ
1 قوله "وأبو مليكة جده" بهامش بعض النسخ "أي الأعلى" فإن أبا عبيد الله اسمه عبد الله أيضا وأبو مليكة اسمه زهير كما يؤخذ من "التقريب" للمصنف وسيأتي هنا أيضا "فصل منه" بنت الحارث في قصة خبيب بن عدي هي أم عبد الله وهي زوجة أبي سروعة بن الحارث أخي عقبة بن الحارث النوفلي
"الفصل الثالث في تسمية من ذكر من الأنساب" الأشجعي عبيد الله بن عبد الرحمن الأويسي عبد العزيز بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري محمد بن عبد الله بن المثنى البدري أبو مسعود عقبة بن عمرو البراء أبو العالية نسب إلى بري السهام التيمي سليمان الثقفي عبد الوهاب بن عبد المجيد الثوري سفيان ابن سعيد الجدي عبد الملك بن إبراهيم الجريري سعيد بن إياس الحميدي عبد الله بن الزبير الدراوردي عبد العزيز بن محمد الزبيدي محمد بن الوليد الزبيري أبو أحمد بن محمد بن عبد الله الأسدي الزهري بن شهاب السبيعي عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السعيدي عمرو بن يحيى بن سعيد الشعبي عامر بن شراحيل الشيباني أبو إسحاق سليمان ابن أبي سليمان الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة العدني عبد الله بن الوليد العقدي عبد الملك بن عمر وأبو عامر العمري عبيد الله بن عمر بن حفص الفروي إسحاق بن محمد الفريابي محمد بن يوسف الفزاري أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الدمشقي القمي هو يعقوب بن عبد الله له موضع واحد في الطب المجمر نعيم بن عبد الله المحاربي عبد الرحمن بن محمد المسعودي اسمه عبد الرحمن بن عبد الله المعمري أبو سفيان محمد بن حميد المقبري أبو سعيد كيسان وابنه سعيد المقدمي محمد بن أبي بكري المقري أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد الملائي أبو نعيم الفضل بن دكين
"الفصل الرابع فيمن يذكر بلقب ونحوه" الأحول عاصم بن سليمان الأزرق إسحاق بن يوسف الأعرج عبد الرحمن بن هرمز الأعمش سليمان ابن مهران الأغر سلمان أبو عبد الله الباقر محمد بن علي بن حسين أبو جعفر البحر عبد الله بن العباس البطين مسلم بن عمرأن ابندار محمد بن بشار البهي عبد الله بن يسار الحذاء خالد بن مهران كان يجلس عندهم ختن المقرئ بكر بن خلف دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم ذو البطين أسامة بن زيد ذو اليدين الخرباق الرشك يزيد الضبعي سعدان اللخمي سعيد بن يحيى بن صالح سلمويه سليمان ابن صالح المرزوي سنيد اسمه الحسين شاذان الأسود بن عامر عارم محمد بن الفضل السدوسي عبدان عبد الله بن عثمان غبدة بن سليمان اسمه عبد الرحمن عبيد بن إسماعيل هو عبيد الله عويمر أبو الدرداء اسمه عامر غندر محمد بن جعفر فليح بن سليمان قيل اسمه عبد الملك قتيبة بن سعيد قيل اسمه يحيى كاتب المغيرة قيل اسمه وراد الماجشون أبو سلمة مسدد اسمه عبد الملك النبيل أبو عاصم الضحاك بن مخلد أبو الزناد لقب وكنيته أبو عبد الرحمن ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهذا حين الشروع في المقصود

بدء الوحي
الحميدي عن سفيان هو بن عيينة حيث جاء عبدان عن عبد الله هو بن المبارك عن يونس هو بن يزيد حيث وقع أبو اليمان عن شعيب هو بن أبي حمزة حيث وقع قوله: "في حديث أبي سفيان في ركب من قريش كانوا قريبا من ثلاثين رجلا والترجمان لم يسم والموضع الذي وجدهم فيه الرسول غزة وعظيم بصرى قيل هو الحارث بن أبي شمر وهو ملك غسان والرجل الأعرابي لم يسم وصاحب له برومية يقال له ضغاطر بن أبي كبشة عني به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقيل إنه جد جد أمه وقيل أحد أجداده من الرضاعة وقيل غير ذلك
كتاب الإيمان
"وقال معاذ" هو بن جبل "اجلس بنا" المقول له ذلك هو الأسود بن هلال إسماعيل هو بن أبي خالد عن الشعبي داود هو بن أبي هند "عن أبي موسى قالوا يا رسول الله" في مسلم قلنا ولابن حبان أنه السائل وللطبراني عن عبيد بن عمير عن أبيه أنه سأل عن ذلك الليث عن يزيد هو بن أبي حبيب "عن عبد الله بن عمر وأن رجلا سأل" قيل هو أبو ذر وفي بن حبان من حديث هانئ بن يزيد والد شريح أنه سأل عن معنى ذلك فأجيب بنحو ذلك آدم هو بن أبي إياس أيوب هو بن أبي تميمة السختياني "عن عبادة بن الصامت أني من النقباء" كان النقباء اثني عشر رجلا وهم أسعد بن زرارة وعبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع ورافع بن مالك والبراء بن معرور وسعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو والد جابر والمنذر بن عمرو وعبادة بن الصامت هؤلاء من الخزرج ومن الأوس أسيد بن حضير وسعد بن خيثمة ورفاعة بن عبد المنذر عبدة هو بن سليمان "عن هشام" هو بن عروة عمرو بن يحيى عن أبيه هو بن عمارة بن أبي حسن قال وهيب حدثنا عمرو يعني عن أبيه بهذا الإسناد والمتن "مر برجل من الأنصار يعظ أخاه في الحياء" لم يسميا جميعا عن صالح هو بن كيسان حدثنا أبو روح الجرمي هو اسم بلفظ النسب غلط فيه بعضهم فجعله نسبه وسماه باسم غلط فيه أيضا عن واقد بن محمد هو بن زيد بن عبد الله بن عمر "وقال عدة من أهل العلم" سميت منهم في فصل التعاليق أنسا وابن عمر ومجاهدا وغيرهم "سئل أي العلم أفضل" السائل هو أبو ذر كما في كتاب العتق سعد بن أبي وقاص وأبو وقاص اسمه مالك بن وهيب بن زهرة قوله: "فترك رجلا هو أعجبهم إلي" هو جعيل بن سراقة ذكره الواقدي وقال عمار هو بن ياسر يونس هو بن عبيد البصري عن الحسن هو بن أبي الحسن البصري قول أبي بكرة انصر هذا الرجل هو علي بن أبي طالب في وقعة الجمل قوله: "عن المعرور" هو بن سويد قوله: "وعلى غلامه حلة" لم يسم هذا الغلام ساببت رجلا فعيرته بأمه هو بلال واسم أمه حمامة وبها يشتهر وكانت نوبية حدثني بشر هو بن خالد حدثنا محمد هو بن جعفر غندر عن سليمان هو بن مهران الأعمش عن إبراهيم هو بن يزيد النخعي عمن علقمة هو بن قيس عن عبد الله هو بن مسعود وهذا مما قيل أنه أصح الأسانيد حدثنا أبو الربيع هو سليمان ابن داود الزهراني حدثنا عبد الواحد هو بن زياد حدثنا عمارة هو بن القعقاع حدثنا إسماعيل حدثنا مالك إسماعيل هذا هو بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله وهو بن أخت مالك

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 02:53 AM
حدثنا بن سلام هو محمد ويحيى بن سعيد هو الأنصاري حدثنا زهير هو بن معاوية الجعفي حدثنا أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي عن البراء هو بن عازب الأنصاري قوله: "نزل على أجداده أو قال أخواله من الأنصار" هم من بني عمرو بن عوف من الخزرج وكانت أم عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم منهم واسمها سلمى فهم أجداده حقيقة وأخواله مجازا والشك من راوي الخبر قوله: "فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد" قال ابن عبد البر اسم الرجل عباد بن نهيك وقيل بن بشر بن قيظي الأشهلي وهذا أرجح رواه بن أبي خيثمة والفاكهي وابن منده بسند حسن وأهل المسجد بنو حارثة "مات على القبلة رجال وقتلوا" سمي منهم ممن مات البراء بن معرور وأسعد بن زرارة وأما القتل ففهي نظر لأن التحويل كان قبل نزول القتال حدثنا محمد هو بن المثنى حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان عن هشام هو بن عروة "وعندها امرأة" هي الحولاء بنت تويت كما في مسلم حدثنا هشام هو بن أبي عبد الله الدستوائي بفتح المثناة وقال أبان هو بن يزيد العطار قوله: "ان رجلا من اليهود قال لعمر" هو كعب الأحبار روينا ذلك في مسند مسدد بإسناد حسن وأورده بن عساكر في أوائل تاريخ دمشق من طريقه وهو في المعجم الأوسط للطبراني من هذا الوجه وكان سؤاله لعمر عن ذلك قبل أن يسلم كعب وجاء في رواية أخرى في الصحيح أن اليهود قالوا وقد تعين السائل منهم هنا فلعله لما سأل كان في جماعة منهم قوله: "جاء رجل من أهل نجد" قال ابن بطال وتبعه عياض وابن العربي والمنذري وابن بأطيش وآخرون هو ضمام بن ثعلبة وقال النووي في شرح المهذب فيه نظر وقال القرطبي في المفهم وتبعه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني الظاهر أنه غيره لاختلاف السياقين وهو كما قال حدثنا روح هو بن عبادة حدثنا عوف هو الأعرابي عن الحسن هو البصري ومحمد هو بن سيرين "وقال ابن أبي مليكة" هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسمه زهير بن عبد الله بن جدعان أبي محمد التيمي "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" قلت أسماؤهم مسرودة في ترجمته في تهذيب الكمال وغيره لكنهم لم يبلغوهم هذا العدد "ويذكر عن الحسن ما خافه" الضمير يعود على النفاق "وعن زبيد" هو بن الحارث اليامي قوله: "فتلاحى رجلان" هما كعب بن مالك وعبد الله بن أبي حدرد قال ابن دحية أبو حيان التيمي عن أبي زرعة هو بن عمرو بن جرير البجلي حدثنا أبو نعيم هو الفضل بن دكين قال حدثنا زكريا هو بن أبي زائدة عن عامر هو الشعبي عن أبي جمرة هو بالجيم والراء واسمه نصر بن عمران "وفد عبد القيس" كان الوفد أربعة عشر رجلا بالأشج وهو رئيسهم واسمه المنذر بن عائذ كذا في حديث مزيدة العصري وفي رواية أبي خيرة الصباحي أنهم كانوا أربعين رجلا فإما أن يكون لهم وفادتان وإما أن يكون الأشراف منهم أربعة عشر رجلا والباقون أتباعا وقد بينت أسماء الأربعين في كتابي في الصحابة عن أبي مسعود هو عقبة بن عمرو "ثم قال استعفوا لأميركم فإنه كان يحب العفو" الأمير هو المغيرة بن شعبة قال جرير ذلك لما مات
كتاب العلم
"عن أبي هريرة بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي" لم يسم هذا الأعرابي وقال أبو العالية هو رفيع "حدثنا سليمان" هو بن بلال "واحتج بعضهم في القراءة علىالعالم بحديث ضمام بن ثعلبة" هو1 الحميدي شيخه "رواه موسى" هو بن إسماعيل التبوذكي أبو سلمة "واحتج بعض أهل الحجاز في المناولة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث كتب لأمير السرية" المحتج بهذا هو الحميدي وأمير السرية هو عبد الله بن جحش كما في السيرة لابن إسحاق وسنده مرسل ورجاله ثقات وكما في الطبراني الكبير من حديث جندب بن عبد الله بسند حسن "بعث بكتابه رجلا وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى" المبعوث عبد الله بن حذافة السهمي وعظيم البحرين هو المنذر بن ساوي وكسرى هو أبرويز بن هرمز قوله: "فحسبت" القائل هو بن شهاب أخبرنا عبد الله هو بن المبارك "فقيل له إنهم لا يقرون" أي الروم "إذ أقبل ثلاثة نفر" لم يسم واحد منهم "حدثنا مسدد حدثنا بشر" هو بن المفضل "وأمسك إنسان بخطامه" هو بلال رواه النسائي من حديث أم الحصين وعند الإسماعيلي التصريح بأنه أبو بكرة نفسه فيحمل على أن كلا منهما أمسك "ويقال الرباني هو الذي يربي الناس" القائل فيما قيل هو بن عباس "حدثنا جرير" هو بن عبد الحميد "عن منصور" هو بن المعتمر "فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن" الرجل هو عبد الله بن مرداس أشار إلى ذلك محمد بن سعد في كتاب الطبقات "حدثنا بن وهب" هو عبد الله "عن يونس" هو بن يزيد "سمعت معاوية" هو بن أبي سفيان "حدثنا إسماعيل بن أبي خالد على غير ما حدثناه الزهري قال سمعت قيس بن أبي حازم القائل سمعت قيس بن أبي حازم" هو إسماعيل والذي حدثه الزهري هو سفيان حدثه به الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ آخر كما ذكره في التوحيد "حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبيه" هو إبراهيم بن سعد "بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل" لم نقف على تسميته "فقال لموسى فتاه" هو يوشع بن نون "حدثنا عبد الوارث" هو بن سعيد "حدثنا خالد" هوالحذاء
باب الخروج في طلب العلم
"ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد" الحديث ذكر المصنف طرفا منه في كتاب التوحيد والرحلة كانت من المدينة إلى مصر "أبو بردة بن أبي موسى" تقدم في الإيمان "قال إسحق" هو بن راهويه "وقال ربيعة" هو بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك "حدثنا المكي بن إبراهيم" هو اسم بلفظ النسب وليس بنسب لأنه بلخي "أخبرنا حنظلة" هو بن أبي سفيان الجمحي "عن سالم" هو بن عبد الله بن عمر "فجاءه رجل فقال لم أشعر" الحديث من رواية عبد الله بن عمرو ومن رواية عبد الله بن عباس لم يسم واحد ممن سأل عن هذه الأشياء "حدثنا وهيب" هو بن خالد "حدثنا هشام" هو بن عروة بن الزبير "عن فاطمة" هي امرأته وهي بنت المنذر بن الزبير "عن أسماء" هي بنت أبي بكر الصديق وهي جدة هشام بن عروة وفاطمة أم أبويهما عروة والمنذر "عن أبي جمرة" بالجيم والراء "أنه تزوج ابنة لأبي إهاب" اسمها عنبة وتكنى أم يحيى "فأتته امرأة" لم تسم "ونكحت زوجا غيره" هو ظريب بن الحارث "كنت أنا وجار لي من الأنصار" هو أوس بن خولي الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمر بن الخطاب وروى بن بشكوال ما يؤيده وسيأتي شرح ذلك في كتاب النكاح
ـــــــ
1 قال المصنف في فتح الباري ما نصه كذا قال بعض من أدركته وتبعته في المقدمة ثم ظهر لي خلافه، وأن قائل ذلك أبو سعيد الحداد
أخرجه البيهقي في المعرفة من طريق ابن خزيمة قال سمعت إسماعيل البخاري يقول قال أبو سعيد الحداد عندي خبر عن النبي صلى الله
عليه وسلم في القراءة على العالم فقيل قصة ضمام بن قال آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. اهـ
قوله: "دخلت على حفصة" القائل دخلت على حفصة هو عمر لا الأنصاري وفي السياق اختصار يأتي بيانه في كتاب النكاح "أخبرني سفيان" هو الثوري "عن ابن أبي خالد" هو إسماعيل "عن أبي مسعود الأنصاري قال قال رجل يا رسول الله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان" أبو مسعود تقدم أنه عقبة بن عمرو والقائل حزم بن أبي كعب وفلان هو معاذ بن جبل وقيل أبي بن كعب "سأله رجل عن اللقطة" قيل هو بلال وقيل هو الجارود وقيل عمير والد مالك وقيل هو زيد بن خالد نفسه "فقال رجل من أبي فقال أبوك حذافة" هو عبد الله كما يأتي في حديث أنس "فقام آخر فقال من أبي فقال أبوك سالم مولى شيبة" هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة ذكره بن عبد البر في ترجمة سهيل بن أبي صالح من التمهيد ولم يذكر سعدا في الصحابة لا هو ولا غيره من جميع من صنف فيه وقد أوضحته بحمد الله في كتاب في الصحابة "حدثنا عبد الصمد" هو بن عبد الوارث وثمامة هو بن عبد الله بن أنس "أخبرنا المحاربي" هو عبد الرحمن بن محمد "حدثنا صالح بن حيان" هو صالح بن صالح بن حي والد الحسن ووقع عنده في الأدب المفرد حدثنا صالح بن حي حدثنا عبد العزيز هو بن عبد الله حدثني سليمان هو بن بلال "فقالت امرأة واثنين قال واثنين" هي أم مبشر كما عند المصنف وقيل أم سليم كما عند أحمد والطبراني وابن بشران وابن أبي ميسرة وقيل أم أيمن كما في الأوسط للطبراني عبد الله بن عبد الوهاب قال حدثنا حماد هو بن زيد "كما يحدث فلان وفلان" سمي بن ماجة في روايته منهما بن مسعود والثاني قيل هو أبو هريرة عبد الوارث هو بن سعيد "عن عبد العزيز" هو بن صهيب "حدثني موسى" هو بن إسماعيل التبوذكي1 وكيع عن سفيان هو الثوري عن مطرف هو بن طريف شيبان هو بن عبد الرحمن عن يحيى هو بن أبي كثير عن أبي سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف "أن خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه" المقتولان هما منبه الخزاعي ذكر بن إسحاق وقتله بنو ليث وجنيدب بن الأكوع ذكره بن هشام وقتله بنو كعب وهم خزاعة وعن ابن إسحاق أن خراش بن أمية الخزاعي قتل بن الأكوع الهذلي بقتيل في الجاهلية يقال له أحمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل الحديث روينا في آخر الجزء من فوائد أبي علي بن خزيمة أن اسم القاتل هلال بن أمية والله أعلم "فجاء رجل من أهل اليمن فقال أكتب لي يا رسول الله فقال اكتبوا لأبي فلان" هو أبو شاه بهاء منونة والمسئول أن يكتب هو خطبة النبي صلى الله عليه وسلم تلك "فقال رجل من قريش" هو العباس بن عبد المطلب ووقع في مصنف أبي بكر بن أبي شيبة أن اسمه شاه وهو غريب وهب بن منبه عن أخيه هو همام "تابعه معمر" أي تابع وهبا وعمرو هو بن دينار أي أن عمرا أخبر بن عيينة بذلك أيضا عن الزهري عن هند هي بنت الحارث الفراسية "عن أم سلمة" هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم "شعبة قال حدثنا الحكم" هو بن عتبة "حدثنا إسماعيل" هو بن أبي أويس حدثني أخي هو أبو بكر عبد الحميد "حدثنا حجاج" هو بن المنهال "فانطلقا فإذا غلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه" اسم هذا الغلام جيسور حدثنا عثمان هو بن أبي شيبة حدثنا جرير هو بن عبد الحميد عن منصور هو بن المعتمر "جاء رجل" هو لاحق بن ضميرة "فقام رجل منهم فقال يا أبا القاسم ما الروح" لم يسم إسرائيل هو بن يونس
ـــــــ
1 وقع هنا في بعض النسخ زيادة "عثمان بن عاصم"

"عن أبي إسحق" عمرو بن عبد الله السبيعي "عن الأسود" هو بن يزيد النخعي "أخبرنا معاذ بن هشام" هو بن أبي عبد الله الدستوائي "معتمر سمعت أبي" هو سليمان ابن طرخان التيمي "عن أنس قال ذكر لي" لم يسم أنس من ذكر له ذلك ويحتمل أن يكون سمعه من معاذ صاحب القصة أن رجلا قام في المسجد فقال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل لم يسم هذا الرجل "قال ابن عمر يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ومهل أهل اليمن من يلملم ولم أفقه هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثبت ذكرها في حديث بن عباس
كتاب الوضوء
"كره أهل العلم الإسراف فيه" أي في الوضوء وقد عقد أبو بكر بن أبي شيبة بابا في ذلك ذكره عن جماعة من الأئمة منهم علقمة بن قيس وهلال بن يساف وإبراهيم التيمي وإبراهيم النخعي عن نفسه وعن غيره "قال رجل من حضرموت ما الحدث" لم يعرف اسمه وجاء أنه أعرابي "عن خالد" هو بن يزيد عن عبادة بن تميم عن عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني "قلنا لعمرو أن ناسا يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه" روى هذا من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة وهو في الصحيح في أبواب قيام الليل وغير ذلك "وقال موسى" هو بن إسماعيل "عن حماد" هو بن سلمة "ورقاء" هو بن عمر "أن ناسا يقولون إذا قعدت على حاجتك" ثبت ذلك من قول أبي أيوب الأنصاري "يزيد بن هارون أخبرنا يحيى" هو بن سعيد الأنصاري "أجىء أنا وغلام" هو أنصاري لكن لم أقف على اسمه ثم ظهر لي أنه أبو هريرة فيكون نسبته أنصاريا على سبيل المجاز وقد بينت ذلك في الشرح "تابعه النضر" هو بن شميل وشاذان هو الأسود بن عامر سعيد بن عمرو المكي هو سعيد بن العاص الأموي حدثنا عبدان هو عبد الله بن عثمان أخبرنا عبد الله هو بن المبارك كما تقدم أبو إدريس اسمه عائذ الله بن عبد الله الخولاني تقدم إسماعيل هو بن علية حدثنا خالد هو بن مهران الحذاء أم عطية هي نسيبة الأنصارية "في غسل ابنته" هي زينب كما في مسلم أشعث بن سليم هو بن أبي الشعثاء المحاربي "وقال الزهري إذا ولغ في الإناء ليس له وضوء غيره يتوضأ به قال سفيان هذا هو الفقه بعينه" سفيان هذا هو الثوري وإنما نبهت عليه لأن المتبادر إلى الذهن أنه بن عيينة لأنه صاحب الزهري دون الثوري ولكن رواه بن عبد البر في التمهيد من طريق دحيم عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري قال الوليد فذكرته لسفيان الثوري فقال فذكره عاصم هو بن سليمان الأحول عن ابن سيرين هو محمد قلت لعبيدة هو بفتح العين بن عمرو السلماني عباد هو بن العوام عن ابن عون هو عبد الله عن ابن أبي السفر اسمه عبد الله واسم أبيه سعيد بن محمد كما تقدم "كان في غزوة ذات الرقاع فرمى رجل بسهم" هو عباد بن بشر الأنصاري كما رواه الواقدي وقال أهل الحجاز ليس في الدم وضوء رواه إسماعيل القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن كل من أدركه من الفقهاء "فقال رجل أعجمي ما الحدث" تقدم أنه حضرمي وليس بينهما تناف لأنه حضرمي النسب أعجمي اللسان منذر هو بن يعلى يكنى أبا يعلى "عن محمد بن الحنفية" اسم الحنفية خولة وأبوه علي بن أبي طالب النضر هو بن شميل قوله: "أرسل إلى رجل من الأنصار فجاء ورأسه يقطر" قيل اسم هذا الرجل صالح رواه عبد الغني بن سعيد في مباهمته وفي الأوسط للطبراني أنه رافع بن خديج وذكره بن بشكوال أيضا وفي مسلم قصة أخرى لعتبأن ابن مالك فيمكن أن يفسر بها ووقع في الصحابة لابن قانع عبد الله بن عتبان وروى بن السكن نحو هذه القصة لأبي عثمان الأنصاري تابعه وهب هو بن جرير بن حازم يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي وقال حماد هو بن سليمان عن إبراهيم وسئل مالك الذي سأله عن ذلك هو إسحاق بن عيسى بن الطباع بينه بن خزيمة في صحيحه "أن رجلا قال لعبد الله بن زيد" وقع في الأم للشافعي من هذه الطريق أنه قال لعبد الله فيكون السائل هو يحيى والد عمرو لكن في رواية أخرى عند المصنف شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد فيجوز أن يكون كلاهما سأل وهو جد عمرو بن يحيى ليس هو جده حقيقة وإنما هو بمنزلته لأنه عم أبيه وهيب عن عمرو هو بن يحيى بن عمارة المازني " وقال أبو موسى دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه ثم قال لهما اشربا منه" المخاطب بذلك أبو موسى وبلال كما أسنده المؤلف في المغازي عن ابن شهاب قال أخبرني محمود بن الربيع قال وهو الذي مج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وهو غلام من بئرهم قلت ولم يذكر الخبر بل اقتصر على الجملة المعترضة والخبر مذكور من هذه الطريق في باب صلاة النوافل وبقيته فزعم محمود أنه سمع عتبأن ابن مالك الأنصاري وكان ممن شهد بدرا يقول كنت أصلي لقومي بني سالم وكان يحول بيني وبينهم واد فذكر الحديث بطوله "وقال عروة عن المسور وغيره" هو مروأن ابن الحكم كما بينه في المغازي وغيره عن الجعد هو بن عبد الرحمن "سمعت السائب بن يزيد يقول ذهبت بي خالتي" اسمها سلمى حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان هو بن بلال عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال كان عمي يكثر الوضوء هو عمرو بن أبي حسن حدثنا مسدد حدثنا حماد هو بن زيد مسعر حدثني بن جبر هو عبد الله بن عبد الله بن جبر نسبه إلى جده
من باب المسح على الخفين إلى كتاب الغسل
بن وهب هو عبد الله عن عمرو هو بن الحارث المصري حدثني أبو النضر هو سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله عمرو عن بكير هو بن عبد الله بن الأشج مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال إنهما ليعذبان وفي رواية مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط فسمع صوت إنسانين يعذبان ووقع في الأوسط للطبراني من حديث جابر مر على قبور نساء هلكن في الجاهلية من بني النجار ورواه أبو موسى المديني في كتاب الترغيب من هذا الوجه ولفظه مر على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يعذبان في البول والنميمة رأى أعرابيا يبول في المسجد وفي لفظ جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد ولأبي هريرة قام أعرابي في المسجد فبال فتناوله الناس قيل إن اسم هذا الأعرابي ذو الخويصرة اليماني رواه أبو موسى في ذيل كتاب الصحابة وذكر أبو بكر التاريخي عن عبد الله بن نافع أنه الأقرع بن حابس التميمي مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي فبال على ثوبه روى الدارقطني من طريق الحجاج بن أرطاة عن هشام بهذا الإسناد أنها أتت بعبد الله بن الزبير ووقع نحو ذلك للحسين بن علي رواه الحاكم ولسليمان ابن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص رواه بن منده عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير اسمها آمنة وقيل جذامة وأما اسم ابنها فلم أره سباطة قوم في بعض الطرق من الأنصار عن أسماء هي بنت أبي بكر قالت جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أرأيت إحدانا تحيض الحديث في مسند الإمام الشافعي أن أسماء هي السائلة ولا بعد في أن تبهم نفسها كما وقع ذلك كثيرا في عدة مواضع وسيأتي قريبا في معاذة نظيره وقول النووي إنه ضعيف وهم منه بل إسناده على شرط الشيخين قال وقال أبي ثم توضأ القائل هو هشام بن عروة حكى ذلك عن أبيه قتيبة حدثنا يزيد هو بن زريع وقيل بن هارون عن أنس قال قدم ناس من عكل أو عرينة وفيه قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم الحديث اسم الراعي المقتول يسار واسم أمير السرية كرز بن جابر وكانت النعم خمسة عشر ذكر ذلك بن سعد وحكى موسى بن عقبة أن اسم أمير السرية سعيد بن زيد وروى الطبري من حديث جرير بن عبد الله البجلي أنه كان أمير السرية ولا يصح معن هو بن عيسى القزاز حدثنا عبدان أخبرني أبي تقدم أن عبدان هو عبد الله بن عمر بن جبلة بن أبي رواد المروزي أصله من البصرة إذ قال بعضهم لبعض أيكم يجيء بسلي جزور بني فلان القائل أبو جهل والجزور لبني جمح وفيه فانبعث أشقى القوم هو عقبة بن أبي معيط كما في مسلم وفيه وعد السابع فلم أحفظه سماه في كتاب الصلاة قبيل باب المواقيت عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي حدثنا سفيان هو الثوري وإنما نبهت على هذا هنا وإن كان واضحا لأن البخاري روى عن محمد بن يوسف البيكندي وهو يروي عن سفيان ابن عيينة وهو يروي أيضا عن حميد لكن هذا الحديث إنما هو من رواية الفريابي عن الثوري جزم بذلك خلف وأبو نعيم وغيرهما فقيل لي كبر فدفعته إلى الأكبر القائل له هو جبريل عليه السلام كما بيناه في رواية نعيم بن حماد التي علقها عن ابن المبارك عن أسامة هو بن زيد الليثي عبد الله أخبرنا سفيان هو الثوري عن منصور هو بن المعتمر
من كتاب الغسل إلى الصلاة
أبو بكر بن حفص هو بن عمر بن سعد بن أبي وقاص سمعت أبا سلمة يقول دخلت أنا وأخو عائشة هو عبد الله بن يزيد رضيعها كما في مسلم وزعم الشارح الداودي أنه عبد الرحمن بن أبي بكر وقال بهز هو بن أسد والجدي هو عبد الملك بن إبراهيم عن أبي إسحاق قال حدثنا أبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين وهذا من رواية الكبير عمن هو أصغر سنا منه وفيه فقال رجل ما يكفيني هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب كما صرح به المؤلف بعد حديثين أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد أكثر البخاري عنه وروى هنا عن واحد عنه عن حنظلة هو بن أبي سفيان الجمحي عن القاسم هو بن محمد بن أبي بكر الأعمش حدثني سالم هو بن أبي الجعد كما في الحديث الذي بعده أفلح هو بن حميد ولم يخرج لأفلح بن سعيد شيئا زاد مسلم هو بن إبراهيم ووهب هو بن جرير بن حازم عن شعبة وفي بعض الروايات هنا ووهيب والظاهر أنه وهم فقد أسنده الإسماعيلي في مستخرجه من طريق وهب بن جرير عن شعبة قال سليمان لا أدري أذكر الثالثة أم لا سليمان هو الأعمش راوي الحديث وكأنه شك فيه لما حدث به فقد تقدم قبله من حديث عبد الواحد عن الأعمش وفيه مرتين أو ثلاثا بن أبي عدي هو محمد وفيه ذكرته لعائشة فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن لم يذكر البخاري مفعول ذكر هنا وقد ذكره بعد أبواب من هذا الوجه قال ذكرت لعائشة قول بن عمر ما أحب أن أصبح محرما ما أنضخ طيبا فقالت عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وظهر بهذا أن أبا عبد الرحمن هو عبد الله بن عمر حديث معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة حدثنا أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة الحديث وقال سعيد عن قتادة أن أنسا حدثهم تسع نسوة فالتسع هن عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم سلمة بنت أبي أمية وزينب بنت جحش وأم حبيبة بنت أبي سفيان وسدوة بنت زمعة وجويرية بنت الحارث وصفية بنت حيي وزينب بنت خزيمة وهي أم المساكين أو ميمونة بنت الحارث لأن زينب بنت خزيمة ماتت قبله وميمونة آخر من تزوج منهن والأشبه في هذا عد ميمونة لأن زينب إذا ماتت لم يكن استكمل نكاح التسع وهذا موافق لرواية سعيد وأما الزائدتان في حديث هشام فأراد بهما مارية القبطية وريحانة النضيرية وهما سريتان وإنما عدهما في النسوة تغليبا ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم خلف منهن تسعا ومارية وماتت في حياته زينب بنت خزيمة وريحانة زائدة هو بن قدامة عن أبي حصين بفتح الحاء تقدم أنه عثمان ابن عاصم عن أبي عبد الرحمن هو السلمي واسمه عبد الله بن حبيب عن علي هو بن أبي طالب قال كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا أن يسأل هو المقداد بن الأسود كما ثبت عنده بعد هذا وفي النسائي والطبراني فأمرت عمار بن ياسر وفيه أيضا تذاكر علي وعمار والمقداد المذي فقال لهما علي سلا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال بهز هو بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري أم هانئ بنت أبي طالب يقال اسمها فاختة وابن فضيل اسمه محمد بكير هو بن عبد الله المزني عن أبي رافع هو نفيع الصائغ تابعه عمرو هو بن مرزوق وقال موسى هو بن إسماعيل حدثنا أبان هو بن يزيد العطار الحسين المعلم قال قال يحيى هو بن أبي كثير وقال بعضهم كان أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل قائل ذلك هو بن مسعود رواه بن أبي شيبة وكان أبو وائل يرسل خادمه لم أقف على اسمها إلى أبي رزين اسمه مسعود بن مالك الأسدي حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا هشام هو بن أبي عبد الله الدستوائي ولم يخرج البخاري لمكي عن هشام بن عروة شيئا أبو إسحاق الشيباني اسمه سليمان ابن فيروز تابعه خالد هو بن عبد الله الطحان ورواه سفيان هو الثوري عن الشيباني أن عائشة رأت ماء العصفر فقالت كأن هذا شيء كانت فلانة تجده وفي الحديث الذي بعده اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي فقيل إن هذا المرأة سودة بنت زمعة وقيل زينب بنت جحش ورأيت في حاشية نسخة صحيحة من طريق أبي ذر الهروي أنها أم حبيبة بنت أبي سفيان يزيد بن زريع ومعتمر عن خالد هو الحذاء أيوب عن حفصة هي بنت سيرين منصور بن صفية هو بن عبد الرحمن العبدري وصفية هي أمه وهي بنت شيبة بن عثمان الحجبي أن امرأة من الأنصار قالت كيف أغتسل من الحيض في مسلم أنها أسماء بنت شكل بفتح الشين المعجمة والكاف وادعى الدمياطي أنه تصحيف وأن الصواب السكن بالمهملة وآخره نون وأنها نسبت إلى جدها وهي أسماء بنت يزيد بن السكن وبه جزم بن الجوزي في التلقيح وقبله الخطيب وهو رد للأخبار الصحيحة بمجرد التوهم وإلا فما المانع أن يكونا امرأتين وقد وقع في مصنف بن أبي شيبة كما في مسلم فانتفى عنه الوهم وبذلك جزم بن طاهر وأبو موسى المدني وأبو علي الجياني والله أعلم حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم هو بن سعد وبلغ بنت زيد بن ثابت أن نساء يدعون بالمصابيح لزيد بن ثابت من البنات أم إسحاق وحسنة وعمرة وأم كلثوم ولم أر لأحد منهن رواية إلا لأم كلثوم وكانت امرأة سالم بن عبد الله بن عمر فالظاهر أنها هي معاذة أن امرأة قالت لعائشة أتجزى إحدانا صلاتها إذا
تطهرت السائلة هي معاذة كما في مسلم فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف فحدثت عن أختها وكان زوج أختها غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة المرأة هي1 وأختها هي أم عطية واسمها نسيبة بنت الحارث الأنصارية وزوج أم عطية هو2 وقصر بني خلف منسوب إلى خلف الخزاعي جد طلحة الطلحات وفيه أليس تشهد عرفة وكذا وكذا يعني مزدلفة ومنى والجمرات وما أشبه ذلك أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين هي بنت جحش أن صفية قد حاضت هي بنت حيي حسين المعلم عن ابن بريدة هو عبد الله ولم يخرج البخاري عن أخيه سليمان شيئا والمرأة هي أم كعب الأنصارية كما في مسلم استعارت من أسماء هي بنت أبي بكر أختها قلادة فهلكت فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها الرجل هو أسيد بن حضير كما ثبت عنده في رواية أخرى قال فبعث أسيد بن حضير وناسا معه أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه هو أبو جهيم راوي الحديث كما في مسند الشافعي وجاء مثله للمهاجر بن قنفذ عن ذر هو بن عبد الله المرهبي وفيه جاء رجل إلى عمر بن الخطاب لم أقف على اسمه وفي الطبراني جاء رجل من أهل البادية وقال النضر هو بن شميل وابن عبد الرحمن هو سعيد كما في الرواية التي قبلها عوف هو الأعرابي حدثنا أبو رجاء هو عمرأن ابن ملحان العطاردي وفيه فكان أول من استيقظ فلان هو أبو بكر الصديق كما في رواية سلم بن زرير عنده وفيه فإذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم فقال ما منعك يا فلان هذا الرجل لم يسم ووهم من زعم أنه خلاد بن رافع وفيه فدعا عليا وفلانا هو عمرأن ابن حصين راوي الخبر كذا في رواية سلم بن زرير أيضا وفيه فلقيا امرأة بين مزادتين لم أقف على اسم هذه المرأة
كتاب الصلاة
وقال ابن عباس حدثني أبو سفيان هو صخر بن حرب في حديث هرقل يعني الذي مضى في بدء الوحي قال ابن شهاب فأخبرني بن حزم هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان قال أبو زرعة الرازي اسم أبي حبة عامر بن عبد عمرو وهو بالموحدة وفيه فقال جبريل لخازن السماء افتح اسم خازن سماء الدنيا إسماعيل سماه الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد يزيد بن إبراهيم هو التستري عن محمد هو بن سيرين عن أم عطية هي نسبية قالت أمرنا وقع عنده في العيدين من طريقها أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم وفيه فقالت امرأة القائلة هي أم عطية نفسها كما في رواية أخرى وتقدم في الحيض ما يدل عليه وقال أبو حازم هو سلمة بن دينار صلى جابر هو بن عبد الله وفيه فقال له قائل هو عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت كما في مسلم وعند البخاري أن محمد بن المنكدر وسعيد بن الحارث سألاه عن ذلك أيضا وفي جزء عامر بن سيار أن سعيد المقبري سأله عن ذلك أيضا يحيى حدثنا هشام حدثني أبي هو عروة بن الزبير عن عمر بن أبي سلمة هو بن عبد الله بن عبد الأسد ربيب النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي النضر هو سالم أن أبا مرة هو يزيد كما تقدم ذلك وفيه زعم بن أمي في رواية الحموي بن أبي وكلاهما صحيح وهو علي بن أبي طالب وأمهما فاطمة بنت أسد بن هاشم وفيه فلأن ابن هبيرة قال ابن الجوزي تبعا لغيره إن كان المراد بفلان ابنها فهو جعدة وقد استنكر ذلك بن عبد البر على
ـــــــ
1 بياض في الموضعين بأصله وفي فتح الباري "لم أقف على اسم المرأة ولا على اسم الزوج"
2 بياض
من قاله وقال يبعد أن عليا يروم قتل بن أخته وهي مسلمة وهو صغير ومال غيره إلى احتمال أن يكون لهبيرة ولد من غير أم هانئ فهذا ما في هذا الرواية وهي رواية مالك ويحتمل أن يكون سقط من روايته لفظه عم وكان فيه فلأن ابن عم هبيرة وهو صادق أن يفسر بالحارث بن هشام أو عبد الله بن أبي ربيعة وكذلك زهير بن أبي أمية على ما عند الزبير بن بكار في النسب ومما يدل على أن في رواية مالك شيئا ما أخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك في هذا الحديث بعينه فقال فيه هبيرة أو فلأن ابن هبيرة ولا يصح أن يفسر الذي أجارته بهبيرة لأنه كان هرب وسيأتي في الجهاد بقية ما فيه قوله: "أن سائلا سأله" لم أقف على اسمه لكن ذكر شمس الدين الحنفي السرخسي في كتابه المبسوط أن السائل ثوبان الأعمش عن مسلم بن عمران هو البطين روح هو بن عبادة كان ينقل معهم يعني مع قريش لما بنت الكعبة وهذا من مرسلات الصحابة ويحتمل أن يكون جابر أخذه عن العباس بن عبد المطلب ففي السياق ما يستأنس به لذلك والله أعلم أيوب عن محمد هو بن سيرين وفيه قام رجل فسأله عن الصلاة في الثوب الواحد وفيه ثم سأل رجل عمر أي بن الخطاب لم أقف على تسمية واحد منهما بن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن كما تقدم وفيه فسأل رجل ما يلبس المحرم لم أقف على اسمه قبيصة حدثنا سفيان هو الثوري في مؤذنين لم أر من سماهم بن أبي الموالي هو عبد الرحمن قال جرهدد والأسلمي ومحمد بن جحش هو محمد بن عبد الله بن جحش نسب إلى جده وقال أبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري وركب أبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري وهو زوج أم أنس بن مالك فقالوا محمد قال عبد العزيز يعني بن صهيب وقال بعض أصحابنا والخميس هو ثابت البناني فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم أقف على اسمه وفيه قال خذ جارية من السبي غيرهما في الأم للشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يومئذ كنانة بن الربيع وأعطى أخته لدحية الكلبي قلت وكنانة كان زوج صفية بنت حيي فكأن النبي صلى الله عليه وسلم لما استعاد صفية من دحية أعطاه عوضا عنها أخت زوجها وفيه فقال له ثابت هو البناني وأم سليم هي بنت ملحان والدة أنس بن مالك حدثنا أبو اليمان هو الحكم بن نافع أخبرنا شعيب هو بن أبي حمزة الحمصي تكرر كثيرا إلى أبي جهم هو بن حذيفة العدوي واسمه عامر على المشهور الليث هو بن سعد عن يزيد هو بن أبي حبيب عن أبي الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني كما تقدم عمله فلان مولى فلانة يعني المنبر هي أنصارية صحفها بعض الرواة فقال علاثة فذكرها بعضهم في حرف العين من الصحابة وهو خطأ والنجار قيل اسمه بأقوم بالموحدة والقاف وقيل آخره لأم وهو رواية عبد الرزاق وقيل قبيصة وقيل قصيبة بتقديم الصاد وقيل ميمون وقيل مينا وقيل إبراهيم وقيل كلاب وقيل صباح والأول أشهر وقد شرحت أحاديثهم في كتابي في الصحابة وقيل إن الذي عمله تميم الداري وسيأتي من حديث بن عمر لكن روى الواقدي من حديث أبي هريرة أن تميما أشار به فعمله كلاب مولى العباس وجزم البلاذري بأن الذي عمله أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم أن جدته مليكة قيل هي جدة أنس بن مالك وقيل بل جدة إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ويقال إن أنس بن مالك كان إذا قال إن جدته يشير بيده إلى إسحاق فإن نكر جدة فهي أم أنس بن مالك لأن عبد الله بن أبي طلحة أخوه لأمه فيجوز أن تكون جدة إسحاق لأمه وهي العجوز المذكورة في هذا الحديث واليتيم اسمه صميرة ذكره عبد الملك بن حبيب في الواضحة الليث عن يزيد هو بن أبي حبيب عن عراك هو بن مالك عن عروة هو بن الزبير وهو تابعي وحديثه هذا صورته صورة المرسل وسيأتي أنه محمول على أنه سمعه من عائشة غالب القطان هو بن عبد الله عن بكر بن عبد الله هو المزني قال إبراهيم وكان يعجبهم يعني يعجب أصحاب عبد الله بن مسعود كما صرح به بن خزيمة وغيره أبو أسامة هو حماد بن أسامة مهدي هو بن ميمون عن واصل هو بن حيان المعروف بالأحدب عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة رأى رجلا لم أقف على اسمه وفي صحيح بن خزيمة أنه كندي عن جعفر هو بن ربيعة عن ابن هرمز هو عبد الرحمن الأعرج
من باب استقبال القبلة إلى آخر المساجد
يحيى هو القطان عن سيف هو بن سليمان سمعت مجاهدا هو بن جبر بن جريج هو عبد الملك عطاء هو بن أبي رباح وليس عنده عن عطاء الخراساني إلا في التفسير على ما قيل وعطاء بن السائب أخرج له مقرونا إسرائيل هو بن يونس بن أبي إسحاق وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله تكرر فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل ثم رجع فمر على قوم تقدم في الإيمان أنه عباد حدثنا مسلم هو بن إبراهيم حدثنا هشام هو بن أبي عبد الله الدستوائي محمد بن عبد الرحمن هو بن ثوبان ولم يخرج لمحمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن جابر شيئا بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت قيل هو عباد بن وهب أو بن نهيك
من باب القسمة وتعليق القنو في المسجد إلى السترة
وقال إبراهيم هو بن طهمان وفيه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين في بن أبي شيبة بسند جيد مع إرساله أن المال كان مائة ألف والمرسل به العلاء بن الحضرمي من الخراج وفي الردة للواقدي أن الرسول به هو العلاء بن حارثة الثقفي وفاديت عقيلا هو بن أبي طالب أن رجلا قال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا سيأتي في النكاح أن السائل عويمر العجلاني عقيل هو بن خالد وفيه وأنا أصلي لقومي هم بنو سالم بن عوف بن الخزرج وفيه فقال قائل منهم أين مالك بن الدخشن فقال بعضهم ذلك منافق لم أقف على اسم واحد من هذين وزعم بعضم أن الثاني هو عتبأن ابن مالك راوي الحديث عن الأشعث بن سليم هو أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي أن أم حبيبة هي رملة بنت أبي سفيان وأم سلمة هي هند بنت أبي آمنة وهما من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم عن أبي التياح هو يزيد بن حميد الضبعي وفيه حتى ألقى بفناء أبي أيوب هو خالد بن زيد حدثنا عبيد الله هو بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين هم ثمود قوم صالح وقال عمر إنا لا ندخل كنائسكم قاله للدهقان الذي استدعاه لضيافته بالشام عبدة هو بن سليمان عن عائشة أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب لم تسم هذه الوليدة التي روت عائشة عنها ولا عرفت من أي حي هي ولا الصبية التي حكت عنها قصة الوشاح وقال أبو قلابة هو عبد الله بن زيد قدم قوم من عكل تقدم في الطهارة وكان أصحاب الصفة فقراء في حديث أبي حازم عن أبي هريرة أنهم كانوا سبعين وهو عنده بعد قليل وقد سردهم أبو نعيم في حلية الأولياء ومن قبله أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي الحافظ والحاكم في الإكليل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لإنسان انظر أين هو هو سهل بن سعد راوي الحديث عن أبي حازم هو سلمان مولى عميرة ولم يسمع أبو حازم سلمة بن دينار من أبي هريرة شيئا وإياك أن تحمر أو تصفر لم أقف على اسم المخاطب بذلك عبد العزيز حدثني أبو حازم هو سلمة بن دينار كما تقدم وفيه إلى امرأة مري غلامك النجار تقدم قريبا مر رجل ومعه سهام لم أقف على اسم هذا الرجل سفيان هو بن عيينة ويحيى هو بن سعيد وعبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي وجعفر بن عون ومالك كلهم عن يحيى هو بن سعيد الأنصاري أنه تقاضى بن أبي حدرد اسمه عبد الله أن رجلا أسود أو امرأة سوداء في رواية أخرى لا أراه إلا امرأة وبه جزم أبو الشيخ في كتاب الصلاة له بسند مرسل وسماها أم محجن وروى من طريق بن بريدة عن أبيه أن اسمها محجنة وهو في البيهقي أصيب سعيد هو بن معاذ وفيه وفي المسجد من بني غفار هي خيمة رفيدة الأسلمية نزلها قوم من بني غفار أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصباحين هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر كما في مسلم وهب بن جرير هو بن أبي حازم قوله: "رأى عمر رجلا يصلي بين اسطوانتين" هو قرة بن إياس رواه بن أبي شيبة في مصنفه وأوضحته في تغليق التعليق اذهب فائتني بهذين فجئت بهذين فجئت بهما لم أقف على اسمهما أن رجلا نادى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد تقدم في العلم ولم يسم وكذلك الثلاثة النفر عباد بن تميم عن عمه هو عبد الله بن زيد كما تقدم وصلى بن عون هو بن عبد الله أبو معاوية هو محمد بن خازم بمعجمتين عن الأعمش سليمان ابن مهران عن أبي صالح ذكوان تكرر كثيرا وهو من أصح الأسانيد بن شميل هو النضر أخبرنا بن عون هو عبد الله عن ابن سيرين هو محمد وهو من أصح الأسانيد أيضا نبئت أن عمرأن ابن حصين قال ثم سلم القائل ذلك هو محمد بن سيرين والذي أنبأه بذلك هو خالد الحداء عن أبي قلابة عن عمه أبي المهلب عن عمران فأبهم ثلاثة وصرح بذلك عنه أشعث فيما رواه أصحاب السنن الثلاثة وحدثني نافع قائل ذلك هو موسى بن عقبة
من باب سترة المصلي إلى المواقيت
قوله: "أنا وغلام" تقدم في الطهارة الحكم هو بن عيينة ورأى بن عمر رجلا لم أقف على اسمه وفي رواية ورأى عمر فإن ثبت فهو قرة بن إياس والد معاوية كما رواه بن أبي شيبة أبو حمزة أي أنس بن عياض فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه وقع في النسائي أن ابنا لمروأن ابن الحكم وسماه بن الجوزي في التلقيح داود وهو في مصنف عبد الرزاق كذلك ومروان ليس هو من ولد أبي معيط بل أبو معيط بن عم أبيه لأنه مروأن ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية وأبو معيط هو بن أبي عمرو بن أمية فيجوز أن يكون والده داود بن مروان من ذرية أبي معيط ثم راجعت النسب للزبير بن بكار فوجدت داود أمه أم أبان ابنت عثمان ابن عفان وأمها رملة بنت شيبة بن ربيعة وأمها أم شريك العامرية فيجوز أن يكون داود نسب إلى أبي معيط من جهة الرضاعة أو لأن جده لأمه عثمان كان أخا الوليد بن عقبة بن أبي معيط من أمه فنسب إليه مجازا والله أعلم وزعم بعضهم أن المجتاز هو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو غلط لما بيناه ولأنهما واقعتان ووقع في كتاب الصلاة لأبي نعيم جاء الوليد بن عقبة بن أبي معيط وفيه نظر لأن الوليد حينئذ لم يكن شابا بل كان شيخا فدعا ابنه قوله: "لكان أن يقف أربعين" في مسند البزار من رواية بن عيينة عن أبي النضر أربعين خريفا ولم يشك بن أخي بن شهاب اسمه محمد بن عبد الله هشيم عن الشيباني هو أبو إسحاق سليمان ابن فيروز فانبعث أشقاهم تقدم في الطهارة أنه عقبة بن أبي معيط فانطلق منطلق إلى فاطمة لم يسم هذا المنطلق ويحتمل أن يكون هو بن مسعود الراوي
من المواقيت إلى الأذان
أخر الصلاة هي صلاةآ العصر كما عند المؤلف في كتاب بدء الخلق فدخل عليه أبو مسعود هو عقبة بن عمرو وأن جبريل هو أقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقوت الصلاة وقع ذلك مبينا في السنن لأبي داود وصحيح بن حبان عن أبي جمرة هو نصر بن عمران يحيى هو بن سعيد عن إسماعيل هو بن أبي خالد عن قيس هو بن أبي حازم وهذا أيضا من أصح الأسانيد وتكرر أن رجلا أصاب من امرأة قبلة هو أبو اليسر كعب بن عمرو كما في النسائي وغيره ولم أعرف اسم المرأة عن يزيد بن عبد الله هو بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم هو التيمي مهدي هو بن ميمون عن غيلان هو بن جرير حدثنا أبو بكر هو عبد الحميد بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحي عن سليمان هو بن بلال الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز وغيره هو أبو سلمة بن عبد الرحمن فيما أظن ونافع هو بالرفع والقائل ونافع هو صالح بن كيسانشيخ سليمان ابن بلال أنهما يعني أن شيخيه حدثاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالواسطتين اللذين ذكرا أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أخرى فأراد المؤذن أن يؤذن هو بلال وقد صرح باسمه الترمذي والجوزقي في روايتهما من طريق شعبة بهذا الإسناد تابعه سفيان هو الثوري ويحيى هو بن سعيد القطان أخبرنا عبد الله هو بن المبارك أخبرنا خالد بن عبد الرحمن هو السلمي أبو أمية البصري ليس له في الكتاب سوى هذا الموضع ولم يرو عن خالد بن عبد الرحمن العبدي ولا عن خالد بن عبد الرحمن المكي شيئا عن هشام هو بن عروة يعني عن أبيه عن عائشة في قعر حجرتها سمعت أبا أمامة هو أسعد بن سهل بن حنيف هشام هو الدستوائي كنا مع بريدة هو بن الحصيب الأسلمي الحميدي عبد الله بن الزبير تكرر كثيرا شيبان هو بن عبد الرحمن عن يحيى هو بن أبي كثير عن أبي سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف وهذا من أصح الأسانيد وتكرر الوليد هو بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن عبد الرحمن بن عمر وتكرر كثيرا قدم الحجاج هو بن يوسف الثقفي يعني إلى المدينة النبوية حيث أمره عبد الملك بن مروان عليها بعد قتل بن الزبير فكان يؤخر الصلاة فينا فسألنا جابرا يعني عن ذلك عن سلمة هو بن الأكوع ويذكر عن أبي موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري وقال بعضهم عن عائشة أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعتمة هو بهذا اللفظ عنده من حديث صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عنها عن أبي موسى قال كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة الحديث كانت عدتهم سبعين نفسا كما ثبت من حديثه عن أبي المنهال هو سيار بن سلامة حدثني أبو بكر هو عبد الحميد بن أبي أويس عن سليمان هو بن بلال أبو جمرة بالجيم هو نصر بن عمران الضبعي عن أبي بكر واسمه كنيته عن أبيه وهو أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري وقد سمي أباه فقط في الإسناد الذي بعده فتعين خلافا لمن قال هو أبو بكر بن عمارة بن رويبة قوله: "سمع روحا" هو بن عبادة لا بن القاسم وسعيد هو بن أبي عروبة حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه هو أبو بكر عبد الحميد المتقدم آنفا عن أبي العالية هو رفيع الرياحي عن أبي أسامة عن عبيد الله هو بن عمر بن حفص العمري عن أم سلمة هي هند بنت أبي أمية المخزومية أم المؤمنين عبد الواحد هو بن زياد لا بن زيد حدثنا الشيباني هو أبو إسحاق سليمان قوله: "سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلا فقال بعض القوم" لم يسم هذا الرجل وقيل هو عمر وأبو بكر بن أبي حثمة هو منسوب إلى جده وهو أبو بكر واسمه كنيته بن سليمان ابن أبي حثمة واسمه عبد الله وهو قرشي عدوي قوله: "فهو أنا وأبي وأمي" هي أم رومان بنت الحارث بن غنم الفراسية من بني كنانة زوج أبي بكر الصديق قوله "وامرأتي" اسمها أميمة بنت عدي بن قيس السهمي والخادم لم يسم وكذا لم يسم أحد من الأضياف ولا القوم الذين كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم العهد المذكور
كتاب الأذان
هشام هو بن أبي عبد الله الدستوائي عن يحيى هو بن أبي كثير قوله: "أنه سمع معاوية يوما فقال مثله إلى قوله "أشهد أن محمدا رسول الله" كذا اختصره وقد أخرجه أبو نعيم أوضح منه ولفظه كنا عند معاوية فنادى المنادي بالصلاة فقال مثل ما قال ثم قال هكذا سمعت نبيكم وساقه الإسماعيلي بتمامه وفيه فقال الله أكبر الله أكبر فقال معاوية الله أكبر الله أكبر فقال أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله فقال أشهد أن محمدا رسول الله فقال معاوية وأنا أشهد أن محمدا رسول الله قوله: "فيه قال يحيى وقال بعض إخواننا" هو علقمة بن أبي وقاص فيما أحسب كما أخرجه النسائي من وجه آخر عن علقمة عن معاوية قول أبو ذر فأراد المؤذن في رواية الترمذي فأراد بلال كما تقدم قول مالك بن الحويرث أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم هما مالك بن الحويرث وابن عمه كما بينه المصنف قوله: "سمع جلبة رجال" سمي منهم أبو بكرة كما في الطبراني "الجماعة" قوله عن أنس قال أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلا لم يسم هذا الرجل قوله: "وكان الأسود" هو بن يزيد النخعي الأعمش قال سمعت سالما هو بن أبي الجعد سمعت أم الدرداء وهي هجمية الأوصابية وهي الصغرى وأما أم الدرداء الكبرى فاسمها خيرة حديث بينا رجل يمشي بطريق لم يسم هذا الرجل حديث مالك بن الحويرث فأذنا وأقيما المخاطب بذلك مالك بن الحويرث الراوي وصاحب له هو بن عمه كما سيأتي حديث بن بحينة رأى رجلا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين الحديث هو بن بحينة كما رويناه من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه مرسلا ووقع نحو ذلك لقيس بن عمر حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري أخرجه أبو داود وغيره ولثابت بن قيس بن شماس أخرجه الطبراني من حديث مؤذن بن عباس بالبصرة لم يسم حديث أنس قال رجل من الأنصار أني لا أستطيع الصلاة معك هو عتبأن ابن مالك فقال رجل من آل الجارود هو عبد الحميد بن المنذر بن الجارود العبدي روى بن ماجة بعض هذا الحديث بعينه من طريقه عن أنس حدثنا عبد العزيز بن عبد الله هو الأويسي حدثنا إبراهيم هو بن سعد عن صالح هو بن كيسان قلت لأبي قلابة كيف كان يصلي قال مثل شيخنا هذا اسم الشيخ المشار إليه عمرو بن سلمة الجرمي بينه المصنف في موضع آخر قوله: "في حديث أبي موسى وعائشة مري أبا بكر فليصل بالناس" فأتاه الرسول يعني أبا بكر فصلى بالناس اشم هذا الرسول كما عند المؤلف بعد قليل بلال ويحتمل أن يكون عبد الله بن زمعة بن الأسود لأنه روى ذلك من حديثه قوله: "في حديث سهل ابن سعد فجاءه المؤذن" هو بلال كما عند المصنف في الأحكام حديث عائشة اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فصلى وراءه قوم قياما سمي منهم أبو بكر وعمر وأنس وجابر كما أوضحته في الشرح يحيى بن سعيد عن سفيان هو الثوري حدثني أبو إسحاق هو السبيعي حدثني عبد الله بن يزيد هو الخطمي حدثني البراء هو بن عازب قوله: "وكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة" هو بن عتبة بن ربيعة اسمه مهشم وقيل غير ذلك حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار في قوله: "لعثمان إنك إمام عامة ونزل بك ما ترى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج الحديث المراد بإمام الفتنة المذكور عبد الرحمن بن عديس البلوي قال ابن عبد البر قال وقد صلى بالناس أيام حصار عثمان بأمره أبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف وليس هو المراد هنا حديث كان معاذ يؤم قومه فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف رجل اسم هذا الرجل حزم بن أبي كعب رواه أبو داود وابن حبان وقيل هو حرام خال أنس رواه أحمد من حديث أنس بإسناد صحيح وقيل سليم بن الحارث حكاه الخطيب ورواه الطحاوي والطبراني حديث أبي مسعود قال رجل يا رسول الله أني لأتأخر عن الصلاة في الفجر مما يطيل بنا فلان يحتمل أن يكون الإمام معاذا والرجل سليما أو حراما ولأبي يعلى في مسنده كان أبي بن كعب يصلي بأهل قباء فاستفتح بسورة طويلة فذكر نحو هذا الحديث فيحتمل أن يكون هو الإمام في حديث أبي مسعود قول أبي أسيد طولت بنا يا بني اسم ابنه المنذر ذكره أبو بكر بن أبي شيبة ثابت بن يزيد حدثنا عاصم هو بن سليمان الأحول حديث عمرو بن دينار عن جابر قال كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيصلي بهم هي صلاة العشاء كما ثبت قبل حديث الأسود عن عائشة في صلاة أبي بكر في الناس في مرض النبي صلى الله عليه وسلم فخرج يهادي بين رجلين تخط رجلاه الأرض هما العباس وعلي كما تقدم في حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها وفي رواية لمسلم أنه خرج بين علي والفضل بن عباس وجمع النووي بينهما بأن خروجه من بيت عائشة كان بين علي والعباس وخروجه من بيت ميمونة كان بين علي والفضل وللخطابي في المعالم أنه من خرج بين علي وأسامة ورويناه في الجزء الخامس من حديث إسماعيل الصفار عن طريق أسامة بن زيد نفسه قال ثم أخرجته مسنده إلى صدري حتى انتهى إلى أبي بكر وهو في الصلاة ولإبن ماجة من رواية سالم بن عبيد أنه خرج بين بريرة ورجل آخر وفي رواية بن أبي شيبة بسند جيد بين بريرة وتوبة واختلف في توبة أرجل هو أم امرأة وحديث سالم بن عبيد يدل على أنه رجل وفي رواية للواقدي فخرج يتوكأ على الفضل بن العباس وغلامه ثوبان فيحمل هذا الاختلاف على تعدد القصة وقد حمل الشافعي رحمه الله عليه الاختلاف في كونه كان الإمام وأبو بكر يصلي مع الناس خلفه أو كان أبو بكر الإمام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي خلفه على التعدد لأنه صلى الله عليه وسلم مرض أياما واستخلف فيها أبا بكر فلا يبعد أن يكون خرج إلى الصلاة فيها مرارا والله أعلم وفي هذا الحديث أيضا فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف أبهم فيه القائل والمراجع في ذلك عائشة ففي رواية حمزة عن ابن عبد الله بن عمر عنها قالت لقد رجعته مرتين أو ثلاثا وفي رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها فما حملني على كثرة مراجعتي له وفي رواية عروة عنها أنها أمرت حفصة فرجعته أيضا في ذلك حديث أنس صليت أنا ويتيم في بيتنا اسمه ضمرة الحميري حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان هو بن عيينة عن إسحاق هو بن عبد الله بن أبي طلحة قوله: "في حديث عائشة فلما أصبح ذكر ذلك الناس" الذي ذكر له ذلك عمر بن الخطاب بينه عبد الرزاق أبواب صفة الصلاة باب التكبير وافتتاح الصلاة
حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فجحش شقه فصلى لنا يومئذ صلاة من الصلوات هي الظهر عبد الأعلى هو بن عبد الأعلى حدثنا عبيد الله هو بن عمر بن حفص حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة هو الوضاح "شكى أهل الكوفة سعدا" هو بن أبي وقاص وفيه فأرسل معه رجلا هو محمد بن أبي سلمة حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته ذكر أبو موسى في ذيل الصحابة أنه خلاد جد يحيى بن عبد الله بن خلاد حدثنا عمر حدثنا أبي هو عمر بنو حفص بن غياث أن أم الفضل هي لبانة بنت الحارث معتمر عن أبيه هو سليمان التيمي عن بكر هو بن عبد الله المزني شعبة عن أبي عون هو محمد بن عبد الله الثقفي الأعور وليس له في البخاري غير هذا الموضع وقال عبيد الله هو بن عمر بن حفص عن ثابت هو البناني عن أنس كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء هو كلثوم بن الهدم وقيل كرز بن زهدم كذا رأيته بخط الرشيد العطار نقلا عن صفة التصوف لابن طاهر أبو وائل شقيق بن سلمة "جاء رجل إلى بن مسعود" اسم الرجل نهيك بن سنان كما عند مسعود وفيه فذكر عشرين سورة من الفصل سورتين في كل ركعة بين بن خزيمة في صحيحه أسماء العشرين سورة المذكورة من طريق بن أبي خالد الأحمر عن الأعمش قال هي عشرون سورة على تأليف عبد الله بن مسعود أولهن الرحمن وأخرهن الدخان الرحمن والنجم والذاريات والطور واقتربت والحاقة والواقعة ونون والنازعات وسأل والمدثر والمزمل وويل للمطففين وعبس ولا أقسم وهل أتى والمرسلات وعما يتساءلون وإذا الشمس كورت والدخان وسيأتي في فضائل القرآن للمؤلف طرف منه قوله: "وكان أبو هريرة ينادي الإمام لا تسبقني بآمين" روى بن سعد في الطبقات أن أبا هريرة قال ذلك للعلاء بن الحضرمي لما توجه معه إلى البحرين حدثنا إسحاق الواسطي أخبرنا خالد هو بن عبد الله الطحان الواسطي قوله: "عن أبي العلاء" هو بريد بن عبد الله بن الشخير "عن مطرف" هو أخاه "عن عكرمة قال رأيت رجلا عند المقام يكبر في كل خفض ورفع" قلت أبو هريرة سماه علي بن عبد العزيز في مسنده والطبراني في الأوسط ووقع في مصنف بن أبي شيبة رأيت يعلى يصلي وهو تحريف وإنما هو رأيت رجل يصلي ولأبي نعيم في المستخرج أن تلك الصلاة صلاة الظهر حديث زيد بن وهب رأيت حذيفة رجلا لا يتم الركوع هذا الحديث مختصر وهو مطول عند أحمد وعند بن خزيمة أن الرجل كندي لكنه يسمه حديث رفاعة بن رافع فقال الرجل ربنا ولك الحمد في أبي داود والترمذي أن القائل رفاعة وجعله بن منده غير راوي الحديث ووهم الحاكم فجعله معاذ بن رفاعة قوله: "فصلى بنا صلاة شيخنا هذا أبي يزيد" هو عمرو بن سلمة الجرمي كما تقدم أبو عوانة عن عمرو هو بن دينار سعيد بن الحارث صلى لنا أبو سعيد هو الخدري عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الحديث في صفة الصلاة في سنن أبي داود وابن خزيمة أنهم كانوا عشرة من الصحابة وسمي أبو داود منهم أبا قتادة وأبا أسيد وسهل بن سعد ومنهم أيضا أبو هريرة عنده ومحمد بن سلمة حديث عائشة فقال له قائل ما أكثر ما تستعيذ لم يسم هذا القائل ثم وقع لي أنه عائشة كما سيأتي قريبا عن أبي الخير هو مرثد بن عبد الله عمرو هو بن دينار أن أبا معبد هو ناقد مولى بن عباس حديث أبي هريرة جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ذهب أهل الدثور بالأجور الحديث يأتي تسمية من عرفناه من
الفصل الثامن : في سياق الأحاديث التى انتقدها عليه حافظ عصره أبو الحسن الدار قطني وغيره من النقاد
من كتاب الطهارة : الحديث الأول إلى الحديث الثالث
...
الفصل الثامن:
في سياق الأحاديث التي انتقدها عليه حافظ عصره أبو الحسن الدارقطني وغيره من النقاد
وإيرادها حديث حديثا على سياق الكتاب وسياق ما حضر من الجواب عن ذلك
وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن هذه الأحاديث وإن كان أكثرها لا يقدح في أصل موضوع الكتاب فإن جميعها وارد من جهة أخرى وهي ما ادعاه الإمام أبو عمر بن الصلاح وغيره من الإجماع على تلقي هذا الكتاب بالقبول والتسليم لصحة جميع ما فيه فإن هذه المواضع متنازع في صحتها فلم يحصل لها من التلقي ما حصل لمعظم الكتاب وقد تعرض لذلك بن الصلاح في قوله: "إلا مواضع يسيرة انتقدها عليه الدارقطني وغيره وقال في مقدمة شرح مسلم له ما أخذ عليهما يعني على البخاري ومسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول انتهى وهو احتراز حسن واختلف كلام الشيخ محي الدين في هذه المواضع فقال في مقدمة شرح مسلم ما نصه فصل قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا فيها بشرطهما ونزلت عن درجة ما التزماه وقد ألف الدارقطني في ذلك ولأبي مسعود الدمشقي أيضا عليهما استدراك ولأبي علي الغساني في جز العلل من التقييد استدراك عليهما وقد أجيب عن ذلك أو أكثره أه وقال في مقدمة شرح البخاري فصل قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث فطعن في بعضها وذلك الطعن مبني على قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جدا مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم فلا تغتر بذلك ه كلامه وسيظهر من سياقها والبحث فيها على التفصيل أنها ليست كلها كذلك وقوله: "في شرح مسلم وقد أجيب عن ذلك أو أكثره هو الصواب فإن منها ما الجواب عنه غير منتهض كما سيأتي ولو لم يكن في ذلك إلا الأحاديث المعلقة التي لم تتصل في كتاب البخاري من وجه آخر ولا سيما إن كان في بعض الرجال الذين أبرزهم فيه من فيه مقال كما تقدم تفصيله فقد قال ابن الصلاح إن حديث بهز بن حكيم المذكور وأمثاله ليس من شرطه قطعا وكذا ما في مسلم من ذلك إلا أن الجواب عما يتعلق بالمعلق سهل لأن موضوع الكتابين إنما هو للمسندات والمعلق ليس بمسند ولهذا لم يتعرض الدارقطني فيما تتبعه على الصحيحين إلى الأحاديث المعلقة التي لم توصل في موضع آخر لعلمه بأنها ليست من موضوع الكتاب وإنما ذكرت استئناسا واستشهادا والله أعلم وقد ذكرنا الأسباب الحاملة للمصنف على تخريج ذلك التعليق وأن مراده بذلك أن يكون الكتاب جامعا لأكثر الأحاديث التي يحتج بها إلا أن منها ما هو على شرطه فساقه سياق أصل الكتاب ومنها ما هو على غير شرطه فغاير السياق في إيراده ليمتاز فانتفى إيراد المعلقات وبقي الكلام فيما علل من الأحاديث المسندات وعدة ما اجتمع لنا من ذلك مما في كتاب البخاري وإن شاركه مسلم في بعضه مائة وعشرة أحاديث منها ما وافقه مسلم على تخريجه وهو اثنان وثلاثون حديثا ومنها ما انفرد بتخريجه وهو ثمانية وسبعون حديثا والجواب عنه على سبيل الإجمال أن نقول لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل فإنهم لا يختلفون في أن علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخاري ذلك حتى كان يقول ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني ومع ذلك فكان علي بن المديني إذا بلغه ذلك عن البخاري يقول دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه وكان محمد بن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري وقد استفاد منه ذلك الشيخان جميعا وروى الفربري عن البخاري قال ما أدخلت في الصحيح حديثا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته وقال مكي بن عبد الله سمعت مسلم بن الحجاج يقول عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته فإذا عرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له أو له علة إلا أنها غير مؤثرة عندهما فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضا لتصحيحهما ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما فيندفع الاعتراض من حيث الجملة وأما من حيث التفصيل فالأحاديث التي انتقدت عليهما تنقسم أقساما "القسم الأول منها" ما تختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة وعلله الناقد بالطريق الناقصة فهو تعليل مردود كما صرح به الدارقطني فيما سيحكيه عنه في الحديث الخامس والأربعين لأن الراوي إن كان سمعه فالزيادة لا تضر لأنه قد يكون سمعه بواسطة عن شيخه ثم لقيه فسمعه منه وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع والمنقطع من قسم الضعيف والضعيف لا يعل الصحيح وستأتي أمثله ذلك في الحديث الثاني والثامن وغيرهما وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وعلله الناقد بالطريق المزيدة تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه المصنف فينظر إن كان ذلك الراوي صحابيا أو ثقة غير مدلس قد أدرك من روى عنه إدراكا بينا أو صرح بالسماع إن كان مدلسا من طريق أخرى فإن وجد ذلك اندفع الاعتراض بذلك وإن لم يوجد وكان الانقطاع فيه ظاهرا فمحصل الجواب عن صاحب الصحيح أنه إنما أخرج مثل ذلك في باب ماله متابع وعاضد أو ما حفته قرينة في الجملة تقويه ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع كما سنوضح ذلك في الكلام على الحديث الرابع والعشرين من هذه الأحاديث وغيره وربما علل بعض النقاد أحاديث أدعى فيها الانقطاع لكونها غير مسموعة كما في الأحاديث المروية بالمكاتبة والإجازة وهذا لا يلزم منه الانقطاع عند من يسوغ الرواية بالإجازة بل في تخريج صاحب الصحيح لمثل ذلك دليل على صحة الرواية بالإجازة عنده وقد أشرنا إلى ذلك في الحديث السادس والثلاثين وغيره "القسم الثاني منها" ما تختلف الرواة فيه بتغيير رجال بعض الإسناد فالجواب عنه إن أمكن الجمع بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين جميعا فأخرجهما المصنف ولم يقتصر على أحدهما حيث يكون المختلفون في ذلك متعادلين في الحفظ والعدد كما في الحديث الثامن والأربعين وغيره وإن أمتنع بأن يكون المختلفون غير متعادلين بل متقاربين في الحفظ والعدد فيخرج المصنف الطريق الراجحة ويعرض عن الطريق المرجوحة أو يشير إليها كما في الحديث السابع عشر فالتعليل بجميع ذلك من أجل مجرد الاختلاف غير قادح إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف فينبغي الإعراض أيضا عما هذا سبيله والله أعلم "القسم الثالث منها" ما تفرد بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عددا أو أضبط ممن لم يذكرها فهذا لا يؤثر التعليل به إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع إما إن كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث تكون كالحديث المستقل فلا اللهم إلا إن وضح بالدلائل القوية أن تلك الزيادة مدرجة في المتن من كلام بعض رواته فما كان من هذا القسم فهو مؤثر كما في الحديث الرابع والثلاثين "القسم الرابع منها" ما تفرد به بعض الرواة ممن ضعف من الرواة وليس في هذا الصحيح من هذا القبيل غير حديثين وهما السابع والثلاثون والثالث والأربعون كما سيأتي الكلام عليهما وتبين أن كلا منهما قد توبع "القسم الخامس منها" ما حكم فيه بالوهم على بعض رجاله فمنه ما يؤثر ذلك الوهم قدحات ومنه ما لا يؤثر كما سيأتي تفصيله "القسم السادس منها" ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح لإمكان الجمع في المختلف من ذلك أو الترجيح على أن الدارقطني وغيره من أئمة النقد لم يتعرضوا لاستيفاء من الكتابين كما تعرضوا لذلك في الإسناد فما لم يتعرضوا له من ذلك حديث جابر في قصة الجمل وحديثه في وفاء دين أبيه وحديث رافع بن خديج في المخابرة وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وحديث سهل بن سعد في قصة الواهبة نفسها وحديث أنس في افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين وحديث بن عباس في قصة السائلة عن نذر أمها وأختها وغير ذلك مما سنأتي إن شاء الله تعالى على بيانه عند شرحه في أماكنه فهذه جملة أقسام ما انتقده الأئمة على الصحيح وقد حررتها وحققتها وقسمتها وفصلناها لا يظهر منها ما يؤثر في أصل موضوع الكتاب بحمد الله إلا النادر وهذا حين الشروع في إيرادها على ترتيب ما وقع في الأصل لتسهل مراجعتها إن شاء الله تعالى
من كتاب الطهارة
الحديث الأول: قال الدارقطني أخرج البخاري عن أبي نعيم عن زهير عن أبي إسحاق قال ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة الحديث في الاستجمار قال فقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق حدثني عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه بهذا انتهى ثم ساق الدارقطني وجوه الاختلاف فيه على أبي إسحاق فمنها رواية إسرائيل عنه عن أبي عبيدة عن أبيه ومنها رواية مالك بن مغول وغيره عنه عن الأسود عن عبد الله من غير ذكر عبد الرحمن ومنها رواية زكريا بن أبي زائدة عنه عن عبد الله بن يزيد عن الأسود ومنها رواية معمر عنه عن علقمة عن عبد الله ومنها رواية يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي الأحوص عن عبد الله قال الدارقطني وأحسنها سياقا الطريق الأولى التي أخرجها البخاري ولكن في النفس منها شيء لكثرة الاختلاف فيه على أبي إسحاق انتهى وأخرج الترمذي في جامعه حديث إسرائيل المذكور وحكى بعض الخلاف فيه ثم قال هذا حديث فيه اضطراب وسألت عبد الله بن عبد الرحمن يعني الدارمي عنه فلم يقض فيه بشيء وسألت محمدا يعني البخاري عنه فلم يقض فيه بشيء وكأنه رأى حديث زهير أشبه ووضعه في الجامع قال الترمذي والأصح عندي حديث إسرائيل وقد تابعه قيس بن الربيع قال الترمذي وزهير إنما سمع من أبي إسحاق بآخرة انتهى وحكى بن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة أنهما رجحا رواية إسرائيل وكأن الترمذي تبعهما في ذلك والذي يظهر أن الذي رجحه البخاري هو الأرجح وبيان ذلك أن مجموع كلام الأئمة مشعر بأن الراجح على الروايات كلها إما طريق إسرائيل وهي عن أبي عبيدة عن أبيه وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه فيكون الإسناد منقطعا أو رواية زهير وهي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود فيكون متصلا وهو تصرف صحيح لأن الأسانيد فيه إلى زهير وإلى إسرائيل أثبت من بقية الأسانيد وإذا تقرر ذلك كانت دعوى الاضطراب في هذا الحديث منتفية لأن الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجب أن يكون مضطربا إلا بشرطين أحدهما استواء وجوه الاختلاف
فمتى رجح أحد الأقوال قدم ولا يعل الصحيح بالمرجوح ثانيهما مع الاستواء أن يتعذر الجمع على قواعد المحدثين ويغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه فحينئذ يحكم على تلك الرواية وحدها بالاضطراب ويتوقف عن الحكم بصحة ذلك الحديث لذلك وهنا يظهر عدم استواء وجوه الاختلاف على أبي إسحاق فيه لأن الروايات المختلفة عنه لا يخلو إسناد منها من مقال غير الطريقين المقدم ذكرهما عن زهير وعن إسرائيل مع أنه يمكن رد أكثر الطرق إلى رواية زهير والذي يظهر بعد ذلك تقديم رواية زهير لأن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق قد تابع زهيرا وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من رواية يحيى بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق كرواية زهير ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه من طريق ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود كرواية زهير عن أبي إسحاق وليث وإن كان ضعيف الحفظ فإنه يعتبر به ويستشهد فيعرف أن له من رواية عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أصلا ثم إن ظاهر سياق زهير يشعر بأن أبا إسحاق كان يرويه أولا عن أبي عبيدة عن أبيه ثم رجع عن ذلك وصيره عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه فهذا صريح في أن أبا إسحاق كان مستحضرا للسندين جميعا عند إرادة التحديث ثم إختار طريق عبد الرحمن وأضرب عن طريق أبي عبيدة فإما أن يكون تذكر أنه لم يسمعه من أبي عبيدة أو كان سمعه منه وحدث به عنه ثم عرف أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فيكون الإسناد منقطعا فأعلمهم أن عنده فيه إسنادا متصلا أو كان حدث به عن أبي عبيدة مدلسا له ولم يكن سمعه منه فإن قيل إذا كان أبو إسحاق مدلسا عندكم فلم تحكمون لطريق عبد الرحمن بن الأسود بالاتصال مع إمكان أن يكون دلسه عنه أيضا وقد صرح بذلك أبو أيوب سليمان ابن داود الشادكوني فيما حكاه الحاكم في علوم الحديث عنه قال في قول أبي إسحاق ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن عن أبيه ولم يقل حدثني عبد الرحمن وأوهم أنه سمعه منه تدليس وما سمعت بتدليس أعجب من هذا انتهى كلامه فالجواب أن هذا هو السبب الحامل لسياق البخاري للطريق الثانية عن إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق التي قال فيها أبو إسحاق حدثني عبد الرحمن فانتفت ريبة التدليس عن أبيإسحاق في هذا الحديث وبين حفيده عنه أنه صرح عن عبد الرحمن بالتحديث ويتأيد ذلك بأن الإسماعيلي لما أخرج هذا الحديث في مستخرجه على الصحيح من طريق يحيى بن سعيد القطان عن زهير استدل بذلك على أن هذا مما لم يدلس فيه أبو إسحاق قال لأن يحيى بن سعيد لا يرضى أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لشيخه وكأنه عرف هذا بالاستقراء من حال يحيى والله أعلم وإذا تقرر ذلك لم يبق لدعوى التعليل عليه مجال لأن روايتي إسرائيل وزهير لا تعارض بينهما إلا أن رواية زهير أرجح لأنها اقتضت الاضطراب عن رواية إسرائيل ولم تقتض ذلك رواية إسرائيل فترجحت رواية زهير وأما متابعة قيس بن الربيع لرواية إسرائيل فإن شريكا القاضي تابع زهير أو شريك أوثق من قيس على أن الذي حررناه لا يرد شيئا من الطريقين إلى أنه يوضح قوة طريق زهير واتصالها وتمكنها من الصحة وبعد إعلالها وبه يظهر نفوذ رأي البخاري وثقوب ذهنه والله أعلم وقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة ما يشهد لصحة حديث بن مسعود فازداد قوة بذلك فأنظر إلى هذا الحديث كيف حكم عليه بالمرجوحية مثل أبي حاتم وأبي زرعة وهما إماما التعليل وتبعهما الترمذي وتوقف الدارمي وحكم عليه بالتدليس الموجب للانقطاع أبو أيوب الشادكوني ومع ذلك فتبين بالتنقيب والتتبع التام أن الصواب في الحكم له بالراجحية فما ظنك بما يدعيه من هو دون هؤلاء الحفاظ النقاد من العلل هل يسوغ أن يقبل منهم
في حق مثل هذا الإمام مسلما كلا والله والله الموفق
"الحديث الثاني" قال الدارقطني وأخرجا جميعا يعني البخاري ومسلما حديث الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس يعني في قصة القبرين وأن أحدهما كان لا يستبرىء من بوله قال وقد خالفه منصور فقال عن مجاهد عن ابن عباس وأخرج البخاري حديث منصور على إسقاطه طاوسا انتهى وهذا الحديث أخرجه البخاري في الطهارة عن عثمان ابن أبي شيبة عن جرير وفي الأدب عن محمد بن سلام عن عبيدة بن حميد كلاهما عن منصور به ورواه من طريق أخرى من حديث الأعمش وأخرجه باقي الأئمة الستة من حديث الأعمش أيضا وأخرجه أبو داود أيضا والنسائي وابن خزيمة في صحيحه من حديث منصور أيضا وقال الترمذي بعد أن أخرجه رواه منصور عن مجاهد عن ابن عباس وحديث الأعمش أصح يعني المتضمن للزيادة قلت وهذا في التحقيق ليس بعلة لأن مجاهدا لم يوصف بالتدليس وسماعه من بن عباس صحيح في جملة من الأحاديث ومنصور عندهم أتقن من الأعمش مع أن الأعمش أيضا من الحفاظ فالحديث كيفما دار دار على ثقة والإسناد كيفما دار كان متصلا فمثل هذا لا يقدح في صحة الحديث إذا لم يكن راويه مدلسا وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا ولم يستوعب الدارقطني انتقاده والله الموفق
"الحديث الثالث" قال الدارقطني فيما قرأت بخطه وأخرج البخاري عن أبي معمر عن عبد الوارث عن الحسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان ابن عفان عن الرجل يجامع أهله ولا يمني فقال عثمان يتوضأ ويغسل ذكره سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وسألت عن ذلك عليا والزبير وطلحة وأبي بن كعب فأمروه بذلك قال يحيى بن أبي كثير وأخبرني أبو سلمة أيضا أن عروة أخبره أن أبا أيوب أخبره أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الدارقطني رحمه الله وهذا وهم قوله: "إن أبا أيوب أخبره أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أبا أيوب لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما سمعه من أبي بن كعب كذلك رواه هشام بن عروة عن أبيه وقد أخرجه البخاري من حديث هشام على الصواب انتهى وقد وافق البخاري مسلم على تخريجه على الوجهين وقال الخطيب قوله: "إن أبا أيوب سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم خطأ فإن جماعة من الحفاظ رووه عن هشام عن أبيه عن أبي أيوب بن كعب قلت وغاية ما في هذا أن أبا سلمة وهشاما اختلفا فزاد هشام فيه ذكر أبي بن كعب ولا يمنع ذلك أن يكون أبو أيوب سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعه أيضا من أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أن أبا سلمة أجل وأسن وأتقن من هشام بل هو من أقران عروة والد هشام فكيف يقضي لهشام عليه بل الصواب أن الطريقين صحيحان ويحتمل أن يكون اللفظ الذي سمعه أبو أيوب من أبي بن كعب غير اللفظ الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لأن سياق حديث أبي بن كعب عند البخاري يقتضي أنه هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المسألة فتضمن زيادة فائدة وحديث أبي أيوب عنده لم يسق لفظه بل أحال به على حديث عثمان كما ترى وعلى تقدير أن يكون أبو أيوب في نفس الأمر لم يسمعه إلا من أبي بن كعب فهو مرسل صحابي وقد اتفق المحدثون على أنه في حكم الموصول وقد أخرج مسلم في صحيحه شبيها به ولم يتعقبه الدارقطني وهو حديث بن عباس في قصة إرسال معاذ بن جبل إلى اليمن فإن في بعض الروايات عن ابن عباس عن معاذ وفي بعضها عن ابن عباس قال أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذا وتعقب القاضي أبو بكر بن العربي حديث زيد بن خالد وزعم أن فيه ثلاث علل فقال
الأولى أن مداره على حسين بن ذكوان المعلم ولم يصرح بسماعه له من يحيى بن أبي كثير وإنما جاء عن حسين قال قال يحيى بن أبي كثير الثانية أنه خولف فيه فرواه غيره عن يحيى بن أبي كثير موقوفا غير مرفوع الثالثة أن أبا سلمة أيضا قد خولف فيه فرواه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد موقوفا عن جماعة من الصحابة قلت والجواب عن الأولى أن ابن خزيمة والسراج والإسماعيلي وغيرهم رووا الحديث من طريق حسين المعلم وصرحوا فيه بالإخبار ولفظ السراج بسنده إلى حسين أخبرنا يحيى بن أبي كثير أن أبا سلمة حدثه الخ وأما الجواب عن الثانية والثالثة فالتعليل المذكور بهما غير قادح لأن رواية حسين مشتملة على الرفع والوقف معا فإذا اشتمل غيرهما على الموقوف فقط كانت هي مشتملة على زيادة لا تنافي الرواية الأخرى فتقبل من الحفاظ وهو كذلك فتبين أن التعليل بذلك ليس بقادح والله أعلم

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 02:59 AM
من كتاب الصلاة : الحديث الرابع الى الخامس عشر
...
من كتاب الصلاة
"الحديث الرابع" قال البخاري باب الخوخة الممر في المسجد حدثنا محمد بن سنان حدثنا فليح هو بن سليمان حدثنا أبو النضر عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري قال خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده الحديث قال الدارقطني هذا السياق غير محفوظ واختلف فيه على فليح فرواه محمد بن سنان هكذا وتابعه المعافة بن سليمان الحراني ورواه سعيد بن منصور ويونس بن محمد المؤذن وأبو داود الطيالسي عن فليح عن أبي النضر عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد جميعا عن أبي سعيد قلت أخرجه مسلم عن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة عن يونس وابن حبان في صحيحه من حديث الطيالسي ورواه أبو عامر العقدي عن فليح عن أبي النضر عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد ولم يذكر عبيد بن حنين أخرجهما البخاري في مناقب أبي بكر فهذه ثلاثة أوجه مختلفة فأما رواية أبي عامر فيمكن ردها إلى رواية سعيد بن منصور بأن يكون اقتصر فيها على أحد شيخي أبي النضر دون الآخر وقد رواه مالك عن أبي النضر عنهما جميعا حدث به القعنبي في الموطأ عنه وتابعه جماعة عن مالك خارج الموطأ وأخرجه البخاري أيضا عن ابن أبي أويس عن مالك في الهجرة لكنه اقتصر فيه على عبيد بن حنين حسب وأما رواية محمد بن سنان فوهم لأنه صير بسر بن سعيد شيخا لعبيد بن حنين وإنما هو رفيقه في رواية هذا الحديث ويمكن أن تكون الواو سقطت قبل قوله: "عن بسر وقد صرح بذلك البخاري فيما رواه أبو علي بن السكن الحافظ في زوائده في الصحيح قال أنبأنا الفربري قال قال البخاري هكذا رواه محمد بن سنان عن فليح وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد يعني بواو العطف فقد أفصح البخاري بأن شيخه سقطت عليه الواو من هذا السياق وإن من إسقاطها نشأ هذا الوهم وإذا رجعنا إلى الإنصاف لم تكن هذه علة قادحة مع هذا الإيضاح والله أعلم
"الحديث الخامس" قال الدارقطني أخرجا جميعا حديث مالك عن الزهري عن أنس قال كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب منا إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة وهذا مما ينتقد به على مالك لأنه رفعه وقال فيه إلى قباء وخالفه عدد كثير منهم شعيب بن أبي حمزة وصالح بن كيسان وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد ومعمر الليث
بن سعد وابن أبي ذئب وآخرون انتهى وقد تعقب النسائي أيضا على مالك وموضع التعقب منه قوله إلى قباء والجماعة كلهم قالوا إلى العوالي ومثل هذا الوهم اليسير لا يلزم منه القدح في صحة الحديث لا سيما وقد أخرجا الرواية المحفوظة والله أعلم
"الحديث السادس" روى البخاري من طريق شعبة قال أخبرني سعد بن إبراهيم سمعت حفص بن عاصم قال سمعت رجلا من الأزد يقال له مالك بن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لاث به الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم آلصبح أربعا آلصبح أربعا وقال حماد عن سعد عن حفصة عن مالك وقال ابن إسحاق عن سعد عن حفص عن عبد الله بن مالك بن بحينة ورواه قبل ذلك عن عبد العزيز عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن حفص عن عبد الله بن مالك به قال أبو مسعود الدمشقي أهل العراق منهم شعبة وحماد وأبو عوانة يقولون مالك بن بحينة وأهل الحجاز يقولون عبد الله بن مالك بن بحينة وهو الصواب وذكر البخاري في تاريخه ترجمة عبد الله بن مالك بن بحينة ثم قال وقال بعضهم مالك بن بحينة والأول أصح قلت وهذا لا يعل هذا الخبر لأن أهل النقد اتفقوا على أن رواية أهل العراق له عن سعد فيها وهم والظاهر أن ذلك من سعد بن إبراهيم إذ حدث به بالعراق وقد اغتر بن عبد البر بظاهر هذا الإسناد فقال لعبد الله بن بحينة ولأبيه مالك صحبة والله أعلم
"الحديث السابع" قال الدارقطني أخرج البخاري أحاديث للحسن عن أبي بكرة منها حديث زادك الله حرصا ولا تعد والحسن إنما يروي عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة يعني فيكون الحديث منقطعا وسيأتي الكلام على ذلك قريبا في الكسوف إن شاء الله تعالى
"الحديث الثامن" قال الدارقطني وأخرجا جميعا حديث يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة المسيء صلاته وقول النبي صلى الله عليه وسلم له ارجع فصل فإنك لم تصل وقد خالف يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم منهم أبو أسامة وعبد الله بن نمير وعيسى بن يونس وغيرهم فرووه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة لم يذكروا أباه ويحيى حافظ ويشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين والله أعلم قلت ورجح الترمذي رواية يحيى القطان وهذا من قبيل الحديث الثاني وقد أوضحنا الجواب عن مثل ذلك هناك
"الحديث التاسع" قال الدارقطني وأخرج البخاري عن آدم عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن ابن وديعة عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم في غسل الجمعة وقد اختلف فيه على المقبري فقال ابن عجلان عنه عن أبيه عن ابن وديعة عن أبي ذر وأرسله أبو معشر عنه فلم يذكر أبا ذر ولا سلمان ورواه الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن المقبري عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر بينهما أحدا وقال عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة انتهى ورواه البخاري أيضا من حديث بن المبارك عن ابن أبي ذئب به وقد اختلف فيه على بن أبي ذئب أيضا فقال أبو علي الحنفي فيما رويناه في مسند الدارمي عنه مثل رواية آدم وكذا رويناه في صحيح بن حبان من طريق عثمان ابن عمر عن ابن أبي ذئب ورواه أحمد في مسنده عن أبي النضر وحجاج بن محمد جميعا
عن ابن أبي ذئب كذلك وقال أبو داود الطيالسي في مسنده عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبيه عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن سلمان وهذه رواية شاذة لأن الجماعة خالفوه ولأن الحديث محفوظ لعبد الله بن وديعة لا لعبيد الله بن عدي وأما بن عجلان فلا يقارب بن أبي ذئب في الحفظ ولا تعلل رواية بن أبي ذئب مع إتقانه في الحفظ برواية بن عجلان مع سوء حفظه ولو كأن ابن عجلان حافظا لأمكن أن يكون بن وديعة سمعه من سلمان ومن أبي ذر فحدث به مرة عن هذا ومرة عن هذا وقد إختار بن خزيمة في صحيحه هذا الجمع وأخرج الطريقين معا طريق بن أبي ذئب من مسند سلمان وطريق بن عجلان من مسند أبي ذر رضي الله عنهما وأما أبو معشر فضعيف لا معنى للتعليل بروايته وأما رواية عبيد الله بن عمر فهو من الحفاظ إلا أنه اختلف عليه كما ترى فرواية الدراوردي لا تنافي رواية بن أبي ذئب لأنها قصرت عنها فدل على أنه لم يضبط إسناده فأرسله ورواية عبد الله بن رجاء إن كانت محفوظة فقد سلك الجادة في أحاديث المقبري فقال عن أبي هريرة فيجوز أن يكون للمقبري فيه إسناد آخر وقد وجدته في صحيح بن خزيمة من رواية صالح بن كيسان عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وإذا تقرر ذلك عرف أن الرواية التي صححها البخاري أتقن الروايات والله أعلم
"الحديث العاشر" قال الدارقطني وأخرج البخاري عن محمد بن عبد الرحيم عن سعيد بن سليمان عن هشيم عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات قال وقد أنكر أحمد بن حنبل هذا من حديث هشيم عن عبيد الله بن أبي بكر وقال إنما رواه هشيم عن محمد بن إسحاق عن حفص بن عبيد الله عن أنس وقيل إن هشيما كان يدلسه عن عبيد الله بن أبي بكر وقد رواه مسعر ومرجأ بن رجاء وعلي بن عاصم عن عبيد الله ولا يثبت منها شيء انتهى كلامه وأحمد بن حنبل إنما استنكره لأنه لم يعرفه من حديث هشيم لأن هشيما كان يحدث به قديما هكذا ثم صار بعد لا يحدث به إلا عن محمد بن إسحاق ولهذا لم يسمعه منه إلا كبار أصحابه وأما قوله إن هشيما كان يدلس فيه فمردود فرواية البخاري نفسها عن هشيم قال أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر فذكرها والعجب من الإسماعيلي أيضا فإنه أخرجه من رواية أبي الربيع الزهراني عن هشيم عن عبيد الله ثم قال هشيم يدلس وكأنه لما رواه عنه معنعنا ظن أن هشيما دلسه ومن هنا يظهر شفوف نظر البخاري على غيره وأما رواية مرجأ بن رجاء فعلقها البخاري في الباب ووصلها أحمد بن حنبل وابن خزيمة في صحيحه والإسماعيلي ولا أدري ما معنى قول الدارقطني لا يثبت منها شيء وقد رواه غير من ذكر أخرجه بن حبان في صحيحه والإسماعيلي في مستخرجه والحاكم في مستدركه من طريق عتبة بن حميد عن عبيد الله بن أبي بكر نحوه نعم رواية مسعر لا يصح إسنادها عنه وعلي بن عاصم ضعيف وأما الطريق التي ذكرها عن هشيم عن محمد بن إسحاق فروراها أحمد بن منيع في مسنده والترمذي في جامعه والإسماعيلي في مستخرجه من طريق هشيم وقد ظهر بما قررناه أن إحدى الطريقين لا تعل الأخرى والله أعلم
"الحديث الحادي عشر" قال البخاري حدثنا محمد حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح عن فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق تابعه يونس بن محمد عن فليح وحديث جابر أصح هكذا في جميع الروايات التي وقعت لنا عن البخاري إلا أن في رواية أبي علي ابن السكن تابعه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة وحديث جابر أصح كذا وقع عنده قال أبو علي الجياني والظاهر أن هذا الإصلاح من قبله قلت والتخليط فيه ممن دون البخاري وقد ذكره أبو مسعود الدمشقي في الأطراف محررا فذكر حديث أبي تميلة وبعده تابعه يونس بن محمد عن فليح وقال محمد بن الصلت عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة قال البخاري وحديث جابر أصح وكذا حكاه أبو نعيم في مستخرجه وحكى البرقاني نحوه ثم قال أبو مسعود متعقبا عليه إنما رواه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة لا عن جابر قال وكذا رواه الهيثم بن جميل عن فليح قلت ولم يصب أبو مسعود في دعواه أن رواية يونس بن محمد إنما هي من مسند أبي هريرة فقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن يونس بن محمد من مسند جابر كما قال البخاري ومن طريقه أخرجه الإسماعيلي وكذا رواه أبو جعفر العقيلي في مصنفه من حديث يونس وكذا قال الترمذي إن أبا تميلة ويونس بن محمد روياه عن فليح عن سعيد عن جابر نعيم رويناه من طريق محمد بن عبيد الله بن المنادى وأحمد بن الأزهر وعلي بن معبد ثلاثتهم عن يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة كما قال أبو مسعود وقوى بهذا أن لسعيد بن الحارث فيه شيخين وقد ذكر أبو مسعود أيضا أن محمد بن حميد رواه عن أبي تميلة فصيره من مسند أبي هريرة ولكن محمد بن حميد لا يحتج به ورواية محمد بن الصلت قد ذكرت من وصلها في فصل التعليق ولله الحمد
"لحديث الثاني عشر" قال الدارقطني أخرج البخاري أحاديث للحسن عن أبي بكرة منها حديث الكسوف والحسن إنما يروي عن الأحنف عن أبي بكرة قلت البخاري معروف أنه كان ممن يشدد في مثل هذا وقد أخرج البخاري حديث الكسوف من طرق عن الحسن علق بعضها ومن جملة ما علقه فيه رواية موسى بن إسماعيل عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال أخبرني أبو بكرة فهذا معتمده في إخراج حديث الحسن ورده على من نفى أنه سمع من أبي بكرة باعتماده على إثبات من أثبته وسيأتي مزيد بذلك في فضل الحسن بن علي بن أبي طالب إن شاء الله تعالى
"الحديث الثالث عشر" قال الدارقطني أخرجا جميعا حديث بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تسافر وليس معها محرم قال الدارقطني وقد رواه مالك ويحيى بن أبي كثير وسهيل عن سعيد عن أبي هريرة يعني لم يقولوا عن أبيه قلت لم يهمل البخاري حكاية هذا الاختلاف بل ذكره عقب حديث بن أبي ذئب والجواب عن هذا الاختلاف كالجواب في الحديث الثاني فإن سعيدا المقبري سمع من أبيه عن أبي هريرة وسمع من أبي هريرة فلا يكون هذا الاختلاف قادحا وقد اختلف فيه على مالك فرواه بن خزيمة في صحيحه من حديث بشر بن عمر عنه عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وقال بعده لم يقل أحد من أصحاب مالك في هذا الحديث عن سعيد عن أبيه غير بشر بن عمر أه وقد أخرجه أبو عوانة في صحيحه من حديث بشر بن عمر أيضا وصحح بن حبان الطريقين معا والله أعلم
"الحديث الرابع عشر" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل وقد اختلف فيه على

الأوزاعي فقال عمرو بن أبي سلمة والوليد بن مسلم وغيرهما عنه عن يحيى عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي سلمة زادوا رجلا أه وهذا القول فيه كالقول في الذي قبله بل صرح الأوزاعي هنا بالتحديث عن يحيى وصرح يحيى بالتحديث عن أبي سلمة فانتفت تهمة التدليس والراوي له هكذا عنده عن الأوزاعي عبد الله بن المبارك وهو من الحفاظ المتقنين ومع ذلك فالبخاري لم يهمل حكاية الخلاف في ذلك بل ذكره تعليقا وأخرج مسلم طريق عمرو بن أبي سلمة كما أوضحته في تغليق التعليق
"الحديث الخامس عشر" قال الدارقطني وأخرجا جميعا حديث شعبة عن عمرو عن جابر إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين وقد رواه بن جريج وابن عيينة وحماد بن زيد وأيوب وورقاء وحبيب بن يحيى كلهم عن عمرو أن رجلا دخل المسجد فقال له صليت قلت هذا يوهم أن هؤلاء أرسلوه وليس كذلك فقد أخرجه الشيخان من رواية حماد بن زيد وسفيان ابن عيينة ومسلم من حديث أيوب وابن جريج كلهم عن عمرو بن دينار موصولا وإنما أراد الدارقطني أن شعبة خالف هؤلاء الجماعة في سياق المتن واختصره وهم إنما أوردوه على حكاية قصة الداخل وأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بصلاة ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وهي قصة محتملة للخصوص وسياق شعبة يقتضي العموم في حق كل داخل فهي مع اختصارها أزيد من روايتهم وليست بشاذة فقد تابعه على ذلك روح بن القاسم عن عمرو بن دينار أخرجه الدارقطني في السنن فهذا يدل على أن عمرو بن دينار حدث به على الوجهين والله أعلم ووقع في هذا الموضع للمزي في الأطراف شيء ينبغي التنبيه عليه وذلك أنه قال في أول ترجمة شعبة عن عمرو بن دينار عن جابر حديث أن رجلا جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال أصليت قال لا الحديث خ في الصلاة عن آدم م فيه عن ابندار عن غندر يعني كلاهما عن شعبة به وهذا اللفظ الذي صدر به الحديث ليس هو لفظ شعبة كما ترى

من كتاب الجنائز : الحديث السادس عشر الى الثامن عشر
...
من كتاب الجنائز
"الحديث السادس عشر" قال الدارقطني وأخرج البخاري حديث بن أبي ذئب عن سعيد عن أبيه أنه سأل أبا هريرة فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "من صلى على الجنازة فله قيراط " الحديث قال وقد رواه عبيد الله بن عمر عن سعيد عن أبي هريرة لم يقل عن أبيه قلت وهذا نظير الحديث الثالث عشر لكن رواية عبيد الله بن عمر في هذا غير مشهورة فرواية بن أبي ذئب هي المعتمدة وهي من إفراد الصحيح وإنما أوردها المصنف مقرونة برواية الأعرج عن أبي هريرة
"الحديث السابع عشر" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين قتلى أحد ويقدم أقرأهم" وقد رواه بن المبارك عن الأوزاعي عن الزهري مرسلا عن جابر ورواه معمر عن الزهري عن ابن أبي صغيرة عن جابر ورواه سليمان ابن كثير عن الزهري حدثني من سمع جابرا وهو حديث مضطرب انتهى أطلق الدارقطني القول في هذا الحديث بأنه مضطرب مع إمكان نفي الاضطراب عنه بأن يفسر المبهم الذي في رواية سليمان بالمسمى الذي في رواية الليث وتحمل رواية
معمر على أن الزهري سمعه من شيخين وأما رواية الأوزاعي المرسلة فقصر فيها بحذف الواسطة فهذه طريقة من ينفي الاضطراب عنه وقد ساق البخاري ذكر الخلاف فيه وإنما أخرج رواية الأوزاعي مع انقطاعها لأن الحديث عنده عن عبد الله بن المبارك عن الليث والأوزاعي جميعا عن الزهري فأسقط الأوزاعي عبد الرحمن بن كعب وأثبته الليث وهما في الزهري سواء وقد صرحا جميعا بسماعهما له منه فقبلت زيادة الليث لثقته ثم قال بعد ذلك ورواه سليمان ابن كثير عن الزهري عمن سمع جابرا وأراد بذلك إثبات الواسطة بين الزهري وبين جابر فيه في الجملة وتأكيد رواية الليث بذلك ولم يرها علة توجب اضطرابا وأما رواية معمر فقد وافقه عليها سفيان ابن عيينة فرواه عن الزهري عن ابن أبي صغيرة وقال ثبتني فيه معمر فرجعت روايته إلى رواية معمر وعن الزهري فيه اختلاف لم يذكره الدارقطني فقيل عن أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود والترمذي ونقل في العلل عن البخاري أنه قال حديث أسامة خطأ غلط فيه يعني أن الصواب حديث الليث ووهم الحاكم فأخرج حديث أسامة هذا في مستدركه وعن الزهري فيه اختلاف آخر رواه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه وهو خطأ أيضا وعبد الرحمن هذا ضعيف ولا يخفى على الحاذق أن رواية الليث أرجح هذه الروايات كما قررناه وأن البخاري لا يعل الحديث بمجرد الاختلاف حديث بن عباس مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين تقدم في الثاني
"الحديث الثامن عشر" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث داود بن أبي الفرات عن أبي بريدة عن أبي الأسود عن عمر مر بجنازة فقال وجبت الحديث وقد قال علي بن المديني أن ابن بريدة إنما يروي عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود ولم يقل في هذا الحديث سمعت أبا الأسود قال الدارقطني وقلت أنا وقد رواه وكيع عن عمر بن الوليد الشني عن ابن بريدة عن عمر ولم يذكر بينهما أحد انتهى ولم أره إلى الآن من حديث عبد الله بن بريدة إلا بالعنعنة فعلته باقية إلا أن يعتذر للبخاري عن تخريجه بأن اعتماده في الباب إنما هو على حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بهذه القصة سواء وقد وافقه مسلم على تخريجه وأخرج البخاري حديث أبي الأسود كالمتابعة لحديث عبد العزيز بن صهيب فلم يستوف ففي العلة عنه كما يستوفيها فيما يخرجه في الأصول والله أعلم

من كتاب الزكاة : الحديث التاسع عشر الى الحادى والعشرين
...
من الزكاة
"الحديث التاسع عشر" قال الدارقطني وأخرجا جميعا حديث عفان عن وهيب عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم " دلني على عمل إذا أنا عملته دخلت الجنة" الحديث وقد رواه يحيى القطان عن أبي حيان فخالف وهيبا فأرسله ولم يذكر أبا هريرة انتهى وقد أخرج البخاري حديث يحيى القطان عقيب حديث وهيب فأشعر بأن العلة ليست بقادحة لأن وهيبا حافظ فقدم روايته لأن معه زيادة وفي معنى روايته حديث آخر اتفقا عليه من هذا الوجه في كتاب الإيمان من طريق جرير وإسماعيل بن علية عن أبي حيان وهو مما يقوي رواية وهيب والله أعلم
"الحديث العشرون" قال أبو مسعود أخرج البخاري حديث شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي قال أخبرني يحيى بن أبي كثير أن عمرو بن يحيى بن عمارة أخبره عن أبيه أنه سمع أبا سعيد يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " الحديث وقد رواه داود بن رشيد وهشام بن خالد عن شعيب عن الأوزاعي عن يحيى غير
منسوب ورواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن أبي اليمان عن يحيى بن سعيد ورواه عبد الوهاب بن نجدة عن شعيب عن الأوزاعي قال حدثني يحيى بن سعيد انتهى كلامه واقتضى أمرين أحدهما أن شيخ البخاري وهو إسحاق بن يزيد وهم في نسبة يحيى فقال ابن أبي كثير وإنما هو يحيى بن سعيد بدليل رواية عبد الوهاب وأن داود وهشاما لم ينسباه ثانيهما أنه اختلف فيه على الأوزاعي مع ذلك بزيادة رجل فيه بينه وبين يحيى بن سعيد من رواية الوليد بن مسلم وإذا تأملت ما ذكره لم تجد ما اختاره مستقيما بل رواية الوليد بن مسلم تدل على أنه لم يكن عند الأوزاعي عن يحيى بن سعيد إلا بواسطة وقد صرح شعيب عنه بأن يحيى أخبره فاقتضى ذلك أن رواية عبد الوهاب بن نجدة إما موهومة وإما مدلسة ورواية إسحاق عن شعيب صحيحه صريحة وقد حدث لإسحاق فيه متابعا عن شعيب وذلك فيما أخرجه أبو عوانة في صحيحه قال حدثنا أبو إبراهيم الزهري وكان من الإبدال حدثنا أبو أيوب سليمان ابن عبد الرحمن حدثنا شعيب بن إسحاق حدثنا الأوزاعي قال أخبرني يحيى بن أبي كثير فذكره سواء وهكذا أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه من طريق سليمان ابن عبد الرحمن ثم قال الحديث المشهور عن يحيى بن سعيد رواه الخلق عنه وقد رواه داود بن رشيد عن شعيب عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد قلت وهو يدل لما قلناه أن رواية الأوزاعي له عن يحيى بن سعيد مدلسة وعن يحيى بن أبي كثير مسموعة وكأنه كان عند شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي على الوجهين والله أعلم
"الحديث الحادي والعشرون" قال الدارقطني وأخرج البخاري حديث الأنصاري عن أبيه عن ثمامة عن أنس عن أبي بكر حديث الصدقات وهذا لم يسمعه ثمامة من أنس ولا عبد الله بن المثنى من ثمامة قال علي بن المديني حدثني عبد الصمد حدثني عبد الله بن المثنى قال دفع إلى ثمامة هذا الكتاب قال وحدثنا عفان حدثنا حماد قال أخذت من ثمامة كتابا عن أنس نحو هذا وكذا قال حماد بن زيد عن أيوب أعطاني ثمامة كتابا فذكر هذا قلت ليس فيما ذكر ما يقتضي أن ثمامة لم يسمعه من أنس كما صدر به كلامه فإما كون عبد الله بن المثنى لم يسمعه من ثمامة فلا يدل على قدح في هذا الإسناد بل فيه دليل على صحة الرواية بالمناولة إن ثبت أنه لم يسمعه مع أن في سياق البخاري عن عبد الله بن المثنى حدثني ثمامة أن أنسا حدثه وليس عبد الصمد فوق محمد بن عبد الله الأنصاري في الثقة ولا أعرف حديث أبيه منه والله أعلم حديث أنس في النهي عن بيع الثمرة يأتي في البيوع إن شاء الله تعالى

من كتاب الحج : الحديث الثانى والعشرون الى السادس والعشرين
...
من كتاب الحج
"الحديث الثاني والعشرون" قال الدارقطني اتفقا على حديث عطاء عن صفوأن ابن يعلى عن أبيه حديث الجبة في الإحرام وفيه واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك من حديث بن جريج وهمام وغيرهما عن عطاء ورواه الثوري عن ابن جريج وابن أبي ليلة جميعا عن عطاء عن يعلى بن أمية مرسلا وكذا قال قتادة ومطر الوراق ومنصور بن زاذان وعبد الملك بن سليمان وغير واحد عن عطاء ليس فيه صفوان قلت في رواية بن جريج أخبرني عطاء أن صفوأن ابن يعلى أخبره عن يعلى به ورواية جميع من ذكره عن عطاء عن يعلى معنعنة فدل على أنه لم يروه عن يعلى إلا بواسطة ابنه وابن جريج من أعلم الناس بحديث عطاء وقد صرح بسماعه منه فالتعليل بمثل هذا غير متجه كما قدمنا غير مرة
"الحديث الثالث والعشرون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث الثوري عن الأعمش عن عمارة عن أبي عطية عن عائشة في التلبية وتابعه أبو معاوية عن الأعمش وقال شعبة عن الأعمش عن خيثمة عن أبي عطية به قال وروى عن يحيى القطان عن الأعمش عن خيثمة أيضا ورواه إسرائيل وأبو الأحوص وزهير بن معاوية ومحمد بن فضيل وأبو خالد وغير واحد عن الأعمش كما قال الثوري ورواه عبد الله بن داود الخريبي عن الأعمش فأوضحه وبين علته قال حدثنا الأعمش عن عمارة عن أبي عطية عن عائشة فذكره قال الأعمش وذكر خيثمة عن الأسود أنه كان يزيد والملك لا شريك لك قال الدارقطني فيشبه أن يكون دخل الوهم على شعبة من ذكر الأعمش لخيثمة في آخره قلت وهو تحقيق حسن ومقتضاه صحة ما اختاره البخاري واعتمده من رواية الأعمش على أن البخاري لم يهمل حكاية الخلاف بل حكاها عقب حديث الثوري والله أعلم
"الحديث الرابع والعشرون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث أبي مروان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم سلمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إذا صليت الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون" الحديث وهذا منقطع وقد وصله حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة ووصله مالك عن أبي الأسود عن عروة كذلك في الموطأ قلت حديث مالك عند البخاري في هذا المكان مقرون بحديث أبي مروان وقد وقع في بعض النسخ وهي رواية الأصيلي في هذا عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة موصولا وعلى هذا اعتمد المزي في الأطراف ولكن معظم الروايات على إسقاط زينب قال أبو علي الجياني وهو الصحيح ثم ساقه من طريق أبي علي بن السكن عن علي بن عبد الله بن مبشر عن محمد بن حرب شيخ البخاري فيه على الموافقة وليس فيه زينب وكذا أخرجه الإسماعيلي من حديث عبدة بن سليمان ومحاضر وحسأن ابن إبراهيم كلهم عن هشام ليس فيه زينب وهو المحفوظ من حديث هشام وإنما اعتمد البخاري فيه رواية مالك التي أثبت فيها ذكر زينب ثم ساق معها رواية هشام التي سقطت منها حاكيا للخلاف فيه على عروة كعادته مع أن سماع عروة من أم سلمة ليس بمستبعد والله أعلم
"الحديث الخامس والعشرون" قال الدارقطني وأخرجا حديث بن جريج عن الزهري عن سليمان ابن يسار عن ابن عباس عن الفضل في قصة الخثعمية قال وقال حجاج في هذا الحديث عن ابن جريج حدثت عن الزهير قلت الحديث مخرج عندهما من رواية مالك وغيره عن الزهري فليس الاعتماد فيه على بن جريج وحده مع أن حجاجا لم يتابع على هذا السياق إلا أنه حافظ وابن جريج مدلس فتعتمد رواية حجاج إلى أن يوجد من رواية غيره عن ابن جريج مصرحا فيه بالسماع عن الزهري فأتى لم أره من حديثه إلا معنعنا والله أعلم
"الحديث السادس والعشرون" قال الدارقطني وأخرج البخاري حديث الليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك قال وقال هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن حفصة عن عمر وقال روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن أمه عن حفصة عن عمر قلت الظاهر أنه كان عند زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر وعن أمه عن حفصة عن عمر لأن الليث وروح بن القاسم حافظان وأسلم مولى عمر من الملازمين له العارفين بحديثه وفي سياق حديث زيد بن أسلم عن أمه عن حفصة

زيادة على حديثه عن أبيه عن عمر كما بينته في كتاب تغليق التعليق فدل على أنهما طريقان محفوظان وأما رواية هشام بن سعد فإنها غير محفوظة لأنه غير ضابط والله أعلم وقد رواه مالك عن زيد بن أسلم عن عمر لم يذكر بينهما أحدا ومالك كان يصنع ذلك كثيرا

من كتاب الصيام
"الحديث السابع والعشرون" قال الدارقطني أخرج مسلم حديث الأشج عن أبي خالد عن الأعمش عن الحكم ومسلم البطين وسلمة بن كهيل عن سعيد وعطاء ومجاهد عن ابن عباس أن امرأة زعمت أن أختها ماتت وعليها صوم الحديث قال وقال البخاري ويذكر عن أبي خالد فذكره قال الدارقطني وخالفه جماعة منهم شعبة وزائدة وابن نمير وأبو معاوية وجرير وغير واحد عن الأعمش عن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وبين زائدة في روايته من أين دخل الوهم على أبي خالد فقال في آخر الحديث فقال الحكم وسلمة بن كهيل وكانا عند مسلم حين حدث بهذا الحديث ونحن سمعناه من مجاهد عن ابن عباس قلت قد أوضحت هذه الطرق في كتابي تغليق التعليق وبينت أنه لا يلحق الشيخين في ذكرهما لطريق أبي خالد لوم لأن البخاري علقه بصيغة بشير إلى وهمه فيه وأما مسلم فأخرجه مقتصرا على إسناده دون سياق متنه لكن للحديث علة أخرى لم يتعرض لها الدارقطني وهي اختلافهم في سياق متنه وسنوضح ذلك إن شاء الله تعالى في موضعه إذا يسر الله علينا الوصول بمنه وقوته

من كتاب البيوع : الحديث الثامن والعشرون الى الثلاثين
...
من كتاب البيوع
"الحديث الثامن والعشرون" قال الدارقطني أخرج البخاري من حديث الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أنه سمعه يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب" الحديث وقد اختلف على سعيد فرواه عبيد الله بن عمر من رواية محمد بن عبيد ويحيى بن سعيد الأموي عنه عن سعيد عن أبيه ورواه عبدة بن سليمان عن ابن إسحاق عن سعيد هكذا وخالف بن المبارك ومعتمر بن سليمان وعقبة بن خالد وأبو أسامة وغيرهم فرووه عن عبيد الله بن عمر عن سعيد عن أبي هريرة لم يقولوا عن أبيه وكذا قال غيره واحد عن ابن إسحاق وكذا رواه أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية وأسامة بن زيد وغيرهم عن سعيد ليس فيه عن أبيه وأخرجها مسلم على اختلافها واقتصر البخاري على حديث الليث قلت الليث إمام وقد زاد فيه عن أبيه فلا يضره من نقصه على أنه في مثل هذا لا يبعد أن يكون الحديث عند سعيد على الوجهين لكثرة من رواه عنه دون ذكر أبيه وإذا صح أنه عنده على الوجهين فلا يضره الاختلاف مع أن الحديث عند الشيخين من غير طريق المقبري عن أبي هريرة أيضا والله أعلم
"الحديث التاسع والعشرون" قال الدارقطني وأخرجا جميعا حديث مالك عن حميد عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى فقيل وما تزهى قال حتى تحمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه" قال الدارقطني خالف مالكا جماعة منهم إسماعيل بن جعفر وابن المبارك وهشيم ومروأن ابن معاوية ويزيد بن هارون وغيرهم قالوا فيه قال أنس أرأيت إن منع الله الثمرة قال وقد أخرجا جميعا حديث إسماعيل بن

من كتاب الشفغة : الديث الحادى والثلاثون
...
من الشفعة
"الحديث الحادي والثلاثون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع الجار أحق بسبقه من رواية بن جريج والثوري وابن عيينة عن إبراهيم وخالفهم محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة ولا يلتفت إليه يعني لأنه ضعيف فلا تعلل روايته الروايات الثابتة حديث كعب بن مالك يأتي في الذبائح إن شاء الله تعالى

من كتاب الشرب : الحديث الثانى والثلاثون والثالث والثلاثون
...
من الشرب
"الحديث الثاني والثلاثون" قال الدارقطني فيما نقلت من خطه من جزء مفرد وليس هو في كتاب التتبع أخرج البخاري عن التنيس عن الليث عن الزهري عن عروة عن عبد الله بن الزبير أن رجلا خاصم الزبير في شراج الحرة الحديث بطوله وهو إسناد متصل لم يصله هكذا غير الليث ورواه غير الليث عن الزهري فلم يذكروا فيه عبد الله بن الزبير وأخرج البخاري أيضا من حديث معمر ومن حديث بن جريج ومن حديث شعيب كلهم عن الزهري عن عروة ولم يذكروا في حديثهم عبد الله بن الزبير كما ذكره الليث انتهى وإنما أخرجه البخاري بالوجهين على الاحتمال لأن عروة صح سماعه من أبيه فيجوز أن يكون سمعه من أبيه وثبته فيه أخوه والحديث مشتمل على أمر متعلق بالزبير فدواعي أولاده متوفرة على ضبطه فاعتمد تصحيحه لهذه القرينة القوية وقد وافق البخاري على تصحيح حديث الليث هذا مسلم وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان وغيرهم مع أن في سياق بن الجارود له التصريح بأن عبد الله بن الزبير رواه عن أبيه الزبير وهي رواية يونس عن الزهري والله أعلم
" الحديث الثالث والثلاثون" قال الدارقطني أخرجا جميعا حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم "من باع عبدا وله مال" وقد خالفه نافع عن ابن عمر وقال النسائي سالم أجل في القلب والقول قول نافع قلت الحديث عند البخاري بهذا السياق عن عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني بن شهاب عن سالم عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر" الحديث وفيه ومن ابتاع عبدا وله مال فماله للذي باعه إلا

من كتاب العتق : الحديث الرابع والثلاثون
...
من العتق
"الحديث الرابع والثلاثون" قال الدارقطني وأخرجا جميعا حديث قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة من أعتق شقيصا وذكرا فيه الاستسعاء من حديث بن أبي عروبة وجرير بن حازم وقد روى هذا الحديث شعبة وهشام وهما أثبت الناس في قتادة فلم يذكرا في الحديث الاستسعاء ووافقهما هما وفصل الاستسعاء من الحديث فجعله من رأى قتادة لا من رواية أبي هريرة قاله المقبري عن همام وقال أبو مسعود حديث همام عندي حسن وعندي أنه لم يقع للشيخين ولو وقع لهما لحكما ب قوله: "وتابعه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة وكذا رواه أبو عامر عن هشام قاله الدارقطني قال وهذا أولى بالصواب من حديث بن أبي عروبة وجرير بن حازم قلت وقد اختلف فيه على همام وعلى هشام وأشبعت الكلام عليه في تقريب المنهج بترتيب المدرج ولله الحمد

من كتاب الهبة : الحديث الخامس والثلاثون
...
من الهبة
"الحديث الخامس والثلاثون" قال الدارقطني وأخرج البخاري حديث عيس بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها" قال ورواه وكيع ومحاضر ولم يذكرا عن عائشة قلت رجح البخاري الرواية الموصولة بحفظ رواتها حديث عمر في الطاعون تقدم في الجنائز حديث أبي بكرة أن ابني هذا سيد يأتي في المناقب

من كتاب الجهاد : الحديث السادس والثلاثون الى الخامس والأربعين
...
من كتاب الجهاد
"الحديث السادس والثلاثون" قال الدارقطني وأخرجا جميعا حديث موسى بن عقبة عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى فقرأته "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموهم فاصبروا" الحديث قال وأبو النضر لم يسمع من بن أبي أوفى وإنما رواه عن كتابه فهو حجة في رواية المكاتبة قلت فلا علة فيه لكنه ينبني عن أن شرط المكاتبة هل هو من المكاتب إلى المكتوب إليه فقط أم كل من عرف الخط روى به وإن لم يكن مقصودا بالكتابة إليه الأول هو المتبادر إلى الفهم من المصطلح وأما الثاني فهو عندهم من صور الوجادة لكن يمكن أن يقال هنا أن رواية أبي النضر هنا تكون عن مولاه عمر بن عبيد الله عن كتاب بن أبي أوفى إليه ويكون أخذه لذلك عن مولاه عرضا لأنه قرأه عليه لأنه كان كاتبه فتصير والحالة هذه من الرواية بالمكاتبة كما قال الدارقطني والله أعلم

من الخمس والجزية : الحديث السادس والأربعون والسابع والأربعون
...
من الخمس والجزية
"الحديث السادس والأربعون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر أصاب جاريتين من سبي حنين وفي أوله أن عمر قال نذرت نذرا هكذا أخرجه مرسلا ووصل حديث النذر حماد بن سلمة وجرير بن حازم وجماعة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر وهو صحيح ووصل حديث الجاريتين جرير بن حازم عن أيوب وقول حماد أصح قلت إذا صح أصل الحديث صح قول من وصله وقد بين البخاري الخلاف فيه وقد قدمناه أنه في مثل هذا يعتمد عن القرائن والله الموفق
"الحديث السابع والأربعون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث عبد الواحد بن زياد عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة الحديث وقد خالفه مروأن ابن معاوية فرواه عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية عن عبد الله بن عمرو وهو الصواب قلت مروان أثبت من عبد الواحد وقد زاد في الإسناد رجلا ولكن قد تابع عبد الواحد أبو معاوية أخرجه بن ماجة من طريقه وعمرو بن عبد الغفار الفقيمي ومن طريقه أخرجه الإسماعيلي والظاهر أن رواية عبد الواحد أرجح لمن تابعه وأما رواية مروأن ابن معاوية التي زاد فيها جنادة فأخرجها النسائي وغيره ووهم الحاكم فاستدركه ويحتمل أن يكون مجاهد سمعه من عبد الله بن عمرو بعد أن سمعه من جنادة عنه والله أعلم

"من بدء الخلق
"الحديث الثامن والأربعون" قال الدارقطني أخرج البخاري من حديث إسرائيل عن الأعمش ومنصور جميعا عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار فنزلت والمرسلات" الحديث ولم يتابع إسرائيل عن الأعمش على علقمة أما عن منصور فتابعه شيبان عنه وكذا رواه مغيرة عن إبراهيم انتهى وقد حكى البخاري الخلاف فيه وهو تعليل لا يضر والله أعلم

من أحاديث الأنياء عليهم السلام : الحديث التاسع والأربعون الى الثانى والخمسين
...
من أحاديث الأنبياء عليهم السلام
"الحديث التاسع والأربعون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث بن أبي أويس عن أخيه عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال يلقى إبراهيم عليه السلام أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة الحديث قال وهذا رواه إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قلت قد علق البخاري حديث إبراهيم بن طهمان في التفسير فلم يهمل حكاية الخلاف فيه ولكن أعله الإسماعيلي من وجه آخر فقال بعد أن أورده هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم عالم بأن الله لا يخلف الميعاد فكيف يجعل ما بأبيه خزيا له مع خبره بأن الله قد وعده أن لا يخزيه يوم يبعثون وعلمه بأنه لا خلف لوعده انتهى وسيأتي جواب ذلك إن شاء الله تعالى في موضعه
"الحديث الخمسون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث يحيى القطان عن عبيد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم الحديث ووافقه مسلم على إخراجه وقد خالفه فيه جماعة منهم أبو أسامة وعبد الله بن نمير ومعتمر بن سليمان وآخرون قالوا عن عبيد الله بن سعيد عن أبي هريرة لم يقولوا عن أبيه قلت قد أخرج البخاري حديث معتمر وأبي أسامة وغيرهما فهو عنده على الاحتمال ولم يهمل حكاية الخلاف فيه
"الحديث الحادي والخمسون" قال أبو علي الجياني أخرج البخاري عن أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا وهب بن جرير عن أبيه عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة زمزم قال وقد تعقبه أبو مسعود الدمشقي بأن قال اختلفوا في هذا الإسناد على وهب بن جرير كأنه يغمز البخاري إذ أخرجه في الصحيح قال أبو علي رواه حجاج بن الشاعر عن وهب بن جرير مثله سواء لكن قال عن ابن عباس عن أبي بن كعب زاد فيه أبيا وأسنده من رواية أبي علي بن السكن عن البغوي عن حجاج به وعن محمد بن بدر الباهلي عن محمد بن أحمد بن نيزك عن وهب بن جرير مثله لكن قال عن أيوب عن سعيد بن جبير فأسقط عبد الله بن سعيد وكذا رواه علي بن المديني عن وهب بن جرير ورواه النسائي في السنن من طريقه عن أحمد بن سعيد شيخ البخاري مثل ذلك وقال في آخر حديث بن المديني قال وهب وحدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله بن سعيد عن أبيه نحوه ولم يذكر أبيا فتبين بهذا أن وهب بن جرير كان إذا رواه عن أبيه أسقط عبد الله بن سعيد بن جبير وأثبت أبي بن كعب وإذا رواه عن حماد بن زيد أسقط أبي بن كعب وأثبت عبد الله بن سعيد بن جبير فبان أن رواية البخاري فيها إدراج يسير وفي الإسناد اختلاف آخر فإن في آخره عند النسائي أيضا قال وهب بن جرير فأتيت سلام بن أبي مطيع فحدثته بهذا عن حماد فأنكره إنكارا شديدا ثم قال لي فأبوك ما يقول قلت يقول عن أيوب عن سعيد بن جبير فقال قد غلط إنما هو أيوب عن عكرمة بن خالد انتهى ورواه إسماعيل بن علية عن أيوب قال نبئت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ولم يذكر أبي بن كعب قال أبو علي الجياني هذا الاختلاف إذا تأمله المتبحر في الصنعة علم أنه يعود إلى وفاق وأنه لا يدفع بعضه بعضا وحكم بصحته ثم بين طريق الجمع بين هذه الروايات والله الموفق
"الحديث الثاني والخمسون" قال أبو علي الجياني قال البخاري حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا عثمان ابن المغيرة عن مجاهد عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام الحديث قال والمحفوظ فيه عن مجاهد عن ابن عباس قال أبو مسعود أخطأ البخاري في قوله عن ابن عمر وإنما رواه محمد بن كثير عن إسرائيل بهذا الإسناد عن ابن عباس وكذلك رواه إسحاق بن منصور السلولي ويحيى بن آدم وابن أبي زائدة وغيرهم عن إسرائيل وكذا نبه على هذا الوهم أبو ذر الهروي في نسخته فساق الحديث من طريق حنبل بن إسحاق عن محمد بن كثير فقال عن ابن عباس كذا قال أبو ذر وكذا رواه عثمان الدارمي عن محمد بن كثير وكذا رواه أبو أحمد الزبيري عن إسرائيل قلت وكذا رواه أحمد في مسنده عن أسود بن عامر شاذان عن إسرائيل وكذا رواه الطبراني عن أحمد بن محمد الخزاعي عن محمد بن كثير وكذا رواه سمويه في فوائده عن الحسين بن حفص عن إسرائيل ويؤيد أنه من سبق القلم أن البخاري قد أخرجه في موضع آخر من رواية بن عون عن مجاهد عن ابن عباس وهو الصواب وقد تعقبه أبو عبد الله بن منده أيضا على البخاري فأخرجه في كتاب الإيمان من طريق محمد بن أيوب بن النضريس وموسى بن سعيد الطرسوسي كلاهما عن محمد بن كثير به وقال في آخره قال البخاري عن ابن عمر والصواب بن عباس وكذا رواه أبو نعيم في مستخرجه عن الطبراني عن أحمد بن محمد بن علي الخزاعي عن محمد بن كثير وقال ابن عباس كما تقدم وقال بعده رواه البخاري عن محمد بن كثير فقال ابن عمر ثم ساقه من طريق أبي أحمد الزبيري فقال ابن عباس أيضا ثم رأيته في مستخرج الإسماعيلي من طريق أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل وقال فيه عن ابن عباس ولم يتعقبه كعادته واستدللت بذلك على أن الوهم فيه من غير البخاري والله أعلم

من ذكر بني إسرائيل
"الحديث الثالث والخمسون" قال الدارقطني أخرج البخاري عن يحيى بن قزعة وعن الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الأمم ناس محدثون قال وتابعهما سليمان ابن داود الهاشمي وأبو مروان العثماني وخالفهم بن وهب فرواه عن إبراهيم بن سعد فقال عن عائشة بدل أبي هريرة وقد رواه زكريا بن أبي زائدة عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة ورواه يعقوب وسعد ابنا إبراهيم بن سعد وأبو صالح كاتب الليث ويزيد بن الهاد عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة قال بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكره قلت تقوى رواية الأويسي ومن تابعه متابعة زكريا وأما رواية بن الهاد ومن تابعه فلا تنافيها لأنها مبهمة وتلك مفسرة فبقيت رواية بن وهب وحده وقد قال أبو مسعود في الأطراف لا أعلم أحدا تابع بن وهب في قوله: "عن إبراهيم بن سعد عن عائشة والمشهور من رواية إبراهيم بن سعد عن أبي هريرة لكن أخرجه مسلم من حديث بن عجلان عن سعد بن إبراهيم بن سعد كما قال ابن وهب فيحتمل أن يقال لعل أبا سلمة كان يرويه عن أبي هريرة وعن عائشة جميعا والله أعلم

من المناقب بنى إسرائيل : الحديث الرابع والخمسون الى التاسع والخمسين
...
من المناقب
"الحديث الرابع والخمسون" قال البخاري حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان ح قال وقال يعقوب بن إبراهيم هو بن سعد حدثنا أبي عن أبيه حدثني الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار موالي ليس لهم مولى دون الله ورسوله وتعقبه أبو مسعود الدمشقي بأن رواية يعقوب تخالف رواية سفيان لأن يعقوب إنما يرويه عن أبيه عن صالح بن كيسان عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ

من السيرة النبوية والمغازى : الحديث الستون الى السبعون
...
من السيرة النبوية والمغازي
"الحديث الستون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث محمد بن إبراهيم التيمي حدثني عروة بن الزبير قال سألت بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم الحديث وتابعه بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن عروة قلت لعبد الله بن عمرو وقال هشام عن أبيه قيل لعمرو بن العاص وكذا قال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عروة قلت ذكر البخاري الاختلاف فيه كما ترى واقتضى صنيعه ترجيح رواية محمد بن إبراهيم التيمي لأن يحيى وهشاما ابني عروة اختلفا على أبيهما فوافق محمد بن إبراهيم يحيى بن عروة على قوله عن عبد الله بن عمرو وأكد ذلك أن لقاء عروة لعبد الله بن عمرو بن العاص أثبت من لقائه لعمرو بن العاص وقد صرح في حديث محمد بن إبراهيم التيمي بأنه هو الذي سأل وأما رواية هشام فليس فيها أنه سأل عمرو بن العاص فيحتمل أنه كان بلغه ذلك عن عمرو بن العاص لأن رواية أبي سلمة تدل على أن عمرو بن العاص حدث بذلك فكأنه بلغ عروة عنه فأرسله عنه ثم لقي عبد الله بن عمرو فسأله فحدث بذلك عنه ومقتضى ذلك تصويب صنيع البخاري وتبين بهذا وأمثاله أن الاختلاف عند النقاد لا يضر إذا قامت القرائن على ترجيح إحدى الروايات أو أمكن الجمع على قواعدهم والله أعلم
"الحديث الحادي والستون " قال الدارقطني أخرج البخاري حديث بن وهب عن عمر بن محمد قال أخبرني جدي زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال بينما هو في الدار خائفا يعني عمر بعد أن أسلم إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو فقال ما بالك قال زعم قومك أنهم سيقتلونني الحديث قال وخالفه الوليد بن مسلم فرواه عن عمر بن محمد حدثني أبي عن جدي عن ابن عمر زاد فيه رجلا قلت قد صرح في رواية البخاري بسماعه من جده فالظاهر أنه سمعه منهما أن كان الوليد حفظه
"الحديث الثاني والستون" قال الدارقطني وأخرج البخاري حديث بن جريج عن عبيد الله بن عمر من نافع أن عمر فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف وهذا مرسل يعني أن نافعا لم يدرك عمر بن الخطاب قلت :
لكن في سياق الخبر ما يدل على أن نافعا حمله عن عبد الله بن عمر فقد قدمنا مرارا أن البخاري يعتمد مثل ذلك إذا ترجح بالقرائن أن الراوي أخذه عن الشيخ المذكور في السياق والله أعلم وقد أورده أبو نعيم من طريق أخرى عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فذكر نحوه وأتم منه
"الحديث الثالث والستون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث جرير عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة عن أبيه وكان أبوه من أهل بدر حديث ما تعدون من شهد بدرا فيكم وأخرجه من حديث حماد ويزيد بن هارون معا عن يحيى بن سعيد عن معاذ مرسلا ولم يسنده غير جرير وقد خالفه الثوري فقال عن يحيى عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قلت سياق البخاري يعطي أن طريق حماد متصلة فإنه قال حدثنا سليمان يعني بن حرب حدثنا حماد يعني بن زيد عن يحيى هو بن سعيد عن معاذ بن رفاعة بن رافع وكان رفاعة من أهل بدر وكان رافع من أهل العقبة وكان يقول لابنه يعني لرفاعة ما يسرني أني شهدت بدرا بالعقبة قال سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وروى بن منده في المعرفة من طريق عمارة بن غزية عن يحيى بن سعيد عن رفاعة بن رافع كذا عنده ولعله عن ابن رفاعة بن رافع قال سمعت أبي يقول إن جبريل قال وهذا يقوي رواية جرير في الجملة والله أعلم وأما حديث الثوري الذي أشار إليه فرواه بن ماجة وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والطبراني وابن حبان من طريقه وكذا رواه أبو يعلى من حديث علي بن مسهر عن يحيى بن سعيد به وهو حديث آخر غير حديث رافعة بن رافع والله أعلم
"الحديث الرابع والستون" قال الدارقطني وأخرجا حديث مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف وأخرجاه من حديث شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة وأخرجه البخاري من حديث يحيى بن سعيد عن القاسم عن صالح عن سهل موقوفا قلت واختلف فيه على صالح اختلافا آخر فقيل عنه عن أبيه وهذه رواية أبي أويس عن يزيد بن رومان أخرجها بن منده في المعرفة فيحتمل أن يفسر به المبهم في رواية مالك وأما تعارض الرفع والوقف في حديث سهل فالرفع مشهور عنه والله أعلم
"الحديث الخامس والستون" قال أبو علي الجياني أخرج البخاري حديث شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال شهدنا خيبر " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن يدعي الإسلام هذا من أهل النار" الحديث قال وتابعه معمر وقال شعيب عن يونس عن الزهري أخبرني بن المسيب وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن أبا هريرة قال وقال ابن المبارك عن الزهري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني مرسلا وتابعه صالح عن الزهري وقال الزبيدي أخبرني الزهري أن عبد الرحمن بن كعب أخبره عن عبد الله بن كعب قال حدثني من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر قال الزهري وأخبرني عبد الله بن عبد الله وسعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى قال وكلامه فيه اختصار وحذف لا يفهم المراد منه وفيه وهم في قوله قال الزهري وأخبرني عبد الله بن عبد الله وسعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن عبد الله بن عبد الله لا يعرف والصواب إن شاء الله عبد الرحمن بن عبد الله وهو بن كعب قال وكنت أظن أن الوهم فيه ممن دون البخاري إلى أن رأيته في التاريخ قد ساقه كما ساقه في الصحيح سواء قلت الخطب فيه يسير من سبق
القلم من عبد الرحمن إلى عبد الله على أن يعقوب بن سفيان وافق البخاري على سياقه له فرواه عن شيخه الذي أخرجه عنه في التاريخ وهو إسحاق بن العلاء بن زريق فلعل الوهم فيه منه والله أعلم ثم ساق من حديث الزهري لمحمد بن يحيى الذهلي طرق حديث شعيب ومعمر وصالح كما قال البخاري ثم ساق حديث الزبيدي عن الزهري أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أخبره أن عمه عبيد الله بن كعب قال أخبرني من شهد فذكر الحديث إلى قوله: "قد صدق الله حديثك قد انتحر فلان فقتل نفسه قال الزهري وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله وسعيد بن المسيب قالا " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بلال قم فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن" الحديث قال الذهلي فمعمر وشعيب ساقا الحديث كله وميزه الزبيدي قال الجياني لا تخالف بين هذه الطرق لأن الحديث جميعه عند سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كما أسنده معمر وشعيب ولكن الزهري لما رواه للزبيدي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب ولم يكن أخبره عنه عبد الرحمن موصولا بين ذلك وقرنهما وأرسله عن ابن المسيب ولكن رواية شعيب عن يونس غير محفوظة حيث جعله كله موصولا عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وسعيد بن المسيب جميعا عن أبي هريرة فوهم قاله الذهلي قال ويدل على ذلك أن موسى بن عقبة وابن أخي الزهري رويا عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب القصة الأخيرة مرسلة لم يذكرا أبا هريرة قلت فهذا يقوي أن في رواية شعيب ومعمر إدراجا أيضا في آخره وحكى مسلم في التمييز أن الحلواني حدثهم بهذا الحديث عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن المسيب "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا بلال قم فأذن في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن" الحديث قال الحلواني قلنا ليعقوب من عبد الرحمن بن المسيب قال كان لسعيد بن المسيب أخ يقال له عبد الرحمن وكان رجل من بني كنانة يقال له عبد الرحمن بن المسيب أيضا فأظن أن هذا هو الكناني قال مسلم وهذا الذي قاله يعقوب ليس بشيء وإنما هذا إسناد سقطت منه لفظة واحدة وهي الواو ففحش خطؤه والصواب عن الزهري أخبرني عبد الرحمن وابن المسيب فعبد الرحمن هو بن عبد الله بن كعب بن مالك وابن المسيب هو سعيد قال وكذلك رواه موسى بن عقبة وابن أخي الزهري عن الزهري والوهم فيه ممن دون صالح بن كيسان انتهى فاستفدنا من هذا أن صالحا وافق موسى بن عقبة وابن أخي الزهري على إرساله وكذا وافقهم يونس من رواية بن المبارك عنه وهو الصواب والله أعلم ثم أن في الحديث موضعا آخر يتعلق بوهم في المتن وهو قوله عن أبي هريرة شهدنا خيبر وسيأتي شرحه في الحديث الذي بعد هذا وقد صرح بالوهم فيه موسى بن هارون وغيره لأن أبا هريرة لم يشهدها وإنما حضر عقب الفتح والجواب عن ذلك أن المراد من الحديث أصل القصة وقوله شهدنا فيه مجاز لأنه شهد قسم النبي صلى الله عليه وسلم لغنائم خيبر بها بلا خلاف والله أعلم ووقع في رواية شبيب بن سعد عن يونس التي تقدمت في هذا الموضع شهدنا حنينا وهو شذوذ منه والصواب ما في رواية الجماعة
"الحديث السادس والستون " قال الدارقطني فيما تتبعه على كتاب مسلم أخرج عن قتيبة عن الدراوردي عن ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة "قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا" فذكر الحديث في قصة مدعم وقد أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم من حديث مالك عن ثور به وهو وهم قال أبو مسعود :

إنما أرادا منه قصة مدعم في غلول الشملة وأما حضور أبي هريرة عند النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر فصحيح من طرق أخرج فإن كان ثور وهم في قوله خرجنا فإن القصة المرادة من نفس الحديث صحيحة قلت قد اعترف أبو مسعود بأن فيه وهما ونسبه إلى ثور وفيه نظر لأن إمام أهل المغازي محمد بن إسحاق وحديث بن إسحاق رواه عن ثور بن يزيد بهذا الإسناد ولفظه انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى عشية فنزل غلام يحط رحله فذكر الحديث فدل على أن الوهم فيه ممن دون ثور أو من ثور لما حدث به عن محمد بن إسحاق هذا قد أخرجه أبو عوانة في صحيحه وأبو عبد الله بن منده في كتاب الإيمان له على شرط الصحة وهو حجة في المغازي وروياته هنا راجحة على رواية غيره والله أعلم
"الحديث السابع والستون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان عام الفتح وأصحابه بين صائم ومفطر الحديث وقد أرسله حماد بن زيد والثقفي عن أيوب عن عكرمة قلت قد ذكر البخاري حديث حماد تعليقا واختلفت الروايات عنه في وصله وإرساله ولكنه اعتمد الموصول لروايته له موصولا من حديث خالد عن عكرمة عن ابن عباس أيضا على أنه لم يذكر حديث معمر إلا تعليقا
"الحديث الحديث الثامن والستون" قال الدارقطني أخرج البخاري عن موسى عن أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن أبي برده "قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن" قال وبعث كل واحد منهما على مخلاف الحديث وفيه قصة قتل المرتد وقصة كيف تقرأ القرآن وقد خالفه الهيثم بن جميل فرواه عن أبي عوانة عن عبد الملك عن أبي برده عن أبيه قلت هذا يقوي حديث موسى وذلك أن البخاري أخرج هذا الحديث من طرق منها عن أبي برده عن أبي موسى فاعتمد أن أبا برده حمله عن أبيه وترجح ذلك عنده بقرينه كونها تختص بأبيه فدواعيه متوفرة على حملها عنه كما تقدمت نظائره في حديث عروة عن عائشة وفي حديث نافع عن ابن عمر في غير موضع وحديث الهيثم المشار إليه وصله الإسماعيلي عنه فقال حدثنا القاسم بن زكريا حدثنا فضل بن يعقوب حدثنا الهيثم به موصولا وقد أخرج البخاري لعراك عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا في صلاته صلى الله عليه وسلم وعائشة معترضة ثم أخرجه من حديث الزهري عن عروة عن عائشة فلم يعد حديث عراك مرسلا لما قررناه ولهذا لم يتعقبه الدارقطني فيما تعقب والله أعلم طريق أخرى في هذا الحديث قال الدارقطني أخرج البخاري عن مسلم عن شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال "بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذا إلى اليمن" فذكر الحديث وفيه سؤال أبي موسى له عن الشراب المتخذ من الشعير وقصة قتل اليهودي المرتد وسؤال معاذ أبا موسى كيف تقرأ وغير ذلك قال وتابعه العقدي ووهب عن شعبة ورواه النضر ووكيع وأبو داود عن شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده موصولا قال الدارقطني وقد رواه مسلم من حديث وكيع موصولا لكنه عنده مختصر فأحسب أن شعبة كان إذا حدث به بطوله أرسله وإذا اختصره وصله قلت قد رواه علي بن الجعد وغيره عن شعبة موصولا وبتمامه أخرجه الإسماعيلي في صحيحه عن إبراهيم بن هاشم وغيره عن على بن الجعد
"الحديث التاسع والستون" قال الدارقطني أخرج البخاري أحاديث للحسن عن أبي بكرة منها حديث لن

يفلح قوم ولو أمرهم امرأة والحسن إنما يروي عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة قلت قد تقدم الجواب عن ذلك في الحديث التاسع والخمسين
"الحديث السبعون" قال الدارقطني وأخرج البخاري حديث أيوب ونافع بن عمر كلاهما عن ابن أبي مليكة عن عائشة أنها قالت "توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري" الحديث قال وأخرجه أيضا من حديث عمر بن سعيد عن ابن أبي مليكة أن ذكوان مولى عائشة أخبره أن عائشة كانت تقول فذكره قلت أخرج البخاري الطريقين على الاحتمال لصحة سماع بن أبي مليكة من عائشة كما تقدم في نظائره ويؤيد ذلك أن قتيبة بن سعيد روى هذا الحديث عن حفص بن ميسرة عن ابن أبي مليكة قال سمعت عائشة تقول فذكره

من كتاب التفسير : الحديث الحادى والسبعون الى السادس والسبعين
...
من كتاب التفسير
"الحديث الحادي والسبعون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث هشام بن يوسف عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لبوابه أذهب يا رافع إلى بن عباس فقل إن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لتعذبن أجمعون فقال ابن عباس مالكم ولهذه إنما "دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهودا فسألهم عن شيء" الحديث قال وأخرجه أيضا من حديث حجاج عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن حميد بن عبد الرحمن أنه أخبره أن مروان بهذا قال وأخرج مسلم حديث حجاج وحده قلت وسياقه عند مسلم أن مروان قال أذهب يا رافع لبوابه إلى بن عباس فذكر مثله إلى أن قال إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب فذكره بنحوه وقد اختلف هشام بن يوسف وحجاج بن محمد في شيخ بن أبي مليكة هشام يجعله علقمة بن وقاص وحجاج يجعله حميد بن عبد الرحمن وقد تابع عبد الرزاق هشام بن يوسف وتابع حجاجا محمد بن عبد الملك بن جريج عن أبيه قال إسحاق بن راهويه في مسنده حدثنا روح بن عبادة حدثنا محمد بن عبد الملك بن جريج عن أبيه عن ابن أبي مليكة أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن مروان بعث إلى بن عباس فذكره والظاهر أن هذا الاختلاف غير قادح لاحتمال أن يكون بن أبي مليكة سمعه منهما جميعا والله أعلم وسيأتي بسط الكلام إن شاء الله تعالى على هذا الحديث في آخر تفسير سورة آل عمران من هذا الشرح بعون الله تعالى
"الحديث الثاني والسبعون" قال الدارقطني وأخرجا حديث الثوري وهشيم عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر أنه كان يقسم قسما أن قوله: تعالى {هَذَانِ خَصْمَانِ} نزلت في الستة المبارزين يوم بدر وأخرجاه أيضا من حديث سليمان التيمي عن أبي مجلز عن قيس عن علي قال أنا أول من يجثو للخصومة قال قيس وفيهم نزلت هذان خصمان قال البخاري وقال عثمان عن جرير عن منصور عن أبي هاشم عن أبي مجلز قوله: "قال فاضطرب الحديث قلت لا اضطراب فيه بل رواية منصور قصر فيها منصور وقد وصلها الطبراني عن ابن

حميد عن جرير أن كأن ابن حميد حفظ ووصلها أيضا الثوري وهشيم وأما حديث سليمان التيمي عن أبي مجلز فلا مخالفة بينه وبين حديث أبي هاشم عنه لأن رواية التيمي لحديث على غير رواية أبي هاشم لحديث أبي ذر فهما حديثان مختلفان وبهذا يجمع بينهما وينتفي الاضطراب والله أعلم تنبيه قوله: "وأخرجاه من حديث سليمان التيمي وهم وإنما هو من أفراد البخاري
"الحديث الثالث والسبعون" قال الخطيب أخرج البخاري عن مسروق عن أم رومان رضي الله عنها وهي أم عائشة طرفا من حديث الإفك وهو وهم لم يسمع مسروق من أم رومان رضي الله عنها لأنها توفيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان لمسروق حين توفيت ست سنين قال وخفيت هذه العلة على البخاري وأظن مسلما فطن لهذه العلة فلم يخرجه له ولو صح هذا لكان مسروق صحابيا لا مانع له من السماع من النبي صلى الله عليه وسلم والظاهر أنه مرسل قال ورأيته في تفسير سورة يوسف من الصحيح عن مسروق قال سألت أم رومان فذكره قال وهو من رواية حصين عن شقيق عن مسروق وحصين اختلط فلعله حدث به بعد اختلاطه وقد رأيته من رواية أخرى عنه عن شقيق عن مسروق قال سألت أم رومان فلعل قوله: "في رواية البخاري سألت تصحيف من سئلت وقال ابن عبد البر رواية مسروق عن أم رومان مرسلة وتبعه القاضي عياض وتبعهما جماعة من المتأخرين المقلدين للخطيب وغيره وعندي أن الذي وقع في الصحيح هو الصواب والراجح وذلك أن مستند هؤلاء في انقطاع هذا الحديث إنما هو ما روي عن علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف أن أم رومان ماتت سنة ست وأن النبي صلى الله عليه وسلم حضر دفنها وقد نبه البخاري في تاريخه الأوسط والصغير على أنها رواية ضعيفة فقال في فصل من مات في خلافة عثمان قال علي بن زيد عن القاسم ماتت أم رومان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ست قال البخاري وفيه نظر وحديث مسروق أسند أي أصح إسنادا وهو كما قال وقد جزم إبراهيم الحربي الحافظ بأن مسروقا إنما سمع من أم رومان في خلافة عمر وقال أبو نعيم الأصفهاني عاشت أم رومان بعد النبي صلى الله عليه وسلم دهرا قلت ومما يدل على ضعف رواية علي بن زيد بن جدعان ما ثبت في الصحيح من رواية أبي عثمان النهدي عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء فذكر الحديث في قصة أضياف أبي بكر وفيه قال قال عبد الرحمن إنما هو أنه وأمي وامرأتي وخادم بيتنا الحديث وأم عبد الرحمن هي أم رومان لأنه شقيق عائشة وعبد الرحمن إنما أسلم بعد سنة ست وقد ذكر الزبير بن بكار من طريق بن عيينة عن علي بن زيد أن إسلام عبد الرحمن كان قبل الفتح وكان الفتح في رمضان سنة ثمان فبان ضعف ما قال علي بن زيد في تقييد وفاة أم رومان مع ما اشتهر من سوء حفظه في غير ذلك فكيف تعل به الروايات الصحيحة المعتمدة والله أعلم
"الحديث الرابع والسبعون" قال الدارقطني أخرج البخاري عن القعنبي وعبد الله بن يوسف وغيرهما عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير وعمر معه" الحديث في نزول سورة الفتح مرسلا وقد وصله قراد وغيره عن مالك قلت بل ظاهر رواية البخاري الوصل فإن أوله وإن كان صورته صورة المرسل فإن بعده ما يصرح بأن الحديث لأسلم عن عمر ففيه بعد قوله: "فسأله عمر عن شيء فلم يجبه فقال عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري ثم تقدمت إمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن وساق

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 03:04 AM
الحديث على هذه الصورة حاكيا لمعظم القصة عن عمر فكيف يكون مرسلا هذا من العجب والله أعلم
"الحديث الخامس والسبعون" قال أبو علي الغساني أخرج البخاري في تفسير سورة نوح حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جريج قال قال عطاء عن ابن عباس صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد الحديث وهذا الحديث قال أبو مسعود الدمشقي هذا الحديث ثبت في تفسير بن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس وعطاء لم يسمع من بن عباس وابن جريج لم يسمع من عطاء إنما أخذ الكتاب من أبيه ونظر فيه ثم تكلم على ذلك بما سيأتي في الطلاق إن شاء الله تعالى
"الحديث السادس والسبعون" قال الدارقطني وأخرجا جميعا حديث أيوب وعثمان ابن الأسود عن ابن أبي مليكة عن عائشة من حوسب عذب وأخرجه البخاري من حديث نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة كذلك وأخرجاه من حديث حاتم بن أبي صغيرة عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة على الاختلاف قلت في رواية البخاري من حديث عثمان ابن الأسود عن ابن أبي مليكة سمعت عائشة فالظاهر أنه أخرجه على الاحتمال بأن يكون بن أبي مليكة سمعه من القاسم عن عائشة ثم سمعه من عائشة فحدث به على الوجهين كما في نظائره

بن المديني ترجيح حديث سفيان على حديث شعبة وأما كون أبي عبد الرحمن لم يسمع من عثمان فيما زعم شعبة فقد أثبت غيره سماعه منه وقال البخاري في التاريخ الكبير سمع من عثمان والله أعلم

من فضائل القرآن : الحديث السابع والسبعون
من كتاب النكاح : الحديث الثمن والسبعون والتاسع والسبعون
...
من كتاب النكاح
"الحديث الثامن والسبعون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث يزيد هو بن أبي حبيب عن عراك عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر قال وهذا مرسل قلت هو محمول عند البخاري على أن عروة حمله عن عائشة كما تقدم نظيره
"الحديث التاسع والسبعون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث خنساء بنت خذام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك الحديث من رواية مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع بن يزيد بن جارية عن خنساء به ومن رواية يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد أنهما حدثاه أن رجلا يدعى خذاما أنكح ابنة له نحوه قلت عبد الرحمن بن القاسم أعرف بحديث أبيه من غيره وقد وصله ومالك أتقن الحديث أهل المدينة من غيره ومع ذلك فأخرج البخاري الطريقين فأفهم أنه رأى أن الموصول أرجح وهو المعتمد والله أعلم

من كتاب الطلاق : الحديث الثمانون والحادى والثمانون
...
من كتاب الطلاق
"الحديث الثمانون" قال الدارقطني وأخرج البخاري عن أزهر بن جميل عن الثقفي عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس اختلعت منه ومن حديث جرير بن حازم عن أيوب كذلك قال وأصحاب الثقفي غير أزهر يرسلونه وكذا حماد بن سلمة عن أيوب وكذا أرسله أصحاب خالد الحذاء عن عكرمة قلت قد حكى البخاري الاختلاف فيه وعلقه لإبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء مرسلا وعن أيوب موصولا وذلك لما يقوي رواية جرير بن حازم وفي رواية أبي ذر عن المستملي من الزيادة قال البخاري عقب حديث أزهر لا يتابع فيه عن ابن عباس وهذا معنى قول الدارقطني أن أصحاب الثقفي يرسلونه وقد ذكرت من وصل حديث إبراهيم بن طهمان في تغليق التعليق
"الحديث الحادي والثمانون" قال أبو علي الغساني قال البخاري حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام هو بن يوسف عن ابن جريج قال قال عطاء عن ابن عباس كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه قصة تطليق عمر بن الخطاب قريبة بنت أبي أمية وغير ذلك تعقبه أبو مسعود الدمشقي فقال ثبت هذا الحديث والذي قبله يعني بهذا الإسناد سوى الحديث المتقدم في التفسير من تفسير بن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني وإنما أخذ الكتاب من ابنه عثمان ونظر فيه قال أبو علي وهذا تنبيه بديع من أبي مسعود رحمه الله فقد روينا عن صالح بن أحمد بن حنبل عن علي بن المديني قال سمعت

من كتاب الأطعمة
"الحديث الثاني والثمانون" قال الدارقطني أخرج البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن وهب بن كيسان قال "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام ومعه ربيبه عمر بن أبي سلمة فقال سم الله وكل مما يليك" وهذا الحديث أرسله مالك في الموطأ ووصله عنه خالد بن مخلد ويحيى بن صالح وهو صحيح متصل وقد رواه محمد بن عمرو بن حلحلة وغيره عن وهب بن كيسان عن عمر متصلا وأخرجه البخاري إلا أنه لم يخرج حديث من وصله عن مالك قلت إنما أخرج البخاري حديث مالك إثر حديث محمد بن عمرو بن حلحلة ليبين موضع الخلاف فيه وقد أخرجه النسائي موصولا عن خالد بن مخلد ومرسلا عن قتيبة كلاهما عن مالك والمشهور عن مالك إرساله كعادته

من كتاب الذبائح : الحديث الثالث والثمانون الى الخامس والثمانين
...
من الذبائح
"الحديث الثالث والثمانون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن جارية لكعب بن مالك وعن مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ أن جارية لكعب وعن جويرية عن نافع عن رجل من بني سلمة أخبر عبد الله أن جارية لكعب بن مالك الحديث في الذبح بالمروة قال ورواه الليث عن نافع سمع رجلا من الأنصار يخبر عبد الله وهذا اختلاف بين وقد أخرجه قال الدارقطني وهذا قد اختلف فيه على نافع وعلى أصحابه اختلف فيه على عبيد الله وعلى يحيى بن سعيد وعلى أيوب وعلى إسماعيل بن أمية وعلى موسى بن عقبة وعلى غيرهم وقيل فيه عن نافع عن ابن عمر ولا يصح والاختلاف فيه كثير قلت هو كما قال وعلته ظاهرة والجواب عنه فيه تكلف وتعسف

من كتاب الطب
"الحديث السادس والثمانون" قال الدارقطني وأخرجا جميعا حديث الزبيدي عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة "ن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية بها سفعة فقال استرقوا لها" وقد رواه عقيل عن الزهري عن عروة مرسلا ورواه يحيى بن سعيد عن سليمان ابن يسار عن عروة مرسلا وقال عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد ولم يصنع شيئا قلت وهو ضعيف وأما رواية عقيل فقد أشار إليها البخاري إلا أن راويها عنه ليس بحافظ وحديث الزبيدي رواه عنه ثقتان فكان هو المعتمد

من كتاب اللباس : الحديث السابع والثمانون الى التاسع والثمانين
...
من كتاب اللباس
حديث نقش الخاتم هو طرف من حديث أنس في الزكاة
"الحديث السابع والثمانون" قال الدارقطني وأخرج البخاري حديث الثقفي عن أيوب عن عكرمة في قصة امرأة رفاعة القرظي وفيه ذكر عائشة ولكنه مرسل وكذا رواه حماد بن زيد عن أيوب قلت سياقه يقتضي أنه من رواية عكرمة عن عائشة فإن لفظه عن عكرمة أن رفاعة طلق امرأته فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير

من كتاب الأدب : الحديث التسعون الى الخامس والتسعين
...
من كتاب الأدب
"الحديث التسعون" قال الدارقطني وأخرج البخاري عن سعد بن حفصعن شيبان عن منصور عن المسيب بن رافع عن وراد عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات" الحديث وهذا غير محفوظ عن المسيب وإنما رواه شيبان عن منصور عن الشعبي عن وراد كذا قال عبيد الله بن موسى وحسين بن محمد المرزوي وغيرهما وكذا قال جرير عن منصور عن الشعبي والذي عند منصور عن المسيب عن وراد حديث كان يقول في دبر الصلاة والدعاء لا إله إلا الله الحديث فلعله اشتبه على سعد بن حفص قلت أما حديث جرير عن منصور فهو كما قال الشعبي وأما حديث عبيد الله بن موسى عن شيبان فاختلف عليه فيه فرواه مسلم في صحيحه من حديثه كما قال الدارقطني وكذا رواه أبو عوانة في صحيحه عن أبي أمية عن عبيد الله بن موسى لكن قد رواه الإسماعيلي في مستخرجه من طريقين عن عبيد الله بن موسى عن شيبان عن منصور عن المسيب كما قال البخاري عن سعد بن حفص فعلى هذا يقوي الظن بأنه كان عند شيبان عن منصور عن الشعبي والمسيب معا ولا ينسب سعد بن حفص إلى الوهم مع متابعة إسحاق بن يسار النصيبي له عن عبيد الله بن موسى عن شيبان والله أعلم
"الحديث الحادي والتسعون" قال الدارقطني وأخرج البخاري حديث عاصم بن علي عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي شريح والله لا يؤمن الذي لا يأمن جاره بوائقه قال وتابعه شبابة وأسد بن موسى وقال عثمان ابن عمر وحميد بن الأسود وغير واحد عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة قال ورواه يزيد بن هارون وحجاج بن محمد وأبو النضر عن ابن أبي ذئب كما قال عاصم بن علي قلت ترجح عند البخاري أنه عند بن أبي ذئب على الوجهين فذكر "الحديث الثاني والتسعون" قال الدارقطني وأخرج البخاري حديث علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الرجل لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما" وقال عكرمة بن عمار عن يحيى عن عبد الله بن يزيد سمع أبا سلمة سمع أبا هريرة قال الدارقطني يحيى بن أبي كثير مدلس يشبه أن يكون وقول عكرمة أولى لأنه زاد رجلا وهو ثقة قلت قد أخرج البخاري طريق عكرمة تعليقا فهو عنده على الاحتمال والله أعلم
"الحديث الثالث والتسعون" قال الإسماعيلي أخرج البخاري عن إسحاق عن أبي المغيرة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا الزهري عن حميد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف منكم فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه تعال أقارمك فليتصدق" قال ولم يقل فيه أحد من الأوزاعي حدثني الزهري إلا أبو المغيرة وقد رواه الوليد وعمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن الزهري معنعنا ورواه بشر بن بكر عن الأوزاعي قال بلغني عن الزهري قال وأبو المغيرة وبشر بن بكر صدوقان إلا أن بشرا كان يعرض عن مثل هذا قلت ورواه عقبة بن علقمة البيروتي عن الأوزاعي كما قال بشر بن بكر سواء ورويناه في الجزء الثالث من حديث أبي العباس الأصم قال حدثنا العباس بن الوليد بن مرثد عن عقبة به وهذا من المواضع الدقيقة ولكن الحديث في الأصل صحيح عن الزهري وقد أخرجه البخاري من حديث معمر عقيل عنه والله أعلم
"الحديث الرابع والتسعون" قال الدارقطني ما ملخصه أن الشيخين أخرجا حديث الأعمش عن أبي وائل عن أبي موسى الأشعري المرء مع من أحب وأخرجاه من حديث الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله أيضا والطريقان محفوظان عن الأعمش قلت فلا معنى لاستدراكه
"الحديث الخامس والتسعون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ما اسمك قال حزن" وأخرجه من حديث هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير عن سعيد بن المسيب أن جده حزنا وهذا مرسل وكذا قال قتادة وعلي بن زيد وابن سعيد بن المسيب قلت هذا على ما قررناه فيما قبل أن البخاري يعتمد هذه الصيغة إذا حفت بها قرينة تقتضي الاتصال ولا سيما وقد وصله الزهري صريحا فأخرج الوجهين على الاحتمال والله أعلم وقد رواه عبد الرزاق عن ابن جريج فقال فيه عن أبيه عن جده أيضا أخرجه الإسماعيلي من طريقه من كتاب الدعوات
"الحديث السادس والتسعون" قال الدارقطني وأخرجا حديث عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه وقد اختلف فيه على عبيد الله فرواه جماعة من أصحابه هكذا ورواه يحيى القطان وابن المبارك وغير واحد عن عبيد الله لم يقولوا عن أبيه وكذا رواه مالك وابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة قلت جواب مثل هذا التعليل تقدم في الحديث الثاني وقد أشار البخاري إلى الاختلاف فيه على عبيد الله وعلى سعيد فلا استدراك عليه

من كتاب الرقاق : الحديث السابع والتسعون والثاممن والتسعون
...
من كتاب الرقاق
"الحديث السابع والتسعون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد "قال نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يقاتل المشركين فقال هو من أهل النار" الحديث وفيه "إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتيم" قال وقد رواه بن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وسعيد الجمحي عن أبي حازم فلم يقولوا في آخره وإنما الأعمال بالخواتيم قلت زادها أبو غسان وهو ثقة حافظ فاعتمده البخاري
"الحديث الثامن والتسعون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة "عن النبي صلى الله عليه وسلم يرد على الحوض رهط من أصحابي" الحديث وعن أحمد بن صالح عن ابن وهب عن يونس مثله لكن قال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل عن أبي هريرة وقال شعيب وعقيل عن الزهري كان أبو هريرة يحدث وقال الزبيدي عن الزهري عن أبي جعفر محمد بن علي عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة قال الدارقطني ورواه معمر عن الزهري عن رجل عن أبي هريرة ولو كان عن سعيد بن المسيب لم يكن عنه الزهري ولصرح به قلت يحتمل أن يكون النسيان طرأ فيه على معمر وأما رواية الزبيدي فإنه إسناد آخر للحديث وقد بين البخاري وجوه الاختلاف فيه إلا طريق معمر فلم يعتد بهما

من كتاب النذور : الحديث التاسع والتسعون
...
من النذور
"الحديث التاسع والتسعون" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث وهيب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قام أبو إسرائيل الحديث وقد رواه الثقفي وابن علية عن أيوب مرسلا قلت قد أشار البخاري إلى الخلاف فيه واعتمد حديث وهيب لحفظه

من كتاب الحدود : الحديث المائة
...
من الحدود
"الحديث المائة" قال الدارقطني أخرجا حديث بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير عن سليمان ابن يسار عن ابن جابر عن أبيه عن أبي بردة بن نيار لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد وقد خالفه الليث بن سعد وسعيد بن أبي أيوب فروياه عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير فلم يقولا عن أبيه وقال مسلم بن أبي مريم عن ابن جابر عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال وقول عمرو بن الحارث صحيح لأنه ثقة وزاد رجلا وقد تابعه أسامة بن زيد عن بكير قلت أخرج البخاري الأوجه كلها إلا رواية أسامة واقتصر مسلم على حديث عمرو بن الحارث عن بكير فلم يقولا عن أبيه

من كتاب التعبير : الحديث الأول بعد المائة
...
من التعبير
"الحديث الأول بعد المائة" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس من صور صورة ورواه خالد وهشام عن عكرمة عن ابن عباس موقوفا وقال قتادة عن عكرمة عن أبي هريرة موقوفا واختلف عليهم فيه قلت تعارض الوقف والرفع فيه لا أثر له لأن حكمه الرفع وقد أشار البخاري إلى الخلاف فيه على عكرمة عن ابن عباس أو عن أبي هريرة والراجح عنده أنه عن ابن عباس والله أعلم

من كتاب الفتن : الحديث الثانى بعد المائة
...
من الفتن
"الحديث الثاني بعد المائة" قال الدارقطني وأخرجا حديث عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يتقارب الزمان ويلقى الشح الحديث وقد تابع حماد بن زيد عبد الأعلى وخالفهما عبد الرزاق عن معمر فأرسله ولم يذكر أبا هريرة ويقال إن معمرا حدث بالبصرة من حفظه بأحاديث وهم في بعضها وقد خالفه فيه شعيب ويونس والليث بن سعد وابن أخي الزهري رووه عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة وقد أخرجا حديث حميد أيضا قلت الزهري صاحب حديث فلا استبعاد أن يكون عنده عن حميد وسعيد جميعا والظاهر أن البخاري أخرجه على الاحتمال كما تقدم في نظائره

من كتاب الآحكام : الحديث الثالث بعد المائة الى الخامس بعد المائة
...
من كتاب الأحكام
"الحديث الثالث بعد المائة" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث بن أبي ذئب عن سعيد عن أبي هريرة إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون حزنا وندامة الحديث وقد رواه عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن عمر بن الحكم عن أبي هريرة موقوفا قلت قد أخرجه البخاري على أثر حديث بن أبي ذئب فهو عنده على الاحتمال لأن ابن أبي ذئب زاد على عبد الحميد في الرفع وعبد الحميد زاد على بن أبي ذئب في الإسناد رجلا لكن صنيعه يشعر بترجيح رواية بن أبي ذئب لحفظه
"الحديث الرابع بعد المائة" قال الدارقطني وأخرج البخاري حديث بن عيينة عن الزهري عن سهل بن سعد وفرق بين المتلاعنين وهذا مما وهم فيه بن عيينة لأن أصحاب الزهري قالوا فطلقها قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم وكان فراقه إياها سنة لم يقل أحد منهم إن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما قلت لم أره عند البخاري بتمامه وإنما ذكر بهذا الإسناد طرفا منه وكأنه اختصره لهذه العلة فبطل الاعتراض عليه
"الحديث الخامس بعد المائة" قال الدارقطني وأخرج البخاري حديث يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما بعث الله من نبي إلا كان له بطانتان" وتابعه يحيى وابن أبي عتيق وكذا قال ابن أبي حسين وسعيد بن زياد عن أبي سلمة وقال شعيب عن الزهري مثله إلا أنه وقفه وقال الأوزاعي ومعاوية بن سلام عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقال صفوأن ابن سليم عن أبي سلمة عن أبي أيوب قلت حكى البخاري هذه الأوجه كلها وكأنه ترجح عنده طريق أبي سلمة عن أبي سعيد فإن أكثر أصحاب الزهري رووه كذلك ولأن الزهري أحفظ من صفوأن ابن سليم والله أعلم

من كتاب التمني
"الحديث السادس بعد المائة" قال البخاري حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري ح وقال الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال الحديث قال أبو مسعود هكذا في صحيح البخاري لم يذكر كيف يروي شعيب هذا الحديث عن الزهري وإردافه له بحديث الليث يوهم أنهما سواء وليس كذلك بل شعيب يرويه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقد أخرجه البخاري في الصيام على الصواب قال أبو علي الغساني هذا تنبيه حسن جدا ويمكن أن يكون البخاري اكتفى بما ذكره في الصيام لكن هذا النظم فيه التباس قلت صدق أبو علي والذي عندي أن الإسناد الأول سقطت منه كلمة واحدة وهي قوله: "عن أبي سلمة ثم حوله برواية الليث وبهذا يرتفع اللبس والله أعلم

من كتاب التوحيد : الحديث السابع بعد المائة الى الحديث العلشر بعد المائة
...
من كتاب التوحيد
"الحديث السابع بعد المائة" قال البخاري وقال الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة في حديث أوله لا تفاضلوا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى آخذ بالعرش اختصره وتعقبه أبو مسعود بأن المعروف رواية الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة وقد تكلمنا عليه في الفصل الذي مضى في أحكام التعليق بما يغني عن الإعادة
"الحديث الثامن بعد المائة" قال البخاري حدثنا بسرة بن صفوان حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلمب "ينا أنا نائم رأيتني على قليب فنزعت ما شاء الله" الحديث قال أبو مسعود سقط منه رجل بين إبراهيم بن سعد والزهري وقد رواه مسلم على الصواب عن عمرو بن محمد الناقد وغيره عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان عن الزهري والله أعلم
"الحديث التاسع بعد المائة " حديث عمرو بن دينار عن أبي العباس الشاعر عن عبد الله في قصة حصار الطائف اختلف فيه على بن عيينة في اسم والد عبد الله هل هو عمر بن الخطاب أو عمرو بن العاص فوقع في أكثر النسخ من صحيح البخاري عبد الله بن عمر يعني بن الخطاب وفي بعضها بن عمرو وقال أبو نعيم الأصبهاني أخرجه الحميدي وأبو خيثمة في مسنديهما في مسند بن عمر بن الخطاب وقال أبو عوانة الأسفرايني رواه جماعة ممن يفهم ويضبط عن ابن عيينة كذلك وكذلك كان يقول قدماء أصحاب بن عيينة عنه والمتأخرون منهم يقولون عن عبد الله بن عمرو بن العاص ومنهم من لا ينسبه كذا وقع عند النسائي والإضطراب فيه من سفيان وقال أبو علي الجياني حدث به علي بن المديني عن سفيان فقال عبد الله بن عمرو فرد ذلك عليه حامد بن يحيى البلخي فرجع إليه وصوب الدارقطني في العلل قول من قال ابن عمر قلت ليس في التعليل بذلك كبير تأثير والله أعلم "الحديث العاشر بعد المائة" أخرج البخاري في أواخر الكتاب حديث شريك بن أبي نمر عن أنس في الإسراء بطوله وقد خالف فيه شريك أصحاب أنس في إسناده ومتنه أما الإسناد فإن قتادة يجعله عن أنس عن مالك بن صعصعة والزهري يجعله عن أنس عن أبي ذر وثابت يجعله عن أنس من غير واسطة لكن سياق ثابت لا مخالفة بينه وبين سياق قتادة والزهري وسياق شريك يخالفهم في التقديم والتأخير والزيادة المنكرة وقد أخرج مسلم إسناده فقط تلو حديث ثابت وقال في آخره فزاد ونقص وقدم وأخر وتكلم بن حزم والقاضي عياض وغيرهما على حديث شريك وانتصر له جماعة منهم أبو الفضل بن طاهر فصنف فيه جزأ وسنذكر ما يتعلق به مستوفى عند الكلام عليه إن شاء الله تعالى في موضعه
هذا جميع ما تعقبه الحفاظ النقاد العارفون بعلل الأسانيد المطلعون على خفايا الطرق وليست كلها من أفراد البخاري بل شاركه مسلم في كثير منها كما تراه واضحا ومرقوما عليه رقم مسلم وهو صورة م وعدة ذلك اثنان وثلاثون حديثا فأفراده منها ثمانية وسبعون فقط وليست كلها قادحة بل أكثرها الجواب عنه ظاهر والقدح فيه مندفع وبعضها الجواب عنه محتمل واليسير منه في الجواب عنه تعسف كما شرحته مجملا في أول الفصل وأوضحته مبينا أثر كل حديث منها فإذا تأمل المصنف ما حررته من ذلك عظم مقدار هذا المصنف في نفسه وجل تصنيفه في عينه وعذر الأئمة من أهل العلم في تلقيه بالقبول والتسليم وتقديمهم له على كل مصنف في الحديث والقديم وليسا سواء من يدفع بالصدر فلا يأمن دعوى العصبية ومن يدفع بيد الإنصاف علىالقواعد المرضية والضوابط المرعية فلله الحمد الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والله المستعان وعليه التكلان
وأما سياق الأحاديث التي لم يتتبعها الدارقطني وهي على شرطه في تتبعه من هذا الكتاب فقد اوردتها في أماكنها من الشرح لتكمل الفائدة مع التنبيه على مواقع الأجوبة المستقيمة كما تقدم لئلا يستدركها من لا يفهم وإنما اقتصرت على ما ذكرته عن الدارقطني عن الاستيعاب فإني أردت أن يكون عنوانا لغيره لأنه الإمام المقدم في هذا الفن وكتابه في هذه النوع أوسع وأوعب وقد ذكرت في أثناء ما ذكره عن غيره قليلا على سبيل الأمثلة والله أعلم

الفصل التاسع : في سياق من طعن من رجال هذا الكتاب مرتبا لهم على حرف المعجم
حرف الألف
...
الفصل التاسع:
في سياق أسماء من طعن فيه من رجال هذا الكتاب مرتبا لهم على حروف المعجم
والجواب عن الاعتراضات موضعا موضعا وتمييز من إخرج له منهم في
الأصول أو في المتابعات والاستشهادات مفصلا لذلك جميعه
وقبل الخوض فيه ينبغي لكل مصنف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا إذا خرج له في الأصول فإما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعنا فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقا أو في ضبطه لخبر بعينه لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة عنها ما يقدح ومنها ما لا يقدح وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح هذا جاز القنطرة يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه قال الشيخ أبو الفتح القشيري في مختصره وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما قلت فلا يقبل الطعن في أحد منهم إلا بقادح واضح لأن أسباب الجرح مختلفة ومدارها على خمسة أشياء البدعة أو المخالفة أو الغلط أو جهالة الحال أو دعوى الانقطاع في السند بأن يدعي في الراوي أنه كان يدلس أو يرسل فأما جهالة الحال فمندفعة عن جميع من أخرج لهم في الصحيح لأن شرط الصحيح أن يكون راويه معروفا بالعدالة فمن زعم أن أحدا منهم مجهول فكأنه نازع المصنف في دعواه أنه معروف ولا شك أن المدعي لمعرفته مقدم على من يدعي عدم معرفته لما مع المثبت من زيادة العلم ومع ذلك فلا تجد في رجال الصحيح أحدا ممن يسوغ إطلاق اسم الجهالة عليه أصلا كما سنبينه وأما الغلط فتارة يكثر من الراوي وتارة يقل فحيث يوصف بكونه كثير الغلط ينظر فيما أخرج له إن وجد مرويا عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط علم أن المعتمد أصل الحديث لا خصوص هذه الطريق وأن لم يوجد إلا من طريقه فهذا قادح يوجب التوقف عن الحكم بصحة ما هذا سبيله وليس في الصحيح بحمد الله من ذلك شيء وحيث يوصف بقلة الغلط كما يقال سيء الحفظ أوله أو اهام أوله مناكير وغير ذلك من العبارات فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك وأما المخالفة وينشأ عنها الشذوذ والنكارة فإذا روى الضابط والصدوق شيئا فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عددا بخلاف ما روى بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين فهذا شاذ وقد تشتد المخالفة أو يضعف الحفظ فيحكم على ما يخالف فيه بكونه منكرا وهذا ليس في الصحيح منه إلا نزر يسير قد بين في الفصل الذي قبله بحمد الله تعالى وأما دعوى الانقطاع فمدفوعة عمن أخرج لهم البخاري لما علم من شرطه ومع ذلك فحكم من "ذكر من رجاله بتدليس أو إرسال أن تسبر أحاديثهم الموجودة عنده بالعنعنة فإن وجد التصريح بالسماع فيها اندفع الاعتراض وإلا فلا وأما البدعة فالموصوف بها أما أن يكون ممن يكفر بها أو يفسق فالمكفر بها لا بد أن يكون ذلك التكفير متفقا عليه من قواعد جميع الأئمة كما في غلاة الروافض من دعوى بعضهم حلول الإلهية في علي أو غيره أو الإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة أو غير ذلك وليس في الصحيح من حديث هؤلاء شيء البتة والمفسق بها كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلو وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافا ظاهرا لكنه مستند إلى تأويل ظاهرة سائغ فقد اختلف أهل السنة في قبول حديث من هذا سبيله إذا كان معروفا بالتحرز من الكذب مشهورا بالسلامه من خوارم المروأة موصوفا بالديانة والعبادة فقيل يقبل مطلقا وقيل يرد مطلقا والثالث التفصيل بين أن يكون داعية أو غير داعية فيقبل غير الداعيه ويرد حديث الداعيه وهذا المذهب هو الأعدل وصارت إليه الطوائف من الأئمة وادعى بن حبان إجماع أهل النقل عليه لكن في دعوى ذلك نظر ثم اختلف القائلين بهذا التفصيل فبعضهم أطلق ذلك وبعضهم زاده تفصيلا فقال ان اشتملت رواية غير الداعيه على ما يشيد بدعته ويزينه ويحسنه ظاهرا فلا تقبل وأن لم تشتمل فتقبل وطرد بعضهم هذا التفصيل بعينه في عكسه في حق الداعيه فقال أن اشتملت روايته على ما يرد بدعته قبل وإلا فلا وعلى هذا إذا اشتملت رواية المبتدع سواء كان داعية أم لم يكن على ما لا تعلق له ببدعته أصلا هل ترد مطلقا أو تقبل مطلقا مال أبو الفتح القشيري إلى تفصيل آخر فيه فقال إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو اخماد لبدعته واطفاء لناره وأن لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة اهانته وإطفاء بدعته والله أعلم وأعلم أنه قد وقع من جماعة الطعن في جماعة بسبب اختلافهم في العقائد فينبغي التنبه لذلك وعدم الاعتداد به إلا بحق وكذا عاب جماعة من الورعين جماعة دخلوا في أمر الدنيا فضعفوهم لذلك ولا أثر لذلك التضعيف مع الصدق والضبط والله الموفق وأبعد ذلك كله من الاعتبار تضعيف من ضعف بعض الرواة بأمر يكون الحمل فيه على غيره أو للتجامل بين الأقران وأشد من ذلك تضعيف من ضعف من هو أوثق منه أو أعلى قدرا أو أعرف بالحديث فكل هذا لا يعتبر به وقد عقدت فصلا مستقلا سردت فيه أسماءهم في آخر هذا الفصل بعون الله وإذ تقرر جميع ذلك فنعود إلى سرد أسماء من طعن فيه من رجال البخاري مع حكاية ذلك العطن والتنقيب عن سببه والقيام بجوابه والتنبيه على وجه رده على النعت الذي أسلفناه في الأحاديث المعللة بعون الله تعالى وتوفيقه
حرف الألف
"خ ت ق" أحمد بن بشير الكوفي أبو بكر مولى عمرو بن حريث المخزومي قال النسائي ليس بذلك القوي وقال عثمان الدارمي متروك وقواه بن معين وأبو زرعة وغيرهما أخرج له البخاري حديث واحدا تابعه عليه مروأن ابن معاوية وأبو أسامة وهو في كتاب الطب فأما تضعيف النسائي له فمشعر بأنه غير حافظ وأما كلام عثمان الدارمي فقد رده الخطيب بأنه اشتبه عليه بواو آخر اتفق اسمه واسم أبيه وهو كما قال الخطيب رحمه الله تعالى وروى له الترمذي وابن ماجة "خ س" أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي روى عنه البخاري أحاديث بعضها قال فيه حدثنا وبعضها قال فيه قال أحمد بن شبيب ووثقه أبو حاتم الرازي وقال ابن عدي وثقة أهل العراق وكتب عنه علي بن المديني وقال أبو الفتح الأزدي منكر الحديث غير مرضي ولا عبرة بقول الأزدي لأنه هو ضعيف فكيف يعتمد في تضعيف الثقات وسيأتي في ترجمة أبيه ثناء بن عدي على أحاديثه وقد روى له النسائي وأبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ "خ د" أحمد بن صالح المصري أبو جعفر بن الطبري أحد أئمة الحديث الحفاظ المتقنين الجامعين بين الفقه والحديث أكثر عنه البخاري وأبو داود واعتمده الذهلي في كثير من أحاديث أهل الحجاز ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين فيما نقله عنه البخاري وعلي بن المديني وابن نمير والعجلي وأبو حاتم الرازي وآخرون وأما النسائي فكان سيء الرأي فيه ذكره مرة فقال ليس بثقة ولا مأمون أخبرني معاوية بن صالح قال سألت يحيى بن معين عن أحمد بن صالح فقال كذاب يتفلسف رأيته يخطىء في الجامع بمصر أه فاستند النسائي في تضعيفه إلى ما حكاه عن يحيى بن معين وهو وهم منه حمله على اعتقاده سوء رأيه في أحمد بن صالح فنذكر أولا السبب الحامل له على سوء راية فيه ثم نذكر وجه وهمه في نقله ذلك عن يحيى بن معين قال أبو جعفر العقيلي كان أحمد بن صالح لا يحدث أحدا حتى يسأل عنه فلما أن قدم النسائي مصر جاء إليه وقد صحب قوما من أهل الحديث لا يرضاهم أحمد فأبى أن يحدثه فذهب النسائي فجمع الأحاديث التي وهم فيها أحمد وشرع يشنع عليه وما ضره ذلك شيئا وأحمد بن صالح إمام ثقة وقال ابن عدي كان النسائي ينكر عليه أحاديث وهو من الحفاظ المشهورين بمعرفة الحديث ثم ذكر بن عدي الأحاديث التي أنكرها النسائي وأجاب عنها وليس في البخاري مع ذلك منها شيء وقال صالح جزرة لم يكن بمصر أحد يحفظ الحديث غير أحمد بن صالح وكان يذاكر بحديث الزهري ويحفظه وقال ابن حبان ما رواه النسائي عن يحيى بن معين في حق أحمد بن صالح فهو وهم وذلك أن أحمد بن صالح الذي تكلم فيه بن معين هو رجل آخر غير بن الطبري وكان يقال له الأشمومي وكان مشهورا بوضع الحديث وأما بن الطبري فكان يقارب بن معين في الضبط والإتقان انتهى وهو في غاية التحرير ويؤيد ما نقلناه أولا عن البخاري أن يحيى بن معين وثق أحمد بن صالح بن الطبري فتبين أن النسائي انفرد بتضعيف أحمد بن صالح بما لا يقبل حتى قال الخليلي اتفق الحفاظ على أن كلامه فيه تحامل وهو كما قاله وروى البخاري في الصحيح أيضا عن رجل عنه وكذا الترمذي "خ ت" أحمد بن أبي الطيب البغدادي أبو سليمان المعروف بالمرزوي قال أبو زرعة كان حافظا وقال أبو حاتم ضعيف الحديث قلت روى البخاري في فضل أبي بكر عنه عن إسماعيل بن مجالد حديث عمار وقد أخرجه في موضع آخر من رواية يحيى بن معين عن إسماعيل فتبين أنه عنه البخاري غير محتج به وروى له الترمذي "خ" أحمد بن عاصم البلخي معروف بالزهد والعبادة له ترجمة في حلية الأولياء وقد ذكره بن حبان في الثقات فقال روى عنه أهل بلده وقال أبو حاتم الرازي مجهول قلت روى عنه البخاري حديثا واحدا في كتاب الرقاق وهو في رواية المستملي وحده "خ س ف" أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني وقد ينسب إلى جده قال ابن نمير تركت حديثه لقول أهل بلده وقال الميموني قلت لأحمد إن أهل حران يسيئون الثناء عليه فقال أهل حران قل أن يرضوا عن إنسان هو يغشى السلطان بسبب ضيعة له قلت فأفصح أحمد بالسبب الذي طعن فيه أهل حران من أجله وهو غير قادح وقد قال أبو حاتم كان من أهل الصدق والإتقان روى عنه أحمد في مسنده والبخاري في الصلاة والجهاد والمناقب أحاديث شورك فيها عن حماد بن زيد وروى له النسائي وابن ماجة "خ م س" أحمد بن عيسى التستري المصري عاب أبو زرعة على مسلم تخريج حديثه ولم يبين سبب ذلك وقد احتج به النسائي مع تعنته وقال الخطيب لم أر لمن تكلم فيه حجة توجب ترك الاحتجاج بحديثه قلت وقع التصريح به في صحيح البخاري في رواية أبي ذر الهروي وذلك في ثلاثة مواضع أحدها حديثه عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة أن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم الطواف وقد تابعه عليه عنده أصبغ عن ابن وهب ثانيها حديثه عن ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سالم عن أبيه في المواقيت مقرونا بسفيان ابن عيينة عن الزهري وثالثها هذا الإسناد في الإهلال من ذي الحليفة بمتابعة بن المبارك عن يونس وقد أخرج مسلم الحديثين الأخيرين عن حرملة عن ابن وهب فما أخرج له البخاري شيئا تفرد به ووقع في البخاري عدة مواضع غير هذه يقول فيها حدثنا أحمد عن ابن وهب ولا ينسبه وقد ذكرنا ذلك مشروحا في الفصل التاسع "خ ت س ق" أحمد بن المقدام بن سليمان العجلي أبو الأشعث مشهور بكنيته وثقه أبو حاتم وصالح جزرة والنسائي وقال أبو داود لا أحدث عنه لأنه كان يعلم المجان المجون كان مجان بالبصرة يصرون صرر دراهم فيطرحونها على الطريق ويجلسون ناحية فإذا مر مار بصرة وأراد أن يأخذها صاحوا ضعها ضعها ليخجل الرجل فعلم أبو الأشعث المارة فقال لهم هيؤا صرر زجاج كصرر الدراهم فإذا مررتم بصررهم فأردتم أخذها فصاحوا بكم فاطرحوا صرر الزجاج وخذوا صرر الدراهم التي لهم ففعلوا ذلك وتعقب بن عدي كلام أبي داود هذا فقال لا يؤثر ذلك فيه لأنه من أهل الصدق قلت ووجه عدم تأثيره فيه أنه لم يعلم المجان كما قال أبو داود وإنما علم المارة الذين كان قصد المجان أن يخجلوهم وكأنه كان يذهب مذهب من يؤدب بالمال فلهذا جوز للمارة أن يأخذوا الدراهم تأديبا للمجان حتى لا يعودوا لتخجيل الناس مع احتمال أن يكونوا بعد ذلك أعادوا لهم دراهم والله أعلم وقد احتج به البخاري والترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه وغيرهم "خ" أحمد بن يزيد بن إبراهيم الحراني أبو الحسن المعروف بالورتنيس قال أبو حاتم ضعيف الحديث أدركته ولم أكتب عنه قلت روى له البخاري حديثا واحدا في علامات النبوة متابعة وهو حديث أبي بكر في قصة الهجرة رواه البخاري عن محمد بن يوسف البيكندي عنه عن زهير بن معاوية وقد تابعه عليه الحسن بن محمد بن أعين عن زهير وأخرجه البخاري في فضل أبي بكر وفي اللقطة من حديث إسرائيل وفي الهجرة من حديث إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي كلهم عن أبي إسحاق عن البراء عن أبي بكر فتبين أن تخريجه لهذا في المتابعة لا في الأصول على أن البخاري قد لقي أحمد هذا وحدث عنه في التاريخ فهو عارف بحديثه والله أعلم "خ م د ت" س أبان ابن يزيد العطار قال أحمد ثبت في كل المشايخ وقال ابن معين ثقة كان القطان يروي عنه ونقل بن الجوزي من طريق الكديمي عن ابن المديني عن القطان أنه قال أنا لا أروي عنه وهذا مردود لأن الكديمي ضعيف قلت وإنما أخرج له البخاري قليلا في المتابعات مع ذلك ولم أر له موصولا سوى موضع قال في المزارعة قال أخبرنا مسلم قال حدثنا أبان فذكر حديثا وهذه الصيغة قد وقعت له في حديث لحماد بن سلمة ولم يعلم المزي مع ذلك له سوى علامة التعليق فتناقض وروى له مسلم وأبو داود

حرف الباء
"ء ا" بدل بن المحبر التميمي البصري وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وغيرهما وضعفه الدارقطني في روايته عن زائدة قاله الحاكم وذلك بسبب حديث واحد خالف فيه حسين بن علي الجعفي صاحب زائدة وهو في مسند بن عمر من مسند البزار قلت هو تعنت ولم يخرج عنه البخاري سوى موضعين عن شعبة أحدهما في الصلاة والآخر في الفتن وروى له أصحاب السنن "ع" بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري وثقه بن معين والعجلي والترمذي وأبو داود وقال النسائي ليس به بأس وقال مرة ليس بذلك القوي وقال أبو حاتم ليس بالمتين يكتب حديثه وقال ابن عدي صدوق وأحاديثه مستقيمة وأنكر ما روى حديث إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها ومع ذلك فقد أدخله قوم في صحاحهم وقال أحمد روى مناكير قلت احتج به الأئمة كلهم وأحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة "خ ق" بسر بن آدم الضرير البغدادي قال أبو حاتم صدوق وقال ابن سعد رأيت أصحاب الحديث يتقون كتابه وقال الدارقطني ليس بالقوي قلت روى عنه البخاري في سجود القرآن حديثا واحدا من مسند بن عمر وأخرجه من وجهين آخرين وروى له بن ماجة بشر بن السري أبو عمرو البصري الأفوه سكن مكة قال البخاري كان صاحب مواعظ فلقب الأفوه وقال أحمد كان متقنا للحديث عجبا ثم تكلم في الرؤية في الآخرة فوثب به الحميدي فاعتذر فلم يقبل منه وقال ابن معين رأيته بمكة يستقبل البيت ويدعو على قوم يرمونه برأي جهم ووثقه هو وعبد الرحمن بن مهدي والعجلي وعمرو بن علي والدارقطني وقال إنما وجدوا عليه في أمر المذهب فحلف واعتذر من ذلك وقال ابن عدي له أفراد وغرائب عن الثوري وهو ثقة في نفسه لا بأس به قلت له في البخاري حديث واحد متابعة وهو أول شيء في كتاب الفتن قال حدثنا علي بن عبد الله حدثنا بشر بن السري حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر في ذكر الحوض ورواه البخاري أيضا في موضع آخر عن سعيد بن أبي مريم عن نافع عن ابن عمر عاليا وروى له الباقون "خ ت س" بشر بن شعيب بن أبي حمزة الحمصي شهد له أبو اليمان أنه سمع الكتب من أبيه وروى عن أحمد أنه سأله فقال أجازني وقال ابن حبان في كتاب الثقات كان متقنا ثم غفلة شديدة فذكره في الضعفاء وروى عن البخاري أنه قال تركناه وهذا خطأ من بن حبان نشأ عن حذف وذلك أن البخاري إنما قال في تاريخه تركناه حيا سنة اثنتي عشرة فسقط من نسخة بن حبان لفظة حيا فتغير المعنى وليس له في البخاري سوى حديث واحد في آخر الترجمة النبوية رواه عن إسحاق عنه عن أبيه عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن ابن عباس عن علي والعباس في مراجعتهما في سؤال الإمارة وقول العباس أني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت الحديث وذكر له مواضع يسيره تعليقا وروى له الترمذي والنسائي "ع" بشير بن نهيك السدوسي البصري من كبار التابعين وثقه العجلي والنسائي وابن سعد وأحمد بن حنبل وقال أبو حاتم لا يحتج به قلت له في البخاري حديثان عن أبي هريرة أحدهما حديث من أعتق عبدا وله مال وقد ذكرنا الخلاف فيه في الفصل الماضي والآخر حديث العمري جائزة وله أصل من حديث أبي هريرة وجابر وغيرهما "خ م د ت س" بكر بن عمرو المعافري المصري قال أبو حاتم شيخ وقال أحمد يروي له وقال الدارقطني يعتبر به قلت له في البخاري حديث واحد في التفسير وهو حديثه عن بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر في ذكر علي وعثمان وهو متابعة وقد أخرجه البخاري من طريق أخرى وروى له الباقون سوى بن ماجة "ع" بكر بن عمرو أبو الصديق البصري الناجي مشهور بكنيته وثقه جماعة وقال ابن سعد يتكلمون في أحاديثه ويستنكرونها قلت ليس له في البخاري سوى حديث واحد عن أبي سعيد في قصة الذي قتل تسعة وتسعين نفسا من بني إسرائيل ثم تاب واحتج به الباقون "ع" بهز بن أسد العمي أبو الأسود البصري أحد الأثبات في الرواية قال أحمد إليه المنتهى في التثبت ووثقه بن معين وأبو حاتم وابن سعد والعجلي وقال يحيى القطان لعبد الرحمن بن بشر عليك ببهز بن أسد في حديث شعبة فإنه صدوق ثقة وشذ الأزدي فذكره في الضعفاء وقال إنه كان يتحمل على علي قلت اعتمده الأئمة ولا يعتمد على الأزدي "خ" بيان ابن عمرو البخاري العابد شيخ البخاري أثنى عليه بن المديني ووثقه بن حبان وابن عدي وقال أبو حاتم مجهول والحديث الذي رواه عن سالم بن نوح باطل قلت ليس بمجهول من روى عنه البخاري وأبو زرعة وعبيد الله بن واصل ووثقه من ذكرنا وأما الحديث فالعهدة فيه على غيره لأنه لم ينفرد به كما قال الدارقطني في المؤتلف والمختلف

حرف التاء المثناة
"خ م د س" توبة بن أبي الأسد العنبري أبو المورع البصري من صغار التابعين وثقه بن معين وأبو حاتم والنسائي وشذ أبو الفتح الأزدي فقال منكر الحديث قلت له في الصحيح حديثان أو ثلاثة من رواية شعبة عنه وروى له مسلم وأبو داود والنسائي

حرف الثاء المثلثة
"خ م د س ق" ثابت بن عجلان الأنصاري الحمصي من صغار التابعين وثقه بن معين ودحيم وقال أبو حاتم والنسائي لا بأس به وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي فقلت أهو ثقة فسكت وكأنه مرض أمره وفي الميزان قال أحمد أنا متوقف فيه واستغرب بن عدي من حديثه ثلاثة أحاديث وقال العقيلي لا يتابع في حديثه وتعقب ذلك أبو الحسن بن القطان بأن ذلك لا يضره إلا إذا كثر منه رواية المناكير ومخالفة الثقات وهو كما قال له في البخاري حديث واحد في الذبائح وآخر في التاريخ سيأتي ذكره في ترجمة الراوي عنه محمد بن حمير وروى له أبو داود والنسائي وابن ماجة "خ ت" ثابت بن محمد العابد وثقه مطين وصدقه أبو حاتم وقال الدارقطني ليس بالقوي وقال ابن عدي هو عندي ممن لا يعتمد الكذب ولعله يخطىء قلت روى عنه البخاري في الصحيح حديثين في الهبة والتوحيد لم ينفرد بهما "ع" ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري روى عن جده وثقه أحمد والنسائي والعجلي وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به وروى عن أبي يعلى أن ابن معين أشار إلى لينه قلت قد بين غيره السبب في ذلك وهو من أجل حديث أنس في الصدقات الذي قدمناه في الفصل الذي قبل هذا لكون ثمامة قيل إنه لم يأخذه عن أنس سماعا وقد بينا أن ذلك لا يقدح في صحته احتج به الجماعة "ع" ثور بن زيد الديلي مولاهم المدني شيخ مالك وثقه بن معين وأبو زرعة والنسائي وغيرهم وقال ابن عبد البر صدوق لم يتهمه أحد وكان ينسب إلى رأي الخوارج والقول بالقدر ولم يكن يدعو إلى شيء من ذلك وفي الميزان للذهبي أتهمه بن البرقي بالقدر ولعله شبه عليه بثور بن يزيد يعني الذي بعده قلت لم يتهمه بن البرقي ولم يشتبه عليه وإنما حكى عن مالك أنه سئل كيف رويت عن داود بن الحصين وثور بن زيد وذكر غيرهما وكانوا يرون القدر فقال كانوا لأن يخروا من السماء إلى الأرض أسهل عليهم من أن يكذبوا احتج به الجماعة "ع" ثور بن يزيد الحمصي أبو خالد اتفقوا على تثبته في الحديث مع قوله بالقدر قال دحيم ما رأيت أحدا يشك أنه قدري وقال يحيى القطان ما رأيت شاميا أثبت منه وكان الأوزاعي وابن المبارك وغيرهما ينهون عن الكتابة عنه وكان الثوري يقول خذوا عنه واتقوا لا ينطحكم بقرنيه يحذرهم من رأيه وقدم المدينة فنهى مالك عن مجالسته وكان يرمي بالنصب أيضا وقال يحيى بن معين كان يجالس قوما ينالون من علي لكنه هو كان لا يسب قلت احتج به الجماعة

حرف الجيم
"ع" جرير بن حازم أبو النضر الأزدي البصري وثقه بن معين وقدمه على أبي الأشهب وضعفه في قتادة

حرف الحاء المهملة
"ع" حاتم بن إسماعيل المدني أبو إسماعيل الحرثي مولاهم وثقه بن معين والعجلي وابن سعد وقال أحمد زعموا أنه كان فيه غفلة إلا أن كتابه صالح وقال النسائي ليس به بأس وقال مرة ليس بالقوي وتكلم على بن المديني في أحاديثه عن جعفر بن محمد قلت احتج به الجماعة ولكن لم يكثر له البخاري ولا أخرج له من روايته عن جعفر شيئا بل أخرج ما توبع عليه من روايته عن غير جعفر "ع" حبيب بن أبي ثابت الأسدي الكوفي متفق على الاحتجاج به إنما عابوا عليه التدليس وقال يحيى القطان له أحاديث عن عطاء لا يتابع عليها وقال ابن أبي مريم عن ابن معين ثقة حجة قيل له ثبت قال نعم إنما روى حديثين يعني منكرين حديث الاستحاضة وحديث القبلة قلت روى هذين الحديثين عن عروة عن عائشة أخرجهما أبو داود وابن ماجة فقيل إنه لم يسمع من عروة بن الزبير وقيل بل عروة شيخه فيهما عروة المزني لا بن الزبير والله أعلم "ع" حبيب المعلم أبو محمد البصري وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وقال النسائي ليس بالقوي قلت له عند البخاري في الحج حديث واحد عن عطاء عن ابن عباس وآخر عن عطاء عن جابر وعلق له في بدء الخلق آخر عن عطاء عن جابر الأحاديث الثلاثة بمتابعة بن جريج له عن عطاء هذا جميع ما له عنده وروى له الجماعة "ع" حجاج بن محمد الأعور المصيصي أحد الأثبات أجمعوا على توثيقه وذكره أبو العرب الصقلي في الضعفاء بسبب أنه تغير في آخر عمره واختلط لكن ما ضره الاختلاط فإن إبراهيم الحربي حكى أن يحيى بن معين منع ابنه أن يدخل عليه بعد اختلاطه أحدا روى له الجماعة "خ م د س ق" حرمي بن عمارة بن أبي حفصة أبو روح البصري قال أحمد وابن معين صدوق زاد أحمد كان فيه غفلة وقال أبو حاتم ليس هو في عداد القطان وغندر هو مع وهب بن جرير وعبد الصمد وذكره العقيلي في الضعفاء وحكى عن الأثرم عن أحمد أنه أنكر من حديثه عن شعبة حديثين أحدهما عن قتادة عن أنس من كذب علي والآخر عن معبد بن خالد عن حارثة بن وهب في الحوض قال العقيلي الحديثان معروفان من حديث الناس وإنما أنكرهما أحمد من حديث شعبة قلت حديث الحوض هذا أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديثه وللحديث شواهد وروى له الجماعة سوى الترمذي "خ ء ا" حريز بن عثمان الحمصي مشهور من صغار التابعين وثقه أحمد وابن معين والأئمة لكن قال الفلاس وغيره أنه كان ينتقص عليا وقال أبو حاتم لا أعلم بالشام أثبت منه ولم يصح عندي ما يقال عنه من النصب قلت جاء عنه ذلك من غير وجه وجاء عنه خلاف ذلك وقال البخاري قال أبو اليمان كان حريز يتناول من رجل ثم ترك "قلت" فهذا أعدل الأقوال فلعله تاب وقال ابن عدي كان من ثقات الشاميين وإنما وضع منه بغضه لعلي وقال ابن حبان كان داعية إلى مذهبه يجتنب حديثه قلت ليس به عند البخاري سوى حديثين أحدهما في صفة النبي صلى الله عليه وسلم من روايته عن عبد الله بن بسر وهو من ثلاثياته والآخر حديثه عن عبد الواحد البصري عن واثلة بن الأسقع حديث من أفرى الفري أن يرى الرجل عينه ما لم تر الحديث وروى له أصحاب السنن "خ م د" حسأن ابن إبراهيم الكرماني وثقه بن معين وعلي بن المديني وقال النسائي ليس بالقوي وقال ابن عدي حدث بإفراد كثيرة وهو عندي من أهل الصدق إلا أنه يغلط في الشيء ولا يتعمد وأنكر عليه أحمد بن حنبل أحاديث منها حديثه عن عاصم الأحول عن عبد الله بن الحسن عن أمه عن أمها في دخول المسجد والدعاء وقال ليس هذا من حديث عاصم هذا من حديث ليث بن أبي سليم وقال ابن عدي سمع من أبي سفيان طريق عن أبي نضرة عن أبي سعيد حديثا ثم ظن أن أبا سفيان هذا هو أبو سفيان والد سفيان الثوري فقال حدثني سعيد بن مسروق كذا قال ابن عدي أن الوهم فيه من حسان وقال غيره الوهم فيه من الراوي عنه وهو الظاهر قلت له في الصحيح أحاديث يسيرة توبع عليها روى له الشيخان وأبو داود "خ" حسان ابن حسان وهو حسان ابن أبي عباد البصري نزيل مكة قال البخاري كان المقري يثني عليه وقال أبو حاتم منكر الحديث قلت روى عنه البخاري حديثين فقط أحدهما في المغازي عن محمد بن طلحة عن حميد عن أنس أن عمه غاب عن قتال بدر ولهذا الحديث طرق أخرى عن حميد والآخر عن همام عن قتادة عن أنس في اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه عنه في كتاب الحج وأخرجه أيضا عن هدبة وأبي الوليد الطيالسي بمتابعته عن همام "خ" حسان ابن عطية المحاربي مشهور وثقه أحمد وابن معين والعجلي وغيرهم وقال الأوزاعي ما رأيت أشد اجتهادا منه وتكلم فيه سعيد بن عبد العزيز من أجل القول بالقدر وأنكر ذلك الأوزاعي وروى له الجماعة "خ ت س" الحسن بن بشر بن سلم البجلي الكوفي قال أحمد ما أرى كان به بأس في نفسه وروى عن زهير أشياء مناكير وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائي ليس بالقوي وقال ابن عدي ليس هو بمنكر الحديث قلت روى عنه البخاري موضعين لا غير أحدهما في الصلاة والآخر في المناقب فأما الذي في الصلاة فحديثه عن معافى بن عمران عن الأوزاعي عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في الاستسقاء وهو عنده من غير وجه عن إسحاق بن أبي طلحة والآخر حديثه عن معافى أيضا عن عثمان ابن الأسود عن ابن أبي مليكة عن معاوية أنه أوتر بركعة فصوبه بن عباس وهو عنده في الباب من حديث نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة نحوه فلم يخرج عنه من أفراده شيئا ولا من أحاديثه عن زهير التي استنكرها أحمد وروى له الترمذي والنسائي "خ د ت ق" الحسن بن ذكوان أبو سلمة البصري ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي وابن المديني وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به وأورد له حديثين عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي وقال إنه دلسها وإنما سمعها من عمرو بن خالد الواسطي وهو متروك قلت فهذا أحد أسباب تضعيفه وقال الآجري عن أبي داود أنه كان قدريا فهذا سبب آخر روى له البخاري حديثا واحدا في كتاب الرقاق من رواية يحيى بن سعيد القطان عنه عن أبي رجاء العطاردي عن عمرأن ابن حصين يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الحديث مختصر ولهذا الحديث شواهد كثيرة وروى له أصحاب السنن إلا النسائي "خ ت د س" الحسن بن الصباح البزار أبو علي الواسطي وثقه أحمد وأبو حاتم وقال النسائي صالح وقال في الكنى ليس بالقوي قلت هذا تليين هين وقد روى عنه البخاري وأصحاب السنن إلا بن ماجة ولم يكثر عنه البخاري "خ ت ق" الحسن بن عمارة الكوفي مشهور رماه شعبة بالكذب وأطبقواعلى تركه وليس له في الصحيحين رواية إلا أن المزي علم على ترجمته علامة تعليق البخاري ولم يعلق له البخاري شيئا أصلا إلا أنه قال في كتاب المناقب حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا شبيب بن غرقدة قال سمعت الحي يذكرون عن عروة يعني البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري له به شاة فذكر الحديث قال سفيان كأن الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه يعني عن شبيب قال سمعته من عروة قال فأتيت شبيبا فقال لي أني لم أسمعه من عروة إنما سمعت الحي يخبرون عنه ولكني سمعته يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم الخيل معقود بنواصيها الخير فهذا كما ترى لم يقصد البخاري الرواية عن الحسن بن عمارة ولا الاستشهاد به بل أراد بسياقه ذلك أن يبين أنه لم يحفظ الإسناد الذي حدثه به عروة ومما يدل على أن البخاري لم يقصد تخريج الحديث الأول أنه أخرج هذا في أثناء أحاديث عدة في فضل الخيل وقد بالغ أبو الحسن بن القطان في كتاب بيان الوهم في الإنكار على من زعم أن البخاري أخرج حديث شراء الشاة قالوا وإنما أخرج حديث الخيل فانجر به سياق القصة إلى تخريج حديث الشاة وهذا كما قلناه وهو لائح لا خفاء به والله الموفق "خ س ق" الحسن بن مدرك السدوسي أبو علي الطحان قال النسائي في أسماء شيوخه لا بأس به وقال ابن عدي كان من حفاظ أهل البصرة وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود كان كذابا يأخذ أحاديث فهد بن عوف فيقلبها على يحيى بن حماد قلت إن كان مستند أبي داود في تكذيبه هذا الفعل فهو لا يوجب كذبا لأن يحيى بن حماد وفهد بن عوف جميعا من أصحاب أبي عوانة فإذا سأل الطالب شيخه عن حديث رفيقه ليعرف إن كان من جملة مسموعه فحدثه به أولا فيكف يكون بذلك كذابا وقد كتب عنه أبو زرعة وأبو حاتم ولم يذكرا فيه جرحا وهما ما هما في النقد وقد أخرج عنه البخاري أحاديث يسيرة من روايته عن يحيى بن حماد مع أنه شاركه في الحمل عن يحيى بن حماد وفي غيره من شيوخه وروى عنه النسائي وابن ماجة "ع" الحسن بن موسى الأشيب أحد الأثبات اتفقوا على توثيقه والاحتجاج به وروى عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه قال كان ببغداد وكأنه ضعفه قلت هذا ظن لا تقوم به حجة وقد كان أبو حاتم الرازاي يقول سمعت علي بن المديني يقول الحسن بن
موسى الأشيب ثقة فهذا التصريح الموافق لأقوال الجماعة أولى أن يعمل به من ذلك الظن ومع ذلك فلم يخرج البخاري له في الصحيح سوى موضع واحد في الصلاة توبع عليه ع الحسين بن ذكوان المعلم البصري وثقه بن معين والنسائي وأبو حاتم وأبو زرعة والعجلي وابن سعد والبزار والدارقطني وقال يحيى القطان فيه اضطراب قلت لعل الاضطراب من الرواة عنه فقد احتج به الأئمة "خ م س" الحسين بن الحسن بن يسار صاحب بن عون قال أبو حاتم مجهول وقال الساجي تكلم فيه أزهر بن سعد فلم يلتفت إليه وقال أحمد بن حنبل كان من الثقات قلت احتج به مسلم والنسائي وروى له البخاري حديثا واحد في الاستسقاء توبع عليه "ع" حصين بن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي متفق على الاحتجاج به إلا أنه تغير في آخر عمره وأخرج له البخاري من حديث شعبة والثوري وزائدة وأبي عوانة وأبي بكر بن عياش وأبي كدينة وحصين بن نمير وهشيم وخالد الواسطي وسليمان ابن كثير العبدي وأبي زبيد عبثر بن القاسم وعبد العزيز العمي وعبد العزيز بن مسلم ومحمد بن فضيل عنه فأما شعبة والثوري وزائدة وهشيم وخالد فسمعوا منه قبل تغيره وأما حصين بن نمير فلم يخرج له البخاري من حديثه عنه سوى حديث واحد كما سنبينه بعد وأما محمد بن فضيل ومن ذكر معه فأخرج من حديثهم ما توبعوا عليه "خ د ت س" حصين بن نمير الواسطي أبو محصن الضرير وثقه أبو زرعة وغيره وقال عباس عن ابن معين ليس بشيء قال أبو أحمد الحاكم في الكنى وليس بالقوي عندهم وقال أبو خيمة كان يحمل على علي فلم أعد إليه قلت أخرج له البخاري في أحاديث الأنبياء وفي الطب حديثا واحدا تابعه عليه عنده هشيم ومحمد بن فضيل وروى له أصحاب السنن إلا بن ماجة "خ م س ق" حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمرو القاضي الكوفي من الأئمة الأثبات أجمعوا على توثيقه والاحتجاج به إلا أنه في الآخر ساء حفظه فمن سمع من كتابه أصح ممن سمع من حفظه قال أبو زرعة وقال ابن المديني كان يحيى بن سعيد القطان يقول حفص أوثق أصحاب الأعمش قال فكنت أنكر ذلك فلما قدمت الكوفة بآخرة أخرج إلي ابنه عمر كتاب أبيه عن الأعمش فجعلت أترحم على القطان قلت اعتمد البخاري على حفص هذا في حديث الأعمش لأنه كان يميز بين ما صرح به الأعمش بالسماع وبين ما دلسه نبه على ذلك أبو الفضل بن طاهر وهو كما قال روى له الجماعة "خ م س ق" حفص بن ميسرة العقيلي أبو عمرو الصنعاني نزيل عسقلان قال ابن معين ثقة إنما يطعن عليه أنه عرض يعني أن سماعه من شيوخه كان بقراءته عليهم وعن ابن معين أيضا أنه قال ما أحسن حاله إن كان سماعه كله عرضا كأنه يقول إن بعضه مناولة ووثقه أحمد وغيره وقال أبو حاتم في حديثه بعض الوهم قلت وشذ الأزدي فقال روى عن العلاء بن عبد الرحمن مناكير وقال الساجي في حديثه ضعف قلت له في البخاري حديث في الحج عن هشام بن عروة بمتابعه عمرو بن الحارث وحديث في زكاة الفطر عن موسى بن عقبة بمتابعة زهير بن معاوية عند مسلم وحديث في الاعتصام عن زيد بن أسلم بمتابعة أبي غسان محمد بن مطرف عنده وفي التفسير عنه بمتابعة سعيد بن هلال عنده وروى له مسلم والنسائي وابن ماجة "خ م ت س" الحكم بن عبد الله أبو النعمان البصري قال الذهلي كان ثبتا في شعبة عاجله الموت وقال ابن عدي له مناكير لا يتابع عليها وقال ابن أبي حاتم عن أبيه مجهول قلت ليس بمجهول من روى عنه أربعة ثقات ووثقه الذهلي ومع ذلك فليس له في البخاري سوى حديث واحد في الزكاة أخرجه عن أبي قدامة عنه عن شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود في نزول قوله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية وأخرجه في

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 03:07 AM
التفسير من حديث غندر عن شعبة "ع" الحكم بن نافع أبو اليمان الحمصي مجمع على ثقته اعتمده البخاري وروى عنه الكثير وروى له الباقون بواسطة تكلم بعضهم في سماعه من شعيب فقيل إنه مناولة وقيل إنه إذن مجرد وقد قال الفضل بن غسان سمعت يحيى بن معين يقول سألت أبا اليمان عن حديث شعيب فقال ليس هو مناولة المناولة لم أخرجها لأحد وبالغ أبو زرعة الرازي فقال لم يسمع أبو اليمان من شعيب إلا حديثا واحدا قلت إن صح ذلك فهو حجة في صحة الرواية بالإجازة إلا أنه كان يقول في جميع ذلك أخبرنا ولا مشاححة في ذلك أن كان اصطلاحا له "ع" حماد بن أسامة أبو أسامة الكوفي أحد الأئمة الأثبات اتفقوا على توثيقه وشذ الأزدي فذكره في الضعفاء وحكى عن سفيان ابن وكيع قال كان أبو أسامة يتتبع كتب الرواة فيأخذها وينسخها فقال لي بن نمير إن المحسن لأبي أسامة ي قوله: "إنه دفن كتبه ثم إنه تتبع الأحاديث بعد من الناس فنسخها قال سفيان ابن وكيع أني لأعجب كيف جاز حديث كان أمره بينا وكان من أسرق الناس لحديث حميد انتهى وسفيان ابن وكيع هذا ضعيف لا يعتد به كما لا يعتد بالناقل عنه وهو أبو الفتح الأزدي مع أنه ذكر هذا عن ابن وكيع بالإسناد وسقط من النسخة التي وقف عليها الذهبي من كتاب الأزدي بن وكيع فظن أنه حكاه عن سفيان الثوري فصار يتعجب من ذلك ثم قال إنه قول باطل وأبو أسامة قد قال أحمد فيه كان ثبتا ما كان أثبته لا يكاد يخطىء وروى له الجماعة "م د ت" حماد بن سلمة بن دينار البصري أحد الأئمة الأثبات إلا أنه ساء حفظه في الآخر استشهد به البخاري تعليقا ولم يخرج له احتجاجا ولا مقرونا ولا متابعة إلا في موضع واحد قال فيه قال لنا أبو الوليد حدثنا حماد بن سلمة فذكره وهو في كتاب الرقاق وهذه الصيغة يستعملها البخاري في الأحاديث الموقوفة وفي المرفوعة أيضا إذا كان في إسنادها من لا يحتج به عنده واحتج به مسلم والأربعة لكن قال الحاكم لم يحتج به مسلم إلا في حديث ثابت عن أنس وأما باقي ما أخرج له فمتابعة زاد البيهقي أن ما عدا حديث ثابت لا يبلغ عند مسلم اثني عشر حديثا والله أعلم خ "ع" حميد بن الأسود أبو الأسود البصري وثقة أبو حاتم وقال أحمد بن حنبل ما أنكر ما يجيء به وقال العقيلي كان عفان يحمل عليه لأنه روى حديثا منكرا وقال الساجي صدوق عنده مناكير قلت روى له البخاري حديثين مقرونا بيزيد بن زريع فيهما أحدهما في تفسير سورة البقر والآخر في الجهاد وروى له أصحاب السنن "ع" حميد بن أبي حميد الطويل البصري مشهور من الثقات المتفق على الاحتجاج بهم إلا أنه كان يدلس حديث أنس وكان سمع أكثره من ثابت وغيره من أصحابه عنه فروى مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة قال عامة ما يروي حميد عن أنس سمعه من ثابت وقال أبو عبيد الحداد عن شعبة لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثا والباقي سمعها من ثابت أو ثبته فيها ثابت فهذا قول صحيح وأما ما روى عن أبي داود الطيالسي عن شعبة قال كل شيء سمع حميد من أنس خمسة أحاديث فالراوي لذلك عن أبي داود غير معتمد وقال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد كان حميد الطويل إذا ذهبت توقفه على بعض حديث أنس يشك فيه وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث إلا أنه ربما دلس عن أنس وقال يحيى بن يعلى المحاربي طرح زائدة حديث حميد الطويل قلت إنما تركه زائدة لدخوله في شيء من أمر الخلفاء وقد بين ذلك مكي بن إبراهيم وقد اعتنى البخاري في تخريجه لأحاديث حميد بالطرق التي فيها تصريحه بالسماع فذكرها متابعة وتعليقا وروى له الباقون "ع" حميد بن قيس الأعرج المكي أبو صفوان قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ليس بالقوي ووثقه أحمد في رواية أبي طالب عنه وكذا بن معين وابن سعد وأبو زرعة وأبو

حاتم الرازيان وأبو داود والنسائي وابن خراش والعجلي ويعقوب بن سفيان وقال الترمذي في العلل سمعت محمدا يقول هو ثقة وقال أبو زرعة الدمشقي هو من الثقات وقال ابن عدي إنما يجيء الإنكار من جهة من يرويه عنه احتج به الجماعة "ع" حميد بن هلال العدوي أبو نصر من كبار التابعين وثقه بن معين والعجلي والنسائي وآخرون وقال يحيى القطان كأن ابن سيرين لا يرضاه قلت بين أبو حاتم الرازي أن ذلك بسبب أنه دخل في شيء من عمل السلطان وقد احتج به الجماعة "ع" حنظلة بن أبي سفيان الجمحي أحد الأثبات قال يعقوب بن شيبة ثقة ولكنه دون المثبتين ووثقه بن معين والنسائي وأبو زرعة وأبو داود وآخرون وأورد له بن عدي في الكامل حديثا من روايته عن نافع عن ابن عمر استنكره ولعل العلة فيه من غيره قلت احتج به الجماعة ولم يخرج له البخاري شيئا من حديثه عن نافع

حرف الخاء المعجمة
"خ س ق" خالد بن سعد الكوفي مولى أبي مسعود الأنصاري وثقه بن معين وقال ابن أبي عاصم في كتاب الأشربة بعد حديث أخرجه من طريقه عن أبي مسعود مرفوعا في النبيذ هذا خبر لا يصح وخالد مجهول وما أظنه سمع من أبي مسعود لأنه لم يقل سمعت وذكره بن عدي في الكامل وأورد له هذا الحديث بعينه واستنكره وقال لعل العلة فيه من يحيى بن يمان وأورد له آخر واستنكره وقال لعل البلاء فيه من حمد بن إسحاق البلخي قلت أخرج له البخاري حديثا واحدا في الطب من روايته عن ابن أبي عتيق عن عائشة في الحبة السوداء وله عنده شواهد "خ ت س" خالد بن عبد الرحمن بن بكير السلمي أبو أمية البصري قال أبو حاتم صدوق لا بأس به وقال ابن حبان في الثقات يخطىء وقال العقيلي يخالف في حديثه قلت أخرج له البخاري في الصلاة حديثا واحدا من روايته عن غالب القطان عن بكر بن عبد الله المزني عن أنس بمتابعة بشر بن المفضل له عن غالب بنحوه "خ م ت س ق" خالد بن مخلد القطواني الكوفي أبو الهيثم من كبار شيوخ البخاري روى عنه وروى عن واحد عنه قال العجلي ثقة فيه تشيع وقال ابن سعد كان متشيعا مفرطا وقال صالح جزرة ثقة إلا أنه كان متهما بالغلو في التشيع وقال أحمد بن حنبل له مناكير وقال أبو داود صدوق إلا أنه يتشيع وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به قلت أما التشيع فقد قدمنا أنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضره لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه وأما المناكير فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه وأوردها في كامله وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد وهو حديث أبي هريرة من عادى لي وليا الحديث وروى له الباقون سوى أبي داود "ع" خالد بن مهران الحذاء أبو المنازل البصري أحد الأثبات وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن سعد وتكلم فيه شعبة وابن علية إما لكونه دخل في شيء من عمل السلطان أو لما قال حماد بن زيد قدم علينا خالد قدمة من الشام فكأنا أنكرنا حفظة وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به روى له الجماعة "خ م س" خثيم بن عراك بن مالك الغفاري وثقه النسائي وابن حبان والعقيلي وشذ الأزدي فقال منكر الحديث وغفل أبو محمد بن حزم فاتبع الأزدي وأفرط فقال لا تجوز الرواية عنه وما درى أن الأزدي ضعيف فكيف يقبل منه تضعيف الثقات ومع ذلك فما روى
له البخاري سوى حديث واحد عن أبيه عن أبي هريرة ليس على المسلم في فرسه ولا مملوكه صدقة أخرجه في الزكاة بمتابعة سليمان ابن يسار له عن عراك وروى له مسلم والنسائي "خ د ت" خلاد بن يحيى بن صفوان السلمي الكوفي أبو محمد من قدماء شيوخ البخاري حديثه عن بعض التابعين وثقه أحمد والعجلي والخليلي وقال ابن نمير صدوق إلا أن في حديثه غلطا قليلا وقال الحاكم عن الدارقطني ثقة إنما أخطأ في حديث واحد حديث عمرو بن حريث عن عمر1 في الشعر رفعه هو ووقفه النسائي قلت وإنما أخرج له البخاري أحاديث يسيرة غير هذا وقال أبو حاتم ليس بذلك المعروف محله الصدق وروى له أبو داود والترمذي "ع" خلاس بن عمرو الهجري وثقه بن معين وأبو داود والعجلي وقال أبو حاتم يقال وقعت عنده صحف عن علي وليس بقوي وقال أحمد بن حنبل كان القطان يتوقى حديثه عن علي خاصة واتفقوا على أن روايته عن علي بن أبي طالب وذويه مرسلة وقال أبو داود عن أحمد لم يسمع من أبي هريرة قلت روايته عنه عند البخاري أخرج له حديثين قرنه فيهما معا بمحمد بن سيرين وليس له عنده غيرهما "خ" خليفة بن خياط بن خليفة العصفري أبو عمرو البصري لقبه شباب أحد الحفاظ المصنفين من شيوخ البخاري قال ابن عدي له حديث كثير وتصانيف وهو مستقيم الحديث صدوق من المتيقظين وقال ابن حبان كان متقنا عالما بأيام الناس وقال العقيلي غمزه بن المديني وتعقب ذلك بن عدي بأنه من رواية الكديمي عن ابن المديني والكديمي ضعيف لكن روى الحسن بن يحيى عن علي بن المديني نحو ذلك وقال ابن أبي حاتم ما رضي أبو زرعة يقرأ علينا حديثه وقال أبو حاتم لا أحدث عنه هو غير قوي كتبت من مسنده ثلاثة أحاديث عن أبي الوليد ثم أتيت أبا الوليد فسألته عنها فأنكرها وقال ما هذه من حديثي فقلت كتبتها من كتاب شباب العصفري فعرفه وسكن غضبه قلت هذه الحكاية محتملة وجميع ما أخرجه له البخاري أن قرنه بغيره قال حدثنا خليفة وذلك في ثلاثة أحاديث وإن أفرده علق ذلك فقال قال خليفة قاله أبو الوليد الباجي ومع ذلك فليس فيها شيء من أفراده والله أعلم
ـــــــ
1 قول الشعر وهو حديث "لأن يمتلئ أحدكم قيحا فيريه خير من أن يمتلئ شعرا"

حرف الدال
"ع" داود بن الحصين المدني وثقه بن معين وابن سعد والعجلي وابن إسحاق وأحمد بن صالح المصري والنسائي وقال أبو حاتم ليس بقوي لولا أن مالكا روى عنه لترك حديثه وقال الجوزجاني لا يحمدون حديثه وقال الساجي منكر الحديث متهم برأي الخوارج وقال ابن حبان لم يكن داعية وقال علي بن المديني ما روى عن عكرمة فمنكر وكذا قال أبو داود وزاد وحديثه عن شيوخه مستقيم وقال ابن عدي هو عندي صالح الحديث قلت روى له البخاري حديثا واحدا من رواية مالك عنه عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة في العرايا وله شواهد "خ م د س ق" داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي نزيل بغداد أحد الثقات وثقه بن معين وغيره وروى عنه مسلم وأبو داود وابن ماجة وروى له البخاري حديثا واحدا بواسطة وكذا النسائي وغفل بن حزم فقال في الاتصال وفي المحلي في كتاب الحدود منه أنه ضعيف فكأنه اشتبه عليه "ع" داود بن عبد الرحمن العطار أبو سليمان المكي وثقه بن معين وغيره فيما رواه إسحاق بن منصور عنه وأبو حاتم وأبو داود والعجلي والبزار ونقل
الحاكم أن ابن معين ضعفه وقال الأزدي يتكلمون فيه قلت لم يصح عن ابن معين تضعيفه والأزدي قد قررنا أنه لا يعتد به ولم يخرج له البخاري سوى حديث واحد في الصلاة متابعة وروى له الباقون

حرف الذال المعجمة
"ع" ذر بن عبد الله المرهبي أبو عمرو الكوفي أحد الثقات الأثبات وثقه بن معين والنسائي وأبو حاتم وابن نمير وقال أبو داود كان مرجئا وهجره إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير لذلك وروى له الجماعة

حرف الراء
الربيع بن يحيى بن مقسم الأشناني أبو الفضل البصري من شيوخ البخاري قال أبو حاتم الرازي ثقة ثبت وقال الدارقطني يخطىء في حديثه عن الثوري وشعبة قلت ما أخرج عنه البخاري إلا من حديثه عن زائدة فقط "ع" رفيع أبو العالية الرياحي من كبار التابعين مشهور بكنيته وثقه بن معين وغيره حتى قال أبو القاسم اللالكائي مجمع على ثقته إلا أنه كثير الإرسال عمن أدركه وذكره بن عدي في الكامل ونقل عن حرملة عن الشافعي أنه قال حديث أبي العالية الرياحي رياح قال ابن عدي وعني الشافعي بذلك حديثه في الضحك في الصلاة قال ولك من رواه غيره فإنما مدراهم ورجوعهم على أبي العالية والحديث له وبه يعرف ومن أجله تكلموا في أبي العالية وسائر أحاديثه مستقيمة قلت احتج به الجماعة لكن ليس به في البخاري سوى ثلاثة أحاديث من روايته عن ابن عباس خاصة "ع" روح بن عبادة العبسي أبو محمد البصري أدركه البخاري بالسن ولم يلقه وكان أحد الأئمة وثقه علي بن المديني ويحيى بن معين ويعقوب بن شيبة وأبو عاصم وابن سعد والبزار وأثنى عليه أحمد وغيره وقال يعقوب بن شيبة قلت لابن معين زعموا أن يحيى القطان كان يتكلم فيه فقال باطل ما تكلم فيه وقال ابن المديني كأن ابن مهدي يطعن عليه في أحاديث لابن أبي ذئب ومسائل عن الزهري كانت عنده فلما قدمت المدينة أخرجها إلي معن ابن عيسى وقال هي عند بصري لكم يقال له روح سمعها معنا قال فأتيت بن مهدي فأخبرته فقال استحله لي وكان عفان يطعن عليه فرد ذلك عليه أبو خيثمة فسكت عنه وقال أبو خيثمة أشد ما رأيت عنه أنه حدث مرة فرد عليه بن المديني اسما فمحاه من كتابه وأثبت ما قال له علي قلت هذا يدل على إنصافه وقال أبو مسعود طعن عليه اثنا عشر رجلا فلم ينفذ قولهم فيه قلت احتج به الأئمة كلهم

حرف الزاي
"خ م د ت ق" الزبير بن خريت البصري وثقه أحمد وابن معين والنسائي وأبو حاتم وغيرهم وحكى الباجي في رجال البخاري عن علي بن المديني أنه قال تركه شعبة قلت والذي رأيته عن علي أنه قال لم يرو عنه شعبة وبين اللفظين فرقان وقد روى له الجماعة سوى النسائي "ع" زكريا بن إسحاق المكي وثقه بن معين وأحمد وأبو

حرف السين
"خ د س ق" سالم بن عجلان الأفطس الجزري مولى بني أمية وثقه أحمد والعجلي وابن سعد والنسائي والدارقطني وغيرهم قال أبو حاتم صدوق نقي الحديث وكان مرجئا وقال الجوزجاني كان يخاصم في الإرجاء داعية وهو في الحديث متماسك وأفرط بن حبان فقال كان مرجئا يقلب الأخبار وينفرد بالمعضلان عن الثقات أتهم بأمر سوء فقتل صبرا قلت قد ذكر بن سعد أن عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس قتله لما غلب على الشام وذكر العجلي أنه كان مع بني أمية فلما قدم بنو العباس حران قتلوه وقال أبو داود كان إبراهيم الإمام عند سالم الأفطس محبوسا يعني فمات في زمن مروان الحمار فلما قدم عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس حران دعا به فضرب عنقه انتهى فهذا هو الأمر السوء الذي زعم بن حبان أنه اتهم به وهو كونه مالأ على قتل إبراهيم وأما ما وصفه به من قلب الأخبار وغير ذلك فمردود بتوثيق الأئمة له ولم يستطع بن حبان أن يورد له حديثا واحدا وليس له عند البخاري سوى حديثين أحدهما حديثه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الشفاء في ثلاث الحديث والآخر بهاذا الإسناد أي الأجلين قضى موسى ولكل منهما ما يشهد له وروى له أصحاب السنن إلا الترمذي "خ م ع" سريج بن النعمان الجوهري من كبار شيوخ البخاري وثقه بن معين والعجلي وابن سعد والنسائي والدارقطني وقال أبو داود ثقة غلط في أحاديث قلت لم يكثر عنه البخاري بل أخرج عنه في الجمعة عن فليح عن عثمان ابن عبد الرحمن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي يوم الجمعة حين تزول الشمس وهذا الحديث قد تابعه عليه عند أحمد أبو عامر

العقدي ويونس بن محمد المؤدب وغير واحد عند غيره هذا ما له عنه بلا واسطة وله عنه بواسطة ثلاثة أحاديث أحدها في المغازي وفي باب عمرة القضاء والآخر في باب حجة الوداع والثالث في باب الرمل في الحج والعمرة والأحاديث الثلاثة بسند واحد عنه عن فليح عن نافع عن ابن عمر وهذا جميع ما له عنده وروى له أصحاب السنن الأربعة "خ ت ق" سعدأن ابن بشر الجهني يقال اسمه سعيد قال ابن المديني لا بأس به وقال أبو حاتم صالح وقال الحاكم عن الدارقطني ليس بالقوي قلت له عند البخاري حديث واحد في علامات النبوة بمتابعة إسرائيل كلاهما عن سعد بن مجاهد الطائي عن محل بن خليفة عن عدي بن حاتم "ع" سعيد بن إياس الجريري البصري أحد الأثبات قال أبو طالب عن أحمد كان محدث أهل البصرة وقال أبو حاتم تغير قبل موته فمن كتب عنه قديما فسماعه صالح وقال ابن أبي عدي سمعنا منه بعد ما تغير وقال يحيى بن سعيد القطان عن كهمس أنكرنا الجريري أيام الطاعون وقال ابن حبان اختلط قبل موته بثلاث سنين ولم يفحش اختلاطه قلت اتفقوا على ثقته حتى قال النسائي هو أثبت من خالد الحذاء وقال العجلي عبد الأعلى من أصحهم عنه حديث سمع منه قبل أن يختلط بثمان سنين انتهى وما أخرج البخاري من حديث إلا عن عبد الأعلى وعبد الوارث وبشر بن المفضل وهؤلاء سمعوا منه قبل الاختلاط نعم وأخرج له البخاري أيضا من رواية خالد الواسطي عنه ولم يتحرر لي أمره إلى الآن هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعده لكن حديثه عنه بمتابعة بشر بن المفضل كلاهما عنه عن أبي بكرة عن أبيه وروى له الباقون "ع" سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو سعيد المدني صاحب أبي هريرة مجمع على ثقته لكن كان شعبة يقول حدثنا سعيد المقبري بعد أن كبر وزعم الواقدي أنه اختلط قبل موته بأربع سنين وتبعه بن سعد ويعقوب بن شيبة وابن حبان وأنكر ذلك غيرهم وقال الساجي عن يحيى بن معين أثبت الناس فيه بن أبي ذئب وقال ابن خراش أثبت الناس فيه الليث بن سعد قلت أكثر ما أخرج له البخاري من حديث هذين عنه وأخرج أيضا من حديث مالك وإسماعيل بن أمية وعبد الله بن عمر العمري وغيرهم من الكبار وروى له الباقون لكن لم يخرجوا من حديث شعبة عنه شيئا "ع" سعيد بن سليمان الواسطي المعروف بسعدويه نزيل بغداد من شيوخ البخاري قال أبو حاتم ثقة مأمون ولعله أوثق من عفان وقال الدوري عن ابن معين كان أكيس من عمرو بن عون وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه كان صاحب تصحيف ما يثبت وقال الدارقطني يتكلمون فيه قلت هذا تليين مبهم لا يقبل ولم يكثر عنه البخاري نعم روى هو والباقون أيضا عن رجل عنه وجميع ما له في البخاري خمسة أحاديث ليس فيها شيء تفرد به "خ ت س ق" سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية الثقفي الجبيري البصري وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة والنسائي وقال الحاكم عن الدارقطني ليس بالقوي يحدث بأحاديث يسندها وغيره يوقفها واستنكر البخاري في التاريخ حديثا من روايته عن عبد الله بن بريدة وروى له في الصحيح حديثين أحدهما من روايته عن بكر بن عبد الله المزني عن أنس في الأشربة وله شواهد والآخر من روايته عن عمه زياد بن جبير بن حية عن أبيه عن المغيرة بن شعبة وهو حديث طويل في قصة فتح المدائن أورده في الجزية مطولا وفي التوحيد مختصرا وله شاهد من حديث معقل بن يسار وأورده بن أبي شيبة بسند قوي وروى له أصحاب السنن غير أبي داود "ع" سعيد بن أبي عروبة واسمه مهران العدوي أبو النضر البصري من كبار الأئمة وثقه الأئمة كلهم إلا أنه رمى بالقدر وقال العجلي كان لا يدعو إليه وكان قد كبر واختلط وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين أثبت الناس
في قتادة هؤلاء الثلاثة سعيد بن أبي عروبة وشعبة وهشام الدستوائي وقال أبو عوانة ما كان عندنا في ذلك الوقت أحفظ منه وقال أبو حاتم كان أعلم الناس بحديث قتادة وقال أبو داود الطيالسي كان أحفظ أصحاب قتادة وقال أبو زرعة أحفظ أصحاب قتادة سعيد وهشام وقال دحيم اختلط سعيد مخرج إبراهيم بن عبد الله بن الحسن وقال أبو نعيم سمعت منه بعد ما اختلط وقال النسائي حدث سعيد عن جماعة لم يسمع منهم شيئا وهم هشام بن عروة وعمرو بن دينار وسمي جماعة من هذا الضرب من أهل الكوفة وأهل الحجاز قلت لم يخرج له البخاري عن غير قتادة سوى حديث واحد أورده في كتاب اللباس من طريق عبد الأعلى عنه قال سمعت النضر بن أنس يحدث عن قتادة عن ابن عباس فذكر حديث من صور صورة وقد وافقه على إخراجه مسلم ورواه أيضا من حديث هشام عن قتادة عن النضر وأما ما أخرجه البخاري من حديثه عن قتادة فأكثره من رواية من سمع منه قبل الاختلاط وأخرج عمن سمع منه بعد الاختلاط قليلا كمحمد بن عبد الله الأنصاري وروح بن عبادة وابن أبي عدي فإذا أخرج من حديث هؤلاء انتقى منه ما توافقوا عليه كما سنبينه في مواضعه إن شاء الله تعالى واحتج به الباقون "خ م" تسعيد بن عمرو بن أشوع الكوفي من الفقهاء وثقه بن معين والنسائي والعجلي وإسحاق بن راهويه وأما أبو إسحاق الجوزجاني فقال كان زائغا غاليا يعني في التشييع قلت والجوزجاني غال في النصب فتعارضا وقد احتج به الشيخان والترمذي له عنده حديثان أحدهما متابعة "ع" سعيد بن فيروز أبو البختري الطائي مشهور في التابعين وثقه بن معين وأبو زرعة والعجلي وقال كان يتشيع وقال أبو داود لم يسمع من أبي سعيد الخدري وقال ابن معين لم يسمع من علي وقال أبو حاتم روايته عن أبي ذر وعمر وعائشة وزيد بن ثابت رضي الله عنهم مرسلة ولم يسمع من رافع بن خديج وقال ابن سعد كان كثير الحديث ويرسل كثيرا فما كان من حديثه سماعا فهو حسن وما كان عن غيره فهو ضعيف قلت أخرج له البخاري حديثا واحدا عن ابن عمر وعن ابن عباس جميعا صرح عنده بسماعه فيه واحتج به الباقون "خ م س" سعيد بن كثير بن عفير أبو عثمان البصري وقد ينسب إلى جده مشهور من شيوخ البخاري قال ابن معين وثقة وقال أبو حاتم صدوق إلا أنه كان يقرئ من كتب الناس وقال النسائي صالح وابن أبي مريم أحب إلي منه وأورده بن عدي في الكامل ونقل عن الدولابي عن السعدي قال سعيد بن عفير فيه غير لون من البدع وكان مخلطا غير ثقة ثم تعقب ذلك بن عدي فقال هذا الذي قاله السعدي لا معنى له ولا بلغني عن أحد في سعيد كلام وهو عند الناس ثقة ولم ينسب إلى بدع ولا كذب ولم أجد له بعد استقصائي على حديثه شيئا ينكر عليه سوى حديثين رواهما عن مالك فذكرهما وقال لعل البلاء فيهما من ابنه عبيد الله لأن سعيد بن غفير مستقيم الحديث قلت لم يكثر عنه البخاري وروى له مسلم والنسائيع سعيد بن أبي هلال الليثي أبو العلاء المصري أصله من المدينة ونشأ بها ثم سكن مصر وثقه بن سعد والعجلي وأبو حاتم وابن خزيمة والدارقطني وابن حبان وآخرون وشذ الساجي فذكره في الضعفاء ونقل عن أحمد بن حنبل أنه قال ما أدري أي شيء حديثه يخلط في الأحاديث وتبع أبو محمد بن حزم الساجي فضعف سعيد بن أبي هلال مطلقا ولم يصب في ذلك والله أعلم احتج به الجماعة "خ م س ق" سعيد بن يحيى بن صالح اللخمي أبو يحيى المعروف بسعدان نزيل دمشق وأصله من الكوفة قال أبو حاتم محله الصدق وقال دحيم ما هو عندي ممن يتهم بالكذب وقال الدارقطني ليس بذاك وقال ابن حبان مستقيم الحديث قلت له في البخاري حديث واحد من روايته عن محمد بن أبي حفصة عن
الزهري توبع عليه عند روى له النسائي وابن ماجة "خ ت" سعيد بن يحيى بن مهدي الحميري أبو سفيان الواسطي مشهور بكنيته وثقه أبو داود وقال أبو بكر بن أبي شيبة كان صدوقا وقال الدارقطني كان متوسط الحال ليس بالقوي قلت له في الصحيح حديث واحد في تفسير سورة ق من روايته عن عوف عن محمد بن سيرين وله شاهد وروى له الترمذي حديثا واحدا أيضا "خ م س" سلم بن زرير أبو يونس البصري وثقه أبو حاتم وأبو زرعة والعجلي وقال ابن معين كان القطان يستضعفه وقال أبو داود والنسائي ليس بالقوي وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد وقال الحاكم أخرج له البخاري في الأصول قلت جميع ما له عنده ثلاثة أحاديث أحدها حديثه عن أبي رجاء عن عمرأن ابن حصين في قصة نومهم عن الصلاة في الوادي وهو عنده بمتابعة عوف عن أبي رجاء ووافقه مسلم ولم يخرج له غيره والثاني بهذا الإسناد والمتابعة حديث اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء الحديث والثالث حديثه عن أبي رجاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد خبأت لك خبيئا ولم يخرج له في الأصول غير هذا الحديث الواحد مع أن لهذا الحديث شواهد كثيرة والله الموفق وروى له النسائي "بخ ع" سلم بن قتيبة الشعيري أبو قتيبة وثقه بن معين وأبو داود وأبو زرعة والدارقطني وغيرهم وقال يحيى بن سعيد ليس هو من جمال المحامل وقال أبو حاتم كان كثير الوهم قلت له في البخاري ثلاثة أحاديث أو أربعة وروى له أصحاب السنن "خ ت ق" سلمة بن رجاء التميمي أبو عبد الرحمن الكوفي قال أبو حاتم ما به بأس وقال أبو زرعة صدوق وقال ابن معين ليس بشيء وضعفه النسائي قلت له في البخاري حديث واحد في الفضائل رواه عن إسماعيل بن الخليل عنه عن هشام عن أبيه عن عائشة في ذكر يوم أحد وأورد في المغازي من طريق أبي أسامة عن هشام نحوه وروى له الترمذي وابن ماجة "ع" سليمان ابن بلال الكوفي المدني أحد الثقات المشاهير وثقه أحمد وابن معين وابن سعد والخليلي وآخرون قال عبد الرحمن بن مهدي ندمت أن لا أكون أكثرت عنه ونقل بن شاهين في كتاب الثقات عن عثمان ابن أبي شيبة أنه قال فيه لا بأس به لكن ليس ممن يعتمد على حديثه قلت وهو تليين غير مقبول فقد اعتمده الجماعة "ع" سليمان ابن حبان أبو خالد الأحمر الكوفي مشهور قال النسائي ليس به بأس ووثقه بن سعد والعجلي وابن المديني وغيرهم وقال ابن معين صدوق وليس بحجة وقال ابن عدي إنما أتى من سوء حفظه فيغلط ويخطىء وقال أبو بكر البزار اتفق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظا وأنه روى عن الأعمش وغيره أحاديث لم يتابع عليها قلت له عند البخاري نحو ثلاثة أحاديث من روايته عن حميد وهشام بن عروة وعبيد الله بن عبد الله بن عمر كلها مما توبع عليها وعلق له عن الأعمش حديثا واحدا في الصيام وروى له الباقون "خ م د س" سليمان ابن داود العتكي أبو الربيع الزهراني البصري وثقه بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وآخرون وشذ عبد الرحمن بن يوسف بن خراش فقال تكلم فيه الناس وهو صدوق انتهى ولم نجد فيه لأحد كلاما إلا بالتوثيق روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وروى له النسائي بواسطة "خ ع" سليمان ابن عبد الرحمن الدمشقي المعروف بابن بنت شرحيبل قال أبو حاتم كان صدوقا مستقيم الحديث ولكنه كان يروي عن الضعفاء والمجاهيل وكان في حد لو أن رجلا وضع له حديثا لم يفهم وقال الآجري عن أبي داود هو ثقة يخطىء الناس قلت فهو حجة قاله الحجة أحمد بن حنبل وقال يعقوب بن سفيان كان صحيح الكتاب إلا أنه كان يحول يعني ينسخ من أصله فإن وقع منه شيء فمن النقل وهو ثقة وقال الحاكم قلت للدارقطني أليس عنده مناكير قال بلى حدث
بها عن قوم ضعفاء وأما هو فثقة قلت وروى عنه البخاري أحاديث يسيرة من روايته عن الوليد بن مسلم فقط وروى له مقرونا بموسى بن هارون البردي حديثا من روايته عن الوليد أيضا وروى له الباقون سوى مسلم "ع" سليمان ابن كثير العبدي قال النسائي لا بأس به في الزهري فإنه يخطىء عليه وقال ابن معين ضعيف وقال الذهلي والعقيلي مضطرب الحديث عن الزهري وفي غيره أثبت وقال ابن عدي لم أسمع أحدا قال في روايته عن غير الزهري شيئا وله عن الزهري أحاديث صالحة لا بأس به قلت روى له البخاري من حديثه عن حصين وعلق له عن الزهري متابعة وروى له مسلم والباقون "خ د ت ق" سنأن ابن ربيعة البصري الباهلي قال أبو حاتم شيخ مضطرب الحديث وقال يحيى بن معين ليس بالقوي وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به قلت ليس له في البخاري سوى حديث واحد في كتاب الأطعمة مقرونا بالجعد بن عثمان ومحمد بن سيرين ثلاثتهم عن أنس وروى له أصحاب السنن سوى النسائي "خ د" سنيد بن داود المصيصي صاحب التفسير حكى عن أحمد بن حنبل أنه حضر معه عند حجاج في سماع الجامع لابن جريج وكان يحمل حجاجا على أن يدلس تدليس التسوية وضعفه أبو داود وأبو حاتم والنسائي قلت لم يثبت لي أن البخاري روى عنه بل وقع في كتاب التفسير عنده حدثنا صدقة بن الفضل حدثنا حجاج بن محمد فذكر حديثا في تفسير سورة النساء فوقع في رواية أبي علي بن السكن وحده في هذا الموضع حدثنا سنيد بن داود حدثنا حجاج فذكره ولم يذكر صدقة وقول بن السكن شاذ إلا أنه محتمل والذي أظنه أنه كان في الأصل عند صدقة وسنيد جميعا عن حجاج فاقتصر الجماعة على صدقة لثقته واقتصر بن السكن على سنيد بقرينه التفسير والله أعلم "خ د س" سهل بن بكار أبو بشر البصري وثقه أبو حاتم والدارقطني وقال ابن حبان ربما وهم وأخطأ قلت روى عنه البخاري في الصحيح حديثين كلاهما عن وهيب بن خالد أحدهما في الحج بمتابعة موسى بن إسماعيل والآخر في الزكاة بتمامه وفي الجزية مختصرا بمتابعة سليمان ابن بلال لوهيب وروى عنه أبو داود وروى له النسائي "ع" سهيل بن أبي صالح السمان أحد الأئمة المشهورين المكثرين وثقه النسائي والدارقطني وغيرهما وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن معين صويلح وقال البخاري كان له أخ فمات فوجد عليه فساء حفظه قلت له في البخاري حديث واحد في الجهاد بقرون بيحيى بن سعيد الأنصاري كلاهما عن النعمان ابن أبي عياش عن أبي سعيد وذكر له حديثين آخرين متابعة في الدعوات واحتج به الباقون "خ م د س ق" سلام بن مسكين الأزدي أبو روح البصري أحد الأثبات وثقه الأئمة وقال أبو داود كان يذهب إلى القدر واحتج به الجماعة سوى الترمذي وليس له في البخاري سوى حديثين أحدهما في الطب والآخر في الأدب "خ م د س ق" سلام بن أبي مطيع الخزاعي أبو سعيد البصري مشهور وقال أحمد ثقة صاحب سنة وقال ابن عدي ليس بمستقيم الحديث عن قتادة خاصة ولم أر أحدا من المتقدمين نسبه إلى الضعف وقال ابن حبان كان سيء الأخذ لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد وقال الحاكم نسب إلى الغفلة قلت له في البخاري حديثان أحدهما في فضائل القرآن وفي الاعتصام بمتابعة حماد بن زيد وغيره له عن أبي عمران الجوني عن جندب والآخر في الدعوات بمتابعة أبي معاوية وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة "خ م د س ق" سيف بن سليمان المخزومي المكي أحد الأثبات قال ابن المديني عن يحيى القطان كان عندنا ثبتا وقال أبو داود ثقة يرمي بالقدر وقال النسائي ثقة ثبت وقال زكريا الساجي أجمعوا على أنه صدوق ثقة غير أنه اتهم بالقدر قلت له في البخاري أحاديث أحدها

في الأطعمة حديث حذيفة في آنية الذهب بمتابعة الحكم وابن عون وغيرهما عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عنه ثانيها في الحج حديث في القيام على البدن بمتابعة بن أبي نجيح وغيره عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عنه ثالثها في الحج أيضا حديث كعب بن عجرة في الفدية بمتابعة حميد بن قيس وغير واحد عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عنه رابعها في الصلاة وفي التهجد حديث بن عمر عن بلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه من حديثه عن مجاهد عنه وله متابع عنده عن نافع وعن سالم معا وهذه الأحاديث وقعت للبخاري عالية من حديث مجاهد فإنه رواها عن أبي نعيم عن سيف هذا عن مجاهد ولم أر له عنده من أفراده عن مجاهد غير الرابع وقد ذكرت أنه أخرج شاهده والله أعلم وروى له الباقون إلا الترمذي
حرف الشين المعجمة
"ع" شبابة بن سوار أبو عمرو المدائني وثقه بن معين وابن المديني وابن سعد وأبو زرعة وعثمان ابن أبي شيبة وغيرهم وقال أحمد كتبت عنه شيئا يسيرا قبل أن أعلم أنه يقول بالإرجاء وقال ابن خراش كان أحمد لا يرضاه وهو صدوق وقال الساجي نحو ذلك وزاد أنه كان داعية وقال أحمد بن أبي يحيى عن أحمد بن حنبل تركته للإرجاء فقيل له فأبو معاوية كان مرجئا فقال كان شبابة داعية وقال أبو حاتم صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن عدي إنما ذمه الناس للإرجاء وأما في الحديث فلا بأس به قلت قد حكى سعيد بن عمرو البردعي عن أبي زرعة أن شبابة رجع عن الإرجاء وقد احتج به الجماعة "خ د س" شبل بن عباد المكي من صغار التابعين وثقه أحمد وابن معين والدارقطني وأبو داود وزاد كان يرى القدر قلت له في البخاري حديثان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بمتابعة ورقاء بن عمر وروى له أبو داود والنسائي "خ س" شبيب بن سعيد الحبطي أبو سعيد البصري وثقه بن المديني وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني والذهلي وقال ابن عدي عنده نسخة عن يونس عن الزهري مستقيمة وروى عنه بن وهب أحاديث مناكير فكأنه لما قدم مصر حدث من حفظه فغلط وإذا حدث عنه ابنه أحمد فكأنه شبيب آخر لأنه يجود عنه قلت أخرج البخاري من رواية ابنه عن يونس أحاديث ولم يخرج من روايته عن غير يونس ولا من رواية بن وهب عنه شيئا وروى له النسائي وأبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ "ع" شجاع بن الوليد بن قيس الكوني أبو بدر الكوفي قال أحمد كان شيخا صدوقا صالحا قال ولقيته يوما مع يحيى بن معين فقال له يحيى يا كذاب فقال إن كنت كذابا وإلا فهتكك الله قال أبو عبد الله فأظن دعوة الشيخ أدركته وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن ابن معين ثقة انتهى فكأنه كان مازحه فما احتمل المزاح وقال ابن أبي حاتم قلت لأبي شجاع بن الوليد أحب إليك أو عبد الله بن بكر السهمي قال عبد الله لأن شجاعا روى حديث قابوس في العرب وهو منكر قلت فما قولك في شجاع قال لين الحديث شيخ ليس بالمتقن فلا يحتج بحديثه إلا أن له عن محمد بن عمرو بن علقمة أحاديث صحاحا وسئل أبو زرعة عنه فقال لا بأس به وكان موصوفا بالعبادة ووثقه أيضا العجلي وابن نمير قلت ليس له عند البخاري سوى حديث واحد في المحصر وقد توبع شيخه فيه وهو عمر بن محمد بن زيد العمري عن نافع عن ابن عمر وروى له الباقون "ع" شريك بن

عبد الله بن أبي نمر أبو عبد المدني وثقه بن سعد وأبو داود وقال ابن معين والنسائي لا بأس به وقال النسائي أيضا وابن الجارود ليس بالقوي وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه وقال الساجي كان يرمي بالقدر وقال ابن عدي إذا روى عنه ثقة فلا بأس بروايته قلت احتج به الجماعة إلا أن في روايته عن أنس لحديث الإسراء مواضع شاذة كما ذكرنا ذلك في آخر الفصل الماضي "ع" شيبأن ابن عبد الرحمن النحوي أحد الأثبات قال أحمد بن حنبل ثبت في كل المشايخ وقال ابن معين هو أحب إلي في قتادة من معمر وقال أيضا هو ثقة صاحب كتاب وقال أيضا ثقة في كل شيء ووثقه النسائي والعجلي وابن سعد والترمذي والبزار وقال الساجي صدوق عنده مناكير وأحاديث عن الأعمش تفرد بها وقرأت بخط الذهبي في الميزان قال أبو حاتم صالح الحديث لا يحتج به قلت وهو وهم في النقل فالذي في كتاب بن أبي حاتم عن أبيه كوفي حسن الحديث صالح يكتب حديثه وكذا نقل الباجي عنه وكذا هو في تهذيب الكمال وهو الصواب وأما قول الساجي فهو معارض بقول أحمد بن حنبل أنه ثبت في كل المشايخ ومع ذلك فلم أر في البخاري من حديثه عن الأعمش شيئا لا أصلا ولا استشهادا نعم أخرج له أحاديث من روايته عن يحيى بن أبي كثير ومنصور بن المعتمر وقتادة وفراس بن يحيى وزياد بن علاقة وهلال الوزان واعتمده الجماعة كلهم والله أعلم

حرف الصاد
"ع" صالح بن حي واسم حي حيان وحي لقب له وقيل هو صالح بن صالح بن مسلم بن حيان وقد ينسب إلى جده فيقال صالح بن حي أو صالح بن حيان وهو والد الحسن بن حي الفقيه المشهور وأخيه علي قال ابن عيينة كان خيرا من ابنيه ووثقه أحمد وابن معين والنسائي والعجلي وقال روى عن الشعبي أحاديث يسيرة وقال في موضع آخر يكتب حديثه وليس بالقوي قلت هكذا وقع في تهذيب الكمال أن العجلي ذكره في موضعين وليس كذلك بل كلامه الأول في صاحب الترجمة ولم أر لأحد قط فيه كلاما بل قال أحمد بن حنبل أنه ثقة ثقة وهذا من أرفع صيغ التعديل وأما كلام العجلي الأخير فقال له في صالح بن حيان القرشي وهذان رجلان يشتبهان كثيرا حتى يظنه أنهما رجل واحد لأنهما متعاصران من بلدة واحدة وإذ نسب بن حي إلى جده باسمه صار صالح بن حيان فأشكل بصالح بن حيان القرشي وقد وقع في صحيح البخاري في كتاب العلم من طريق المحاربي عن صالح بن حيان عن الشعبي حديث فظن غير واحد من الكبار منهم الدارقطني أنه القرشي وليس به بل هو صاحب الترجمة لأنه معروف بالرواية عن الشعبي دون القرشي وأيضا فالحديث المذكور قد أخرجه البخاري في أربعة مواضع أخرى من رواية صالح بن حي عن الشعبي به وقد احتج الجماعة بابن حي "خ م د ت س" صخر بن جويرية أبو نافع وثقه أحمد بن حنبل والذهلي وابن سعد وقال أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي لا بأس به وقال أبو داود تكلم فيه وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين ليس بالمتروك وإنما يتكلم فيه لأنه يقال إن كتابه سقط قال ورأيت في كتاب علي يعني بن المديني عن يحيى بن سعيد ذهب كتاب صخر فبعث إليه من المدينة قلت له في البخاري سبعة أحاديث وحديث معلق وحديث آخر متابعة واحتج به الباقون إلا بن ماجة

حرف الطاء
"ع" طارق بن عبد الرحمن البجلي الأحمسي الكوفي قال يحيى بن سعيد يجري مع إبراهيم بن مهاجر مجرى واحدا ليس عندي بأقوى من بن حرملة وقال أحمد ليس حديثه بذاك هو دون مخارق وقال أبو حاتم لا بأس به يكتب حديثه يشبه حديثه حديث مخارق ووثقه بن معين والعجلي والنسائي قلت ما له في البخاري سوى حديث واحد رواه عن سعيد بن المسيب عن أبيه في ذكر السحرة واحتج به الباقون "ع" طلحة بن نافع أبو سفيان الواسطي ويقال المكي صاحب جابر قال أحمد والنسائي ليس به بأس وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين ليس بشيء وقال أبو حاتم أبو الزبير أحب إلي منه وقال ابن عدي أحاديث الأعمش عنه مستقيمة وقال ابن عيينة حديثه عن جابر صحيفة وقال شعبة لم يسمع من جابر إلا أربعة أحاديث وكذا قال ابن المديني في العلل عن معلى بن منصور عن ابن أبي زائدة مثله قلت ما أخرج له البخاري عن جابر غير أربعة أحاديث وهو مقرون فيها عنده بغيره منها حديثان في الأشربة وثالث في الفضائل قرنه فيها بأبي صالح ومنها حديث في تفسير سورة الجمعة قرنه فيه بسالم بن أبي الجعد واحتج به الباقون "خ م د س ق" طلحة بن يحيى بن النعمان ابن أبي عياش الأنصاري الزرقي وثقه يحيى بن معين وعثمان ابن أبي شيبة وأبو داود وقال أحمد مقارب الحديث وقال أبو حاتم ليس بالقوي وقال يعقوب بن شيبة ضعيف جدا قلت له في البخاري حديث واحد في الحج بمتابعة سليمان ابن بلال كلاهما عن يونس بن يزيد "خ ع ا" طلق بن غنام الكوفي من كبار شيوخ البخاري وثقه بن سعد والعجلي وعثمان ابن أبي شيبة وابن نمير والدارقطني وقال أبو داود صالح وشذ بن حزم فضعفه في المحلي بلا مستند واحتج به أصحاب السنن

حرف العين
"ع" عاصم بن أبي النجود المقري أبو بكر واسم أبي النجود بهدلة في قول الجمهور وقال عمرو بن علي بهدلة اسم أمه قال أحمد بن حنبل كان رجلا صالحا وأنا أختار قراءته والأعمش أحفظ منه وقال يعقوب بن سفيان في حديثه اضطراب وهو ثقة وقال أبو حاتم محله والصدق وليس محله أن يقال هو ثقة ولم يكن بالحافظ وقد تكلم فيه بن علية وقال العقيلي لم يكن فيه إلا سوء الحفظ وقال البزار لا نعلم أحدا ترك حديثه مع أنه لم يكن بالحافظ قلت ما له في الصحيحين سوى حديثين كلاهما من روايته عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قرنه في كل من هما بغيره فحديث البخاري في تفسير سورة المعوذتين وله في البخاري موضع آخر معلق في الفتن وروى له الباقون "ع" عاصم بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري من صغار التابعين قدمه شعبة في أبي عثمان النهدي على قتادة وعده سفيان الثوري رابع أربعة من الحفاظ أدركهم ووصفه بالثقة والحفظ أحمد بن حنبل فقيل له إن يحيى القطان يتكلم فيه فعجب ووثقه بن معين والعجلي وابن المديني وابن عمار والبزار وقال أبو الشيخ سمعت عبدان يقول ليس في العواصم أثبت منه وقال ابن إدريس رأيته أتى السوق فقال اضربوا هذا أقيموا هذا فلا أروي عنه شيئا وتركه وهيب لأنه أنكر بعض سيرته قلت كان يلي الحسبة بالكوفة قاله بن سعد وقد احتج به الجماعة "خ س ق"
عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب الواسطي قال أحمد ما كان أصح حديثه عن شعبة والمسعودي وقال أيضا ما أقل خطأه وقال المرزوي قلت لأحمد إن يحيى بن معين يقول كل عاصم في الدنيا ضعيف قال ما أعلم في عاصم بن علي إلا خيرا كان حديثه صحيحا وضعفه بن معين والنسائي وأورد له بن عدي أحاديث قليلة عن شعبة فقال لا أعلم شيئا منكرا إلا هذه الأحاديث ولم أر بحديثه بأسا وقال العجلي شهدت مجلس عاصم بن علي فحزر من شهده فكانوا مائة ألف وستين ألفا وكان ثقة ووثقه بن سعد قلت روى عنه البخاري قليلا عن عاصم بن محمد بن زيد وروى في كتاب الحدود عن رجل عنه عن ابن أبي ذئب حديثا واحدا وروى له الترمذي وابن ماجة "ع" عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري المدني من صغار التابعين وثقه بن معين والنسائي وأبو زرعة وابن سعد والبزار وآخرون وشذ عبد الحق فقال في الأحكام هو ثقة عند بن معين وأبي زرعة وضعفه غيرهما وأنكر ذلك عليه بن القطان فقال بل هو ثقة مطلقا ولا أعرف أحدا ضعفه ولا ذكره في الضعفاء قلت وهو كما قال وقد احتج به الجماعة "ع" عامر بن واثلة أبو الطفيل الليثي المكي أثبت مسلم وغيره له الصحبة وقال أبو علي بن السكن روى عنه رؤيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة ولم يرو عنه من وجه ثابت سماعه وروى البخاري في التاريخ الأوسط عنه أنه قال أدركت ثمان سنين من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عدي له صحبة وكان الخوارج يرمونه باتصاله بعلي وقوله: "بفضله وفضل أهل بيته وليس بحديثه بأس وقال ابن المديني قلت لجرير أكان مغيرة يكره الرواية عن أبي الطفيل قال نعم وقال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه مكي ثقة وكذا قال ابن سعد وزاد كان متشيعا قلت أساء أبو محمد بن حزم فضعف أحاديث أبي الطفيل وقال كان صاحب راية المختار الكذاب وأبو الطفيل صحابي لا شك فيه ولا يؤثر فيه قول أحد ولا سيما بالعصبية والهوى ولم أر له في صحيح البخاري سوى موضع واحد في العلم رواه عن علي وعنه معروف بن خربوذ وروى له الباقون "خ د س ق" عباد بن راشد التميمي الحبطي البصري وثقه العجلي وأحمد بن حنبل وضعفه يحيى القطان وأبو داود والنسائي وقال أبو حاتم صالح وأنكر على البخاري إدخاله إياه في الضعفاء قلت له في الصحيح حديث واحد في تفسير سورة البقرة بمتابعة يونس له عن الحسن البصري عن معقل بن يسار وروى له أصحاب السنن إلا الترمذي "ع" عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة أبو معاوية وثقه بن معين وأبو داود والنسائي والعجلي وغيرهم وقال أبو حاتم لا يحتج بحديثه وقال ابن سعد كان ثقة وربما غلط وقال مرة ليس بالقوي قلت ليس له في البخاري سوى حديثين أحدهما في الصلاة عن أبي جمرة عن ابن عباس حديث وفد عبد القيس بمتابعة شعبة وغيره والثاني في الاعتصام عن عاصم الأحول بمتابعة إسماعيل بن زكريا واحتج به الباقون "ع" عباد بن العوام بن عمر أبو سهل الواسطي قال ابن معين وأبو حاتم والعجلي وأبو داود والنسائي ثقة وقال ابن سعد ثقة وكان يتشيع وقال الأثرم عن أحمد مضطرب الحديث عن سعيد بن أبي عروبة قلت لم يخرج له البخاري من روايته عن سعيد شيئا واحتج به هو والباقون "خ ت ق" عباد بن يعقوب الرواجني الكوفي أبو سعيد رافضي مشهور إلا أنه كان صدوقا وثقة أبو حاتم وقال الحاكم كأن ابن خزيمة إذا حدث عنه يقول حدثنا الثقة في روايته المتهم في رأيه عباد بن يعقوب وقال ابن حبان كان رافضيا داعية وقال صالح بن محمد كان يشتم عثمان رضي الله عنه قلت روى عنه البخاري في كتاب التوحيد حديثا واحد مقرونا وهو حديث بن مسعود أي العمل أفضل وله عند البخاري طرق أخرى من رواية غيره خ عباس بن الحسين
القنطري قال ابن أبي حاتم عن أبيه مجهول قلت إن أراد العين فقد روى عنه البخاري وموسى بن هارون الحمال والحسن بن علي المعمري وغيرهم وإن أراد الحال فقد وثقه عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سألت أبي عنه فذكره بخير وله في الصحيح حديثان قرنه في أحدهما وتوبع في الآخر "خ م س" عباس بن الوليد النرسي أبو الفضل البصري بن عم عبد الأعلى بن حماد وثقه بن معين ورجحه على عبد الأعلى وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه وكان علي بن المديني يتكلم فيه ووثقه الدارقطني قلت روى عنه البخاري ولم يكثر عنه ومسلم وروى له النسائي "ع" عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي أبو سهل المرزوي مشهور في التابعين وثقه بن معين والعجلي وأبو حاتم وقال الأثرم عن أحمد أما سليمان ابن بريدة فليس في نسفي منه شيء وأما عبد الله ثم سكت وقال البغوي عن محمد بن علي الجوزجاني عن أحمد أنه ضعيف فيما يروى عنه أبيه وقال إبراهيم الحربي عبد الله أشهر من سليمان ولم يسمعا من أبيهما وفيما روى عبد الله عن أبيه أحاديث منكرة وسليمان أصح حديثا قلت ليس له في البخاري من روايته عن أبيه سوى حديث واحد ووافقه مسلم على إخراجه "ع" عبد الله بن جعفر بن غيلان الرقي أبو عبد الرحمن أدركه البخاري بعدما تغير فروى عن الفضل بن يعقوب الرخامي عنه حديثا واحدا وروى له الباقون وقال أبو حاتم وابن معين والعجلي ثقة وقال النسائي ليس به بأس قبل أن يتغير وقال هلال بن العلاء ذهب بصره سنة ست عشرة وتغير سنة ثمان عشرة ومات سنة عشرين ومائتين "ع" عبد الله بن ذكوان أبو الزناد المدني أحد الأئمة الأثبات الفقهاء وثقه الناس ويقال إن مالكا كرهه لأنه كان يعمل للسلطان وقال ربيعة الرأي أنه ليس بثقة قلت لم يلتفت الناس إلى ربيعة في ذلك للعداوة التي كانت بينهما بل وثقوه وكان سفيان الثوري يسميه أمير المؤمنين واحتج به الجماعة "خ س ق" عبد الله بن رجاء الغداني البصري قال أبو حاتم كان ثقة رضيا وقال ابن معين ليس به بأس وقال عمرو بن علي الفلاس كان كثير الغلط والتصحيف ليس بحجة قلت قد لقيه البخاري وحدث عنه بأحاديث يسيرة وروى أيضا عن محمد عنه أحاديث أخرى وروى له النسائي وابن ماجة "خ د س" عبد الله بن سالم الأشعري الحمصي وثقه النسائي والدارقطني وذمه أبو داود من جهة النصب روى له البخاري حديثا واحدا في المزارعة وعلق له غيره وروى له أبو داود والنسائي "ع" عبد الله بن سعيد بن أبي هند المدني أبو بكر وثقه أحمد وابن معين وأبو داود والعجلي ويعقوب بن سفيان وعلي بن المديني وآخرون وقال أبو حاتم ضعيف الحديث وقال أبو بكر بن خلاد سألت يحيى القطان عنه فقال كان صالحا يعرف وينكر قلت احتج به الجماعة "خ د ت ق" عبد الله بن صالح الجهني أبو صالح كاتب الليث لقيه البخاري وأكثر عنه وليس هو من شرطه في الصحيح وإن كان حديثه عنده صالحا فإنه لم يورد له في كتابه إلا حديثا واحدا وعلق عنه غير ذلك على ما ذكر الحافظ المزي وغيره وكلامهم في ذلك متعقب بما سيأتي وعلق عن الليث بن سعد شيئا كثيرا كله من حديث أبي صالح عن الليث وقد وثقه عبد الملك بن شعيب بن الليث فيما حكاه أبو حاتم قال سمعته يقول أبو صالح ثقة مأمون وقد سمع من جدي حديثه وكان أبي يحضه على التحديث قال وسمعت أبا الأسود النضر بن عبد الجبار وسعيد بن عفير يثنيان عليه وقال سعد بن عمرو البردعي قلت لأبي زرعة أبو صالح كاتب الليث فضحك وقال حسن الحديث قلت فإن أحمد يحمل عليه قال وشيء آخر وقال ابن عبد الحكم سمعت أبي وقيل له إن يحيى بن بكير يقول في أبي صالح فقال قل له هل جئنا الليث قط إلا وأبو صالح عنده رجل كان يخرج معه إلى الأسفار وإلى الريف وهو كاتبه فينكر على هذا أن يكون
عنده ما ليس عند غيره وقال الذهلي شغلني حسن حديثه عن الاستكثار من سعيد بن عفير وقال يعقوب بن سفيان حدثني أبو صالح الرجل الصالح وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي عنه فقال كان في أول أمره متماسكا ثم فسد بآخره وقال أيضا ذكرته لأبي فكرهه وقال إنه روى عن الليث عن ابن أبي ذئب وأنكر أن يكون الليث سمع من بن أبي ذئب وقال أو حاتم سمعت بن معين يقول قل أحوال أبي صالح أنه قرأ هذه الكتب على الليث ويمكن أن يكون بن أبي ذئب كتب إلى الليث بهذا الدرج وقال صالح جزرة كأن ابن معين يوثقه وعندي أنه يكذب في الحديث وقال علي بن المديني ضربت على حديثه وقال النسائي ليس بثقة وقال أبو حاتم الأحاديث التي أخرجها أبو صالح في آخر عمره فأنكروها عليه أرى أن هذا مما افتعل خالد بن نجيح وكان أبو صالح يصحبه وكان أبو صالح سليم الناحية وكان خالد يضع الحديث في كتب الناس ولم يكن أبو صالح يروي الكذب بل كان رجلا صالحا وقال ابن حبان كان صدوقا في نفسه وروى مناكير وقعت في حديثه من قبل جار له كان يضع الحديث ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله ويرميه في داره فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به وقال ابن عدي كان مستقيم الحديث إلا أنه يقع في أسانيده ومتونه غلط ولا يتعمد الكذب قلت ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيما ثم طرأ عليه فيه تخليط فمقتضى ذلك أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم فهو من صحيح حديثه وما يجيء من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه والأحاديث التي رواها البخاري عنه في الصحيح بصيغة حدثنا أو قال لي أو قال المجردة قليلة أحدها في كتاب التفسير في تفسير سورة الفتح قال حدثنا عبد الله حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة فذكر حديث عبد الله بن عمرو في تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} الآية وعبد الله هذا هو أبو صالح لأن البخاري رواه في كتاب الأدب المفرد فقال حدثنا عبد الله بن صالح وهو كاتب الليث فيما جزم به أبو علي الغساني ثانيا في الجهاد قال حدثنا عبد الله حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة فذكر حديث بن عمر في القول عند القفول من الحج وعبد الله هو أبو صالح كما جزم به أبو علي الغساني ثالثها في البيوع قال البخاري وقال الليث حدثنا جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة في قصة الرجل الذي أسلف الألف دينار وقال بعدها حدثني عبد الله بن صالح حدثنا الليث بهذا هكذا وقع في روايتنا من طريق أبي الوقت وفي غيرها من الروايات رابعها في الأحكام قال البخاري عقب حديث قتيبة عن الليث عن يحيى بن سعيد في حديث أبي قتادة في القتيل يوم حنين قال البخاري وقال لي عبد الله عن الليث يعني بهذا الإسناد وفي هذا الحديث فقام النبي صلى الله عليه وسلم فأداه هكذا هو في روايتنا من طريق أبي ذر عن الكشميهني خامسها في كتاب الزكاة عقب حديث بن عمر في المسألة قال في آخره وزادني عبد الله بن صالح عن الليث يعني بسنده فيشفع ليقضي بين الخلق وعند سادس في تفسير سورة الأحزاب حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره وقال أبو صالح عن الليث على محمد وعلى آل محمد وعنده سابع في الاعتصام قال حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفر من كفر من العرب" الحديث وفيه قال أبو بكر لو منعوني عقالا الحديث قال في آخره قال لي بن بكير وعبد الله عن الليث عناقا وهو أصح وفي الكتاب عن أبي صالح موضع ثامن وهو قوله: "في صفة الصلاة حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 03:11 AM
إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا لك الحمد" قال عبد الله بن صالح عن الليث ولك الحمد ثم يكبر حين يسجد وفيه موضع تاسع في صفة الصلاة أيضا قال حدثنا يحيىبن بكير حدثنا الليث عن خالد عن سعيد هو بن أبي هلال عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال أبو حميد الساعدي أنا كنت أحفظكم لصلاته رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار في مكانه الحديث وقال بعده قال أبو صالح عن الليث كل فقار وأما التعليق عن الليث من رواية عبد الله بن صالح عنه فكثير جدا وقد عاب ذلك الإسماعيلي على البخاري وتعجب منه كيف يحتج بأحاديثه حيث يعلقها فقال هذا عجيب يحتج به إذا كان منقطعا ولا يحتج به إذا كان متصلا وجواب ذلك أن البخاري إنما صنع ذلك لما قررناه أن الذي يورده من أحاديثه صحيح عنده قد انتقاه من حديثه لكنه لا يكون على شرطه الذي هو أعلى شروط الصحة فلهذا لا يسوقه مساق أصل الكتاب وهذا اصطلاح له قد عرف بالاستقراء من صنيعه فلا مشاحة فيه والله أعلم "ع" عبد الله بن عبيدة الربذي قال يعقوب بن شيبة والنسائي والدارقطني وغيرهم ثقة وقال ابن أبي خيثمة سألت بن معين عنه فقال هو أخو موسى ولم يرو عنه غير أخيه موسى وحديثهما ضعيف قلت بل أخرج البخاري حديثه من طريق صالح بن كيسان عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس في قول النبي صلى الله عليه وسلم رأيته أنه وضع في يدي سواران من ذهب الحديث قال البخاري في المغازي حدثنا سعيد بن محمد الجرمي حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح به ورواه النسائي في الرؤيا قال حدثنا أبو داود الحراني حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن صالح مثله لكنه قال عن صالح عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأسقط عبد الله بن عبيدة ورواه البخاري في المغازي أيضا من طريق أخرى عن ابن عباس عن أبي هريرة مطولا "ع" عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر المقعد البصري وثقه بن معين وعلي بن المديني وأبو داود والعجلي وأبو حاتم وأبو زرعة والأئمة كلهم لكن قال العجلي وابن خراش وغير واحد أنه كان يرى القدر زاد أبو داود لكنه كان لا يتكلم فيه وقد روى عنه البخاري وأبو داود وروى له الباقون بواسطة خ "ع" عبد الله بن العلاء بن زبر الربعي الدمشقي وثقه بن معين ودحيم وأبو داود وابن سعد ويعقوب بن شيبة والفلاس والدارقطني وجمهور الأئمة وقال أحمد بن حنبل مقارب الحديث وشذ أبو محمد بن حزم فقال ضعيف قلت له في البخاري حديثان أحدهما في تفسير سورة الأعراف بمتابعة زيد بن واقد كلاهما عن بسر بن عبيد الله والآخر في الجزية وروى له أصحاب السنن "ع" عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو محمد الكوفي كان أكبر من عمه محمد بن عبد الرحمن قال النسائي ثقة ثبت وقال ابن خراش والحاكم هو أوثق آل بيته وقال العجلي وابن معين ثقة وزاد بن معين وكان يتشيع وقال ابن المديني هو عندي منكر وقال إبراهيم الحربي لم يسمع من جده قلت حديثه عنه في الصحيحين ففي البخاري في أحاديث الأنبياء من طريق أبي فروه الهمداني حدثني عبد الله بن عيسى سمع عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فذكر الحديث في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأورده في الصلاة أيضا وتابعه عليه عنده الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن وله عنده حديث آخر في الصيام بمتابعة مالك وإبراهيم بن سعد كلهم عن الزهري في صوم أيام التشريق للمتمتع وليس له في البخاري

غير هذين الحديثين "خ م د س ق" عبد الله بن أبي لبيد المدني أبو المغيرة وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي والعجلي وقال الدراوردي كان يرمي بالقدر فلم يصل عليه صفوأن ابن سليم لما أن مات وقال ابن سعد كان من العباد وكان يقول بالقدر وقال العقيلي يخالف في بعض حديثه قلت ليس له في البخاري سوى حديث واحد في الصيام بمتابعة محمد بن عمرو وسليمان الأحول ثلاثتهم عن أبي سلمة عن أبي سعيد في الاعتكاف وروى له الباقون سوى الترمذي "خ ت ق" عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري وثقه العجلي والترمذي واختلف فيه قول الدارقطني وقال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم صالح وقال النسائي ليس بالقوي وقال الساجي فيه ضعف ولم يكن من أهل الحديث وروى مناكير وقال العقيلي لا يتابع على أكثر حديثه قلت لم أر البخاري احتج به إلا في روايته عن عمه ثمامة فعنده عنه أحاديث وأخرج له من روايته عن ثابت عن أنس حديثا توبع فيه عنده وهو في فضائل القرآن وأخرج له أيضا في اللباس عن مسلم بن إبراهيم عنه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر في النهي عن الفزع بمتابعة نافع وغيره عن ابن عمر وروى له الترمذي وابن ماجة "خ د ق" عبد الله بن محمد بن أبي الأسود حميد بن الأسود البصري أبو بكر وقد ينسب إلى جده فيقال أبو بكر بن أبي الأسود قال يحيى بن معين ما رأى به بأسا ولكنه سمع من أبي عوانة وهو صغير وقال ابن أبي خيثمة كان يحيى بن معين سيء الرأي فيه قلت روى عنه البخاري وأبو داود وروى الترمذي عن البخاري عنه لكن ما أخرج له عن أبي عوانة أحد منهم وهو بن أخت عبد الرحمن بن مهدي وقال الخطيب كان حافظا متقنا "ع" عبد الله بن أبي نجيح المكي وثقه أحمد وابن معين والنسائي وأبو زرعة وقال أبو حاتم إنما يقال فيه من أجل القدر وهو صالح الحديث وقال أحمد بن حنبل هو وأصحابه قدرية وقال العجلي ثقة كان يرى القدر وذكره النسائي فيمن كان يدلس قلت احتج الجماعة به "ع" عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري السامي وثقه بن معين وأبو زرعة والنسائي والعجلي وابن نمير وغيرهم وكان ممن سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل اختلاطه وقال أحمد بن حنبل كان يرمى بالقدر وقال ابن حبان في الثقات كان متقنا وكان لا يدعو إلى القدر وقال محمد بن سعد لم يكن بالقوي قلت هذا جرح مردود غير مبين ولعله بسبب القدر وقد احتج به الأئمة كلهم "خ م د س ت" عبد الحميد بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي أبو بكر الأعشى أخو إسماعيل وكان الأكبر وثقه بن معين وأبو داود وابن حبان والدارقطني وضعفه النسائي وقال الأزدي في ضعفائه أبو بكر الأعشى يضع الحديث فكأنه ظن أنه آخر غير هذا وقد بالغ أبو عمر بن عبد البر في الرد على الأزدي فقال هذا رجم بالظن الفاسد وكذب محض إلى آخر كلامه قلت احتج به الجماعة إلا بن ماجة "خ م د ت ق" عبد الحميد بن عبد الرحمن أبو يحيى الحماني الكوفي لقبه بشميز قال ابن معين كان ثقة ولكنه ضعيف العقل وقال النسائي ثقة وقال مرة ليس بالقوي وقال أبو داود كان داعية إلى الإرجاء وضعفه بن سعد والعجلي قلت إنما روى له البخاري حديثا واحدا في فضائل القرآن من روايته عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى في قول النبي صلى الله عليه وسلم لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود وهذا الحديث قد رواه مسلم من طريق أخرى عن أبي بردة عن أبي موسى فلم يخرج له إلا ما له أصل والله أعلم وروى له الباقون سوى النسائي "خ م د س ق" عبد ربه بن نافع الكناني أبو شهاب الخياط الكوفي نزيل المدائن قال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد لم يكن بالحافظ قال ولم يرضى يحيى أمره وقال عبد الله بن أحمد عن
أبيه ما بحديثه بأس وقال ابن معين والعجلي وابن سعد والبزار وابن نمير وغيرهم ثقة وقال يعقوب بن شيبة تكلموا في حفظه وقال النسائي ليس بالقوي وقال الساجي صدوق يهم في بعض حديثه قلت احتج الجماعة به سوى الترمذي والظاهر إن تضعيف من ضعفه إنما هو بالنسبة إلى غيره من أقرانه كأبي عوانة وأنظاره خ "ع" عبد الرحمن بن ثروان أبو قيس الأودي مشهور بكنيته وثقه بن معين والعجلي والدارقطني وقال أحمد يخالف في أحاديث وقال أبو حاتم ليس بقوي وقال النسائي ليس به بأس قلت له في الفرائض من صحيح البخاري حديثان كلاهما من روايته عن هزيل بن شرحبيل عن ابن مسعود أحدهما أن أهل الإسلام لا يسيبون الحديث موقوف والآخر سئل أبو موسى عن ابنة وبنت بن وأخت الحديث وروى له الأربعة "ع" عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله الأنصاري وثقه العجلي والنسائي وغيرهما وقال ابن سعد في روايته ورواية أخيه ضعف وليس يحتج بهما قلت ليس له في البخاري سوى حديث واحد وقد تقدم الكلام عليه في الفصل الذي قبله في الحديث المائة وروى له الباقون "خ ت" عبد الرحمن بن حماد بن شعيب الشعيثي بالثاء المثلثة أبو سلمة البصري من كبار شيوخ البخاري قال أبو زرعة لا بأس به ووثقه الدارقطني وقال أبو حاتم ليس بالقوي قلت روى عنه البخاري حديثا واحدا في الجنائز عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن أم عطية أمرنا أن نخرج الحيض الحديث وقد تابعه عليه يزيد بن هارون عند النسائي وهو مشهور عن محمد بن سيرين من طرق أخرى عند البخاري أيضا وغيره وروى له الترمذي "خ م س ق" عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي صاحب الزهري وثقه العجلي والنسائي والذهلي والدارقطني وقرنه النسائي بابن أبي ذئب من أصحاب الزهري وقال أبو حاتم صالح وقال زكريا الساجي صدوق عندهم وله مناكير قلت احتج به الجماعة إلا الترمذي "خ م د ت ق" عبد الرحمن بن سليمان ابن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري المعروف بابن الغسيل والغسيل هو حنظلة قتل يوم أحد شهيدا وهو جنب فغسلته الملائكة وعبد الرحمن من صغار التابعين وثقه بن معين والنسائي وأبو زرعة والدارقطني وقال النسائي مرة ليس به بأس ومرة ليس بالقوي وقال ابن حبان كان يخطىء ويهم كثيرا مرض القول فيه أحمد ويحيى وقالا صالح وقال الأزدي ليس بالقوي عندهم وقال ابن عدي هو ممن يعتبر حديثه ويكتب قلت تضعيفهم له بالنسبة إلى غيره ممن هو أثبت منه من أقرانه وقد احتج به الجماعة سوى النسائي "ع" عبد الرحمن بن شريح بن عبد الله بن محمود المعافري أبو شريح الإسكندراني وثقه أحمد وابن معين والنسائي وأبو حاتم والعجلي ويعقوب بن سفيان وشذ بن سعد فقال منكر الحديث قلت ولم يلتفت أحد إلى بن سعد في هذا فإن مادته من الواقدي في الغالب والواقدي ليس بمعتمد وقد احتج به الجماعة "خ ت د س" عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المدني قال الدوري عن ابن معين في حديثه عندي ضعف وقد حدث عنه يحيى القطان ويكفيه رواية يحيى عنه وقال عمرو بن علي لم أسمع عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه قط وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن المديني صدوق وقال الدارقطني خالف فيه البخاري الناس وليس هو بمتروك وذكره بن عدي في الكامل وأورد له أحاديث وقال بعض ما يرويه منكر مما لا يتابع عليه وهو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء قلت احتج به البخاري كما قال الدارقطني وأبو داود والنسائي والترمذي وقد تقدم ذكر الحديث الذي استنكر منه مما خرج عنه البخاري وهو التاسعه والثلاثون من الفصل الذي قبل هذا "خ د س ق" عبد الرحمن بن عبد الله البصري أبو سعيد مولى بن هاشم البصري

نزيل مكة مشهور بكنيته وثقة بن معين وقال أبو حاتم كان أحمد يرضاه وما كان به بأس وقال العقيلي عن أحمد كان كثير الخطأ وقال الساجي كان يهم في الحديث قلت أخرج له البخاري في الوصايا حديثا واحدا من روايته عن صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر في صدقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد أخرجه من رواية بن عون وغيره عن نافع فتبين أنه ما أخرج له إلا في المتابعة وروى له أبو داود في فضائل الأنصار والنسائي وابن ماجة "ء ا" عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي المسعودي مشهور من كبار المحدثين إلا أنه اختلط في آخر عمره وقال أحمد وغيره من سمع منه بالكوفة قبل أن يخرج إلى بغداد فسماعه صحيح قلت علم المزي عليه علامة تعليق البخاري ولم أر له عنده شيئا معلقا نعم له ذكر في زيادة في حديث الاستسقاء قال البخاري حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن عبد الله بن أبي بكر سمع عباد بن تميم عن عمه قال "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى ويستقبل القبلة فصلى ركعتين وقلب رداءه" قال سفيان وأخبرني المسعودي عن أبي بكر قال جعل اليمين على الشمال انتهى فهذه زيادة موصولة في الخبر وإنما أراد البخاري أصل الحديث على عادته في ذلك وروى له الباقون سوى مسلم "خ س" عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة أبو بكر الحزامي وقد ينسب الى جده قواه أبو حاتم وضعفه أبو بكر بن أبي داود وقال ابن حبان في الثقات ربما خالف وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى ليس بالمتين عندهم قلت روى عنه البخاري حديثين أحدهما في أواخر صفة النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وقد نزع ذنوبا أو ذنوبين الحديث وقد رواه في التعبير من وجه آخر عن موسى بن عقبة وثانيهما في الأطعمة قال حدثنا عبد الرحمن بن شيبة أخبرني بن أبي الفديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه كنت ألزم النبي صلى الله عليه وسلم على شبع بطني الحديث وفيه ذكر جعفر بن أبي طالب وقد أخرجه في فضل جعفر عن أبي مصعب أحمد بن أبي بكر عن محمد بن إبراهيم بن دينار عن ابن أبي ذئب به فتبين أنه ما احتج به وروى له النسائي "خ د س ت" عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح المعروف بقراد وثقه بن المديني وابن نمير ويعقوب بن شيبة وابن سعد وقال ابن معين صالح ليس به بأس وقال أبو حاتم صدوق وقال الدارقطني ثقة وله إفراد وقال ابن حبان في الثقات كان يخطىء ويتخالج في القلب منه لروايته عن الليث عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة قصة المماليك قلت أخطأ في سنده وإنما رواه الليث عن زياد بن عجلان عن زياد مولى بن عباس1 مرسلا بينه الدارقطني في غرائب مالك والحاكم أبو أحمد في الكنى وغير واحد وقال الخليلي أبو غزوان قديم ينفرد عن الليث بحديث لا يتابع عليه يعني هذا قلت ليس له في البخاري سوى حديث واحد أخرجه في الخلع عن محمد بن عبد الله بن المبارك عنه عن جرير بن حازم بمتابعة إبراهيم بن طهمان كلاهما عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس في قصة امرأة ثابت بن قيس بن شماس ورواه حماد بن زيد عن أيوب مرسلا وكذا خالد الواسطي وإبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء وقد تقدم هذا الحديث في الفصل الذي قبله وهو الحديث الثمانون وروى له أبو داود والنسائي وله عند الترمذي حديث من رواية أبي موسى الأشعري فيه ألفاظ منكرة والله أعلم "ع" عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي أبو محمد الكوفي وثقه بن معين والنسائي والبزار والدارقطني
ـــــــ
1 الصواب مولى بن عياش بالياء المثناة تحت والشين المعجمة كما في التهذيب وتعجيل المنفعة

وقال أبو حاتم صدوق إذا حدث عن الثقات ويروي عن المجهولين أحاديث منكرة فتفسد حديثه وقال عثمان الدارمي ليس بذاك وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه بلغنا أنه كان يدلس ولا نعلمه سمع من معمر وقال الباجي صدوق يهم قلت ليس له في البخاري سوى حديثين متابعة قد نبهنا على أحدهما في ترجمة زكريا بن يحيى أبي السكين وعلى الثاني في ترجمة صالح بن حيان وروى له الجماعة "خ ع" عبد الرحمن بن أبي الموالي المدني أبو محمد وثقه بن معين والنسائي وأبو زرعة وقال أحمد وأبو حاتم لا بأس به وقال ابن خراش صدوق وقال ابن عدي مستقيم الحديث وأنكر أحمد حديثه عن محمد بن المنكدر عن جابر في الاستخارة قلت هو من أفراده وقد أخرجه البخاري والخطب فيه سهل قال ابن عدي بعد أن أورده قد روى حديث الاستخارة غير واحد من الصحابة انتهى وقد احتج به البخاري وأصحاب السنن "ع" عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي أبو الحكم الكوفي العابد وثقه بن سعد والنسائي وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين ضعيف قلت اعتمده الشيخان وله عند البخاري ثلاثة أحاديث عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر عن كل واحد حديث واحد وروى له الباقون "خ م د س" عبد الرحمن بن نمر اليحصبي من أصحاب الزهري قال أبو حاتم ودحيم والذهلي ما روى عنه غير الوليد بن مسلم ووثقه الذهلي وابن البرقي وأبو داود وقال ابن معين ضعيف وقال أبو حاتم ليس بالقوي قلت له في الصحيحين حديث واحد عن الزهري متابعة وروى له أبو داود والنسائي "ع" عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي أحد الثقات الأثبات وثقه الجمهور وقال الفلاس وحده ضعيف الحديث حدث عن مكحول أحاديث مناكير رواها عنه أهل الكوفة وتعقب ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب بأن الذي روى عنه أهل الكوفة أبو أسامة وغيره هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وكانوا يغلطون فيقولون بن جابر قال فالحمل في تلك الأحاديث على أهل الكوفة الذين وهموا في اسم جده وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة قلت وقد بين ما وقع لأبي أسامة وغيره من ذلك بن أبي حاتم عن بعض شيوخه وأبو بكر بن أبي داود وأبوه أبو بكر البزار وغيرهم وابن جابر واحتج به الجماعة "خ" عبد الرحمن بن يونس أبو مسلم المستملي قال أبو حاتم صدوق وقال ابن حبان في الثقات كان صاعقة لا يحمد أمره وقال ابن سعد استملي على بن عيينة ويزيد بن هارون ورحل في صلب الحديث قلت روى عنه البخاري حديثا واحدا في الوضوء في مسند السائب بن يزيد بمتابعة إبراهيم بن حمزة وغيره عن حاتم بن إسماعيل "بخ" عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني أحد الحفاظ الأثبات صاحب التصانيف وثقه الأئمة كلهم إلا العباس بن عبد العظيم العنبري وحده فتكلم بكلام أفرط فيه ولم يوافقه عليه أحد وقد قال أبو زرعة الدمشقي قيل لأحمد من أثبت في بن جريج عبد الرزاق أو محمد بن بكر البرساني فقال عبد الرزاق وقال عباس الدوري عن ابن معين كان عبد الرزاق أثبت في حديث معمر من هشام بن يوسف وقال يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني قال لي هشام بن يوسف كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا قال يعقوب كلاهما ثقة ثبت وقال الذهلي كان أيقظهم في الحديث وكان يحفظ وقال ابن عدي رحل إليه ثقات المسلمين وكتبوا عنه إلا اسم نسبوه إلى التشيع وهو أعظم ما ذموه به وأما الصدق فأرجو أنه لا بأس به وقال النسائي فيه نظر لمن كتب عنه بآخرة كتبوا عنه أحاديث مناكير وقال الأثرم عن أحمد من سمع منه بعد ما عمي فليس بشيء وما كان في كتبه فهو صحيح وما ليس في كتبه فإنه كان يلقن فيتلقن قلت احتج به الشيخان في جملة من حديث من سمع منه قبل الاختلاط وضابط ذلك من سمع منه قبل المائتين فأما
بعدها فكان قد تغير وفيها سمع منه أحمد بن شبويه فيما حكى الأثرم عن أحمد وإسحاق الديري وطائفة من شيوخ أبي عوانة والطبراني ممن تأخر إلى قرب الثمانين ومائتين وروى له الباقون "ع" عبد السلام بن حرب الملائي الكوفي أبو بكر وثقه أبو حاتم والترمذي ويعقوب بن شيبة والدارقطني والعجلي وزاد كان البغداديون يستنكرون بعض حديثه والكوفيون أعلم به وقال ابن سعد كان فيه ضعف وقال يحيى بن معين ليس به بأس وقال أحمد بن حنبل كنا ننكر منه شيئا كان لا يقول حدثنا إلا في حديث أو حديثين وقيل لابن المبارك فيه فقال ما تحملني رجلي إليه قلت له في البخاري حديثان أحدهما في الطلاق بمتابعة الأنصاري له عن هشام عن حفصة عن أم عطية في الإحداد والثاني في المغازي في باب قدوم أبي موسى والأشعريين بمتابعة حماد بن زيد وغير واحد كلهم عن أيوب عن أبي قلابة عن زهدم الجرمي عن أبي موسى الأشعري فتبين أنه لم يحتج به وروى له الباقون "ع" عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار أبو تمام المدني وثقه النسائي وابن معين والعجلي وقال أحمد بن حنبل لم يكن يعرف بطلب الحديث إلا كتب أبيه فإنهم يقولون إنه سمعها ويقال أن كتب سليمان ابن بلال وقعت إليه ولم يسمعها وقال ابن أبي خيثمة عن مصعب الزبيري كان قد سمع من سليمان فلما مات سليمان أوصى إليه بكتبه وقال أبو حاتم صالح الحديث ويقال لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه قلت احتج به الجماعة "خ د ت ق" عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح العامري الأويسي المدني من كبار شيوخ البخاري قدمه أبو حاتم على يحيى بن أبي بكير في الموطأ وقال هو صدوق ووثقه يعقوب بن شيبة وقال الدارقطني حجة وقال الخليلي اتفقوا على توثيقه لكن وقع في سؤالات أبي عبيد الآجري عن أبي داود قال عبد العزيز الأويسي ضعيف فإن كان عني هذا ففيه نظر لأنه قد وثقه في موضع آخر وروى عن هارون الحمال عنه ولعله ضعف رواية معينة له وهم فيها أو ضعف آخر اتفق معه في اسمه وفي الجملة فهو جرح مردود "ع" عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي نزيل المدينة وثقه بن معين وأبو داود والنسائي وأبو زرعة وابن عمار وزاد ليس بين الناس فيه اختلاف وحكى الخطابي عن أحمد أنه قال ليس هو من أهل الحفظ يعني بذلك سعة المحفوظ وإلا فقد قال يحيى بن معين هو ثبت روى شيئا يسيرا وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال ميمون بن الأصبغ عنأبي مسهر ضعيف الحديث وقال يعقوب بن سفيان حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد العزيز وهو ثقة قلت ليس له في البخاري سوى حديث واحد في تفسير سورة المائدة من رواية محمد بن بشر عنه عن نافع عن ابن عمر قال نزل تحريم الخمر وليس في المدينة سوى خمسة أشربة الحديث ولهذا شاهد من حديث عمر بن الخطاب وروى له الباقون "ع" عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي أبو محمد المدني أحد مشاهير المحدثين وثقه يحيى بن معين وعلي بن المديني وقال أحمد كان معروفا بالطلب وإذا حدث من كتابه فهو صحيح وإذا حدث من كتب الناس وهم وكان يقرأ من كتبهم فيخطيء وربما قلب حديث عبد الله بن عمر يرويها عن عبيد الله بن عمرو قال أبو زرعة كان سيء الحفظ وربما حدث من حفظا السيء فيخطئ وقال النسائي ليس به بأس وحديثه عن عبيد الله بن عمر منكر وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال الساجي كان من أهل الصدق والأمانة إلا أنه كثير الوهم وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث يغلط قلت روى له البخاري حديثين قرنه فيهما بعبد العزيز بن أبي حازم وغيره وأحاديث يسيرة أفرده لكنه أوردها بصيغة التعليق في المتابعات واحتج به الباقون "ع" عبد العزيز بن المختار البصري وثقه بن معين في رواية بن الجنيد وغيره وقال
في رواية بن أبي خيثمة عنه ليس بشيء وقال أبو حاتم مستوى الحديث ثقة ووثقه العجلي وابن البرقي والنسائي وقال ابن حبان في الثقات يخطىء قلت احتج به الجماعة وذكر بن القطان الفاسي أن مراد بن معين ب قوله: "في بعض الروايات ليس بشيء يعني أن أحاديثه قليلة جدا "ع" عبد الكريم بن مالك الجزري أبو سعيد الحراني أحد الأثبات وثقه الأئمة وقال ابن المديني ثبت وقال ابن معين ثقة ثبت وذكره بن عدي في الكامل لأجل حكاية الدوري عن ابن معين أنه قال حديث عبد الكريم الجزري عن عطاء رديء وقال ابن عدي عني بذلك حديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها ولا يحدث وضوءا قال وإذا روى الثقات عن عبد الكريم فأحاديثه مستقيم وأنكر يحيى القطان حديثه عن عطاء في لحم البغل قلت لم يخرج البخاري من روايته عن عطاء إلا موضعا واحدا معلقا واحتج به الجماعة "ت س ق" عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية البصري نزيل مكة شارك الذي قبله في كثير من شيوخه وفي الرواية عنه فاشتبه الأمر فيهما وأبو أمية متروك عند أئمة الحديث وقد ذكره أبو الوليد الباجي في رجال البخاري من أجل زيادة وقعت في حديث سفيان ابن عيينة عن سليمان عن طاوس عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد الحديث أورده البخاري في كتاب التهجد وقال في آخره قال سفيان وزاد عبد الكريم أبو أمية يعني عن طاوس ولا حول ولا قوة إلا بالله ولم يقصد البخاري الاحتجاج به وإنما أورده كما حصل عنده واحتجاجه إنما هو بأصل الحديث عن سليمان كعادته في ذلك وقد مضى له شبيه بهذا العمل في ترجمة عبد الرحمن المسعودي وعلم المزي في التهذيب على ترجمته علامة تعليق البخاري وليس ذلك بجيد منه والله الموفق وفي أوائل المغازي من طريق هشام عن ابن جريج أخبرني عبد الكريم أنه سمع مقسما فزعم بعضهم أن عبد الكريم هذا هو بن أبي المخارق وليس كذلك بل هو الجزري كما جاء مصرحا به في مستخرج أبي نعيم من طريق سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن ابن جريج وروى مسلم حديثا من رواية بن عيينة عن عبد الكريم عن مجاهد في المتابعات فقيل هو الجزري وقيل هذا وروى له النسائي حديثا وضعفه وأخرج له الترمذي وابن ماجة "خ" عبد المتعال بن طالب شيخ بغدادي وثقه أبو زرعة ويعقوب بن شيبة وغيرهما وأورده بن عدي في الكامل ونقل عن عثمان الدارمي أنه سأل يحيى بن معين عن حديث هذا عن ابن وهب فقال ليس هذا بشيء قلت وهذا ليس بصريح في تضعيفه لاحتمال أن يكون أراد الحديث نفسه ويقوي هذا أن عثمان هذا سأل بن معين عن عبد المتعال فقال ثقة وكذا قال عبد الخالق بن منصور عن ابن معين انتهى وإنما روى عنه البخاري حديث واحدا في أواخر الحج قبل أبواب العمرة لخمسة أبواب وقد روى ذلك الحديث بعينه في الحج أيضا عن أصبغ بن الفرج بمتابعة عبد المتعال والله أعلم "ع" عبد الملك بن أعين الكوفي وثقه العجلي وقال أبو حاتم شيعي محله الصدق وقال ابن معين ليس بشيء وكأن ابن مهدي يحدث عنه ثم تركه قلت ليس له في الصحيحين سوى حديث سفيان ابن عيينة عن جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين سمعا شقيقا يقول سمعت بن مسعود فذكر حديث من حلف على مال امرئ مسلم هو في التوحيد من صحيح البخاري وروى له الباقون "خ م س ق" عبد الملك بن الصباح المسمعي البصري أبو محمد بن أصحاب شعبة قال أبو حاتم صالح وذكره صاحب الميزان فنقل عن الخليلي أنه قال فيه كان متهما بسرقة الحديث وهذا جرح مبهم ولم أر له في البخاري سوى حديث واحد أورده في الدعوات مقرونا بمعاذ
ابن معاذ عن شعبة عن أبي إسحاق عن ابن أبي موسى عن أبيه في قوله: "اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وأورده أيضا من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق وروى له مسلم والنسائي وابن ماجة "ع" عبد الملك بن عمير الكوفي مشهور من كبار المحدثين لقي جماعة من الصحابة وعمر وثقه العجلي وابن معين والنسائي وابن نمير وقال ابن مهدي كان الثوري يعجب من حفظ عبد الملك وقال أبو حاتم ليس بحافظ تغير حفظه قبل موته وإنما عني بن مهدي عبد الملك بن أبي سليمان وقال أحمد بن حنبل مضطرب الحديث تختلف عليه الحفاظ وقال ابن البرقي عن ابن معين ثقة إلا أنه أخطأ في حديث أو حديثين قلت احتج به الجماعة وأخرج له الشيخان من رواية القدماء عنه في الاحتجاج ومن رواية بعض المتأخرين عنه في المتابعات وإنما عيب عليه أنه تغير حفظه لكبر سنه لأنه عاش مائة وثلاث سنين ولم يذكره بن عدي في الكامل ولا بن حبان "خ" عبد الواحد بن زياد العبدي البصري قال ابن معين أثبت أصحاب الأعمش شعبة وسفيان ثم أبو معاوية ثم عبد الواحد بن زياد وعبد الواحد ثقة وأبو عوانة أحب إلي منه ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن سعد والنسائي وأبو داود والعجلي والدارقطني حتى قال ابن عبد البر لا خلاف بينهم أنه ثقة ثبت كذا قال وقد أشار يحيى بن القطان إلى لينه فروى بن المديني عنه أنه قال ما رأيته طلب حديث قط وكنت أذاكره بحديث الأعمش فلا يعرف منه حرفا قلت وهذا غير قادح لأنه كان صاحب كتاب وقد احتج به الجماعة "خ ع" عبد الواحد بن عبد الله البصري كان أمير المدينة في خلافة يزيد بن عبد الملك قال أفلح بن حميد كان محمود الولاية ووثقه العجلي والدارقطني وغيرهما وقال أبو حاتم لا يحتج به قلت له في الصحيح حديث واحد عن واثلة في التغليظ في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وروى له الأربعة "خ د ت س" عبد الواحد بن واصل أبو عبيدة الحداد مشهور بكنيته قال ابن معين كان من المثبتين ما أعلم أنا أخذنا عليه خطأ البتة وقال أحمد أخشى أن يكون ضعيفا وقال أيضا لم يكن صاحب حفظ لكن كان كتابه صحيحا ووثقه العجلي ويعقوب بن شيبة ويعقوب بن سفيان وأبو داود وغيرهم قلت له في الصحيح حديث واحد في الصلاة من روايته عن عثمان ابن أبي رواد عن الزهري عن أنس تابعه فيه محمد بن بكر البرساني عن عثمان وروى له أبو داود والنسائي والترمذي "خ" عبد الوارث بن سعيد التنوري أبو عبيدة البصري من مشاهير المحدثين ونبلائهم أثنى شعبة على حفظه وكان يحيى بن سعيد القطان يرجع إلى حفظه وقيل لابن معين من أثبت شيوخ البصريين فعده منهم وقدمه مرة على بن علية في أيوب ووثقه أبو زرعة والنسائي وابن سعد وابن نمير والعجلي وأبو حاتم وزاد هو أثبت من حماد بن سلمة وذكر أبو داود عن أبي علي الموصلي أن حماد بن زيد كان ينهاهم عنه لأجل القول بالقدر قال البخاري قال عبد الصمد بن عبد الوارث مكذوب على أبي وما سمعت منه يقول في القدر قط شيئا وقال الساجي حدثنا علي بن أحمد سمعت هدبة بن خالد يقول سمعت عبد الوارث يقول ما رأيت الاعتزال قط قال الساجي ما وضع منه إلا القدر قلت يحتمل أنه رجع عنه بل الذي اتضح لي أنهم اتهموه به لأجل ثنائه على عمرو بن عبيد فإنه كان يقول لولا أنني أعلم أنه صدوق ما حدثت عنه وأئمة الحديث كانوا يكذبون عمرو بن عبيد وينهون عن مجالسته فمن هنا اتهم عبد الوارث وقد احتج به الجماعة "ع" عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي أبو محمد البصري أحد الأثبات قال علي بن المديني ليس في الدنيا كتاب عن يحيى بن سعيد الأنصاري أصح من كتاب عبد الوهاب ووثقه العجلي ويحيى بن معين وآخرون وقال ابن سعد ثقة وفيه ضعف قلت عني بذلك ما نقم عليه من الاختلاط قال عباس الدوري عن ابن معين اختلط بآخرة وقال عقبة بن مكرم
واختلط قبل موته بثلاث سنين وقال عمرو بن علي اختلط حتى كان لا يعقل قلت احتج به الجماعة ولم يكثر البخاري عنه والظاهر أنه إنما أخرج له عمن سمع منه قبل اختلاطه كعمرو بن علي وغيره بل نقل العقيلي أنه لما اختلط حجبه أهله فلم يرو في الاختلاط شيئا والله أعلم "ع" عبيد الله بن أبي جعفر المصري الفقيه يكنى أبا بكر وثقه أحمد في رواية عبد الله ابنه عنه وأبو حاتم والنسائي وابن سعد وقال ابن يونس كان عالما عابدا ونقل صاحب الميزان عن أحمد أنه قال ليس بقوي قلت إن صح ذلك عن أحمد فلعله في شيء مخصوص وقد احتج به الجماعة "ع" عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي أبو علي مشهور بكنيته وهو من نبلاء المحدثين قال ابن معين وأبو حاتم لا بأس به ووثقه العجلي والدارقطني وغير واحد وأخرجه العقيلي في الضعفاء وأورد له حديثا تفرد به ليس بمنكر واحتج به الجماعة "ع" عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي مولاهم أبو محمد الكوفي من كبار شيوخ البخاري سمع من جماعة من التابعين وثقه بن معين وأبو حاتم والعجلي وعثمان ابن أبي شيبة وآخرون وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا حسن الهيئة وكان يتشيع ويروي أحاديث في التشيع منكرة وضعف بذلك عند كثير من الناس وعاب عليه أحمد غلوه في التشيع مع تقشفه وعبادته وقال أبو حاتم كان أثبتهم في إسرائيل وقال ابن معين كان عنده جامع سفيان الثوري وكان يستضعف فيه قلت لم يخرج له البخاري من روايته عن الثوري شيئا واحتج به هو والباقون عبيدة بن حميد بن صهيب أبو عبد الرحمن الكوفي وثقه أحمد وقال ماأصح حديثه وما أدري ما للناس وله وقال ابن معين ما به بأس وليس له بخت وقال ابن المديني مرة ما أصح حديثه ومرة ضعفه وقال يعقوب بن شيبة لم يكن من الحفاظ وقال الساجي ليس بالقوي ووثقه آخرون قلت له في الصحيح ثلاثة أحاديث أحدها في الأدب حديثه عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس في قصة القبرين اللذين يعذب من فيهما وهو عنده في الطهارة من رواية جرير عن منصور ثانيها في الدعاء حديثه عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه في قوله: "اللهم أني أعوذ من البخل والجبن الحديث وهو عنده في الدعاء أيضا من رواية شعبة وزائدة عن عبد الملك ثالثها في الحج حديثه عن عبد العزيز بن رفيع عن عبد الله بن الزبير عن عائشة في الصلاة بعد العصر وهذا حديث فرد عنده إلا أن الراوية عن عائشة في ذلك مروية عنده من طرق وروى له أصحاب السنن الأربعة "خ د س ت" عتاب بن بشير الجزري ضعفه أحمد بن حنبل في خصيف ووثقه بن معين والدارقطني وقال النسائي ليس بقوي وقال أبو داود عن أحمد تركه بن مهدي بآخرة وقال ابن المديني ضربنا على حديثه قلت ليس له في البخاري سوى حديثين أحدهما في الطب حديث أم قيس بنت محصن في الأعلاق من العذرة أخرجه بمتابعة بن عيينة وشعيب بن أبي حمزة لشيخه إسحاق بن راشد ثلاثتهم عن الزهري ثانيهما في الاعتصام حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة فقال إلا تصلون قال علي فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله الحديث أخرجه مقرونا بشعيب هذا جميع ماله عنده وروى له أبو داود والنسائي والترمذي "خ س ق" عثمان ابن صالح السهمي أبو يحيى المصري من شيوخ البخاري وثقه بن معين والدارقطني وقال أبو حاتم شيخ وقال أبو زرعة كان يكتب مع خالد بن نجيح وكان خالد يملي عليهم ما لم يسمعوا من الشيخ قبلوا به قلت هذا بعينه جرى لعبد الله بن صالح كاتب الليث وخالد بن نجيح هذا كان كذابا وكان يحفظ بسرعة وكان هؤلاء إذا اجتمعوا عند شيخ فسمعوا منه وأرادوا كتابة ما سمعوه اعتمدوا في ذلك على إملاء خالد عليهم أما من حفظه أو من الأصل فكان يزيد فيه ما ليس فيه فدخلت فيهم
الأحاديث الباطلة من هذه الجهة وقد ذكر الحاكم أن مثل هذا بعينه وقع لقتيبة بن سعيد معه مع جلالة قتيبة وأما ما رواه أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين عن أحمد بن صالح أنه ترك عثمان ابن صالح فلا يقدح فيه أما أولا فابن رشدين ضعيف لا يوثق به في هذا وأما ثانيا فأحمد بن صالح من أقران عثمان فلا يقبل قوله فيه إلا ببيان واضح والحكم في أمثال هؤلاء الشيوخ الذين لقيهم البخاري وميز صحيح حديثهم من سقيمه وتكلم فيهم غيره أنه لا يدعي أن جميع أحاديثهم من شرطه فإنه لا يخرج لهم إلا ما تبين له صحته والدليل على ذلك أنه ما أخرج لعثمان هذا في صحيحه سوى ثلاثة أحاديث أحدها متابعة في تفسير سورة البقرة وروى له النسائي وابن ماجة "ع" عثمان ابن عمر بن فارس العبدي البصري أحد الأثبات وثقه أحمد وابن معين والعجلي وابن سعد وآخرون وقال أبو حاتم كان يحيى بن سعيد لا يرضاه قلت قد نقل البخاري عن علي بن المديني أن يحيى بن سعيد احتج به ويحيى بن سعيد شديد التعنت في الرجال لا سيما من كان من أقرانه وقد احتج به الجماعة "خ م د س" عثمان ابن غياث الراسبي البصري وثقه العجلي وابن معين وأحمد والنسائي وقال أبو داود وأحمد كان مرجئا وقال ابن معين وابن المديني كان يحيى بن سعيد يضعف حديثه في التفسير عن عكرمة قلت لمن يخرج له البخاري عن عكرمة سوى موضع واحد معلقا وروى له حديثا آخر أخرجه في الأدب من رواية يحيى بن سعيد عنه عن أبي عثمان عن أبي موسى حديث القف ورواه في فضل عمر أيضا من رواية أبي أسامة عنه وتابعه عنده أيوب وعاصم وعلي بن الحكم عن أبي عثمان وروى له مسلم وأبو داود والنسائي "خ ت" عثمان ابن فرقد العطار البصري وثقه بن حبان وقال مستقيم الحديث وقال أبو حاتم الرازي روى حديثا منكرا وهو حديث شقران وقال أبو الفتح الأزدي يتكلمون فيه وقال الدارقطني يخالف الثقات قلت ليس له عند البخاري سوى حديث واحد أخرجه مقرونا بعبد الله بن نمير كلاهما عن هشام عن أبيه عن عائشة في أواخر البيوع في قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ} وذكر له آخر في حديث الإفك قال فيه قال محمد عن عثمان ابن فرقد عن هشام عن أبيه سببت حسانا عند عائشة الحديث ووصله من حديث عبدة عن هشام وأخرج له الترمذي حديث شقران واستغربه "خ م د س" عثمان ابن محمد بن أبي شيبة الكوفي أحد الحفاظ الكبار وثقه يحيى بن معين وابن نمير والعجلي وجماعة وقال أبو حاتم كان أكبر من أخيه أبي بكر إلا أن أبا بكر ضعيف وعثمان صدوق وقال الأثرم عن أحمد ما علمت إلا خيرا وقال عبد الله بن أحمد عرضت على أبي أحاديث لعثمان فأنكرها وقال ما كان أخوه يعني أبا بكر تطيق نفسه لشيء من هذه الأحاديث وتتبع الخطيب الأحاديث التي أنكرها أحمد على عثمان وبين عذره فيها وذكره له الدارقطني في كتاب التصحيف أشياء كثيرة صحفها من القرآن في تفسيره كأنه ما كان يحفظ القرآن روى له الجماعة سوى الترمذي "خ س" عثمان ابن الهيثم بن الجهم المؤذن أبو عمرو البصري قال أبو حاتم كان صدوقا غير أنه كان يتلقن بآخرة قال الدارقطني كان صدوقا كثير الخطأ وقال الساجي ذكر عند أحمد فأومأ إليه أنه ليس بثبت ولم يحدث عنه قلت له في البخاري حديث أبي هريرة في فضل آية الكرسي ذكره في مواضع عنه مطولا ومختصرا وروى له حديثا آخر عن محمد وهو الذهلي عنه عن ابن جريج وآخر في العلم صرح بسماعه منه وهو متابعة "ع" عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي التابعي المشهور وثقه أحمد والنسائي والعجلي والدارقطني إلا أنه كان يغلو في التشيع وكذا قال ابن معين وقال أبو حاتم صدوق وكان إمام مسجد الشيعة وقاضيهم وقال الجوزجاني مائل عن القصد وقال عفان عن شعبة كان من الرفاعين قلت احتج به
الجماعة وما أخرج له في الصحيح شيء مما يقوي بدعته خ "ع" عطاء بن السائب بن مالك الثقفي الكوفي وقيل اسم جده يزيد من مشاهير الرواة الثقات إلا أنه اختلط فضعفوه بسبب ذلك وتحصل لي من مجموع كلام الأئمة أن رواية شعبة وسفيان الثوري وزهير بن معاوية وزائدة وأيوب وحماد بن زيد عنه قبل الاختلاط وأن جميع من روى عنه غير هؤلاء فحديثه ضعيف لأنه بعد اختلاطه إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم فيه له في البخاري حديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في ذكر الحوض مقرون بأبي بشر جعفر بن أبي وحشية أحد الأثبات وهو في تفسير سورة الكوثر "م ع" عطاء بن أبي مسلم الخراساني مشهور مختلف فيه ما علمت من ذكره في رجال البخاري سوى المزي فإنه ذكره في التهذيب وتعلق بالقصة التي ذكرناها في الحديث الحادي والثمانين في الفصل الذي قبل هذا وليس فيها ما يقطع بما زعمه والله أعلم "خ م س ق" عطاء بن أبي ميمونة البصري أبو معاذ مولى أنس وثقه بن معين والنسائي وأبو زرعة وقال ابن عدي في أحاديثه بعض ما ينكر وقال البخاري وغير واحد كان يرى القدر قلت احتج به الجماعة سوى الترمذي وليس له في البخاري سوى حديثه عن أنس في الاستنجاء "ع" عفأن ابن مسلم الصغار من كبار الثقات الأثبات لقيه البخاري وروى عنه شيئا يسيرا وحدث عن جماعة من أصحابه عنه اتفقوا على توثيقه حتى قال يحيى القطان إذا وافقني عفان لا أبالي من خالفني وقال أبو حاتم ثقة متقن متين وسئل أحمد بن حنبل من تابع عفان على كذا فقال وعفان يحتاج إلى متابع وذكره بن عدي في التكامل لقول سليمان ابن حرب ما كان عفان يضبط عن شعبة وقد قال أبو عمرو الحوضي رأيت شعبة أقام عفان من يجلسه مرارا من كثرة ما يكرر عليه قلت فهذا يدل على تثبته في تحمله وكأن قول سليمان أنه كان لا يضبط عن شعبة بالنسبة إلى أقرانه الذين يحفظون بسرعة وقد قال يحيى بن معين بن مهدي وإن كان أحفظ من عفان فما هو من رجال عفان في الكتاب وقال ابن المديني ما أقول في رجل كان يشك في حرف فيضرب على خمسة أسطر وقيل لابن معين إذا اختلف عفان وأبو الوليد في حديث فالقول قول من قال القول قول عفان والكلام في إتقانه كثير جدا احتج به الجماعة "ع" عقيل بن خالد الأيلي أحد الثقات الأثبات من أصحاب الزهري اعتمده الجماعة وقد تقدم في ترجمة إبراهيم بن سعد حكاية أحمد بن حنبل في إنكاره على يحيى بن سعيد القطان تليين عقيل وإبراهيم "ع" عكرمة أبو عبد الله مولى بن عباس احتج به البخاري وأصحاب السنن وتركه مسلم فلم يخرج له سوى حديث واحد في الحج مقرونا بسعيد بن جبير وإنما تركه مسلم لكلام مالك فيه وقد تعقب جماعة من الأئمة ذلك وصنفوا في الذب عن عكرمة منهم أبو جعفر بن جرير الطبري ومحمد بن نصر المروزي وأبو عبد الله بن منده وأبو حاتم بن حبان وأبو عمر بن عبد البر وغيرهم وقد رأيت أن الخص ما قيل فيه هنا وإن كنت قد استوفيت ذلك في ترجمته من مختصري لتهذيب الكمال فأما أقوال من وهاه فمدارها على ثلاثة أشياء على رميه بالكذب وعلى الطعن فيه بأنه كان يرى رأي الخوارج وعلى القدح فيه بأنه كان يقبل جوائز الأمراء فهذه الأوجه الثلاثة يدور عليها جميع ما طعن به فيه فأما البدعة فإن ثبتت عليه فلا تضر حديثه لأنه لم يكن داعية مع أنها لم تثبت عليه وأما قبول الجوائز فلا يقدح أيضا إلا عند أهل التشديد وجمهور أهل العلم على الجواز كما صنف في ذلك بن عبد البر وأما التكذيب فسنبين وجوه رده بعد حكاية أقوالهم وأنه لا يلزم من شيء منه قدح في روايته فالوجه الأول فيه أقوال فأشدها ما روى عن ابن عمر أنه قال لنافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على بن عباس وكذا ما روى عن سعيد بن المسيب أنه قال ذلك لبرد مولاه فقد روى ذلك عن
إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن سعيد بن المسيب وقال إسحاق بن عيسى بن الطباع سألت مالكا أبلغك أن ابن عمر قال لنافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على بن عباس قال لا ولكن بلغني أن سعيد بن المسيب قال ذلك لبرد مولاه وقال جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد عنده فقلت ما لهذا قال إنه يكذب على أبي وروى هذا أيضا عن عبد الله بن الحارث أنه دخل على علي وسئل بن سيرين عنه فقال ما يسوءني أن يدخل الجنة ولكنه كذاب وقال عطاء الخراساني قلت لسعيد بن المسيب إن عكرمة يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم فقال كذب مخبثان وقال فطر بن خليفة قلت لعطاء إن عكرمة يقول سبق الكتاب الخفين فقال كذب سمعت بن عباس يقول أمسح على الخفين وإن خرجت من الخلاء وقال عبد الكريم الجرزي قلت لسعيد بن المسيب إن عكرمة كره كرى الأرض فقال كذب سمعت بن عباس يقول إن أمثل ما أنتم صانعون استئجار الأرض البيضاء وقال وهب بن خالد كان يحيى بن سعيد الأنصاري يكذبه وقال إبراهيم بن المنذر عن معن ابن عيسى وغيره كان مالك لا يرى عكرمة ثقة ويأمر أن لا يؤخذ عنه وقال الربيع قال الشافعي وهو يعني مالكا سيء الرأي في عكرمة قال لا أرى لأحد أن يقبل حديث عكرمة وقال عثمان ابن مرة قلت للقاسم إن عكرمة قال كذا فقال يا بن أخي إن عكرمة كذاب يحدث غدوة بحديث يخالفه عشية وقال الأعمش عن إبراهيم لقيت عكرمة فسألته عن البطشة الكبرى فقال يوم القيامة فقلت إن عبد الله يعني بن مسعود كان يقول البطشة الكبرى يوم بدر فبلغني بعد ذلك أنه سئل عن ذلك فقال يوم بدر وقال القاسم بن معن ابن عبد الرحمن حدثني أبي حدثني عبد الرحمن قال حدث عكرمة بحديث فقال سمعت بن عباس يقول كذا وكذا قال فقلت يا غلام هات الدواة قال أعجبك فقلت نعم قال تريد أن تكتبه قلت نعم قال إنما قلته برأيي وقال ابن سعد قال كان عكرمة بحرا من البحور وتكلم الناس فيه وليس يحتج بحديثه فهذا جميع ما نقل عن الأئمة في تكذيبه على الإبهام وسنذكر إن شاء الله تعالى بيان ذلك ونصرف وجوهه وأنه لا يلزم عكرمة من شيء منه قدح في حديثه وأما الوجه الثاني وهو الطعن فيه برأي الخوارج فقال ابن لهيعة عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة كان عكرمة وفد على نجدة الحروري فأقام عنده تسعة أشهر ثم رجع إلى بن عباس فسلم عليه فقال قد جاء الخبيث قال فكان يحدث برأي نجدة قال وكان يعني نجدة أول من أحدث رأي الصفرية وقال الجوزجاني قلت لأحمد بن حنبل أكان عكرمة إباضيا فقال يقال إنه كان صفريا وقال أبو طالب عن أحمد كان يرى رأي الخوارج الصفرية وعنه أخذ ذلك أهل إفريقية وقال علي بن المديني يقال إنه كان يرى رأي نجدة وقال يحيى بن معين كان ينتحل مذهب الصفرية ولأجل هذا تركه مالك وقال مصعب الزبيري كان يرى رأي الخوارج وزعم أن علي بن عبد الله بن عباس كان هو على هذا المذهب قال مصعب وطلبه بعض الولاة بسبب ذلك فتغيب عند داود بن الحصين إلى أن مات وقال خالد بن أبي عمران المصري دخل علينا عكرمة إفريقية وقت الموسم فقال وددت أني اليوم بالموسم بيدي حربة أضرب بها يمينا وشمالا وقال أبو سعيد بن يونس في تاريخ الغرباء وبالمغرب إلى وقتنا هذا قوم على مذهب الإباضية يعرفون بالصفرية يزعمون أنهم أخذوا ذلك عن عكرمة وقال يحيى بن بكير قدم عكرمة مصر فنزل بها دارا وخرج منها إلى المغرب فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا وروى الحاكم في تاريخ نيسابور عن يزيد النحوي قال كنت قاعدا عند عكرمة فأقبل مقاتل بن حبان وأخوه فقال له مقاتل يا أبا عبد الله ما تقول في نبيذ الجر فقال عكرمة هو حرام قال فما تقول فيمن يشربه قال أقول إن من شربه كفر قال
يزيد فقلت والله لا أدعه أبدا قال فوثب مغضبا قال فلقيته بعد ذلك في مفازة فرد فسلمت عليه وقلت له كيف أنت فقال بخير ما لم أرك وقال الدراوردي توفي عكرمة وكثير عزة في يوم واحد فعجب الناس لموتهما واختلاف رأيهما عكرمة يظن به رأي الخوارج يكفر بالذنب وكثير شيعي مؤمن بالرجعة إلى الدنيا وأما الوجه الثالث فقال أبو طالب قلت لأحمد ما كان شأن عكرمة قال كأن ابن سيرين لا يرضاه قال كان يرى رأي الخوارج وكان يأتي الأمراء يطلب جوائزهم ولم يترك موضعا إلا خرج إليه وقال عبد العزيز بن أبي رواد رأيت عكرمة بنيسابور فقلت له تركت الحرمين وجئت إلى خراسان قال جئت أسعى على عيالي وقال أبو نعيم قدم علىالوالي بأصبهان فأجازه بثلاثة آلاف درهم هذا جميع ما قيل فيه من القدح فإما الوجه الأول فقول بن عمر لم يثبت عنه لأنه من رواية أبي خلف الجزار عن يحيى البكاء أنه سمع بن عمر يقول ذلك ويحيى البكاء متروك الحديث قال ابن حبان ومن المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح وقال ابن جرير أن ثبت هذا عن ابن عمر فهو محتمل لأوجه كثيرة لا يتعين منه القدح في جميع روايته فقد يمكن أن يكون أنكر عليه مسألة من المسائل كذبه فيها قلت وهو احتمال صحيح لأنه روى عن ابن عمر أنه أنكر عليه الرواية عن ابن عباس في الصرف ثم استدل بن جرير على أن ذلك لا يوجب قدحا فيه بما رواه الثقات عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال إذ قيل له إن نافعا مولى بن عمر حدث عن ابن عمر في مسألة الإتيان في المحل المكروه كذب العبد على أبي قال ابن جرير ولم يروا ذلك من قول سالم في نافع جرحا فينبغي أن لا يروا ذلك من بن عمر في عكرمة جرحا وقال ابن حبان أهل الحجاز يطلقون كذب في موضع أخطأ ذكر هذا في ترجمة برد من كتاب الثقات ويؤيد ذلك إطلاق عبادة بن الصامت قوله: "كذب أبو محمد لما أخبر أنه يقول الوتر واجب فإن أبا محمد لم يقله رواية وإنما قاله اجتهادا والمجتهد لا يقال إنه كذب إنما يقال إنه أخطأ وذكر بن عبد البر لذلك أمثلة كثيرة وأما قول سعيد بن المسيب فقال ابن جرير ليس ببعيد أن يكون الذي حكى عنه نظير الذي حكى عن ابن عمر قلت وهو كما قال فقد تبين ذلك من حكاية عطاء الخراساني عنه في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة ولقد ظلم عكرمة في ذلك فإن هذا مروي عن ابن عباس من طرق كثيرة أنه كان يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم ونظير ذلك ما تقدم عن عطاء وسعيد بن جبير ويقوي صحة ما حكاه بن حبان أنهم يطلقون الكذب في موضع الخطأ ما سيأتي عن هؤلاء من الثناء عليه والتعظيم له فإنه دال على أن طعنهم عليه إنما هو في هذه المواضع المخصوصة وكذلك قول بن سيرين الظاهر أنه طعن عليه من حيث الرأي وإلا فقد قال خالد الحذاء كل ما قال محمد بن سيرين ثبت عن ابن عباس فإنما أخذه عن عكرمة وكان لا يسميه لأنه لم يكن يرضاه وأما رواية يزيد بن أبي زياد عن علي بن عبد الله بن عباس في تكذيبه فقد ردها أبو حاتم بن حبان بضعف يزيد وقال إن يزيد لا يحتج بنقله وهو كما قال وأما ما روى عن يحيى بن سعيد في ذلك فالظاهر أنه قلد فيه سعيد بن المسيب وأما قصة القاسم بن محمد فقد بين سببها وليس بقادح لأنه لا مانع أن يكون عند المتبحر في العلم في المسألة القولان والثلاثة فيخبر بما يستحضر منها ويؤيد ذلك ما رواه بن هبيرة قال قدم علينا عكرمة مصر فجعل يحدثنا بالحديث عن الرجل من الصحابة ثم يحدثنا بذلك الحديث عن غيره فأتينا إسماعيل بن عبيد الأنصاري وكان قد سمع من بن عباس فذكرنا ذلك له فقال أنا أخبره لكم فأتاه فسأله عن أشياء كان سمعها من بن عباس فأخبره بها على مثل ما سمع قال ثم أتيناه فسألناه فقال الرجل صدوق ولكنه سمع من العلم فأكثر فكلما سنح له طريق سلكه وقال أبو الأسود كان عكرمة قليل العقل وكان قد سمع الحديث من
رجلين فكان إذا سئل حدث به عن رجل ثم يسأل عنه بعد حين فيحدث به عن الآخر فيقولون ما اكذبه وهو صادق وقال سليمان ابن حرب عن حماد بن زيد قال أيوب قال عكرمة أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي أفلا يكذبوني في وجهي يعني أنهم إذا واجهوه بذلك أمكنه الجواب عنه والمخرج منه وقال سليمان ابن حرب وجه هذا أنهم إذا رموه بالكذب لم يجدوا عليه حجة وأما طعن إبراهيم عليه بسبب رجوعه عن قوله: "في تفسير البطشة الكبرى إلى ما أخبره به عن ابن مسعود فالظاهر أن هذا يوجب الثناء على عكرمة لا القدح إذ كان يظن شيئا فبلغه عمن هو أولى منه خلافه فترك قوله: "لأجل قوله: "وأما قصة القاسم بن معن ففيها دلالة على تحريه فإنه حدثه في المذاكرة بشيء يريد أن يكتبه عنه شك فيه فأخبره أنه إنما قاله برأيه فهذا أولى أن يحمل عليه من أن يظن به أنه تعمد الكذب على بن عباس رضي الله عنه وأما ذم مالك فقد بين سببه وأنه لأجل ما رمي به من القول ببدعة الخوارج وقد جزم بذلك أبو حاتم قال ابن أبي حاتم سألت أبي عن عكرمة فقال ثقة قلت يحتج بحديثه قال نعم إذا روى عنه الثقات والذي أنكر عليه مالك إنما هو بسبب رأيه على أنه لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك وإنما كان يوافق في بعض المسائل فنسبوه إليهم وقد برأه أحمد والعجلي من ذلك فقال في كتاب الثقات له عكرمة مولى بن عباس رضي الله عنهما مكي تابعي ثقة بريء مما يرميه الناس به من الحرورية وقال ابن جرير لو كان كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعى به وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه وأما قبوله لجوائز الأمراء فليس ذلك بمانع من قبول روايته وهذا الزهري قد كان في ذلك أشهر من عكرمة ومع ذلك فلم يترك أحد الرواية عنه بسبب ذلك وإذ فرغنا من الجواب عما طعن عليه به فلنذكر ثناء الناس عليه من أهل عصره وهلم جرا قال محمد بن فضيل عن عثمان ابن حكيم كنت جالسا مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف إذ جاء عكرمة فقال يا أبا أمامة أذكرك الله هل سمعت بن عباس يقول ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه فإنه لم يكذب علي فقال أبو أمامة نعم وهذا إسناد صحيح وقال يزيد النحوي عن عكرمة قال لي بن عباس انطلق فافت الناس وحكى البخاري عن عمرو بن دينار قال أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل عن عكرمة فجعلت كأني أتباطأ فانتزعها من يدي وقال هذا عكرمة مولى بن عباس هذا أعلم الناس وقال الشعبي ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة وقال حبيب بن أبي ثابت مر عكرمة بعطاء وسعيد بن جبير قال فحدثهم فلما قام قلت لهما تنكران مما حدث شيئا قالا لا وقال أيوب حدثني فلان قال كنت جالسا إلى عكرمة وسعيد بن جبير وطاوس وأظنه قال وعطاء في نفر فكان عكرمة صاحب الحديث يومئذ وكأن على رءوسهم الطير فما خالفه أحد منهم إلا أن سعيدا خالفه في مسألة واحدة قال أيوب أرى بن عباس كان يقول القولين جميعا وقال حبيب أيضا اجتمع عندي خمسة طاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء فأقبل مجاهد وسعيد يلقيان على عكرمة المسائل فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما فلما نفد ما عندهما جعل يقول نزلت آية كذا في كذا ونزلت آية كذا في كذا وقال ابن عيينة كان عكرمة إذا تكلم في المغازي فسمعه إنسان قال كأنه مشرف عليهم يراهم قال وسمعت أيوب يقول لو قلت لك إن الحسن ترك كثيرا من التفسير حين دخل عكرمة البصرة حتى خرج منها لصدقت وقال عبد الصمد بن معقل لما قدم عكرمة الجند أهدى له طاوس نجيبا بستين دينارا فقيل له في ذلك فقال إلا أشتري علم بن عباس لعبد الله بن طاوس بستين دينارا وقال الفرزدق بن خراش قدم علينا عكرمة مرو فقال لنا شهر بن حوشب أئتوه فإنه لم تكن

أمةإلا كان لها حبر وإن مولى هذا كان حبر هذه الأمة وقال جرير عن مغيرة قيل لسعيد بن جبير تعلم أحدا أعلم منك قال نعم عكرمة وقال قتادة كان أعلم التابعين أربعة فذكره فيهم قال وكان أعلمهم بالتفسير وقال معمر عن أيوب كنت أريد أن أرحل إلى عكرمة فإني لفي سوق البصرة إذ قيل لي هذا عكرمة فقمت إلى جنب حماره فجعل الناس يسألونه وأنا أحفظ وقال حماد بن زيد قال لي أيوب لو لم يكن عندي ثقة لم أكتب عنه وقال يحيى بن أيوب سألني بن جريج هل كتبتم عن عكرمة قلت لا قال فاتكم ثلث العلم وقال حبيب بن الشهبد كنت عند عمرو بن دينار فقال والله ما رأيت مثل عكرمة قط وقال سلام بن مسكين كان عكرمة من أعلم الناس بالتفسير وقال سفيان الثوري خذوا التفسير من أربعة فبدأ به وقال البخاري ليس أحد من أصحابنا إلا احتج بعكرمة وقال جعفر الطيالسي عن ابن معين إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة فاتهمه على الإسلام وقال عثمان الدارمي قلت لابن معين أيما أحب إليك عكرمة عن ابن عباس أو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنه قال كلاهما ولم يختر فقلت فعكرمة أو سعيد بن جبير قال ثقة وثقة ولم يختر وقال النسائي في التمييز وغيره ثقة وتقدم توثيق أبي حاتم والعجلي وقال المرزوي قلت لأحمد بن حنبل يحتج بحديثه قال نعم وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المرزوي أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا منهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور ويحيى بن معين ولقد سألت إسحاق عن الاحتجاج بحديثه فقال عكرمة عندنا إمام أهل الدنيا وتعجب من سؤالي إياه قال وحدثنا غير واحد أنهم شهدوا يحيى بن معين وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بعكرمة فأظهر التعجب وقال علي بن المديني كان عكرمة من أهل العلم ولم يكن في موالي بن عباس أغزر علما عنه وقال ابن منده قال أبو حاتم أصحاب بن عباس عيال على عكرمة وقال البزار روى عن عكرمة مائة وثلاثون رجلا من وجوه البلدان كلهم رضوا به وقال العباس بن مصعب المرزوي كان عكرمة أعلم موالي بن عباس وأتباعه بالتفسير وقال أبو بكر بن أبي خيثمة كان عكرمة من أثبت الناس فيما يروي ولم يحدث عمن هو دونه أو مثله أكثر حديثه عن الصحابة رضي الله عنهم وقال أبو جعفر بن جرير ولم يكن أحد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله وكثرة الرواية للآثار وأنه كان عالما بمولاه وفي تقريظ جلة أصحاب بن عباس إياه ووصفهم له بالتقدم في العلم وأمرهم الناس بالأخذ عنه ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الإنسان ويستحق جواز الشهادة ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح وما تسقط العدالة بالظن وبقول فلان لمولاه لا تكذب علي وما أشبه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجهه إليه أهل الغباوة ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب وقال ابن حبان كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن ولا أعلم أحدا ذمه بشيء يعني يجب قبوله والقطع به وقال ابن عدي في الكامل ومن عادته فيه أن يخرج الأحاديث التي أنكرت على الثقة فقال فيه بعد أن ذكر كلامهم في عكرمة ولم أخرج هنا من حديثه شيئا لأن الثقات إذا رووا عنه فهو مستقيم ولم يمتنع الأئمة وأصحاب الصحاح من تخريج حديثه وهو أشهر من أن أحتاج إلى أن أخرج له شيئا من حديثه وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى احتج بحديثه الأئمة القدماء لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من حير الصحاح احتجاجا بما سنذكره ثم ذكر حكاية نافع وقال ابن منده أما حال عكرمة في نفسه فقد عدله أمة من التابعين منهم زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم وهذه منزلة لا تكاد توجد منهم لكبير أحد من التابعين على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك عن الرواية عنه ولم يستغن عن
حديثه وكان حديثه متلقى بالقبول قرنا بعد قرن إلى زمن الأئمة الذين أخرجوا الصحيح على أن مسلما كان أسوأهم رأيا فيه وقد أخرج له مع ذلك مقرونا وقال أبو عمر بن عبد البر كان عكرمة من جلة العلماء ولا يقدح فيه كلام من تكلم فيه لأنه لا حجة مع أحد تكلم فيه وكلام بن سيرين فيه لا خلاف بين أهل العلم أنه كان أعلم بكتاب الله من بن سيرين وقد يظن الإنسان ظنا يغضب له ولا يملك نفسه قال وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة من الموطأ ولا أدري ما صحته لأنه قد ذكره في الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس وترك عطاء في تلك المسألة مع كون عطاء أجل التابعين في علم المناسك والله أعلم وقد أطلنا القول في هذه الترجمة وإنما أردنا بذلك جمع ما تفرق من كلام الأئمة في شأنه والجواب عما قيل فيه والاعتذار للبخاري في الاحتجاج بحديثه وقد وضح صحة تصرفه في ذلك والله أعلم "خ د" علي بن الجعد بن عبيد الجوهري أبو الحسن البغدادي أحد الحفاظ قال يحيى بن معين ما روى عن شعبة من البغدادين أثبت منه فقال له رجل ولا أبو النضر فقال ولا أبو النضر فقال ولا شبابة قال ولا شبابة وقال أبو حاتم لم أر من المحدثين من يحدث بالحديث على لفظ واحد لا يغيره سوى علي بن الجعد وذكره غيره ووثقه آخرون تكلم فيه أحمد من أجل التشيع ومن أجل وقوفه في القرآن قلت روى عنه البخاري من حديثه عن شعبة فقط أحاديث يسيره وروى عنه أبو داود أيضا خ "ع" علي بن الحكم البناني من صغار التابعين وثقه أبو داود والنسائي والعجلي وغيرهم وتكلم فيه أبو الفتح الأزدي فقال فيه لين قلت ليس له عند البخاري سوى حديثه عن نافع عن ابن عمر في النهي عن عسب الفحل وقد وافقه غيره وروى له أصحاب السنن "ع" علي بن المبارك الهنائي البصري صاحب يحيى بن أبي كثير ذكره بن عدي في الكامل وقال يحيى بن سعيد القطان كان له كتأبان أحدهما لم يسمعه فروينا عنه ما سمع وأما الكوفيون فرووا عنه الكتاب الذي لم يسمعه قال عباس العنبري الذي عند وكيع عنه من الكتاب الذي لم يسمعه وقال يعقوب بن شيبة في روايته عن يحيى بن أبي كثير وهاء وقال ابن المديني هو أحب إلي من أبان ووثقه العجلي وابن معين وأحمد وابن نمير وآخرون قلت أخرج له البخاري من رواية البصريين عنه خاصة وأخرج من رواية وكيع عنه حديثا واحدا توبع عليه وروى له الباقون "خ" علي بن أبي هاشم بن1 طيراخ البغدادي من شيوخ البخاري قال أبو حاتم صدوق تركه الناس للوقف في القرآن وقال الأزدي ضعيف جدا قلت قدمت غير مرة أن الأزدي لا يعتبر تجريحه لضعفه هو وقد بين أيوب حاتم السبب في توقف من توقف عنه وليس ذلك بمانع من قبول روايته "خ د س ت" عمر بن ذر الهمداني الكوفي أحد الزهاد الكبار قال يحيى القطان كان ثقة في الحديث ليس ينبغي أن يترك حديثه لرأي أخطأ فيه وقال العجلي كان ثقة وكان يرى الإرجاء وقال يعقوب بن سفيان ثقة مرجئ وقال ابن خراش كان صدوقا من خيار الناس وكان مرجئا وقال أبو حاتم كان صدوقا مرجئا لا يحتج بحديثه وقال ابن سعد مات فلم يشهده الثوري لأنه كان مرجئا وقال أبو داود كان رأسا في الإرجاء ووثقه بن معين والنسائي وآخرون وروى له أيضا أصحاب السنن الثلاثة "خ م س" عمر بن أبي زائدة الوادعي الكوفي أخو زكريا وكان الأكبر
ـــــــ
1 طيراخ ضبطه صاحب الخلاصة بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة وآخره معجمة، وفي التقريب طبراخ بكسر المهملة وسكون الموحدة وآخره معجم

وثقه بن معين وغيره وذكره العقيلي في الضعفاء وقال كان يرى القدر وهو في الحديث مستقيم قلت له في البخاري حديثان أحدهما حديثه عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال لقيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم فرأيت بلالا الحديث أخرجه في الصلاة وفي اللباس بمتابعة أبي عميس وسفيان الثوري وغيرهما والثاني حديثه عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون حديث أبي أيوب الأنصاري فيمن قال لا إله إلا الله عشرا فذكر الاختلاف فيه على عمرو بن ميمون من طرق وروى له مسلم والنسائي "ع" عمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي البصري أثنى عليه أحمد وابن معين وغيرهما وعابوه بكثرة التدليس وأما أبو حاتم فقال لا يحتج به وأورده بن عدي في الكامل ولم أر له في الصحيح إلا ما توبع عليه واحتج به الباقون "خ س" عمر بن محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي المعروف بابن التل قال النسائي وأبو حاتم صدوق ووثقه الدارقطني وغيره وقال ابن حبان في حديثه إذاحدث من حفظه بعض المناكير قلت وسيأتي ذكر ما أخرج له البخاري في ترجمة أبيه محمد بن الحسن وروى عنه النسائي أيضا "خ م د س ق" عمر بن نافع مولى بن عمر قال أبو حاتم ليس به بأس وكذا قال عباس الدوري عن ابن معين وقال ابن عدي في ترجمته حدثني بن حماد عن عباس الدوري عن ابن معين قال عمر بن نافع ليس حديثه بشيء فوهم بن عدي في ذلك وإنما قال ابن معين ذلك في عمر بن نافع الثقفي وقوله في هذا وفي هذا بين في تاريخ عباس وأما مولى بن عمر فقال أحمد هو من أوثق ولد نافع ووثقه النسائي أيضا وغيره وقال ابن سعد كان ثبتا قليل الحديث ولا يحتجون بحديثه كذا قال وهو كلام متهافت كيف لا يحتجون به وهو ثبت قلت ليس له البخاري سوى حديثين أحدهما عن أبيه عن ابن عمر في زكاة الفطر بمتابعة مالك والآخر بهذا الإسناد في النهي عن القزع وله طرق وروى له الباقون سوى الترمذي "ع" عمرو بن أبي سلمةالتنيسي الدمشقي صاحب الأوزاعي وثقه بن سعد ويونس وأثنى عليه أحمد وقال إلا أنه روى عن زهير بن محمد أحاديث بواطيل وضعفه يحيى بن معين والساجي وقال العقيلي في حديثه وهم وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به قلت ليس له في صحيح البخاري سوى حديثين أحدهما في التوحيد حديثه عن الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن أبي بن كعب في قصة الخضر وموسى عليهما السلام وهو عنده في العلم من حديث محمد بن حرب عن الأوزاعي والثاني في الجنائز حديثه عن الأوزاعي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة حديث حق المسلم على المسلم خمس الحديث وقال بعده تابعه معمر عن الزهري قلت وليسهو من إفراد عمرو بن أبي سلمة فقد رواه الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي أخرجه بن حبان في صحيحه من طريقه وحديث معمر أخرجه مسلم وأخرج لعمر وباقي الجماعة "ع" عمرو بن سليم الزرقي الأنصاري من ثقات التابعين وأئمتهم وثقه النسائي والعجلي وابن سعد وابن حبان وآخرون وقال ابن خراش ثقة في حديثه اختلاط قلت بن خراش مذكور بالرفض والبدعة فلا يلتفت إليه "ع" عمرو بن عاصم الكلابي البصري وثقه بن معين والنسائي وقال أبو داود لا أنشط لحديثه وقدم عليه الحوضي قلت قد احتج به أبو داود في السنن والباقون "ع" عمرو بن عبد الله بن أبي إسحاق السبيعي أحد الأعلام الأثبات قبل اختلاطه ولم أر في البخاري من الرواية عنه إلا عن القدماء من أصحابه كالثوري وشعبة لا عن المتأخرين كابن عيينة وغيره واحتج به الجماعة "ع" عمرو بن علي الفلاس أحد الأعلام الحفاظ وروى عنه الأئمة الستة طعن علي بن المديني في روايته عن يزيد بن زريع لأنه استصغره فيه فلم يخرج البخاري
عنه من روايته عن يزيد بن زريع شيئا "ع" عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب أبو عثمان المدني من صغار التابعين وثقه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلي وضعفه بن معين والنسائي وعثمان الدارمي لروايته عن عكرمة حديث البهيمة وقال العجلي أنكروا حديث البهيمة يعني حديثه عن عكرمة عن ابن عباس من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة وقال البخاري لا أدري سمعه من عكرمة أم لا وقال أبو داود ليس هو بذاك حدث بحديث البهيمة وقد روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس ليس على من أتى بهيمة حد وقال الساجي صدوق إلا أنه يهم قلت لم يخرج له البخاري من روايته عن عكرمة شيئا بل أخرج له من روايته عن أنس أربعة أحاديث ومن روايته عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حديثا واحدا ومن روايته عن سعيد المقبري عن أبي هريرة حديثا واحدا واحتج به الباقون "خ د م س" عمرو بن محمد بن بكير الناقد أبو عثمان البغدادي وثقه أحمد وأبو حاتم وأبو داود والحسين بن فهم وجماعة وقال عبد الخالق بن منصور عن يحيى بن معين وسألته عنه فقال صدوق فقيل له أن خلفا يقع فيه فقال ما هو من أهل الكذب وأنكر عليه علي بن المديني حديثا أخطأ فيه عن ابن عيينة قلت روى عنه البخاري ثلاثة أحاديث من روايته عن هشيم ويعقوب بن إبراهيم بن سعد حسب وما أخرج عنه عن ابن عيينة شيئا وروى عنه مسلم وأبو داود والنسائي "خ د" عمرو بن مرزوق الباهلي أبو عثمان البصري أثنى عليه سليمان ابن حرب وأحمد بن حنبل وقال يحيى بن معين ثقة مأمون ووثقه بن سعد وأما علي بن المديني فكان يقول اتركوا حديثه وقال القواريري كان يحيى بن سعيد لا يرضى عمرو بن مرزوق وقال الساجي كان أبو الوليد يتكلم فيه وقال ابن عمار والعجلي ليس بشيء وقال الدارقطني كثير الوهم قلت لم يخرج عنه البخاري في الصحيح سوى حديثين أحدهما حديثه عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عروة عن أبي موسى في فضل عائشة وهو عنده بمتابعة آدم بن أبي إياس وغندر وغيرهما عن شعبة والثاني حديثه عن شعبة عن ابن أبي بكر عن أنس في ذلك الكبائر مقرونا عنده بعبد الصمد عن شعبة فوضح أنه لم يخرج له احتجاجا والله أعلم "ع" عمرو بن أبي مرة الجملي الكوفي أحد الأثبات من صغار التابعين متفق على توثيقه إلا أن بعضهم تكلم فيه لأنه كان يرى الإرجاء وقال شعبة كان لا يدلس وقد احتج به الجماعة "ع" عمرو بن يحيى بن عمارة المازني الأنصاري المدني وثقه الجمهور وقال عثمان الدارمي عن يحيى بن معين صويلح وليس بالقوي قلت قد بين معاوية بن صالح عن يحيى بن معين سبب تضعيفه له فإنه قال قال ابن معين ثقة إلا أنه اختلف عليه في حديثين حديث الأرض كلها مسجد وحديث كان يسلم عن يمينه قلت لم يخرج البخاري له واحدا منهما وقد قال أبو حاتم الرازي فيه ثقة صالح واحتج به الجماعة "خ د" عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو الأشدق بن سعيد بن العاص الأموي السعيدي أبو أمية قال الدوري عن يحيى بن معين لا بأس به وثقه الدارقطني وذكره بن عدي في الكامل إلا أنه لم يقل فيه شيئا يقتضي ضعفه بل أورد له حديثا ذكر أنه تفرد به وهذا لا يوجب فيه قدحا بعد أن ثبت توثيقه "خ د س" عمرأن ابن حطان السدوسي الشاعر المشهور كان يرى رأي الخوارج قال أبو العباس المبرد كان عمران رأس القعدية من الصفرية وخطيبهم وشاعرهم انتهى والقعدية قوم من الخوارج كانوا يقولون بقولهم ولا يرون الخروج بل يزينونه وكان عمران داعية إلى مذهبه وهو الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي عليه السلام بتلك الأبيات السائرة وقد وثقه العجلي وقال قتادة كان لا يتهم في الحديث وقال أبو داود ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من
الخوارج ثم ذكر عمران هذا وغيره وقال يعقوب بن شيبة أدرك جماعة من الصحابة وصار في آخر أمره إلى أن رأى رأي الخوارج وقال العقيلي حدث عن عائشة ولم يتبين سماعه منها قلت لم يخرج له البخاري سوى حديث واحد من رواية يحيى بن أبي كثير عنه قال سألت عائشة عن الحرير فقالت ائت بن عباس فسأله فقال ائت بن عمر فسأله فقال حدثني أبو حفص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة انتهى وهذا الحديث إنما أخرجه البخاري في المتابعات فللحديث عنده طرق غير هذه من رواية عمر وغيره وقد رواه مسلم من طريق أخرى عن ابن عمرو وغيره وقد رواه مسلم من طريق أخرى عن ابن عمر نحوه ورأيت بعض الأئمة يزعم أن البخاري إنما أخرج له ما حمل عنه قبل أن يرى رأي الخوارج وليس ذلك الإعتذار بقوي لأن يحيى بن أبي كثير إنما سمع منه باليمامة في حال هروبه من الحجاج وكان الحجاج يطلبه ليقتله لرأيه رأي الخوارج وقصته في ذلك مشهورة مبسوطة في الكامل للمبرد وفي غيره على أن أبا زكريا الموصلي حكى في تاريخ الموصل عن غيره أن عمران هذا رجع في آخر عمره عن رأي الخوارج فإن صح ذلك كان عذرا جيدا وإلا فلا يضر التخريج عمن هذا سبيله في المتابعات والله أعلم "خ م د ت" عمرأن ابن مسلم القصير البصري من صغار التابعين وثقه أحمد وابن معين وغيرهما وذكره العقيلي في الضعفاء وحكى عن يحيى القطان أنه قال كان يرى القدر وهو مستقيم الحديث وأورد له بن عدي في الكامل أحاديث تفرد بها قلت له في البخاري حديثان أحدهما عن عطاء عن ابن عباس في قصة المرأة السوداء وتابعه عليه عنده بن جريج والثاني عن أبي رجاء العطاردي عن عمرأن ابن حصين في التمتع بالحج إلى العمرة وهو عنده أيضا من طريق مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عمران واحتج به الباقون سوى بن ماجة "ع" عمير بن هانئ العبسي أبو الوليد الدمشقي الداراني من كبار التابعين وثقه العجلي وغيره وقال أبو داود كان قدريا وقتله مروان الحمار لكونه كان قائما في بيعة يزيد بن الوليد قلت احتج به الجماعة وليس له في البخاري سوى ثلاث أحاديث "خ د" عنبسة بن خالد الأيلي عظمه أبو داود وأحمد بن صالح المصري ومحمد بن مسلم بن فزارة وأما يحيى بن بكير فكان يقع فيه وقال الساجي انفرد بأحاديث عن يونس بن يزيد وكان أحمد بن حنبل يقول ما روى عنه غير أحمد بن صالح قلت بل روى عنه بن وهب شيئا قليلا وهو من أقرانه ورجلان مقلان وهما محمد بن مهدي الأخميمي وهاشم بن محمد الربعي وله عند البخاري أربعة أحاديث قرنه فيها بعبد الله بن وهب عن يونس "خ ت" عوف بن أبي جميلة الأعرابي البصري أبو سهل الهجري من صغار التابعين وثقه أحمد وابن معين وقال النسائي ثقة ثبت وقال محمد بن عبد الله الأنصاري كان من أثبتهم جميعا ولكنه كان قدريا وقال ابن المبارك كان قدريا وكان شيعيا قلت احتج به الجماعة وقال مسلم في مقدمة صحيحه وإذا قارنت بين الأقران كابن عون وأيوب مع عوف بن أبي جميلة وأشعث الحمراني وهما صاحبا الحسن وابن سيرين كما أن ابن عون وأيوب صاحباهما كان البون بينهما وبين هذين بعيدا في كمال الفضل وصحة النقل وإن كان عوف وأشعث غير مدفوعين عن صدق وأمانة انتهى "خ م د" العلاء بن المسيب بن رافع الأسدي الكوفي وثقه بن معين فقال ثقة مأمون وابن عمار وأبو حاتم وغيرهم وقال الحاكم له أوهام وقال الأزدي في حديثه بعض نظر قلت ليس له في البخاري سوى حديثين عن أبيه عن البراء أحدهما في القول عند النوم اللهم أسلمت نفسي إليك الحديث وقد أخرجه من طريق أخرى والآخر قلت للبراء: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم

وبايعته تحت الشجرة فقال يا بن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده وإنما أراد البخاري منه إثبات كون البراء بايع تحت الشجرة وقد أخرج من حديث أبي إسحاق عن البراء أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر الحديث وبيعة الشجرة كانت في الحديبية فصح أنه ما أخرج له إلا ما توبع عليه "خ د س" عيسى بن طهمان الجشمي أبو بكر البصري من صغار التابعين وثقه أحمد وابن معين والنسائي وأبو حاتم ويعقوب بن سفيان والدارقطني وغيرهم وقال العقيلي لا يتابع ولعله أتى من خالد بن عبد الرحمن يعني الراوي عنه وهو كما ظن العقيلي وأما بن حبان فأفحش القول فيه في كتاب الضعفاء فقال ينفرد بالمناكير عن أنس كأنه كان يدلس عن أبان ابن أبي عياش ويزيد الرقاشي عنه ولا يجوز الاحتجاج بخبره ثم لم يسق له إلا حديثا واحدا والآفة فيه ممن دونه قلت وليس له في البخاري سوى حديثين أحدهما في التوحيد عن خلاد بن يحيى عنه عن أنس في تزويج زينب بنت جحش وله عنده طرف من حديث ثابت وغيره والآخر أورده في اللباس وفي الخمس من طريقين عنه عن أنس أنه أخرج لهم نعلين جرداوين قال عيسى فحدثنا ثابت بعد أنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم

حرف الغين
"ع" غالب القطان أبو سليمان البصري قال أحمد بن حنبل ثقة ثقة ووثقه بن معين والنسائي وأبو حاتم وابن سعد وغيرهم وأما بن عدي فذكره في الضعفاء وأورد له أحاديث الحمل فيها على الراوي عنه عمر بن مختار البصري وهو من عجيب ما وقع لابن عدي والكمال لله وقد احتج به الجماعة وليس له في الصحيحين سوى حديثه عن بكير بن عبد الله المزني عن أنس في السجود على الثوب وله عند البخاري موضع آخر معلق عن ابن سيرين

حرف الفاء
ع فراس بن يحيى الهمداني الكوفي صاحب الشعبي مشهور وثقه أحمد ويحيى بن معين والنسائي والعجلي وابن عمار وآخرون وقال يعقوب بن شيبة ثقة في حديثه لين وقال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان ما أنكرت من حديثه إلا حديث الاستبراء قلت كفى بها شهادة من مثل بن القطان وقد احتج به الجماعة وحديثه في الاستبراء لم يخرجه الشيخان "ع" الفضل بن دكين أبو نعيم الكوفي أحد الأثبات قرنه أحمد بن حنبل في التثبت بعبد الرحمن بن مهدي وقال إنه كان أعلم بالشيوخ من وكيع وقال مرة كان أقل خطأ من وكيع والثناء عليه في الحفظ والثتبت يكثر إلا أن بعض الناس تكلم فيه بسبب التشيع ومع ذلك فصح أنه قال ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية احتج به الجماعة "ع" الفضل بن موسى السيناني المرزوي أحد الثقات وثقه وكيع وابن المبارك وابن معين وابن سعد وجماعة وقال ابن المديني في حديثه مناكير وقدم أبا تميلة عليه قلت ليس في البخاري سوى ثلاثة أحاديث أحدها في كتاب الغسل بمتابعة أبي حمزة وغيره عن الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة والآخر في الرقاق عن معاذ بن أسد عنه عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة حديث ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع وقد رواه مسلم من حديث محمد

حرف القاف
"خ م ت س ق" القاسم بن مالك المزني أبو جعفر الكوفي وثقه يحيى بن معين والعجلي وأحمد وأبو داود وجماعة وقال أبو حاتم صالح ليس بالمتين وقال الساجي ضعيف وقد روى عنه علي بن المديني والناس قلت ليس له في البخاري سوى حديث واحد أخرجه مفرقا في الحج والاعتصام والكفارات من روايته عن
الجعيد بن عبد الرحمن عن السائب بن يزيد قال كان صاع النبي صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم قال وكان السائب قد حج به في ثقل النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج ما يتابعه في الحج أيضا من طريق أخرى عن السائب "ع" قبيصة بن عقبة بن محمد بن سفيان السوائي الكوفي أبو عامر من كبار شيوخ البخاري أخرج عنه أحاديث عن سفيان الثوري وافقه عليها غيره وقال أحمد بن حنبل كان كثير الغلط وكان ثقة لا بأس به وهو أثبت من أبي حذيفة وأبو نعيم أثبت منه قلت هذه الأمور نسبية وإلا فقد قال أبو حاتم لم أر من المحدثين من يحفظ ويأتي بالحديث على لفظ واحد لا يغيره سوى قبيصة وأبي نعيم في حديث الثوري وذكر القصة وقال أبو داود كان قبيصة لا يحفظ ثم حفظ بعد وقال الفضل بن سهل وكان قبيصة يحدث بحديث سفيان على الولاء درسا درسا حفظا وقال محمد بن عبد الله بن نمير لما قيل له إن قبيصة كان صغيرا حين سمع من سفيان لو حدثنا قبيصة عن النخعي لقبلنا منه وقال النسائي ليس به بأس وروى له الباقون بواسطة "ع" قتادة بن دعامة البصري التابعي الخليلي أحد الأثبات المشهورين كان يضرب به المثل في الحفظ إلا أنه كان ربما دلس وقال ابن معين رمى بالقدر وذكر ذلك عنه جماعة وأما أبو داود فقال لم يثبت عندنا عن قتادة القول بالقدر والله أعلم احتج به الجماعة "خ م د ت س" قريش بن أنس البصري وثقه بن المديني وقال أبو حاتم لا بأس به إلا أنه تغير وقال البخاري اختلط ست سنين قلت روى له الشيخان وأصحاب السنن الثلاثة لكن لم يخرج له البخاري سوى حديثه عن حبيب بن الشهيد عن الحسن عن سمرة في العقيقة أخرجه عن عبد الله بن أبي الأسود عنه وعبد الله سمع منه قبل اختلاطه وقد حدث به البخاري خارج الصحيح عن علي بن المديني عن قريش بن أنس ورواه عنه الترمذي في جامعه "ع" قيس بن أبي حازم البجلي مخضرم أدرك الجاهلية وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلقه فلقى أبا بكر ومن بعده واحتج به الجماعة ويقال إنه كبر إلى أن خرف وقد بالغ بن معين فقال هو أوثق من الزهري وقال يعقوب بن شيبة تكلم أصحابنا فيه فمنهم من رفع قدره وعظمه وجعل الحديث عنه من أصح الأسانيد ومنهم من حمل عليه وقال له أحاديث مناكير ومنهم من حمل عليه في مذهبه وأنه كان يحمل على علي والمعروف عنه أنه كان يقدم عثمان ولذلك كان يجتنب كثير من قدماء الكوفيين الرواية عنه قلت فهذا قول مبين مفصل والله أعلم

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 03:15 AM
حرف الكاف
"خ م د س" كثير بن شنظير أبو قرة البصري قال النسائي ليس بالقوي ووثقه بن سعد وقال الساجي صدوق فيه بعض الضعف وقال أبو زرعة لين قلت احتج به الجماعة سوى النسائي وجميع ما له عندهم ثلاثة أحاديث أحدها عن عطاء عن جابر في السلام على المصلي رواه الشيخان من حديث عبد الوارث عنه وتابعه الليث عن أبي الزبير عن جابر عند مسلم وثانيها حديثه بهذا الإسناد في الأمر بتخمير الآنية وكف الصبيان عند المساء أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي من حديث حماد بن زيد عنه وتابعه بن جريج وثالثها انفرد بن ماجة بإخراجه والراوي عنه ضعيف "خ د ت" كليب بن وائل البكري صاحب بن عمر وثقه بن معين والدارقطني ويعقوب بن سفيان وقال أبو داود ليس به بأس وقال أبو زرعة ضعيف روى له البخاري حديثه عن ربيبة

النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الدباء والحنتم فقط وله شواهد من حديث أنس وغيره "ع" كهمس بن الحسن التميمي البصري من صغار التابعين قال أحمد ثقة وزيادة وقال أبو داود ثقة وقال أبو حاتم لا بأس به وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين ثقة وقال الساجي صدوق يهم ونقل أن ابن أبي معين ضعفه قلت أخرج له البخاري أحاديث يسيرة من روايته عن عبد الله بن بريدة فقط واحتج به الباقون والله الموفق خ كهمس بن المنهال السدوسي البصري متأخر عن الذي قبله أخرج له البخاري حديثا واحدا مقرونا بمحمد بن سواء كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة في مناقب عمر وتكلم فيه مع ذلك فقال كان يقال فيه القدر وقال أبو حاتم محله الصدق يكتب حديثه

حرف الميم
"ع" محمد بن إبراهيم الحارث التيمي من صغار التابعين مدني مشهور وثقه بن معين والجمهور وذكره العقيلي في الضعفاء وروى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي يقول وذكره في حديثه شيء يروي أحاديث مناكير قلت المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له فيحمل هذا على ذلك وقد احتج به الجماعة محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني صدوق مشهور وثقه بن معين قال النسائي ليس به بأس وقال ابن سعد كان كثير الحديث وليس بحجة كذا قال ابن سعد ولم يوافقه على ذلك أئمة الجرح والتعديل وقد احتج به الجماعة وليس له في البخاري سوى أربعة أحاديث "ع" محمد بن بشار البصري المعروف ببندار أحد الثقات المشهورين روى عنه الأئمة الستة وثقه العجلي والنسائي وابن خزيمة وسماه إمام أهل زمانه والفرهياني والذهلي ومسلمة وأبو حاتم الرازي وآخرون وضعفه عمرو بن علي الفلاس ولم يذكر سبب ذلك فما عرجوا على تجريحه وقال القواريري كان يحيى بن معين يستضعفه وقال أبو داود لولا سلامة فيه لترك حديثه يعني أنه كانت فيه سلامة فكان إذا سها أو غلط يحمل ذلك على أنه لم يتعمد وقد احتج به الجماعة ولم يكثر البخاري من تخريج حديثه لأنه من صغار شيوخه وكأن ابندار يفتخر بأخذ البخاري عنه كما حكينا ذلك في ترجمة البخاري "ع" محمد بن بكر البرساني وثقه أبو داود والعجلي وقال عثمان الدارمي عن يحيى بن معين ثقة وقال أبو حاتم شيخ محله الصدق وقال النسائي في كتاب المحاربة من سننه ليس بالقوي قلت ليس له في البخاري سوى حديث واحد في كتاب المغازي وهو حديثه عن ابن جريج عن عطاء عن جابر ذكره في موضعين وقال في الصلاة قال بكر بن خلف حدثنا محمد بن بكر عن عثمان ابن أبي رواد فذكر حديثا تابعه عليه عنده أبو عبيدة الحداد عن عثمان وعلق له آخر في الحج قال فيه وقال محمد بن بكر عن ابن جريج فذكر حديثا كان أخرجه عن مكي بن إبراهيم عن ابن جريج وروى له الباقون "ع" محمد بن جحادة الكوفي من صغار التابعين وثقه أحمد بن حنبل وجماعة وتكلم فيه بعضهم من أجل قول أبي عوانة كان يتشيع قلت روى له الجماعة وما له في البخاري سوى حديثين لا تعلق لهما بالمذهب "ع" محمد بن جعفر المعروف بغندر أحد الأثبات المتقنين من أصحاب شعبة اعتمده الأئمة كلهم حتى قال علي بن المديني هو أحب إلي من عبد الرحمن بن مهدي في شعبة وقال ابن المبارك إذا اختلف الناس في شعبة فكتاب غندر حكم بينهم لكن قال أبو حاتم يكتب حديثه عن غير شعبة ولا يحتج به
قلت أخرج له البخاري عن شعبة كثيرا وأخرج له حديثا عن معمر وآخر عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند توبع فيهما كما سيأتي وروى له الباقون "خ د س ت" محمد بن الحسن بن التل الأسدي الكوفي وثقه بن نمير قال أبو حاتم شيخ وقال أبو داود يكتب حديثه وضعفه يعقوب الفسوي وقال العقيلي لا يتابع وقال ابن عدي لم أر بحديثه بأسا قلت له في البخاري عن ابنه عمر بن محمد بن الحسن عنه حديثان أحدهما في الزكاة عن إبراهيم بن طهمان عن محمد بن زياد عن أبي هريرة أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة الحديث وهو عنده بمتابعة شعبة عن محمد بن زياد والآخر في المناقب عن حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة وهو عنده بمتابعة حميد بن عبد الرحمن والليث وغيرهما عن هشام وروى له أبو داود والنسائي "خ ت" محمد بن الحسن المزني الواسطي القاضي وثقه بن معين وغيره وذكره بن حبان في الضعفاء وأعاده في الثقات قلت ما له في البخاري سوى أثر واحد ذكره في كتاب العلم موقوفا على الحسن البصري "خ م س" محمد بن أبي حفصة البصري أبو سلمة وثقه بن معين وقال مرة ضعيف وقال مرة صالح الحديث وضعفه النسائي قال ابن المديني ليس به بأس وقال أبو داود ثقة غير أن يحيى بن سعيد كان يتكلم فيه قلت هو من أصحاب الزهري المشهورين أخرج له البخاري حديثين من روايته عن الزهري توبع فيهما وعلق له غيرهما "خ" محمد بن الحكم المرزوي من شيوخ البخاري لم يعرفه أبو حاتم فقال إنه مجهول قلت قد عرفه البخاري وروى عنه في صحيحه في موضعين وعرفه بن حبان فذكره في الطبقة الرابعة من الثقات "خ م د س ق" محمد بن حمير السليحي الحمصي وثقه بن معين ودحيم وقال النسائي ليس به بأس وقال يعقوب بن سفيان ليس بالقوي وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وبقية ومحمد بن حرب أحب إلي منه قلت ليس له في البخاري سوى حديثين أحدهما عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عقبة بن وساج عن أنس في خضاب أبي بكر وذكر له متابعا والآخر عن ثابت بن عجلان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال "مر النبي صلى الله عليه وسلم بعنز ميتة فقال ما على أهلها لو انتفعوا بإهابها" أورده في الذبائح وله أصل من حديث بن عباس عنده في الطهارة وروى له أبو داود في المراسيل والنسائي "ع" محمد بن حازم أبو معاوية الضرير مشهور بكنيته قال يحيى بن معين كان أثبت أصحاب الأعمش بعد شعبة وسفيان وقال أبو حاتم أثبت الناس في الأعمش سفيان ثم أبو معاوية وتكلم فيه بعضهم من أجل الإرجاء وقال يعقوب بن شيبة وابن سعد كان ثقة ربما دلس وكان يرمي بالإرجاء وقال أبو داود كان مرجئا وقال النسائي ثقة كذا قال ابن خراش وزاد في حديثه عن غير الأعمش اضطراب وكذا قال أحمد بن حنبل وغيره زاد أحمد أحاديثه عن هشام بن عروة فيها اضطراب قلت لم يحتج به البخاري إلا في الأعمش وله عنده عن هشام بن عروة عدة أحاديث توبع عليها وله عنده عن بريد بن أبي بردة حديث واحد تابعه عليه أبو أسامة عند الترمذي واحتج به الباقون محمد بن الزبرقان أبو همام البصري له في الرقاق حديث واحد توبع عليه وقد وثقه علي بن المديني والدارقطني وقال ابن حبان في الثقات ربما أخطأ "خ د" محمد بن زياد بن عبيد الله بن زياد بن الربيع الزيادي أو عبد الله البصري من صغار شيوخ البخاري روى عنه حديثا واحدا في الأدب عن غندر عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند بمتابعة مكي بن إبراهيم عن عبد الله بن سعيد عن سالم أبي النضر عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت قال أحتجر النبي صلى الله عليه وسلم حجرة الحديث وروى عنه بن خزيمة في صحيحه وذكره بن حبان
في ثقاته وقال ربما أخطأ وضعفه أبو عبد الله بن منده في مسنده "خ م ت ق س" محمد بن سابق أبو جعفر البزار من شيوخ البخاري وثقه العجلي وقواه أحمد بن حنبل وقال يعقوب بن شيبة كان ثقة وليس ممن يوصف بالضبط وقال النسائي لا بأس به وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين ضعيف قلت ليس له في البخاري سوى حديث واحد في الوصايا قال فيه حدثنا محمد بن سابق أو الفضل بن يعقوب عنه حدثنا شيبان عن فراس عن الشعبي عن جابر أن أباه استشهد يوم أحد الحديث وقد تابعه عليه عنده عبيد الله بن موسى عن شيبان وهو في المغازي وروى له الباقون "خ م س ق" محمد بن سواء السدوسي البصري قواه يزيد بن زريع وغيره وذكره الأزدي في الضعفاء فقال كان يغلو في القدر قلت جميع ما له في البخاري ثلاثة أحاديث أحدها قرنه فيه بيزيد بن زريع كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة والآخر أخرجه في الأدب عن عمرو بن عيسى عنه عن روح بن القاسم عن ابن المنكدر عن عروة عن عائشة "أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال بئس أخو العشيرة" وهو عنده في الأدب أيضا من رواية بن عيينة عن ابن المنكدر والثالث ذكرناه في ترجمة كهمس بن المنهال وروى له الباقون لكن أبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ "ت س ق" محمد بن الصلت الأسدي أبو جعفر من قدماء شيوخ البخاري وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن نمير لكن قال أبو غسان أحب إلي منه وذكر صاحب الميزان أن بعضهم قال فيه لين قلت أخرج عنه البخاري حديثا واحدا عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن حمزة عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم شربت اللبن حتى أنظر إلى الري" الحديث في مناقب عمر وقد تابعه عليه عنده عبدان عن ابن المبارك وروى أصحاب السنن غير أبي داود "خ س" محمد بن الصلت أبو يعلى التوزي من شيوخ البخاري أيضا قال أبو حاتم وأبو زرعة صدوق كان يملي التفسير علينا من حفظه وربما وهم ووثقه الدارقطني قلت أخرج عنه البخاري حديثا واحدا في كتاب الردة قال حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أنس فذكر حديث العرنيين مختصرا وتابعه عليه عنده علي بن المديني عن الوليد بن مسلم وروى له النسائي "ع" محمد بن طلحة بن مصرف الكوفي قال العجلي ثقة إلا أنه سمع من أبيه وهو صغير وقال ابن سعد كانت له أحاديث منكرة قال وقال عفان كان يروي عن أبيه وأبوه قديم الموت وكان الناس كأنهم يكذبونه وقال أبو داود كان يخطىء ووثقه أحمد بن حنبل قال إلا أنه لا يكاد يقول حدثنا في شيء من حديثه وقال أبو كامل مظفر بن مدرك كان يقال ثلاثة يتقي حديثهم محمد بن طلحة وفليح بن سليمان وأيوب بن عتبة وقال ابن معين صالح وقال مرة ضعيف وقال النسائي ليس بالقوي قلت له في البخاري ثلاثة أحاديث أحدها في المغازي عنه عن حميد عن أنس قال غاب عمي عن قتال بدر الحديث وهو عنده بمتابعة عبد الأعلى السامي وغير واحد عن حميد ثانيها في العيدين عنه عن زبيد عن الشعبي عن البراء في الذبح قبل الصلاة وهو عنده بمتابعة شعبة عن زبيد ثالثها في الجهاد عنه عن أبيه عن مصعب بن سعد عن أبيه في الانتصار بالضعفاء وهو فرد إلا أنه في فضائل الأعمال وروى له الباقون "ع" محمد بن عبد الله بن الزبيري نسبة إلى جده وهو مولى بني أسد يكنى أبا أحمد الكوفي أحد الأثبات الثقات المشهورين من شيوخ أحمد بن حنبل قال حنبل عن أحمد كان كثير الخطأ في حديث سفيان وقال أبو حاتم كان حافظا له أوهام ووثقه بن نمير وابن معين والعجلي وزاد كان يتشيع وقال النسائي ليس به بأس وقال أبو زرعة وغير واحد صدوق وقال ابندار ما رأيت أحفظ منه قلت احتج به الجماعة
وما أظن أخرج له شيئا من أفراده عن سفيان والله أعلم "ع" محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري القاضي البصري أبو عبد الله من قدماء شيوخ البخاري ثقة وثقه بن معين وغيره وقال أحمد بن حنبل ما يضعفه عند أهل الحديث إلا النظر في الرأي أما السماع فقد سمع وقال أبو حاتم لم أر من الأئمة إلا ثلاثة أحمد بن حنبل وسليمان ابن داود الهاشمي والأنصاري وقال زكريا الساجي كان عالما ولم يكن من فرسان الحديث قلت أنكر عليه يحيى القطان وغيره حديثه عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم" قال ابن المديني صوابه عن ميمون عن يزيد بن الأصم "أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمنة وهو محرم" وقال أبو داود كان قد تغير تغيرا شديدا وقال أحمد ذهبت له كتب فكان يحدث من كتاب غلامه يعني فكأنه دخل عليه حديث في حديث وروى له الباقون "ع" محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن أخي الزهري ذكره محمد بن يحيى الذهلي في الطبقة الثانية من أصحاب الزهري مع محمد بن إسحاق وفليح إنه وجد له ثلاثة أحاديث لا أصل لها أحدها حديثه عن عمه عن سالم عن أبي هريرة مرفوعا "كل أمتي معافى إلا المجاهرين" ثانيها بهذا الإسناد كان إذا خطب قال كل ما هو آت قريب موقوف ثالثها عن امرأته أم الحجاج بنت الزهري عن أبيها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بكفه كلها" مرسل وقال الساجي تفرد عن عمه بأحاديث لم يتابع عليها كأنه يعني هذه أه وقال أبو داود ثقة سمعت أحمد يثني عليه وأخبرني عباس عن يحيى بالثناء عليه وقال يحيى بن معين هو أمثل من أبي أويس وقال مرة ليس بذلك القوي ومرة ضعيف وقال أبو حاتم ليس بقوي يكتب حديثه قلت الذهلي أعرف بحديث الزهري وقد بين ما أنكر عليه فالظاهر أن تضعيف من ضعفه بسبب تلك الأحاديث التي أخطأ فيها ولم أجد له في البخاري سوى أحاديث قليلة أحدها في الأضاحي عن عمه عن سالم عن أبيه في النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وهذا قد تابعه عليه معمر عند مسلم وغيره والثاني في وفود الأنصار عن عمه عن أبي إدريس عن عبادة بن الصامت في المتابعة وهو عنده بمتابعة شعيب وغيره عن الزهري الثالث في المغازي في قصة الحديبية عن عمه عن عروة عن المسور ومروان بمتابعة سفيان ابن عيينة ومعمر وغيرهما وله عنده غير هذه مما توبع عليه موصولا ومعلقا وروى له الباقون "ع" محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب أحد الأئمة الأكابر العلماء الثقات لكن قال ابن المديني كانوا يوهنونه في الزهري وكذا وثقه أحمد ولم يرضه في الزهري ورمي بالقدر ولم يثبت عنه بل نفى ذلك عنه مصعب الزبيري وغيره وكان أحمد يعظمه جدا حتى قدمه في الورع على مالك وإنما تكلموا في سماعه من الزهري لأنه كان وقع بينه وبين الزهري شيء فحلف الزهري أن لا يحدثه ثم ندم فسأله بن أبي ذئب أن يكتب له أحاديث أرادها فكتبها له فلأجل هذا لم يكن في الزهري بذاك بالنسبة إلى غيره وقد قال عمرو بن علي الفلاس هو أحب إلي في الزهري من كل شامي انتهى احتج به الجماعة وحديثه عن الزهري في البخاري في المتابعات "خ د ت س" محمد بن عبد الرحمن الطفاوي من شيوخ أحمد بن حنبل وثقه بن المديني وقال أبو حاتم صدوق إلا أنه يهم أحيانا وقال ابن معين لا بأس به وقال أبو زرعة منكر الحديث وأورد له بن عدي عدة أحاديث وقال إنه لا بأس به قلت له في البخاري ثلاثة أحاديث ليس فيها شيء مما استنكره ابن عدي أحدهما في البيوع عن أبي الأشعث عنه عن هشام عن أبيه عن عائشة قالوا "إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا قال سموا الله عليه وكلوه" وتابعه عنده أبو خالد الأحمر
وأسامة بن حفص وغيرهما ثانيها في البيوع أيضا عن علي بن المديني عنه عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة حديث أعطيت جوامع الكلم ثالثها في الرقاق عن علي عنه عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر حديث كن في الدنيا كأنك غريب الحديث فهذا الحديث قد تفرد به الطفاوي وهو من غرائب الصحيح وكأن البخاري لم يشدد فيه لكونه من أحاديث الترغيب والترهيب والله أعلم ثم وجدت له فيه متابعا في نوادر الأصول للحكيم الترمذي من طريق مالك بن سعير عن الأعمش والله أعلم وعلق له غير هذه وروى له أصحاب السنن الثلاثة "خ ت س" محمد بن عبد العزيز الرملي الواسطي من شيوخ البخاري وثقه العجلي وقال يعقوب بن سفيان كان حافظا وقال أبو حاتم هو إلى الضعف ما هو وقال أبو زرعة ليس بقوي وقال ابن حبان في الثقات ربما خالف قلت روى له البخاري حديثين أحدهما في تفسير سورة النساء عنه عن حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد حديث الشفاعة وأخرجه في التوحيد من وجه آخر عن زيد بن أسلم وثانيهما في الاعتصام بهذا الإسناد لتتبعن سنن من كان قبلكم الحديث وأخرجه في أحاديث الأنبياء من وجه آخر عن زيد بن أسلم وقد تقدمت الإشارة إليهما في ترجمة حفص بن ميسرة والله أعلم وأخرج مسلم الحديثين معا من حديث حفص بن ميسرة أيضا "ع" محمد بن عبيد الطنافسي من شيوخ أحمد بن حنبل قال إنه كان صدوقا ولكن يعلى أخوه أثبت منه وقال في رواية أخرى كان يخطىء ويصيب وهذا على ما يختار أحمد يكون ساقط الحديث لكن وثقه في رواية الأثرم وكذا وثقه بن معين والعجلي والنسائي وابن سعد وابن عمار وزاد كان أبصر أخوته بالحديث وكان يعلى أحفظهم قلت احتج بمحمد الأئمة كلهم ولعل ما أشار إليه أحمد كان في حديث واحد "ع" محمد بن أبي عدي البصري من شيوخ أحمد قال عمرو بن علي أحسن عبد الرحمن بن مهدي الثناء عليه وقال أبو حاتم والنسائي وابن سعد ثقة وفي الميزان أن أبا حاتم قال لا يحتج به فينتظر في ذلك وأبو حاتم عند عنت وقد احتج به الجماعة "ع" حمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني مشهور من شيوخ مالك صدوق تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه وأخرج له الشيخان أما البخاري فمقرونا بغيره وتعليقا وأما مسلم فمتابعة وروى له الباقون "ع" محمد بن الفضل السدوسي أبو النعمان ولقبه عارم من شيوخ البخاري كان سليمان ابن حرب يقدمه على نفسه وقال أبو حاتم إذا حدثك عارم فاختم عليه عارم لا يتأخر عن عفان وقال أبو حاتم أيضا والبخاري اختلط عارم في آخر عمره زاد أبو حاتم من سمع منه قبل العشرين ومائتين فسماعه جيد ولقيه أبو زرعة سنة اثنتين وعشرين ومائتين وقال الدارقطني تغير بآخرة وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر وهو ثقة قلت إنما سمع منه البخاري سنة ثلاث عشرة قبل اختلاطه بمدة وقد اعتمده في عدة أحاديث وروى أيضا في جامعه عن عبد الله بن محمد المسندي عنه وروى له الباقون "ع" محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي أبو عبد الرحمن الضبي من شيوخ أحمد وله تصانيف وثقه العجلي وابن معين وقال أحمد كان شيعيا حسن الحديث وقال أبو زرعة صدوق من أهل العلم وقال النسائي لا بأس به وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا كثير الحديث شيعيا وبعضهم لا يحتج به قلت إنما توقف فيه من توقف لتشيعه وقد قال أحمد بن علي الأبار حدثنا أبو هاشم سمعت بن فضيل يقول رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم عليه قال ورأيت عليه آثار أهل السنة والجماعة رحمه الله احتج به الجماعة "خ س ق" محمد بن فليح بن سليمان تقدم ذكر أبيه قال ابن أبي حاتم عن أبيه كأن ابن معين يحمل على محمد قلت فما قولك فيه قال ما به بأس

ليس بذاك القوي وقال الدارقطني ثقة قلت أخرج له البخاري نسخة من روايته عن أبيه عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة وبعضها عن هلال عن أنس بن مالك توبع على أكثرها عنده وله نسخة أخرى عنده بهذا الإسناد لكن عن عبد الرحمن بن أبي عمرة بدل عطاء بن يسار وقد توبع فيها أيضا وهي ثمانية أحاديث والله أعلم "خ د ق" محمد بن أبي القاسم الطويل الكوفي وثقه بن معين وأبو حاتم وقال ابن المديني لا أعرفه قلت روى عنه ثلاثة وليس فيه في البخاري سوى حديث بن عباس في قصة تميم الداري وعدي بن بداء "ع" محمد بن كثير العبدي البصري من شيوخ البخاري قال ابن معين لم يكن بالثقة وقال أبو حاتم صدوق ووثقه أحمد بن حنبل قلت روى عنه البخاري ثلاثة أحاديث في العلم والبيوع والتفسير قد توبع عليها "ع" محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي أحد التابعين مشهور وثقه الجمهور وضعفه بعضهم لكثرة التدليس وغيره ولم يرو له البخاري سوى حديث واحد في البيوع قرنه بعطاء عن جابر وعلق له عدة أحاديث واحتج به مسلم والباقون "ع" محمد بن مطرف أبو غسان الليثي المدني من أقران مالك قال ابن المديني كان شيخا وسطا ووثقه أحمد وأبو حاتم والجوزجاني ويعقوب بن شيبة وآخرون واحتج به الأئمة "ع" محمد بن ميمون أبو حمزة السكري المرزوي أحد الأئمة كان مجاب الدعوة عظمه بن المبارك ووثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل والنسائي وآخرون وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال النسائي أيضا في كتاب السنن له عقب حديث أورد له عن عاصم عن ذر عن عبد الله "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر وقلما يفطر يوم الجمعة" لا بأس بأبي حمزة إلا أنه كان قد ذهب بصره في آخر عمره فمن كتب عنه قبل ذلك فحديثه جيد وأغرب بن عبد البر فقال في ترجمة سمي من التمهيد أبو حمزة المرزوي ليس بقوي قلت بل احتج به الأئمة كلهم والمعتمد فيه ما قال النسائي ولم يخرج له البخاري إلا أحاديث يسيرة من رواية عبدان عنه وهو من قدماء أصحابه والله أعلم خ محمد بن يزيد الكوفي روى له البخاري في فضائل أبي بكر عنه عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن عروة عن عبد الله بن عمرو أنه سأله عن أشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث فسئل عنه أبو حاتم فقال مجهول وقال ابن عدي هو الرفاعي ورجح الساجي أنه الرفاعي لأنه روى هذا الحديث بعينه عن الوليد بن مسلم لكن ضعفه البخاري وغيره وقواه آخرون فلا يبعد أن يخرج له في صحيحه ما يتابع عليه فقد تابعه عليه عنده علي بن المديني وغيره عن الوليد بن مسلم والله أعلم "ع" محمد بن يوسف الفريابي نزيل قيسارية من سواحل الشام من كبار شيوخ البخاري وثقه الجمهور وذكره بن عدي في الكامل فقال له إفراد وقال العجلي ثقة وقد أخطأ في مائة وخمسين حديثا وذكر له بن معين حديثا أخطأ فيه فقال هذا باطل قلت اعتمده البخاري لأنه انتقى أحاديثه وميزها وروى له الباقون بواسطة "ع" مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي من كبار شيوخ البخاري مجمع على ثقته ذكره بن عدي في الكامل من أجل قول الجوزجاني أنه كان خشبيا يعني شيعيا وقد احتج به الأئمة "خ د س ق" مالك بن بن سعير بن الخمس الكوفي قال أبو حاتم وغيره صدوق وضعفه أبو داود قلت روى له البخاري حديثين من روايته عن هشام عن أبيه عن عائشة أحدهما في تفسير سورة المائدة في لغو اليمين والآخر في الدعوات في قوله: تعالى {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} نزلت في الدعاء وكلاهما قد توبع عليه عنده وروى له أصحاب السنن "ع" مبشر بن إسماعيل الحلبي من طبقة وكيع قال ابن سعد كان ثقة مأمونا وقال النسائي لا بأس به ذكره صاحب
الميزان فقال تكلم فيه بلا حجة كذا قال ولم يذكر من تكلم فيه ولم أر فيه كلاما لأحد من أئمة الجرح والتعديل لكن قال ابن قانع في الوفيات أنه ضعيف وابن قانع ليس بمعتمد وليس له في البخاري سوى حديث واحد عن الأوزاعي في كتاب التهجد بمتابعة عبد الله بن المبارك وروى له الباقون "ع" محارب بن دثار أحد الأئمة الأثبات تابعي جليل وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي والعجلي وآخرون وقال ابن سعد لا يحتجون به قلت بل احتج به الأئمة كلهم وقال أبو زرعة مأمون ولكن بن سعد يقلد الواقدي والواقدي على طريقة أهل المدينة في الانحراف على أهل العراق فاعلم ذلك ترشد إن شاء الله "خ م د س" محاضر بن المورع الكوفي من مشايخ أحمد قال النسائي ليس به بأس وقال أحمد كان مغفلا ولم يكن من أصحاب الحديث وقال أبو حاتم ليس بالمتين فيكتب حديثه وقال أبو زرعة صدوق قلت أخرج له البخاري حديثين بصورة التعليق الموصول عن بعض شيوخه عنه أحدهما في الحج والآخر في البيوع وعلق له غيرهما وروى له مسلم حديثا واحدا وأبو داود والنسائي "خ ت" محبوب بن الحسن البصري أبو جعفر يقال اسمه محمد وفي المحمديين ذكره المزي قال ابن معين ليس به بأس وضعفه النسائي وقال أبو حاتم ليس بقوي وقال أبو داود كان يرى شيئا من القدر قلت له في البخاري حديث واحد في كتاب الأحكام عن خالد الحذاء مقرونا بغيره وروى له الترمذي "خ س ت" مخلد بن يزيد الحراني من شيوخ أحمد وثقه بن معين وغيره وقال أحمد لا بأس به وكان يهم وكذا قال الساجي وزاد قدم أحمد عليه مسكين بن بكير وأنكر له أبو داود حديثا وصله قلت أخرج له البخاري أحاديث قليلة من روايته عن ابن جريج توبع عليها وروى له مسلم والباقون سوى الترمذي خ "ع" مروأن ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عم عثمان ابن عفان يقال له رؤية فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه وقال عروة بن الزبير كان مروان لا يتهم في الحديث وقد روى عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادا على صدقه وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة يوم الجمل بسهم فقتله ثم شهر السيف في طلب الخلافة حتى جرى ما جرى فأما قتل طلحة فكان متأولا فيه كما قرره الإسماعيلي وغيره وأما ما بعد ذلك فإنما حمل عنه سهل بن سعد وعروة وعلي بن الحسين وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وهؤلاء أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميرا عندهم بالمدينة قبل أن يبدو منه في الخلاف على بن الزبير ما بدا والله أعلم وقداعتمد مالك على حديثه ورأيه والباقون سوى مسلم "ع" مروأن ابن معاوية الفزاري من شيوخ أحمد ثقة مشهور تكلم فيه بعضهم لكثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين فقال علي بن المديني كان ثقة فيما يروي عن المعروفين وقال أحمد كان ثقة حافظا يحفظ حديثه كله نصب عينيه رحمه الله احتج به الأئمة وأخرج البخاري من حديثه عن خمسة من شيوخه المعروفين وهم حميد وعاصم الأحول وإسماعيل بن أبي خالد وأبو يعقوب العبدي وهاشم بن هاشم "خ د م س" مسكين بن بكير الحراني أبو عبد الرحمن من شيوخ أحمد وثقه بن عمار وقال أحمد وابن معين وأبو حاتم لا بأس به زاد أحمد في حديثه خطا وزاد أبو حاتم كان يحفظ الحديث وقال أبو أحمد الحاكم في الكنى كان كثير الوهم والخطأ قلت ليس له في البخاري سوى حديث واحد عن شعبة عن خالد الحذاء عن مروان الأصفر عن ابن عمر في قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ} وتابعه عليه عنده روح بن عبادة عن شعبة وروى له مسلم وأبو داود والنسائي "خ ت ق" مطرف بن عبد الله النيسابوري الأطروش صاحب مالك لقيه البخاري قال ابن أبي حاتم عن أبيه صدوق ولكنه مضطرب الحديث وقدمه على
إسماعيل بن أبي أويس وقال ابن سعد والدارقطني ثقة وذكره بن عدي في الكامل وساق له أحاديث منكرة والذنب فيها من الراوي عنه أحمد بن داود الحراني فقد كذبه الدارقطني قلت ليس لمطرف في البخاري سوى حديثين أحدهما حديث الاستخارة وتابعه عليه قتيبة وغيره عنده والآخر أخرجه في الصلاة بمتابعة وروى له الترمذي وابن ماجة "ع" معاذ بن هشام الدستوائي البصري من أصحاب الحديث الحذاق وثقه يحيى بن معين في رواية عثمان الدارمي واعتمده علي بن المديني وقال الدوري عن ابن معين صدوق وليس بحجة وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين ليس بذاك القوي وقال ابن عدي ربما يغلط في الشيء وأرجو أنه صدوق وتكلم فيه الحميدي من أجل القدر قلت لم يكثر له البخاري واحتج به الباقون "خ س ت" معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التميمي وثقه أحمد والنسائي وقال أبو حاتم لا بأس به وقال أبو زرعة شيخ واه قلت ماله في البخاري سوى حديث واحد في الجهاد عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة حديث جهادكن الحج وقد تابعه عليه عنده حبيب بن أبي عمرة وروى له النسائي وابن ماجة "خ م د س" معبد بن سيرين الأنصاري مولاهم أخو محمد وأنس وحفصة كان أكبر الأخوة وثقه العجلي وابن سعد وقال يحيى بن معين يعرف وينكر قلت احتج به الشيخان وأبو داود والنسائي وليس هو بالمكثر ماله في البخاري غير حديثين "ع" معتمر بن سليمان التيمي وثقه بن معين وأبو حاتم وابن سعد والعجلي وقال يحيى القطان كان سيء الحفظ وقال ابن خراش كان يخطىء إذا حدث من حفظه وإذا حدث من كتابه فهو ثقة قلت أكثر ما أخرجه له البخاري مما توبع عليه واحتج به الجماعة "خ م د ق" معروف بن خربوذ المكي من صغار التابعين ضعفه يحيى بن معين وقال أحمد ما أدري كيف هو وقال الساجي صدوق وقال أبو حاتم يكتب حديثه قلت ما له في البخاري سوى موضع في العلم وهو حديثه عن أبي الطفيل عن علي حدثوا الناس بما يعرفون الحديث وروى له مسلم وأبو داود وابن ماجة حديثه عن أبي الطفيل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في الحج "ع" معلى بن منصور الرازي نزيل بغداد لقيه البخاري قال أحمد ما كتبت عنه وكان يحدث بما يوافق الرأي وكان يخطىء حكاه أبو طالب عن أحمد وقال أبو حاتم الرازي قيل لأحمد لم لم تكتب عنه فقال كان يكتب الشروط ومن كتبها لم يخل من أن يكذب ووثقه يحيى بن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة وابن سعد لكن قال اختلف فيه أصحاب الحديث وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به لأني لم أجد له حديثا منكرا قلت روى له البخاري حديثين أحدهما في تفسير سورة الأحزاب عن علي بن الهيثم عنه عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس في شأن زينب بنت جحش مختصرا بمتابعة سليمان ابن حرب ومسدد كلاهما عن حماد بن زيد أتم منه والثاني في البيوع عن محمد بن عبد الرحيم عنه عن هشيم وروى له الباقون "ع" معمر بن راشد صاحب الزهري كان من أثبت الناس فيه قال ابن معين وغيره ثقة إلا أنه حدث من حفظه بالبصرة بأحاديث غلط فيها قاله أبو حاتم وغيره وقال العلائي عن يحيى بن معين حديث معمر عن ثابت البناني ضعيف وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين إذا حدثك معمر عن الزهري وابن طاوس فحديثه مستقيم وما عمل في حديث الأعمش شيئا وإذا حدث عن العراقيين خالفه أهل الكوفة وأهل البصرة وقال عمرو بن علي كان معمر من أصدق الناس وقال النسائي ثقة مأمون قلت أخرج له البخاري من روايته عن الزهري وابن طاوس وهمام بن منبه ويحيى بن أبي كثير وهشام بن عروة وأيوب وثمامة بن أنس وعبد الكريم الجزري وغيرهم ولم يخرج له من روايته عن قتادة ولا ثابت البناني إلا تعليقا ولا من روايته عن الأعمش شيئا ولم
يخرج له من رواية أهل البصرة عنه إلا ما توبعوا عليه عنه واحتج به الأئمة كلهم "خ د س ق" مغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي وثقه يعقوب بن شيبة وقال عباس الدوري عن ابن معين ثقة وقال الآجري قلت لأبي داود إن عباسا حكى عن ابن معين أنه ضعف مغيرة بن عبد الرحمن الحزامي ووثق المخزومي فقال غلط عباس قال أبو داود المخزومي ضعيف قلت وأخرج له مع ذلك في سننه وليس له في البخاري سوى حديث واحد في غزوة مؤتة من روايته عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن نافع عن ابن عمر وتابعه عنده سعيد بن أبي هلال عن نافع "ع" مغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد بن أسد الأسدي الحزامي قال أحمد وأبو داود لا بأس به وقال أبو زرعة هو أحب إلي من عبد الرحمن بن أبي الزناد وشعيب بن أبي حمزة في أبي الزناد وقد تقدم في ترجمة الذي قبله أن ابن معين ضعفه وقال النسائي ليس بالقوي قال ابن عدي تفرد بأحاديث وعامتها مستقيمة وقد اعتمده الجماعة "ع" مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي أحد الأئمة متفق على توثيقه لكن ضعف أحمد بن حنبل روايته عن إبراهيم النخعي خاصة قال كان يدلسها وإنما سمعها من حماد قلت ما أخرج له البخاري عن إبراهيم إلا ما توبع عليه واحتج به الأئمة "ع" المفضل بن فضالة القتباني المصري وثقه يحيى بن معين وأبو زرعة والنسائي وآخرون وقال أبو حاتم وابن خراش صدوق وقال ابن سعد منكر الحديث قلت اتفق الأئمة على الاحتجاج به وجميع ماله في البخاري حديثان أحدهما في فضائل القرآن عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة في التعوذ بالمعوذات وتابعه عليه عنده الليث وثانيهما في الصلاة عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس في قصر الصلاة في السفر وتابعه الليث عليه أيضا وهو في مسلم "خ" مقدم بن محمد بن يحيى بن عطاء المقدمي الواسطي من شيوخ البخاري روى عنه عن عمه القاسم بن يحيى عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر حديثين أحدهما في تفسير سروة النور في اللعان والآخر في التوحيد أن الله يقبض السماوات وهذان الحديثان لهما عنده طرق وقد وثقه أبو بكر البزار والدارقطني وابن حبان لكن لما ذكره في الثقات قال يغرب ويخالف فهذا إن كان كثر منه حكم على حديثه بالشذوذ وقد بينا أن الحديثين اللذين أخرجهما له البخاري مما وافق عليه لا مما خالف فيه والله أعلم "خ ع" مقسم مولى بن عباس اشتهر بذلك للزومه له وهو مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل وثقه العجلي ويعقوب بن سفيان والدارقطني وأحمد بن صالح المصري فيما نقل بن شاهين عنه وقال مهنأ قلت لأحمد بن حنبل من أثبت أصحاب بن عباس فقال ستة فذكرهم قلت له فقسم قال دون هؤلاء وقال ابن سعد كان ضعيفا وقال الساجي تكلم الناس في بعض روايته قلت لم يخرج له البخاري في صحيحه إلا حديثا واحدا ذكره في المغازي من طريق هشام بن يوسف وفي التفسير من طريق عبد الرزاق كلاهما عن ابن جريج عن عبد الكريم الجزري عنه عن ابن عباس لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إلى بدر كذا أورده مختصرا وأخرجه الترمذي من طريق حجاج عن ابن جريج بتمامه وهو من غرائب الصحيح "خ م د س ق" منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزي بن عثمان ابن عبد الدار العبدري الحجبي المكي وأمه صفية بنت شيبة قال الأثرم أحسن أحمد الثناء عليه وقال النسائي وابن سعد ثقة وقال ابن حبان كان ثبتا تقيا وشذ بن حزم فقال ليس بالقوي قلت بل احتج به الجماعة كلهم لكن لم يخرج له الترمذي "خ ع" المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي قال ابن معين والنسائي والعجلي وغيرهم ثقة وقال ابن أبي حاتم
سمعت عبد الله بن أحمد يقول سمعت أبي يقول ترك شعبة المنهال بن عمرو على عمد قال ابن أبي حاتم لأنه سمع من داره صوت قراءة بالتطريب كذا قال ابن أبي حاتم والذي رواه وهب بن جرير عن شعبة أنه قال أتيت منزل المنهال فسمعت منه صوت الطنبور فرجعت ولم أسأله قلت فهلا سألته عسى كان لا يعلم قلت وهذا اعتراض صحيح فإن هذا لا يوجب قدحا في المنهال وروى بن أبي خيثمة بسند له عن المغيرة بن مقسم أنه كان ينهى الأعمش عن الرواية عن المنهال وأنه قال ليزيد بنأبي زياد نشدتك بالله هل كانت تجوز شهادة المنهال على درهمين قال اللهم لا قلت وهذه الحكاية لا تصح لأن راويها محمد بن عمر الحنفي لا يعرف ولو صحت فإنما كره منه مغيرة ما كره شعبة من القراءة بالتطريب لأن جريرا حكى عن مغيرة أنه قال كان المنهال حسن الصوت وكان له لحن يقال له وزن سبعة وبهذا لا يجرح الثقة وذكر الحاكم أن يحيى القطان غمزه وحكى المفضل العلائي أن ابن معين كان يضع من شأنه وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول أبو بشر أحب إلي من المنهال بن عمر وأبو بشر أوثق وقال الجوزجاني كان سيء المذهب وقد جرى حديثه قلت فأما حكاية العلائي فلعل بن معين كان يضع منه بالنسبة إلى غيره كالحكاية عن أحمد ويدل على ذلك أن أبا حاتم حكى عن ابن معين أنه وثقه وأما الجوزجاني فقد قلنا غير مرة إن جرحه لا يقبل في أهل الكوفة لشدة انحرافه ونصبه وحكاية الحاكم عن القطان غير مفسرة ومع ذلك فما له في البخاري سوى حديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في تعويذ الحسن والحسين من رواية زيد بن أبي أنيسة عنه وحديث آخر في تفسير حم فصلت اختلف فيه الرواة هل هو موصول أو معلق "ع" موسى بن إسماعيل التبوذكي أبو سلمة أحد الأثبات الثقات اعتمده البخاري فروى عنه كثيرا ووثقه الجمهور وشذ بن خراش فقال تكلم الناس فيه وهو صدوق كذا قال ولم يفسر ذلك الكلام وقد قال ابن معين ثقة مأمون "ع" موسى بن عقبة المدني مشهور من صغار التابعين صنف المغازي وهو من أصح المصنفات في ذلك ووثقه الجمهور وقال ابن معين كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح الكتب وقال مرة في روايته عن نافع شيء ليس هو فيه كما لك وعبيد الله بن عمر قلت فظهر أن تلبين بن معين له إنما هو بالنسبة إلى رواية مالك وغيره لا فيما تفرد به وقد اعتمده الأئمة كلهم وقد وثقه مطلقا في رواية عباس الدوري وغير واحد عنه والله أعلم "خ د ت ق" موسى بن مسعود أبو حذيفة النهدي من شيوخ البخاري صدوق في حفظه شيء قاله أحمد وقال ابن معين لم يكن من أهل الكذب وقال العجلي ثقة وقال أبو حاتم صدوق ولكنه كان يصحف وروى عن الثوري بضعة عشر ألف حديث وفي بعضها شيء وهو أقل خطأ من مؤمل بن إسماعيل وقال ابن خزيمة لا يحتج به وقال الساجي كان يصحف وهو لين وقال الترمذي يضعف في الحديث قلت روى عنه البخاري أحاديث أحدها في العتق بمتابعة الربيع بن يحيى كلاهما عن زائدة بمتابعة عثام بن علي كلاهما عن هشام بن عروة عن امرأته فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر في الأمر بالعتاقة في الكسوف وثانيها في الرقاق حديث بن مسعود الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك وقد تابعه عليه وكيع وغيره عن سفيان ثالثها في القدر حديث حذيفة "لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره" الحديث وقد تابعه أبو معاوية ووكيع عند مسلم وهذا جميع ماله في البخاري وعلق عنه موضعا آخر في آخر الجهاد وهو حديث أبي إسحاق عن البراء في صلح الحديبية وهو عنده من طرق أخرى عن أبي إسحاق وروى له أصحاب السنن إلا النسائي "خ م د" موسى بن نافع أبو شهاب الحناط أثنى عليه أبو نعيم وقال
إسحاق بن منصور عن ابن معين ثقة وقال أحمد بن حنبل موسى بن نافع منكر الحديث وقال علي بن المديني عن يحيى القطان أفسدوه علينا قلت ماله في الصحيحين سوى حديثه عن عطاء عن جابر في متعة الحج بمتابعة بن جريج وغيره عن عطاء وروى له النسائي حديثا آخر ويتعجب من قول صاحب الكمال مجمع على ثقته مع كون بن عدي ذكره في الكامل وقال ليس بالمعروف "خ س" ميمون بن سياه1 البصري تابعي ضعفه يحيى بن معين وقال أبو داود ليس بذاك وقال أبو حاتم ثقة قلت ماله في البخاري سوى حديثه عن أنس من صلى صلاتنا الحديث بمتابعة حميد الطويل وروى له النسائي
ـــــــ
1 "سياه" بكسر المهملة بعدها تحتانية مخففة ثم هاء، وروى منصرفا وغير منصرف ومعناه بالفارسية الأسود كذا في التقريب

حرف النون
"ع" نافع بن عمر الجمحي المكي أحد الأثبات قال ابن مهدي كان من أثبت الناس وقال أحمد ثبت ثبت ووثقه يحيى بن معين وأبو حاتم وغير واحد وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث فيه شيء قلت احتج به الأئمة وقد قدمنا أن تضعيف بن سعد فيه نظر لاعتماده على الواقدي "خ م د ت ق" نعيم بن حماد الخزاعي المرزوي نزيل مصر مشهور من الحفاظ الكبار لقيه البخاري ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح سوى موضع أو موضعين وعلق له أشياء أخر وروى له مسلم في المقدمة موضعا واحدا وأصحاب السنن إلا النسائي وكان أحمد يوثقه وقال معين كان من أهل الصدق إلا أنه يتوهم الشيء فيخطئ فيه وقال العجلي ثقة وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائي ضعيف ونسبه أبو بشر الدولابي إلى الوضع وتعقب ذلك بن عدي بأن الدولابي كان متعصبا عليه لأنه كان شديدا على أهل الرأي وهذا هو الصواب والله أعلم
حرف الهاء
"خ م د ت س" هارون بن موسى الأعور النحوي البصري وثقه بن معين وغيره وقال سليمان ابن حرب كان قدريا قلت أخرج له الأئمة الخمسة وما له في البخاري سوى حديثين أحدهما في تفسير سورة النحل من روايته عن شعيب بن الحبحاب عن أنس في الاستعاذة من البخل والكسل وأرذل العمل وثانيهما في الدعوات من روايته عن الزبير بن الخريت عن عكرمة عن ابن عباس أنظر السجع من الدعاء فاجتنبه الحديث "خ م د" هدبة بن خالد القيسي البصري ويقال له هداب لقيه الشيخان وأبو داود ورووا عنه ووثقه بن الجنيد وقال النسائي ضعيف وذكره بن عدي في الكامل وحكى قول النسائي ثم قال لم أر له حديثا منكرا وهو كثير الحديث صدوق وقد وثقه الناس وقرأت بخط الذهبي قواه النسائي مرة وضعفه أخرى قلت لعله ضعفه في شيء خاص وقد أكثر عنه مسلم ولم يخرج عنه البخاري سوى أحاديث يسيرة من روايته عن همام "خ م س" هشام بن حجير المكي وثقه العجلي
حرف الواو
"ع" ورقاء بن عمر اليشكري الكوفي نزيل المدائن قال أحمد ثقة صاحب سنة قيل له كان يرى الإرجاء قال لا أدري قال وهو يصحف في غير حرف وقال العقيلي تكلموا في حديثه عن منصور وكأنه عني بذلك ما قال معاذ بن معاذ قلت ليحيى القطان سمعت حديث منصور قال ممن قلت من ورقاء قال لا يساوي شيئا وقال ابن عدي له نسخ عن أبي الزناد ومنصور وابن أبي نجيح وروى أحاديث غلط في أسانيدها وباقي حديثه لا بأس به ووثقه يحيى بن معين وغير واحد مطلقا قلت لم يخرج له الشيخان من روايته عن منصور بن المعتمر شيئا وهو محتج به عند الجميع وضاح بن عبد الله أبو عوانة الواسطي أحد المشاهير وثقه الجماهير وقال أبو حاتم كان يغلط كثيرا إذا حدث من حفظه وكذا قال أحمد وقال ابن المديني في أحاديثه عن قتادة لين لأن كتابه كان قد
ذهب قلت اعتمده الأئمة كلهم "ع" الوليد بن كثير المخزومي أبو محمد المدني نزيل الكوفة وثقه إبراهيم بن سعد وابن معين وأبو داود وقال ابن سعد ليس بذاك وقال الساجي قد كان ثقة ثبتا يحتج بحديثه لم يضعفه أحد إنما عابوا عليه الرأي وقال الآجري عن أبي داود ثقة إلا أنه إباضي قلت الإباضية فرقة من الخوارج ليست مقالتهم شديدة الفحش ولم يكن الوليد داعية والله أعلم "ع" الوليد بن مسلم الدمشقي مشهور متفق على توثيقه في نفسه وإنما عابوا عليه كثرة التدليس والتسوية قال الدارقطني كان الوليد يروي عن الأوزاعي أحاديث عنده عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ ثقات قد أدركهم الأوزاعي فيسقط الوليد الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن الثقات وقد قال أبو داود في صدقة بن خالد هو أثبت من الوليد وأن الوليد روى عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل قلت ماله عن مالك في الكتب الستة شيء وقد احتجوا به في حديثه عن الأوزاعي بل لم يرو له البخاري إلا من روايته عن الأوزاعي وعبد الرحمن بن نمر وثور بن يزيد وعبد الله بن العلاء بن زبر وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ويزيد بن أبي مريم أحاديث يسيرة واحتج به الباقون "ع" وهب بن جرير بن حازم البصري أحد الثقات ذكره بن عدي في الكامل وأورد قول عفان فيه أنه لم يسمع من شعبة وقال أحمد عن ابن مهدي ما كنا نراه عند شعبة قال أحمد وكان وهب صاحب سنة ووثقه بن معين والعجلي وابن سعد وقال أبو داود سمع أبوه من بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب نسخة فاشتبهت عليه فحدث بها عن أبيه عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب وأشار بن يونس في ترجمة يحيى بن أيوب إلى نحو ذلك قلت ما أخرج له البخاري من هذه النسخة شيئا واحتج به الأئمة وأوردوا له من حديثه عن شعبة ما توبع عليه "خ م د ت س" وهب بن منبه الصنعاني من التابعين وثقه الجمهور وشذ الفلاس فقال كان ضعيفا وكان شبهته في ذلك أنه كان يتهم بالقول بالقدر وصنف فيه كتابا ثم صح أنه رجع عنه قال حماد بن سلمة عن أبي سنان سمعت وهب بن منبه يقول كنت أقول بالقدر حتى قرأت بضعة وسبعين كتابا من كتب الأنبياء من جعل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر فتركت قولي وليس له في البخاري سوى حديث واحد عن أخيه همام عن أبي هريرة في كتابة الحديث وتابعه عليه معمر عن همام
حرف الياء
يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي البصري وثقه بن معين والنسائي وابن سعد وقال العقيلي في الضعفاء لما ذكره قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه في حديثه نكارة وعبد العزيز بن صهيب أوثق منه قلت في البخاري حديثه عن أنس في قصر الصلاة في السفر وحديثه عنه في قصة صفية وحديثه عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في لبس الإستبرق وحديثه عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه في الربا وقد توبع عليها عنده سوى حديث أبي بكرة فله عنده شواهد واحتج به الباقون يحيى بن أيوب المصري الغافقي قال ابن معين صالح وقال مرة ثقة وكذا قال الترمذي عن البخاري وقال يعقوب بن سفيان كان ثقة حافظا وقال أحمد بن صالح المصري له أشياء يخالف فيها وقال النسائي ليس بالقوي وقال مرة ليس به بأس وقال أبو حاتم هو أحب إلي من بن أبي الموالي ومحله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به وقال أحمد كان شيء الحفظ وقال الساجي صدوق يهم وقال الحاكم أبو أحمد:
كان إذا حدث من حفظه يخطىء وما حدث من كتابه فلا بأس به قلت استشهد به البخاري في عدة أحاديث من روايته عن حميد الطويل ماله عنده غيرها سوى حديثه عن يزيد بن أبي حبيب في صفة الصلاة بمتابعة الليث وغيره واحتج به الباقون "ع" يحيى بن حمزة الحضرمي وثقه أحمد وابن معين وأبو داود ونسبوه إلى القول بالقدر ومع ذلك فكأنه لم يكن داعية واحتج به الجماعة "ع" يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الكوفي قال على بن المديني لم يكن بالكوفة بعد الثوري أثبت منه وقال النسائي ثقة ثبت وقال يحيى بن معين لا أعلمه أخطأ إلا في حديث واحد حديثه عن سفيان عن أبي إسحاق عن قبيصة بن برمة وإنما هو عن واصل عن قبيصة قلت هذه منزلة عظيمة لهذا الرجل وقد احتج به الجماعة إلا أن عمر بن شبة حكى عن أبي نعيم أنه قال ما كان بأهل لأن أحدث عنه وهذا الجرح مردود بل ليس هذا بجرح ظاهر والله أعلم "خ" يحيى بن أبي زكريا الغساني الواسطي أبو مروان ضعفه أبو داود وقال ابن معين لا أعرف حاله وقال أبو حاتم ليس بالمشهور وبالغ بن حبان فقال لا تجوز الرواية عنه قلت أخرج له البخاري حديثا واحدا عن هشام عن أبيه عن عائشة في الهدية وقد توبع عليه عنده "ع" يحيى بن سعيد الأموي صاحب المغازي وثقه بن سعد وأبو داود وابن معين وابن عمار وغيرهم وقال أحمد ليس به بأس وكان عنده عن الأعمش غرائب ولم يكن بصاحب حديث وأورده العقيلي في الضعفاء واستنكر حديثه عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله لا يزال المسروق يتظنى حتى يكون أعظم إنما من السارق قلت له في البخاري حديثه عن أبي بردة عن جده عن أبي موسى في أي المؤمنين أفضل وقد تابعه عليه أبو أسامة عند مسلم وحديثه عن الأعمش عن شقيق عن أبي مسعود كنا إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل وهو عنده بمتابعة زائدة وشعبة عن الأعمش وحديثه عن ابن جريج عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو في التقديم والتأخير في عمل الحج وهو عنده بمتابعة عثمان ابن الهيثم عن ابن جريج وحديثه عن مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد تابعه وكيع عند مسلم فهذا جميع ماله عنده واحتج به الباقون "خ ت" يحيى بن سليمان الجعفي الكوفي نزيل مصر أكثر عن ابن وهب لقيه البخاري وروى الترمذي عن رجل عنه وكان النسائي سيء الرأي فيه قال إنه ليس بثقة وأما الدارقطني والعقيلي فوثقاه وذكره بن حبان في الثقات وقال ربما أغرب قلت لم يكثر البخاري من تخريج حديثه وإنما أخرج له أحاديث معروفة من حديث بن وهب خاصة "ع" يحيى بن سليم الطائفي سكن مكة قال أحمد سمعت منه حديثا واحدا ووثقه بن معين والعجلي وابن سعد وقال أبو حاتم محله الصدق ولم يكن بالحافظ وقال النسائي ليس به بأس وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر وقال الساجي أخطأ في أحاديث رواها عن عبيد الله بن عمر وقال يعقوب بن سفيان كان رجلا صالحا وكتابه لا بأس به فإذا حدث من كتابه فحديثه حسن وإذا حدث حفظا فتعرف وتنكر قلت لم يخرج له الشيخان من روايته عن عبيد الله بن عمر شيئا ليس له في البخاري سوى حديث واحد عن إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى ثلاثة أنا خصيمهم الحديث وله أصل عنده من غير هذا الوجه واحتج به الباقون "خ م د ت ق" يحيى بن صالح الوحاضي الحمصي من شيوخ البخاري وثقه يحيى بن معين وأبو اليمان وابن عدي وذمه أحمد لأنه نسبه إلى شيء من رأى جهم وقال إسحاق بن منصور كان مرجئا وقال الساجي هو من أهل الصدق والأمانة وقال أبو حاتم صدوق وقال أحمد بن صالح حدثنا بأحاديث عن مالك ما وجدناها عند غيره
وقال الخليلي روى عن مالك عن الزهري عن سالم عن أبيه في المشي أمام الجنازة ولم يتابع عليه وإنما هذا حديث سفيان ويقال إن سفيان أخطأ فيه قلت قد توبع على حديث مالك أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من حديث عبيد الله بن عوف الخزاز وغيره عن مالك وقال وصله هؤلاء الثلاثة وهو في الموطأ مرسل انتهى وإنما روى عنه البخاري حديثين أو ثلاثة وروى عن رجل عنه من روايته عن معاوية بن سلام وفليح بن سليم خاصة وروى له الباقون سوى النسائي "خ م ت س" يحيى بن عباد الضبعي أبو عباد البصري وقال أبو حاتم وغيره ليس به بأس وقال ابن معين كان صدوقا لكن لم يكن بذاك وقال الساجي ضعيف وقال الخطيب لا نعلم في روايته شيئا منكرا قلت له في البخاري حديثان أحدهما عن شعبة عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس في قصة صفية في خيبر والآخر عن عبد العزيز بن أبي سلمة عنه وروى له مسلم والترمذي والنسائي "خ م ق" يحيى بن عبد الله بن بكير المصري وقد ينسب إلى جده لقيه البخاري وحدث أيضا عن رجل عنه وروى عن مالك في الموطأ وأكثر عن الليث قال ابن عدي هو أثبت الناس فيه وقال أبو حاتم كان يفهم هذا الشأن يكتب حديثه وقال مسلم تكلم في سماعه عن مالك لأنه كان بعرض حديث وضعفه النسائي مطلقا وقال البخاري في تاريخه الصغير ما روى يحيى بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني أتقيه قلت فهذا يدلك على أنه ينتقى حديث شيوخه ولهذا ما أخرج عنه عن مالك سوى خمسة أحاديث مشهورة متابعة ومعظم ما أخرج عنه عن الليث وروى عنه بكر بن مضر ويعقوب بن عبد الرحمن والمغيرة بن عبد الرحمن أحاديث يسيرة وروى له مسلم وابن ماجة "ع" يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية الكوفي وثقه أحمد وابن معين والعجلي وأبو داود والنسائي وذكره بن عدي في الكامل وأورد له أحاديث وقال بعض حديثه لا يتابع عليه ويكتب حديثه قلت لم يضعفه أحد ولم يخرج له البخاري سوى حديث واحد أخرجه في الاعتصام عن إسحاق عن عيسى بن يونس وابن إدريس وابن أبي غنية ثلاثتهم عن أبي حيان عن الشعبي عن ابن عمر عن عمر في تحريم الخمر وروى له الباقون وأبو داود في المراسيل "ع" يحيى بن أبي كثير اليمامي أحد الأئمة الأثبات الثقات المكثرين عظمه أبو أيوب السختياني ووثقه الأئمة وقال شعبة حديثه أحسن من حديث الزهري وقال يحيى القطان مرسلاته تشبه الريح لأنه كان كثير الإرسال والتدليس والتحديث من الصحف قال همام كان يسمع الحديث منا بالغداة فيحدث به بالعشي يعني ولا يذكر من حدثه به وقال أبو حاتم لم يسمع من أحد من الصحابة ورأى أنسا ولم يسمع منه واحتج به الأئمة "ع" يحيى بن واضح أبو تميلة المروزي وثقه بن معين وأحمد وأبو حاتم وعلي بن المديني وصالح جزرة وغيرهم وذكر بن أبي حاتم أن البخاري أدخله في الضعفاء وأن أباه قال يحول من يم وتعقبه صاحب الميزان بأنه ليس له ذكر في ضعفاء البخاري قلت احتج به الجماعة "ع" يزيد بن إبراهيم التستري البصري وثقه بن معين وأبو زرعة والنسائي وكان أبو الوليد الطيالسي يرفع أمره وقال وكيع ثقة ثقة وقال على بن المديني ثبت في الحسن وابن سيرين وقال القطان ليس في قتادة بذاك وقال ابن عدي كان مستقيم الحديث وإنما أنكرت عليه أحاديث رواها عن قتادة عن أنس قلت أخرج له البخاري ثلاثة أحاديث فقط اثنان متابعة والآخر احتجاجا الأول في الصلاة من روايته عن قتادة عن أنس وقد توبع عليه عنده من حديث شبعة عن قتادة الثاني سجود السهو عن ابن سيرين عن أبي هريرة في قصة ذي اليدين بمتابعة بن عون وغيره عن ابن سيرين وأخرج له في تفسير آل عمران عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } قال الترمذي رواه غير واحد عن ابن أبي مليكة عن عائشة ليس فيه القاسم وإنما ذكر القاسم يزيد بن إبراهيم وحده قلت كذاك رواه أيوب وأبو عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة لكن رجح البخاري رواية يزيد بن إبراهيم لما تضمنته من زيادة القاسم وتبعه مسلم على ذلك ولم يخرجا رواية أيوب والله أعلم ووقع لأبي محمد بن حزم في المحلي غلط فاحش واضح ففرق بين يزيد بن إبراهيم التستري فقال إنه ثقة ثبت وبين يزيد بن إبراهيم الراوي عن قتادة فقال إنه ضعيف وهو تفريق مردود والله أعلم "ع" يزيد بن عبد الله بن خصيفة الكندي وقد ينسب إلى جده قال ابن معين ثقة مجة ووثقه أحمد في رواية الأثرم وكذا أبو حاتم والنسائي وابن سعد وروى أبو عبيد الآجري عن أبي داود عن أحمد أنه قال منكر الحديث قلت هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب على أقرانه بالحديث عرف ذلك بالاستقراء من حاله وقد احتج بابن خصيفة مالك والأئمة كلهم "ع" يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي أبو عبد الله المدني من شيوخ الذي قبله وثقه النسائي وابن معين وابن سعد وقال أبو حاتم ليس بقوي وذكره بن عدي في الكامل فما ساق له سوى حديث عبد الرزاق عن ابن جريج عن سفيان فحدثني به ثم لقيت مالكا فسألته عنه فقال صدق سفيان أنا حدثته به قلت له فحدثني به فقال ليس العمل عليه ورجله عندنا ليس هناك قلت فيحتمل أن يكون هذا مستند أبي حاتم في تليينه وليس له في الصحيح سوى حديثه عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت في ترك السجود في سورة النجم أخرجه البخاري من حديث يزيد بن خصيفة وابن أبي ذئب جميعا عنه وقد رواه أبو داود من رواية أبي صخر عن ابن قسيط عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه فإن كان محفوظا فيجوز أن يكون لابن قسيط فيه شيخان والله أعلم "خ ع" يزيد بن أبي مريم الدمشقي وثقه الأئمة وابن معين ودحيم وأبو زرعة وأبو حاتم قال الدارقطني ليس بذاك قلت هذا جرح غير مفسر فهو مردود وليس له في البخاري سوى حديث واحد أخرجه في الجهاد والجمعة من رواية الوليد بن مسلم ويحيى بن حمزة كلاهما عن يزيد بن أبي مريم عن عباية بن رفاعة عن أبي عيسى بن جبر في فضل من اغبرت قدماه في سبيل الله الحديث "ع" يزيد بن هارون الواسطي أحد الثقات الأثبات المشاهير أدركه البخاري بالسن لكن مات قبل أن يرحل فأخذ عن كبار أصحابه ذكر بن أبي خيثمة عن أبيه أنه كان بعد أن كف بصره إذا سئل عن الحديث لا يعرفه أمر جاريته أن تحفظه له من كتابه وكان ذلك يعاب عليه قلت كان المتقدمون يتحرزون عن الشيء اليسير من التساهل لأن هذا يلزم منه اعتماده على جاريته وليس عندها من الإتقان ما يميز بعض الأجزاء من بعض فمن هنا عابوا عليه هذا الفعل وهذا في الحقيقة لا يلزم منه الضعف ولا التليين وقد احتج به الجماعة كلهم "ع" يزيد بن أبي يزيد الضبعي البصري يعرف بيزيد الرشك مشهور من صغار التابعين وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن سعد واختلف قول بن معين فيه فقال ابن أبي خيثمة عنه ليس به بأس وقال الدوري عنه صالح وحكى بن شاهين عن ابن معين أنه ضعفه وحكى غيره عنه أنه قال كأن ابن علية يضعفه وقال الحاكم أبو أحمد ليس بالقوي عندهم وأنكر صاحب الميزان هذا على أحمد فقال انفرد بهذا فأخطأ قلت موضع خطئه تعميم النقل وإلا فقد اختلف فيه كما ترى وليس له في البخاري سوى حديث وأحد عن مطرف عن عمران في القدر "خ د" يعقوب بن حميد بن كاسب المدني وقد ينسب إلى جده مختلف في الاحتجاج به روى البخاري في كتاب الصلح وفي فضل من شهد بدرا حديثين عن يعقوب غير
منسوب عن إبراهيم بن سعد فقيل هو بن كاسب هذا وقيل بن إبراهيم الدورقي وقيل بن محمد الزهري وقيل بن إبراهيم بن سعد وهذا القول الأخير باطل فإن البخاري لم يلقه وأما الزهري فضعيف وأما الدورقي وابن كاسب فمحتمل والأشبه أنه بن كاسب وبذلك جزم أبو أحمد الحاكم وأبو إسحاق الحبال وأبو عبد الله بن منده وغير واحد وقد روى البخاري في خلق أفعال العباد عن يعقوب بن حميد بن كاسب حديثا ونسبه وروى في الصحيح عن الدورقي فنسبه قلت والحديث الذي أخرجه له في الصلح تابعه عليه محمد بن الصباح عند مسلم وأبي داود والذي أخرج له في فضل من شهد بدرا وقع في رواية أبي ذر حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل وهو عنده من طريق صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف ويعقوب هنا يغلب على ظني أنه الدورقي وأما بن كاسب فقد قال فيه البخاري هو في الأصل صدوق وقال ابن عدي لا بأس به وبروايته وقال ابن حبان كان ممن يحفظ ويصنف وربما أخطأ وضعفه النسائي وغيره وقد أوضح بن أبي خيثمة أمره فحكى عن يحيى بن معين ليس بثقة فقال فقلت له من أين ذاك قال لأنه محدود قال فقلت له فأنا أعطيك رجلا يزعم أنه ثقة وقد وجب عليه الحد فذكر له رجلا قال ابن أبي خيثمة قلت لمصعب الزبيري أن ابن معين يقول في بن كاسب إن حديثه لا يجوز لأنه محدود فقال إنما حده الطالبيون تحاملا عليه قلت فمن هذه الجهة ليس الجرح فيه بقادح لكن ذكر العقيلي عن زكريا بن يحيى الحلواني قال رأيت أبا داود جعل أحاديث بن كاسب وقايات على ظهور كتبه فسألته عن ذلك فقال رأيت في مسنده أحاديث منكرة فطالبناه بالأصول فدافعنا ثم أخرجها بعد فإذا تلك الأحاديث مغيرة بخط طري كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها قلت فهذا الجرح قادح ولهذا لم يخرج عنه أبو داود شيئا وأكثر عنه بن ماجة والله الموفق "ع" يعلى بن عبيد الطنافسي أحد الثقات قدمه أحمد على أخيه محمد بن عبيد في الحفظ وقال ابن معين ثقة زاد في رواية عثمان الدارمي عنه ضعيف في سفيان الثوري وقال أبو حاتم صدوق وهو أثبت أولاد أبيه ووثقه بن سعد والدارقطني وآخرون قلت ماله في الصحيحين عن سفيان الثوري شيء واحتج به الجماعة "ع" يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي وقد ينسب إلى جده قال ابن عيينة لم يكن في ولد أبي إسحاق أحفظ منه وقال ابن حبان في الثقات مستقيم الحديث قليله ووثقه الدارقطني وقال العقيلي لما ذكره في الضعفاء يخالف في حديثه قلت وهذا جرح مردود وقد احتج به الجماعة "خ م" يوسف بن يزيد البصري أبو معشر البراء كان يبري النبل قال علي بن الجنيد عن محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا أبو معشر البراء وكان ثقة وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال ابن معين ضعيف وذكره بن حبان في الثقات قلت له في البخاري ثلاثة أحاديث أحدها عن عبيد الله بن الأخنس عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس في قصة الرقية بفاتحة الكتاب وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري والآخر عن سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية وقد تقدم ذكره في ترجمته بشاهده والثالث عن عثمان عن عكرمة عن ابن عباس في الحج أورده بصيغة التعليق فقال قال أبو كامل حدثنا أبو معشر عن عثمان فذكره وهو موقوف وبعضه مرفوع ولأكثره شواهد وليس له عند مسلم سوى حديث واحد عن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ في صوم يوم عاشوراء وهذا جميع ماله في الصحيحين وما له في السنن الأربعة شيء "خ ت س ق" يونس بن أبي القرات البصري وثقه أبو داود والنسائي وقال ابن الجنيد
عن ابن معين ليس به بأس وهذا توثيق من بن معين وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه أرجو أن يكون ثقة وأمابن عدي فذكره في ترجمة سعيد بن أبي عروبة وقال ليس بالمشهور وما أدري ما أراد بالشهرة وقد روى عنه هشام الدستوائي رفيقه ومحمد بن بكر البرساني ومحمد بن مروان العقيلي ووثقه من ذكرنا وقال ابن سعد كان معروفا وشذ بن حبان فقال لا يجوز أن يحتج به لغلبة المناكير في روايته قلت مما له في البخاري وفي السنن سوى حديثه عن قتادة عن أنس قال "ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان" وقد قال الترمذي أن سعيد بن أبي عروبة روى عن قتادة نحو هذا الحديث والله أعلم "خ" يونس بن القاسم الحنفي أبو عمر اليمامي وثقه يحيى بن معين والدارقطني وقال البرديجي منكر الحديث قلت أوردت هذا لئلا يستدرك وإلا فمذهب البرديجي أن المنكر هو الفرد سواء تفرد به ثقة أو غير ثقة فلا يكون قوله: "منكر الحديث جرحا بينا كيف وقد وثقه يحيى بن معين وما له في البخاري سوى حديثه عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في النهي عن المخابرة وهو عنده من طرق غير هذه عن أنس "ع" يونس بن يزيد الأيلي صاحب الزهري قال ابن أبي حاتم عن عباس الدوري قال قال ابن معين أثبت الناس في الزهري مالك ومعمر ويونس وعقيل وشعيب وقال عثمان الدارمي عن أحمد بن صالح نحن لا نقدم على يونس في الزهري أحدا قال وسمعت أحمد بن حنبل يقول سمعت أحاديث يونس عن الزهري فوجدت الحديث الواحد ربما سمعه مرارا وكان الزهري إذا قدم أيلة نزل عليه وقال علي بن المديني عن ابن مهدي كأن ابن المبارك يقول كتابه عن الزهري صحيح قال ابن مهدي وكذا أقول وقال أحمد بن حنبل قال وكيع كان سيء الحفظ وقال الميموني سئل أحمد من أثبت في الزهري قال معمر قيل فيونس قال روى أحاديث منكرة وقال الأثرم عن أحمد كان يجيء بأشياء يعني منكرة ورأيته يحمل عليه وقال أبو زرعة الدمشقي سمعت أحمد يقول في حديث يونس منكرات وقال ابن سعد كان كثير الحديث وليس بحجة وربما جاء بالشيء المنكر قلت وثقه الجمهور مطلقا وإنما ضعفوا بعض روايته حيث يخالف أقرانه أو يحدث من حفظه فإذا حدث من كتابه فهو حجة قال ابن البرقي سمعت بن المديني يقول أثبت الناس في الزهري مالك وابن عيينة ومعمر وزياد بن سعد ويونس من كتابه وقد وثقه أحمد مطلقا وابن معين والعجلي والنسائي ويعقوب بن شيبة والجمهور واحتج به الجماعة "ع" أبو بكر بن عياش الأسدي الكوفي القاري مختلف في اسمه والصحيح أنه لا اسم له إلا كنيته قال أحمد ثقة وربما غلط وقال أبو نعيم لم يكن في شيوخنا أكثر غلطا منه وسئل أبو حاتم عنه وعن شريك فقال هما في الحفظ سواء غير أن أبا بكر أصح كتابا وذكره بن عدي في الكامل وقال لم أجد له حديثا منكرا من رواية الثقات عنه وقال ابن حبان كان يحيى القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه وذلك أنه لما كبر ساء حفظه فكان يهم وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا عالما بالحديث إلا أنه كثير الغلط وقال العجلي كان ثقة صاحب سنة وكان يخطىء بعض الخطأ وقال يعقوب بن شيبة كان له فقه وعلم ورواية وفي حديثه اضطراب قلت لم يرو له مسلم إلا شيئا في مقدمة صحيحه وروى له البخاري أحاديث منها في الحج بمتابعة الثوري عن عبد العزيز عن أنس في صلاة الظهر والعصر بمنى يوم التروية ومنها في الصوم بمتابعة بن عيينة وآخرين عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن أبي أوفى في الفطر عند غروب الشمس ومنها في الفتن حديثه عن أبي حصين عن أبي مريم الأسدي عن عمار أنه قال في عائشة هي زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة وفي الحديث قصة ومنها في التفسير بمتابعة جرير وغيره عن حصين عن عمرو بن ميمون عن عمر في قصة قتله وقصة الشورى "ع" أبو بكر بن أبي موسى الأشعري تابعي جليل قال أبو داود كان عندهم أرضى من أبي بردة وكذا قال أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق وقال العجلي كوفي تابعي ثقة وقال ابن سعد كان أكبر من أخيه أبي بردة وكان قليل الحديث يستضعف قلت هذا جرح مردود وقد أخرج له الشيخان من روايته عن أبيه أحاديث وقد قال عبد الله بن أحمد سألت أبي أسمع أبو بكر من أبيه فقال لا وقال الآجري عن أبي داود أراه قد سمع منه قلت صرح بسماعه منه في روايته
فصل
في سياق من علق البخاري شيئا من أحاديثهم ممن تكلم فيه وما يعلقه البخاري من أحاديث هؤلاء إنما يورده في مقام الاستشهاد وتكثير الطرق فلو كان ما قيل فيهم قادحا ما ضر ذلك وقد أوردت أسماءهم سردا مقتصرا على الإشارة إلى أحوالهم بخلاف من أخرج أحاديثهم بصورة الاتصال الذين فرغنا منهم فقد وضح من تفاصيل أحوالهم ما فيه غنى للمتأمل ولاح من تمييز المقالات فيهم ومقدار ما أخرج المؤلف لكل منهم ما ينفي عنه وجوه الطعن للمتعنت والحول والقوة لله تعالى "خ ت ع" أبان ابن صالح وثقه الجمهور ويحيى بن معين وأبو حاتم وغيرهم من النقاد وشذ بن عبد البر فقال ضعيف له مواضع متابعة "خ م د س" أبان ابن يزيد العطار علق له كثيرا وقد تقدم "ق" إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري ضعيف عندهم علق له موضعا واحدا "د س" إبراهيم بن ميمون الصائغ ثقة قال أبو حاتم لا يحتج به وله موضع في الطلاق معلق "م ع" أسامة بن زيد الليثي مختلف فيه وعلق له البخاري قليلا "م ع" أسباط بن نصر الهمداني ضعفه أحمد وغيره وله موضع معلق في الاستسقاء "ت ع" إسحاق بن يحيى الكلبي قال الذهلي مجهول وله عنده مواضع يسيرة متابعة "د س" أسد بن موسى الأموي المعروف بأسد السنة وثقوه وأشار النسائي إلى خطئه وليس له عند البخاري سوى موضع واحد خت "ع" أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني وقد ينسب إلى جده وثقه يحيى بن معين وغيره وقال العقيلي في حديثه وهم له موضع واحد عن أنس خت "ع" أشعث بن عبد الملك الحمراني وثقه يحيى بن معين أيضا وذكره بن عدي في الضعفاء وله مواضع يسيرة معلقة حب ق بشر بن ثابت البزار مختلف فيه وله موضع واحد معلق في الجمعة خت م "ع" بقية بن الوليد مشهور مختلف فيه وله موضع معلق في الصلاة "د ت ق" بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة ضعفه بن معين وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به وله موضع واحد معلق في الفتن "ع" بهز بن حكيم القشيري وثقه بن معين وقال أبو حاتم لا يحتج به وله موضع واحد معلق في الطهارة "م د ت" الحارث بن عبيد أبو قدامة مشهور بكنيته وباسمه ضعفه بن معين وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به له موضعان فقط "ع" الحارث بن عمير المكي أصله من البصرة وثقه الجمهور وشذ الأزدي فضعفه وتبعه الحاكم وبالغ بن حبان فقال إن أحاديثه موضوعة وليس له في الصحيح سوى موضع واحد في أواخر الحج وهي زيادة في خبر توبع عليها في الصحيح أيضا "ت ق" حريث بن أبي مطر الفزاري ضعفه النسائي وآخرون وليس له سوى موضع في الأضاحي متابعة م "ع" الحسن بن صالح بن حي أحد الأئمة تكلم فيه للتشيع وما له في البخاري سوى حكاية معلقة "ت ق" الحسن بن عمارة كوفي مشهور بالضعف علم له المزي علامة التعليق ولم
يعلق له البخاري شيئا كما بيناه فيما مضى "م ء ا" الحسين بن واقد المزوري وثقه يحيى بن معين وآخرون واختلف فيه قول أحمد وله موضع واحد في فضائل القرآن "ء ا" حكيم بن معاوية والد بهز وثقه العجلي وغيره وهذا بن حزم فضعفه وما له إلا في موضعان في الطهارة والنكاح خت حماد بن الجعد البصري ضعفه أبو داود وغيره وما له سوى موضع واحد بمتابعة شعبة عن قتادة "ع" حماد بن سلمة تقدم "د ق" الربيع بن صبيح السعدي مختلف فيه له موضع واحد في الكفارات "م ء ا" سعد بن سعيد الأنصاري أخو يحيى بن سعيد وثقه العجلي وغيره وضعفه أحمد وغيره وقال الترمذي تكلموا فيه من قبل حفظه وقال ابن عدي لا أرى به بأسا وله موضع واحد في الزكاة "د ت" سعيد بن داود الزبيري من الرواة عن مالك ضعفه بن المديني وغيره وله موضع واحد في التوحيد متابعة خت سعيد بن زياد الأنصاري قال أبو حاتم مجهول له موضع في الأحكام متابعة "م د ت ق" سعيد بن زيد بن درهم أخو حماد بن زيد له موضع واحد في الطهارة وقال أحمد وغيره لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوي "م ء ا" سفيان ابن حسين الواسطي ضعفه أحمد بن حنبل وغيره في الزهري وقووه في غيره علق له يسيرا "م ء ا" سليمان ابن داود الطيالسي ثقة مشهور حافظ أخطأ في أحاديثه علق له أحاديث قليلة وقال في الفتن حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وغيره فذكر حديثا وهو أبو داود كما مضى "د خ ت س" سليمان ابن قرم الضبي قال أبو حاتم ليس بالمتين وضعفه النسائي له موضع واحد متابعة "م ء ا" سماك بن حرب الكوفي تابعي مشهور مختلف فيه وقد ضعفوا أحاديثه عن عكرمة وما له سوى موضع واحد في الكفارات متابعة س قسلامة بن روح بن عم عقيل ضعفه أبو زرعة وله موضعان في الحج والجنائز متابعة "م د ء ا" شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي مختلف فيه وما له سوى موضع في الجنائز "م ء" اصالح بن رستم أبو عامر الخزاز البصري وثقه أبو داود وضعفه يحيى بن معين وله موضع يسيرة في المتابعات "م ء ا" عاصم بن كليب الجرمي وثقه النسائي وقال ابن المديني لا يحتج بما تفرد به وله موضع واحد في اللباس "ء ا" عباد بن منصور الباجي فيه ضعف وكان يدلس له موضع معلق في الطب "د س" عبد الله بن يزيد الخزاعي ويقال الليثي من أصحاب الزهري له موضع متابعة "م ء ا" عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الجرمي المدني وثقة أحمد وابن معين وغيرهما وروى بن أبي خيثمة عن ابن معين صدوق ليس بثبت له موضع واحد في الصلح متابعة ء اعبد الله بن حسين الأزدي أبو حريز البصري قاضي سجستان وثقه أبو زرعة واختلف فيه قول يحيى بن معين وضعفه النسائي له موضع في الشهادات متابعة "د ت ق" عبد الله بن صالح أبو صالح كاتب الليث أكثر من التعليق عنه وقد تقدم "م ء ا" عبد الله بن عثمان ابن خثيم المكي مختلف فيه له موضع في الحج متابعة "د س" عبد الله بن الوليد العدني نزيل مكة قال أبو زرعة صدوق وقال أبو حاتم لا يحتج به له مواضع في المتابعات "م ء ا" عبد الحميد بن جعفر الأنصاري وثقوه وقال النسائي مرة ليس بالقوي وقال الساجي إنما ضعف من أجل القدر له مواضع متابعة "ت ق" عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين كاتب الأوزاعي وثقه الأكثر وقال النسائي ليس بالقوي له مواضع متابعة خت "م ء ا" عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني وثقه العجلي ويعقوب بن شيبة وقال أبو داود عن ابن معين كان أثبت الناس في هشام بن عروة وحكى الساجي عن ابن معين أن حديثه عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة حجة وقال ابن المديني أفسده البغداديون وحديثه بالمدينة أصح وقال أبو حاتم

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 03:25 AM
صاحب المال لأن السلطان قائم مقامه، وأما الحج فإنما ينصرف إلى فرض من حج عن غيره لدليل خاص وهو حديث ابن عباس في قصة شبرمة، وأما الصوم فأشار به إلى خلاف من زعم أن صيام رمضان لا يحتاج إلى نية لأنه متميز بنفسه كما نقل عن زفر. وقدم المصنف الحج على الصوم تمسكا بما ورد عنده في حديث: "بني الإسلام " وقد تقدم. قوله: "والأحكام" أي المعاملات التي يدخل فيها الاحتياج إلى المحاكمات فيشمل البيوع والأنكحة والأقارير وغيرها، وكل صورة لم يشترط فيها النية فذاك لدليل خاص، وقد ذكر ابن المنير ضابطا لما يشترط فيه النية مما لا يشترط فقال: كل عمل لا تظهر له فائدة عاجلة بل المقصود به طلب الثواب فالنية مشترطة فيه، وكل عمل ظهرت فائدته ناجزة وتعاطته الطبيعة قبل الشريعة لملائمة بينهما فلا تشترط النية فيه إلا لمن قصد بفعله معنى آخر يترتب عليه الثواب. قال: وإنما اختلف العلماء في بعض الصور من جهة تحقيق مناط التفرقة قال: وأما ما كان من المعاني المحضة كالخوف والرجاء فهذا لا يقال باشتراط النية فيه، لأنه لا يمكن أن يقع إلا منويا. ومتى فرضت النية مفقودة فيه استحالت حقيقته، فالنية فيه شرط عقلي، ولذلك لا تشترط النية للنية فرارا من التسلسل. وأما الأقوال فتحتاج إلى النية في ثلاثة مواطن: أحدها التقرب إلى الله فرارا من الرياء، والثاني التمييز بين الألفاظ المحتملة لغير المقصود، والثالث قصد الإنشاء ليخرج سبق اللسان. قوله: "وقال الله" قال الكرماني: الظاهر أنها جملة حالية لا عطف، أي والحال أن الله قال. ويحتمل أن تكون للمصاحبة، أي مع أن الله قال. قوله: "على نيته" تفسير منه لقوله: "على شاكلته" بحذف أداة التفسير، وتفسير الشاكلة بالنية صح عن الحسن البصري ومعاوية بن قرة المزني وقتادة أخرجه عبد بن حميد والطبري عنهم، وعن مجاهد قال: الشاكلة الطريقة أو الناحية، وهذا قول الأكثر، وقيل الدين. وكلها متقاربة. قوله: "ولكن جهاد ونية" هو طرف من حديث لابن عباس أوله " لا هجرة بعد الفتح " وقد وصله المؤلف في الجهاد وغيره من طريق طاوس عنه، وسيأتي.قوله (الأعمال بالنية)كذا أورده من رواية مالك بحذف "إنما" من أوله وقد رواه مسلم عن القعنبي وهو عيد الله بن مسلمة المذكور هنا بإثباتها وتقدم الكلام على نكت من هذا الحديث أول الكتاب
55- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ".
56- حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَي امْرَأَتِكَ" .
قوله: "عبد الله بن يزيد" هو الخطمي بفتح المعجمة وسكون الطاء المهملة، وهو صحابي أنصاري روى عن صحابي أنصاري، وسيأتي ذكر أبي مسعود المذكور في باب من شهد بدرا من المغازي، ويأتي الكلام على حديثه في كتاب النفقات إن شاء الله تعالى. والمقصود منه في هذا الباب قوله: "يحتسبها " قال القرطبي: أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواء كانت واجبة أو مباحة، وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر، لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة لأنها معقولة المعنى، وأطلق الصدقة على النفقة مجازا والمراد بها الأجر، والقرينة
الصارفة عن الحقيقة الإجماع على جواز النفقة على الزوجة الهاشمية التي حرمت عليها الصدقة. قوله: "إنك" الخطاب لسعد، والمراد هو ومن يصح منه الإنفاق. قوله: "وجه الله" أي ما عند الله من الثواب. قوله: "إلا أجرت" يحتاج إلى تقدير لأن الفعل لا يقع استثناء. قوله: "حتى": هي عاطفة وما بعدها منصوب المحل، وما: موصولة والعائد محذوف. قوله: "في فم امرأتك" وللكشميهني: "في في امرأتك " وهي رواية الأكثر، قال القاضي عياض: هي أصوب لأن الأصل حذف الميم بدليل جمعه على أفواه وتصغيره على فويه. قال: وإنما يحسن إثبات الميم عند الإفراد وأما عند الإضافة فلا إلا في لغة قليلة ا هـ. وهذا طرف من حديث سعد بن أبي وقاص في مرضه بمكة وعيادة النبي صلى الله عليه وسلم له وقوله: "أوصى بشطر مالي " الحديث. وسيأتي الكلام عليه في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى، والمراد منه هنا قوله: "تبتغي - أي تطلب - بها وجه الله " واستنبط منه النووي أن الحظ إذا وافق الحق لا يقدح في ثوابه لأن وضع اللقمة في في الزوجة يقع غالبا في حالة المداعبة، ولشهوة النفس في ذلك مدخل ظاهر. ومع ذلك إذا وجه القصد في تلك الحالة إلى ابتغاء الثواب حصل له بفضل الله. قلت: وجاء ما هو أصرح في هذا المراد من وضع اللقمة، وهو ما أخرجه مسلم عن أبي ذر فذكر حديثا فيه: "وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر؟ قال: نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام؟ " قال: وإذا كان هذا بهذا المحل - ما فيه من حظ النفس - فما الظن بغيره مما لا حظ للنفس فيه؟ قال: وتمثيله باللقمة مبالغة في تحقيق هذه القاعدة، لأنه إذا ثبت الأجر في لقمة واحدة لزوجة غير مضطرة فما الطن بمن أطعم لقما لمحتاج، أو عمل من الطاعات ما مشقته فوق مشقة ثمن اللقمة الذي هو من الحقارة بالمحل الأدنى اهـ. وتمام هذا أن يقال: وإذا كان هذا في حق الزوجة مع مشاركة الزوج لها في النفع بما يطعمها لأن ذلك يؤثر في حسن بدنها وهو ينتفع منها بذلك، وأيضا فالأغلب أن الإنفاق على الزوجة يقع بداعية النفس، بخلاف غيرها فإنه يحتاج إلى مجاهدتها. والله أعلم.
[الحديث53- أطرافه في: 7556,7266,6176,4369,4368,3510,3095,1398,523,87]
[الحديث 55- طرفاه في: 5351,4006]
[الحديث 56- أطرافه في: 6733,6372,5668,5659,5354,4409,3936,2744,2742,1295]

42- باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"
وَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}
57- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".
[الحديث57- أطرافه في: 7204,275,2714,2157,1401,524,]
قوله: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الدين: النصيحة " هذا الحديث أورده المصنف هنا ترجمة باب، ولم يخرجه مسندا في هذا الكتاب لكونه على غير شرطه، ونبه بإيراده على صلاحيته في الجملة، وما أورده من الآية وحديث جرير يشتمل على ما تضمنه، وقد أخرجه مسلم: حدثنا محمد بن عباد حدثنا سفيان قال قلت لسهيل بن أبي صالح: إن عمرا حدثنا عن القعقاع عن أبيك بحديث، ورجوت أن تسقط عني رجلا - أي فتحدثني به عن أبيك - قال فقال

سمعته من الذي سمعه منه أبي، كان صديقا له بالشام، وهو عطاء بن يزيد عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة". قلنا: لمن؟ قال: لله عز وجل " الحديث رواه مسلم أيضا من طريق روح بن القاسم قال حدثنا سهيل عن عطاء بن يزيد أنه سمعه وهو يحدث أبا صالح فذكره، ورواه ابن خزيمة من حديث جرير عن سهيل أن أباه حدث عن أبي هريرة بحديث: "إن الله يرضى لكم ثلاثا " الحديث. قال فقال عطاء بن يزيد: سمعت تميما الداري يقول. فذكر حديث النصيحة. وقد روى حديث النصيحة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، وهو وهم من سهيل أو ممن روى عنه لما بيناه، قال البخاري في تاريخه: لا يصح إلا عن تميم. ولهذا الاختلاف على سهيل لم يخرجه في صحيحه، بل لم يحتج فيه بسهيل أصلا. وللحديث طرق دون هذه في القوة، منها ما أخرجه أبو يعلى من حديث ابن عباس والبزار من حديث ابن عمر، وقد بينت جميع ذلك في " تعليق التعليق". قوله: "الدين: النصيحة" يحتمل أن يحمل على المبالغة، أي معظم الدين النصيحة، كما قيل في حديث: "الحج عرفة"، ويحتمل أن يحمل على ظاهره لأن كل عمل لم يرد به عامله الإخلاص فليس من الدين. وقال المازري: النصيحة مشتقة من نصحت العسل إذا صفيته، يقال: نصح الشيء إذا خلص، ونصح له القول إذا أخلصه له. أو مشتقة من النصح وهي الخياطة بالمنصحة وهي الإبرة، والمعنى أنه يلم شعث أخيه بالنصح كما تلم المنصحة، ومنه التوبة النصوح، كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه. قال الخطابي: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له، وهي من وجيز الكلام، بل ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفي بها العبارة عن معنى هذه الكلمة. وهذا الحديث من الأحاديث التي قيل فيها إنها أحد أرباع الدين، وممن عده فيها الإمام محمد بن أسلم الطوسي. وقال النووي: بل هو وحده محصل لغرض الدين كله، لأنه منحصر في الأمور التي ذكرها: فالنصيحة لله وصفه بما هو له أهل، والخضوع له ظاهرا وباطنا، والرغبة في محابه بفعل طاعته، والرهبة من مساخطة بترك معصيته، والجهاد في رد العاصين إليه. وروى الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة صاحب على قال: قال الحواريون لعيسى عليه السلام: يا روح الله من الناصح لله؟ قال: الذي يقدم حق الله على حق الناس. والنصيحة لكتاب الله تعلمه، وتعليمه، وإقامة حروفه في التلاوة، وتحريرها في الكتابة، وتفهم معانيه، وحفظ حدوده، والعمل بما فيه، وذب تحريف المبطلين عنه. والنصيحة لرسوله تعظيمه، ونصره حيا وميتا، وإحياء سنته بتعلمها وتعليمها، والاقتداء به في أقواله وأفعاله، ومحبته ومحبة أتباعه. والنصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حملوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسد خلتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن. ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد، وتقع النصيحة لهم ببث علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الظن بهم. والنصيحة لعامة المسلمين الشفقة عليهم، والسعي فيما يعود نفعه عليهم، وتعليمهم ما ينفعهم، وكف وجوه الأذى عنهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه. وفي الحديث فوائد أخرى: منها أن الدين يطلق على العمل لكونه سمي النصيحة دينا، وعلى هذا المعنى بنى المصنف أكثر كتاب الإيمان، ومنها جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب من قوله: "قلنا لمن "؟ ومنها رغبة السلف في طلب علو الإسناد، وهو مستفاد من قصة سفيان مع سهيل. قوله: "عن جرير بن عبد الله" هو البجلي بفتح الجيم، وقيس الراوي عنه وإسماعيل الراوي عن قيس بجليان أيضا، وكل منهم يكنى أبا عبد الله، وكلهم كوفيون. قوله: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال القاضي عياض: اقتصر على الصلاة والزكاة لشهرتهما، ولم يذكر
الصوم وغيره لدخول ذلك في السمع والطاعة. قلت: زيادة السمع والطاعة وقعت عند المصنف في البيوع من طريق سفيان عن إسماعيل المذكور، وله في الأحكام، ولمسلم من طريق الشعبي عن جرير قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فلقنني " فيما استطعت، والنصح لكل مسلم: " ورواه ابن حبان من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده وزاد فيه: فكان جرير إذا اشترى شيئا أو باع يقول لصاحبه: اعلم أن ما أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناكه فاختر. وروى الطبراني في ترجمته أن غلامه اشترى به فرسا بثلاثمائة، فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال: إن فرسك خير من ثلاثمائة، فلم يزل يزيده حتى أعطاه ثمانمائة. قال القرطبي: كانت مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بحسب ما يحتاج إليه من تجديد عهد أو توكيد أمر، فلذلك اختلفت ألفاظهم. وقوله: فيما استطعت رويناه بفتح التاء وضمها، وتوجيههما واضح، والمقصود بهذا التنبيه على أن اللازم من الأمور المبايع عليها هو ما يطاق، كما هو المشترط في أصل التكليف، ويشعر الأمر بقول ذلك اللفظ حال المبايعة بالعفو عن الهفوة وما يقع عن خطأ وسهو. والله أعلم.
58-حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ "سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمْ الْآنَ ثُمَّ قَالَ اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَشَرَطَ عَلَيَّ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ".
قوله: "سمعت جرير بن عبد الله" المسموع من جرير حمدا لله والثناء عليه، فالتقدير: سمعت جريرا حمدا لله، والباقي شرح للكيفية. قوله: "يوم مات المغيرة بن شعبة" كان المغيرة واليا على الكوفة في خلافة معاوية، وكانت وفاته سنة خمسين من الهجرة، واستناب عند موته ابنه عروة، وقيل استناب جرير المذكور، ولهذا خطب الخطبة المذكورة، حكى ذلك العلاني في أخبار زياد. والوقار: بالفتح الرزانة، والسكينة: السكون. ىوإنما أمرهم بذلك مقدما لتقوى الله، لأن الغالب أن وفاة الأمراء تؤدي إلى الاضطراب والفتنة، ولا سيما ما كان عليه أهل الكوفة إذ ذاك من مخالفة ولاة الأمور. قوله: "حتى يأتيكم أمير" أي بدل الأمير الذي مات. ومفهوم الغاية هنا، وهو أن المأمور به ينتهي بمجيء الأمير ليس مرادا، بل يلزم ذلك بعد مجيء الأمير بطريق الأولى، وشرط اعتبار مفهوم المخالفة أن لا يعارضه مفهوم الموافقة. قوله: "الآن" أراد به تقريب المدة تسهيلا عليهم، وكان كذلك، لأن معاوية لما بلغه موت المغيرة كتب إلى نائبه على البصرة وهو زياد أن يسير إلى الكوفة أميرا عليها. قوله: "استعفوا لأميركم" أي اطلبوا له العفو من الله، كذا في معظم الروايات بالعين المهملة. وفي رواية ابن عساكر: "استغفروا " بغين معجمة وزيادة راء وهي رواية الإسماعيلي في المستخرج. قوله: "فإنه كان يحب العفو" فيه إشارة إلى أن الجزاء يقع من جنس العمل. قوله: "قلت أبايعك" ترك أداة العطف إما لأنه بدل من أتيت أو استئناف. قوله: "والنصح" بالخفض عطفا على الإسلام، ويجوز نصبه عطفا على مقدر، أي شرط على الإسلام والنصيحة، وفيه دليل على كمال شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: "على هذا" أي على ما ذكر. قوله: "ورب هذا المسجد" مشعر بأن خطبته كانت في المسجد، ويجوز أن يكون أشار إلى جهة المسجد الحرام، ويدل عليه رواية الطبراني بلفظ: "ورب الكعبة " وذكر ذلك للتنبيه على شرف المقسم به ليكون أدعى للقبول. قوله: "لناصح" إشارة إلى أنه وفي بما بايع عليه الرسول، وأن كلامه خالص عن الغرض. قوله: "ونزل" مشعر بأنه خطب على المنبر، أو المراد قعد لأنه في مقابلة قوله: قام فحمد الله تعالى. "فائدة": التقييد بالمسلم للأغلب، وإلا فالنصح للكافر معتبر بأن يدعى إلى الإسلام ويشار عليه بالصواب إذا استشار. واختلف العلماء في البيع على بيعه ونحو ذلك فجزم أحمد أن ذلك يختص بالمسلمين واحتج بهذا الحديث. "فائدة أخرى": ختم البخاري كتاب الإيمان بباب النصيحة مشيرا إلى أنه عمل بمقتضاه في الإرشاد إلى العمل بالحديث الصحيح دون السقيم، ثم ختمه بخطبة جرير المتضمنة لشرح حاله في تصنيفه فأومأ بقوله: "فإنما يأتيكم الآن " إلى وجوب التمسك بالشرائع حتى يأتي من يقيمها، إذ لا تزال طائفة منصورة، وهم فقهاء أصحاب الحديث. وبقوله: "استعفوا لأميركم " إلى طلب الدعاء له لعمله الفاضل. ثم ختم بقول " استغفر ونزل " فأشعر بختم الباب. ثم عقبه بكتاب العلم لما دل عليه حديث النصيحة أن معظمها يقع بالتعلم والتعليم.
"خاتمة": اشتمل كتاب الإيمان ومقدمته من بدء الوحي من الأحاديث المرفوعة على أحد وثمانين حديثا بالمكرر منها في بدء الوحي خمسة عشر، وفي الإيمان ستة وستون، المكرر منها ثلاثة وثلاثون، منها في المتابعات بصيغة المتابعة أو التعليق اثنان وعشرون، في بدء الوحي ثمانية، وفي الإيمان أربعة عشر، ومن الموصول المكرر ثمانية، ومن التعليق الذي لم يوصل في مكان آخر ثلاثة، وبقية ذلك وهي ثمانية وأربعون حديثا موصولة بغير تكرير. وقد وافقه مسلم على تخريجها إلا سبعة وهي: الشعبي عن عبد الله بن عمرو في: المسلم والمهاجر، والأعرج عن أبي هريرة في: حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وابن أبي صعصعة عن أبي سعيد في: الفرار من الفتن، وأنس عن عبادة في ليلة القدر، وسعيد عن أبي هريرة في: الدين يسر، والأحنف عن أبي بكرة في القاتل والمقتول، وهشام عن أبيه عن عائشة في: أنا أعلمكم بالله. وجميع ما فيه من الموقوفات على الصحابة والتابعين ثلاثة عشر أثرا معلقة، غير أثر ابن الناطور فهو موصول. وكذا خطبة جرير التي ختم بها كتاب الإيمان. والله أعلم.


كتاب العلم
باب فضل العلم
...
1- باب فَضْلِ الْعِلْمِ
2- وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}
قوله: "كتاب العلم. بسم الله الرحمن الرحيم. باب فضل العلم" هكذا في رواية الأصيلي وكريمة وغيرهما. وفي رواية أبي ذر تقديم البسملة، وقد قدمنا توجيه ذلك في كتاب الإيمان. وليس في رواية المستملي لفظ باب ولا في رواية رفيقه لفظ كتاب العلم. "فائدة": قال القاضي أبو بكر بن العربي: بدأ المصنف بالنظر في فضل العلم قبل النظر في حقيقته، وذلك لاعتقاده أنه في نهاية الوضوح فلا يحتاج إلى تعريف، أو لأن النظر في حقائق الأشياء

القديمة، فإنهم يبدؤون بفضيلة المطلوب للتشويق إليه إذا كانت حقيقته مكشوفة معلومة. وقد أنكر ابن العربي في شرح الترمذي على من تصدى لتعريف العلم وقال: هو أبين من أن يبين. قلت: وهذه طريقة الغزالي وشيخه الإمام أن العلم لا يحد لوضوحه أو لعسره. قوله: "وقول الله عز وجل" ضبطناه في الأصول بالرفع عطفا على كتاب أو على الاستئناف. قوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} قيل في تفسيرها: يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم. ورفعة الدرجات تدل على الفضل، إذ المراد به كثرة الثواب، وبها ترتفع الدرجات، ورفعتها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت، والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة. وفي صحيح مسلم عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي - وكان عامل عمر على مكة - أنه لقيه بعسفان فقال له: من استخلفت؟ فقال: استخلفت ابن أبزى مولى لنا. فقال عمر: استخلفت مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض. فقال عمر: أما إن نبيكم قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين". وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى :{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} قال بالعلم. قوله: "وقوله عز وجل :{رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} واضح الدلالة في فضل العلم، لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم، والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر عباداته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائض، ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه، وقد ضرب هذا الجامع الصحيح في كل من الأنواع. الثلاثة بنصيب، فرضي الله عن مصنفه، وأعاننا على ما تصدينا له من توضيحه بمنه وكرمه. فإن قيل: لم لم يورد المصنف في هذا الباب شيئا من الحديث؟ فالجواب أنه إما أن يكون اكتفى بالآيتين الكريمتين، وإما بيض له ليلحق فيه ما يناسبه فلم يتيسر، وإما أورد فيه حديث ابن عمر الآتي بعد باب رفع العلم ويكون وضعه هناك من تصرف بعض الرواة، وفيه نظر على ما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى. ونقل الكرماني عن بعض أهل الشام أن البخاري بوب الأبواب وترجم التراجم وكتب الأحاديث وربما بيض لبعضها ليلحقه. وعن بعض أهل العراق أنه تعمد بعد الترجمة عدم إيراد الحديث إشارة إلى أنه لم يثبت فيه شيء عنده على شرطه. قلت: والذي يظهر لي أن هذا محله حيث لا يورد فيه آية أو أثرا. أما إذا أورد آية أو أثرا فهو إشارة منه إلى ما ورد في تفسير تلك الآية، وأنه لم يثبت فيه شيء على شرطه، وما دلت عليه الآية كاف في الباب، وإلى أن الأثر الوارد في ذلك يقوي به طريق المرفوع وإن لم يصل في القوة إلى شرطه. والأحاديث في فضل العلم كثيرة، صحح مسلم منها حديث أبي هريرة رفعه: "من التمس طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة". ولم يخرجه البخاري لأنه اختلف فيه على الأعمش، والراجح أنه بينه وبين أبي صالح فيه واسطة. والله أعلم.


2- باب مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ
59- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ح و حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ "بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ


اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ "أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ" قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "فَإِذَا ضُيِّعَتْ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ" قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ "إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ".
قوله: "باب من سئل علما وهو مشتغل" محصله التنبيه على أدب العالم والمتعلم، أما العالم فلما تضمنه من ترك زجر السائل، بل أدبه بالإعراض عنه أولا حتى استوفى ما كان فيه، ثم رجع إلى جوابه فرفق به لأنه من الأعراب وهم جفاة. وفي العناية جواب سؤال السائل ولو لم يكن السؤال متعينا ولا الجواب، وأما المتعلم فلما تضمنه من أدب السائل أن لا يسأل العالم وهو مشتغل بغيره لأن حق الأول مقدم. ويؤخذ منه أخذ الدروس على السبق، وكذلك الفتاوى والحكومات ونحوها. وفيه مراجعة العالم إذا لم يفهم ما يجيب به حتى يتضح، لقوله: "كيف إضاعتها، وبوب عليه ابن حبان: "إباحة إعفاء المسئول عن الإجابة على الفور " ولكن سياق القصة يدل على أن ذلك ليس على الإطلاق، وفيه إشارة إلى أن العلم سؤال وجواب، ومن ثم قيل حسن السؤال نصف العلم، وقد أخذ بظاهر هذه القصة مالك وأحمد وغيرهما في الخطبة فقالوا: لا نقطع الخطبة لسؤال سائل، بل إذا فرغ نجيبه. وفصل الجمهور بين أن يقع ذلك في أثناء واجباتها فيؤخر الجواب، أو في غير الواجبات فيجيب. والأولى حينئذ التفصيل، فإن كان مما يهتم به في أمر الدين، ولا سيما إن اختص بالسائل فيستحب إجابته ثم يتم الخطبة، وكذا بين الخطبة والصلاة، وإن كان بخلاف ذلك فيؤخر، وكذا قد يقع في أثناء الواجب ما يقتضي تقديم الجواب، لكن إذا أجاب استأنف على الأصح، ويؤخذ ذلك كله من اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك، فإن كان السؤال من الأمور التي ليست معرفتها على الفور مهمة فيؤخر كما في هذا الحديث، ولا سيما إن كان ترك السؤال عن ذلك أولى. وقد وقع نظيره في الذي سأل عن الساعة وأقيمت الصلاة، فلما فرغ من الصلاة قال: أين السائل؟ فأجابه. أخرجاه. وإن كان السائل به ضرورة ناجزة فتقدم إجابته، كما في حديث أبي رفاعة عند مسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب: رجل غريب لا يدري دينه جاء يسأل عن دينه، فترك خطبته وأتى بكرسي فقعد عليه فجعل يعلمه، ثم أتى خطبته فأتم آخرها. وكما في حديث سمرة عند أحمد أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب. وكما في الصحيحين في قصة سالم لما دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت ركعتين؟ الحديث، وسيأتي في الجمعة. وفي حديث أنس: كانت الصلاة تقام فيعرض الرجل فيحدث النبي صلى الله عليه وسلم حتى ربما نعس بعض القوم، ثم يدخل في الصلاة، وفي بعض طرقه وقوع ذلك بين الخطبة والصلاة. قوله: "فليح" بصيغة التصغير هو ابن سليمان أبو يحيى المدني، من طبقة مالك وهو صدوق، تكلم بعض الأئمة في حفظه، ولم يخرج البخاري من حديثه في الأحكام إلا ما توبع عليه. وأخرج له في المواعظ والآداب وما شاكلها طائفة من أفراده وهذا منها. وإنما أورده عاليا عن فليح بواسطة محمد بن سنان فقط ثم أورده نازلا بواسطة محمد بن فليح وإبراهيم بن المنذر عن محمد لأنه أورده في كتاب الرقاق عن محمد بن سنان فقط، فأراد أن يعيد هنا طريقا أخرى، ولأجل نزولها قرنها بالرواية الأخرى. وهلال بن علي يقال له هلال بن أبي
ـــــــ
(1) كذا في النسخ, وصوابه"سليك" كما في صحيح مسلم


ميمونة وهلال بن أبي هلال، فقد يظن ثلاثة وهو واحد، وهو من صغار التابعين، وشيخه في هذا الحديث من أوساطهم. قوله: "يحدث" هو خبر المبتدأ وحذف مفعوله الثاني لدلالة السياق عليه. والقوم الرجال. وقد يدخل فيه النساء تبعا. قوله: "جاء أعرابي" لم أقف على تسميته. قوله: "فمضى" أي استمر يحدثه، كذا في رواية المستملي والحموي بزيادة هاء، وليست في رواية الباقين، وإن ثبتت فالمعنى يحدث القوم الحديث الذي كان فيه وليس الضمير عائدا على الأعرابي. قوله: "فقال بعض القوم سمع ما قال" إنما حصل لهم التردد في ذلك لما ظهر من عدم التفات النبي صلى الله عليه وسلم إلى سؤاله وإصغائه نحوه، ولكونه كان يكره السؤال عن هذه المسألة بخصوصها، وقد تبين عدم انحصار ترك الجواب في الأمرين المذكورين، بل احتمل كما تقدم أن يكون أخره ليكمل الحديث الذي هو فيه، أو أخر جوابه ليوحي إليه به. قوله: "قال أين أراه السائل" بالرفع على الحكاية، وأراه بالضم أي أظنه، والشك من محمد بن فليح. ورواه الحسن بن سفيان وغيره عن عثمان بن أبي شيبة عن يونس بن محمد عن فليح ولفظه: "أين السائل " ولم يشك. قوله: "إذا وسد" أي أسند، وأصله من الوسادة، وكان من شأن الأمير عندهم إذا جلس أن تثنى تحته وسادة، فقوله وسد أي جعل له غير أهله وسادا، فتكون إلى بمعنى اللام وأتى بها ليدل على تضمين معنى أسند. ولفظ محمد بن سنان في الرقاق " إذا أسند " وكذا رواه يونس بن محمد وغيره عن فليح. ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم أن إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم، وذلك من جملة الأشراط ومقتضاه أن العلم ما دام قائما ففي الأمر فسحة. وكأن المصنف أشار إلى أن العلم إنما يؤخذ عن الأكابر، تلميحا لما روى عن أبي أمية الجمحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر " وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في الرقاق إن شاء الله تعالى.

3- بَاب مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعِلْمِ
60- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ "تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا
[الحديث 60- طرفاه في: 163,96]
قوله: "باب من رفع صوته بالعلم حدثنا أبو النعمان" زاد الكشميهني في رواية كريمة عنه: عارم بن الفضل، وعارم لقب، واسمه محمد كما تقدم في المقدمة. قوله: "ماهك" بفتح الهاء وحكى كسرها وهو غير منصرف عند الأكثرين للعلمية والعجمة، ورواه الأصيلي منصرفا فكأنه لحظ فيه الوصف. واستدل المصنف على جواز رفع الصوت بالعلم بقوله: "فنادى بأعلى صوته " وإنما يتم الاستدلال بذلك حيث تدعو الحاجة إليه لبعد أو كثرة جمع أو غير ذلك، ويلحق بذلك ما إذا كان في موعظة كما ثبت ذلك في حديث جابر " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة اشتد غضبه وعلا صوته. الحديث: "أخرجه مسلم. ولأحمد من حديث النعمان في معناه وزاد: "حتى لو أن رجلا بالسوق لسمعه " واستدل به أيضا على مشروعية إعادة الحديث ليفهم، وسيأتي الكلام على مباحث المتن في كتاب الوضوء إن شاء الله تعالى. قال ابن رشيد: في هذا التبويب رمز من المصنف إلى أنه يربد أن يبلغ الغاية في تدوين


هذا الكتاب بأن يستفرغ وسعه في حسن ترتيبه، وكذلك فعل رحمه الله تعالى.

باب قول المحدث "حدثنا " أو " أخبرنا " و " أنبأنا "
...
4 - باب قَوْلِ الْمُحَدِّثِ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا
وَقَالَ لَنَا الْحُمَيْدِيُّ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا وَسَمِعْتُ وَاحِدًا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ "حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ" وَقَالَ شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً" وَقَالَ حُذَيْفَةُ "حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ" وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ" وَقَالَ أَنَسٌ "عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ" وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ "عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ"
قوله: "باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا" قال ابن رشيد: أشار بهذه الترجمة إلى أنه بنى كتابه على المسندات المرويات عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: ومراده: هل هذه الألفاظ بمعنى واحد أم لا؟ وإيراده قول ابن عيينة دون غيره دال على أنه مختاره. قوله: "وقال الحميدي" في رواية كريمة والأصيلي: "وقال لنا الحميدي " وكذا ذكره أبو نعيم في المستخرج، فهو متصل. وسقط من رواية كريمة قوله: "وأنبأنا " ومن رواية الأصيلي قوله: "أخبرنا " وثبت الجميع في رواية أبي ذر. قوله: "وقال ابن مسعود" هذا التعليق طرف من الحديث المشهور في خلق الجنين، وقد وصله المصنف في كتاب القدر، ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: "وقال شقيق" هو أبو وائل "عن عبد الله" هو ابن مسعود، سيأتي موصولا أيضا حيث ذكره المصنف في كتاب الجنائز، ويأتي أيضا حديث حذيفة في كتاب الرقاق. ومراده من هذه التعاليق أن الصحابي قال تارة " حدثنا " وتارة " سمعت " فدل على أنهم لم يفرقوا بين الصيغ. وأما أحاديث ابن عباس وأنس وأبي هريرة في رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه فقد وصلها في كتاب التوحيد، وأراد بذكرها هنا التنبيه على العنعنة، وأن حكمها الوصل عند ثبوت اللقي، وأشار على ما ذكره ابن رشيد إلى أن رواية النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي عن ربه سواء صرح الصحابي بذلك أم لا، ويدل له حديث ابن عباس المذكور فإنه لم يقل فيه في بعض المواضع " عن ربه " ولكنه اختصار فيحتاج إلى التقدير. قلت: ويستفاد من الحكم بصحة ما كان ذلك سبيله صحة الاحتجاج بمراسيل الصحابة، لأن الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ربه فيما لم يكلمه به مثل ليلة الإسراء جبريل وهو مقبول قطعا، والواسطة بين الصحابي وبين النبي صلى الله عليه وسلم مقبول اتفاقا وهو صحابي آخر، وهذا في أحاديث الأحكام دون غيرها، فإن بعض الصحابة ربما حملها عن بعض التابعين مثل كعب الأحبار. "تنبيه": أبو العالية المذكور هنا هو الرياحي بالياء الأخيرة، واسمه رفيع بضم الراء. من زعم أنه البراء بالراء الثقيلة فقد وهم، فإن الحديث المذكور معروف برواية الرياحي دونه. فإن قيل: فمن أين تظهر مناسبة حديث ابن عمر للترجمة، ومحصل الترجمة التسوية بين صيغ الأداء الصريحة، وليس ذلك بظاهر في الحديث المذكور؟ فالجواب أن ذلك يستفاد من اختلاف ألفاظ الحديث المذكور، ويظهر ذلك إذا اجتمعت طرقه، فإن لفظ رواية عبد الله بن دينار المذكور في الباب: "فحدثوني ما هي " وفي رواية نافع عند المؤلف في التفسير " أخبروني " وفي رواية عند الإسماعيلي: "أنبئوني " وفي رواية مالك عند المصنف في باب الحياء في العلم " حدثوني ما هي " وقال فيها " فقالوا أخبرنا بها " فدل ذلك على أن التحديث والإخبار والإنباء عندهم سواء، وهذا لا خلاف فيه عند أهل


العلم بالنسبة إلى اللغة، ومن أصرح الأدلة فيه قوله تعالى :{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} وقوله تعالى :{وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}. وأما بالنسبة إلى الاصطلاح ففيه الخلاف: فمنهم من استمر على أصل اللغة، وهذا رأي الزهري ومالك وابن عيينة ويحيى القطان وأكثر الحجازيين والكوفيين، وعليه استمر عمل المغاربة، ورجحه ابن الحاجب في مختصره، ونقل عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة. ومنهم من رأى إطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من لفظه وتقييده حيث يقرأ عليه، وهو مذهب إسحاق بن راهويه والنسائي وابن حبان وابن منده وغيرهم، ومنهم من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل: فيخصون التحديث بما يلفظ به الشيخ، والإخبار بما يقرأ عليه، وهذا مذهب ابن جريج والأوزاعي والشافعي وابن وهب وجمهور أهل المشرق. ثم أحدث أتباعهم تفصيلا آخر: فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال: "حدثني " ومن سمع مع غيره جمع، ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال: "أخبرني"، ومن سمع بقراءة غيره جمع. وكذا خصصوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه، كل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم، وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل. وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب: فتكلفوا في الاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته. نعم يحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور لئلا يختلط، لأنه صار حقيقة عرفية عندهم، فمن تجوز عنها احتاج إلى الإتيان بقرينة تدل على مراده، وإلا فلا يؤمن اختلاط المسموع بالمجاز بعد تقرير الاصطلاح، فيحمل ما يرد من ألفاظ المتقدمين على محمل واحد بخلاف المتأخرين.
61-حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ" فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "هِيَ النَّخْلَةُ".
[الحديث 61- أطرافه في:6144,6122,5448,5444,4698,2209,121,72,62]
قوله: "إن من الشجر شجرة" زاد في رواية مجاهد عند المصنف في " باب الفهم في العلم " قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة فقال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى بجمار وقال: إن من الشجر". وله عنه في البيوع " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جمارا. قوله: "لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم" كذا في رواية أبي ذر بكسر ميم مثل وإسكان المثلثة. وفي رواية الأصيلي وكريمة بفتحها وهما بمعنى، قال الجوهري: مثله ومثله كلمة تسوية كما يقال شبهه وشبهه بمعنى، قال: والمثل بالتحريك أيضا ما يضرب من الأمثال. انتهى. ووجه الشبه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط الورق ما رواه الحارث بن أبي أسامة في هذا الحديث من وجه آخر عن ابن عمر ولفظه: "قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة، أتدرون ما هي؟" قالوا: لا. قال: "هي النخلة، لا تسقط لها أنملة، ولا تسقط لمؤمن دعوة". ووقع عند المصنف في الأطعمة من طريق الأعمش قال: حدثني مجاهد عن ابن عمر قال: "بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بجمار، فقال: "إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم: " وهذا أعم من الذي قبله، وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها، مستمرة في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعا، ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها، حتى النوى في علف الدواب والليف في الحبال وغير ذلك مما لا

يخفى، وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال، ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته. ووقع عند المصنف في التفسير من طريق نافع عن ابن عمر قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا " كذا ذكر النفي ثلاث مرات على طريق الاكتفاء، فقيل في تفسيره: ولا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيؤها ولا يبطل نفعها. ووقع في رواية مسلم ذكر النفي مرة واحدة فظن إبراهيم بن سفيان الراوي عنه أنه متعلق بما بعده وهو قوله: "تؤتي أكلها " فاستشكله وقال: لعل " لا " زائدة ولعله " وتؤتي أكلها"، وليس كما ظن، بل معمول النفي محذوف على سبيل الاكتفاء كما بيناه. وقوله: "تؤتي " ابتداء كلام على سبيل التفسير لما تقدم. ووقع عند الإسماعيلي بتقديم " تؤتي أكلها كل حين " على قوله: "لا يتحات ورقها " فسلم من الإشكال. قوله: "فوقع الناس" أي ذهبت أفكارهم في أشجار البادية، فجعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع وذهلوا عن النخلة، يقال وقع الطائر على الشجرة إذا نزل عليها. قوله: "قال عبد الله" هو ابن عمر الراوي. قوله: "ووقع في نفسي" بين أبو عوانة في صحيحه من طريق مجاهد عن ابن عمر وجه ذلك قال: فظننت أنها النخلة من أجل الجمار الذي أتى به، وفيه إشارة إلى أن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال، وأن الملغز ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز بابا يدخل منه، بل كلما قربه كان أوقع في نفس سامعه. قوله: "فاستحييت" زاد في رواية مجاهد في " باب الفهم في العلم"؛ فأردت أن أقول هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم. وله في الأطعمة: فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم. وفي رواية نافع: ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم، فلما قمنا قلت لعمر: يا أبتاه. وفي رواية مالك عن عبد الله بن دينار عند المؤلف في " باب الحياء في العلم " قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا وكذا. زاد ابن حبان في صحيحه: أحسبه قال: حمر النعم. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه. وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأغلوطات - قال الأوزاعي أحد رواته: هي صعاب المسائل - فإن ذلك محمول على ما لا نفع فيه، أو ما خرج على سبيل تعنت المسئول أو تعجيزه، وفيه التحريض على الفهم في العلم، وقد بوب عليه المؤلف " باب الفهم في العلم". وفيه استحباب الحياء ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة، ولهذا تمنى عمر أن يكون ابنه لم يسكت، وقد بوب عليه المؤلف في العلم وفي الأدب. وفيه دليل على بركة النخلة وما يثمره، وقد بوب عليه المصنف أيضا. وفيه دليل أن بيع الجمار جائز، لأن كل ما جاز أكله جاز بيعه، ولهذا بوب عليه المؤلف في البيوع. وتعقبه ابن بطال لكونه من المجمع عليه، وأجيب بأن ذلك لا يمنع من التنبيه عليه لأنه أورده عقب حديث النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، فكأنه يقول: لعل متخيلا يتخيل أن هذا من ذاك، وليس كذلك. وفيه دليل على جواز تجمير النخل، وقد بوب عليه في الأطعمة لئلا يظن أن ذلك من باب إضاعة المال. وأورده في تفسير قوله تعالى :{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً} إشارة منه إلى أن المراد بالشجرة النخلة. وقد ورد صريحا فيما رواه البزار من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: "قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذه الآية فقال: "أتدرون ما هي؟" قال ابن عمر: لم يخف على أنها النخلة، فمنعني أن أتكلم مكان سني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة" . ويجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أتي بالجمار فشرع في أكله تاليا للآية قائلا: إن من الشجر شجرة إلى آخره. ووقع عند ابن حبان من رواية عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يخبرني عن شجرة مثلها مثل

المؤمن، أصلها ثابت وفرعها في السماء؟ فذكر الحديث. وهو يؤيد رواية البزار، قال القرطبي: فوقع التشبيه بينهما من جهة أن أصل دين المسلم ثابت، وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب، وأنه لا يزال مستورا بدينه، وأنه ينتفع بكل ما يصدر عنه حيا وميتا، انتهى. وقال غيره: والمراد بكون فرع المؤمن في السماء رفع عمله وقبوله، وروى البزار أيضا من طريق سفيان بن حسين عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن مثل النخلة، ما أتاك منها نفعك " هكذا أورده مختصرا وإسناده صحيح، وقد أفصح بالمقصود بأوجز عبارة. وأما من زعم أن موقع التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها ماتت، أو لأنها لا تحمل حتى تلقح، أو لأنها تموت إذا غرقت، أو لأن لطلعها رائحة مني الآدمي، أو لأنها تعشق، أو لأنها تشرب من أعلاها، فكلها أوجه ضعيفة، لأن جميع ذلك من المشابهات مشترك في الآدميين لا يختص بالمسلم، وأضعف من ذلك قول من زعم أن ذلك لكونها خلقت من فضلة طين آدم فإن الحديث في ذلك لم يثبت، والله أعلم. وفيه ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الإفهام، وتصوير المعاني لترسخ في الذهن، ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة. وفيه إشارة إلى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره من جميع وجوهه، فإن المؤمن لا يماثله شيء من الجمادات ولا يعادله. وفيه توقير الكبير، وتقديم الصغير أباه في القول، وأنه لا يبادره بما فهمه وإن ظن أنه الصواب. وفيه أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه، لأن العلم مواهب، والله يؤتي فضله من يشاء. واستدل به مالك على أن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها إذا كان أصلها لله، وذلك مستفاد من تمني عمر المذكور، ووجه تمني عمر رضي الله عنه ما طبع الإنسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده، ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من صغره، وليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة، ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم. وفيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النعم مع عظم مقدارها وغلاء ثمنها. "فائدة": قال البزار في مسنده: ولم يرو هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السياق إلا ابن عمر وحده، ولما ذكره الترمذي قال: وفي الباب عن أبي هريرة وأشار بذلك إلى حديث مختصر لأبي هريرة أورده عبد بن حمد في تفسيره لفظه: "مثل المؤمن مثل النخلة" ، وعند الترمذي أيضا والنسائي وابن حبان من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: "ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة" قال: "هي النخلة " تفرد برفعه حماد بن سلمة، وقد تقدم أن في رواية مجاهد عن ابن عمر أنه كان عاشر عشرة، فاستفدنا من مجموع ما ذكرناه أن منهم أبا بكر وعمر وابن عمر، وأبا هريرة وأنس بن مالك إن كانا سمعا ما روياه من هذا الحديث في ذلك المجلس. والله أعلم.


باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ماعندهم من العلم
...
5- باب طَرْحِ الإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ
62- حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن من الشجر شجرة لايسقط ورقها وإنها مثل المسلم,حدثوني ماهي؟" قال فوقع الناس في شجر البوادي. قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة ثم قالوا حدثنا ماهي يارسول الله؟ قال: "هي النخلة"
قوله: "باب طرح الإمام المسألة" أورد فيه حديث ابن عمر المذكور بلفظ قريب من لفظ الذي قبله، وإنما

أورده بإسناد آخر إيثارا لابتداء فائدة تدفع اعتراض من يدعي عليه التكرار بلا فائدة. وأما دعوى الكرماني أنه لمراعاة صنيع مشايخه في تراجم مصنفاتهم، وأن رواية قتيبة هنا كانت في بيان معنى التحديث والإخبار، ورواية خالد كانت في بيان طرح الإمام المسألة، فذكر الحديث في كل موضع عن شيخه الذي روى له الحديث لذلك الأمر، فإنها غير مقبولة، ولم نجد عن أحد ممن عرف حال البخاري وسعة علمه وجودة تصرفه حكى أنه كان يقلد في التراجم، ولو كان كذلك لم يكن له مزية على غيره. وقد توارد النقل عن كثير من الأئمة أن من جملة ما امتاز به كتاب البخاري دقة نظره في تصرفه في تراجم أبوابه. والذي ادعاه الكرماني يقتضي أنه لا مزية له في ذلك لأنه مقلد فيه لمشايخه. ووراء ذلك أن كلا من قتيبة وخالد بن مخلد لم يذكر لأحد منهما ممن صنف في بيان حالهما أن له تصنيفا على الأبواب فضلا عن التدقيق في التراجم. وقد أعاد الكرماني هذا الكلام في شرحه مرارا، ولم أجد له سلفا في ذلك. والله المستعان. وراوية عن عبد الله بن دينار سليمان هو ابن بلال المدني الفقيه المشهور، ولما أجده من روايته إلا عند البخاري، ولم يقع لأحد ممن استخرج عليه، حتى أن أبا نعيم إنما أورده في المستخرج من طريق الفربري عن البخاري نفسه. وقد وجدته من رواية خالد بن مخلد الراوي عن سليمان المذكور أخرجه أبو عوانة في صحيحه، لكنه قال: "عن مالك " بدل سليمان بن بلال، فإن كان محفوظا فلخالد فيه شيخان. وقد وقع التصريح بسماع عبد الله بن دينار له من عبد الله بن عمر عند مسلم وغيره.
باب ماجاء في العلم ، وقوله تعالى { وقل رب زدني علما }
...
3 - باب مَا جَاءَ فِي الْعِلْمِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}
الْقِرَاءَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَرَأَى الْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ الْقِرَاءَةَ جَائِزَةً وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ بِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَاللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ قَالَ "نَعَمْ" قَالَ فَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ ضِمَامٌ قَوْمَهُ بِذَلِكَ فَأَجَازُوهُ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِالصَّكِّ يُقْرَأُ عَلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُونَ أَشْهَدَنَا فُلاَنٌ وَيُقْرَأُ ذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَيُقْرَأُ عَلَى الْمُقْرِئِ فَيَقُولُ الْقَارِئُ أَقْرَأَنِي فُلاَنٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ عَوْفٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ لاَ بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ إِذَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنِي قَالَ وَسَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُولُ عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْعَالِمِ وَقِرَاءَتُهُ سَوَاءٌ"
63- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ هُوَ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْنَا هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قَدْ أَجَبْتُكَ" فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ فَقَالَ "سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ" فَقَالَ أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ
وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ أَاللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ فَقَالَ "اللَّهُمَّ نَعَمْ" قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَاللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ "اللَّهُمَّ نَعَمْ" قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَاللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنْ السَّنَةِ قَالَ "اللَّهُمَّ نَعَمْ" قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَاللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ نَعَمْ" فَقَالَ الرَّجُلُ آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ المُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا".
قوله: "باب القراءة والعرض على المحدث" إنما غاير بينهما بالعطف لما بينهما من العموم والخصوص، لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض وغيره، ولا يقع العرض إلا بالقراءة لأن العرض عبارة عما يعارض به الطالب أصل شيخه معه أو مع غيره بحضرته فهو أخص من القراءة. وتوسع فيه بعضهم فأطلقه على ما إذا أحضر الأصل لشيخه فنظر فيه وعرف صحته وأذن له أن يرويه عنه من غير أن يحدثه به أو يقرأه الطالب عليه. والحق أن هذا يسمى عرض المناولة بالتقييد لا الإطلاق. وقد كان بعض السلف لا يعتدون إلا بما سمعوه من ألفاظ المشايخ دون ما يقرأ عليهم، ولهذا بوب البخاري على جوازه وأورد فيه قول الحسن - وهو البصري - لا بأس بالقراءة على العالم. ثم أسنده إليه بعد أن علقه وكذا ذكر عن سفيان الثوري ومالك موصولا أنهما سويا بين السماع من العالم والقراءة عليه. لاوقوله: "جائزا " وقع في رواية أبي ذر " جائزة " أي القراءة، لأن السماع لا نزاع فيه. قوله: "واحتج بعضهم" المحتج بذلك هو الحميدي شيخ البخاري قاله في كتاب النوادر له، كذا قال بعض من أدركته وتبعته في المقدمة، ثم ظهر لي خلافه وأن قائل ذلك أبو سعيد الحداد، أخرجه البيهقي في المعرفة من طريق ابن خزيمة قال: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: قال أبو سعيد الحداد: عندي خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة على العالم. فقيل له، فقال: قصة ضمام بن ثعلبة قال: آلله أمرك بهذا؟ قال نعم. انتهى. وليس في المتن الذي ساقه البخاري بعد من حديث أنس في قصة ضمام أن ضماما أخبر قومه بذلك، وإنما وقع ذلك من طريق أخرى ذكرها أحمد وغيره من طريق ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن ابن عباس قال: بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة، فذكر الحديث بطوله، وفي آخره أن ضماما قال لقومه عندما رجع إليهم: "إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه " قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما. فمعنى قول البخاري " فأجازوه " أي قبلوه منه، ولم يقصد الإجازة المصطلحة بين أهل الحديث. قوله: "واحتج مالك بالصك" قال الجوهري: الصك - يعني بالفتح - الكتاب، فارسي معرب. والجمع صكاك وصكوك. والمراد هنا المكتوب الذي يكتب فيه إقرار المقر، لأنه إذا قرئ عليه فقال: "نعم " ساغت الشهادة عليه به وإن لم يتلفظ هو بما فيه، فكذلك إذا قرئ على العالم فأقر به صح أن يروى عنه. وأما قياس مالك قراءة الحديث على قراءة القرآن فرواه الخطيب في الكفاية من طريق ابن وهب قال: سمعت مالكا، وسئل عن الكتب التي تعرض عليه أيقول الرجل حدثني؟ قال: نعم، كذلك القرآن. أليس الرجل يقرأ على الرجل فيقول: أقرأني فلان؟ وروى الحاكم في علوم الحديث من طريق مطرف قال: صحبت مالكا سبع عشرة سنة، فما رأيته قرأ الموطأ على أحد، بل يقرءون عليه.

قال: وسمعته يأبى أشد الإباء على من يقول: لا يجزيه إلا السماع من لفظ الشيخ، ويقول: كيف لا يجزيك هذا في الحديث، ويجزيك في القرآن، والقرآن أعظم؟ قلت: وقد انقرض الخلاف في كون القراءة على الشيخ لا تجزي، وإنما كان يقوله بعض المتشددين من أهل العراق، فروى الخطيب عن إبراهيم بن سعد قال: لا تدعون تنطعكم يا أهل العراق، العرض مثل السماع. وبالغ بعض المدنيين وغيرهم في مخالفتهم فقالوا: إن القراءة على الشيخ أرفع من السماع من لفظه، ونقله الدارقطني في غرائب مالك عنه، ونقله الخطيب بأسانيد صحيحة عن شعبة وابن أبي ذئب ويحيى القطان. واعتلوا بأن الشيخ لو سها لم يتهيأ للطالب الرد عليه. وعن أبي عبيد قال: القراءة علي أثبت وأفهم لي من أن أتولى القراءة أنا. والمعروف عن مالك كما نقله المصنف عنه وعن سفيان - وهو الثوري - أنهما سواء، والمشهور الذي عليه الجمهور أن السماع من لفظ الشيخ أرفع رتبة من القراءة عليه. ما لم يعرض عارض يصير القراءة عليه أولى، ومن ثم كان السماع من لفظه في الإملاء أرفع الدرجات لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب. والله أعلم. قوله: "عن الحسن قال: لا بأس بالقراءة على العالم" هذا الأثر رواه الخطيب أتم سياقا مما هنا، فأخرج من طريق أحمد بن حنبل عن محمد بن الحسن الواسطي عن عوف الأعرابي أن رجلا سأل الحسن فقال: يا أبا سعيد منزلي بعيد، والاختلاف يشق علي، فإن لم تكن ترى بالقراءة بأسا قرأت عليك. قال: ما أبالي قرأت عليك أو قرأت علي. قال: فأقول حدثني الحسن؟ قال: نعم، قل حدثني الحسن. ورواه أبو الفضل السليماني في كتاب الحث على طلب الحديث من طريق سهل بن المتوكل قال: حدثنا محمد بن سلام، بلفظ: "قلنا للحسن: هذه الكتب التي تقرأ عليك أيش نقول فيها؟ قال: قولوا: حدثنا الحسن". قوله: "الليث عن سعيد" في رواية الإسماعيلي من طريق يونس بن محمد عن الليث حدثني سعيد، وكذا لابن منده من طريق ابن وهب عن الليث، وفي هذا دليل على أن رواية النسائي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن الليث قال: حدثني محمد بن عجلان وغيره عن سعيد موهومة معدودة من المزيد في متصل الأسانيد، أو يحمل على أن الليث سمعه عن سعيد بواسطة ثم لقيه فحدثه به. وفيه اختلاف آخر أخرجه النسائي والبغوي من طريق الحارث بن عمير عن عبيد الله بن عمر، وذكره ابن منده عن طريق الضحاك بن عثمان كلاهما عن سعيد عن أبي هريرة، ولم يقدح هذا الاختلاف فيه عند البخاري لأن الليث أثبتهم في سعيد المقبري مع احتمال أن يكون لسعيد فيه شيخان، لكن تترجح رواية الليث بأن المقبري عن أبي هريرة جادة مألوفة فلا يعدل عنها إلى غيرها إلا من كان ضابطا متثبتا، ومن ثم قال ابن أبي حاتم عن أبيه: رواية الضحاك وهم. وقال الدارقطني في العلل: رواه عبيد الله بن عمر وأخوه عبد الله والضحاك بن عثمان عن المقبري عن أبي هريرة ووهموا فيه والقول قول الليث. أما مسلم فلم يخرجه من هذا الوجه بل أخرجه من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس، وقد أشار إليها المصنف عقب هذه الطريق. وما فر منه مسلم وقع في نظيره، فإن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت وقد روى هذا الحديث عن ثابت فأرسله، ورجح الدارقطني رواية حماد. قوله: "ابن أبي نمر" هو بفتح النون وكسر الميم، لا يعرف اسمه، ذكره ابن سعد في الصحابة. وأخرج له ابن السكن حديثا، وأغفله ابن الأثير تبعا لأصوله. قوله. : "في المسجد" أي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: "ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ" فيه جواز اتكاء الإمام بين أتباعه، وفيه ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من ترك التكبر لقوله بين ظهرانيهم، وهي بفتح النون أي بينهم، وزيد لفظ الظهر ليدل على أن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه، فهو محفوف بهم من جانبيه،

والألف والنون فيه للتأكيد قاله صاحب الفائق. ووقع في رواية موسى بن إسماعيل الآتي ذكرها آخر هذا الحديث في أوله: "عن أنس قال: نهينا في القرآن أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل " وكان أنسا أشار إلى آية المائدة، وسيأتي بسط القول فيها في التفسير إن شاء الله تعالى. قوله: "دخل" زاد الأصيلي قبلها " إذ". قوله: "ثم عقله" بتخفيف القاف أي شد على ساق الجمل - بعد أن ثنى ركبته - حبلا. قوله: "في المسجد" استنبط منه ابن بطال وغيره طهارة أبوال الإبل وأرواثها، إذ لا يؤمن ذلك منه مدة كونه في المسجد، ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم، ودلالته غير واضحة، وإنما فيه مجرد احتمال، ويدفعه رواية أبي نعيم: "أقبل على بعير له حتى أتى المسجد فأناخه ثم عقله فدخل المسجد " فهذا السياق يدل على أنه ما دخل به المسجد، وأصرح منه رواية ابن عباس عند أحمد والحاكم ولفظها: "فأناخ بعيره على باب المسجد فعقله ثم دخل"، فعلى هذا في رواية أنس مجاز الحذف، والتقدير: فأناخه في ساحة المسجد، أو نحو ذلك. قوله: "الأبيض" أي المشرب بحمرة كما في رواية الحارث بن عمير " الأمغر " أي بالغين المعجمة قال حمزة بن الحارث: هو الأبيض المشرب بحمرة. ويؤيده ما يأتي في صفته صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن أبيض ولا آدم، أي لم يكن أبيض صرفا. قوله: "أجبتك" أي سمعتك، والمراد إنشاء الإجابة، أو نزل تقريره للصحابة في الإعلام عنه منزلة النطق، وهذا لائق بمراد المصنف. وقد قيل إنما لم يقل له نعم لأنه لم يخاطبه بما يليق بمنزلته من التعظيم، لا سيما مع قوله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} والعذر عنه - إن قلنا إنه قدم مسلما - أنه لم يبلغه النهي، وكانت فيه بقية من جفاء الأعراب، وقد ظهرت بعد ذلك في قوله: "فمشدد عليك في المسألة " وفي قوله في رواية ثابت: "وزعم رسولك أنك تزعم " ولهذا وقع في أول رواية ثابت عن أنس: "كنا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع " زاد أبو عوانة في صحيحه: "وكانوا أجرأ على ذلك منا " يعني أن الصحابة واقفون عند النهي، وأولئك ينذرون بالجهل، وتمنوه عاقلا ليكون عارفا بما يسأل عنه. وظهر عقل ضمام في تقديمه الاعتذار بين يدي مسألته لظنه أنه لا يصل إلى مقصوده إلا بتلك المخاطبة. وفي رواية ثابت من الزيادة أنه سأله: "من رفع السماء وبسط الأرض " وغير ذلك من المصنوعات، ثم أقسم عليه به أن يصدقه عما يسأل عنه، وكرر القسم في كل مسألة تأكيدا وتقريرا للأمر، ثم صرح بالتصديق، فكل ذلك دليل على حسن تصرفه وتمكن عقله، ولهذا قال عمر في رواية أبي هريرة: "ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام". قوله: "ابن عبد المطلب" بفتح النون على النداء. وفي رواية الكشميهني: "يا بن " بإثبات حرف النداء. قوله: "فلا تجد" أي لا تغضب. ومادة " وجد " متحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر، بحسب اختلاف المعاني يقال في الغضب موجدة وفي المطلوب وجودا وفي الضالة وجدانا وفي الحب وجدا بالفتح وفي المال وجدا بالضم وفي الغني جدة بكسر الجيم وتخفيف الدال المفتوحة على الأشهر في جميع ذلك. وقالوا أيضا في المكتوب وجادة وهي مولدة. قوله: "أنشدك" بفتح الهمزة وضم المعجمة وأصله من النشيد، وهو رفع الصوت، والمعنى سألتك رافعا نشيدتي قاله البغوي في شرح السنة. وقال الجوهري: نشدتك بالله أي سألتك بالله، كأنك ذكرته فنشد أي تذكر. قوله: "آلله" بالمد في المواضع كلها. قوله: "اللهم نعم" الجواب حصل بنعم، وإنما ذكر اللهم تبركا بها، وكأنه استشهد بالله في ذلك تأكيدا لصدقه. ووقع في رواية موسى: "فقال: صدقت. قال: فمن خلق السماء؟ قال الله. قال: فمن

خلق الأرض والجبال؟ قال: الله. قال: فمن جعل فيها المنافع؟ قال: الله. قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب الجبال وجعل فيها المنافع، آلله أرسلك؟ قال: نعم " وكذا هو في رواية مسلم. قوله: "أن تصلي" بتاء المخاطب فيه وفيما بعده. ووقع عند الأصيلي بالنون فيها. قال القاضي عياض: هو أوجه. ويؤيده رواية ثابت بلفظ: "إن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا " وساق البقية كذلك. وتوجيه الأول أن كل ما وجب عليه وجب على أمته حتى يقوم دليل الاختصاص. ووقع في رواية الكشميهني والسرخسي " الصلاة الخمس " بالإفراد على إرادة الجنس. قوله: "أن تأخذ هذه الصدقة" قال ابن التين: "فيه دليل على أن المرء لا يفرق صدقته بنفسه". قلت: وفيه نظر. وقوله: "على فقرائنا " خرج مخرج الأغلب لأنهم معظم أهل الصدقة. قوله: "آمنت بما جئت به" يحتمل أن يكون إخبارا وهو اختيار البخاري، ورجحه القاضي عياض، وأنه حضر بعد إسلامه مستثبتا من الرسول صلى الله عليه وسلم ما أخبره به رسوله إليهم، لأنه قال في حديث ثابت عن أنس عند مسلم وغيره: "فإن رسولك زعم " وقال في رواية كريب عن ابن عباس عند الطبراني " أتتنا كتبك وأتتنا رسلك " واستنبط منه الحاكم أصل طلب علو الإسناد لأنه سمع ذلك من الرسول وآمن وصدق، ولكنه أراد أن يسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة، ويحتمل أن يكون قوله: "آمنت " إنشاء، ورجحه القرطبي لقوله: "زعم " قال: والزعم القول الذي لا يوثق به، قاله ابن السكيت وغيره. قلت: وفيه نظر، لأن الزعم يطلق على القول المحقق أيضا كما نقله أبو عمر الزاهد في شرح فصيح شيخه ثعلب، وأكثر سيبويه من قوله: "زعم الخليل " في مقام الاحتجاج، وقد أشرنا إلى ذلك في حديث أبي سفيان في بدء الوحي. وأما تبويب أبي داود عليه: "باب المشرك يدخل المسجد " فليس مصيرا منه إلى أن ضماما قدم مشركا بل وجهه أنهم تركوا شخصا قادما يدخل المسجد من غير استفصال. ومما يؤيد أن قوله: "آمنت " إخبار أنه لم يسأل عن دليل التوحيد، بل عن عموم الرسالة وعن شرائع الإسلام، ولو كان إنشاء لكان طلب معجزة توجب له التصديق، قاله الكرماني. وعكسه القرطبي فاستدل به على صحة إيمان المقلد للرسول ولو لم تظهر له معجزة. وكذا أشار إليه ابن الصلاح. والله أعلم. "تنبيه": لم يذكر الحج في رواية شريك هذه، وقد ذكره مسلم وغيره فقال موسى في روايته: "وإن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا؟ قال: صدق " وأخرجه مسلم أيضا وهو في حديث أبي هريرة وابن عباس أيضا. وأغرب ابن التين فقال: إنما لم يذكره لأنه لم يكن فرض. وكأن الحامل له على ذلك ما جزم به الواقدي ومحمد بن حبيب أن قدوم ضمام كان سنة خمس فيكون قبل فرض الحج، لكنه غلط من أوجه: أحدها أن في رواية مسلم أن قدومه كان بعد نزول النهي في القرآن عن سؤال الرسول، وآية النهي في المائدة ونزولها متأخر جدا. ثانيها أن إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية، ومعظمه بعد فتح مكة. ثالثها أن في القصة أن قومه أوفدوه، وإنما كان معظم الوفود بعد فتح مكة. رابعها في حديث ابن عباس أن قومه أطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخل بنو سعد - وهو ابن بكر بن هوازن - في الإسلام إلا بعد وقعة حنين وكانت في شوال سنة ثمان كما سيأتي مشروحا في مكانه إن شاء الله تعالى. فالصواب أن قدوم ضمام كان في ستة تسع وبه جزم ابن إسحاق وأبو عبيدة وغيرهما. وغفل البدر الزركشي فقال: إنما لم يذكر الحج لأنه كان معلوما عندهم في شريعة إبراهيم انتهى. وكأنه لم يراجع صحيح مسلم فضلا عن غيره. قوله: "وأنا رسول من ورائي" من موصولة ورسول مضاف إليها، ويجوز تنوينه وكسر من لكن لم تأت به الرواية. ووقع

في رواية كريب عن ابن عباس عند الطبراني. " جاء رجل من بني سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان مسترضعا فيهم - فقال: أنا وافد قومي ورسولهم " وعند أحمد والحاكم: "بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم علينا " فذكر الحديث. فقول ابن عباس: "فقدم علينا " يدل على تأخير وفادته أيضا، لأن ابن عباس إنما قدم المدينة بعد الفتح. وزاد مسلم في آخر الحديث قال: "والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهم ولا أنقص. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لئن صدق ليدخلن الجنة " وكذا هي في رواية موسى بن إسماعيل. ووقعت هذه الزيادة في حديث ابن عباس، وهي الحاملة لمن سمى المبهم في حديث طلحة ضمام بن ثعلبة كابن عبد البر وغيره، وقد قدمنا هناك أن القرطبي مال إلى أنه غيره. ووقع في رواية عبيد الله بن عمر عن المقبري عن أبي هريرة التي أشرت إليها قبل من الزيادة في هذه القصة أن ضماما قال بعد قوله وأنا ضمام بن ثعلبة: "فأما هذه الهناة فوالله إن كنا لنتنزه عنها في الجاهلية " يعني الفواحش. فلما أن ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم. " فقه الرجل". قال: وكان عمر بن الخطاب يقول: ما رأيت أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام. ووقع في آخر حديث ابن عباس عند أبي داود: "فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام " وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم العمل بخبر الواحد، ولا يقدح فيه مجيء ضمام مستثبتا لأنه قصد اللقاء والمشافهة كما تقدم عن الحاكم، وقد رجع ضمام إلى قومه وحده فصدقوه وآمنوا كما وقع في حديث ابن عباس. وفيه نسبة الشخص إلى جده إذا كان أشهر من أبيه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: "أنا ابن عبد المطلب". وفيه الاستحلاف على الأمر المحقق لزيادة التأكيد، وفيه رواية الأقران لأن سعيدا وشريكا تابعيان من درجة واحدة وهما مدنيان. قوله: "رواه موسى" هو ابن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي شيخ البخاري، وحديثه موصول عند أبي عوانة في صحيحه وعند ابن منده في الإيمان، وإنما علقه البخاري لأنه لم يحتج بشيخه سليمان بن المغيرة، وقد خولف في وصله فرواه حماد بن سلمة عن ثابت مرسلا، ورجحها الدارقطني، وزعم بعضهم أنها علة تمنع من تصحيح الحديث، وليس كذلك بل هي دالة على أن لحديث شريك أصلا. قوله: "وعلي بن عبد الحميد" هو المعني بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر النون بعدها ياء النسب، وحديثه موصول عند الترمذي أخرجه عن البخاري عنه، وكذا أخرجه الدارمي عن علي بن عبد الحميد، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق. قوله: "بهذا" أي هذا المعنى، وإلا فاللفظ كما بينا مختلف. وسقطت هذه اللفظة من رواية أبي الوقت وابن عساكر. والله سبحانه وتعالى أعلم. "تنبيه": وقع في النسخة البغدادية - التي صححها العلامة أبو محمد بن الصغاني اللغوي بعد أن سمعها من أصحاب أبي الوقت وقابلها على عدة نسخ وجعل لها علامات - عقب قوله رواه موسى وعلي بن عبد الحميد عن سليمان بن المغيرة عن ثابت ما نصه: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت عن أنس، وساق الحديث بتمامه. وقال الصغاني في الهامش: هذا الحديث ساقط من النسخ كلها إلا في النسخة التي قرئت على الفربري صاحب البخاري وعليها خطه. قلت: وكذا سقطت في جميع النسخ التي وقفت عليها. والله تعالى أعلم بالصواب.
باب مايذكر في المناولة ، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان
...
7- باب مَا يُذْكَرُ فِي الْمُنَاوَلَةِ وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَانِ
وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ نَسَخَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَصَاحِفَ "فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْآفَاقِ وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ذَلِكَ جَائِزًا وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كَتَبَ لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا وَقَالَ

لاَ تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
64- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ رَجُلًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ"
[الحديث 64- أطرافه في: 7264,4424,2939]
قوله: "باب ما يذكر في المناولة". لما فرغ من تقرير السماع والعرض أردفه ببقية وجوه التحمل المعتبرة عند الجمهور، فمنها المناولة، وصورتها أن يعطي الشيخ الطالب الكتاب فيقول له: هذا سماعي من فلان، أو هذا تصنيفي، فاروه عني. وقد قدمنا صورة عرض المناولة وهي إحضار الطالب الكتاب، وقد سوغ الجمهور الرواية بها، وردها من رد عرض القراءة من باب الأولى. قوله: "إلى البلدان" أي إلى أهل البلدان. وكتاب مصدر وهو متعلق إلى، وذكر البلدان على سبيل المثال، وإلا فالحكم عام في القرى وغيرها. والمكاتبة من أقسام التحمل، وهي أن يكتب الشيخ حديثه بخطه، أو يأذن لمن يثق به بكتبه، ويرسله بعد تحريره إلى الطالب، ويأذن له في روايته عنه. وقد سوى المصنف بينها وبين المناولة. ورجح قوم المناولة عليها لحصول المشافهة فيها بالإذن دون المكاتبة. وقد جوز جماعة من القدماء إطلاق الإخبار فيهما، والأولى ما عليه المحققون من اشتراط بيان ذلك. قوله: "نسخ عثمان المصاحف" هو طرف من حديث طويل يأتي الكلام عليه في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى. ودلالته على تسويغ الرواية بالمكاتبة واضح، فإن عثمان أمرهم بالاعتماد على ما ما في تلك المصاحف ومخالفة ما عداها، والمستفاد من بعثه المصاحف إنما هو ثبوت إسناد صورة المكتوب فيها إلى عثمان، لا أصل ثبوت القرآن فإنه متواتر عندهم. قوله: "ورأى عبد الله بن عمر" كذا في جميع نسخ الجامع " عمر " بضم العين، وكنت أظنه العمري المدني، وخرجت الأثر عنه بذلك في " تعليق التعليق " وكذا جزم به الكرماني، ثم ظهر لي من قرينة تقديمه في الذكر على يحيى بن سعيد أنه غير العمري لأن يحيى أكبر منه سنا وقدرا، فتتبعت فلم أجده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب صريحا، لكن وجدت في كتاب الوصية لأبي القاسم بن منده من طريق البخاري بسند له صحيح إلى أبي عبد الرحمن الحبلي - بضم المهملة والموحدة - أنه أتى عبد الله بكتاب فيه أحاديث فقال: انظر في هذا الكتاب، فما عرفت منه اتركه وما لم تعرفه امحه. فذكر الخبر. وهو أصل في عرض المناولة. وعبد الله يحتمل أن يكون هو ابن عمر بن الخطاب، فإن الحبلي سمع منه. ويحتمل أن يكون ابن عمرو بن العاصي، فإن الحبلي مشهور بالرواية عنه. وأما الأثر بذلك عن يحيى بن سعيد ومالك فأخرجه الحاكم في علوم الحديث من طريق إسماعيل بن أبي أويس قال: سمعت خالي مالك بن أنس يقول: قال لي يحيى بن سعيد الأنصاري لما أراد الخروج إلى العراق: التقط لي مائة حديث من حديث ابن شهاب حتى أرويها عنك، قال مالك: فكتبتها ثم بعثتها إليه. وروى الرامهرمزي من طريق ابن أبي أويس أيضا عن مالك في وجوه التحمل قال: قراءتك على العالم، ثم قراءته وأنت تسمع، ثم أن يدفع

إليك كتابه فيقول: ارو هذا عني. قوله: "واحتج بعض أهل الحجاز" هذا المحتج هو الحميدي، ذكر ذلك في كتاب النوادر له. قوله: "في المناولة" أي في صحة المناولة، والحديث الذي أشار إليه لم يورده موصولا في هذا الكتاب، وهو صحيح، وقد وجدته من طريقين: إحداهما مرسلة ذكرها ابن إسحاق في المغازي عن يزيد بن رومان، وأبو اليمان في نسخته عن شعيب عن الزهري كلاهما عن عروة بن الزبير. والأخرى موصولة أخرجها الطبراني من حديث جندب البجلي بإسناد حسن. ثم وجدت له شاهدا من حديث ابن عباس عند الطبري في التفسير. فبمجموع هذه الطرق يكون صحيحا. وأمير السرية اسمه عبد الله بن جحش الأسدي أخو زينب أم المؤمنين، وكان تأميره في السنة الثانية قبل وقعة بدر، والسرية بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد الياء التحتانية القطعة من الجيش، وكانوا اثني عشر رجلا من المهاجرين. قوله: "حتى تبلغ مكان كذا وكذا" هكذا في حديث جندب على الإبهام. وفي رواية عروة أنه قال له: "إذا سرت يومين فافتح الكتاب". قالا " ففتحه هناك فإذا فيه أن امض حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش، ولا تستكرهن أحدا " قال في حديث جندب: فرجع رجلان ومضى الباقون فلقوا عمرو بن الحضرمي ومعه عير - أي تجارة لقريش - فقتلوه. فكان أول مقتول من الكفار في الإسلام، وذلك في أول يوم من رجب، وغنموا ما كان معهم فكانت أول غنيمة في الإسلام، فعاب عليهم المشركون ذلك، فأنزل الله تعالى: {يسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} الآية. ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهرة، فإنه ناوله الكتاب وأمره أن يقرأه على أصحابه ليعملوا بما فيه، ففيه المناولة ومعنى المكاتبة. وتعقبه بعضهم بأن الحجة إنما وجبت به لعدم توهم التبديل والتغيير فيه لعدالة الصحابة، بخلاف من بعدهم، حكاه البيهقي. وأقول: شرط قيام الحجة بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوما وحامله مؤتمنا والمكتوب إليه يعرف خط الشيخ، إلى غير ذلك من الشروط الدافعة لتوهم التغيير والله أعلم. قوله: "حدثنا إسماعيل بن عبد الله" هو ابن أبي أويس، وصالح هو ابن كيسان. قوله: "بعث بكتابه رجلا" هو عبد الله بن حذافة السهمي كما سماه المؤلف في هذا الحديث في المغازي. وكسرى هو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، ووهم من قال هو أنوشروان. وعظيم البحرين هو المنذر بن ساوى بالمهملة وفتح الواو الممالة، وسيأتي الكلام على هذا الحديث في المغازي. قوله: "فحسبت" القائل هو ابن شهاب راوي الحديث، فقصة الكتاب عنده موصولة وقصة الدعاء مرسلة. ووجه دلالته على المكاتبة ظاهر، ويمكن أن يستدل به على المناولة من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم ناول الكتاب لرسوله، وأمره أن يخبر عظيم البحرين بأن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن سمع ما فيه ولا قرأه.
65- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلاَّ مَخْتُومًا فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ مَنْ قَالَ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: أَنَسٌ
[الحديث65- أطرافه في: 7162,5877,5875,5874,5872,5870,2938]
قوله: "عبد الله" هو ابن المبارك. قوله: "كتب أو أراد أن يكتب" شك من الراوي، ونسبة الكتابة إلى
(1/155)

النبي صلى الله عليه وسلم مجازية، أي كتب الكاتب بأمره. قوله: "لا يقرءون كتابا إلا مختوما" يعرف من هذا فائدة إيراده هذا الحديث في هذا الباب لينبه على أن شرط العمل بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوما ليحصل الأمن من توهم تغييره، لكن قد يستغنى عن ختمه إذا كان الحامل عدلا مؤتمنا. قوله: "فقلت" القائل هو شعبة، وسيأتي باقي الكلام على هذا الحديث في الجهاد وفي اللباس إن شاء الله تعالى. "فائدة": لم يذكر المصنف من أقسام التحمل الإجازة المجردة عن المناولة أو المكاتبة، ولا الوجادة ولا الوصية ولا الإعلام المجردات عن الإجازة، وكأنه لا يرى بشيء منها. وقد ادعى ابن منده أن كل ما يقول البخاري فيه: "قال لي " فهي إجازة، وهي دعوى مردودة بدليل أني استقريت كثيرا من المواضع التي يقول فيها الجامع قال لي فوجدته في غير الجامع يقول فيها حدثنا، والبخاري لا يستجيز في الإجازة إطلاق التحديث، فدل على أنها عنده من المسموع، لكن سبب استعماله لهذه الصيغة ليفرق بين ما يبلغ شرطه وما لا يبلغ. والله أعلم.

باب من قعد حيث ينتهي المجلس، ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها
...
8- باب مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ وَمَنْ رَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا
66- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ قَالَ فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ".
قوله: "باب من قعد حيث ينتهي به المجلس" مناسبة هذا لكتاب العلم من جهة أن المراد بالمجلس وبالحلقة حلقة العلم ومجلس العلم. فيدخل في أدب الطالب من عدة أوجه كما سنبينه. والتراجم الماضية كلها تتعلق بصفات العالم قوله: "مولى عقيل" بفتح العين، وقيل لأبي مرة ذلك للزومه إياه، وإنما هو مولى أخته أم هانئ بنت أبي طالب. قوله: "عن أبي واقد" صرح بالتحديث في رواية النسائي من طريق يحيى بن أبي كثير عن إسحاق فقال: عن أبي مرة أن أبا واقد حدثه. وقد قدمنا أن اسم أبي واقد الحارث بن مالك، وقيل ابن عوف، وقيل عوف بن الحارث، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، ورجال إسناده مدنيون، وهو في الموطأ، ولم يروه عن أبي واقد إلا أبو مرة. ولا عنه إلا إسحاق، وأبو مرة والراوي عنه تابعيان، وله شاهد من حديث أنس أخرجه البزار والحاكم. قوله: "ثلاثة نفر" النفر بالتحريك للرجال من ثلاثة إلى عشرة، والمعنى ثلاثة هم نفر، والنفر اسم جمع ولهذا وقع مميزا للجمع كقوله تعالى :{تِسْعَةُ رَهْطٍْ} .قوله: "فأقبل اثنان" بعد قوله: "أقبل ثلاثة " هما إقبالان، كأنهم أقبلوا أولا من الطريق فدخلوا المسجد مارين كما في حديث أنس، فإذا ثلاثة نفر يمرون، فلما رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أقبل إليه اثنان منهم واستمر الثالث ذاهبا. قوله: "فوقفا" زاد أكثر رواة الموطأ: "فلما وقفا
سلما " وكذا عند الترمذي والنسائي. ولم يذكر المصنف هنا ولا في الصلاة السلام. وكذا لم يقع في رواية مسلم. ويستفاد منه أن الداخل يبدأ بالسلام، وأن القائم يسلم على القاعد، وإنما لم يذكر رد السلام عليهما اكتفاء بشهرته، أو يستفاد منه أن المستغرق في العبادة يسقط عنه الرد. وسيأتي البحث فيه في كتاب الاستئذان. ولم يذكر أنهما صليا تحية المسجد إما لكون ذلك كان قبل أن تشرع أو كانا على غير وضوء أو وقع فلم ينقل للاهتمام بغير ذلك من القصة أو كان في غير وقت تنفل، قاله القاضي عياض بناء على مذهبه في أنها لا تصلى في الأوقات المكروهة. قوله: "فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أو " على " بمعنى عند. قوله: "فرجة" بالضم والفتح معا هي الخلل بين الشيئين. والحلقة بإسكان اللام كل شيء مستدير خالي الوسط والجمع حلق بفتحتين، وحكي فتح اللام في الواحد وهو نادر. وفيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم، وفيه أن من سبق إلى موضع منها كان أحق به. قوله: "وأما الآخر" بفتح الخاء المعجمة، وفيه رد على من زعم أنه يختص بالأخير لإطلاقه هنا على الثاني. قوله: "فأوى إلى الله فآواه الله" قال القرطبي: الرواية الصحيحة بقصر الأول ومد الثاني وهو المشهور في اللغة، وفي القرآن {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} بالقصر، {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} بالمد، وحكي في اللغة القصر والمد معا فيهما. ومعنى أوى إلى الله لجأ إلى الله، أو على الحذف أي انضم إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعنى فآواه الله أي جازاه بنظير فعله بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه. وفيه استحباب الأدب في مجالس العلم وفضل سد خلل الحلقة، كما ورد الترغيب في سد خلل الصفوف في الصلاة، وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ، فإن خشي استحب الجلوس حيث ينتهي كما فعل الثاني. وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير. قوله: "فاستحيا" أي ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياء من النبي صلى الله عليه وسلم وممن حضر قاله القاضي عياض، وقد بين أنس في روايته سبب استحياء هذا الثاني فلفظه عند الحاكم: "ومضى الثاني قليلا ثم جاء فجلس " فالمعنى أنه استحيا من الذهاب عن المجلس كما فعل رفيقه الثالث. قوله: "فاستحيا الله منه" أي رحمه ولم يعاقبه. قوله: "فأعرض الله عنه" أي سخط عليه، وهو محمول على من ذهب معرضا لا لعذر، هذا إن كان مسلما، ويحتمل أن يكون منافقا، واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أمره، كما يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: "فأعرض الله عنه " إخبارا أو دعاء. ووقع في حديث أنس: "فاستغنى فاستغنى الله عنه " وهذا يرشح كونه خبرا، وإطلاق الإعراض وغيره في حق الله تعالى على سبيل المقابلة والمشاكلة، فيحمل كل لفظ منها على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى. وفائدة إطلاق ذلك بيان الشيء بطريق واضح، وفيه جواز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها وأن ذلك لا يعد من الغيبة، وفي الحديث فضل ملازمة حلق العلم والذكر وجلوس العالم والمذكر في المسجد، وفيه الثناء على المستحي. والجلوس حيث ينتهي به المجلس. ولم أقف في شيء من طرق هذا الحديث على تسمية واحد من الثلاثة المذكورين. والله تعالى أعلم.

9- باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ
67- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ أَوْ بِزِمَامِهِ قَالَ: "أَيُّ يَوْمٍ هَذَا" فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ قَالَ "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ" قُلْنَا بَلَى قَالَ "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا"

فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ "أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ" قُلْنَا بَلَى قَالَ "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ"
[الحديث 67- أطرافه في: 7447,7078,5550,4662,4406,3197,1741,105]
قوله: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "رب مبلغ أوعى من سامع" هذا الحديث المعلق، أورد المصنف في الباب معناه، وأما لفظه فهو موصول عنده في باب الخطبة بمنى من كتاب الحج، أورد فيه هذا الحديث من طريق قرة بن خالد عن محمد بن سيرين قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن - حميد بن عبد الرحمن - كلاهما عن أبي بكرة قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: "أتدرون أي يوم هذا " وفي آخره هذا اللفظ. وغفل القطب الحلبي ومن تبعه من الشراح في عزوهم له إلى تخريج الترمذي من حديث ابن مسعود فأبعدوا النجعة، وأوهموا عدم تخريج المصنف له. والله المستعان. و " رب " للتقليل، وقد ترد للتكثير، و " مبلغ " بفتح اللام و " أوعى " نعت له، والذي يتعلق به رب محذوف وتقديره يوجد أو يكون، ويجوز على مذهب الكوفيين في أن رب اسم أن تكون هي مبتدأ وأوعى الخبر فلا حذف ولا تقدير، والمراد: رب مبلغ عني أوعى - أي أفهم - لما أقول من سامع مني. وصرح بذلك أبو القاسم بن منده في روايته من طريق هوذة عن ابن عون ولفظه: "فإنه عسى أن يكون بعض من لم يشهد أوعى لما أقول من بعض من شهد". قوله: "بشر" هو ابن المفضل، ورجال الإسناد كلهم بصريون. قوله: "ذكر النبي صلى الله عليه وسلم" نصب النبي على المفعولية، وفي ذكر ضمير يعود على الراوي، يعني أن أبا بكرة كان يحدثهم فذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قعد على بعيره. وفي رواية النسائي ما يشعر بذلك ولفظه عن أبي بكرة قال. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم. فالواو إما حالية وإما عاطفة والمعطوف عليه محذوف. وقد وقع في رواية ابن عساكر عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد ولا إشكال فيه. قوله: "وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه" الشك من الراوي، والزمام والخطام بمعنى، وهو الخيط الذي تشد فيه الحلقة التي تسمى بالبرة - بضم الموحدة وتخفيف الراء المفتوحة - في أنف البعير. وهذا الممسك سماه بعض الشراح بلالا، واستند إلى ما رواه النسائي من طريق أم الحصين قالت: حججت فرأيت بلالا يقود بخطام راحلة النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. وقد وقع في السنن من حديث عمرو بن خارجة قال: "كنت آخذا بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى. فذكر بعض الخطبة، فهو أولى أن يفسر به المبهم من بلال، لكن الصواب أنه هنا أبو بكرة، فقد ثبت ذلك في رواية الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون ولفظه: "خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته يوم النحر، وأمسكت - إما قال بخطامها، وإما قال بزمامها" - واستفدنا من هذا أن الشك ممن دون أبي بكرة لا منه. وفائدة إمساك الخطام صون البعير عن الاضطراب حتى لا يشوش على راكبه. قوله: "أي يوم هذا" سقط من رواية المستملي والحموي السؤال عن الشهر والجواب الذي قبله فصار هكذا: أي يوم هذا، فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال: أليس بذي الحجة؟ وكذا في رواية الأصيلي وتوجيهه ظاهر، وهو من إطلاق الكل على البعض، ولكن الثابت في الروايات عند مسلم وغيره ما ثبت عند الكشميهني وكريمة، وكذلك وقع في رواية مسلم وغيره السؤال عن

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 03:33 AM
البلد، وهذا كله في رواية ابن عون، وثبت السؤال عن الثلاثة عند المصنف في الأضاحي من رواية أيوب، وفي الحج من رواية قرة كلاهما عن ابن سيرين، قال القرطبي: سؤاله صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كان لاستحضار فهو مهم وليقبلوا عليه بكليتهم، وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه، ولذلك قال بعد هذا: فإن دمائكم الخ، مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء. انتهى. ومناط التشبيه في قوله: "كحرمة يومكم " وما بعده ظهوره عند السامعين، لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتا في نفوسهم - مقررا عندهم، بخلاف الأنفس والأموال والأعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها، فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم، فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه، لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع. ووقع في الروايات التي أشرنا إليها عند المصنف وغيره أنهم أجابوه عن كل سؤال بقولهم: الله ورسوله أعلم. وذلك من حسن أدبهم، لأنهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب، وأنه ليس مراده مطلق الإخبار بما يعرفونه، ولهذا قال في رواية الباب: حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه. ففيه إشارة إلى تفويض الأمور الكلية إلى الشارع، ويستفاد منه الحجة لمثبتي الحقائق الشرعية. قوله: "فإن دماءكم الخ" هو على حذف مضاف، أي سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم. والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو سلفه. قوله: "ليبلغ الشاهد" أي الحاضر في المجلس "الغائب" أي الغائب عنه، والمراد إما تبليغ القول المذكور أو تبليغ جميع الأحكام. وقوله: "منه " صلة لأفعل التفضيل، وجاز الفصل بينهما لأن في الظرف سعة، وليس الفاصل أيضا أجنبيا. "فائدة": وقع في حديث الباب: "فسكتنا بعد السؤال". وعند المصنف في الحج من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام. وظاهرهما التعارض، والجمع بينهما أن الطائفة الذين كان فيهم ابن عباس أجابوا، والطائفة الذين كان فيهم أبو بكرة لم يجيبوا بل قالوا: الله ورسوله أعلم كما أشرنا إليه. أو تكون رواية ابن عباس بالمعنى، لأن في حديث أبي بكرة عند المصنف في الحج وفي الفتن أنه لما قال: "أليس يوم النحر؟" قالوا بلى " بمعنى قولهم يوم حرام بالاستلزام، وغايته أن أبا بكرة نقل السياق بتمامه، واختصره ابن عباس. وكأن ذلك كان بسبب قرب أبي بكرة منه لكونه كان آخذا بخطام الناقة. وقال بعضهم: يحتمل تعدد الخطبة، فإن أراد أنه كررها في يوم النحر فيحتاج لدليل، فإن في حديث ابن عمر عند المصنف في الحج أن ذلك كان يوم النحر بين الجمرات في حجته. وفي هذا الحديث من الفوائد - غير ما تقدم - الحث على تبليغ العلم، وجواز التحمل قبل كمال الأهلية. وأن الفهم ليس شرطا في الأداء، وأنه قد يأتي في الآخر من يكون أفهم ممن تقدمه لكن بقلة، واستنبط ابن المنير من تعليل كون المتأخر أرجح نظرا من المتقدم أن تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره. وفيه جواز القعود على ظهر الدواب وهي واقفة إذا احتيج إلى ذلك، وحمل النهي الوارد في ذلك على ما إذا كان لغير ضرورة(1). وفيه الخطبة على موضع عال ليكون أبلغ في إسماعه للناس ورؤيتهم إياه.

10- باب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ وَأَنَّ
ـــــــ
(1)لو قال لغير حاجة لكان أصح

الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَرَّثُوا الْعِلْمَ مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وَقَالَ {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} وَقَالَ {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ" وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ "لَوْ وَضَعْتُمْ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لاَنْفَذْتُهَا" وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ "كُونُوا رَبَّانِيِّينَ حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ" وَيُقَالُ "الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ"
قوله: "باب العلم قبل القول والعمل" قال ابن المنير: أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل، فنبه المصنف على ذلك حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم: "إن العلم لا ينفع إلا بالعمل " تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه. قوله: "فبدأ بالعلم" أي حيث قال: "فاعلم أنه لا إله إلا الله " ثم قال: "واستغفر لذنبك". والخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو متناول لأمته. واستدل سفيان بن عيينة بهذه الآية على فضل العلم كما أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمته من طريق الربيع بن نافع عنه أنه تلاها فقال: ألم تسمع أنه بدأ به فقال: "اعلم " ثم أمره بالعمل؟ وينتزع منها دليل ما يقوله المتكلمون من وجوب المعرفة، لكن النزاع كما قدمناه إنما هو في إيجاب تعلم الأدلة على القوانين المذكورة في كتب الكلام، وقد تقدم شيء من هذا في كتاب الإيمان. قوله: "وأن العلماء" بفتح أن، ويجوز كسرها، ومن هنا إلى قوله: "وافر " طرف من حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم مصححا من حديث أبي الدرداء وحسنه حمزة الكناني، وضعفه عندهم سنده، لكن له شواهد يتقوى بها، ولم يفصح المصنف بكونه حديثا فلهذا لا يعد في تعاليقه، لكن إيراده له في الترجمة يشعر بأن له أصلا، وشاهده في القرآن قوله تعالى :{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ، ومناسبته للترجمة من جهة أن الوارث قائم مقام الموروث، فله حكمه فيما قام مقامه فيه. قوله: "ورثوا" بتشديد الراء المفتوحة، أي الأنبياء. ويروى بتخفيفها مع الكسر أي العلماء. ويؤيد الأول ما عند الترمذي وغيره فيه: وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم". قوله: "بحظ" أي نصيب "وافر" أي كامل. قوله: "ومن سلك طريقا" هو من جملة الحديث المذكور، وقد أخرج هذه الجملة أيضا مسلم من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في حديث غير هذا، وأخرجه الترمذي وقال: حسن. قال: ولم يقل له صحيح لأنه يقال إن الأعمش دلس فيه فقال حدثت عن أبي صالح. قلت: لكن في رواية مسلم عن أبي أسامة عن الأعمش: "حدثنا أبو صالح " فانتفت تهمة تدليسه. قوله: "طريقا" نكرها ونكر " علما " لتناول أنواع الطرق الموصلة إلى تحصيل العلوم الدينية، وليندرج فيه القليل والكثير. قوله: "سهل الله له طريقا" أي في الآخرة، أو في الدنيا بأن يوفقه للأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة. وفيه بشارة بتسهيل العلم على طالبه لأن طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة. قوله: "وقال" أي الله عز وجل، وهو معطوف على قوله: لقول الله {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ} أي يخاف من الله من

علم قدرته وسلطانه وهم العلماء قاله ابن عباس. قوله: {وَمَا يَعْقِلُهَا} أي الأمثال المضروبة. قوله: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} أي سمع من يعي ويفهم {أَوْ نَعْقِلُ} عقل من يميز، وهذه أوصاف أهل العلم. فالمعنى لو كنا من أهل العلم لعلمنا ما يجب علينا فعملنا به فنجونا. قوله: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه" كذا في رواية الأكثر. وفي رواية المستملي: "يفهمه " بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم، وقد وصله المؤلف باللفظ الأول بعد هذا ببابين كما سيأتي. وأما اللفظ الثاني فأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب العلم من طريق ابن عمر عن عمر مرفوعا، وإسناده حسن. والفقه هو الفهم قال الله تعالى :{لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} أي لا يفهمون، والمراد الفهم في الأحكام الشرعية. قوله: "وإنما العلم بالتعلم" هو حديث مرفوع أيضا، أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية أيضا بلفظ: "يا أيها الناس تعلموا، إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " إسناده حسن، إلا أن فيه مبهما اعتضد بمجيئه من وجه آخر، وروى البزار نحوه من حديث ابن مسعود موقوفا، ورواه أبو نعيم الأصبهاني مرفوعا. وفي الباب عن أبي الدرداء وغيره. فلا يغتر بقوله من جعله من كلام البخاري، والمعنى ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم على سبيل التعلم. قوله: "وقال أبو ذر الخ" هذا التعليق رويناه موصولا في مسند الدارمي وغيره من طريق الأوزاعي: حدثني أبو كثير - يعني مالك بن مرثد - عن أبيه قال: أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه، فأتاه رجل فوقف عليه ثم قال: ألم تنه عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت علي؟ لو وضعتم...فذكر مثله. ورويناه في الحلية من هذا الوجه، وبين أن الذي خاطبه رجل من قريش، وأن الذي نهاه عن الفتيا عثمان رضي الله عنه. وكان سبب ذلك أنه كان بالشام فاختلف مع معاوية في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} فقال معاوية: "نزلت في أهل الكتاب خاصة". وقال أبو ذر: "نزلت فيهم وفينا". فكتب معاوية إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذر، فحصلت منازعة أدت إلى انتقال أبي ذر عن المدينة فسكن الربذة - بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة - إلى أن مات رواه النسائي. وفيه دليل على أن أبا ذر كان لا يرى بطاعة الإمام إذا نهاه عن الفتيا؛ لأنه كان يرى أن ذلك واجب عليه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه كما تقدم، ولعله أيضا سمع الوعيد في حق من كتم علما يعلمه، وسيأتي لعلي مع عثمان نحوه. والصمصامة بمهملتين الأولى مفتوحة هو السيف الصارم الذي لا ينثني، وقيل الذي له حد واحد. قوله: "هذه" إشارة إلى القفا، وهو يذكر ويؤنث، وأنفذ بضم الهمزة وكسر الفاء والذال المعجمة أي أمضى، وتجيزوا بضم المثناة وكسر الجيم وبعد الياء زاي، أي تكملوا قتلي، ونكر " كلمة " ليشمل القليل والكثير. والمراد به يبلغ ما تحمله في كل حال ولا ينتهي عن ذلك ولو أشرف على القتل. و " لو " في كلامه لمجرد الشرط من غير أن يلاحظ الامتناع، أو المراد أن الإنفاذ حاصل على تقدير وضع الصمصامة، وعلى تقدير عدم حصوله أولى، فهو مثل قوله: "لو لم يخف الله لم يعصه " وفيه الحث على تعليم العلم واحتمال المشقة فيه والصبر على الأذى طلبا للثواب. قوله: "وقال ابن عباس" كذا التعليق وصله ابن أبي عاصم أيضا بإسناد حسن، والخطيب بإسناد آخر حسن. وقد فسر ابن عباس: "الرباني " بأنه الحكيم الفقيه، ووافقه ابن مسعود فيما رواه إبراهيم الحربي في غريبه عنه بإسناد صحيح. وقال الأصمعي والإسماعيلي الرباني نسبه إلى الرب أي الذي يقصد ما أمره الرب بقصده من العلم والعمل. وقال ثعلب قيل للعلماء ربانيون لأنهم يربون العلم أي يقومون به، وزيدت
الألف والنون للمبالغة. والحاصل أنه اختلف في هذه النسبة هل هي نسبة إلى الرب أو إلى التربية، والتربية على هذا للعلم، وعلى ما حكاه البخاري لتعلمه. والمراد بصغار العلم ما وضح من مسائله، وبكباره ما دق منها. وقيل يعلمهم جزئياته قبل كلياته، أو فروعه قبل أصوله، أو مقدماته قبل مقاصده. وقال ابن الأعرابي: لا يقال للعالم رباني حتى يكون عالما معلما عاملا. "فائدة": اقتصر المصنف في هذا الباب على ما أورده من غير أن يورد حديثا موصولا على شرطه، فإما أن يكون بيض له ليورد فيه ما يثبت على شرطه، أو يكون تعمد ذلك اكتفاء بما ذكر. والله أعلم.
باب ماكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا
...
11- باب مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَيْ لاَ يَنْفِرُوا
68- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا".
[الحديث 68- طرفاه في:6411,70]
قوله: "باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم" هو بالخاء المعجمة، أي يتعهدهم، والموعظة النصح والتذكير، وعطف العلم عليها من باب عطف العام على الخاص لأن العلم يشمل الموعظة وغيرها، وإنما عطفه لأنها منصوصة في الحديث، وذكر العلم استنباطا. قوله: "لئلا ينفروا" استعمل في الترجمة معنى الحديثين اللذين ساقهما، وتضمن ذلك تفسير السآمة بالنفور وهما متقاربان، ومناسبته لما قبله ظاهرة من جهة ما حكاه أخيرا من تفسير الرباني، كمناسبة الذي قبله من تشديد أبي ذر في أمر التبليغ لما قبله من الأمر بالتبليغ. وغالب أبواب هذا الكتاب لمن أمعن النظر فيها والتأمل لا يخلو عن ذلك. قوله: "سفيان" هو الثوري، وقد رواه أحمد في مسنده عن ابن عيينة، لكن محمد بن يوسف الفرياي وإن كان يروي عن السفيانين فإنه حين يطلق يريد به الثوري، كما أن البخاري حيث يطلق محمد بن يوسف لا يريد به إلا الفريابي وإن كان يروي عن محمد بن يوسف البيكندي أيضا. وقد وهم من زعم أنه هنا البيكندي. قوله: "عن أبي وائل" في رواية أحمد المذكورة: سمعت شقيقا وهو أبو وائل. وأفاد هذا التصريح رفع ما يتوهم في رواية مسلم التي أخرجها من طريق علي بن مسهر عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله فذكر الحديث قال علي بن مسهر قال الأعمش: وحدثني عمرو بن مرة عن شقيق عن عبد الله مثله، فقد يوهم هذا أن الأعمش دلسه أولا عن شقيق، ثم سمى الواسطة بينهما، وليس كذلك، بل سمعه من أبي وائل بلا واسطة وسمعه عنه بواسطة، وأراد بذكر الرواية الثانية وإن كانت نازلة تأكيده، أو لينبه على عنايته بالرواية من حيث إنه سمعه نازلا فلم يقنع بذلك حتى سمعه عاليا، وكذا صرح الأعمش بالتحديث عند المصنف في الدعوات من رواية حفص بن غياث عنه قال: حدثني شقيق. وزاد في أوله أنهم كانوا ينتظرون عبد الله بن مسعود ليخرج إليهم فيذكرهم، وأنه لما خرج قال: أما إني أخبر بمكانكم، ولكنه يمنعني من الخروج إليكم..فذكر الحديث. قوله: "كان يتخولنا" بالخاء المعجمة وتشديد الواو، قال الخطابي: الخائل بالمعجمة هو القائم المتعهد للمال، يقال خال المال يخوله تخولا إذا تعهده وأصلحه. والمعنى كان يراعي الأوقات في تذكيرنا، ولا يفعل ذلك كل يوم لئلا نمل. والتخون بالنون أيضا يقال تخون الشيء إذا تعهده وحفظه، أي اجتنب الخيانة فيه، كما قيل في تحنث وتأثم ونظائرهما. وقد قيل إن أبا عمرو
بن العلاء سمع الأعمش يحدث هذا الحديث فقال: "يتخولنا " باللام فرده عليه بالنون فلم يرجع لأجل الرواية، وكلا اللفظين جائز. وحكى أبو عبيد الهروي في الغريبين عن أبي عمرو الشيباني أنه كان يقول: الصواب " يتحولنا " بالحاء المهملة أي يتطلب أحوالنا التي ننشط فيها للموعظة. قلت: والصواب من حيث الرواية الأولى فقد رواه منصور عن أبي وائل كرواية الأعمش، وهو في الباب الآتي. وإذا ثبتت الرواية وصح المعنى بطل الاعتراض. قوله: "علينا" أي السآمة الطارئة علينا، أو ضمن السآمة معنى المشقة فعداها بعلى، والصلة محذوفة والتقدير من الموعظة. ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال، وإن كانت المواظبة مطلوبة لكنها على قسمين: إما كل يوم مع عدم التكلف. وإما يوما بعد يوم فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليقبل على الثاني بنشاط، وإما يوما في الجمعة، ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط. واحتمل عمل ابن مسعود من استدلاله أن يكون اقتدى بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حتى في اليوم الذي عينه، واحتمل أن يكون اقتدى بمجرد التخلل بين العمل والترك الذي عبر عنه بالتخول، والثاني أظهر. وأخذ بعض العلماء من حديث الباب كراهية تشبيه غير الرواتب بالرواتب بالمواظبة عليها في وقت معين دائما، وجاء عن مالك ما يشبه ذلك.
69- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا"
[الحديث 69- طرفه في:6125]
قوله: "أبو التياح" تقدم أنه بفتح المثناة الفوقانية وتشديد التحتانية وآخره مهملة. قوله: "ولا تعسروا" الفائدة فيه التصريح باللازم تأكيدا. وقال النووي: لو اقتصر على يسروا لصدق على من يسر مرة وعسر كثيرا، فقال: "ولا تعسروا " لنفي التعسير في جميع الأحوال، وكذا القول في عطفه عليه: "ولا تنفروا" . وأيضا فإن المقام مقام الإطناب لا الإيجاز. قوله: "وبشروا" بعد قوله: "يسروا " فيه الجناس الخطي. ووقع عند المصنف في الأدب عن آدم عن شعبة بدلها: "وسكنوا " وهي التي تقابل ولا تنفروا، لأن السكون ضد النفور، كما أن ضد البشارة النذارة، لكن لما كانت النذارة - وهي الإخبار بالشر - في ابتداء التعليم توجب النفرة قوبلت البشارة بالتنفير، والمراد تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليه في الابتداء. وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل، وكذا تعلم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج، لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلا حبب إلى من يدخل فيه وتلقاه بانبساط، وكانت عاقبته غالبا الازدياد، بخلاف ضده. والله تعالى أعلم.
12- باب مَنْ جَعَلَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً
70- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: "كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ قَالَ أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا"
قوله: "باب من جعل لأهل العلم يوما معلوما" في رواية كريمة أياما معلومة، وللكشميهني معلومات، وكأنه

أخذ هذا من صنيع ابن مسعود في تذكيره كل خميس، أو من استنباط عبد الله ذلك من الحديث الذي أورده. قوله: "جرير" و ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر. قوله: "كان عبد الله" هو ابن مسعود، وكنيته أبو عبد الرحمن. قوله: "فقال له رجل" هذا المبهم يشبه أن يكون هو يزيد بن معاوية النخعي، وفي سياق المصنف في أواخر الدعوات ما يرشد إليه. قوله: "لوددت" للام جواب قسم محذوف، أي والله لوددت، وفاعل " يمنعني " أني أكره بفتح همزة أني، وأملكم بضم الهمزة أي أضجركم، وإني الثانية بكسر الهمزة. وقد تقدم شرح المتن قريبا. والإسناد كله كوفيون، وحديث أنس الذي قبله بصريون.

13- باب مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ
71- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ" .
[الحديث 71- أطرافه في: 7460,7312,3641,3116,]
قوله: "باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" ليس في أكثر الروايات في الترجمة قوله: "في الدين " وثبتت للكشميهني.قوله: "حدثنا سعيد بن عفير" هو سعيد بن كثير بن عفير، نسب إلى جده، وهو بالمهملة مصغرا. قوله: "عن ابن شهاب" قال حميد في الاعتصام: للمؤلف من هذا الوجه: أخبرني حميد. ولمسلم: حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف، زاد تسمية جده قوله: "سمعت معاوية" هو ابن أبي سفيان. قوله: "خطيبا" هو حال من المفعول. وفي رواية مسلم والاعتصام. " سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو يخطب". وهذا الحديث مشتمل على ثلاثة أحكام: أحدها فضل النفقة في الدين. وثانيها أن المعطي في الحقيقة هو الله. وثالثها أن بعض هذه الأمة يبقى على الحق أبدا. فالأول لائق بأبواب العلم. والثاني لائق بقسم الصدقات، ولهذا أورده مسلم في الزكاة، والمؤلف في الخمس. والثالث لائق بذكر أشراط الساعة، وقد أورده المؤلف في الاعتصام لالتفاته إلى مسألة عدم خلو الزمان عن مجتهد، وسيأتي بسط القول فيه هناك، وأن المراد بأمر الله هنا الريح التي تقبض روح كل من في قلبه شيء من الإيمان ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة. وقد تتعلق لأحاديث الثلاثة بأبواب العلم - بل بترجمة هذا الباب خاصة - من جهة إثبات الخير لمن تفقه في دين الله، وأن ذلك لا يكون بالاكتساب فقط، بل لمن يفتح الله عليه به، وأن من يفتح الله عليه بذلك لا يزال جنسه موجودا حتى يأتي أمر الله، وقد جزم البخاري بأن المراد بهم أهل العلم بالآثار. وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم. وقال القاضي عياض: أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث. وقال النووي: محتمل أن تكون هذه الطائفة فرقة من أنواع المؤمنين ممن يقيم أمر الله تعالى من مجاهد وفقيه ومحدث وزاهد وآمر بالمعروف وغير ذلك من أنواع الخير، ولا يلزم اجتماعهم في مكان واحد بل يجوز أن يكونوا متفرقين. قلت: وسيأتي بسط ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى. قوله: "يفقهه" أي يفهمه كما تقدم، وهي ساكنة الهاء لأنها جواب الشرط، يقال فقه بالضم إذا صار الفقه له سجية،
وفقه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم، وفقه بالكسر إذا فهم. ونكر " خيرا " ليشمل القليل والكثير، والتنكير للتعظيم لأن المقام يقتضيه. ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين - أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع - فقد حرم الخير. وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره: "ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به " والمعنى صحيح، لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيها ولا طالب فقه، فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير، وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم. وسيأتي بقية الكلام على الحديثين الآخرين في موضعهما من الخمس والاعتصام إن شاء الله تعالى. وقوله: "لن تزال هذه الأمة " يعني بعض الأمة كما يجيء مصرحا به في الموضع الذي أشرت إليه إن شاء الله تعالى.
14 - باب الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ
72- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ حَدِيثًا وَاحِدًا قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ "إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا كَمَثَلِ الْمُسْلِمِ" فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَسَكَتُّ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هِيَ النَّخْلَةُ"
قوله: "باب الفهم" أي فضل الفهم "في العلم" أي في العلوم. قوله: "حدثنا علي" في رواية أبي ذر: "ابن عبد الله " وهو المعروف بابن المديني. قوله: "حدثنا سفيان قال: قال لي ابن أبي نجيح" في مسنده الحميدي عن سفيان: حدثني ابن أبي نجيح. قوله: "صحبت ابن عمر إلى المدينة" فيه ما كان بعض الصحابة عليه من توقي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عند الحاجة خشية الزيادة والنقصان، وهذه كانت طريقة ابن عمر ووالده عمر وجماعة، وإنما كثرت أحاديث ابن عمر مع ذلك لكثرة من كان يسأله ويستفتيه، وقد تقدم الكلام على متن حديث الباب في أوائل كتاب العلم. ومناسبته للترجمة أن ابن عمر لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسألة عند إحضار الجمار إليه فهم أن المسؤول عنه النخلة، فالفهم فطنة يفهم بها صاحبها من الكلام ما يقترن به من قول أو فعل، وقد أخرج أحمد في حديث أبي سعيد الآتي في الوفاة النبوية حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عبدا خيره الله " فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا، فتعجب الناس. وكان أبو بكر فهم من المقام أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المخير، فمن ثم قال أبو سعيد: فكان أبو بكر أعلمنا به. والله الهادي إلى الصواب.

15- باب الِاغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ.
وَقَالَ عُمَرُ تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَبَعْدَ أَنْ تُسَوَّدُوا وَقَدْ تَعَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِبَرِ سِنِّهِمْ
73- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَلَى غَيْرِ مَا حَدَّثَنَاهُ الزُّهْرِيُّ قَالَ سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا"
[الحديث73- أطرافه في: 7316,7141,1409,]
باب ماذكر في ذهاب موسى صلى الله عليه وسلم في البحر إلى الخضر وقوله تعالى { هل أتبعك على أن تعلمني مماعلمت رشدا }
...
16- باب مَا ذُكِرَ فِي ذَهَابِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ إِلَى الْخَضِرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}

74- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ خَضِرٌ فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ "إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ شَأْنَهُ قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلاَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ قَالَ مُوسَى لاَ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ وَكَانَ يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا خَضِرًا فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ"
[الحديث74-أطرافه في, 7478,6672,4727,4726,4725,3401,3400,3278,2728,2267, 122,78]
قوله: "باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر" هذا الباب معقود للترغيب في احتمال المشقة في طلب العلم، لأن ما يغتبط به تحتمل المشقة فيه، ولأن موسى عليه الصلاة والسلام لم يمنعه بلوغه من السيادة المحل الأعلى من طلب العلم وركوب البر والبحر لأجله، فظهر بهذا مناسبة هذا الباب لما قبله. وظاهر التبويب أن موسى ركب البحر لما توجه في طلب الخضر. وفيه نظر لأن الذي ثبت عند المصنف وغيره أنه خرج في البر وسيأتي بلفظ: "فخرجا يمشيان " وفي لفظ لأحمد " حتى أتيا الصخرة " وإنما ركب البحر في السفينة هو والخضر بعد أن التقيا، فيحمل قوله: "إلى الخضر " على أن فيه حذفا، أي إلى مقصد الخضر، لأن موسى لم يركب البحر لحاجة نفسه، وإنما ركبه تبعا للخضر، ويحتمل أن يكون التقدير ذهاب موسى في ساحل البحر، فيكون فيه حذف، ويمكن أن يقال: مقصود الذهاب إنما حصل بتمام القصة، ومن تمامها أنه ركب معه البحر، فأطلق على جميعها ذهابا مجازا، إما من إطلاق الكل على البعض أو من تسمية السبب باسم ما تسبب عنه. وحمله ابن المنير على أن " إلى " بمعنى مع. وقال ابن رشيد: يحتمل أن يكون ثبت عند البخاري أن موسى يوجه في البحر لما طلب الخضر قلت: لعله قوي عنده أحد الاحتمالين في قوله: "فكان يتبع أثر الحوت في البحر " فالظرف يحتمل أن يكون لموسى، ويحتمل أن يكون للحوت، ويؤيد الأول ما جاء عن أبي العالية وغيره، فروى عبد بن حميد عن أبي العالية أن موسى التقى بالخضر في جزيرة من جزائر البحر. انتهى. والتوصل إلى جزيرة في البحر لا يقع إلا بسلوك البحر غالبا. وعنده أيضا من طريق الربيع بن أنس قال: إنجاب الماء عن مسلك الحوت فصار طاقة مفتوحة فدخلها موسى على أثر الحوت حتى انتهى إلى الخضر. فهذا يوضح أنه ركب البحر إليه. وهذان الأثران الموقوفان رجالهما ثقات. قوله: "الآية" هو بالنصب بتقدير فذكر. وقد ذكر الأصيلي في روايته باقي الآية وهي قوله: "مما علمت رشدا". قوله: "حدثنا" وللأصيلي: "حدثني " بالإفراد. قوله: "غرير" تقدم في المقدمة أنه بالغين المعجمة مصغرا، ومحمد وشيخه وأبوه إبراهيم بن سعد زهريون، وكذا
ابن شهاب شيخ صالح وهو ابن كيسان. قوله: "حدثه" للكشميهني: "حدث " بغير هاء، وهو محمول على السماع لأن صالحا غير مدلس. قوله: "تمارى" أي تجادل. قوله: "والحر" هو بضم الحاء وتشديد الراء المهملتين، وهو صحابي مشهور ذكره ابن السكن وغيره، وله ذكر عند المصنف أيضا في قصة له مع عمر قال فيها: وكان الحر من النفر الذين يدنيهم عمر، يعني لفضلهم. قوله: "قال ابن عباس هو خضر" لم يذكر ما قال الحر بن قيس، ولا وقفت على ذلك في شيء من طرق هذا الحديث. وخضر بفتح أوله وكسر ثانيه أو بكسر أوله وإسكان ثانيه، ثبتت بهما الرواية، وبإثبات الألف واللام فيه، وبحذفهما. وهذا التماري الذي وقع بين ابن عباس والحر غير التماري الذي وقع بين سعيد بن جبير ونوف البكالي، فإن هذا في صاحب موسى هل هو الخضر أو غيره. وذاك في موسى هل هو موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة أو موسى بن ميشا بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها معجمة. وسياق سعيد بن جبير للحديث عن ابن عباس أتم من سياق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لهذا بشيء كثير، وسيأتي ذكر ذلك مفصلا في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى. ويقال إن اسم الخضر بليا بموحدة ولام ساكنة ثم تحتانية، وسيأتي في أحاديث الأنبياء النقل عن سبب تلقيبه بالخضر، وسيأتي نقل الخلاف في نسبه وهل هو رسول أو نبي فقط أو ملك بفتح اللام أو ولي فقط، وهل هو باق أو مات. قوله: "فدعاه" أي ناداه. وذكر ابن التين أن فيه حذفا والتقدير: فقام إليه فسأله، لأن المعروف عن ابن عباس التأدب مع من يأخذ عنه، وأخباره في ذلك شهيرة. قوله: "إذ جاء رجل" لم أقف على تسميته. قوله: "بلى عبدنا" أي هو أعلم، وللكشميهني: "بل " بإسكان اللام، والتقدير فأوحى الله إليه لا تطلق النفي بل قل خضر. وإنما قال عبدنا - وإن كان السياق يقتضي أن يقول عبد الله - لكونه أورده على طريق الحكاية عن الله سبحانه وتعالى، والإضافة فيه للتعظيم. قوله: "يتبع أثر الحوت في البحر" في هذا السياق اختصار يأتي بيانه عند شرحه إن شاء الله تعالى. قوله: "ما كنا نبغي" أي نطلب، لأن فقد الحوت جعل آية أي علامة على الموضع الذي فيه الخضر. وفي الحديث جواز التجادل في العلم إذا كان بغير تعنت، والرجوع إلى أهل العلم عند التنازع، والعمل بخبر الواحد الصدوق، وركوب البحر في طلب العلم بل في طلب الاستكثار منه، ومشروعية حمل الزاد في السفر، ولزوم التواضع في كل حال، ولهذا حرص موسى على الالتقاء بالخضر عليهما السلام وطلب التعلم منه تعليما لقومه أن يتأدبوا بأدبه، وتنبيها لمن زكى نفسه أن يسلك مسلك التواضع.
17- باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ"
75- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ"
[الحديث75- أطرافه في: 7270,3756,143]
قوله: "باب قوله النبي صلى الله عليه وسلم اللهم علمه الكتاب" استعمل لفظ الحديث ترجمة تمسكا بأن ذلك لا يختص جوازه بابن عباس، والضمير على هذا لغير مذكور، ويحتمل أن يكون لابن عباس نفسه لتقدم ذكره في الحديث الذي قبله، إشارة إلى أن الذي وقع لابن عباس من غلبته للحر بن قيس إنما كان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له. قوله: "حدثنا أبو معمر" هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المعروف بالمقعد البصري. قوله: "حدثنا خالد" هو ابن مهران
الحذاء. قوله: "ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد المصنف في فضل ابن عباس عن مسدد عن عبد الوارث " إلى صدره " وكان ابن عباس إذ ذاك غلاما مميزا، فيستفاد منه جواز احتضان الصبي القريب على سبيل الشفقة. قوله: "علمه الكتاب" بين المصنف في كتاب الطهارة من طريق عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس سبب هذا الدعاء ولفظه: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء فوضعت له وضوءا " زاد مسلم. " فلما خرج قال: من وضع هذا؟ فأخبر " ولمسلم قالوا ابن عباس، ولأحمد وابن حبان من طريق سعيد بن جبير عنه أن ميمونة هي التي أخبرته بذلك، وأن ذلك كان في بيتها ليلا، ولعل ذلك كان في الليلة التي بات ابن عباس فيها عندها ليرى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. وقد أخرج أحمد من طريق عمرو بن دينار عن كريب عن ابن عباس في قيامه خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل وفيه: "فقال لي ما بالك؟ أجعلك حذائي فتخلفني. فقلت: أوينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله؟ فدعا لي أن يزيدني الله فهما وعلما " والمراد بالكتاب القرآن لأن العرف الشرعي عليه، والمراد بالتعليم ما هو أعم من حفظه والتفهم فيه. ووقع في رواية مسدد " الحكمة " بدل الكتاب وذكر الإسماعيلي أن ذلك هو الثابت في الطرق كلها عن خالد الحذاء، كذا قال وفيه نظر، لأن المصنف أخرجه أيضا من حديث وهيب عن خالد بلفظ: "الكتاب " أيضا، فيحمل على أن المراد بالحكمة أيضا القرآن، فيكون بعضهم رواه بالمعنى. وللنسائي والترمذي من طريق عطاء عن ابن عباس قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتي الحكمة مرتين، فيحتمل تعدد الواقعة، فيكون المراد بالكتاب القرآن وبالحكمة السنة. ويؤيده أن في رواية عبيد الله بن أبي يزيد التي قدمناها عند الشيخين: "اللهم فقهه في الدين " لكن لم يقع عند مسلم: "في الدين". وذكر الحميدي في الجمع أن أبا مسعود ذكره في أطراف الصحيحين بلفظ: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل " قال الحميدي: وهذه الزيادة ليست في الصحيحين. قلت: وهو كما قال. نعم هي في رواية سعيد بن جبير التي قدمناها عند أحمد وابن حبان والطبراني ورواها ابن سعد من وجه آخر عن عكرمة مرسلا. وأخرج البغوي في معجم الصحابة من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر: كان عمر يدعو ابن عباس ويقربه ويقول: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يوما فمسح رأسك وقال: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" . ووقع في بعض نسخ ابن ماجه من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء في حديث الباب بلفظ: "اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب " وهذه الزيادة مستغربة من هذا الوجه، فقد رواه الترمذي والإسماعيلي وغيرهما من طريق عبد الوهاب بدونها، وقد وجدتها عند ابن سعد من وجه آخر عن طاوس عن ابن عباس قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال: "اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب" . وقد رواه أحمد عن هشيم عن خالد في حديث الباب بلفظ: "مسح على رأسي " وهذه الدعوة مما تحقق إجابة النبي صلى الله عليه وسلم فيها، لما علم من حال ابن عباس في معرفة التفسير والفقه في الدين رضي الله عنه. واختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل: القرآن كما تقدم، وقيل العمل به، وقيل السنة، وقيل الإصابة في القول، وقيل الخشية، وقيل الفهم عن الله، وقيل العقل، وقيل ما يشهد العقل بصحته، وقيل نور يفرق به بين الإلهام والوسواس، وقيل سرعة الجواب مع الإصابة. وبعض هذه الأقوال ذكرها بعض أهل التفسير في تفسير قوله تعالى :{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَة}. والأقرب أن المراد بها في حديث ابن عباس الفهم في القرآن، وسيأتي مزيد لذلك في المناقب إن شاء الله تعالى.
18- باب مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ؟
76- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلاَمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيَّ"
[الحديث 76- أطرافه في:4412,1857,861,493]
قوله: "باب متى يصح سماع الصغير" زاد الكشميهني: "الصبي الصغير". ومقصود الباب الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطا في التحمل. وقال الكرماني: إن معنى الصحة هنا جواز قبول مسموعه. قلت: وهذا تفسير لثمرة الصحة لا لنفس الصحة. وأشار المصنف بهذا إلى اختلاف وقع بين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين رواه الخطيب في الكفاية عن عبد الله بن أحمد وغيره أن يحيى قال: أقل سن التحمل خمس عشرة سنة لكون ابن عمر رد يوم أحد إذ لم يبلغها. فبلغ ذلك أحمد فقال: بل إذا عقل ما يسمع، وإنما قصة ابن عمر في القتال. ثم أورد الخطيب أشياء مما حفظها جمع من الصحابة ومن بعدهم في الصغر وحدثوا بها بعد ذلك وقبلت عنهم، وهذا هو المعتمد، وما قاله ابن معين إن أراد به تحديد ابتداء الطلب بنفسه فموجه، وإن أراد به رد حديث من سمع اتفاقا أو اعتنى به فسمع وهو صغير فلا، وقد نقل ابن عبد البر الاتفاق على قبول هذا، وفيه دليل على أن مراد ابن معين الأول، وأما احتجاجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم رد البراء وغيره يوم بدر ممن كان لم يبلغ خمس عشرة فمردود بأن القتال يقصد فيه مزيد القوة والتبصر في الحرب، فكانت مظنته سن البلوغ، والسماع يقصد فيه الفهم فكانت مظنته التمييز. وقد احتج الأوزاعي لذلك بحديث: "مروهم بالصلاة لسبع". قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أويس، وقد ثبت ذلك في رواية كريمة. قوله: "على حمار" هو اسم جنس يشمل الذكر والأنثى كقولك بعير. وقد شذ حمارة في الأنثى حكاه في الصحاح. وأتان بفتح الهمزة وشذ كسرها كما حكاه الصغاني هي الأنثى من الحمير، وربما قالوا للأنثى أتانة حكاه يونس وأنكره غيره، فجاء في الرواية على اللغة الفصحى. وحمار أتان بالتنوين فيهما على النعت أو البدل، وروي بالإضافة. وذكر ابن الأثير أن فائدة التنصيص على كونها أنثى للاستدلال بطريق الأولى على أن الأنثى من بني آدم لا تقطع الصلاة لأنهن أشرف، وهو قياس صحيح من حيث النظر، إلا أن الخبر الصحيح لا يدفع بمثله كما سيأتي البحث فيه في الصلاة إن شاء الله تعالى. قوله: "ناهزت" أي قاربت، والمراد بالاحتلام البلوغ الشرعي. قوله: "إلى غير جدار" أي إلى غير سترة قاله الشافعي. وسياق الكلام يدل على ذلك، لأن ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته. ويؤيده رواية البزار بلفظ: "والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة ليس لشيء يستره". قوله: "بين يدي بعض الصف" و مجاز عن الإمام بفتح الهمزة، لأن الصف ليس له يد. وبعض الصف يحتمل أن يراد به صف من الصفوف أو بعض من أحد الصفوف قاله الكرماني. قوله: "ترتع" بمثناتين مفتوحتين وضم العين أي تأكل ما تشاء، وقيل تسرع في المشي، وجاء أيضا بكسر العين بوزن يفتعل من الرعي، وأصله ترتعي لكن حذفت الياء تخفيفا، والأول أصوب، ويدل عليه رواية المصنف في الحج نزلت عنها فرتعت.قوله: "ودخلت"
وللكشميهني: "فدخلت " بالفاء. قوله: "فلم ينكر ذلك علي أحد" قيل فيه جواز تقديم المصلحة الراجحة على المفسدة الخفيفة، لأن المرور مفسدة خفيفة، والدخول في الصلاة مصلحة راجحة، واستدل ابن عباس على الجواز بعدم الإنكار لانتفاء الموانع إذ ذاك، ولا يقال منع من الإنكار اشتغالهم بالصلاة لأنه نفى الإنكار مطلقا فتناول ما بعد الصلاة. وأيضا فكان الإنكار يمكن بالإشارة. وفيه ما ترجم له أن التحمل لا يشترط فيه كمال الأهلية وإنما يشترط عند الأداء. ويلحق بالصبي في ذلك العبد والفاسق والكافر. وقامت حكاية ابن عباس لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره مقام حكاية قوله، إذ لا فرق بين الأمور الثلاثة في شرائط الأداء. فإن قيل: التقييد بالصبي والصغير في الترجمة لا يطابق حديث ابن عباس، أجاب الكرماني بأن المراد بالصغير غير البالغ، وذكر الصبي معه من باب التوضيح. ويحتمل أن يكون لفظ الصغير يتعلق بقصة محمود، ولفظ الصبي يتعلق بهما معا والله أعلم. وسيأتي باقي مباحث هذا الحديث في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.
77- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ "عَقَلْتُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ".
[الحديث 77- أطرافه في:6422,6354,1185,839,189,]
قوله: "حدثنا محمد بن يوسف" هو البيكندي كما جزم به البيهقي وغيره، وأما الفريابي فليست له رواية عن أبي مسهر، وكان أبو مسهر شيخ الشاميين في زمانه وقد لقيه البخاري وسمع منه شيئا يسيرا، وحدث عنه هنا بواسطة، وذكر ابن المرابط فيما نقله ابن رشيد عنه أن أبا مسهر تفرد برواية هذا الحديث عن محمد بن حرب. وليس كما قال ابن المرابط فإن النسائي رواه في السنن الكبرى عن محمد بن المصفى عن محمد بن حرب. وأخرجه البيهقي في المدخل من رواية محمد بن جوصاء - وهو بفتح الجيم والصاد المهملة - عن سلمة بن الخليل وأبي التقي وهو بفتح المثناة وكسر القاف كلاهما عن محمد بن حرب. فهؤلاء ثلاثة غير أبي مسهر رووه عن محمد بن حرب فكأنه المتفرد به عن الزبيدي، وهذا الإسناد إلى الزهري شاميون. وقد دخلها هو وشيخه محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو الأنصاري الخزرجي وحديثه هذا طرف من حديثه عن عتبان بن مالك الآتي في الصلاة من رواية صالح بن كيسان وغيره عن الزهري. وفي الرقاق من طريق معمر عن الزهري أخبرني محمود. قوله: "عقلت" و بفتح القاف أي حفظت. قوله: "مجة" بفتح الميم وتشديد الجيم، والمج هو إرسال الماء من الفم، وقيل لا يسمى مجا إلا إن كان على بعد. وفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع محمود إما مداعبة منه، أو ليبارك عليه بها كما كان ذلك من شأنه مع أولاد الصحابة. قوله: "وأنا ابن خمس سنين" لم أر التقصد بالسن عند تحمله في شيء من طرقه لا في الصحيحين ولا في غيرهما من الجوامع والمسانيد إلا في طريق الزبيدي هذه، والزبيدي من كبار الحفاظ المتقنين عن الزهري حتى قال الوليد بن مسلم: كان الأوزاعي يفضله على جميع من سمع من الزهري. وقال أبو داود: ليس في حديثه خطأ. وقد تابعه عبد الرحمن بن نمر عن الزهري لكن لفظه عند الطبراني والخطيب في الكفاية من طريق عبد الرحمن بن نمر - وهو بفتح النون وكسر الميم - عن الزهري وغيره قال: حدثني محمود بن الربيع، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس سنين، فأفادت هذه الرواية أن الواقعة التي ضبطها كانت في آخر سنة من حياه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ابن حبان وغيره أنه مات سنة تسع
وتسعين وهو ابن أربع وتسعين سنة وهو مطابق لهذه الرواية. وذكر القاضي عياض في الإلماع وغيره أن في بعض الروايات أنه كان ابن أربع، ولم أقف على هذا صريحا في شيء من الروايات بعد التتبع التام، إلا إن كان ذلك مأخوذا من قول صاحب الاستيعاب إنه عقل المجة وهو ابن أربع سنين أو خمس، وكان الحامل له على هذا التردد قول الواقدي إنه كان ابن ثلاث وتسعين لما مات، والأول أولى بالاعتماد لصحة إسناده، على أن قول الواقدي يمكن حمله إن صح على أنه ألغى الكسر وجبره غيره. والله أعلم. وإذا تحرر هذا فقد اعترض المهلب على البخاري لكونه لم يذكر هنا حديث ابن الزبير في رؤيته والده يوم بني قريظة ومراجعته له في ذلك، ففيه السماع منه وكان سنه إذ ذاك ثلاث سنين أو أربعا، فهو أصغر من محمود. وليس في قصة محمود ضبطه لسماع شيء فكان ذكر حديث ابن الزبير أولى لهذين المعنيين. وأجاب ابن المنير بأن البخاري إنما أراد نقل السنن النبوية لا الأحوال الوجودية، ومحمود نقل سنة مقصودة في كون النبي صلى الله عليه وسلم مج مجة في وجهه، بل في مجرد رؤيته إياه فائدة شرعية تثبت كونه صحابيا. وأما قصة ابن الزبير فليس فيها نقل سنة من السنن النبوية حتى تدخل في هذا الباب. ثم أنشد وصاحب البيت أدرى بالذي فيه انتهى. وهو جواب مسدد. وتكملته ما قدمناه قبل أن المقصود بلفظ السماع في الترجمة هو أو ما ينزل منزلته من نقل الفعل أو التقرير، وغفل البدر الزركشي فقال: يحتاج المهلب إلى ثبوت أن قصة ابن الزبير صحيحة على شرط البخاري. انتهى. والبخاري قد أخرج قصة ابن الزبير المذكورة في مناقب الزبير في الصحيح، فالإيراد موجه وقد حصل جوابه. والعجب من متكلم على كتاب يغفل عما وقع فيه في المواضع الواضحة ويعترضها بما يؤدي إلى نفي ورودها فيه. قوله: "من دلو" زاد النسائي: "معلق " ولابن حبان: "معلقة " والدلو يذكر ويؤنث. وللمصنف في الرقاق من رواية معمر " من دلو كانت في دارهم " وله في الطهارة والصلاة وغيرهما: "من بئر " بدل دلو، ويجمع بينهما بأن الماء أخذ بالدلو من البئر وتناوله النبي صلى الله عليه وسلم من الدلو. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز إحضار الصبيان مجالس الحديث وزيارة الإمام أصحابه في دورهم ومداعبته صبيانهم، واستدل به بعضهم على تسميع من يكون ابن خمس، ومن كان دونها يكتب له حضور. وليس في الحديث ولا في تبويب البخاري ما يدل عليه بل الذي ينبغي في ذلك اعتبار الفهم، فمن فهم الخطاب سمع وإن كان دون ابن خمس وإلا فلا. وقال ابن رشيد: الظاهر أنهم أرادوا بتحديد الخمس أنها مظنة لذلك، لا أن بلوغها شرط لا بد من تحققه، والله أعلم. وقريب منه ضبط الفقهاء سن التمييز بست أو سبع، والمرجح أنها مظنة لا تحديد. ومن أقوى ما يتمسك به في أن المرد في ذلك إلى الفهم فيختلف باختلاف الأشخاص ما أورده الخطيب من طريق أبي عاصم قال: ذهبت بابني - وهو ابن ثلاث سنين - إلى ابن جريج فحدثه، قال أبو عاصم: ولا بأس بتعليم الصبي الحديث والقرآن وهو في هذا السن، يعني إذا كان فهما. وقصة أبي بكر بن المقري الحافظ في تسميعه لابن أربع بعد أن امتحنه بحفظ سور من القرآن مشهورة.

19- باب الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ
وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ
78- حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ خَالِدُ بْنُ خَلِيٍّ قَاضِي حِمْصَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي
صَاحِبِ مُوسَى فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ شَأْنَهُ فَقَالَ أُبَيٌّ نَعَمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ شَأْنَهُ يَقُولُ "بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلاَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَتَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ قَالَ مُوسَى لاَ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ فَسَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ فَكَانَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ قَالَ مُوسَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا خَضِرًا فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ"
قوله: "باب الخروج" أي السفر "في طلب العلم" لم يذكر فيه شيئا مرفوعا صريحا، وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة رفعه: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة " ولم يخرجه المصنف لاختلاف فيه. قوله: "ورحل جابر بن عبد الله" هو الأنصاري الصحابي المشهور، وعبد الله بن أنيس بضم الهمزة مصغرا هو الجهني حليف الأنصار. قوله: "في حديث واحد" هو حديث أخرجه المصنف في الأدب المفرد وأحمد وأبو يعلى في مسنديهما من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا ثم شددت رحلي فسرت إليه شهرا حتى قدمت الشام فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له جابر على الباب. فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم. فخرج فاعتنقني. فقلت: حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن أموت قبل أن أسمعه. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الله الناس يوم القيامة عراة " فذكر الحديث. وله طريق أخرى أخرجها الطبراني في مسند الشاميين، وتمام في فوائده من طريق الحجاج بن دينار عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: كان يبلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في القصاص، وكان صاحب الحديث بمصر فاشتريت بعيرا فسرت حتى وردت مصر فقصدت إلى باب الرجل..فذكر نحوه.وإسناده صالح. وله طريق ثالثة أخرجها الخطيب في الرحلة من طريق أبي الجارود العنسي - وهو بالنون الساكنة - عن جابر قال: بلغني حديث في القصاص.. فذكر الحديث نحوه. وفي إسناده ضعف " وادعى بعض المتأخرين أن هذا ينقض القاعدة المشهورة أن البخاري حيث يعلق بصيغة الجزم يكون صحيحا وحيث يعلق بصيغة التمريض يكون فيه علة، لأنه علقه بالجزم هنا، ثم أخرج طرفا من متنه في كتاب التوحيد بصيغة التمريض فقال: ويذكر عن جابر عن عبد الله بن أنيس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت " الحديث. وهذه الدعوى مردودة، والقاعدة بحمد الله غير منتقضة، ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأن الإسناد حسن وقد اعتضد. وحيث ذكر طرفا من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل(1) فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف فيها ولو
ـــــــ
(1) ليس الأمر كذلك,بل إطلاق الصوت على كلام الله سبحانه قد ثبت في غير هذا الحديث عند المؤلف وغيره ,فالواجب إثبات ذلك على الوجه الائق بالله كسائر الصفات كما هو مذهب أهل السنة. والله أعلم

اعتضدت. ومن هنا يظهر شفوف علمه ودقة نظره وحسن تصرفه رحمه الله تعالى. ووهم ابن بطال فزعم أن الحديث الذي رحل فيه جابر إلى عبد الله بن أنيس هو حديث الستر على المسلم، وهو انتقال من حديث إلى حديث، فإن الراحل في حديث الستر هو أبو أيوب الأنصاري رحل فيه إلى عقبة بن عامر الجهني، أخرجه أحمد بسند منقطع، وأخرجه الطبراني من حديث مسلمة بن مخلد قال: أتاني جابر فقال لي. حديث بلغني أنك ترويه في الستر. . فذكره. وقد وقع ذلك لغير من ذكره، فروى أبو داود من طريق عبد الله بن بريدة أن رجلا من الصحابة رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر في حديث. وروى الخطيب عن عبيد الله بن عدي قال: بلغني حديث عند علي فخفت إن مات أن لا أجده عند غيره فرحلت حتى قدمت عليه العراق. وتتبع ذلك يكثر، وسيأتي قول الشعبي في مسألة. إن كان الرجل ليرحل فيما دونها إلى المدينة. وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: إن كنت لأرحل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد. وسيأتي نحو ذلك عن غيره. وفي حديث جابر دليل على طلب علو الإسناد، لأنه بلغه الحديث عن عبد الله بن أنيس فلم يقنعه حتى رحل فأخذه عنه بلا واسطة. وسيأتي عن ابن مسعود في كتاب فضائل القرآن قوله: لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لرحلت إليه. وأخرج الخطيب عن أبي العالية قال: كنا نسمع عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نرضى حتى خرجنا إليهم فسمعنا منهم. وقيل لأحمد: رجل يطلب العلم يلزم رجلا عنده علم كثير، أو يرحل؟ قال: يرحل، يكتب عن علماء الأمصار، فيشافه الناس ويتعلم منهم. وفيه ما كان عليه الصحابة من الحرص على تحصيل السنن النبوية. وفيه جواز اعتناق القادم حيث لا تحصل الريبة. قوله: "خالد بن خلي" هو بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الخفيفة بعدها ياء تحتانية مشددة كما تقدم في المقدمة، وإنما أعدته لأنه وقع عند الزركشي مضبوطا بلام مشددة، وهو سبق قلم أو خطأ من الناسخ. قوله: "قال الأوزاعي" في رواية الأصيلي: حدثنا الأوزاعي. قوله: "أنه تمارى هو والحر" سقطت " هو " من رواية ابن عساكر فعطف على المرفوع المتصل بغير تأكيد ولا فصل، وهو جائز عند البعض. وقد تقدمت مباحث هذا الحديث قبل ببابين، وليس بين الروايتين اختلاف إلا فيما لا يغير المعنى وهو قليل. وفيه فضل الازدياد من العلم، ولو مع المشقة والنصب بالسفر، وخضوع الكبير لمن يتعلم منه. ووجه الدلالة منه قوله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} وموسى عليه السلام منهم، فتدخل أمة النبي صلى الله عليه وسلم تحت هذا الأمر إلا فيما ثبت نسخه.
20- باب فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلاَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلاَ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ" قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَيَّلَتْ الْمَاءَ قَاعٌ يَعْلُوهُ الْمَاءُ وَالصَّفْصَفُ الْمُسْتَوِي مِنْ الأَرْضِ".
قوله: "باب فضل من علم وعلم" الأولى بكسر اللام الخفيفة أي صار عالما، والثانية بفتحها وتشديدها. قوله: "حدثنا محمد بن العلاء" هو أبو كريب مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وكذا شيخه أبو أسامة، وبريد بضم الموحدة وأبو بردة حده وهو ابن أبي موسى الأشعري. وقال في السياق عن أبي موسى ولم يقل عن أبيه تفننا، والإسناد كله كوفيون. قوله: "مثل" بفتح المثلثة والمراد به الصفة العجيبة لا القول السائر. قوله: "الهدى" أي الدلالة الموصلة إلى المطلوب، والعلم المراد به معرفة الأدلة الشرعية. قوله: "نقية" كذا عند البخاري في جميع الروايات التي رأيناها بالنون من النقاء وهي صفة لمحذوف، لكن وقع عند الخطابي والحميدي وفي حاشية أصل أبي ذر ثغبة بمثلثة مفتوحة وغين معجمة مكسورة بعدها موحدة خفيفة مفتوحة، قال الخطابي: هي مستنقع الماء في الجبال والصخور. قال القاضي عياض: هذا غلط في الرواية، وإحالة للمعنى. لأن هذا وصف الطائفة الأولى التي تنبت، وما ذكره يصلح وصفا للثانية التي تمسك الماء. قال: وما ضبطناه في البخاري من جميع الطرق إلا " نقية " بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء التحتانية، وهو مثل قوله في مسلم: "طائفة طيبة". قلت: وهو في جميع ما وقفت عليه من المسانيد والمستخرجات كما عند مسلم وفي كتاب الزركشي. وروي: "بقعة " قلت: هو بمعنى طائفة، لكن ليس ذلك في شيء من روايات الصحيحين. ثم قرأت في شرح ابن رجب أن في رواية بالموحدة بدل النون قال: والمراد بها القطعة الطيبة كما يقال فلان بقية الناس، ومنه: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ}. قوله: "قبلت" بفتح القاف وكسر الموحدة من القبول، كذا في معظم الروايات. ووقع عند الأصيلي: "قيلت " بالتحتانية المشددة، وهو تصحيف كما سنذكره بعد. قوله: "الكلأ" بالهمزة بلا مد. قوله: "والعشب" هو من ذكر الخاص بعد العام، لأن الكلأ يطلق على النبت الرطب واليابس معا، والعشب للرطب فقط. قوله: "إخاذات" كذا في رواية أبي ذر بكسر الهمزة والخاء والذال المعجمتين وآخره مثناة من فوق قبلها ألف جمع إخاذة وهي الأرض التي تمسك الماء. وفي رواية غير أبي ذر وكذا في مسلم وغيره: "أجادب " بالجيم والدال المهملة بعدها موحدة جمع جدب بفتح الدال المهملة على غير قياس وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء. وضبطه المازري بالذال المعجمة. ووهمه القاضي. ورواها الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي كريب: "أحارب " بحاء وراء مهملتين، قال الإسماعيلي: لم يضبطه أبو يعلى وقال الخطابي: ليست هذه الرواية بشيء. قال: وقال بعضهم: "أجارد " بجيم وراء ثم دال مهملة جمع جرداء وهي البارزة التي لا تنبت، قال الخطابي: هو صحيح المعنى إن ساعدته الرواية. وأغرب صاحب المطالع فجعل الجميع روايات، وليس في الصحيحين سوى روايتين فقط، وكذا جزم القاضي. قوله: "فنفع الله بها" أي بالإخاذات. وللأصيلي به أي بالماء. قوله: "وزرعوا" كذا له بزيادة زاي من الزرع، ووافقه أبو يعلى ويعقوب بن الأخرم وغيرهما عن أبي كريب، ولمسلم والنسائي وغيرهما عن أبي كريب: "ورعوا " بغير زاي من الرعي، قال النووي. كلاهما صحيح. ورجح القاضي رواية مسلم بلا مرجح، لأن رواية زرعوا تدل على مباشرة الزرع لتطابق في التمثيل مباشرة طلب العلم، وإن كانت رواية رعوا مطابقة لقوله أنبتت، لكن المراد أنها قابلة للإنبات. وقيل إنه روي " ووعوا " بواوين، ولا أصل لذلك.وقال القاضي قوله: "ورعوا " راجع للأولى لأن الثانية لم يحصل منها نبات انتهى. ويمكن أن يرجع إلى الثانية أيضا بمعنى أن الماء الذي استقر بها سقيت منه أرض أخرى فأنبتت. قوله: "فأصاب" أي الماء. وللأصيلي وكريمة أصابت أي طائفة أخرى. ووقع كذلك صريحا عند النسائي. والمراد
بالطائفة القطعة. قوله: "قيعان" بكسر القاف جمع قاع وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت. قوله: "فقه" بضم القاف أي صار فقيها. وقال ابن التين: رويناه بكسرها والضم أشبه. قال القرطبي وغيره: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثلا بالغيث العام الذي يأتي في حال حاجتهم إليه، وكذا كان الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت. ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنهم العالم العامل المعلم. فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها. ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله: "نضر الله امرءا سمع مقالتي فأداها كما سمعها" .ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها. وإنما جمع المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها. والله أعلم. ثم ظهر لي أن في كل مثل طائفتين، فالأول قد أوضحناه، والثاني الأولى منه من دخل في الدين ولم يسمع العلم أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه، ومثالها من الأرض السباخ وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يرفع بذلك رأسا " أي أعرض عنه فلم ينتفع له ولا نفع. والثانية منه من لم يدخل في الدين أصلا، بل بلغه فكفر به، ومثالها من الأرض السماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا ينتفع به، وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم: "ولم يقبل هدى الله الذي جئت به". وقال الطيبي: بقي من أقسام الناس قسمان: أحدهما الذي انتفع بالعلم في نفسه ولم يعلمه غيره، والثاني من لم ينتفع به في نفسه وعلمه غيره. قلت: والأول داخل في الأول لأن النفع حصل في الجملة وإن تفاوتت مراتبه، وكذلك ما تنبته الأرض، فمنه ما ينتفع الناس به ومنه ما يصير هشيما. وأما الثاني فإن كان عمل الفرائض وأهمل النوافل فقد دخل في الثاني كما قررناه، وإن ترك الفرائض أيضا فهو فاسق لا يجوز الأخذ عنه، ولعله يدخل في عموم: "من لم يرفع بذلك رأسا " والله أعلم. قوله: "قال إسحاق: وكان منها طائفة قيلت" أي بتشديد الياء التحتانية. أي إن إسحاق وهو ابن راهويه حيث روى هذا الحديث عن أبي أسامة خالف في هذا الحرف. قال الأصيلي: هو تصحيف من إسحاق. وقال غيره: بل هو صواب ومعناه شربت، والقيل شرب نصف النهار، يقال قيلت الإبل أي شربت في القائلة. وتعقبه القرطبي بأن المقصود لا يختص بشرب القائلة. وأجيب بأن كون هذا أصله لا يمنع استعماله على الإطلاق تجوزا. وقال ابن دريد: قيل الماء في المكان المنخفض إذا اجتمع فيه، وتعقبه القرطبي أيضا بأنه يفسد التمثيل، لأن اجتماع الماء إنما هو مثال الطائفة الثانية، والكلام هنا إنما هو في الأولى التي شربت وأنبتت. قال: والأظهر أنه تصحيف. قوله: "قاع يعلوه الماء. والصفصف المستوي من الأرض" هذا ثابت عند المستملي، وأراد به أن قيعان المذكورة في الحديث جمع قاع وأنها الأرض التي يعلوها الماء ولا يستقر فيها، وإنما ذكر الصفصف معه جريا على عادته في الاعتناء بتفسير ما يقع في الحديث من الألفاظ الواقعة في القرآن، وقد يستطرد. ووقع في بعض النسخ المصطف بدل الصفصف وهو تصحيف. "تنبيه": وقع في رواية كريمة: وقال ابن إسحاق: وكان شيخنا العراقي يرجحها ولم أسمع ذلك منه، وقد وقع في نسخة الصغاني: وقال إسحاق عن أبي أسامة. وهذا يرجح الأول.
21- باب رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ وَقَالَ رَبِيعَةُ لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ
80- حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا"
[الحديث 80- اطرافه في: 6808,5577,5232,81]
قوله: "باب رفع العلم" مقصود الباب الحث على تعلم العلم، فإنه لا يرفع إلا بقبض العلماء كما سيأتي صريحا. وما دام من يتعلم العلم موجودا لا يحصل الرفع. وقد تبين في حديث الباب أن رفعه من علامات الساعة. قوله: "وقال ربيعة" هو ابن أبي عبد الرحمن الفقيه المدني، المعروف بربيعة الرأي - بإسكان الهمزة - قيل له ذلك لكثرة اشتغاله بالاجتهاد. ومراد ربيعة أن من كان فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يهمل نفسه فيترك الاشتغال، لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم. أو مراده الحث على نشر العلم في أهله لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم. أو مراده أن يشهر العالم نفسه ويتصدى للأخذ عنه لئلا يضيع علمه. وقيل مراده تعظيم العلم وتوقيره، فلا يهين نفسه بأن يجعله عرضا للدنيا. وهذا معنى حسن، لكن اللائق بتبويب المصنف ما تقدم. وقد وصل أثر ربيعة المذكور الخطيب في الجامع والبيهقي في المدخل من طريق عبد العزيز الأويسي عن مالك عن ربيعة. قوله: "حدثنا عمران بن ميسرة" في بعضها عمران غير مذكور الأب، وقد عرف من الرواية الأخرى أنه ابن ميسرة. وقد خرجه النسائي عن عمران بن موسى القزاز، وليس هو شيخ البخاري فيه. قوله: "عبد الوارث" هو ابن سعيد "عن أبي التياح" بمثناة مفتوحة فوقانية بعدها تحتانية ثقيلة وآخره حاء مهملة كما تقدم. قوله: "عن أنس" زاد الأصيلي وأبو ذر: "ابن مالك " وللنسائي: "حدثنا أنس". ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون، وكذا الذي بعده. قوله: "أشراط الساعة" أي علاماتها كما تقدم في الإيمان، وتقدم أن منها ما يكون من قبيل المعتاد، ومنها ما يكون خارقا للعادة. قوله: "أن يرفع العلم" هو في محل نصب لأنه اسم أن، وسقطت " أن " من رواية النسائي حيث أخرجه عن عمران شيخ البخاري فيه، فعلى روايته يكون مرفوع المحل. والمراد برفعه موت حملته كما تقدم. قوله: "ويثبت" هو بفتح أوله وسكون المثلثة وضم الموحدة وفتح المثناة. وفي رواية مسلم: "ويبث " بضم أوله وفتح الموحدة بعدها مثلثة أي ينتشر. وغفل الكرماني فعزاها للبخاري، وإنما حكاها النووي في الشرح لمسلم. قال الكرماني: وفي رواية: "وينبت " بالنون بدل المثلثة من النبات، وحكى ابن رجب عن بعضهم: "وينث " بنون ومثلثة من النث وهو الإشاعة. قلت: وليست هذه في شيء من الصحيحين. قوله: "ويشرب الخمر" هو بضم المثناة أوله وفتح الموحدة على العطف، والمراد كثرة ذلك واشتهاره. وعند المصنف في النكاح من طريق هشام عن قتادة: "ويكثر شرب الخمر " فالعلامة مجموع ما ذكر. قوله: "ويظهر الزنا" أي يفشو كما في رواية مسلم.
81- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لاَحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لاَ يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ"
قوله: "حدثنا يحيى" هو ابن سعيد القطان. قوله: "عن أنس" زاد الأصيلي: "ابن مالك". قوله: "لأحدثنكم" فتح اللام وهو جواب قسم محذوف أي والله لأحدثنكم، وصرح به أبو عوانة من طريق هشام عن قتادة، ولمسلم من رواية غندر عن شعبة ألا أحدثكم فيحتمل أن يكون قال لهم أولا: ألا أحدثكم؟ فقال نعم، فقال: لأحدثنكم. قوله: "لا يحدثكم أحد بعدي" كذا له ولمسلم بحذف المفعول، ولابن ماجه من رواية غندر عن شعبة لا يحدثكم به أحد بعدي، وللمصنف من طريق هشام لا يحدثكم به غيري، ولأبي عوانة من هذا الوجه: "لا يحدثكم أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدي " وعرف أنس أنه لم يبق أحد ممن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره، لأنه كان آخر من مات بالبصرة من الصحابة، فلعل الخطاب بذلك كان لأهل البصرة، أو كان عاما وكان تحديثه بذلك في آخر عمره، لأنه لم يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم إلا النادر ممن لم يكن هذا المتن في مرويه. وقال ابن بطال: يحتمل أنه قال ذلك لما رأى من التغيير ونقص العلم، يعني فاقتضى ذلك عنده أنه لفساد الحال لا يحدثهم أحد بالحق. قلت: والأول أولى. قوله: "سمعت" هو بيان، أو بدل لقوله لأحدثنكم. قوله: "أن يقل العلم" هو بكسر القاف من القلة. وفي رواية مسلم عن غندر وغيره عن شعبة: "أن يرفع العلم " وكذا في رواية سعيد عند ابن أبي شيبة وهمام عند المصنف في الحدود وهشام عنده في النكاح كلهم عن قتادة، وهو موافق لرواية أبي التياح، وللمصنف أيضا في الأشربة من طريق هشام: "أن يقل " فيحتمل أن يكون المراد بقلته أول العلامة وبرفعه آخرها، أو أطلقت القلة وأريد بها العدم كما يطلق العدم ويراد به القلة، وهذا أليق لاتحاد المخرج. قوله: "وتكثر النساء" قيل سببه أن الفتن تكثر فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل الحرب دون النساء. وقال أبو عبد الملك: "هو إشارة إلى كثرة الفتوح فتكثر السبايا فيتخذ الرجل الواحد عدة موطوءات". قلت: وفيه نظر، لأنه صرح بالقلة في حديث أبي موسى الآتي في الزكاة عند المصنف فقال: "من قلة الرجال وكثرة النساء " والظاهر أنها علامة محضة لا لسبب آخر، بل يقدر الله في آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور ويكثر من يولد من الإناث، وكون كثرة النساء من العلامات مناسبة لظهور الجهل ورفع العلم. وقوله: "لخمسين " يحتمل أن يراد به حقيقة هذا العدد، أو يكون مجازا عن الكثرة. ويؤيده أن في حديث أبي موسى: "وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة" . قوله: "القيم" أي من يقوم بأمرهن، واللام للعهد إشعارا بما هو معهود من كون الرجال قوامين على النساء. وكأن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر لكونها مشعرة باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد، وهي الدين لأن رفع العلم يخل به، والنقل لأن شرب الخمر يخل به، والنسب لأن الزنا يخل به، والنفس والمال لأن كثرة الفتن تخل بهما. قال الكرماني: وإنما كان اختلال هذه الأمور مؤذنا بخراب العالم لأن الخلق لا يتركون هملا، ولا نبي بعد نبينا صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين، فيتعين ذلك. وقال القرطبي في " المفهم ": في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت، خصوصا في هذه الأزمان. وقال القرطبي في التذكرة: يحتمل أن يراد بالقيم من يقوم عليهن سواء كن موطوءات أم لا. ويحتمل أن يكون ذلك يقع في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول الله الله فيتزوج الواحد بغير عدد جهلا بالحكم الشرعي. قلت: وقد وجد ذلك من بعض أمراء التركمان وغيرهم من أهل هذا الزمان مع دعواه الإسلام. والله المستعان.
22- باب فَضْلِ الْعِلْمِ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لاَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ" قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ "الْعِلْمَ"
[الحديث 82- أطرافه في:7032,7027,7007,7006,3681]
قوله: "باب فضل العلم" الفضل هنا بمعنى الزيادة أي ما فضل عنه، والفضل الذي تقدم في أول كتاب العلم بمعنى الفضيلة، فلا يظن أنه كرره. قوله: "حدثنا سعيد بن عفير" هو سعيد بن كثير بن عفير المصري، نسب إلى جده كما تقدم. وعفير بضم المهملة بعدها فاء كما تقدم أيضا. قوله: "حدثنا الليث" هو ابن سعد عن عقيل، وللأصيلي وكريمة: "حدثني الليث حدثني عقيل". قوله: "عن حمزة" وللمصنف في التعبير: "أخبرني حمزة". قوله: "بينا" صله بين فأشبعت الفتحة. قوله: "أتيت" بضم الهمزة. قوله: "فشربت" أي من ذلك اللبن. قوله: "لأرى" بفتح الهمزة من الرواية أو من العلم، واللام للتأكيد أو جواب قسم محذوف، والري بكسر الراء في الرواية وحكى الجوهري الفتح. وقال غيره: بالكسر الفعل، وبالفتح المصدر. قوله: "يخرج" أي الري، وأطلق رؤيته إياه على سبيل الاستعارة. قوله: "في أظفاري" في رواية ابن عساكر: "من أظفاري " وهو أبلغ، وفي التعبير: "من أطرافي " وهو بمعناه. قوله: "قال العلم" هو بالنصب وبالرفع معا في الرواية، وتوجيههما ظاهر. وتفسير اللبن بالعلم لاشتراكهما في كثرة النفع بهما. وسيأتي بقية الكلام عليه في مناقب عمر وفي كتاب التعبير إن شاء الله تعالى. قال ابن المنير: وجه الفضيلة للعلم في الحديث من جهة أنه عبر عن العلم بأنه فضلة النبي صلى الله عليه وسلم ونصيب مما آتاه الله، وناهيك بذلك، انتهى. وهذا قاله بناء على أن المراد بالفضل الفضيلة، وغفل عن النكتة المتقدمة.

23- باب الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا
83- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَقَالَ "اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ" فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ " فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ "افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ"
[الحديث83- طرفه في,6665,1738,1737,1736,124,]
قوله: "باب الفتيا" و بضم الفاء، وإن قلت الفتوى فتحتها، والمصادر الآتية بوزن فتيا قليلة مثل تقيا ورجعى. قوله: "وهو" أي المفتي، ومراده أن العالم يجيب سؤال الطالب ولو كان راكبا. قوله: "على الدابة" لمراد بها في اللغة كل ما مشى على الأرض، وفي العرف ما يركب. وهو المراد بالترجمة، وبعض أهل العرف خصها بالحمار، فإن قيل ليس في سياق الحديث ذكر الركوب فالجواب أنه أحال به على الطريق الأخرى التي أوردها في الحج
فقال: "كان على ناقته " ترجم له: "باب الفتيا على الدابة عند الجمرة " فأورد الحديث من طريق مالك عن ابن شهاب فذكره كالذي هنا، ثم من طريق ابن جريج نحوه. ثم من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب بلفظ: "وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته " قال فذكر الحديث ولم يسق لفظه وقال بعده: تابعه معمر عن الزهري. انتهى. ورواية معمر وصلها أحمد ومسلم والنسائي وفيها: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى على ناقته. قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أويس. قوله: "حجة الوداع" هو بفتح الحاء ويجوز كسرها. قوله: "للناس يسألونه" هو إما حال من فاعل وقف أو من الناس، أو استئناف بيانا لسبب الوقوف. قوله: "فجاء رجل" لم أعرف اسم هذا السائل ولا الذي بعده في قوله: "فجاء آخر " والظاهر أن الصحابي لم يسم أحدا لكثرة من سأل إذ ذاك، وسيأتي بسط ذلك في الحج. قوله: "ولا حرج" أي لا شيء عليه مطلقا من الإثم، لا في الترتيب ولا في ترك الفدية. هذا ظاهره. وقال بعض الفقهاء: المراد نفي الإثم فقط، وفيه نظر لأن في بعض الروايات الصحيحة: "ولم يأمر بكفارة " وسيأتي مباحث ذلك في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون.
24- باب مَنْ أَجَابَ الْفُتْيَا بِإِشَارَةِ الْيَدِ وَالرَّأْسِ
84- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ قَالَ "وَلاَ حَرَجَ" قَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ "وَلاَ حَرَجَ".
[الحديث84- أطرافه في:6666,1735,1734,1723,1722,1721]
قوله: "باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد أو الرأس" الإشارة باليد مستفادة من الحديثين المذكورين في الباب أولا، وهما مرفوعان. وبالرأس مستفادة من حديث أسماء فقط، وهو من فعل عائشة فيكون موقوفا لكن له حكم المرفوع، لأنها كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان في الصلاة يرى من خلفه فيدخل في التقرير. قوله: "وهيب" بالتصغير وهو ابن خالد، من حفاظ البصرة، مات سنة خمس وستين وقيل تسع وستين، وأرخه الدمياطي في حواشي نسخته سنة ست وخمسين وهو وهم. وأيوب هو السختياني، وعكرمة هو مولى ابن عباس، والإسناد كله بصريون. قوله: "سئل" هو بضم أوله "فقال" أي السائل: "ذبحت قبل أن أرمي" أي فهل علي شيء؟ قوله: "فأومأ بيده فقال: "لا حرج" أي عليك. وقوله: "فقال: "يحتمل أن يكون بيانا لقوله أومأ ويكون من إطلاق القول على الفعل كما في الحديث الذي بعده: "فقال هكذا بيده"، ويحتمل أن يكون حالا والتقدير فأومأ بيده قائلا لا حرج، فجمع بين الإشارة والنطق، والأول أليق بترجمة المصنف. قوله: "وقال حلقت" يحتمل أن السائل هو الأول، ويحتمل أن يكون غيره ويكون التقدير فقال سائل كذا. وقال آخر كذا، وهو الأظهر ليوافق الرواية التي قبله حيث قال: فجاء آخر. قوله: "فأومأ بيده "ولا حرج" كذا ثبتت الواو في قوله ولا حرج، وليست عند أبي ذر في الجواب الأول. قال الكرماني: لأن الأول كان في ابتداء الحكم والثاني عطف على المذكور أولا انتهى. وقد ثبتت الواو في الأول أيضا في رواية الأصيلي وغيره.
85- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ" قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّه يُرِيدُ الْقَتْل".
[الحديث85-أطرافه في:7121,7115,7061,6935,6506,6037,4636,4635,3609,36 08,1412,1036]
قوله: "حدثنا المكي" هو اسم وليس بنسب، وهو من كبار شيوخ البخاري كما سنذكره في باب إثم من كذب. قوله: "أخبرنا حنظلة" هو ابن أبي سفيان بن عبد الرحمن الجمحي المدني. قوله: "عن سالم" هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب. وفي رواية الإسماعيلي من طريق إسحاق بن سليمان الراوي عن حنظلة قال: "سمعت سالما " وزاد فيه: "لا أدري كم رأيت أبا هريرة قائما في السوق يقول يقبض العلم " فذكره موقوفا، لكن ظهر في آخره أنه مرفوع. قوله: "يقبض العلم" يفسر المراد بقوله قبل هذا: "يرفع العلم " والقبض يفسره حديث عبد الله بن عمرو الآتي بعد أنه يقع بموت العلماء. قوله: "ويظهر الجهل" هو من لازم ذلك. قوله: "والفتن" في رواية الأصيلي وغيره: "وتظهر الفتن". قوله: "الهرج" هو بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم. قوله: "فقال هكذا بيده" و من إطلاق القول على الفعل. قوله: "فحرفها" الفاء فيه تفسيرية كأن الراوي بين أن الإيماء كان محرفا. قوله: "كأنه يريد القتل" كأن ذلك فهم من تحريف اليد وحركتها كالضارب، لكن هذه الزيادة لم أرها في معظم الروايات وكأنها من تفسير الراوي عن حنظلة، فإن أبا عوانة رواه عن عباس الدوري عن أبي عاصم عن حنظلة وقال في آخره: "وأرانا أبو عاصم كأنه يضرب عنق الإنسان " وقال الكرماني: الهرج هو الفتنة، فإرادة القتل من لفظه على طريق التجوز إذ هو لازم معنى الهجر، قال إلا أن يثبت ورود الهرج بمعنى القتل لغة. قلت: وهي غفلة عما في البخاري في كتاب الفتن. والهجر القتل بلسان الحبشة. وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث هناك إن شاء الله تعالى.
86- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ "أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ مَا شَأْنُ النَّاسِ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ قُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَيْ نَعَمْ فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَنِي الْغَشْيُ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي الْمَاءَ فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ "مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلاَّ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي حَتَّى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ" قَالَتْ أَسْمَاءُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ يُقَالُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ لاَ أَدْرِي بِأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا هُوَ مُحَمَّدٌ ثَلاَثًا فَيُقَالُ نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ لاَ أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ".
[الحديث 86- أطرافه في: 7287,2520,2519,1373,1235,1061,1054,1053,922,184]

قوله: "هشام" هو ابن عروة بن الزبير. عن "فاطمة" هي بنت المنذر بن الزبير وهي زوجة هشام وبنت عمه. قوله: "عن أسماء" أي بنت أبي بكر الصديق زوج الزبير بن العوام وهي جدة هشام وفاطمة جميعا. قوله: "فقلت ما شأن الناس" أي لما رأت من اضطرابهم. قوله: "فأشارت" أي عائشة إلى السماء أي انكسفت الشمس. قوله: "فإذا الناس قيام" كأنها التفتت من حجرة عائشة إلى من في المسجد فوجدتهم قياما في صلاة الكسوف، ففيه إطلاق الناس على البعض. قوله: "فقالت سبحان الله" أي أشارت قائلة سبحان الله. قوله: "قلت آية" هو بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هذه آية أي علامة، ويجوز حذف همزة الاستفهام وإثباتها. قوله: "فقمت" أي في الصلاة. قوله: "حتى علاني" كذا للأكثر بالعين المهملة وتخفيف اللام. وفي رواية كريمة تجلاني بمثناة وجيم ولام مشددة، وجلال الشيء ما غطي به. والغشي بفتح الغين وإسكان الشين المعجمتين وتخفيف الياء وبكسر الشين وتشديد الياء أيضا هو طرف من الإغماء، والمراد به هنا الحالة القريبة منه فأطلقته مجازا، ولهذا قالت: فجعلت أصب على رأسي الماء أي في تلك الحال ليذهب. ووهم من قال بأن صبها كان بعد الإفاقة، وسيأتي تقرير ذلك في كتاب الطهارة، ويأتي الكلام على هذا الحديث أيضا في صلاة الكسوف إن شاء الله تعالى. قوله: "أريته" هو بضم الهمزة. قوله: "حتى الجنة والنار" رويناه بالحركات الثلاث فيهما. قوله: "مثل أو قريبا" كذا هو بترك التنوين في الأول وإثباته في الثاني، قال ابن مالك، توجيهه أن أصله مثل فتنة الدجال أو قريبا من فتنة الدجال، فحذف ما أضيف إلى مثل وترك على هيئته قبل الحذف، وجاز الحذف لدلالة ما بعده عليه، وهذا كقول الشاعر: بين ذراعي وجبهة الأسد تقديره: بين ذراعي الأسد وجبهة الأسد وقال الآخر:
أمام وخلف المرء من لطف ربه ... كواليء تزوي عنه ماهو يحذر
وفي رواية بترك التنوين في الثاني أيضا، وتوجيهه أنه مضاف إلى فتنة أيضا، وإظهار حرف الجر بين المضاف والمضاف إليه جائز عند قوم.وقوله: "لا أدري أي ذلك قالت أسماء " جملة معترضة بين بها الراوي أن الشك منه هل قالت له أسماء مثل أو قالت قريبا، وستأتي مباحث هذا المتن في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى."تنبيه": وقع في نسخة الصغاني هنا: قال ابن عباس مرقدنا مخرجنا.وفي ثبوت ذلك نظر لأنه لم يقع في الحديث لذلك ذكر وإن كان قد يظهر له مناسبة.وقد ذكر ذلك في موضعه من سورة يس.

25- باب تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإِيمَانَ وَالْعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ".
87- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ "كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ "مَنْ الْوَفْدُ أَوْ مَنْ الْقَوْمُ" قَالُوا رَبِيعَةُ فَقَالَ "مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى" قَالُوا إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ وَلاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلاَّ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ قَالَ هَلْ "تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ

بِاللَّهِ وَحْدَهُ" قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ "شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَتُعْطُوا الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ" وَنَهَاهُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ قَالَ شُعْبَةُ رُبَّمَا قَالَ النَّقِيرِ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ قَالَ "احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ".
قوله: "باب تحريض" هو بالضاد المعجمة ومن قالها بالمهملة هنا فقد صحف. قوله: "وقال مالك بن الحويرث" هو بصيغة تصغير الحارث. وهذا التعليق طرف من حديث له مشهور يأتي في الصلاة. قوله: "أبي جمرة" هو بالجيم والراء كما تقدم. قوله: "من شقة" بضم الشين المعجمة وتشديد القاف. قوله: "وتعطوا" كذا وقع، وهو منصوب بتقدير أن، وساغ التقدير لأن المعطوف عليه اسم قاله الكرماني. قلت: قد رواه أحمد عن غندر فقال: "وأن تعطوا " فكأن حذفها من شيخ البخاري. قوله: "قال شعبة: وربما قال النقير" أي بالنون المفتوحة وتخفيف القاف المكسورة "وربما قال المقير" أي بالميم المضمومة وفتح القاف وتشديد الياء المفتوحة، وليس المراد أنه كان يتردد في هاتين اللفظتين ليثبت إحداهما دون الأخرى لأنه يلزم من ذكر المقير التكرار لسبق ذكر المزفت لأنه بمعناه، بل المراد أنه كان جازما بذكر الثلاثة الأول شاكا في الرابع وهو النقير، فكان تارة يذكره وتارة لا يذكره. وكان أيضا شاكا في التلفظ بالثالث فكان تارة يقول المزفت وتارة يقول المقير. هذا توجيهه فلا يلتفت إلى ما عداه. وقد تقدمت مباحث هذا الحديث في أواخر كتاب الإيمان. وأخرجه المصنف هناك عاليا عن علي بن الجعد عن شعبة، ولم يتردد إلا في المزفت والمقير فقط، وجزم بالنقير، وهو يؤيد ما قلته. والله أعلم. قوله: "وأخبروه" هو بفتح الهمزة وكسر الباء وللكشميهني: "وأخبروا " بحذف الضمير.

26- باب الرِّحْلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ وَتَعْلِيمِ أَهْلِهِ
88- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لِأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: "إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي وَلاَ أَخْبَرْتِنِي فَرَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ".
[الحديث88- أطرافه في:5104,2660,2659,2640,2052,]
قوله: "باب الرحلة" هو بكسر الراء بمعنى الارتحال، وفي روايتنا أيضا بفتح الراء أي الواحدة، وأما بضمها فالمراد به الجهة، وقد تطلق على من يرتحل إليه. وفي رواية كريمة: "وتعليم أهله " بعد قوله في المسألة النازلة، والصواب حذفها لأنها تأتي في باب آخر. قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك. قوله: "حدثني عبد الله بن أبي مليكة" هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة نسب إلى جده. قوله: "عن عقبة بن الحارث" سيأتي تصريحه بالسماع من عقبة في كتاب النكاح خلافا لمن أنكره، وسيأتي الخلاف في كنية عقبة في قصة خبيب بن عدي. قوله: "أنه تزوج ابنة" اسمها غنية بفتح المعجمة وكسر النون بعدها ياء تحتانية مشددة، وكنيتها أم يحيى كما يأتي في الشهادات. وهجم الكرماني فقال: لا يعرف اسمها، وأبو إهاب بكسر الهمزة لا أعرف اسمه، وهو مذكور في الصحابة، وعزيز بفتح العين

المهملة وكسر الزاي وآخره زاي أيضا كما تقدم في المقدمة، ومن قاله بضم أوله فقد حرف. قوله: "فأتته امرأة" لم أقف على اسمها. قوله: "ولا أخبرتني" بكسر المثناة أي قبل ذلك كأنه اتهمها. قوله: "فركب" أي من مكة لأنها كانت دار إقامته. والفرق بين هذه الترجمة وترجمة: "باب الخروج في طلب العلم " أن هذا أخص وذاك أعم، وستأتي مباحث هذا الحديث في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى. قوله: "ونكحت زوجا غيره" اسم هذا الزوج ظريب بضم المعجمة المشالة وفتح الراء وآخره موحدة مصغرا.

3 - باب التَّنَاوُبِ فِي الْعِلْمِ
89- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ: "كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنْ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَ أَثَمَّ هُوَ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ طَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لاَ أَدْرِي ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ قَالَ "لاَ" فَقُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ".
[الحديث 89- أطرافه في: 7263,7256,5843,5218,5191,4915,4914,4913,2468]
قوله: "باب التناوب" هو بالنون وضم الواو من النوبة بفتح النون. قوله: "وقال ابن وهب" هذا التعليق وصله ابن حبان في صحيحه عن ابن قتيبة عن حرملة عنه بسنده، وليس في روايته قول عمر: "كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب النزول " وهو مقصود هذا الباب، وإنما وقع ذلك في رواية شعيب وحده عن الزهري، نص على ذلك الذهلي والدارقطني والحاكم وغيرهم، وقد ساق المصنف الحديث في كتاب النكاح عن ابن اليمان وحده أتم مما هنا بكثير، وإنما ذكر هنا رواية يونس بن يزيد ليوضح أن الحديث كله ليس من أفراد شعيب. قوله: "عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور" و مكي نوفلي، وقد اشترك معه في اسمه واسم أبيه، وفي الرواية عن ابن عباس وفي رواية الزهري عنهما عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني الهذلي، لكن روايته عن ابن عباس كثيرة في الصحيحين، وليس لابن أبي ثور عن ابن عباس غير هذا الحديث الواحد. قوله: "وجار لي" هذا الجار هو عتبان بن مالك أفاده ابن القسطلاني، لكن لم يذكر دليله. قوله: "في بني أمية" أي ناحية بني أمية، سميت البقعة باسم من نزلها. قوله: "أثم" هو بفتح المثلثة. قوله: "دخلت على حفصة" ظاهر سياقه يوهم أنه من كلام الأنصاري، وإنما الداخل على حفصة عمر، وللكشميهني: "فدخلت على حفصة " أي قال عمر: فدخلت على حفصة، وإنما جاء هذا من الاختصار، وإلا ففي أصل الحديث بعد قوله أمر عظيم: "طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. قلت: قد كنت أظن أن هذا كائن، حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي ثم نزلت، فدخلت على حفصة " يعني أم المؤمنين بنته.وفي هذا الحديث الاعتماد على خبر الواحد، والعمل بمراسيل الصحابة. وفي أن الطالب لا يغفل عن النظر في أمر معاشه ليستعين على طلب العلم وغيره، مع أخذه بالحزم في السؤال عما يفوته يوم غيبته، لما علم من حال عمر أنه كان يتعاطى التجارة إذ ذاك كما سيأتي في البيوع. وفيه أن شرط التواتر أن يكون مستند نقلته الأمر المحسوس، لا الإشاعة التي لا يدرى من بدأ بها. وسيأتي بقية الكلام عليه في النكاح إن شاء الله تعالى.

باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى مايكره
...
28- بَاب الْغَضَبِ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ
90- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلاَنٌ فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ فَقَالَ "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ".
[الحديث 90- أطرافه في:7159,6110,704,702]
قوله: "حدثنا محمد بن كثير" هو العبدي ولم يخرج للصنعاني شيئا. قوله: "أخبرني سفيان" هو الثوري "عن ابن أبي خالد" هو إسماعيل. قوله: "قال رجل" قيل هو حزم بن أبي كعب. قوله: "لا أكاد أدرك الصلاة مما يطيل" قال القاضي عياض: ظاهره مشكل، لأن التطويل يقتضي الإدراك لا عدمه، قال فكأن الألف زيدت بعد لا وكأن أدرك كانت أترك. قلت: هو توجيه حسن لو ساعدته الرواية. وقال أبو الزناد بن سراج: معناه أنه كان به ضعف، فكان إذا طول به الإمام في القيام لا يبلغ الركوع إلا وقد ازداد ضعفه فلا يكاد يتم معه الصلاة. قلت: وهو معنى حسن، لكن رواه المصنف عن الفريابي عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ: "إني لأتأخر عن الصلاة " فعلى هذا فمراده بقوله: "إني لا أكاد أدرك الصلاة " أي لا أقرب من الصلاة في الجماعة بل أتأخر عنها أحيانا من أجل التطويل، وسيأتي تحرير هذا في موضعه في الصلاة، ويأتي الخلاف في اسم الشاكي والمشكو.قوله: "أشد غضبا" قيل إنما غضب لتقدم نهيه عن ذلك. قوله: "وذا الحاجة" كذا للأكثر. وفي رواية القابسي: "وذو الحاجة " وتوجيهه أنه عطف على موضع اسم أن قبل دخولها، أو هو استئناف.
91- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْعَقَدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ الْمَدِينِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ "اعْرِفْ وِكَاءَهَا أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ" قَالَ فَضَالَّةُ الإِبِلِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ قَالَ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ "وَمَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا" قَالَ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ "لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ"
[الحديث 91- أطرافه في: 6112,5292,2438,2436,2429,2428,2427,2372]
قوله: "سأله رجل" هو عمير والد مالك، وقيل غيره كما سيأتي في اللقطة. قوله: "وكاءها" هو بكسر الواو ما يربط به، والعفاص بكسر العين المهملة هو الوعاء بكسر الواو. قوله: "فغضب" إما لأنه كان نهى قبل ذلك عن التقاطها، وإما لأن السائل قصر في فهمه فقاس ما يتعين التقاطه على ما لا يتعين. قوله: "سقاؤها" هو بكسر أوله والمراد بذلك أجوافها لأنها تشرب فتكتفي به أياما. قوله: "وحذاؤها" بكسر المهملة ثم ذال معجمة والمراد هنا خفها. وستأتي مباحث هذا الحديث في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى.
92- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: "سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ "سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ" قَالَ رَجُلٌ مَنْ أَبِي قَالَ "أَبُوكَ حُذَافَةُ" فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ "أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ" فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
[الحديث92- طرفه في:7291]
قوله: "حدثنا محمد بن العلاء" تقدم هذا الإسناد في: "باب فضل من علم وعلم". قوله: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء" كان منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذلك من المسائل كما سيأتي في حديث ابن عباس في تفسير المائدة. قوله: "قال رجل" هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء القرشي السهمي كما سماه في حديث أنس الآتي. قوله: "فقام آخر" هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة، سماه ابن عبد البر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح منه، وأغفله في الاستيعاب، ولم يظفر به أحد من الشارحين ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة، وهو صحابي بلا مرية لقوله: "فقال من أبي يا رسول الله " ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلا من بني عبد الدار قال: من أبي؟ قال: سعد، نسبه إلى غير أبيه بخلاف ابن حذافة، وسيأتي مزيد لهذا في تفسير سورة المائدة. قوله: "فلما رأى عمر" هو ابن الخطاب "ما في وجهه" أي من الغضب "قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله" أي مما يوجب غضبك. وفي حديث أنس الآتي بعد أن عمر برك على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا. والجمع بينهما ظاهر بأنه قال جميع ذلك، فنقل كل من الصحابيين ما حفظ، ودل على اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة. "تنبيه": قصر المصنف الغضب على الموعظة والتعليم دون الحكم لأن الحاكم مأمور أن لا يقضي وهو غضبان، والفرق أن الواعظ من شأنه أن يكون في صورة الغضبان لأن مقامه يقتضي تكلف الانزعاج لأنه في صورة المنذر، وكذا المعلم إذا أنكر على من يتعلم منه سوء فهم ونحوه لأنه قد يكون ادعى للقبول منه، وليس ذلك لازما في حق كل أحد بل يختلف باختلاف أحوال المتعلمين، وأما الحاكم فهو بخلاف ذلك كما يأتي في بابه. فإن قيل: فقد قضى عليه الصلاة والسلام في حال غضبه حيث قال: أبوك فلان. فالجواب أن يقال: أولا ليس هذا من باب الحكم، وعلى تقديره فيقال: هذا من خصوصياته لمحل العصمة، فاستوى غضبه ورضاه. ومجرد غضبه من الشيء دال على تحريمه أو كراهته، بخلاف غيره صلى الله عليه وسلم.
29- باب مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوْ الْمُحَدِّثِ
93- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فَقَامَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: "مَنْ أَبِي فَقَالَ "أَبُوكَ حُذَافَةُ" ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ "سَلُونِي" فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا فَسَكَتَ"
[الحديث 93- أطرافه في:7295,7294,7091,7090,7089,6468,6362,4621,749,540]
قوله: "باب من برك" هو بفتح الموحدة والراء المخففة، يقال برك البعير إذا استناخ، واستعمل في الآدمي مجازا. قوله: "خرج فقام عبد الله بن حذافة" فيه حذف يظهر من الرواية الأخرى، والتقدير خرج فسئل فأكثروا عليه فغضب فقال: سلوني، فقام عبد الله. قوله: "فقال رضينا بالله ربا" قال ابن بطال: فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك، فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك فقال: رضينا بالله ربا الخ، فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فسكت.
باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه فقال " ألا وقول الزور " فما زال يكررها.
...
30 - باب مَنْ أَعَادَ الْحَدِيثَ ثَلاَثًا لِيُفْهَمَ عَنْهُ فَقَالَ: "أَلاَ وَقَوْلُ الزُّور"ِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هَلْ بَلَّغْتُ" ؟ ثَلاَثًا.
قوله: "باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم" هو بضم الياء وفتح الهاء، وفي روايتنا بكسر الهاء، لكن في رواية الأصيلي وكريمة: "ليفهم عنه " وهو بفتح الهاء لا غير. قوله: "فقال "ألا وقول الزور" كذا في رواية أبي ذر وفي رواية غيره: "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وهو طرف معلق من حديث أبي بكرة المذكور في الشهادات وفي الديات الذي أوله: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر " ثلاثا فذكر الحديث، ففيه معنى الترجمة لكونه قال لهم ذلك ثلاثا. قوله: "فما زال يكررها" أي في مجلسه ذلك. والضمير يعود على الكلمة الأخيرة وهي قول الزور، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في مكانه. قوله: "وقال ابن عمر" هو طرف أيضا من حديث مذكور عند المصنف في كتاب الحدود أوله " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في حجة الوداع: "أي شهر هذا " فذكر الحديث وفيه هذا القدر المعلق، وقوله: "ثلاثا " متعلق بقال لا بقوله بلغت.
94- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاَثًا وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا".
[الحديث 94- طرفاه في:6244,95]
95- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَارُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثًا".
قوله: "حدثنا عبدة" هو ابن عبد الله الصفار، ولم يخرج البخاري عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي وهو من طبقة عبدة الصفار. وفي رواية الأصيلي حدثنا عبدة الصفار. قوله: "حدثنا عبد الصمد" هو ابن عبد الوارث بن سعيد، يكنى أبا سهل، والمثنى والد عبد الله هو بضم الميم وفتح المثلثة وتشديد النون المفتوحة وهو ابن عبد الله بن أنس بن مالك، وثمامة عمه. ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون. قوله: "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان" أي من عادة النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد أن أنسا مخبر عما عرفه من شأن النبي صلى الله عليه وسلم وشاهده، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك. ويؤيد ذلك أن المصنف أخرجه في كتاب الاستئذان عن إسحاق - وهو ابن منصور - عن عبد الصمد بهذا الإسناد إلى أنس فقال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان". قوله: "إذا تكلم" قال الكرماني: "مثل هذا التركيب يشعر بالاستمرار عند الأصوليين". قوله: "بكلمة" أي بجملة مفيدة. قوله: "أعادها ثلاثا" قد بين المراد بذلك في نفس الحديث بقوله: "حتى تفهم عنه " وللترمذي والحاكم في المستدرك " حتى تعقل عنه". ووهم الحاكم في استدراكه وفي دعواه أن البخاري لم يخرجه. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، إنما نعرفه من حديث عبد الله بن المثنى. انتهى. وعبد الله بن المثنى ممن تفرد البخاري بإخراج حديثه دون مسلم وقد وثقه العجلي والترمذي. وقال أبو زرعة وأبو حاتم: صالح. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بالقوي. قلت: لعله أراد في بعض حديثه، وقد تقرر أن البخاري حيث يخرج لبعض من فيه مقال لا يخرج شيئا مما أنكر عليه. وقول ابن معين ليس بشيء أراد به في حديث بعينه سئل عنه، وقد قواه في رواية إسحاق بن منصور عنه. وفي الجملة فالرجل إذا ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إلا إذا كان مفسرا بأمر قادح، وذلك غير موجود في عبد الله بن المثنى هذا. وقد قال ابن حبان لما ذكره في الثقات: ربما أخطأ. والذي أنكر عليه إنما هو من روايته عن غير عمه ثمامة، والبخاري إنما أخرج له عن عمه هذا الحديث وغيره، ولا شك أن الرجل أضبط لحديث آل بيته من غيره. وقال ابن المنير: نبه البخاري بهذه الترجمة على الرد على من كره إعادة الحديث، وأنكر على الطالب الاستعادة وعده من البلادة، قال: والحق أن هذا يختلف باختلاف القرائح، فلا عيب على المستفيد الذي لا يحفظ من مرة إذا استعاد، ولا عذر للمفيد إذا لم يعد بل الإعادة عليه آكد من الابتداء، لأن الشروع ملزم. وقال ابن التين، فيه أن الثلاث غاية ما يقع به الاعتذار والبيان قوله: "وإذا أتى على قوم" أي وكان إذا أتى. قوله: "فسلم عليهم" هو من تتمة الشرط، وقوله سلم عليهم هو الجواب، قال الإسماعيلي: يشبه أن يكون ذلك كان إذا سلم سلام الاستئذان على ما رواه أبو موسى وغيره، وأما أن يمر المار مسلما فالمعروف عدم التكرار. قلت: وقد فهم المصنف هذا بعينه فأورد هذا الحديث مقرونا بحديث أبي موسى في قصته مع عمر كما سيأتي في الاستئذان، لكن يحتمل أن يكون ذلك كان يقع أيضا منه إذا خشي أنه لا يسمع سلامه. وما ادعاه الكرماني من أن الصيغة المذكورة تفيد الاستمرار مما ينازع فيه. والله أعلم.
96- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ تَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الصَّلاَةَ صَلاَةَ الْعَصْرِ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا
قوله في حديث عبد الله بن عمرو "فأدركنا" هو بفتح الكاف. وقوله: "أرهقنا " بسكون القاف، وللأصيلي: "أرهقتنا " وقوله: "صلاة العصر " هو بدل من الصلاة إن رفعا فرفع وإن نصبا فنصب. قوله: "مرتين أو ثلاثا" و شك من الراوي، وهو يدل على أن الثلاث ليست شرطا، بل المراد التفهيم، فإذا حصل بدونها أجزأ. وسيأتي الكلام على المتن في الطهارة إن شاء الله تعالى.

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 03:40 AM
31- باب تَعْلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ
97- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ"
ثُمَّ قَالَ عَامِر:ٌ أَعْطَيْنَاكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ قَدْ كَانَ يُرْكَبُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ
[الحديث 97- أطرافه في:5083,3446,3011,2551,2547,2544]
قوله: "باب تعليم الرجل أمته وأهله" مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص وفي الأهل بالقياس، إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء. قوله: "حدثنا محمد بن سلام" كذا في روايتنا من طريق أبي ذر. وفي رواية كريمة حدثنا محمد هو ابن سلام، وللأصيلي حدثنا محمد حسب، واعتمده المزي في الأطراف فقال: رواه البخاري عن محمد قيل هو ابن سلام. قوله: "أخبرنا" في رواية كريمة حدثنا المحاربي وهو عبد الرحمن بن محمد بن زياد، وليس له عند البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر في العيدين، وذكر أبو علي الجياني أن بعض أهل بلدهم صحف " المحاربي " فقال البخاري، فأخطأ خطأ فاحشا. قوله: "حدثنا صالح بن حيان" هو صالح بن صالح بن مسلم بن حيان نسب إلى جد أبيه، وهو بفتح المهملة وتشديد الياء التحتانية، ولقبه حي وهو أشهر به من اسمه، وكذا من ينسب إليه يقال للواحد منهم غالبا فلان ابن حي كصالح بن حي هذا. وهو ثقة مشهور، وفي طبقته راو آخر كوفي أيضا يقال له صالح بن حيان القرشي لكنه ضعيف، وقد وهم من زعم أن البخاري أخرج له فإنه إنما أخرج لصالح بن حي، وهذا الحديث معروف بروايته عن الشعبي دون القرشي، وقد أخرجه البخاري من حديثه من طرق: منها في الجهاد من طريق ابن عيينة قال: حدثنا صالح بن حي أبو حيان قال: سمعت الشعبي، وأصرح من ذلك أنه أخرج الحديث المذكور في كتاب الأدب المفرد بالإسناد الذي أخرجه هنا فقال صالح بن حي. قوله: "قال عامر" أي قال صالح قال عامر، وعادتهم حذف قال إذا تكررت خطأ لا نطقا. قوله: "عن أبيه" هو أبو موسى الأشعري كما صرح به في العتق وغيره. قوله: "ثلاثة لهم أجران" ثلاثة مبتدأ، والتقدير ثلاثة رجال أو رجال ثلاثة، ولهم أجران خبره. قوله: "رجل" هو بدل تفصيل، أو بدل كل بالنظر إلى المجموع. قوله: "من أهل الكتاب" لفظ الكتاب عام ومعناه خاص، أي المنزل من عند الله، والمراد به التوراة والإنجيل كما تظاهرت به نصوص الكتاب والسنة حيث يطلق أهل الكتاب، وقيل المراد به هنا الإنجيل خاصة إن قلنا إن النصرانية ناسخة لليهودية، كذا قرره جماعة، ولا يحتاج إلى اشتراط النسخ لأن عيسى عليه الصلاة والسلام كان قد أرسل إلى بني إسرائيل بلا خلاف، فمن أجابه منهم نسب إليه، ومن كذبه منهم واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنا فلا يتناوله الخبر، لأن شرطه أن يكون مؤمنا بنبيه. نعم من دخل في اليهودية من غير بني إسرائيل، أو لم يكن بحضرة عيسى عليه السلام فلم تبلغه دعوته. يصدق عليه أنه يهودي مؤمن، إذ هو مؤمن بنبيه موسى عليه السلام ولم يكذب نبيا

آخر بعده، فمن أدرك بعثه محمد صلى الله عليه وسلم ممن كان بهذه المناسبة وآمن به لا يشكل أنه يدخل في الخبر المذكور، ومن هذا القبيل العرب الذين كانوا باليمن وغيرها ممن دخل منهم في اليهودية ولم تبلغهم دعوة عيسى عليه السلام لكونه أرسل إلى بني إسرائيل خاصة. نعم الإشكال في اليهود الذين كانوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أن الآية الموافقة لهذا الحديث وهي قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} نزلت في طائفة آمنوا منهم كعبد الله بن سلام وغيره، ففي الطبراني من حديث رفاعة القرظي قالت: نزلت هذه الآيات في وفيمن آمن معي. وروى الطبراني بإسناد صحيح عن علي بن رفاعة القرظي قال: خرج عشرة من أهل الكتاب - منهم أبي رفاعة - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به فأوذوا، فنزلت: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} الآيات، فهؤلاء من بني إسرائيل ولم يؤمنوا بعيسى بل استمروا على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أنهم يؤتون أجرهم مرتين، قال الطيبي: فيحتمل إجراء الحديث على عمومه، إذ لا يبعد أن يكون طريان الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم سببا لقبول تلك الأديان وإن كانت منسوخة. انتهى. وسأذكر ما يؤيده بعد. ويمكن أن يقال في حق هؤلاء الذين كانوا بالمدينة: إنه لم تبلغهم دعوة عيسى عليه السلام لأنها لم تنتشر في أكثر البلاد، فاستمروا على يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى عليه السلام، إلى أن جاء الإسلام فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فبهذا يرتفع الإشكال إن شاء الله تعالى. "فوائد": الأولى: وقع في شرح ابن التين وغيره أن الآية المذكورة نزلت في كعب الأحبار وعبد الله بن سلام، وهو صواب في عبد الله خطأ في كعب، لأن كعبا ليست له صحبة، ولم يسلم إلا في عهد عمر بن الخطاب، والذي في تفسير الطبري وغيره عن قتادة أنها نزلت في عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي، وهذا مستقيم، لأن عبد الله كان يهوديا فأسلم كما سيأتي في الهجرة، وسلمان كان نصرانيا فأسلم كما سيأتي في البيوع. وهما صحابيان مشهوران. الثانية: قال القرطبي الكتابي الذي يضاعف أجره مرتين هو الذي كان على الحق في شرعه عقدا وفعلا إلى أن آمن بنبينا صلى الله عليه وسلم، فيؤجر على اتباع الحق الأول والثاني. انتهى. ويشكل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل: "أسلم يؤتك الله أجرك مرتين" ، وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل، وقد قدمت بحث شيخ الإسلام في هذا في حديث أبي سفيان في بدء الوحي. الثالثة: قال أبو عبد الملك البوني وغيره: إن الحديث لا يتناول اليهود البتة، وليس بمستقيم كما قررناه. وقال الداودي ومن تبعه: إنه يحتمل أن يتناول جميع الأمم فيما فعلوه من خير كما في حديث حكيم بن حزام الآتي: "أسلمت على ما أسلفت من خير " وهو متعقب، لأن الحديث مقيد بأهل الكتاب فلا يتناول غيرهم إلا بقياس الخير على الإيمان. وأيضا فالنكتة في قوله: "آمن بنبيه " الإشعار بعلية الأجر، أي أن سبب الأجرين الإيمان بالنبيين، والكفار ليسوا كذلك. ويمكن أن يقال الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار أن أهل الكتاب يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى :{يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ} فمن آمن به واتبعه منهم كان له فضل على غيره، وكذا من كذبه منهم كان وزره أشد من وزر غيره، وقد ورد مثل ذلك في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم لكون الوحي كان ينزل في بيوتهن. فإن قيل: فلم لم يذكرن في هذا الحديث فيكون العدد أربعة؟ أجاب شيخنا شيخ الإسلام بأن قضيتهن خاصة بهن مقصورة عليهن، والثلاثة المذكورة في الحديث مستمرة إلى يوم القيامة. وهذا مصير شيخنا إلى أن قضية مؤمن أهل الكتاب مستمرة، وقد ادعى الكرماني اختصاص ذلك بمن آمن في عهد البعثة، وعلل ذلك بأن نبيهم بعد البعثة إنما هو محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار عموم بعثته. انتهى. وقضيته أن ذلك أيضا لا يتم لمن كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن خصه بمن لم تبلغه الدعوة

فلا فرق في ذلك بين عهده وبعده، فما قاله شيخنا أظهر. والمراد بنسبتهم إلى غير نبينا صلى الله عليه وسلم إنما هو باعتبار ما كانوا عليه قبل ذلك، وأما ما قوى به الكرماني دعواه بكون السياق مختلفا حيث قيل في مؤمن أهل الكتاب: "رجل " بالتنكير وفي " العبد " بالتعريف، وحيث زيدت فيه: "إذا " الدالة على معنى الاستقبال فأشعر ذلك بأن الأجرين لمؤمن أهل الكتاب لا يقع في الاستقبال، بخلاف العبد. انتهى. وهو غير مستقيم، لأنه مشى فيه مع ظاهر اللفظ، وليس متفقا عليه بين الرواة، بل هو عند المصنف وغيره مختلف، فقد عبر في ترجمة عيسى بإذا في الثلاثة، وعبر في النكاح بقوله: "أيما رجل " في المواضع الثلاثة وهي صريحة في التعميم، وأما الاختلاف بالتعريف والتنكير فلا أثر له هنا لأن المعرف بلام الجنس مؤداه مؤدى النكرة والله أعلم. الرابعة: حكم المرأة الكتابية حكم الرجل كما هو مطرد في جل الأحكام حيث يدخلن مع الرجال بالتبعية إلا ما خصه الدليل، وستأتي مباحث العبد في العتق ومباحث الأمة في النكاح. قوله: "فله أجران" هو تكرير لطول الكلام للاهتمام به. قوله: "ثم قال عامر" - أي الشعبي - أعطيناكها، ظاهره أنه خاطب بذلك صالحا الراوي عنه، ولهذا جزم الكرماني بقوله: "الخطاب لصالح " وليس كذلك، بل إنما خاطب بذلك رجلا من أهل خراسان سأله عمن يعتق أمته ثم يتزوجها، كما سنذكر ذلك في ترجمة عيسى عليه السلام من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. قوله: "بغير شيء" أي من الأمور الدنيوية، وإلا فالأجر الأخروي حاصل له. قوله: "يركب فيما دونها" أي يرحل لأجل ما هو أهون منها كما عنده في الجهاد، والضمير عائد على المسألة. قوله: "إلى المدينة" أي النبوية، وكان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، ثم تفرق الصحابة في البلاد بعد فتوح الأمصار وسكنوها، فاكتفى أهل كل بلد بعلمائه إلا من طلب التوسع في العلم فرحل، وقد تقدم حديث جابر في ذلك، ولهذا عبر الشعبي - مع كونه من كبار التابعين - بقوله: "كان"، واستدلال ابن بطال وغيره من المالكية على تخصيص العلم بالمدينة فيه نظر لما قررناه. إنما قال الشعبي ذلك تحريضا للسامع ليكون ذلك أدعى لحفظه وأجلب لحرصه والله المستعان. وقد روى الدارمي بسند صحيح عن بسر بن عبيد الله - وهو بضم الموحدة وسكون المهملة - قاله: إن كنت لأركب إلى المصر من الأمصار في الحديث الواحد. وعن أبي العالية قال: كنا نسمع الحديث عن الصحابة، فلا نرضى حتى نركب إليهم فنسمعه منهم.

32- باب عِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ وَتَعْلِيمِهِنَّ
98- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: "سَمِعْتُ عَطَاءً قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ عَطَاءٌ أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُرْطَ وَالْخَاتَمَ وَبِلاَلٌ يَأْخُذُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ".
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[الحديث98- أطرافه في: 7325,5883,5881,5880,5249,4895,1449,1431,989,979,97 7,975,964,962,863,]
قوله: "باب عظة الإمام النساء" نبه بهذه الترجمة على أن ما سبق من الندب إلى تعليم الأهل ليس مختصا بأهلهن، بل ذلك مندوب للإمام الأعظم ومن ينوب عنه. واستفيد الوعظ بالتصريح من قوله في الحديث: "فوعظهن "

وكانت الموعظة بقوله: "إني رأيتكن أكثر أهل النار " لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير". واستفيد التعليم من قوله: "وأمرهن بالصدقة " كأنه أعلمهن أن في الصدقة تكفيرا لخطاياهن. قوله: "عن أيوب" هو السختياني، وعطاء هو ابن أبي رباح. قوله: "أو قاله عطاء أشهد" معناه أن الراوي تردد هل لفظ أشهد من قول ابن عباس أو من قول عطاء؛ وقد رواه أيضا حماد بن زيد عن أيوب أخرجه أبو نعيم في المستخرج، وأخرجه أحمد بن حنبل عن غندر عن شعبة جازما بلفظ: "أشهد " عن كل منهما، وإنما عبر بلفظ الشهادة تأكيدا لتحققه ووثوقا بوقوعه. قوله: "ومعه بلال" كذا للكشميهني وسقطت الواو للباقين. قوله: "القرط" هو بضم القاف وإسكان الراء بعدها طاء مهملة، أي الحلقة التي تكون في شحمة الأذن، وسيأتي مزيد في هذا المتن في العيدين إن شاء الله تعالى. قوله: "وقال إسماعيل" هو المعروف بابن علية، وأراد بهذا التعليق أنه جزم عن أيوب بأن لفظ: "أشهد " من كلام ابن عباس فقط، وكذا جزم به أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة، وكذا قال وهيب عن أيوب ذكره الإسماعيلي، وأغرب الكرماني فقال: يحتمل أن يكون قوله وقال إسماعيل عطفا على حدثنا شعبة، فيكون المراد به حدثنا سليمان بن حرب عن إسماعيل فلا يكون تعليقا انتهى. وهو مردود بأن سليمان بن حرب لا رواية له عن إسماعيل أصلا لا لهذا الحديث ولا لغيره، وقد أخرجه المصنف في كتاب الزكاة موصولا عن مؤمل بن هشام عن إسماعيل كما سيأتي، وقد قلنا غير مرة: إن الاحتمالات العقلية لا مدخل لها في الأمور النقلية. ولو استرسل فيها مسترسل لقال: يحتمل أن يكون إسماعيل هنا آخر غير ابن علية، وأن أيوب آخر غير السختياني، وهكذا في أكثر الرواة، فيخرج بذلك إلى ما ليس بمرضي. وفي هذا الحديث جواز المعاطاة في الصدقة، وصدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها، وأن الصدقة تمحو كثيرا من الذنوب التي تدخل النار.

33 - باب الْحِرْصِ عَلَى الْحَدِيثِ
99- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ"
[الحديث 99-طرفه في:6570]
قوله: "باب الحرص على الحديث" المراد بالحديث في عرف الشرع ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه أريد به مقابلة القرآن لأنه قديم. قوله: "حدثنا عبد العزيز" هو أبو القاسم الأويسي، وسليمان هو ابن بلال، وعمرو بن أبي عمرو هو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب، واسم أبي عمرو ميسرة. والإسناد كله مدنيون. قوله: "أنه قال: قيل يا رسول الله" كذا لأبي ذر وكريمة. وسقطت " قيل " للباقين وهو الصواب، ولعلها كانت قلت فتصحفت، فقد أخرجه المصنف في الرقاق كذلك، وللإسماعيلي أنه سأل، ولأبي نعيم أن أبا هريرة قال يا رسول الله. قوله: "أول منك" وقع في روايتنا برفع اللام ونصبها، فالرفع على الصفة لأحد أو البدل منه والنصب على أنه مفعول ثان لظننت قاله القاضي عياض. وقال أبو البقاء: "على الحال، ولا يضر كونه نكرة لأنها في سياق النفي كقولهم ما كان أحد

مثلك". و " ما " في قوله لما موصولة و " من " بيانية أو تبعيضية، وفيه فضل أبي هريرة وفضل الحرص على تحصيل العلم. قوله: "من قال لا إله إلا الله" احتراز من المشرك، والمراد مع قوله محمد رسول الله، لكن قد يكتفى بالجزء الأول من كلمتي الشهادة لأنه صار شعارا لمجموعهما كما تقدم في الإيمان. قوله: "خالصا" احتراز من المنافق، ومعنى أفعل في قوله: "أسعد " الفعل لا أنها أفعل التفضيل أي سعيد الناس، كقوله تعالى :{وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} ويحتمل أن يكون أفعل التفضيل على بابها، وأن كل أحد يحصل له سعد بشفاعته، لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها، فإنه صلى الله عليه وسلم يشفع في الخلق لإراحتهم من هول الموقف، ويشفع في بعض الكفار، بتخفيف العذاب كما صح في حق أبي طالب، ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها، وفي بعضهم بعدم دخولها بعد أن استوجبوا دخولها، وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب، وفي بعضهم برفع الدرجات فيها. فظهر الاشتراك في السعادة بالشفاعة وأن أسعدهم بها المؤمن المخلص. والله أعلم. قوله: "من قلبه، أو نفسه" شك من الراوي، وللمصنف في الرقاق " خالصا من قبل نفسه " وذكر ذلك على سبيل التأكيد كما في قوله تعالى :{فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} وفي الحديث دليل على اشتراط النطق بكلمتي الشهادة لتعبيره بالقول في قوله: "من قال".

34 - باب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاكْتُبْهُ فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ وَلاَ تَقْبَلْ إِلاَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْتُفْشُوا الْعِلْمَ وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لاَ يَعْلَمُ فَإِنَّ الْعِلْمَ لاَ يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِذَلِكَ يَعْنِي حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى قَوْلِهِ "ذَهَابَ الْعُلَمَاءِ"
100- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"
قَالَ الْفِرَبْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ قَالَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ
[الحديث 100-طرفه في:7307]
قوله: "باب كيف يقبض العلم" أي كيفية قبض العلم. قوله: "إلى أبي بكر بن حزم" هو ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري نسب إلى جد أبيه ولجده عمرو صحبة، ولأبيه محمد رؤية، وأبو بكر تابعي فقيه استعمله عمر بن عبد العزيز على إمرة المدينة وقضائها ولهذا كتب إليه. ولا يعرف له اسم سوى أبي بكر وقيل كنيته أبو عبد الملك واسمه أبو بكر وقيل اسمه كنيته. قوله: "انظر ما كان" أي اجمع الذي تجد. ووقع هنا للكشميهني عندك أي في بلدك. قوله: "فاكتبه" يستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي. وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ فلما خاف عمر بن عبد العزيز وكان على رأس المائة الأولى من ذهاب العلم بموت العلماء رأى أن في تدوينه ضبطا له وإبقاء. وقد روى

أبو نعيم في تاريخ أصبهان هذه القصة بلفظ: "كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه". قوله: "ولا يقبل" هو بضم الياء التحتانية وسكون اللام وبسكونها وكسرها معا في وليفشوا وليجلسوا. قوله: "حتى يعلم" هو بضم أوله وتشديد اللام، وللكشميهني يعلم بفتح أوله وتخفيف اللام. قوله: "يهلك" بفتح أوله وكسر اللام. قوله: "حدثنا العلاء" لم يقع وصل هذا التعليق عند الكشميهني ولا كريمة ولا ابن عساكر إلى قوله ذهاب العلماء، وهو محتمل لأن يكون ما بعده ليس من كلام عمر أو من كلامه ولم يدخل في هذه الرواية، والأول أظهر، وبه صرح أبو نعيم في المستخرج ولم أجده في مواضع كثيرة إلا كذلك، وعلى هذا فبقيته من كلام المصنف أورده تلو كلام عمر، ثم بين أن ذلك غاية ما انتهى إليه كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى. قوله: "حدثني مالك" قال الدارقطني: لم يروه في الموطأ إلا معن بن عيسى، ورواه أصحاب مالك كابن وهب وغيره عن مالك خارج الموطأ، وأفاد ابن عبد البر أن سليمان بن يزيد رواه أيضا في الموطأ والله أعلم. وقد اشتهر هذا الحديث من رواية هشام بن عروة فوقع لنا من رواية أكثر من سبعين نفسا عنه من أهل الحرمين والعراقين والشام وخراسان ومصر وغيرها، ووافقه على روايته عن أبيه عروة أبو الأسود المدني وحديثه في الصحيحين، والزهري وحديثه في النسائي، ويحيي بن أبي كثير وحديثه في صحيح أبي عوانة، ووافق أباه على روايته عن عبد الله بن عمرو بن الحكم بن ثوبان وحديثه في مسلم. قوله: "لا يقبض العلم انتزاعا" أي محوا من الصدور، وكان تحديث النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حجة الوداع كما رواه أحمد والطبراني من حديث أبي أمامه قال: لما كان في حجة الوداع قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا العلم قبل أن يقبض أو يرفع " فقال أعرابي: كيف يرفع؟ فقال: "ألا إن ذهاب العلم ذهاب حملته" . ثلاث مرات. قال ابن المنير: محو العلم من الصدور جائز في القدرة، إلا أن هذا الحديث دل على عدم وقوعه. قوله: "حتى إذا لم يبق عالم" هو بفتح الياء والقاف، وللأصيلي بضم أوله وكسر القاف، وعالما منصوب أي لم يبق الله عالما. وفي رواية مسلم: "حتى إذا لم يترك عالما" ، قوله: "رءوسا" قال النووي: ضبطناه بضم الهمزة والتنوين جمع رأس. قلت: وفي رواية أبي ذر أيضا بفتح الهمزة، وفي آخره همزة أخرى مفتوحة جمع رئيس. قوله: "بغير علم" وفي رواية أبي الأسود في الاعتصام عند المصنف: "فيفتون برأيهم " ورواها مسلم كالأولى. قوله: "قال الفربري" هذا من زيادات الراوي عن البخاري في بعض الأسانيد، وهي قليلة. قوله: "نحوه" أي بمعنى حديث مالك. ولفظ رواية قتيبة هذه أخرجها مسلم عنه، وفي هذا الحديث الحث على حفظ العلم، والتحذير من ترئيس الجهلة، وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم. واستدل به الجمهور على القول بخلو الزمان عن مجتهد، ولله الأمر يفعل ما يشاء. وسيكون لنا في المسألة عود في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى.


باب من سمع شيئا فراجع حتى يعرفه
...
36 - باب مَنْ سَمِعَ شَيْئًا فَلَمْ يَفْهَمْهُ فَرَاجَعَ فِيهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ
103- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَائِشَةَ

زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ إِلاَّ رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ" قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} قَالَتْ: فَقَالَ "إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ"
[الحديث103-أطرافه في:6537,6536,4939]
قوله: "باب من سمع شيئا" زاد أبو ذر فلم يفهمه. قوله: "فراجعه" أي راجع الذي سمعه منه. وللأصيلي فراجع فيه. قوله: "أن عائشة" ظاهر أوله الإرسال، لأن ابن أبي مليكة تابعي لم يدرك مراجعة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن تبين وصله بعد في قوله: "قالت عائشة فقلت". قوله: "كانت لا تسمع" أتى بالمضارع استحضارا للصورة الماضية لقوة تحققها. قوله: "إنما ذلك" بكسر الكاف "العرض" أي عرض الناس على الميزان. قوله: "نوقش" بالقاف والمعجمة من المناقشة وأصلها الاستخراج، ومنه نقش الشوكة إذا استخرجها، والمراد هنا المبالغة في الاستيفاء، والمعنى أن تحرير الحساب يفضي إلى استحقاق العذاب، لأن حسنات العبد موقوقة على القبول، وإن لم تقع الرحمة المقتضية للقبول لا يحصل النجاء. قوله في آخره "يهلك" بكسر اللام وإسكان الكاف. وفي الحديث ما كان عند عائشة من الحرص على تقهم معاني الحديث، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتضجر من المراجعة في العلم. وفيه جواز المناظرة، ومقابلة السنة بالكتاب، وتفاوت الناس في الحساب. وفيه أن السؤال عن مثل هذا لم يدخل فيما نهي الصحابة عنه في قوله تعالى :{لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ} وفي حديث أنس: "كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء " وقد وقع نحو ذلك لغير عائشة، ففي حديث حفصة أنها لما سمعت: "لا يدخل النار أحد ممن شهد بدرا والحديبية " قالت. أليس الله يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فأجيبت بقوله: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} الآية، وسأل الصحابة لما نزلت:{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}: أينا لم يظلم نفسه؟ فأجيبوا بأن المراد بالظلم الشرك. والجامع بين هذه المسائل الثلاث ظهور العموم في الحساب والورود والظلم. فأوضح لهم أن المراد في كل منها أمر خاص. ولم يقع مثل هذا من الصحابة إلا قليلا مع توجه السؤال وظهوره، وذلك لكمال فهمهم ومعرفتهم باللسان العربي، فيحمل ما ورد من ذم من سأل عن المشكلات على من سأل تعنتا كما قال تعالى :{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} وفي حديث عائشة: "فإذا رأيتم الذين يسألون عن ذلك فهم الذين سمى الله فاحذروهم " ومن ثم أنكر عمر على صبيغ لما رآه أكثر من السؤال عن مثل ذلك وعاقبه، وسيأتي إيضاح هذا كله في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى. وسيأتي باقيه في كتاب الرقاق، وكذا الكلام على انتقاد الدارقطني لإسناده إن شاء الله تعالى.

35 - باب هَلْ يُجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمٌ عَلَى حِدَةٍ فِي الْعِلْمِ
101- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَتْ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ "مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلاَّ كَانَ لَهَا حِجَابًا


مِنْ النَّارِ" فَقَالَتْ امْرَأَةٌ وَاثْنَيْنِ فَقَالَ : "وَاثْنَيْنِ."
[الحديث 101- طرفاه في:7310,1249]
قوله: "باب هل يجعل" أي الإمام، وللأصيلي وكريمة: "يجعل " بضم أوله، وعندهما يوم بالرفع لأجل ذلك.قوله: "على حدة" بكسر المهملة وفتح الدال المهملة المخففة أي ناحية وحدهن، والهاء عوض عن الواو المحذوفة كما قالوا في عدة من الوعد.قوله: "حدثنا آدم" هو ابن أبي إياس. قوله: "قال النساء" كذا لأبي ذر، وللباقين " قالت النساء " وكلاهما جائز. و " غلبنا " بفتح الموحدة و " الرجال " بالضم لأنه فاعله. قوله: "فاجعل لنا" أي عين لنا. وعبر عنه بالجعل لأنه لازمه. ومن ابتدائية متعلقة باجعل، والمراد رد ذلك إلى اختياره. قوله: "فوعظهن" التقدير فوفى بوعده فلقيهن فوعظهن. ووقع في رواية سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بنحو هذه القصة فقال: "موعدكن بيت فلانة " فأتاهن فحدثهن. قوله: "وأمرهن" أي بالصدقة، أو حذف المأمور به لإرادة التعميم. قوله: "ما منكن امرأة"، وللأصيلي ما من امرأة و " من " زائدة لفظا. وقوله تقدم صفة لامرأة. قوله: "إلا كان لها" أي التقديم "حجابا". وللأصيلي: "حجاب " بالرفع وتعرب كان تامة أي حصل لها حجاب. وللمصنف في الجنائز إلا كن لها أي الأنفس التي تقدم. وله في الاعتصام إلا كانوا أي الأولاد. قوله: "فقالت امرأة" هي أم سليم، وقيل غيرها كما سنوضحه في الجنائز. قوله: "واثنين" ولكريمة: "واثنتين " بزيادة تاء التأنيث، وهو منصوب بالعطف على ثلاثة ويسمى العطف التلقيني، وكأنها فهمت الحصر وطمعت في الفضل فسألت عن حكم الاثنين هل يلتحق بالثلاثة أو لا، وسيأتي في الجنائز الكلام في تقديم الواحد.
102- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ "ثَلاَثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ"
[الحديث 102- طرفه في:1250]
قوله: "حدثني محمد بن بشار" أفاد بهذا الإسناد فائدتين: إحداهما تسمية ابن الأصبهاني المبهم في الرواية الأولى، والثانية زيادة طريق أبي هريرة التي زاد فيها التقييد بعدم بلوغ الحنث، أي الإثم. والمعنى أنهم ماتوا قبل أن يبلغوا، لأن الإثم إنما يكتب بعد البلوغ، وكأن السر فيه أنه لا ينسب إليهم إذ ذاك عقوق فيكون الحزن عليهم أشد. وفي الحديث ما كان عليه نساء الصحابة من الحرص على تعليم أمور الدين، وفيه جواز الوعد، وأن أطفال المسلمين في الجنة، وأن من مات له ولدان حجباه من النار، ولا اختصاص لذلك بالنساء كما سيأتي التنصيص عليه في الجنائز. "تنبيه" حديث أبي هريرة مرفوع. والواو في قوله: "وقال: "للعطف على محذوف تقديره مثله أي مثل حديث أبي سعيد، والواو في قوله: "وعن عبد الرحمن " للعطف على قوله أولا: "عن عبد الرحمن". والحاصل أن شعبة يرويه عن عبد الرحمن بإسنادين، فهو موصول، ووهم من زعم أنه معلق.

37 - باب لِيُبَلِّغْ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
104- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ "أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلاَ يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلاَ يَعْضِدَ

بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ" فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ عَمْرٌو قَالَ: "أَنَا أَعْلَمُ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ لاَ يُعِيذُ عَاصِيًا وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ وَلاَ فَارًّا بِخَرْبَةٍ".
[الحديث 104 طرفاه في: 4295,1832]
قوله: "باب ليبلغ العلم" النصب والشاهد بالرفع والغائب منصوب أيضا. والمراد بالشاهد هنا الحاضر، أي ليبلغ من حضر من غاب، لأنه المفعول الأول والعلم المفعول الثاني وإن قدم في الذكر. قوله: "قاله ابن عباس" أي رواه، وليس هو في شيء من طرق حديث ابن عباس بهذه الصورة، وإنما هو في روايته ورواية غيره بحذف العلم، وكأنه أراد بالمعنى لأن المأمور بتبليغه هو العلم. قوله: "عن أبي شريح" هو الخزاعي الصحابي المشهور، وعمرو بن سعيد هو ابن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي يعرف بالأشدق، وليست له صحبة ولا كان من التابعين بإحسان. قوله: "وهو يبعث البعوث" أي يرسل الجيوش إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير لكونه امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية واعتصم بالحرم، وكان عمرو والي يزيد على المدينة، والقصة مشهورة، وملخصها أن معاوية عهد بالخلافة بعده ليزيد بن معاوية، فبايعه الناس إلا الحسين بن علي وابن الزبير، فأما ابن أبي بكر فمات قبل موت معاوية، وأما ابن عمر فبايع ليزيد عقب موت أبيه، وأما الحسين بن علي فسار إلى الكوفة لاستدعائهم إياه ليبايعوه فكان ذلك سبب قتله، وأما ابن الزبير فاعتصم ويسمى عائذ البيت وغلب على أمر مكة، فكان يزيد بن معاوية يأمر أمراءه على المدينة أن يجهزوا إليه الجيوش، فكان آخر ذلك أن أهل المدينة اجتمعوا على خلع يزيد من الخلافة. قوله: "ائذن لي" فيه حسن التلطف في الإنكار على أمراء الجور ليكون أدعى لقبولهم. قوله: "أحدثك" بالجزم لأنه جواب الأمر. قوله: "قام" صفة للقول، والمقول هو حمد الله الخ. قوله: "الغد" النصب أي أنه خطب في اليوم الثاني من فتح مكة. قوله: "سمعته أذناني الخ" أراد أنه بالغ في حفظه والتثبت فيه وأنه لم يأخذه بواسطة. وأتى بالتثنية تأكيدا، والضمير في قوله: "تكلم به " عائد على قوله قولا. قوله: "ولم يحرمها الناس" بالضم أي أن تحريمها كان بوحي من الله لا من اصطلاح الناس، قوله: "يسفك" كسر الفاء وحكي ضمها، وهو صب الدم، والمراد به القتل. قوله: "ولا يعضد" بكسر الضاد المعجمة وفتح الدال أي يقطع بالمعضد وهو آلة كالفأس. قوله: "وإنما أذن لي" أي الله، روي بضم الهمزة. وفي قوله: "لي " التفات لأن نسق الكلام وإنما أذن له أي لرسوله. قوله: "ساعة" أي مقدارا من الزمان، والمراد به يوم الفتح. وفي مسند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ذلك كان من طلوع الشمس إلى العصر، والمأذون له فيه القتال لا قطع الشجر. قوله: "ما قال عمرو" أي في جوابك. قوله: "لا تعيذ" بضم المثناة أوله وآخره ذال معجمة أي مكة لا تعصم العاصي عن إقامة الحد عليه قوله: "ولا فارا" بالفاء والراء المشددة أي هاربا عليه دم يعتصم بمكة كيلا يقتص منه. قوله: "بخربة" فتح المعجمة وإسكان الراء ثم موحدة يعني السرقة كذا ثبت تفسيرها في رواية المستملي، قال ابن بطال: الخربة بالضم الفساد، وبالفتح السرقة. وقد تشدق(1) عمرو في الجواب وأتى بكلام ظاهره حق
ـــــــ
(1)في الطبعات السابقة "تصرف" والتصحيح من مخطوطة الرياض,وعمرو كان يسمى "الاشدق" لتشدقه في البيان


لكن أراد به الباطل، فإن الصحابي أنكر عليه نصب الحرب على مكة فأجابه بأنها لا تمنع من إقامة القصاص، وهو صحيح إلا أن ابن الزبير لم يرتكب أمرا يجب عليه فيه شيء من ذلك، وسنذكر مباحث هذا الحديث في كتاب الحج، وما للعلماء فيه من الاختلاف في القتال في الحرم إن شاء الله تعالى. وفي الحديث شرف مكة، وتقديم الحمد والثناء على القول المقصود، وإثبات خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم واستواء المسلمين معه في الحكم إلا ما ثبت تخصيصه به، ووقوع النسخ، وفضل أبي شريح لاتباعه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه وغير ذلك.
105- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ" قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ "وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَلاَ لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ" وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ذَلِكَ أَلاَ هَلْ "بَلَّغْتُ" مَرَّتَيْنِ.
قوله: "حدثنا حماد" هو ابن زيد. قوله: "عن محمد" هو ابن سيرين "عن ابن أبي بكرة" كذا للمستملي والكشميهني، وسقط عن ابن أبي بكرة للباقين فصار منقطعا لأن محمدا لم يسمع من أبي بكرة. وفي رواية: "عن محمد بن أبي بكرة " وهي خطأ وكأن " عن " سقطت منها، وقد تقدم هذا الحديث في أوائل كتاب العلم من طريق أخرى: "عن محمد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه " وهو الصواب، وسيأتي بهذا السند في تفسير سورة براءة بإسقاطه عن بعضهم وسأنبه عليه هناك إن شاء الله تعالى وفيه: "عن ابن أبي بكرة " عند الجميع، ويأتي في بدء الخلق. قوله: "ذكر النبي صلى الله عليه وسلم" فيه اختصار وقد قدمنا توجيهه هناك، وكأنه حدث بحديث ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من كلامه ومن جملته قوله: "فإن دماءكم " الخ. قوله: "قال محمد" هو ابن سيرين. قوله: "أحسبه" أنه شك في قوله: "وأعراضكم " أقالها ابن أبي بكر أم لا، وقد تقدم في أوائل العلم الجزم بها وهي منصوبة بالعطف. قوله: "ألا هل بلغت" هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهو تكملة الحديث، واعترض قوله: "وكان محمد " إلى قوله: "ذلك " في أثناء الحديث، هذا هو المعتمد فلا يلتفت إلى ما عداه. والعلم عند الله تعالى.

38 - باب إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
106- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ قَالَ سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِجْ النَّارَ"
قوله: "باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم" ليس في الأحاديث التي في الباب تصريح بالإثم، وإنما هو مستفاد من الوعيد بالنار على ذلك لأنه لازمه. قوله: "منصور" هو ابن المعتمر الكوفي، وهو تابعي صغير، وربعي بكسر أوله وإسكان الموحدة، وأبوه حراش بكسر المهملة أوله وهو من كبار التابعين. قوله: "سمعت عليا" هو ابن أبي طالب رضي الله عنه. قوله: "لا تكذبوا علي" و عام في كل كاذب، مطلق في كل نوع من الكذب، ومعناه لا تنسبوا الكذب إلي. ولا مفهوم لقوله: "علي " لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب. وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا: نحن لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته، وما دروا

أن تقويله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى، لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه. ولا يعتد بمن خالف ذلك من الكرامية حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة واحتجوا بأنه كذب له لا عليه، وهو جهل باللغة العربية. وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت وهي ما أخرجه البزار من حديث ابن مسعود بلفظ: "من كذب علي ليضل به الناس " الحديث، وقد اختلف في وصله وإرساله، ورجح الدارقطني والحاكم إرساله، وأخرجه الدارمي من حديث يعلى بن مرة بسند ضعيف، وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى :{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ} والمعنى أن مآل أمره إلى الإضلال، أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى :{لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} – {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} فإن قتل الأولاد ومضاعفة الربا والإضلال في هذه الآيات إنما هو لتأكيد الأمر فيها لا لاختصاص الحكم. قوله: "فليلج النار" جعل الأمر بالولوج مسببا عن الكذب، لأن لازم الأمر الإلزام والإلزام بولوج النار سببه الكذب عليه أو هو بلفظ الأمر ومعناه الخبر، ويؤيده رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ: "من يكذب علي يلج النار " ولابن ماجه من طريق شريك عن منصور قال: "الكذب علي يولج - أي يدخل - النار".
107- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ: إِنِّي لاَ أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ"
قوله: "حدثنا أبو الوليد" هو الطيالسي و "جامع بن شداد" كوفي تابعي صغير. وفي الإسناد لطيفتان إحداهما أنه من رواية تابعي عن تابعي يرويه صحابي عن صحابي. ثانيهما أنه من رواية الأبناء عن الآباء بخصوص رواية الأب عن الجد وقد أفردت بالتصنيف. قوله: "قلت للزبير" أي ابن العوام. قوله: "تحدث" حذف مفعولها ليشمل قوله: "كما يحدث فلان وفلان" سمي منهما في رواية ابن ماجه عبد الله بن مسعود. قوله: "أما" بالميم المخففة وهي من حروف التنبيه و "إني" بكسر الهمزة "لم أفارقه" أي لم أفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الإسماعيلي: "منذ أسلمت " والمراد في الأغلب وإلا فقد هاجر الزبير إلى الحبشة، وكذا لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حال هجرته إلى المدينة. وإنما أورد هذا الكلام على سبيل التوجيه للسؤال، لأن لازم الملازمة السماع، ولازمه عادة التحديث، لكن منعه من ذلك ما خشيه من معنى الحديث الذي ذكره، ولهذا أتى بقوله: "لكن " وقد أخرجه الزبير بن بكار في كتاب النسب من وجه آخر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: "عناني ذلك " يعني قلة رواية الزبير: "فسألته " أي عن ذلك " فقال: يا بني، كان بيني وبينه من القرابة والرحم ما علمت، وعمته أمي، وزوجته خديجة عمتي، وأمه آمنة بنت وهب وجدتي هالة بنت وهيب ابني عبد مناف بن زهرة، وعندي أمك، وأختها عائشة عنده، ولكني سمعته يقول". قوله: "من كذب علي" كذا رواه البخاري ليس فيه: "متعمدا " وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة، وكذا في رواية الزبير بن بكار المذكورة، وأخرجه ابن ماجه من طريقه وزاد فيه: "متعمدا " وكذا
للإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة، والاختلاف فيه على شعبة. وقد أخرجه الدارمي من طريق أخرى عن عبد الله بن الزبير بلفظ: "من حدث عني كذبا " ولم يذكر العمد.وفي تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليل للأصح في أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطأ، والمخطئ وإن كان غير مأثوم بالإجماع لكن الزبير خشي من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر، لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار إذ الإكثار مظنة الخطأ، والثقة إذا حدث بالخطأ فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطأ يعمل به على الدوام للوثوق بنقله، فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من إكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار، فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث. وأما من أكثر منهم فمحمول على أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبت، أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان. رضي الله عنهم. قوله: "فليتبوأ" أي فليتخذ لنفسه منزلا، يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنا، وهو أمر بمعنى الخبر أيضا، أو بمعنى التهديد، أو بمعنى التهكم، أو دعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته، والمعنى من كذب فليأمر نفسه بالتبوء ويلزم عليه كذا، قال: وأولها أولاها، فقد رواه أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر بلفظ: "بني له بيت في النار " قال الطيبي: فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه، أي كما أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد بجزائه التبوء.
108- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَنَسٌ إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ"
قوله: "حدثنا أبو معمر" و البصري المقعد، وعبد الوارث هو ابن سعيد، وعبد العزيز هو ابن صهيب. والإسناد كله بصريون. قوله: "حديثا" المراد به جنس الحديث، ولهذا وصفه بالكثرة. قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم" هو وما بعده في محل الرفع لأنه فاعل يمنعني، وإنما خشي أنس مما خشي منه الزبير، ولهذا صرح بلفظ الإكثار لأنه مظنة، ومن حام حول الحمى لا يأمن وقوعه فيه، فكان التقليل منهم للاحتراز، ومع ذلك فأنس من المكثرين لأنه تأخرت وفاته فاحتيج إليه كما قدمناه ولم يمكنه الكتمان. ويجمع بأنه لو حدث بجميع ما عنده لكان أضعاف ما حدث به. ووقع في رواية عتاب - بمهملة ومثناة فوقانية - مولى هرمز، سمعت أنسا يقول: "لولا أني أخشى أن أخطئ لحدثتك بأشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحديث أخرجه أحمد بإسناد، فأشار إلى أنه لا يحدث إلا ما تحققه ويترك ما يشك فيه. وحمله بعضهم على أنه كان يحافظ على الرواية باللفظ فأشار إلى ذلك بقوله: "لولا أن أخطئ". وفيه نظر، والمعروف عن أنس جواز الرواية بالمعنى كما أخرجه الخطيب عنه صريحا، وقد وجد في رواياته ذلك كالحديث في البسملة، وفي قصة تكثير الماء عند الوضوء، وفي قصة تكثير الطعام. قوله: "كذبا" هو نكرة في سياق الشرط فيعم جميع أنواع الكذب.
109- حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ"
قوله: "حدثنا المكي" هو اسم وليس بنسب كما تقدم: وهو من كبار شيوخ البخاري، سمع من سبعة عشر
نفسا من التابعين منهم يزيد بن أبي عبيد المذكور هنا، وهو مولى سلمة بن الأكوع صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث أول ثلاثي وقع في البخاري، وليس فيه أعلى من الثلاثيات، وقد أفردت فبلغت أكثر من عشرين حديثا. قوله: "من يقل" أصله يقول وإنما جزم بالشرط. قوله: "ما لم أقل" أي شيئا لم أقله فحذف العائد وهو جائز وذكر القول لأنه الأكثر وحكم الفعل كذلك لاشتراكهما في علة الامتناع وقد دخل الفعل في عموم حديث الزبير وأنس السابقين لتعبيرهما بلفظ الكذب عليه ومثلهما حديث أبي هريرة الذي ذكره بعد حديث سلمة فلا فرق في ذلك بين أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذا وفعل كذا إذا لم يكن قاله أو فعله، وقد تمسك بظاهر هذا اللفظ من منع الرواية بالمعنى. وأجاب المجيزون عنه بأن المراد النهي عن الإتيان بلفظ يوجب تغير الحكم مع أن الإتيان باللفظ لا شك في أولويته. والله أعلم.
110- حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ"
[الحديث110- أطرافه في: 6993,6197,6188,3539]
قوله: "حدثنا موسى" هو ابن إسماعيل التبوذكي. قوله: "عن أبي حصين" هو بمهملتين مفتوح الأول، وأبو صالح هو ذكوان السمان. وقد ذكر المؤلف هذا الحديث بتمامه في كتاب الأدب من هذا الوجه، ويأتي الكلام عليه فيه إن شاء الله تعالى. وقد اقتصر مسلم في روايته له على الجملة الأخيرة وهي مقصود الباب، وإنما ساقه المؤلف بتمامه ولم يختصره كعادته لينبه على أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم يستوي فيه اليقظة والمنام. والله سبحانه وتعالى أعلم. فإن قيل: الكذب معصية إلا ما استثني في الإصلاح وغيره، والمعاصي قد توعد عليها بالنار، فما الذي امتاز به الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره؟ فالجواب عنه من وجهين: أحدهما أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم، وهو الشيخ أبو محمد الجويني، لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن بعده، ومال ابن المنير إلى اختياره، ووجهه بأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلا لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله، واستحلال الحرام كفر، والحمل على الكفر كفر. وفيما قاله نظر لا يخفى، والجمهور على أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد حل ذلك. الجواب الثاني أن الكذب عليه كبيرة والكذب على غيره صغيرة فافترقا، ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه أو كذب على غيره أن يكون مقرهما واحدا أو طول إقامتهما سواء، فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم: "فليتبوأ " على طول الإقامة فيها، بل ظاهره أنه لا يخرج منها لأنه لم يجعل له منزلا غيره، إلا أن الأدلة القطعية قامت على أن خلود التأبيد مختص بالكافرين، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره كما سيأتي في الجنائز في حديث المغيرة حيث يقول: "إن كذبا علي ليس ككذب على أحد " وسنذكر مباحثه هناك إن شاء الله تعالى، ونذكر فيه الاختلاف في توبة من تعمد الكذب عليه هل تقبل أو لا. "تنبيه": رتب المصنف أحاديث الباب ترتيبا حسنا لأنه بدأ بحديث علي وفيه مقصود الباب، وثنى بحديث الزبير الدال على توقي الصحابة وتحرزهم من الكذب عليه، وثلث بحديث أنس الدال على أن امتناعهم إنما كان من الإكثار المفضي إلى الخطأ لا عن أصل التحديث، لأنهم مأمورون بالتبليغ، وختم بحديث أبي هريرة الذي فيه الإشارة إلى استواء تحريم الكذب عليه سواء كانت دعوى السماع منه في اليقظة أو في المنام. وقد أخرج البخاري حديث: "من كذب علي " أيضا من حديث المغيرة وهو في الجنائز، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في أخبار بني إسرائيل، ومن حديث واثلة بن الأسقع وهو في مناقب قريش، لكن ليس هو بلفظ الوعيد بالنار صريحا. واتفق مسلم معه على تخريج حديث علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة، وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد أيضا، وصح أيضا في غير الصحيحين من حديث عثمان بن عفان وابن مسعود وابن عمر وأبي قتادة وجابر وزيد بن أرقم، وورد بأسانيد حسان من حديث طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن جبل وعقبة بن عامر وعمران بن حصين وابن عباس وسلمان الفارسي ومعاوية بن أبي سفيان ورافع بن خديج وطارق الأشجعي والسائب بن يزيد وخالد بن عرفطة وأبي أمامة وأبي قرضافة وأبي موسى الغافقي وعائشة، فهؤلاء "ثلاثة و" ثلاثون نفسا من الصحابة، وورد أيضا عن نحو خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة، وعن نحو من عشرين آخرين بأسانيد ساقطة. وقد اعتنى جماعة من الحفاظ بجمع طرقه، فأول من وقفت على كلامه في ذلك علي بن المديني، وتبعه يعقوب بن شيبة فقال: روي هذا الحديث من عشرين وجها عن الصحابة من الحجازيين وغيرهم، ثم إبراهيم الحربي وأبو بكر البزار فقال كل منهما: إنه ورد من حديث أربعين من الصحابة، وجمع طرقه في ذلك العصر أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد فزاد قليلا. وقال أبو بكر الصحابي شارح رسالة الشافعي: رواه ستون نفسا من الصحابة، وجمع طرقه الطبراني فزاد قليلا. وقال أبو القاسم بن منده رواه أكثر من ثمانين نفسا، وقد خرجها بعض النيسابوريين فزادت قليلا، وقد جمع طرقه ابن الجوزي في مقدمة كتاب " الموضوعات " فجاوز التسعين، وبذلك جزم ابن دحية. وقال أبو موسى المديني: يرويه نحو مائة من الصحابة، وقد جمعها بعده الحافظان يوسف بن خليل وأبو علي البكري وهما متعاصران فوقع لكل منهما ما ليس عند الأخر، وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة على ما فصلته من صحيح وحسن وضعيف وساقط، مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه من غير تقييد بهذا الوعيد الخاص. ونقل النووي أنه جاء عن مائتين من الصحابة، ولأجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعة أنه متواتر، ونازع بعض مشايخنا في ذلك قال: لأن شرط التواتر استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة، وليست موجودة في كل طريق منها بمفردها. وأجيب بأن المراد بإطلاق كونه متواترا رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر، وهذا كاف في إفادة العلم. وأيضا فطريق أنس وحدها قد رواها عنه العدد الكثير وتواترت عنهم. نعم وحديث علي رواه عنه ستة من مشاهير التابعين وثقاتهم، وكذا حديث ابن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو، فلو قيل في كل منها إنه متواتر عن صحابيه لكان صحيحا، فإن العدد المعين لا يشترط في المتواتر، بل ما أفاد العلم كفى، والصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه كما قررته في نكت علوم الحديث وفي شرح نخبة الفكر، وبينت هناك الرد على من ادعى أن مثال المتواتر لا يوجد إلا في هذا الحديث، وبينت أن أمثلته كثيرة: منها حديث من بنى لله مسجدا، والمسح على الخفين، ورفع اليدين، والشفاعة والحوض ورؤية الله في الآخرة، والأئمة من قريش وغير ذلك. والله المستعان. وأما ما نقله البيهقي عن الحاكم ووافقه أنه جاء من رواية العشرة المشهورة، قال: وليس في الدنيا حديث أجمع العشرة على روايته غيره، فقد تعقبه غير واحد، لكن الطرق عنهم موجودة فيما جمعه ابن الجوزي ومن بعده، والثابت منها ما قدمت ذكره. فمن الصحاح علي

والزبير، ومن الحسان طلحة وسعد وسعيد وأبو عبيدة، ومن الضعيف المتماسك طريق عثمان، وبقيتها ضعيف وساقط.

39 - باب كِتَابَةِ الْعِلْمِ
111- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ "قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ قَالَ لاَ إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ قُلْتُ فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفَكَاكُ الأَسِيرِ وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ".
[الحديث111-أطرافه في:7300,6915,6903,6755,3179,3172,3047,1870]
قوله: "باب كتابة العلم" طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف أن لا يجزم فيها بشيء يل يوردها على الاحتمال. وهذه الترجمة من ذلك، لأن السلف اختلفوا في ذلك عملا وتركا، وإن كان الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم، بل على استحبابه، بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم. قوله: "حدثنا ابن سلام" كذا للأصيلي، واسمه محمد، وقد صرح به أبو داود وغيره. قوله: "عن سفيان" و الثوري، لأن وكيعا مشهور بالرواية عنه. وقال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف. يقال إنه ابن عيينة. قلت: لو كان ابن عيينة لنسبه لأن القاعدة في كل من روى عن متفقي الاسم أن يحمل من أهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه كما قدمناه قبل هذا، وهكذا نقول هنا لأن وكيعا قليل الرواية عن ابن عيينة بخلاف الثوري. قوله: "عن مطرف" هو بفتح الطاء المهملة وكسر الراء ابن طريف بطاء مهملة أيضا. قوله: "عن الشعبي" وللمصنف في الديات سمعت الشعبي. قوله: "عن أبي جحيفة" هو وهب السوائي، وقد صرح بذلك الإسماعيلي في روايته، وللمصنف في الديات: سمعت أبا جحيفة. والإسناد كله كوفيون إلا شيخ البخاري وقد دخل الكوفة، وهو من رواية صحابي عن صحابي. قوله: "قلت لعلي" هو ابن أبي طالب رضي الله عنه. قوله: "هل عندكم" الخطاب لعلي، والجمع إما لإرادته مع بقية أهل البيت أو للتعظيم. قوله: "كتاب" أي مكتوب أخذتموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أوحي إليه، ويدل على ذلك رواية المصنف في الجهاد: "هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله " وله في الديات " هل عندكم شيء مما ليس في القرآن " وفي مسند إسحاق بن راهويه عن جرير عن مطرف: "هل علمت شيئا من الوحي " وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت - لا سيما عليا - أشياء من الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم يطلع غيرهم عليها. وقد سأل عليا عن هذه المسألة أيضا قيس بن عباد - وهو بضم المهملة وتخفيف الموحدة - والأشتر النخعي وحديثهما في مسند النسائي. قوله: "قال لا" زاد المصنف في الجهاد " لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة". قوله: "إلا كتاب الله" هو بالرفع. وقال ابن المنير: فيه دليل على أنه كان عنده أشياء مكتوبة من الفقه المستنبط من كتاب الله، وهي المراد بقوله: أو فهم أعطيه رجل " لأنه ذكر بالرفع، فلو كان الاستثناء من غير الجنس لكان منصوبا. كذا قال، والظاهر أن الاستثناء فيه منقطع، والمراد بذكر الفهم إثبات إمكان الزيادة على ما في الكتاب. وقد رواه المصنف في الديات بلفظ: "ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهما يعطى رجل من الكتاب " فالاستثناء الأول مفرغ والثاني منقطع، معناه لكن إن أعطى الله رجلا فهما في كتابه فهو يقدر على الاستنباط فتحصل عنده الزيادة بذلك الاعتبار. وقد روى أحمد بإسناد حسن من طريق طارق بن شهاب
قال: شهدت عليا على المنبر وهو يقول: "والله ما عندنا كتاب نقرأه عليكم إلا كتاب الله وهذه الصحيفة " وهو يؤيد ما قلناه أنه لم يرد بالفهم شيئا مكتوبا. قوله: "الصحيفة" أي الورقة المكتوبة. وللنسائي من طريق الأشتر " فأخرج كتابا من قراب سيفه". قوله: "العقل" أي الدية، وإنما سميت به لأنهم كانوا يعطون فيها الإبل ويربطونها بفناء دار المقتول بالعقال وهو الحبل. ووقع في رواية ابن ماجه بدل العقل " الديات " والمراد أحكامها ومقاديرها وأصنافها. قوله: "وفكاك" بكسر الفاء وفتحها. وقال الفراء الفتح أفصح، والمعنى أن فيها حكم تخليص الأسير من يد العدو والترغيب في ذلك. قوله: "ولا يقتل" بضم اللام، وللكشميهني: "وأن لا يقتل " بفتح اللام، وعطفت الجملة على المفرد لأن التقدير فيها أي الصحيفة حكم العقل وحكم تحريم قتل المسلم بالكافر، وسيأتي الكلام على مسألة قتل المسلم بالكافر في كتاب القصاص والديات إن شاء الله تعالى. ووقع للمصنف ومسلم من طريق يزيد التيمي عن علي قال: "ما عندنا شيء نقرأه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة. فإذا فيها: المدينة حرم. ولمسلم عن أبي الطفيل عن علي: "ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما في قراب سيفي هذا. وأخرج صحيفة مكتوبة فيها: "لعن الله من ذبح لغير الله". وللنسائي من طريق الأشتر وغيره عن علي: "فإذا فيها: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم.. " الحديث. ولأحمد من طريق طارق بن شهاب: "فيها فرائض الصدقة " والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة وكان جميع ذلك مكتوبا فيها، فنقل كل واحد من الرواية عنه ما حفظه والله أعلم. وقد بين ذلك قتادة في روايته لهذا الحديث عن أبي حسان عن علي، وبين أيضا السبب في سؤالهم لعلي رضي الله عنه عن ذلك أخرجه أحمد والبيهقي في الدلائل من طريق أبي حسان أن عليا كان يأمر بالأمر فيقال: قد فعلناه. فيقول: صدق الله ورسوله. فقال له الأشتر: هذا الذي تقول أهو شيء عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون الناس؟ فذكره بطوله.
112- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ أَوْ الْفِيلَ" قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ كَذَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ وَاجْعَلُوهُ عَلَى الشَّكِّ الْفِيلَ أَوْ الْقَتْلَ وَغَيْرُهُ يَقُولُ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ لاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلاَ تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اكْتُبُوا لِأَبِي فُلاَنٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِلاَّ الإِذْخِرَ إِلاَّ الإِذْخِرَ" قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ يُقَالُ يُقَادُ بِالْقَافِ فَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَيُّ شَيْءٍ كَتَبَ لَهُ قَالَ كَتَبَ لَهُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ.
[الحديث112- طرفاه في:6880,2434]
قوله: "حدثنا شيبان" هو ابن عبد الرحمن يكنى أبا معاوية، وهو بفتح الشين المعجمة بعدها تحتانية ثم موحدة،
وليس في البخاري بهذه الصورة غيره. قوله: "عن يحيى" هو ابن أبي كثير. قوله: "عن أبي سلمة" في رواية المصنف في الديات: "حدثنا أبو سلمة حدثنا أبو هريرة". قوله: "أن خزاعة" أي القبيلة المشهورة، والمراد واحد منهم فأطلق عليه اسم القبيلة مجازا، واسم هذا القاتل خراش بن أمية الخزاعي، والمقتول في الجاهلية منهم اسمه أحمر، والمقتول في الإسلام من بني ليث لم يسم. قوله: "حبس" أي منع عن مكة. "القتل" أي بالقاف والمثناة من فوق "أو الفيل" أي بالفاء المكسورة بعدها ياء تحتانية. قوله: "كذا قال أبو نعيم" أراد البخاري أن الشك فيه من شيخه. قوله: "وغيره يقول: الفيل" أي بالفاء ولا يشك، والمراد بالغير من رواه عن شيبان رفيقا لأبي نعيم وهو عبيد الله بن موسى، ومن رواه عن يحيى رفيقا لشيبان وهو حرب بن شداد كما سيأتي بيانه عند المصنف في الديات، والمراد بحبس الفيل أهل الفيل وأشار بذلك إلى القصة المشهورة للحبشة في غزوهم مكة ومعهم الفيل فمنعها الله منهم وسلط عليهم الطير الأبابيل مع كون أهل مكة إذ ذاك كانوا كفارا، فحرمة أهلها بعد الإسلام آكد، لكن غزو النبي صلى الله عليه وسلم إياها مخصوص به على ظاهر هذا الحديث وغيره، وسيأتي الكلام على المسألة في كتاب الحج مفصلا إن شاء تعالى. قوله: "وسلط عليهم" هو بضم أوله، ورسول مرفوع والمؤمنون معطوف عليه. قوله: "ولا تحل" للكشميهني: "ولم تحل " وللمصنف في اللقطة من طريق الأوزاعي عن يحيى: "ولن " وهي أليق بالمستقبل. قوله: "لا يختلى" بالخاء المعجمة أي لا يحصد يقال اختليته إذا قطعته وذكر الشوك دال على منع قطع غيره من باب أولى، وسيأتي ذكر الخلاف فيه في الحج إن شاء الله تعالى. قوله: "إلا لمنشد" أي معرف، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في كتاب اللقطة إن شاء الله تعالى. قوله: "فمن قتل فهو بخير النظرين" كذا وقع هنا، وفيه حذف وقع بيانه في رواية المصنف في الديات عن أبي نعيم بهذا الإسناد: "فمن قتل له قتيل". قوله: "وإما أن يقاد" هو بالقاف أي يقتص، ووقع في رواية لمسلم: "إما أن يفادى " بالفاء وزيادة ياء بعد الدال، والصواب أن الرواية على وجهين: من قالها بالقاف قال فيما قبلها: "إما أن يعقل " من العقل وهو الدية، ومن قالها بالفاء قال فيما قبلها: "إما أن يقتل " بالقاف والمثناة. والحاصل تفسير " النظرين " بالقصاص أو الدية. وفي المسألة بحث يأتي في الديات إن شاء الله تعالى. قوله: "فجاء رجل من أهل اليمن" هو أبو شاه بهاء منونة، وسيأتي في اللقطة مسمى، والإشارة إلى من حرفه، وهناك من الزيادة عن الوليد بن مسلم: "قلت للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا لي؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قلت: وبهذا تظهر مطابقة هذا الحديث للترجمة. قوله: "فقال رجل من قريش" هو العباس بن عبد المطلب كما يأتي في اللقطة، ووقع في رواية لابن أبي شيبة: "فقال رجل من قريش يقال له شاه " وهو غلط. قوله: "إلا الإذخر" كذا هو في روايتنا بالنصب، ويجوز رفعه على البدل مما قبله. قوله: "إلا الإذخر إلا الإذخر" كذا هو في روايتنا، والثانية على سبيل التأكيد.
113- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: "مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ" تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قوله: "حدثنا عمرو" هو ابن دينار المكي. قوله: "عن أخيه" هو همام بن منبه بتشديد الموحدة المكسورة وكان أكبر منه سنا لكن تأخرت وفاته عن وهب، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين من طبقة متقاربة أولهم عمرو. قوله: "فإنه كان يكتب ولا أكتب" هذا استدلال من أبي هريرة على ما ذكره من أكثرية ما عند عبد الله بن عمرو أي ابن العاص على ما عنده، ويستفاد من ذلك أن أبا هريرة كان جازما بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم منه إلا عبد الله، مع أن الموجود المروي عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة، فإن قلنا الاستثناء منقطع فلا إشكال، إذ التقدير: لكن الذي كان من عبد الله وهو الكتابة لم يكن مني، سواء لزم منه كونه أكثر حديثا لما تقتضيه العادة أم لا. وإن قلنا الاستثناء متصل فالسبب فيه من جهات: أحدها أن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم فقلت الرواية عنه. ثانيها أنه كان أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة، وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات، ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة، فقد ذكر البخاري أنه روى عنه ثمانمائة نفس من التابعين، ولم يقع هذا لغيره. ثالثها ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له بأن لا ينسى ما يحدثه به كما سنذكره قريبا. رابعها أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين. والله أعلم. "تنبيه": قوله: "ولا أكتب" قد يعارضه ما أخرجه ابن وهب من طريق الحسن بن عمرو بن أمية قال: تحدث عند أبي هريرة بحديث، فأخذ بيدي إلى بيته فأرانا كتبا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا هو مكتوب عندي. قال ابن عبد البر: حديث همام أصح، ويمكن الجمع بأنه لم يكن يكتب في العهد النبوي ثم كتب بعده. قلت: وأقوى من ذلك أنه لا يلزم من وجود الحديث مكتوبا عنه أن يكون بخطه، وقد ثبت أنه لم يكن يكتب، فتعين أن المكتوب عنده بغير خطه. قوله: "تابعه معمر" أي ابن راشد يعني تابع وهب بن منبه في روايته لهذا الحديث عن همام، والمتابعة المذكورة أخرجها عبد الرزاق عن معمر، وأخرجها أبو بكر بن علي المروزي في كتاب العلم له عن حجاج بن الشاعر عنه، وروى أحمد والبيهقي في المدخل من طريق عمرو بن شعيب عن مجاهد والمغيرة بن حكيم قالا: سمعنا أبا هريرة يقول: "ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب بيده ويعي بقلبه، وكنت أعي ولا أكتب، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب عنه فأذن له " إسناده حسن. وله طريق أخرى أخرجها العقيلي في ترجمة عبد الرحمن بن سلمان عن عقيل عن المغيرة بن حكيم سمع أبا هريرة قال: "ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له " الحديث. وعند أحمد وأبي داود من طريق يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو: "كنت أكتب كل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهتني قريش " الحديث. وفيه: "اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا الحق " ولهذا طرق أخرى عن عبد الله بن عمرو يقوي بعضها بعضا. ولا يلزم منه أن يكونا في الوعي سواء لما قدمناه من اختصاص أبي هريرة بالدعاء بعدم النسيان، ويحتمل أن يقال تحمل أكثرية عبد الله بن عمرو على ما فاز به عبد الله من الكتابة قبل الدعاء لأبي هريرة لأنه قال في حديثه: "فما نسيت شيئا بعد " فجاز أن يدخل عليه النسيان فيما سمعه قبل الدعاء، بخلاف عبد الله فإن الذي سمعه مضبوط بالكتابة، والذي انتشر عن أبي هريرة مع ذلك أضعاف ما انتشر عن عبد الله بن عمرو لتصدي أبي هريرة لذلك ومقامه بالمدينة النبوية، بخلاف عبد الله بن عمرو في الأمرين.
ويستفاد منه ومن حديث علي المتقدم ومن قصة أبي شاه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابة الحديث عنه، وهو يعارض حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن " رواه مسلم. والجمع بينهما أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، والإذن في غير ذلك. أو أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد والإذن في تفريقهما، أو النهي متقدم والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس وهو أقربها مع أنه لا ينافيها. وقيل النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ، والإذن لمن أمن منه ذلك، ومنهم من أعل حديث أبي سعيد وقال: الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره. قال العلماء. كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظا كما أخذوا حفظا، لكن لما قصرت الهمم وخشي الأئمة ضياع العلم دونوه. وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير. فلله الحمد.
114- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قَالَ "ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ" قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَطُ قَالَ "قُومُوا عَنِّي وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ" فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كِتَابِهِ"
[الحديث 114-أطرافه في: 7366,5669,4432,4431,3168,3053]
قوله: "أخبرني يونس" هو ابن يزيد. قوله: "عن عبيد الله بن عبد الله" أي ابن عتبة بن مسعود. قوله: "لما اشتد" أي قوي. قوله: "وجعه" أي في مرض موته كما سيأتي. وللمصنف في المغازي وللإسماعيلي: "لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة " وللمصنف من حديث سعيد بن جبير أن ذلك كان يوم الخميس وهو قبل موته صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام. قوله: "بكتاب" أي بأدوات الكتاب، ففيه مجاز الحذف. وقد صرح بذلك في رواية لمسلم قال: "ائتوني بالكتف والدواة " والمراد بالكتف عظم الكتف لأنهما كانوا يكتبون فيها. قوله: "أكتب" هو بإسكان الباء جواب الأمر، ويجوز الرفع على الاستئناف، وفيه مجاز أيضا أي آمر بالكتابة. ويحتمل أن يكون على ظاهره كما سيأتي البحث في المسألة في كتاب الصلح إن شاء الله تعالى. وفي مسند أحمد من حديث علي أنه المأمور بذلك ولفظه: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق - أي كتف - يكتب ما لا تضل أمته من بعده". قوله: "كتابا" بعد قوله: "بكتاب " فيه الجناس التام بين الكلمتين، وإن كانت إحداهما بالحقيقة والأخرى بالمجاز. قوله: "لا تضلوا" هو نفي وحذفت النون في الروايات التي اتصلت لنا لأنه بدل من جواب الأمر، وتعدد جواب الأمر من غير حرف العطف جائز. قوله: "غلبه الوجع" أي فيشق عليه إملاء الكتاب أو مباشرة الكتابة، وكأن عمر رضي الله عنه فهم من ذلك أنه يقتضي التطويل، قال القرطبي وغيره: ائتوني أمر، وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة أنه ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى :{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقوله تعالى :{تبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} ، ولهذا قال عمر: حسبنا كتاب الله. وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب لما فيه من امتثال أمره وما يتضمنه من زيادة الإيضاح، ودل أمره لهما بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار، ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أياما ولم يعاود أمرهم بذلك، ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف، وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجز بالأمر، فإذا عزم امتثلوا. وسيأتي بسط ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى. وقد عد هذا من موافقة عمر رضي الله عنه. واختلف في المراد بالكتاب، فقيل: كأن أراد أن يكتب كتابا ينص فيه على الأحكام ليرتفع الاختلاف، وقيل: بل أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف، قاله سفيان بن عيينة. ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة: "ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " أخرجه مسلم. وللمصنف معناه، ومع ذلك فلم يكتب، والأول أظهر لقول عمر: كتاب الله حسبنا. أي كافينا. مع أنه يشمل الوجه الثاني لأنه بعض أفراده. والله أعلم. "فائدة": قال الخطابي: إنما ذهب عمر إلى أنه لو نص بما يزيل الخلاف لبطلت فضيلة العلماء وعدم الاجتهاد. وتعقبه ابن الجوزي بأنه لو نص على شيء أو أشياء لم يبطل الاجتهاد لأن الحوادث لا يمكن حصرها. قال: وإنما خاف عمر أن يكون ما يكتبه في حالة غلبة المرض فيجد بذلك المنافقون سبيلا إلى الطعن في ذلك المكتوب، وسيأتي ما يؤيده في أواخر المغازي. قوله: "ولا ينبغي عندي التنازع" فيه إشعار بأن الأولى كان المبادرة إلى امتثال الأمر، وإن كان ما اختاره عمر صوابا إذ لم يتدارك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بعد كما قدمناه. قال القرطبي: واختلافهم في ذلك كاختلافهم في قوله لهم: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا، وتمسك آخرون بظاهر الأمر فلم يصلوا، فما عنف أحدا منهم من أجل الاجتهاد المسوغ والمقصد الصالح. والله أعلم. قوله: "فخرج ابن عباس يقول" ظاهره أن ابن عباس كان معهم، وأنه في تلك الحالة خرج قائلا هذه المقالة. وليس الأمر في الواقع على ما يقتضيه هذا الظاهر، بل قول ابن عباس المذكور إنما كان يقوله عندما يحدث بهذا الحديث، ففي رواية معمر عند المصنف في الاعتصام وغيره: قال عبيد الله فكان ابن عباس يقول. وكذا لأحمد من طريق جرير بن حازم عن يونس بن يزيد. وجزم ابن تيمية في الرد على الرافضي بما قلته، وكل من الأحاديث يأتي بسط القول فيه في مكانه اللائق به، إلا حديث عبد الله بن عمر فهو عمدة الباب. ووجه رواية حديث الباب أن ابن عباس لما حدث عبيد الله بهذا الحديث خرج من المكان الذي كان به وهو يقول ذلك. ويدل عليه رواية أبي نعيم في المستخرج قال عبيد الله: فسمعت ابن عباس يقول الخ. وإنما تعين حمله على غير ظاهره لأن عبيد الله تابعي من الطبقة الثانية لم يدرك القصة في وقتها لأنه ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، ثم سمعها من ابن عباس بعد ذلك بمدة أخرى. والله أعلم. قوله: "الرزيئة" هي بفتح الراء وكسر الزاي بعدها ياء ثم همزة، وقد تسهل الهمزة وتشدد الياء، ومعناها المصيبة، وزاد في رواية معمر " لاختلافهم ولغطهم " أي أن الاختلاف كان سببا لترك كتابة الكتاب. وفي الحديث دليل على جواز كتابة العلم، وعلى أن الاختلاف قد يكون سببا في حرمان الخير كما وقع في قصة الرجلين اللذين تخاصما فرفع تعيين ليلة القدر بسبب ذلك. وفيه وقوع الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم ينزل عليه فيه، وسنذكر بقية ما يتعلق به في أواخر السيرة النبوية من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى.

"تنبيه": قدم حديث علي أنه كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم ويطرقه احتمال أن يكون إنما كتب ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغه النهي، وثنى بحديث أبي هريرة وفيه الأمر بالكتابة وهو بعد النهي فيكون ناسخا، وثلث بحديث عبد الله بن عمرو وقد بينت أن في بعض طرقه إذن النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك، فهو أقوى في الاستدلال للجواز من الأمر أن يكتبوا لأبي شاه لاحتمال اختصاص ذلك بمن يكون أميا أو أعمى، وختم بحديث ابن عباس الدال على أنه صلى الله عليه وسلم هم أن يكتب لأمته كتابا يحصل معه الأمن من الاختلاف وهو لا يهم إلا بحق.

40- باب الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَمْرٍو وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ "سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ".
[الحديث 115- أطرافه في:7069,6218,5844,3599,1126]
قوله: "باب العلم" أي تعليم العلم بالليل، والعظة تقدم أنها الوعظ، وأراد المصنف التنبيه على أن النهي عن الحديث بعد العشاء مخصوص بما لا يكون في الخير. قوله: "صدقة" هو ابن الفضل المروزي. قوله: "عن هند" هي بنت الحارث الفراسية بكسر الفاء والسين المهملة. وفي رواية الكشميهني بدلها عن امرأة. قوله: "وعمرو" كذا في روايتنا بالرفع، ويجوز الكسر، والمعنى أن ابن عيينة حدثهم عن معمر ثم قال: وعمرو هو ابن دينار، فعلى رواية الكسر يكون معطوفا على معمر، وعلى رواية الرفع يكون استئنافا كأن ابن عيينة حدث بحذف صيغة الأداء وقد جرت عادته بذلك. وقد روى الحميدي هذا الحديث في مسنده عن ابن عيينة قال: حدثنا معمر عن الزهري، قال: وحدثنا عمرو ويحيى بن سعيد عن الزهري، فصرح بالتحديث عن الثلاثة. قوله: "ويحيى بن سعيد" هو الأنصاري، وأخطأ من قال إنه هو القطان لأنه لم يسمع من الزهري ولا لقيه. ووقع في غير رواية عن أبي ذر " عن امرأة " بدل قوله عن هند في الإسناد الثاني. والحاصل أن الزهري كان ربما أبهمها وربما سماها. وقد رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن الزهري ولم يذكر هندا ولا أم سلمة. قوله: "سبحان الله ماذا" ما استفهامية متضمنة لمعنى التعجب والتعظيم، وعبر عن الرحمة بالخزائن كقوله تعالى :{خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} وعن العذاب بالفتن لأنها أسبابه. قال الكرماني: ويحتمل أن تكون ما نكرة موصوفة. قوله: "أنزل" بضم الهمزة، وللكشميهني: "أنزل الله " بإظهار الفاعل، والمراد بالإنزال إعلام الملائكة بالأمر المقدور، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه في نومه ذاك بما سيقع بعده من الفتن فعبر عنه بالإنزال. قوله: "وماذا فتح من الخزائن" قال الداودي: الثاني هو الأول، والشيء قد يعطف على نفسه تأكيدا، لأن ما يفتح من الخزائن يكون سببا للفتنة، وكأنه فهم أن المراد بالخزائن خزائن فارس والروم وغيرهما مما فتح على الصحابة، لكن المغايرة بين الخزائن والفتن أوضح لأنهما غير متلازمين، وكم من نائل من تلك الخزائن سالم من الفتن. قوله: "صواحب الحجر" بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة وهي منازل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما خصهن بالإيقاظ لأنهن الحاضرات حينئذ، أو من باب " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول". قوله: "فرب كاسية" استدل به ابن مالك على أن رب في الغالب للتكثير، لأن هذا الوصف للنساء وهن أكثر أهل النار انتهى. وهذا يدل لورودها في التكثير لا لأكثريتها فيه. قوله: "عارية" بتخفيف الياء وهي مجرورة في أكثر الروايات على النعت، قال السهيلي: إنه الأحسن عند سيبويه، لأن رب عنده حرف جر يلزم صدر الكلام، قال: ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ والجملة في موضع النعت، أي هي عارية والفعل الذي تتعلق به رب محذوف. انتهى. وأشار صلى الله عليه وسلم بذلك إلى موجب إيقاظ أزواجه، أي ينبغي لهن أن لا يتغافلن عن العبادة ويعتمدن على كونهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث جواز قول: "سبحان الله " عند التعجب، وندبية ذكر الله بعد الاستيقاظ، وإيقاظ الرجل أهله بالليل للعبادة لا سيما عند آية تحدث. وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى. وفي هذا الإسناد رواية الأقران في موضعين: أحدهما ابن عيينة عن معمر، والثاني عمرو ويحيى عن الزهري وفيه رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض في نسق. وهند قد قيل إنها صحابية فإن صح فهو من رواية تابعي عن مثله عن صحابية عن مثلها، وأم سلمة هي أم المؤمنين، وكانت تلك الليلة ليلتها. وفي الحديث استحباب الإسراع إلى الصلاة عند خشية الشر كما قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وأمر من رأى في منامه ما يكره أن يصلي، وسيأتي ذلك في مواضعه. وفيه التسبيح عند رؤية الأشياء المهولة، وفيه تحذير العالم من يأخذ عنه من كل شيء يتوقع حصوله، والإرشاد إلى ما يدفع ذلك المحذور. والله أعلم.

3 - باب السَّمَرِ فِي الْعِلْمِ
116- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ "أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ".
[الحديث 116-طرفاه في: 601,564]
قوله: "باب السمر" و بفتح المهملة والميم، وقيل الصواب إسكان الميم لأنه اسم للفعل، ومعناه الحديث بالليل قبل النوم. وبهذا يظهر الفرق بين هذه الترجمة والتي قبلها. قوله: "في العلم" كذا في رواية أبي ذر بإضافة الباب إلى السمر. وفي رواية غيره باب السمر في العلم بتنوين باب. قوله: "حدثني الليث قال: حدثني عبد الرحمن" أي أنه حدثه عبد الرحمن. وفي رواية غير أبي ذر حدثني عبد الرحمن، والليث وعبد الرحمن قرينان. قوله: "عن سالم" أي ابن عبد الله بن عمر. قوله: "أبي حثمة" بفتح المهملة وسكون المثلثة، واسم أبي حثمة عبد الله بن حذيفة العدوي، وأما أبو بكر الرازي فتابعي مشهور لم يسم، وقد قيل إن اسمه كنيته. قوله: "صلى لنا" أي إماما. وفي رواية: "بنا " بموحدة. قوله: "العشاء" أي صلاة العشاء. قوله: "في آخر حياته" جاء مقيدا في رواية جابر أن ذلك كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بشهر. قوله: "أرأيتكم" هو بفتح المثناة لأنها ضمير المخاطب والكاف ضمير ثان لا محل لها من الإعراب والهمزة الأولى للاستفهام، والرؤية بمعنى العلم أو البصر، والمعنى أعلمتم أو أبصرتم ليلتكم، وهي منصوبة على المفعولية، والجواب محذوف تقديره قالوا نعم، قال فاضبطوها. وترد أرأيتكم للاستخبار كما في قوله تعالى :{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ} الآية، قال الزمخشري: المعنى أخبروني. ومتعلق الاستخبار محذوف تقديره من تدعون. ثم بكتهم فقال: {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ}. انتهى. وإنما أوردت هذا لأن بعض الناس نقل كلام الزمخشري في الآية إلى هذا الحديث، وفيه نظر لأنه جعل التقدير أخبروني ليلتكم هذه فاحفظوها، وليس ذلك مطابقا لسياق الآية. قوله: "فإن رأس" وللأصيلي: "فإن على رأس " أي عند انتهاء مائه سنة. قوله: "منها" فيه دليل على أن " من " تكون لابتداء الغاية في الزمان كقول الكوفيين، وقد رد ذلك نحاة البصرة. وأولوا ما ورد من شواهده كقوله تعالى :{مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} وقول أنس ما زلت أحب الدباء من يومئذ، وقوله: مطرنا من يوم الجمعة إلى الجمعة. قوله: "لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض" أي الآن موجودا أحد إذ داك، وقد ثبت هذا التقدير عند المصنف من رواية شعيب عن الزهري كما سيأتي في الصلاة مع بقية الكلام عليه، قال ابن بطال: "إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه المدة تخترم الجيل الذي هم فيه، فوعظهم بقصر أعمارهم، وأعلمهم أن أعمارهم ليست كأعمار من تقدم من الأمم ليجتهدوا في العبادة". وقال النووي: "المراد أن كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعد هذه الليلة أكثر من مائة سنة سواء قل عمره قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفي حياة أحد يولد بعد تلك الليلة مائة سنة". والله أعلم.
117- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ ثُمَّ قَالَ "نَامَ الْغُلَيِّمُ" أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ أَوْ خَطِيطَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ"
[الحديث117-أطرافه في
7452,6316,6215,5919,4572,4571,4570,4569,1198,9924, 895,728,736,699,698,697,183,138]
قوله: "حدثنا الحكم" بفتحتين هو ابن عتيبة بالمثناة تصغير عتبة، وهو تابعي صغير، وكان أحد الفقهاء. قوله: "ثم جاء" أي من المسجد. قوله: "نام الغليم" بضم المعجمية وهو من تصغير الشفقة، والمراد به ابن عباس، ويحتمل أن يكون ذلك إخبارا منه صلى الله عليه وسلم بنومه أو استفهاما بحذف الهمزة وهو الواقع. ووقع في بعض النسخ: "يا أم الغليم " بالنداء وهو تصحيف لم تثبت به رواية. قوله: "أو كلمة" بالشك من الراوي، والمراد بالكلمة الجملة أو المفردة، ففي رواية أخرى " نام الغلام". قوله: "غطيطه" بفتح الغين المعجمة وهو صوت نفس النائم، والنخير أقوى منه. قوله: "أو خطيطه" بالخاء المعجمة، والشك فيه من الراوي، وهو بمعنى الأول قاله الداودي. وقال ابن بطال: لم أجده بالخاء المعجمة عند أهل اللغة. وتبعه القاضي عياض فقال: هو هنا وهم. انتهى. وقد نقل ابن الأثير عن أهل الغريب أنه دون الغطيط. قوله: "ثم صلى ركعتين" أي ركعتي الفجر. وأغرب الكرماني فقال: "إنما فصل بينهما وبين الخمس ولم يقل سبع ركعات لأن الخمس اقتدى ابن عباس به فيها بخلاف الركعتين، أو لأن الخمس بسلام والركعتين بسلام آخر" انتهى. وكأنه ظن أن الركعتين من جملة صلاة الليل وهو محتمل لكن حملهما على سنة الفجر أولى ليحصل الختم بالوتر، وسيأتي تفصيل هذه المسألة في كتاب الصلاة في باب الوتر إن شاء الله تعالى. ومناسبة حديث ابن عمر للترجمة ظاهرة لقوله فيه: "قام فقال: "بعد قوله: "صلى العشاء " وأما حديث ابن عباس فقال

ابن المنير ومن تبعه: "يحتمل أن يريد أن أصل السمر يثبت بهذه الكلمة" وهي قوله: "نام الغليم"، ويحتمل أن يريد ارتقاب ابن عباس لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فرق بين التعليم من القول والتعليم من الفعل، فقد سمر ابن عباس ليلته في طلب العلم، زاد الكرماني أو ما يفهم من جعله إياه على يمينه كأنه قال له قف عن يميني فقال وقفت ا ه. وكل ما ذكره معترض، لأن من يتكلم بكلمة واحدة لا يسمى سامرا، وصنيع ابن عباس يسمى سهرا لا سمرا إذ السمر لا يكون إلا عن تحدث قاله الإسماعيلي، وأبعدها الأخير لأن ما يقع بعد الانتباه من النوم لا يسمى سمرا. وقال الكرماني تبعا لغيره أيضا: يحتمل أن يكون مراد البخاري أن الأقارب إذا اجتمعوا لا بد أن يجري بينهم حديث للمؤانسة وحديثه صلى الله عليه وسلم كله علم وفوائد. قلت: والأولى من هذا كله أن مناسبة الترجمة مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه من طريق أخرى، وهذا يصنعه المصنف كثيرا يريد به تنبيه الناظر في كتابه على الاعتناء بتتبع طرق الحديث، والنظر في مواقع ألفاظ الرواة، لأن تفسير الحديث بالحديث أولى من الخوض فيه بالظن. وإنما أراد البخاري هنا ما وقع في بعض طرق هذا الحديث مما يدل صريحا على حقيقة السمر بعد العشاء، وهو ما أخرجه في التفسير وغيره من طريق كريب عن ابن عباس قال: بت في بيت ميمونة فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد.. فصحت الترجمة بحمد الله تعالى من غير حاجة إلى تعسف ولا رجم بالظن. فإن قيل: هذا إنما يدل على السمر مع الأهل لا في العلم، فالجواب أنه يلحق به، والجامع تحصيل الفائدة، أو هو بدليل الفحوى، لأنه إذا شرع في المباح ففي المستحب من طريق الأولى. وسنذكر باقي مباحث هذا الحديث حيث ذكره المصنف مطولا في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. ويدخل في هذا الباب حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم بعد العشاء، وقد ذكره المصنف في كتاب الصلاة. ولأنس حديث آخر في قصة أسيد بن حضير وقد ذكره المصنف في المناقب، وحديث عمر " كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين " أخرجه الترمذي والنسائي ورجاله ثقات، وهو صريح في المقصود، إلا أن في إسناده اختلافا على علقمة، فلذلك لم يصح على شرطه. وحديث عبد الله بن عمرو: "كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح لا يقوم إلا إلى عظيم صلاة " رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة، وهو من رواية أبي حسان عن عبد الله بن عمرو وليس على شرط البخاري، وأما حديث: "لا سمر إلا لمصل أو مسافر " فهو عند أحمد بسند فيه راو مجهول، وعلى تقدير ثبوته فالسمر في العلم يلحق بالسمر في الصلاة نافلة، وقد سمر عمر مع أبي موسى في مذاكرة الفقه فقال أبو موسى: "الصلاة " فقال عمر: إنا في صلاة. والله أعلم.
(1/213)

42- باب حِفْظِ الْعِلْمِ
118- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ "إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا ثُمَّ يَتْلُو {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إِلَى قَوْلِهِ {الرَّحِيمُ} إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/213)

بِشِبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لاَ يَحْضُرُونَ وَيَحْفَظُ مَا لاَ يَحْفَظُونَ".
[الحديث أطرافه في:7354,3648,2350,2047,119]
قوله: "باب حفظ العلم" لم يذكر في الباب شيئا عن غير أبي هريرة، وذلك لأنه كان أحفظ الصحابة للحديث، قال الشافعي رضي الله عنه: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في عصره. وقد كان ابن عمر يترحم عليه في جنازته ويقول: كان يحفظ على المسلمين حديث النبي صلى الله عليه وسلم، رواه ابن سعد. وقد دل الحديث الثالث من الباب على أنه لم يحدث بجميع محفوظه، ومع ذلك فالموجود من حديثه أكثر من الموجود من حديث غيره من المكثرين، ولا يعارض هذا ما تقدم من تقديمه عبد الله بن عمرو على نفسه في كثرة الحديث لأنا قدمنا الجواب عن ذلك، ولأن الحديث الثاني من الباب دل على أنه لم ينس شيئا سمعه، ولم يثبت مثل ذلك لغيره. قوله: "حدثنا عبد العزيز" هو الأويسي المدني، والإسناد كله مدنيون. قوله: "أكثر أبو هريرة" أي من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صرح به المصنف في البيوع من طريق شعيب عن الزهري، وله فيه وفي المزارعة من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري هنا زيادة وهي: "ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه " وبها تبين الحكمة في ذكره المهاجرين والأنصار ووضعه المظهر موضع المضمر على طريق الحكاية حيث قال: "أكثر أبو هريرة " ولم يقل أكثرت. قوله: "ولولا آيتان" مقول قال لا مقول يقولون، وقوله: ثم يتلو مقول الأعرج، وذكره بلفظ المضارع استحضارا لصورة التلاوة، ومعناه: لولا أن الله ذم الكاتمين للعلم ما حدث أصلا، لكن لما كان الكتمان حراما وجب الإظهار، فلهذا حصلت الكثرة لكثرة ما عنده. ثم ذكر سبب الكثرة بقوله: "إن إخواننا " وأراد بصيغة الجمع نفسه وأمثاله، والمراد بالأخوة أخوة الإسلام. قوله: "يشغلهم" فتح أوله من الثلاثي، وحكى ضمه وهو شاذ. قوله: "الصفق" إسكان الفاء، هو ضرب اليد على اليد، وجرت به عادتهم عند عقد البيع. قوله: "في أموالهم" أي القيام على مصالح زرعهم، ولمسلم: "كان يشغلهم عمل أرضيهم " ولابن سعد " كان يشغلهم القيام على أرضيهم". قوله: "وإن أبا هريرة" فيه التفات إذ كان نسق الكلام أن يقول: وإني. قوله: "لشبع" بلام التعليل للأكثر وهو الثابت في غير البخاري أيضا، وللأصيلي: "بشبع " بموحدة أوله، وزاد المصنف في البيوع " وكنت امرءا مسكينا من مساكين الصفة". قوله: "ويحضر" أي من الأحوال "ويحفظ" أي من الأقوال، وهما معطوفان على قوله: "يلزم". وقد روى البخاري في التاريخ والحاكم في المستدرك من حديث طلحة بن عبيد الله شاهدا لحديث أبي هريرة هذا ولفظه: "لا أشك أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا نسمع، وذلك إنه كان مسكينا لا شيء له ضيفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج البخاري في التاريخ والبيهقي في المدخل من حديث محمد بن عمارة بن حزم أنه قعد في مجلس فيه مشيخة من الصحابة بضعة عشر رجلا فجعل أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث فلا يعرفه بعضهم، فيراجعون فيه حتى يعرفوه، ثم يحدثهم بالحديث كذلك حتى فعل مرارا، فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الناس. وأخرج أحمد والترمذي عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة: كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفنا بحديثه. قال الترمذي حسن. واختلف في إسناد هذا الحديث على الزهري فرواه مالك عنه هكذا، ووافقه إبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة، ورواه شعيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما
(1/214)

عن أبي هريرة، وتابعه يونس بن يزيد. والإسنادان جميعا محفوظان صححهما الشيخان، وزادوا في روايتهم عن الزهري شيئا سنذكره في هذا الحديث الثاني:
119- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ قَالَ "ابْسُطْ رِدَاءَكَ" فَبَسَطْتُهُ قَالَ فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ ضُمَّهُ فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ"
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا أَوْ قَالَ غَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ
قوله."حدثنا أحمد بن أبي بكر" هو الزهري المدني صاحب مالك، وسقط قوله أبو مصعب من رواية الأصيلي وأبي ذر، وهو بكنيته أشهر. والإسناد كله مدنيون أيضا وكذا الذي بعده. قوله: "كثيرا" هو صفة لقوله حديثا لأنه اسم جنس. قوله: "فغرف" لم يذكر المغروف منه وكأنها كانت إشارة محضة. قوله: "ضم" وللكشميهني والباقين " ضمه " وهو بفتح الميم ويجوز ضمها، وقيل يتعين لأجل ضمة الهاء، ويجوز كسرها لكن مع إسكان الهاء وكسرها. قوله: "فما نسيت شيئا بعد" هو مقطوع الإضافة مبني على الضم، وتنكير شيئا بعد النفي ظاهر العموم في عدم النسيان منه لكل شيء من الحديث وغيره. ووقع في رواية ابن عيينة وغيره عن الزهري في الحديث الماضي " فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا سمعته منه". وفي رواية يونس عند مسلم: "فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به " وهذا يقتضي تخصيص عدم النسيان بالحديث. ووقع في رواية شعيب: "فما نسيت من مقالته تلك من شيء " وهذا يقتضي عدم النسيان بتلك المقالة فقط، لكن سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه لأن أبا هريرة نبه به على كثرة محفوظه من الحديث فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها، ويحتمل أن تكون وقعت له قضيتان: فالتي رواها الزهري مختصة بتلك المقالة، والقضية التي رواها سعيد المقبري عامة. وأما ما أخرجه ابن وهب من طريق الحسن بن عمرو بن أمية قال: تحدثت عند أبي هريرة بحديث فأنكره، فقلت إني سمعت منك، فقال: إن كنت سمعته مني فهو مكتوب عندي. فقد يتمسك به في تخصيص عدم النسيان بتلك المقالة لكن سند هذا ضعيف، وعلى تقدير ثبوته فهو نادر. ويلتحق به حديث أبي سلمة عنه " لا عدوى " فإنه قال فيه: إن أبا هريرة أنكره. قال: فما رأيته نسي شيئا غيره. "فائدة": المقالة المشار إليها في حديث الزهري أبهمت في جميع طرقه، وقد وجدتها مصرحا بها في جامع الترمذي وفي الحلية لأبي نعيم من طريق أخرى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا مما فرض الله فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة " فذكر الحديث. وفي هذين الحديثين فضيلة ظاهرة لأبي هريرة ومعجزة واضحة من علامات النبوة، لأن النسيان من لوازم الإنسان، وقد اعترف أبو هريرة بأنه كان يكثر منه ثم تخلف عنه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم. وفي المستدرك للحاكم من حديث زيد بن ثابت قال: "كنت أنا وأبو هريرة وآخر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ادعوا." فدعوت أنا وصاحبي وأمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي، وأسألك علما لا ينسى. فأمن النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: ونحن كذلك يا رسول الله، فقال: "سبقكما الغلام الدوسي " وفيه الحث على حفظ العلم، وفيه أن التقلل
(1/215)

من الدنيا أمكن لحفظه. وفيه فضيلة التكسب لمن له عيال، وفيه جواز إخبار المرء بما فيه من فضيلة إذ اضطر إلى ذلك وأمن من الإعجاب. قوله: "ابن أبي فديك بهذا" أشكل قوله بهذا على بعض الشارحين لأن ابن أبي فديك لم يتقدم له ذكر، وقد ظن بعضهم أنه محمد بن إبراهيم بن دينار المذكور قبل، فيكون مراده أن السياقين متحدان إلا في اللفظة المبينة فيه، وليس كما ظن، لأن ابن أبي فديك اسمه محمد بن إسماعيل بن مسلم وهو ليثي(1) يكنى أبا إسماعيل، وابن دينار جهني يكنى أبا عبد الله، لكن اشتركا في الرواية عن ابن أبي ذئب لهذا الحديث ولغيره، وفي كونهما مدنيين، وجوز بعضهم أن يكون الحديث عند المصنف بإسناد آخر عن ابن أبي ذئب، وكل ذلك غفلة عما عند المصنف في علامات النبوة فقد ساقه بالإسناد المذكور، والمتن من غير تغيير إلا في قوله: "بيديه " فإنه ذكرها بالإفراد. وقال فيها أيضا: "فغرف " وهي رواية الأكثرين في حديث الباب، ووقع في رواية المستملي وحده " فحذف " بدل فغرف، وهو تصحيف لما وضح في سياقه في علامات النبوة. وقد رواه ابن سعد في الطبقات عن ابن أبي فديك فقال: فغرف.
120- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ "حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ".
قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أويس "حدثني أخي" هو أبو بكر عبد الحميد. قوله: "حفظت عن" وفي رواية الكشميهني: "من " بدل عن، وهي أصرح في تلقيه من النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة. قوله: "وعاءين" أي ظرفين، أطلق المحل وأراد به الحال، أي نوعين من العلم، وبهذا التقرير يندفع إيراد من زعم أن هذا يعارض قوله في الحديث الماضي " كنت لا أكتب " وإنما مراده أن محفوظه من الحديث لو كتب لملأ وعاءين، ويحتمل أن يكون أبو هريرة أملى حديثه على من يثق به فكتبه له وتركه عنده، والأول أولى. ووقع في المسند عنه " حفظت ثلاثة أجربة، بثثت منها جرابين " وليس هذا مخالفا لحديث الباب لأنه يحمل على أن أحد الوعاءين كان أكبر من الآخر بحيث يجيء ما في الكبير في جرابين وما في الصغير في واحد. ووقع في المحدث الفاضل للرامهرمزي من طريق منقطعة عن أبي هريرة " خمسة أجربة " وهو إن ثبت محمول على نحو ما تقدم. وعرف من هذا أن ما نشره من الحديث أكثر مما لم ينشره. قوله: "بثثته" بفتح الموحدة والمثلثة وبعدها مثلثة ساكنة تدغم في المثناة التي بعدها أي أذعته ونشرته، زاد الإسماعيلي: في الناس. قوله: "قطع هذا البلعوم" زاد في رواية المستملي: قال أبو عبد الله - يعني المصنف - البلعوم مجرى الطعام، وهو بضم الموحدة، وكنى بذلك عن القتل. وفي رواية الإسماعيلي: "لقطع هذا " يعني رأسه. وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم، كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين من الهجرة. واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة، وستأتي الإشارة إلى شيء من ذلك أيضا في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى. قال ابن المنير: جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنا، وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال من الدين. قال:
ـــــــ
(1) في تهذيب التهذيب وتقريب التهذيب"ديلي"
(1/216)

وإنما أراد أبو هريرة بقوله: "قطع " أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتوبة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم. وقال غيره يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان، فينكر ذلك من لم يألفه، ويعترض عليه من لا شعور له به.
(1/217)

43- باب الإِنْصَاتِ لِلْعُلَمَاءِ
121- حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ "اسْتَنْصِتْ النَّاسَ فَقَالَ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"
[الحديث121- أطرافه في:7080,6869,4405]
قوله: "باب الإنصات للعلماء" أي السكوت والاستماع لما يقولونه. قوله: "حدثنا حجاج" هو ابن منهال. قوله: "عن جرير" هو ابن عبد الله البجلي، وهو جد أبي زرعة الراوي عنه هنا. قوله: "قال له في حجة الوداع" ادعى بعضهم أن لفظ: "له " زيادة، لأن جريرا إنما أسلم بعد حجة الوداع بنحو من شهرين، فقد جزم ابن عبد البر بأنه أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما، وما جزم به يعارضه قول البغوي وابن حبان إنه أسلم في رمضان سنة عشر. ووقع في رواية المصنف لهذا الحديث في باب حجة الوداع بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجرير، وهذا لا يحتمل التأويل فيقوي ما قال البغوي. والله أعلم. قوله: "يضرب" هو بضم الباء في الروايات، والمعنى لا تفعلوا فعل الكفار فتشبهوهم في حالة قتل بعضهم بعضا. وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى. قال ابن بطال: فيه أن الإنصات للعلماء لازم للمتعلمين، لأن العلماء ورثة الأنبياء. كأنه أراد بهذا مناسبة الترجمة للحديث، وذلك أن الخطبة(1) المذكورة كانت في حجة الوداع والجمع كثير جدا، وكان اجتماعهم لرمي الجمار وغير ذلك من أمور الحج، وقد قال لهم: "خذوا عني مناسككم " كما ثبت في صحيح مسلم، فلما خطبهم ليعلمهم ناسب أن يأمرهم بالإنصات. وقد وقع التفريق بين الإنصات والاستماع في قوله تعالى :{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ومعناهما مختلف، فالإنصات هو السكوت وهو يحصل ممن يستمع وممن لا يستمع كأن يكون مفكرا في أمر آخر، وكذلك الاستماع قد يكون مع السكوت وقد يكون مع النطق بكلام آخر لا يشتغل الناطق به عن فهم ما يقول الذي يستمع منه، وقد قال سفيان الثوري وغيره: أول العلم الاستماع، ثم الإنصات، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر. وعن الأصمعي تقديم الإنصات على الاستماع. وقد ذكر علي بن المديني أنه قال لابن عيينة: أخبرني معتمر بن سليمان عن كهمس عن مطرف قال: الإنصات من العينين. فقال له ابن عيينة: وما ندري كيف ذلك؟ قال: إذا حدثت رجلا فلم ينظر إليك لم يكن منصتا انتهى. وهذا محمول على الغالب. والله أعلم.
ـــــــ
(1)في النسخ "العقبة", والصواب"الخطبة"
(1/217)

44- باب مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَيَكِلُ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ
122- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ
ـــــــ
(1)في النسخ "العقبة", والصواب"الخطبة"

45- باب مَنْ سَأَلَ وَهُوَ قَائِمٌ عَالِمًا جَالِسًا
123- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ قَالَ وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا فَقَالَ "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"
[الحديث 123- أطرافه في:7458,3126,2810]
قوله: "باب من سأل وهو قائم" جملة حالية عن الفاعل. وقوله: عالما مفعول وجالسا صفة له، والمراد أن العالم الجالس إذا سأله شخص قائم لا يعد من باب من أحب أن يتمثل له الرجال قياما. بل هذا جائز، بشرط الأمن من الإعجاب. قاله ابن المنير. قوله: "حدثنا عثمان" و ابن أبي شيبة، وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر، وأبو وائل هو شقيق، وأبو موسى هو الأشعري، وكلهم كوفيون. قوله: "قال وما رفع إليه رأسه" ظاهره أن القائل هو أبو موسى، ويحتمل أن يكون من دونه فيكون مدرجا في أثناء الخبر. قوله: "من قاتل الخ" هو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم لأنه أجاب بلفظ جامع لمعنى السؤال مع الزيادة عليه، وفي الحديث شاهد لحديث: "الأعمال بالنيات"، وأنه لا بأس بقيام طالب الحاجة عند أمن الكبر، وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لإعلاء دين الله. وفيه استحباب إقبال المسئول على السائل. وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى.

46- باب السُّؤَالِ وَالْفُتْيَا عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ
124- حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن

47- بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا}[85الإسراء]
125- حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَرِبِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ تَسْأَلُوهُ لاَ يَجِيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَنَسْأَلَنَّهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ فَسَكَتَ فَقُلْتُ إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقُمْتُ
ـــــــ
(1) في طبعة بولاق: كذا بالنسخ التي بأيدينا, ولعل لفظة"يقول"زائدة من قلم الناسخ

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 03:53 AM
فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ قَالَ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا} قَالَ الأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا
[الحديث 125- اطرافه في: 7462,7456,7297,4721]
قوله: "عبد الواحد" هو ابن زياد البصري، وإسناد الأعمش إلى منتهاه مما قيل إنه أصح الأسانيد. قوله: "خرب" بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء جمع خربة، ويقال بالعكس. والخرب ضد العامر. ووقع في موضع آخر بفتح المهملة وإسكان الراء بعدها مثلثة. قوله: "عسيب" أي عصا من جريد النخل. قوله: "بنفر من اليهود" لم أقف على أسمائهم. قوله: "لا تسألوه لا يجيء" في روايتنا بالجزم على جواب النهي، ويجوز النصب. والمعنى لا تسألوه خشية أن يجيء فيه بشيء، ويجوز الرفع على الاستئناف. قوله: "لنسألنه" جواب القسم المحذوف. قوله: "فقمت" أي حتى لا أكون مشوشا عليه، أو فقمت قائما حائلا بينه وبينهم. قوله: "فلما انجلى" أي الكرب الذي كان يغشاه حال الوحي. قوله: "الروح" الأكثر على أنهم سألوه عن حقيقة الروح الذي في الحيوان، وقيل عن جبريل، وقيل عن عيسى، وقيل عن القرآن، وقيل عن خلق عظيم روحاني، وقبل غير ذلك. وسيأتي بسط ذلك في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى، ونشير هنا إلى ما قيل في الروح الحيواني وأن الأصح أن حقيقته مما استأثر الله بعلمه. قوله: "هي كذا" وللكشميهني: "هكذا في قراءتنا " أي قراءة الأعمش، وليست هذه القراءة في السبعة بل ولا في المشهور من غيرها، وقد أغفلها أبو عبيد في كتاب القراءات له من قراءة الأعمش. والله أعلم.
(1/224)

48- باب مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الِاخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْهُ فَيَقَعُوا فِي أَشَدَّ مِنْهُ
126- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الأَسْوَدِ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَتْ عَائِشَةُ تُسِرُّ إِلَيْكَ كَثِيرًا فَمَا حَدَّثَتْكَ فِي الْكَعْبَةِ قُلْتُ قَالَتْ لِي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ لَوْلاَ قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِكُفْرٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ وَبَابٌ يَخْرُجُونَ" فَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ
[الحديث126- أطرافه في:7243,4484,3368,1585,1584,1583,]
قوله: "باب من ترك بعض الاختيار" أي فعل الشيء المختار والإعلام به. قوله: "عن إسرائيل" هو ابن يونس "عن أبي إسحاق" هو السبيعي بفتح المهملة وهو جد إسرائيل الراوي عنه، و "الأسود" هو ابن يزيد النخعي والإسناد إليه كلهم كوفيون. قوله: "قال لي ابن الزبير" يعني عبد الله الصحابي المشهور. قوله: "كانت عائشة" أي أم المؤمنين. قوله: "في الكعبة" عني في شأن الكعبة. قوله: "قلت قالت لي" زاد فيه ابن أبي شيبة في مسنده عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد: قلت لقد حدثتني حديثا كثيرا نسيت بعضه وأنا أذكر بعضه، قال - أي ابن الزبير - ما نسيت أذكرتك، قلت قالت. قوله: "حديث عهدهم" بتنوين حديث، ورفع " عهدهم " على إعمال الصفة المشبهة. قوله: "قال" للأصيلي: "فقال ابن الزبير: بكفر " أي أذكره ابن الزبير بقولها بكفر كان الأسود نسيها،
(1/224)

وأما ما بعدها وهو قوله: "لنقضت الخ " فيحتمل أن يكون مما نسي أيضا أو مما ذكر. وقد رواه الترمذي من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود بتمامه، إلا قوله: "بكفر " فقال بدلها بجاهلية، وكذا للمصنف في الحج في طريق أخرى عن الأسود، ورواه الإسماعيلي من طريق زهير بن معاوية عن أبي إسحاق ولفظه: "قلت حدثتني حديثا حفظت أوله ونسيت آخره: "ورجحها الإسماعيلي على رواية إسرائيل، وفيما قال نظر لما قدمناه. وعلى قوله يكون في رواية شعبة إدراج. والله أعلم. قوله: "بابا" بالنصب على البدل، كذا لأبي ذر في الموضعين ولغيره بالرفع على الاستئناف. قوله: "ففعله" يعني بنى الكعبة على ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي ذلك مبسوطا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. وفي الحديث معنى ما ترجم له لأن قريشا كانت تعظم أمر الكعبة جدا، فخشي صلى الله عليه وسلم أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غير بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك، ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه، وأن الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم ولو كان مفضولا ما لم يكن محرما.
(1/225)

49- باب مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفْهَمُوا.
وَقَالَ عَلِيٌّ: "حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟"
127- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ بِذَلِكَ
قوله: "باب من خص بالعلم قوما دون قوم" أي سوى قوم لا بمعنى الأدون. و " كراهية " بالإضافة بغير تنوين. وهذه الترجمة قريبة من الترجمة التي قبلها، ولكن هذه في الأقوال وتلك في الأفعال أو فيهما. قوله: "حدثنا عبيد الله" هو ابن موسى كما ثبت للباقين. قوله: "عن معروف" هو ابن خربوذ كما في رواية كريمة. وهو تابعي صغير مكي وليس له في البخاري غير هذا الموضع، وأبوه بفتح المعجمة وتشديد الراء المفتوحة وضم الموحدة وآخره معجمة. وهذا الإسناد من عوالي البخاري لأنه يلتحق بالثلاثيات، من حيث أن الراوي الثالث منه صحابي وهو أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي آخر الصحابة موتا، وليس له في البخاري غير هذا الموضع. قوله: "حدثوا الناس بما يعرفون" كذا وقع في رواية أبي ذر، وسقط كله من روايته عن الكشميهني، ولغيره بتقديم المتن ابتدأ به معلقا فقال: وقال علي الخ ثم عقبه بالإسناد. والمراد بقوله: "بما يعرفون " أي يفهمون. وزاد آدم بن أبي إياس في كتاب العلم له عن عبد الله بن داود عن معروف في آخره: "ودعوا ما ينكرون " أي يشتبه عليهم فهمه. وكذا رواه أبو نعيم في المستخرج. وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة. ومثله قول ابن مسعود: "ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " رواه مسلم. وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب، ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن، ونحوه عن حذيفة وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب. والله أعلم.
(1/225)

128- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ "يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ" قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ "يَا مُعَاذُ" قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلاَثًا قَالَ "مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ" قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ "إِذًا يَتَّكِلُوا" وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا
[الحديث128- طرفه في: 129]
قوله: "حدثني أبي" هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي. قوله: "رديفه" أي راكب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجملة حالية والرحل بإسكان الحاء المهملة وأكثر ما يستعمل للبعير، لكن معاذ كان في تلك الحالة رديفه صلى الله عليه وسلم على حمار كما يأتي في الجهاد. قوله: "قال: يا معاذ بن جبل" هو خبر " أن " المتقدمة، وابن جبل بفتح النون، وأما معاذ فبالضم لأنه منادى مفرد علم، وهذا اختيار ابن مالك لعدم احتياجه إلى تقدير، واختار ابن الحاجب النصب على أنه مع ما بعده كاسم واحد مركب كأنه أضيف، والمنادى المضاف منصوب. وقال ابن التين: يجوز النصب على أن قوله معاذ زائد، فالتقدير يا ابن جبل، وهو يرجع إلى كلام ابن الحاجب بتأويل. قوله. "قال: لبيك يا رسول الله وسعديك" اللب بفتح اللام معناه هنا الإجابة، والسعد المساعدة، كأنه قال لبا لك وإسعادا لك، ولكنهما ثنيا على معنى التأكيد والتكثير، أي إجابة بعد إجابة وإسعادا بعد إسعاد. وقيل في أصل لبيك واشتقاقها غير ذلك، وسنوضحه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. قوله: "ثلاثا" أي النداء والإجابة قيلا ثلاثا، وصرح بذلك في رواية مسلم، ويؤيده الحديث المتقدم في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه. قوله: "صدقا" فيه احتراز عن شهادة المنافق. وقوله: "من قلبه " يمكن أن يتعلق بصدقا أي يشهد بلفظه ويصدق بقلبه، ويمكن أن يتعلق بيشهد أي يشهد بقلبه، والأول أولى. وقال الطيبي: قوله: "صدقا " أقيم هنا مقام الاستقامة لأن الصدق يعبر به قولا عن مطابقة القول المخبر عنه، ويعبر به فعلا عن تحري الأخلاق المرضية كقوله تعالى :{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} أي حقق ما أورده قولا بما تحراه فعلا. انتهى. وأراد بهذا التقرير رفع الإشكال عن ظاهر الخبر، لأنه يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد، لكن دلت الأدلة القطعية عند أهل السنة على أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون ثم يخرجون من النار بالشفاعة، فعلم أن ظاهره غير مراد، فكأنه قال: إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة. قال: ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به. وقد أجاب العلماء عن الإشكال أيضا بأجوبة أخرى: منها أن مطلقه مقيد بمن قالها تائبا ثم مات على ذلك. ومنها أن ذلك كان قبل نزول الفرائض، وفيه نظر لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض، وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد بإسناد حسن، وكان قدومه في السنة التي قدم فيها أبو هريرة.ومنها أنه خرج مخرج الغالب، إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة ويجتنب المعصية. ومنها أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها لا أصل دخولها. ومنها أن المراد النار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين. ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته لأن النار لا
(1/226)

تأكل مواضع السجود من المسلم كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها، وكذا لسانه الناطق بالتوحيد. والعلم عند الله تعالى. قوله: "فيستبشرون" كذا لأبي ذر أي فهم يستبشرون، وللباقين بحذف النون، وهو أوجه لوقوع الفاء بعد النفي أو الاستفهام أو العرض وهي تنصب في كل ذلك. قوله: "إذا يتكلوا" تشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف، وهو جواب وجزاء؛ أي إن أخبرتهم يتكلوا. وللأصيلي والكشميهني ينكلوا بإسكان النون وضم الكاف أن يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره، وروى البزار بإسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمعاذ في التبشير، فلقيه عمر فقال: لا تعجل. ثم دخل فقال: يا نبي الله أنت أفضل رأيا، إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها، قال فرده. وهذا معدود من موافقات عمر، وفيه جواز الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم. واستدل بعض متكلمي الأشاعرة من قوله: "يتكلوا " على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم الله(1). قوله: "عند موته" أي موت معاذ. وأغرب الكرماني فقال: يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: ويرده ما رواه أحمد بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: أخبرني من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم يمنعني أن أحدثكموه إلا مخافة أن تتكلوا.. فذكره. قوله: "تأثما" هو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة، أي خشية الوقوع في الإثم، وقد تقدم توجيهه في حديث بدء الوحي في قوله: "يتحنث". والمراد بالإثم الحاصل من كتمان العلم، ودل صنيع معاذ على أنه عرف أن النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم، وإلا لما كان يخبر به أصلا. أو عرف أن النهي مقيد بالاتكال فأخبره به من لا يخشى عليه ذلك، وإذا زال القيد زال المقيد، والأول أوجه لكونه أخر ذلك إلى وقت موته. وقال القاضي عياض: لعل معاذا لم يفهم النهي، لكن كسر عزمه عما عرض له من تبشيرهم. قلت: والرواية الآتية صريحة في النهي، فالأولى ما تقدم. وفي الحديث جواز الإرداف، وبيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، ومنزلة معاذ بن جبل من العلم لأنه خصه بما ذكر. وفيه جواز استفسار الطالب عما يتردد فيه، واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده.
129- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ ذُكِرَ لِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ "مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ أَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ لاَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا"
قوله: "حدثنا مسدد حدثنا معتمر" كذا للجميع، وذكر الجياني أن عبدوسا والقابسي روياه عن أبي زيد المروزي بإسقاط مسدد من السند، قال: وهو وهم ولا يتصل السند إلا بذكره. انتهى. ومعتمر هو ابن سليمان التيمي. والإسناد كله بصريون إلا معاذا، وكذا الذي قبله إلا إسحاق فهو مروزي، وهو الإمام المعروف بابن راهويه. قوله: "ذكر لي" هو بالضم على البناء لما لم يسم فاعله، ولم يسم أنس من ذكر له ذلك في جميع ما وقفت عليه من الطرق، وكذلك جابر بن عبد الله كما قدمناه من عند أحمد، لأن معاذا إنما حدث به عند موته بالشام، وجابر وأنس إذ ذاك بالمدينة فلم يشهداه وقد حضر ذلك من معاذ عمرو بن ميمون الأودي أحد المخضرمين كما سيأتي عند المصنف في الجهاد، ويأتي الكلام على ما في سياقه من الزيادة ثم. ورواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن سمرة الصحابي المشهور
(1) هذا الذى عده الشارح لبعض متكلمي الأشاعرة هو قول أهل السنة, وهو أن للعبد اختيارا وفعلا ومشيئة, لكن ذلك إنما يقع بعد مشيئة الله كما قال تعالى {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فتنبه
(1/227)

أنه سمع ذلك من معاذ أيضا، فيحتمل أن يفسر المبهم بأحدهما. والله أعلم. "تنبيه": أورد المزي في الأطراف هذا الحديث في مسند أنس، وهو من مراسيل أنس، وكان حقه أن يذكره في المبهمات. والله الموفق. قوله: "من لقي الله" أي من لقي الأجل الذي قدره الله يعني الموت. كذا قاله جماعة، ويحتمل أن يكون المراد البعث أو رؤية الله تعالى في الآخرة. قوله: "لا يشرك به" اقتصر على نفي الإشراك لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء، ويستدعي إثبات الرسالة باللزوم، إذ من كذب رسول الله فقد كذب الله ومن كذب الله فهو مشرك، أو هو مثل قول القائل: من توضأ صحت صلاته، أي مع سائر الشرائط. فالمراد من مات حال كونه مؤمنا بجميع ما يجب الإيمان به. وليس في قوله: "دخل الجنة " من الإشكال ما تقدم في السياق الماضي، لأنه أعم من أن يكون قبل التعذيب أو بعده. فأخبر بها معاذ عند موته تأثما معنى التأثم التحرج من الوقوع في الإثم وهو كالتحنث، وإنما خشي معاذ من الإثم المرتب على كتمان العلم، وكأنه فهم من منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر بها إخبارا عاما لقوله: "أفلا أبشر الناس " فأخذ هو أولا بعموم المنع فلم يخبر بها أحدا، ثم ظهر له أن المنع إنما هو من الإخبار عموما، فبادر قبل موته فأخبر بها خاصا من الناس فجمع بين الحكمين. ويقوي ذلك أن المنع لو كان على عمومه في الأشخاص لما أخبر هو بذلك، وأخذ منه أن من كان في مثل مقامه في الفهم أنه لم يمنع من إخباره. وقد تعقب هذا الجواب بما أخرجه أحمد من وجه آخر فيه انقطاع عن معاذ أنه لما حضرته الوفاة قال: أدخلوا على الناس. فأدخلوا عليه. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات لا يشرك بالله شيئا جعله الله في الجنة " وما كنت أحدثكموه إلا عند الموت، وشاهدي على ذلك أبو الدرداء. فقال: صدق أخي، وما كان يحدثكم به إلا عند موته. وقد وقع لأبي أيوب مثل ذلك، ففي المسند من طريق أبي ظبيان أن أبا أيوب غزا الروم فمرض، فلما حضر قال: سأحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حالي هذه ما حدثتكموه، سمعته يقول: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة". وإذا عورض هذا الجواب فأجيب عن أصل الإشكال بأن معاذا اطلع على أنه لم يكن المقصود من المنع التحريم بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا هريرة أن يبشر بذلك الناس، فلقيه عمر فدفعه وقال: ارجع يا أبا هريرة، ودخل على أثره فقال: يا رسول الله لا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس، فخلهم يعملون. فقال: فخلهم. أخرجه مسلم. فكأن قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "أخاف أن يتكلوا " كان بعد قصة أبي هريرة، فكان النهي للمصلحة لا للتحريم، فلذلك أخبر به معاذ لعموم الآية بالتبليغ. والله أعلم. قوله: "لا" هي للنهي ليست داخلة على " أخاف" ، بل المعنى لا تبشر. ثم استأنف فقال: "أخاف". وفي رواية كريمة: "إني أخاف " بإثبات التعليل، وللحسن بن سفيان في مسنده عن عبيد الله بن معاذ عن معتمر " قال: لا، دعهم فليتنافسوا في الأعمال، فإني أخاف أن يتكلوا".
(1/228)

50- باب الْحَيَاءِ فِي الْعِلْمِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "لاَ يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَلاَ مُسْتَكْبِر"ٌ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: "نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ"
130- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ
(1/228)

غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ" فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَعْنِي وَجْهَهَا وَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ قَالَ "نَعَمْ تَرِبَتْ يَمِينُكِ فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟"
[الحديث 130- أطرافه في: 6121,6091,3328,282]
قوله: "باب الحياء" أي حكم الحياء، وقد تقدم أن الحياء من الإيمان، وهو الشرعي الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام للأكابر، وهو محمود. وأما ما يقع سببا لترك أمر شرعي فهو مذموم، وليس هو بحياء شرعي، وإنما هو ضعف ومهانة، وهو المراد بقول مجاهد: لا يتعلم العلم مستحي. وهو بإسكان الحاء. و " لا " في كلامه نافية لا ناهية، ولهذا كانت ميم يتعلم مضمومة، وكأنه أراد تحريض المتعلمين على ترك العجز والتكبر لما يؤثر كل منهما من النقص في التعليم. وقول مجاهد هذا وصله أبو نعيم في الحلية من طريق علي بن المديني عن ابن عيينة عن منصور عنه، وهو إسناد صحيح على شرط المصنف. قوله: "وقالت عائشة" هذا التعليق وصله مسلم من طريق إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة في حديث أوله أن أسماء بنت يزيد الأنصاري سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض. قوله: "هشام" هو ابن عروة بن الزبير. وفي الإسناد من اللطائف رواية تابعي عن مثله عن صحابية عن مثلها، وفيه رواية الابن عن أبيه والبنت عن أمها. وزينب هي بنت أبي سلمة بن عبد الأسد ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم نسبت إلى أمها تشريفا لكونها زوج النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "جاءت أم سليم" هي بنت ملحان والدة أنس بن مالك. قوله: "إن الله لا يستحيي من الحق" أي لا يأمر بالحياء في الحق. وقدمت أم سليم هذا الكلام بسطا لعذرها في ذكر ما تستحيي النساء من ذكره بحضرة الرجال، ولهذا قالت لها عائشة كما ثبت في صحيح مسلم: فضحت النساء. قوله: "إذا هي احتلمت" أي رأت في منامها أنها تجامع. قوله: "إذا رأت الماء" يدل على تحقق وقوع ذلك، وجعل رؤية الماء شرطا للغسل يدل على أنها إذا لم تر الماء لا غسل عليها. قوله: "فغطت أم سلمة" في مسلم من حديث أنس أن ذلك وقع لعائشة أيضا، ويمكن الجمع بأنهما كانتا حاضرتين. قوله: "تعني وجهها" هو بالمثناة من فوق، والقائل عروة، وفاعل تعني زينب، والضمير يعود على أم سلمة. قوله: "وتحتلم" بحذف همزة الاستفهام، وللكشميهني: "أو تحتلم " بإثباتها، قيل: فيه دليل على أن الاحتلام يكون في بعض النساء دون بعض ولذلك أنكرت أم سلمة ذلك، لكن الجواب يدل على أنها إنما أنكرت وجود المني من أصله ولهذا أنكر عليها. قوله: "تربت يمينك" أي افتقرت وصارت على التراب، وهي من الألفاظ التي تطلق عند الزجر ولا يراد بها ظاهرها. قوله: "فبم" بموحدة مكسورة. وسيأتي الكلام على مباحثه في كتاب الطهارة إن شاء الله تعالى.
131- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي مَا هِيَ" فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِهَا فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هِيَ النَّخْلَةُ" قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي فَقَالَ لاَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا
(1/229)

قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أويس، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر هذا في أوائل كتاب العلم، وأورده هنا لقول ابن عمر: "فاستحييت " ولتأسف عمر على كونه لم يقل ذلك لتظهر فضيلته، فاستلزم حياء ابن عمر تفويت ذلك، وكان يمكنه إذا استحيي إجلالا لمن هو أكبر منه أن يذكر ذلك لغيره سرا ليخبر به عنه، فجمع بين المصلحتين، ولهذا عقبه المصنف بباب من استحيي فأمر غيره بالسؤال.
(1/230)

باب من استحيا من فأمر غيره بالسؤال
...
51- بَاب مَنْ اسْتَحْيَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ
132- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُنْذِرٍ الْثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ "فِيهِ الْوُضُوء"
[ الحديث أطرافه في: 269,178]
واورد فيه حديث حديث علي بن أبي طالب قال: "كنت رجلا مذاء " وهو بتثقيل الذال المعجمة والمد أي كثير المذي، وهو بإسكان المعجمة: الماء الذي يخرج من الرجل عند الملاعبة، وسيأتي الكلام عليه في الطهارة أيضا. واستدل به بعضهم على جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع، وهو خطأ، ففي النسائي أن السؤال وقع وعلي حاضر.
(1/230)

52- باب ذِكْرِ الْعِلْمِ وَالْفُتْيَا فِي الْمَسْجِدِ
133- حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّأْمِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ" وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ" وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[الحديث 133- أطرافه في: 7334,1528,1527,1525,1522]
قوله: "باب ذكر العلم" أي إلقاء العلم والفتيا في المسجد، وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من توقف فيه لما يقع في المباحثة من رفع الأصوات فنبه على الجواز. قوله: "أن رجلا قام في المسجد" لم أقف على اسم هذا الرجل، والمراد بالمسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ويستفاد منه أن السؤال عن مواقيت الحج كان قبل السفر من المدينة، و " قرن " بإسكان الراء وغلط من فتحها. وقول ابن عمر: "ويزعمون الخ " يفسر بمن روى الحديث تاما كابن عباس وغيره. وفيه دليل على إطلاق الزعم على القول المحقق لأن ابن عمر سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه لم يفهمه لقوله: "لم أفقه هذه " أي الجملة الأخيرة فصار يرويها عن غيره، وهو دال على شدة تحريه وورعه، وسيأتي الكلام على فوائده في الحج إن شاء الله تعالى.
(1/230)

53- باب مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ
134- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ "لاَ يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلاَ الْعِمَامَةَ وَلاَ السَّرَاوِيلَ وَلاَ الْبُرْنُسَ وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ"
[الحديث134- أطرافه في:5852,5847,5806,5805,5803,5794,1842,1838,1542,36 6]
قوله: "باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله" قال ابن المنير: موقع هذه الترجمة التنبيه على أن مطابقة الجواب للسؤال غير لازم، بل إذا كان السبب خاصا والجواب عاما جاز، وحمل الحكم على عموم اللفظ لا على خصوص السبب لأنه جواب وزيادة فائدة. ويؤخذ منه أيضا أن المفتي إذا سئل عن واقعة واحتمل عنده أن يكون السائل يتذرع بجوابه إلى أن يعديه إلى غير محل السؤال تعين عليه أن يفصل الجواب، ولهذا قال: "فإن لم يجد نعلين " فكأنه سأل عن حالة الاختيار فأجابه عنها وزاده حالة الاضطرار، وليست أجنبية عن السؤال لأن حالة السفر تقتضي ذلك. وأما ما وقع في كلام كثير من الأصوليين أن الجواب يجب أن يكون مطابقا للسؤال فليس المراد بالمطابقة عدم الزيادة، بل المراد أن الجواب يكون مفيدا للحكم المسئول عنه قاله ابن دقيق العيد. وفي الحديث أيضا العدول عما لا ينحصر إلى ما ينحصر طلبا للإيجاز، لأن السائل سئل عما يلبس فأجيب بما لا يلبس، إذ الأصل الإباحة، ولو عدد له ما يلبس لطال به، بل كان لا يؤمن أن يتمسك بعض السامعين بمفهومه فيظن اختصاصه بالمحرم، وأيضا فالمقصود ما يحرم لبسه لا ما يحل له لبسه لأنه لا يجب له لباس مخصوص بل عليه أن يجتنب شيئا مخصوصا. قوله: "وابن أبي ذئب" هو بالضم عطفا على قول آدم: "حدثنا ابن أبي ذئب " والمراد أن آدم سمعه من ابن أبي ذئب بإسنادين. وفي رواية غير أبي ذر " وعن الزهري " بالعطف على نافع ولم يعد ذكر ابن أبي ذئب. قوله: "أن رجلا" لم أقف على اسمه، وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الحج أيضا إن شاء الله تعالى. "خاتمة": اشتمل كتاب العلم من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث وحديثين، منها في المتابعات بصيغة التعليق وغيرها ثمانية عشر، والتعاليق التي لم يوصلها في مكان آخر أربعة وهي: كتب لأمير السرية، ورجل جابر إلى عبد الله بن أنيس، وقصة ضمام في رجوعه إلى قومه، وحديث إنما العلم بالتعلم. وباقي ذلك وهو ثمانون حديثا كلها موصولة، فالمكرر منها ستة عشر حديثا، وبغير تكرير أربعة وستون حديثا، وقد وافقه مسلم على تخريجها إلا ستة عشر حديثا وهي الأربعة المعلقة المذكورة، وحديث أبي هريرة " إذا وسد الأمر إلى غير أهله"، وحديث ابن عباس " اللهم علمه الكتاب" ، وحديثه في الذبح قبل الرمي، وحديث عقبة بن الحارث في شهادة المرضعة، وحديث أنس في إعادة الكلمة ثلاثا، وحديث أبي هريرة " أسعد الناس بالشفاعة"، وحديث الزبير " من كذب علي"، وحديث سلمة " من تقول علي"، وحديث علي في الصحيفة، وحديث أبي هريرة في كونه أكثر الصحابة حديثا، وحديث أم سلمة " ماذا أنزل الليلة من الفتن"، وحديث أبي هريرة حفظت وعاءين. والمراد بموافقة مسلم
(1/231)

موافقته على تخريج أصل الحديث عن صحابيه وإن وقعت بعض المخالفة في بعض السياقات. وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم اثنان وعشرون أثرا: أربعة منها موصولة، والبقية معلقة. قال ابن رشيد: ختم البخاري كتاب العلم بباب من أجاب السائل بأكثر مما سأل عنه إشارة منه إلى أنه بلغ الغاية في الجواب عملا بالنصيحة، واعتمادا على النية الصحيحة. وأشار قبل ذلك بقليل بترجمة من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه إلى أنه ربما صنع ذلك، فأتبع الطيب بالطيب بأبرع سياق وأبدع اتساق. رحمه الله تعالى.
(1/232)

كتاب الوضوء
باب ماجاء في الوضوء
...
1 - باب مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى[66المائدة] {إذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: "وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلاَثٍ وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الإِسْرَافَ فِيهِ وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الوضوء. باب ما جاء في قول الله عز وجل :{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} الآية" وفي رواية الأصيلي: "ما جاء في قول الله " دون ما قبله، ولكريمة: "باب في الوضوء وقول الله عز وجل الخ". والمراد بالوضوء ذكر أحكامه وشرائطه وصفته ومقدماته. والوضوء بالضم هو الفعل، وبالفتح الماء الذي يتوضأ به على المشهور فيهما، وحكي في كل منهما الأمران. وهو مشتق من الوضاءة، وسمي بذلك لأن المصلي يتنظف به فيصير وضيئا: وأشار بقوله: "ما جاء " إلى اختلاف السلف في معنى الآية فقال الأكثرون: التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين. وقال آخرون: بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذف، إلا أنه في حق المحدث على الإيجاب، وفي حق غيره على الندب. وقال بعضهم: كان على الإيجاب ثم نسخ فصار مندوبا. ويدل لهذا ما رواه أحمد وأبو داود من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أسماء بنت زيد بن الخطاب حدثت أباه عبد الله بن عمر عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث. ولمسلم من حديث بريدة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله. فقال: عمدا فعلته " أي لبيان الجواز. وسيأتي حديث أنس في ذلك في باب الوضوء من غير حدث. واختلف العلماء أيضا في موجب الوضوء فقيل: يجب بالحدث وجوبا موسعا، وقيل به وبالقيام إلى الصلاة معا ورجحه جماعة من الشافعية، وقيل بالقيام إلى الصلاة حسب، ويدل له ما رواه أصحاب السنن من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة " واستنبط بعض العلماء من قوله تعالى :{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} إيجاب النية في الوضوء، لأن التقدير إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لأجلها، ومثله قولهم: إذا رأيت الأمير فقم، أي لأجله. وتمسك بهذه الآية من قال: إن
(1/232)

الوضوء أول ما فرض بالمدينة، فأما ما قبل ذلك فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل الجنابة إنما فرض على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة كما فرضت الصلاة، وأنه لم يصل قط إلا بوضوء. قال: وهذا مما لا يجهله عالم. وقال الحاكم في المستدرك: وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة. ثم ساق حديث ابن عباس: "دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي قالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك. فقال: "اتوني بوضوء" فتوضأ.. الحديث". قلت: وهذا يصلح ردا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة، لا على من أنكر وجوبه حينئذ. وقد جزم ابن الجهم(1) المالكي بأنه كان قبل الهجرة مندوبا وجزم ابن حزم بأنه لم يشرع إلا بالمدينة، ورد عليهما بما أخرجه ابن لهيعة في المغازي التي يرويها عن أبي الأسود يتيم عروة عنه أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحي، وهو مرسل، ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة أيضا لكن قال: عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه. وأخرجه ابن ماجه من رواية رشدين بن سعد عن عقيل عن الزهري نحوه، لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند. وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا، ولو ثبت لكان على شرط الصحيح، لكن المعروف رواية ابن لهيعة. قوله: "وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فرض الوضوء مرة مرة" كذا في روايتنا بالرفع على الخبرية، ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق، أي فرض الوضوء غسل الأعضاء غسلا مرة مرة، أو على الحال السادة مسد الخبر، أي يفعل مرة، أو على لغة من ينصب الجزأين بأن. وأعاد لفظ مرة لإرادة التفصيل أي الوجه مرة واليد مرة الخ. والبيان المذكور يحتمل أن يشير به إلى ما رواه بعد من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وهو بيان بالفعل لمجمل الآية، إذ الأمر يفيد طلب إيجاد الحقيقة ولا يتعين بعدد، فبين الشارع أن المرة الواحدة للإيجاب وما زاد عليها للاستحباب، وستأتي الأحاديث على ذلك فيما بعد. وأما حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة وقال. " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " ففيه بيان الفعل والقول معا، لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه، وله طرق أخرى كلها ضعيفة. قوله: "وتوضأ أيضا مرتين مرتين" كذا في رواية أبي ذر، ولغيره: "مرتين " بغير تكرار، وسيأتي هذا التعليق موصولا في باب مفرد مع الكلام عليه. قوله: "وثلاثا" أي وتوضأ أيضا ثلاثا، زاد الأصيلي ثلاثا على نسق ما قبله، وسيأتي موصولا أيضا في باب مفرد. قوله: "ولم يزد على ثلاث" أي لم يأت في شيء من الأحاديث المرفوعة في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم أنه زاد على ثلاث، بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم ذم من زاد عليها، وذلك فيما رواه أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال. " من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم " إسناده جيد، لكن عده مسلم في جملة ما أنكر على عمرو بن شعيب لأن ظاهره ذم النقص من الثلاث، وأجيب بأنه أمر سيئ والإساءة تتعلق بالنقص، والظلم بالزيادة. وقيل: فيه حذف تقديره من نقص من واحدة. ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد من طريق المطلب بن حنطب مرفوعا: "الوضوء مرة ومرتين وثلاثا، فإن نقص من واحدة أو زاد على ثلاث فقد أخطأ" ، وهو مرسل رجاله ثقات. وأجيب عن الحديث أيضا بأن الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه، بل أكثرهم مقتصر على قوله: "فمن زاد: "فقط، كذا رواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره. ومن الغرائب ما
ـــــــ
(1) بهامش طبعة بولاق: في نسخة "ابن الحكم"
(1/233)

حكاه الشيخ أبو حامد الإسفرايني عن بعض العلماء أنه لا يجوز النقص من الثلاث، وكأنه تمسك بظاهر الحديث المذكور، وهو محجوج بالإجماع. وأما قول مالك في المدونة: لا أحب الواحدة إلا من العالم، فليس فيه إيجاب زيادة عليها. والله أعلم. قوله: "وكره أهل العلم الإسراف فيه" يشير بذلك إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق هلال بن يساف أحد التابعين قال: كان يقال: "من الوضوء إسراف ولو كنت على شاطئ نهر". وأخرج نحوه عن أبي الدرداء وابن مسعود، وروي في معناه حديث مرفوع أخرجه أحمد وابن ماجه بإسناد لين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. قوله: "وأن يجاوزوا الخ" يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضا عن ابن مسعود قال: ليس بعد الثلاث شيء. وقال أحمد وإسحاق وغيرهما: لا تجوز الزيادة على الثلاث. وقال ابن المبارك: لا آمن أن يأثم. وقال الشافعي: لا أحب أن يزيد المتوضئ على ثلاث، فإن زاد لم أكرهه. أي لم أحرمه، لأن قوله لا أحب يقتضي الكراهة. وهذا الأصح عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه. وحكى الدارمي منهم عن قوم أن الزيادة على الثلاث تبطل الوضوء كالزيادة في الصلاة، وهو قياس فاسد، ويلزم من القول بتحريم الزيادة على الثلاث أو كراهتها أنه لا يندب تجديد الوضوء على الإطلاق. واختلف عند الشافعية في القيد الذي يمتنع منه حكم الزيادة على الثلاث، فالأصح إن صلى به فرضا أو نفلا، وقيل الفرض فقط، وقيل مثله حتى سجدة التلاوة والشكر ومس المصحف، وقيل ما يقصد له الوضوء وهو أعم، وقيل إذا وقع الفصل بزمن يحتمل في مثله نقض الوضوء عادة، وعند بعض الحنفية أنه راجع إلى الاعتقاد فإن اعتقد أن الزيادة على الثلاث سنة أخطأ ودخل في الوعيد، وإلا فلا يشترط للتحديد شيء بل لو زاد الرابعة وغيرها لا لوم، ولا سيما إذا قصد به القربة للحديث الوارد " الوضوء على الوضوء نور". قلت: وهو حديث ضعيف، ولعل المصنف أشار إلى هذه الرواية، وسيأتي بسط ذلك في أول تفسير المائدة إن شاء الله تعالى. ويستثنى من ذلك ما لو علم أنه بقي من العضو شيء لم يصبه الماء في المرات أو بعضها فإنه يغسل موضعه فقط، وأما مع الشك الطارئ بعد الفراغ فلا، لئلا يؤول به الحال إلى الوسواس المذموم.
(1/234)

2 - باب لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ
135- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ" قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ
[الحديث 135- طرفه في:6954]
قوله: "باب لا تقبل صلاة بغير طهور" هو بضم الطاء المهملة، والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل. وهذه الترجمة لفظ حديث رواه مسلم وغيره من حديث ابن عمر، وأبو داود وغيره من طريق أبي المليح بن أسامة عن أبيه، وله طرق كثيرة لكن ليس فيها شيء على شرط البخاري، فلهذا اقتصر على ذكره في الترجمة وأورد في الباب ما يقوم مقامه. قوله: "لا تقبل" كذا في روايتنا بالضم على البناء لما لم يسم فاعله، وأخرجه المصنف في ترك الحيل عن إسحاق بن نصر، وأبو داود عن أحمد بن حنبل كلاهما عن عبد الرزاق بلفظ: "لا يقبل الله " والمراد بالقبول
(1/234)

هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة. ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا، وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافا لم تقبل له صلاة " فهو الحقيقي، لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع، ولهذا كان بعض السلف يقول: لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا، قاله ابن عمر. قال: لأن الله تعالى قال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين}. قوله: "أحدث" أي وجد منه الحدث، والمراد به الخارج من أحد السبيلين، وإنما فسره أبو هريرة بأخص من ذلك تنبيها بالأخف على الأغلظ، ولأنهما قد يقعان في أثناء الصلاة أكثر من غيرهما، وأما باقي الأحداث المختلف فيها بين العلماء - كمس الذكر ولمس المرأة والقيء ملء الفم والحجامة - فلعل أبا هريرة كان لا يرى النقض بشيء منها. وعليه مشى المصنف كما سيأتي في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين. وقيل إن أبا هريرة اقتصر في الجواب على ما ذكر لعلمه أن السائل كان يعلم ما عدا ذلك، وفيه بعد. واستدل بالحديث على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أم اضطراريا، وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة لأن القبول انتفى إلى غاية الوضوء، وما بعدها مخالف لما قبلها فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقا. قوله: "يتوضأ" أي بالماء أو ما يقوم مقامه، وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعا: "الصعيد الطيب وضوء المسلم: "فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه، ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثا فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة. والله أعلم.
(1/235)

3 - باب فَضْلِ الْوُضُوءِ وَالْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ
136- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ"
قوله: "باب فضل الوضوء، والغر المحجلون" كذا في أكثر الروايات بالرفع، وهو على سبيل الحكاية لما ورد في بعض طرق الحديث: "أنتم الغر المحجلون " وهو عند مسلم، أو الواو استئنافية والغر المحجلون مبتدأ وخبره محذوف تقديره لهم فضل، أو الخبر قوله: "من آثار الوضوء " وفي رواية المستملي: "والغر المحجلين " بالعطف على الوضوء أي وفضل الغر المحجلين كما صرح به الأصيلي في روايته. قوله: "عن خالد" هو ابن يزيد الإسكندراني أحد الفقهاء الثقات، وروايته عن سعيد بن أبي هلال من باب رواية الأقران. قوله: "عن نعيم المجمر" بضم الميم وإسكان الجيم هو ابن عبد الله المدني، وصف هو وأبوه بذلك لكونهما كانا يبخران مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. وزعم بعض العلماء أن وصف عبد الله بذلك حقيقة ووصف ابنه نعيم بذلك مجاز، وفيه نظر فقد جزم إبراهيم الحربي بأن نعيما كان يباشر ذلك. ورجال هذا الإسناد الستة نصفهم مصريون، وهم الليث وشيخه والراوي عنه، والنصف الآخر مدنيون. قوله. "رقيت" بفتح الراء وكسر القاف أي صعدت. قوله: "فتوضأ" كذا لجمهور الرواة، وللكشميهني يوما بدل قوله فتوضأ وهو تصحيف، وقد رواه الإسماعيلي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه البخاري بلفظ: "توضأ " وزاد الإسماعيلي فيه: "فغسل وجهه ويديه فرفع في عضديه، وغسل رجليه فرفع في ساقيه " وكذا
(1/235)

لمسلم من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال نحوه، ومن طريق عمارة بن غزية عن نعيم وزاد في هذه: أن أبا " هريرة قال: "هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ " فأفاد رفعه، وفيه رد على من زعم أن ذلك من رأي أبي هريرة بل من روايته ورأيه معا. قوله: "أمتي" أي أمة الإجابة وهم المسلمون، وقد تطلق أمة محمد ويراد بها أمة الدعوة وليست مرادة هنا. قوله: "يدعون" بضم أوله أي ينادون أو يسمون. قوله: "غرا" بضم المعجمة وتشديد الراء جمع أغر أي ذو غرة، وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وغرا منصوب على المفعولية ليدعون أو على الحال، أي أنهم إذا دعوا على رءوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف وكانوا على هذه الصفة. قوله: "محجلين" بالمهملة والجيم من التحجيل وهو بياض يكون في ثلاث قوائم من قوائم الفرس، وأصله من الحجل بكسر المهملة وهو الخلخال، والمراد به هنا أيضا النور. واستدل الحليمي بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة، وفيه نظر لأنه ثبت عند المصنف في قصة سارة رضي الله عنها مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي، وفي قصة جريج الراهب أيضا أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام، فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء، وقد صرح بذلك في رواية لمسلم عن أبي هريرة أيضا مرفوعا قال: "سيما ليست لأحد غيركم " وله من حديث حذيفة نحوه. و " سيما " بكسر المهملة وإسكان الياء الأخيرة أي علامة. وقد اعترض بعضهم على الحليمي بحديث: "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي " وهو حديث ضعيف كما تقدم لا يصح الاحتجاج به لضعفه، ولاحتمال أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء دون أممهم إلا هذه الأمة. قوله: "من آثار الوضوء" بضم الواو، ويجوز فتحها على أنه الماء قاله ابن دقيق العيد. قوله: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" أي فليطل الغرة والتحجيل. واقتصر على إحداهما لدلالتها على الأخرى نحو {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} واقتصر على ذكر الغرة وهي مؤنثة دون التحجيل وهو مذكر لأن محل الغرة أشرف أعضاء الوضوء، وأول ما يقع عليه النظر من الإنسان. على أن في رواية مسلم من طريق عمارة بن غزية ذكر الأمرين، ولفظه: "فليطل غرته وتحجيله " وقال ابن بطال: كني أبو هريرة بالغرة عن التحجيل لأن الوجه لا سبيل إلى الزيادة في غسله، وفيما قال نظر لأنه يستلزم قلب اللغة، وما نفاه ممنوع لأن الإطالة ممكنة في الوجه بأن يغسل إلى صفحة العنق مثلا. ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تطلق على كل من الغرة والتحجيل. ثم إن ظاهره أنه بقية الحديث، لكن رواه أحمد من طريق فليح عن نعيم وفي آخره: قال نعيم لا أدري قوله من استطاع الخ من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة، ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه والله أعلم. واختلف العلماء في القدر المستحب من التطويل في التحجيل فقيل: إلى المنكب والركبة، وقد ثبت عن أبي هريرة رواية ورأيا. وعن ابن عمر من فعله أخرجه ابن أبي شيبة، وأبو عبيد بإسناد حسن، وقيل المستحب الزيادة إلى نصف العضد والساق، وقيل إلى فوق ذلك. وقال ابن بطال وطائفة من المالكية: لا تستحب الزيادة على الكعب والمرفق لقوله صلى الله عليه وسلم: "من زاد على هذا فقد أساء وظلم " وكلامهم معترض من وجوه، ورواية مسلم صريحة في الاستحباب فلا تعارض بالاحتمال. وأما دعواهم اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة في ذلك فهي مردودة بما نقلناه عن ابن عمر، وقد صرح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية. وأما
(1/236)

تأويلهم الإطالة المطلوبة بالمداومة على الوضوء فمعترض بأن الراوي أدرى بمعنى ما روى، كيف وقد صرح برفعه إلى الشارع صلى الله عليه وسلم(1) وفي الحديث معنى ما ترجم له من فضل الوضوء، لأن الفضل الحاصل بالغرة والتحجيل من آثار الزيادة على الواجب، فكيف الظن بالواجب؟ وقد وردت فيه أحاديث صحيحة صريحة أخرجها مسلم وغيره، وفيه جواز الوضوء على ظهر المسجد لكن إذا لم يحصل منه أذى للمسجد أو لمن فيه. والله أعلم.
(1/237)

باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن
...
4 - باب مَنْ لاَ يَتَوَضَّأُ مِنْ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ
137- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ "لاَ يَنْفَتِلْ أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا"
[الحديث 137- طرفاه في:2056,177]
قوله: "باب" بالتنوين "لا يتوضأ" بفتح أوله على البناء للفاعل. قوله: "من الشك" أي بسبب الشك. قوله: "حدثنا علي" هو ابن عبد الله المديني وسفيان هو ابن عيينة. قوله: "وعن عباد" هو معطوف على قوله عن سعيد بن المسيب، وسقطت الواو من رواية كريمة غلطا لأن سعيدا لا رواية له عن عباد أصلا، ثم إن شيخ سعيد فيه يحتمل أن يكون عم عباد كأنه قال كلاهما عن عمه أي عم الثاني وهو عباد، ويحتمل أن يكون محذوفا من مراسيل ابن المسيب، وعلى الأول جرى صاحب الأطراف. ويؤيد الثاني رواية معمر لهذا الحديث عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي سعيد الخدري أخرجه ابن ماجه ورواته ثقات لكن سئل أحمد عنه فقال إنه منكر. قوله: "عن عمه" هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري، سماه مسلم وغيره في روايتهم لهذا الحديث من طريق ابن عيينة، واختلف هل هو عم عباد لأبيه أو لأمه. قوله: "أنه شكا" كذا في روايتنا شكا بألف ومقتضاه أن الراوي هو الشاكي، وصرح بذلك ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان ولفظه عن عمه عبد الله بن زيد قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل. ووقع في بعض الروايات " شكي " بضم أوله على البناء للمفعول، وعلى هذا فالهاء في أنه ضمير الشأن. ووقع في مسلم: "شكي " بالضم أيضا كما ضبطه النووي. وقال: لم يسم الشاكي، قال: وجاء في رواية البخاري أنه الراوي. قال: ولا ينبغي أن يتوهم من هذا أن " شكى " بالفتح أي في رواية مسلم، وإنما نبهت على هذا لأن بعض الناس قال إنه لم يظهر له كلام النووي. قوله: "الرجل" بالضم على الحكاية. وهو وما بعده في موضع النصب. قوله: "يخيل" بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد الياء الأخيرة المفتوحة، وأصله من الخيال، والمعنى يظن، والظن هنا أعم من تساوي الاحتمالين أو ترجيح أحدهما على ما هو أصل اللغة من أن الظن خلاف اليقين. قوله: "يجد الشيء" أي الحدث خارجا منه، وصرح به الإسماعيلي ولفظه: "يخيل إليه في صلاته أنه يخرج منه شيء " وفيه العدول عن ذكر الشيء المستقذر بخاص اسمه إلا للضرورة. قوله: "في الصلاة" تمسك بعض المالكية بظاهره فخصوا الحكم
ـــــــ
(1) الأصح في هذه المسألة شرعية الإطالة في التعجيل خاصة, وذلك بالشروع في العضد والساق تكميلا للمفروض من غسل اليدين والقدمين, كما صرح أبو هريرة برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم. والله أعلم
(1/237)

بمن كان داخل الصلاة، وأوجبوا الوضوء على من كان خارجها، وفرقوا بالنهي عن إبطال العبادة، والنهي عن إبطال العبادة متوقف على صحتها، فلا معنى للتفريق بذلك، لأن هذا التخيل إن كان ناقضا خارج الصلاة فينبغي أن يكون كذلك فيها كبقية النواقض. قوله: "لا ينفتل" بالجزم على النهي، ويجوز الرفع على أن " لا " نافية. قوله: "أو لا ينصرف" هو شك من الراوي، وكأنه من علي، لأن الرواة غيره رووه عن سفيان بلفظ لا ينصرف من غير شك. قوله: "صوتا" أي من مخرجه. قوله: "أو يجد" أو للتنويع وعبر بالوجدان دون الشم ليشمل ما لو لمس المحل ثم شم يده، ولا حجة فيه لمن استدل على أن لمس الدبر لا ينقض لأن الصورة تحمل على لمس ما قاربه لا عينه. ودل حديث الباب على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدث، وليس المراد تخصيص هذين الأمرين باليقين، لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى قاله الخطابي. وقال النووي: "هذا الحديث أصل في حكم بقاء الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها". وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء. وروي عن مالك النقض مطلقا، وروي عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها، وروي هذا التفصيل عن الحسن البصري، والأول مشهور مذهب مالك قاله القرطبي، وهو رواية ابن القاسم عنه. وروى ابن نافع عنه لا وضوء عليه مطلقا كقول الجمهور، وروى ابن وهب عنه. أحب إلي أن يتوضأ. ورواية التفصيل لم تثبت عنه وإنما هي لأصحابه، وحمل بعضهم الحديث على من كان به وسواس، وتمسك بأن الشكوى لا تكون إلا عن علة، وأجيب بما دل على التعميم، وهو حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " وقوله: فلا يخرجن من المسجد أي من الصلاة، وصرح بذلك أبو داود في روايته. وقال العراقي: "ما ذهب إليه مالك راجح، لأنه احتاط للصلاة وهي مقصد، وألغى الشك في السبب المبرئ، وغيره احتاط للطهارة وهي وسيلة وألغى الشك في الحدث الناقض لها، والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل". وجوابه أن ذلك من حيث النظر قوي، لكنه مغاير لمدلول الحديث لأنه أمر بعدم الانصراف إلى أن يتحقق. وقال الخطابي: يستدل به لمن أوجب الحد على من وجد منه ريح الخمر لأنه اعتبر وجدان الريح ورتب عليه الحكم، ويمكن الفرق بأن الحدود تدرأ بالشبهة والشبهة هنا قائمة، بخلاف الأول فإنه متحقق.
(1/238)

5 - باب التَّخْفِيفِ فِي الْوُضُوءِ
138- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ صَلَّى وَرُبَّمَا قَالَ اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ وَقَامَ يُصَلِّي فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ عَنْ شِمَالِهِ فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". قُلْنَا لِعَمْرٍو: "إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ" قَالَ عَمْرٌو: "سَمِعْتُ عُبَيْدَ
(1/238)

ابْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأَ {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} " [102 الصافات]
قوله: "باب التخفيف في الوضوء" أي جواز التخفيف. قوله: "سفيان" هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار المكي لا البصري، وكريب بالتصغير من الأسماء المفردة في الصحيحين.والإسناد مكيون. سوى علي وقد أقام بها مدة. وفيه رواية تابعي عن تابعي: عمرو عن كريب. قوله. "وربما قال اضطجع" أي كان سفيان يقول تارة نام وتارة اضطجع، وليسا مترادفين بل بينهما عموم وخصوص من وجه، لكنه لم يرد إقامة أحدهما مقام الآخر، بل كان إذا روى الحديث مطولا قال اضطجع فنام كما سيأتي، وإذا اختصره قال نام أي مضطجعا أو اضطجع أي نائما. قوله: "ثم حدثنا" يعني أن سفيان كان يحدثهم به مختصرا ثم صار يحدثهم به مطولا. قوله: "ليلة فقام" كذا للأكثر، ولابن السكن " فنام " بالنون بدل القاف وصوبها القاضي عياض لأجل قوله بعد ذلك " فلما كان في بعض الليل قام " انتهى. ولا ينبغي الجزم بخطئها لأن توجيهها طاهر وهو أن الفاء في قوله: "فلما " تفصيلية، فالجملة الثانية وإن كان مضمونها مضمون الأولى لكن المغايرة بينهما بالإجمال والتفصيل. قوله: "فلما كان" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "في بعض الليل" وللكشميهني: "من " بدل في، فيحتمل أن تكون بمعناها ويحتمل أن تكون زائدة وكان تامة، أي فلما حصل بعض الليل. قوله: "شن" بفتح المعجمة وتشديد النون أي القربة العتيقة. قوله: "معلق" ذكر على إرادة الجلد أو الوعاء، وقد أخرجه بعد أبواب بلفظ معلقة. قوله: "يخففه عمرو ويقلله" أي يصفه بالتخفيف والتقليل. وقال ابن المنير: "يخففه أي لا يكثر الدلك، ويقلله أي لا يزيد على مرة مرة. قال: وفيه دليل على إيجاب الدلك، لأنه لو كان يمكن اختصاره لاختصره، لكنه لم يختصره". انتهى. وهي دعوى مردودة، فإنه ليس في الخبر ما يقتضي الدلك، بل الاقتصار على سيلان الماء على العضو أخف من قليل الدلك. قوله: "نحوا مما توضأ" قال الكرماني: "لم يقل مثلا لأن حقيقة مماثلته صلى الله عليه وسلم لا يقدر عليها غيره" انتهى. وقد ثبت في هذا الحديث كما سيأتي بعد أبواب " فقمت فصنعت مثل ما صنع " ولا يلزم من إطلاق المثلية المساواة من كل جهة. قوله: "فآذنه" بالمد أي أعلمه، وللمستملي فناداه. قوله: "فصلى ولم يتوضأ" فيه دليل على أن النوم ليس حدثا بل مظنة الحدث لأنه صلى الله عليه وسلم كان تنام عينه ولا ينام قلبه فلو أحدث لعلم بذلك، ولهذا كان ربما توضأ إذا قام من النوم وربما لم يتوضأ، قال الخطابي: وإنما منع قلبه النوم ليعي الوحي الذي يأتيه في منامه. قوله: "قلنا" القائل سفيان، والحديث المذكور صحيح كما سيأتي من وجه آخر، وعبيد بن عمير من كبار التابعين، ولأبيه عمير بن قتادة صحبة. وقوله: "رؤيا الأنبياء وحي " رواه مسلم مرفوعا، وسيأتي في التوحيد من رواية شريك عن أنس. ووجه الاستدلال بما تلاه من جهة أن الرؤيا لو لم تكن وحيا لما جاز لإبراهيم عليه السلام الإقدام على ذبح ولده. وأغرب الداودي الشارح فقال: قول عبيد بن عمير لا تعلق له بهذا الباب. وهذا إلزام منه للبخاري بأن لا يذكر من الحديث إلا ما يتعلق بالترجمة فقط، ولم يشترط ذلك أحد. وإن أراد أنه لا يتعلق بحديث الباب أصلا فممنوع والله أعلم. وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.
(1/239)

6 - باب إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ الإِنْقَاءُ
139- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ
(1/239)

بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ "دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ فَقُلْتُ الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ "الصَّلاَةُ أَمَامَكَ" فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا".
[الحديث 139- أطرافه في:1672,1669,1667,181]
قوله: "باب إسباغ الوضوء" الإسباغ في اللغة الإتمام، ومنه درع سابغ. قوله: "وقال ابن عمر" هذا التعليق وصله عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح، وهو من تفسير الشيء بلازمه، إذ الإتمام يستلزم الإنقاء عادة، وقد روى ابن المنذر بإسناد صحيح أن ابن عمر كان يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات، وكأنه بالغ فيهما دون غيرهما لأنهما محل الأوساخ غالبا لاعتيادهم المشي حفاة والله أعلم. قوله: "حدثنا عبد الله بن مسلمة" هو القعنبي، والحديث في الموطأ، والإسناد كله مدنيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي: موسى عن كريب، وأسامة بن زيد أي ابن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، له لأبيه وجده صحبة. وستأتي مناقبه في مكانها إن شاء الله تعالى. قوله: "دفع من عرفة" أي أفاض. قوله: "بالشعب" بكسر الشين المعجمة هو الطريق في الجبل، واللام فيه للعهد. قوله: "ولم يسبغ الوضوء" أي خففه، ويأتي فيه ما تقدم في توجيه الحديث الماضي. قوله: "فقلت الصلاة" و بالنصب على الإغراء، أو على الحذف، والتقدير أتريد الصلاة؟ ويؤيده قوله في رواية تأتي " فقلت أتصلي يا رسول الله " ويجوز الرفع، والتقدير حانت الصلاة. قوله: "قال الصلاة" هو بالرفع على الابتداء، وأمامك بفتح الهمزة خبره. وفيه دليل على مشروعية الوضوء للدوام على الطهارة لأنه صلى الله عليه وسلم لما يصل بذلك الوضوء شيئا، وأما من زعم أن المراد بالوضوء هنا الاستنجاء فباطل، لقوله في الرواية الأخرى " فجعلت أصب عليه وهو يتوضأ " ولقوله هنا " ولم يسبغ الوضوء". قوله: "نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء" فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء من غير أن يفصل بينهما بصلاة، قاله الخطابي، وفيه نظر لاحتمال أن يكون أحدث. "فائدة": الماء الذي توضأ به صلى الله عليه وسلم ليلتئذ كان من ماء زمزم، أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زيادات مسند أبيه بإسناد حسن من حديث علي بن أبي طالب، فيستفاد منه الرد على من منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب. وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
(1/240)

7 - باب غَسْلِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ
140- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ بِلاَلٍ يَعْنِي سُلَيْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الأُخْرَى فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ
(1/240)

أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ يَعْنِي الْيُسْرَى ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ".
قوله: "باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة" راده بهذا التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعا، والإشارة إلى تضعيف الحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل وجهه بيمينه. وجمع الحليمي بينهما بأن هذا حيث كان يتوضأ من إناء يصب منه بيساره على يمينه، والآخر حيث كان يغترف، لكن سياق الحديث يأباه، لأن فيه أنه بعد أن تناول الماء بإحدى يديه أضافه إلى الأخرى وغسل بهما. قوله: "حدثنا محمد بن عبد الرحيم" هو أبو يحيى المعروف بصاعقة. وكان أحد الحفاظ، وهو من صغار شيوخ البخاري من حيث الإسناد، وشيخه منصور كان أحد الحفاظ أيضا، وقد أدركه البخاري لكنه لم يلقه. وفي الإسناد رواية تابعي عن تابعي: زيد عن عطاء. قوله: "أنه توضأ" زاد أبو داود في أوله من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم " أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماء". وللنسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد في أول الحديث: "توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة". قوله: "فغسل وجهه" الفاء تفصيلية لأنها داخلة بين المجمل والمفصل. قوله: "أخذ غرفة" وهو بيان الغسل وظاهره أن المضمضة والاستنشاق من جملة غسل الوجه، لكن المراد بالوجه أولا ما هو أعم من المفروض والمسنون، بدليل أنه أعاد ذكره ثانيا بعد ذكر المضمضة والاستنشاق بغرفة مستقلة، وفيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة، وغسل الوجه باليدين جميعا إذا كان بغرفة واحدة لأن اليد الواحدة قد لا تستوعبه. قوله: "أضافها" بيان لقوله فجعل بها هكذا. قوله: "فغسل بها" أي بالغرفة. وللأصيلي وكريمة: "فغسل بهما " أي باليدين. قوله: "ثم مسح برأسه" لم يذكر لها غرفة مستقلة، فقد يتمسك به من يقول بطهورية الماء المستعمل، لكن في رواية أبي داود " ثم قبض قبضة من الماء، ثم نفض يده، ثم مسح رأسه " زاد النسائي من طريق عبد العزيز الدراوردي عن زيد " وأذنيه مرة واحدة " ومن طريق ابن عجلان " باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه " وزاد ابن خزيمة من هذا الوجه " وأدخل إصبعيه فيهما". قوله: "فرش" أي سكب الماء قليلا قليلا إلى أن صدق عليه مسمى الغسل. قوله: "حتى غسلها" صريح في أنه لم يكتف بالرش، وأما ما وقع عند أبي داود والحاكم " فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه يد فوق القدم ويد تحت النعل " فالمراد بالمسح تسييل الماء حتى يستوعب العضو، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في النعل كما سيأتي عند المصنف من حديث ابن عمر، وأما قوله: "تحت النعل ": فإن لم يحمل على التجوز عن القدم وإلا فهي رواية شاذة وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما تفرد به فكيف إذا خالف. قوله: "فغسل بها رجله يعني اليسرى" قائل: "يعني " هو زيد بن أسلم أو من دونه، واستدل ابن بطال بهذا الحديث على أن الماء المستعمل طهور، لأن العضو إذا غسل مرة واحدة فإن الماء الذي يبقى في اليد منها يلاقي ماء العضو الذي يليه. وأيضا فالغرفة تلاقي أول جزء من أجزاء كل عضو فيصير مستعملا بالنسبة إليه. وأجيب بأن الماء ما دام متصلا باليد مثلا لا يسمى مستعملا حتى ينفصل، وفي الجواب بحث. "تنبيه": ذكر ابن التين أنه رواه بلفظ: "فعل بها رجله " بالعين المهملة واللام المشددة قال: فلعله جعل الرجلين بمنزلة العضو الواحد فعد الغسلة الثانية تكريرا لأن العل هو الشرب الثاني انتهى، وهو تكلف ظاهر، والحق أنها تصحيف.
(1/241)

8 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الْوِقَاعِ
141حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَبْلُغُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ"
[الحديث141- في:7396,6388,5165,3283,3271]
قوله: "باب التسمية على كل حال وعند الوقاع" أي الجماع، وعطفه عليه من عطف الخاص على العام للاهتمام به، وليس العموم ظاهرا من الحديث الذي أورده، لكن يستفاد من باب الأولى لأنه إذا شرع في حالة الجماع وهي مما أمر فيه بالصمت فغيره أولى. وفيه إشارة إلى تضعيف ما ورد من كراهة ذكر الله في حالين الخلاء والوقاع، لكن على تقدير صحته لا ينافي حديث الباب لأنه يحمل على حال إرادة الجماع كما سيأتي في الطريق الأخرى.ويقيد ما أطلقه المصنف ما رواه ابن أبي شيبة من طريق علقمة عن ابن مسعود " وكان إذا غشي أهله فأنزل قال: اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيبا". قوله: "جرير" و ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر من صغار التابعين، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين. قوله: "فقضي بينهم" كذا للمستملي والحموي، وللباقين " بينهما " وهو أصوب، ويحمل الأول على أن أقل الجمع اثنان، وسيأتي مباحث هذا الحديث في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. وأفاد الكرماني أنه رأى في نسخة قرئت على الفربري قيل لأبي عبد الله يعني المصنف: من لا يحسن العربية يقولها بالفارسية؟ قال: نعم.
(1/242)

باب مايقول عند الخلاء
...
9 - باب مَا يَقُولُ عِنْدَ الْخَلاَءِ
142- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ"
تَابَعَهُ ابْنُ عَرْعَرَةَ عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ "إِذَا أَتَى الْخَلاَءَ" وَقَالَ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ إِذَا دَخَلَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ "إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ"
[الحديث 142- طرفه في:6322]
قوله: "باب ما يقول عند الخلاء" أي عند إرادة الدخول في الخلاء إن كان معدا لذلك وإلا فلا تقدير. "تنبيه": أشكل إدخال هذا الباب والأبواب التي بعده إلى باب الوضوء مرة مرة، لأنه شرع في أبواب الوضوء فذكر منها فرضه وشرطه وفضيلته وجواز تخفيفه واستحباب إسباغه ثم غسل الوجه ثم التسمية ولا أثر لتأخيرها عن غسل الوجه لأن محلها مقارنة أول جزء منه ح فتقديمها في الذكر عنه وتأخيرها سواء، لكن ذكر بعدها القول عند الخلاء، واستمر في ذكر ما يتعلق بالاستنجاء، ثم رجع فذكر الوضوء مرة مرة. وقد خفي وجه المناسبة على الكرماني فاستروح قائلا: ما وجه الترتيب بين هذه الأبواب مع أن التسمية إنما هي قبل غسل الوجه لا بعده، ثم توسيط أبواب الخلاء بين أبواب الوضوء؟ وأجاب بقوله: قلت البخاري لا يراعي حسن الترتيب، وجملة قصده إنما هو
(1/242)

في نقل الحديث وما يتعلق بصحيحه لا غير انتهى. وقد أبطل هذا الجواب في كتاب التفسير فقال لما ناقش البخاري في أشياء ذكرها من تفسير بعض الألفاظ بما معناه: لو ترك البخاري هذا لكان أولى، لأنه ليس من موضوع كتابه، وكذلك قال في مواضع أخر إذا لم يظهر له توجيه ما يقوله البخاري، مع أن البخاري في جميع ما يورده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبي عبيدة والنضر بن شميل والفراء وغيرهم، وأما المباحث الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعي وأبي عبيدة وأمثالهما، وأما المسائل الكلامية فأكثرها من الكرابيسي وابن كلاب ونحوهما. والعجب من دعوى الكرماني أنه لا يقصد تحسين الترتيب بين الأبواب، مع أنه لا يعرف لأحد من المصنفين على الأبواب من اعتنى بذلك غيره، حتى قال جمع من الأئمة: فقه البخاري في تراجمه. وقد أبديت في هذا الشرح من محاسنه وتدقيقه في ذلك ما لا خفاء به، وقد أمعنت النظر في هذا الموضع فوجدته في بادئ الرأي يظن الناظر فيه أنه لم يعتن بترتيبه كما قال الكرماني، لكنه اعتنى بترتيب كتاب الصلاة اعتناء تاما كما سأذكره هناك، وقد يتلمح أنه ذكر أولا فرض الوضوء كما ذكرت، وأنه شرط لصحة الصلاة، ثم فضله وأنه لا يجب إلا مع التيقن، وأن الزيادة فيه على إيصال الماء إلى العضو ليس بشرط. وأن ما زاد على ذلك من الإسباغ فضل. ومن ذلك الاكتفاء في غسل بعض الأعضاء بغرفة واحدة، وأن التسمية مع أوله مشروعة كما يشرع الذكر عند دخول الخلاء، فاستطرد من هنا لآداب الاستنجاء وشرائطه، ثم رجع لبيان أن واجب الوضوء المرة الواحدة وأن الثنتين والثلاث سنة، ثم ذكر سنة الاستنثار إشارة إلى الابتداء بتنظيف البواطن قبل الظواهر، وورد الأمر بالاستجمار وترا في حديث الاستنثار فترجم به لأنه من جملة التنظف، ثم رجع إلى حكم التخفيف فترجم بغسل القدمين لا بمسح الخفين إشارة إلى أن التخفيف لا يكفي فيه المسح دون مسمى الغسل. ثم رجع إلى المضمضة لأنها أخت الاستنشاق، ثم استدرك بغسل العقبين لئلا يظن أنهما لا يدخلان في مسمى القدم، وذكر غسل الرجلين في النعلين ردا على من قصر في سياق الحديث المذكور فاقتصر على النعلين على ما سأبينه. ثم ذكر فضل الابتداء باليمين، ومتى يجب طلب الماء للوضوء. ثم ذكر حكم الماء الذي يستعمل وما يوجب الوضوء. ثم ذكر الاستعانة في الوضوء. ثم ما يمتنع على من كان على غير وضوء، واستمر على ذلك إذا ذكر شيئا من أعضاء الوضوء استطرد منه إلى ما له به تعلق لمن يمعن التأمل، إلى أن أكمل كتاب الوضوء على ذلك. وسلك في ترتيب الصلاة أسهل من هذا المسلك فأورد أبوابها ظاهرة التناسب في الترتيب، فكأنه تفنن في ذلك والله أعلم. قوله: "الخبث" بضم المعجمة الموحدة كذا في الرواية. وقال الخطابي: إنه لا يجوز غيره، وتعقب بأنه يجوز إسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه ككتب وكتب، قال النووي: وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة منهم أبو عبيدة، إلا أن يقال إن ترك التخفيف أولى لئلا يشتبه بالمصدر. والخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة، يريد ذكران الشياطين وإناثهم قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما، ووقع في نسخة ابن عساكر: قال أبو عبد الله - يعني البخاري - ويقال الخبث أي بإسكان الموحدة، فإن كانت مخففة عن الحركة فقد تقدم توجيهه، وإن كان بمعنى المفرد فمعناه كما قال ابن الأعرابي: المكروه، قال: فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار، وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب، ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره: "أعوذ بالله من الخبث والخبيث " أو " الخبث والخبائث " هكذا على الشك، الأول بالإسكان مع
(1/243)

الإفراد، والثاني بالتحريك مع الجمع، أي من الشيء المكروه ومن الشيء المذموم، أو من ذكران الشياطين وإناثهم. وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ إظهارا للعبودية، ويجهر بها للتعليم. وقد روى العمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر قال: "إذا دخلتم الخلاء فقولوا: "بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث " وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية ولم أرها في غير هذه الرواية. قوله: "تابعه ابن عرعرة" اسمه محمد، وحديثه عند المصنف في الدعوات. قوله. "وقال غندر" هذا التعليق وصله البزار في مسنده عن محمد بن بشار بندار عن غندر بلفظه، ورواه أحمد بن حنبل عن غندر بلفظ إذا دخل. قوله: "وقال موسى" هو ابن إسماعيل التبوذكي. قوله: "عن حماد" هو ابن سلمة يعني عبد العزيز بن صهيب، وطريق موسى هذه وصلها البيهقي باللفظ المذكور. قوله: "وقال سعيد بن زيد" هو أخو حماد بن زيد، وروايته هذه وصلها المؤلف في الأدب المفرد قال: حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال: حدثني أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال.." فذكر مثل حديث الباب، وأفادت هذه الرواية تبيين المراد من قوله: "إذا دخل الخلاء " أي كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول لا بعده. والله أعلم. وهذا في الأمكنة المعدة لذلك بقرينة الدخول، ولهذا قال ابن بطال. رواية: "إذا أتى " أعم لشمولها انتهى. والكلام هنا في مقامين: أحدهما هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في حديث زيد بن أرقم في السنن، أو يشمل حتى لو بال في إناء مثلا في جانب البيت؟ الأصح الثاني ما لم يشرع في قضاء الحاجة. الثاني متى يقول ذلك؟ فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة يفصل: أما في الأمكنة المعدة لذلك فيقوله قبيل دخولها، وأما في غيرها فيقوله في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلا وهذا مذهب الجمهور. وقالوا فيمن نسي: يستعيذ بقلبه لا بلسانه. ومن يجيز مطلقا كما نقل عن مالك لا يحتاج إلى تفصيل. "تنبيه": سعيد بن زيد الذي أتى بالرواية المبينة صدوق تكلم بعضهم في حفظه، وليس له في البخاري غير هذا الموضع المعلق، لكن لم ينفرد بهذا اللفظ، فقد رواه مسدد عن عبد الوارث عن عبد العزيز مثله، وأخرجه البيهقي من طريقه وهو على شرط البخاري.
(1/244)

10 - باب وَضْعِ الْمَاءِ عِنْدَ الْخَلاَءِ
143- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْخَلاَءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَ مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ فَأُخْبِرَ فَقَالَ "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"
قوله: "باب وضع الماء عند الخلاء" هو بالمد، وحقيقته المكان الخالي، واستعمل في المكان المعد لقضاء الحاجة مجازا. قوله: "ورقاء" و ابن عمر. قوله: "عن عبيد الله" بالتصغير "ابن أبي يزيد" مكي ثقة لا يعرف اسم أبيه، ووقع في رواية الكشميهني ابن أبي زائدة وهو غلط. قوله: "فوضعت له وضوءا" بفتح الواو أي ماء ليتوضأ به، وقيل يحتمل أن يكون ناوله إياه ليستنجي به، وفيه نظر. قوله: "فأخبر" تقدم في كتاب العلم أن ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس هي المخبرة بذلك، قال التيمي: فيه استحباب المكافأة بالدعاء. وقال ابن المنير: مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاثة أمور: إما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء، أو يضعه على
(1/244)

الباب ليتناوله من قرب، أو لا يفعل شيئا، فرأي الثاني أوفق، لأن في الأول تعرضا للاطلاع، والثالث يستدعي مشقة في طلب الماء، والثاني أسهلها، ففعله يدل على ذكائه، فناسب أن يدعي له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع، وكذا كان. وقد تقدمت باقي مباحثه في كتاب العلم.
(1/245)

11 - باب لاَ تُسْتَقْبَلُ الْقِبْلَةُ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ إِلاَّ عِنْدَ الْبِنَاءِ جِدَارٍ أَوْ نَحْوِهِ
144- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلاَ يَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ وَلاَ يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا"
[الحديث 144-طرفه في:394]
قوله: "باب لا تستقبل القبلة" في روايتنا بضم المثناة على البناء للمفعول وبرفع القبلة، وفي غيرها بفتح الباء التحتانية على البناء للفاعل ونصب القبلة، ولام تستقبل مضمومة على أن لا نافية، ويحوز كسرها على أنها ناهية. قوله: "إلا عند البناء جدار أو نحوه" وللكشميهني: "أو غيره: "أي كالأحجار الكبار والسواري والخشب وغيرها من السواتر. قال الإسماعيلي: "ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور". وأجيب بثلاثة أجوبة: أحدها أنه تمسك بحقيقة الغائط لأنه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء، وهذه حقيقته اللغوية، وإن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازا فيختص النهي به، إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة، وهذا الجواب للإسماعيلي وهو أقواها. ثانيها أن استقبال القبلة إنما يتحقق في الفضاء، وأما الجدار والأبنية فإنها إذا استقبلت أضيف إليها الاستقبال عرفا قاله ابن المنير، ويتقوى بأن الأمكنة المعدة ليست صالحة لأن يصلى فيها فلا يكون فيها قبلة بحال، وتعقب بأنه يلزم منه أن لا تصح صلاة من بينه وبين الكعبة مكان لا يصلح للصلاة، وهو باطل. ثالثها الاستثناء مستفاد من حديث ابن عمر المذكور في الباب الذي بعده، لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم كله كأنه شيء واحد قاله ابن بطال وارتضاه ابن التين وغيره، لكن مقتضاه أن لا يبقى لتفصيل التراجم معنى، فإن قيل لم حملتم الغائط على حقيقته ولم تحملوه على ما هو أعم من ذلك ليتناول الفضاء والبنيان، لا سيما والصحابي راوي الحديث قد حمله على العموم فيهما لأنه قال - كما سيأتي عند المصنف في باب قبلة أهل المدينة في أوائل الصلاة - فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر، فالجواب أن أبا أيوب أعمل لفظ الغائط في حقيقته ومجازه وهو المعتمد، وكأنه لم يبلغه حديث التخصيص، ولولا أن حديث ابن عمر دل على تخصيص ذلك بالأبنية لقلنا بالتعميم، لكن العمل بالدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وقد جاء عن جابر فيما رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وغيرهم تأييد ذلك، ولفظه عند أحمد " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا هرقنا الماء. قال: ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة"، والحق أنه ليس بناسخ لحديث النهي خلافا لمن زعمه، بل هو محمول على أنه رآه في بناء أو نحوه، لأن ذلك هو المعهود من حاله صلى الله عليه وسلم لمبالغته في التستر، ورؤية ابن عمر له كانت عن غير قصد كما سيأتي فكذا رواية جابر، ودعوى خصوصية ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال، ودل حديث ابن عمر الآتي على جواز استدبار القبلة في الأبنية، وحديث جابر على جواز استقبالها، ولولا ذلك لكان
(1/245)

حديث أبي أيوب لا يخص من عمومه بحديث ابن عمر إلا جواز الاستدبار فقط، ولا يقال يلحق به الاستقبال قياسا، لأنه لا يصح إلحاقه به لكونه فوقه، وقد تمسك به قوم فقالوا بجواز الاستدبار دون الاستقبال حكي عن أبي حنيفة وأحمد وبالتفريق بين البنيان والصحراء مطلقا، قال الجمهور: وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق، وهو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة، ويؤيده من جهة النظر ما تقدم عن ابن المنير أن الاستقبال في البنيان مضاف إلى الجدار عرفا. وبأن الأمكنة المعدة لذلك مأوى الشياطين فليست صالحة لكونها قبلة، بخلاف الصحراء فيهما. وقال قوم بالتحريم مطلقا، وهو المشهور عن أبي حنيفة وأحمد. وقال به أبو ثور صاحب الشافعي، ورجحه من المالكية ابن العربي، ومن الظاهرية ابن حزم، وحجتهم أن النهي مقدم على الإباحة، ولم يصححه حديث جابر الذي أشرنا إليه. وقال قوم بالجواز مطلقا، وهو قول عائشة وعروة وربيعة وداود، واعتلوا بأن الأحاديث تعارضت فليرجع إلى أصل الإباحة. فهذه المذاهب الأربعة مشهورة عن العلماء، ولم يحك النووي في شرح المهذب غيرها. وفي المسألة ثلاثة مذاهب أخرى: منها جواز الاستدبار في البنيان فقط تمسكا بظاهر حديث ابن عمر، وهو قول أبي يوسف. ومنها التحريم مطلقا حتى في القبلة المنسوخة وهي بيت المقدس، وهو محكي عن إبراهيم وابن سيرين عملا بحديث معقل الأسدي " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو بغائط " رواه أبو داود وغيره، وهو حديث ضعيف لأن فيه راويا مجهول الحال. وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك أهل المدينة ومن على سمتها، لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة فالعلة استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس، وقد ادعى الخطابي الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر في استقباله الكعبة، وفيه نظر لما ذكرناه عن إبراهيم وابن سيرين، وقد قال به بعض الشافعية أيضا حكاه ابن أبي الدم. ومنها أن التحريم مختص بأهل المدينة ومن كان على سمتها، فأما من كانت قبلته في جهة المشرق أو المغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقا لعموم قوله: "شرقوا أو غربوا " قاله أبو عوانة صاحب المزني، وعكسه البخاري فاستدل به على أنه ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة كما سيأتي في باب قبلة أهل المدينة من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. قوله: "فلا يستقبل" بكسر اللام لأن " لا " ناهية واللام في القبلة للعهد أي للكعبة. قوله: "ولا يولها ظهره" ولمسلم: "ولا يستدبرها " وزاد: "ببول أو بغائط " والغائط الثاني غير الأول، أطلق على الخارج من الدبر مجازا من إطلاق اسم المحل على الحال كراهية لذكره بصريح اسمه، وحصل من ذلك جناس تام، والظاهر من قوله: "ببول " اختصاص النهي بخروج الخارج من العورة، ويكون مثاره إكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة، ويؤيده قوله في حديث جابر " إذا هرقنا الماء". وقيل مثار النهي كشف العورة، وعلى هذا فيطرد في كل حالة تكشف فيها العورة كالوطء مثلا، وقد نقله ابن شاش المالكي قولا في مذهبهم وكأن قائله تمسك برواية في الموطأ " لا تستقبلوا القبلة بفروجكم " ولكنها محمولة على المعنى الأول أي حال قضاء الحاجة جمعا بين الروايتين والله أعلم. وسيأتي الكلام على قول أبي أيوب " فننحرف ونستغفر " حيث أورده المصنف في أوائل الصلاة إن شاء الله تعالى.
(1/246)

12 - باب مَنْ تَبَرَّزَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ
145- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ

اخت مسلمة
06-09-2009, 04:14 AM
12 - باب مَنْ تَبَرَّزَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ
145- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ
(1/246)

عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ "أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ فَلاَ تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلاَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَقَدْ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ وَقَالَ لَعَلَّكَ مِنْ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ فَقُلْتُ لاَ أَدْرِي وَاللَّهِ قَالَ مَالِكٌ يَعْنِي الَّذِي يُصَلِّي وَلاَ يَرْتَفِعُ عَنْ الأَرْضِ يَسْجُدُ وَهُوَ لاَصِقٌ بِالأَرْضِ"
[الحديث 145- أطرافه في3102,149,148]
قوله: "باب من تبرز" بوزن تفعل من البراز بفتح الموحدة وهو الفضاء الواسع، كنوا به عن الخارج من الدبر كما تقدم في الغائط. قوله: "على لبنتين" فتح اللام وكسر الموحدة وفتح النون تثنية لبنة وهي ما يصنع من الطين أو غيره للبناء قبل أن يحرق. قوله: "يحيى بن سعيد" هو الأنصاري المدني التابعي، وكذا شيخه وشيخ شيخه في الأوصاف الثلاثة، ولكن قيل إن لواسع رؤية فذكر لذلك في الصحابة، وأبوه حبان هو ابن منقذ بن عمر له ولأبيه صحبة، وقد تقدم في المقدمة أنه بفتح المهملة وبالموحدة. قوله: "أنه كان يقول" أي ابن عمر كما صرح به مسلم في روايته، وسيأتي لفظه قريبا، فأما من زعم أن الضمير يعود على واسع فهو وهم منه وليس قوله: "فقال ابن عمر " جوابا لواسع، بل الفاء في قوله: "فقال: "سببية، لأن ابن عمر أورد القول الأول منكرا له، ثم بين سبب إنكاره بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يمكنه أن يقول: فلقد رأيت الخ ولكن الراوي عنه - وهو واسع - أراد التأكيد بإعادة قوله: "قال عبد الله بن عمر". قوله: "أن ناسا" يشير بذلك إلى من كان يقول بعموم النهي كما سبق، وهو مروي عن أبي أيوب وأبي هريرة ومعقل الأسدي وغيرهم. قوله: "إذا قعدت" ذكر القعود لكونه الغالب وإلا فحال القيام كذلك. قوله: "على حاجتك" كنى بهذا عن التبرز ونحوه. قوله: "لقد" اللام جواب قسم محذوف. قوله: "على ظهر بيت لنا" وفي رواية يزيد الآتية " على ظهر بيتنا " وفي رواية عبيد الله بن عمر الآتية " على ظهر بيت حفصة " أي أخته كما صرح به في رواية مسلم، ولابن خزيمة: "دخلت على حفصة بنت عمر فصعدت ظهر البيت". وطريق الجمع أن يقال: إضافته البيت إليه على سبيل المجاز لكونها أخته فله منه سبب، وحيث أضافه إلى حفصة كان باعتبار أنه البيت الذي أسكنها النبي صلى الله عليه وسلم فيه واستمر في يدها إلى أن ماتت فورث عنها، وسيأتي انتزاع المصنف ذلك من هذا الحديث في كتاب الخمس إن شاء الله تعالى، وحيث أضافه إلى نفسه كان باعتبار ما آل إليه الحال لأنه ورث حفصة دون إخوته لكونها كانت شقيقته ولم تترك من يحجبه عن الاستيعاب. قوله: "على لبنتين" ولابن خزيمة: "فأشرفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على خلائه " وفي رواية له: "فرأيته يقضي حاجته محجوبا عليه بلبن " وللحكيم الترمذي بسند صحيح " فرأيته في كنيف " وهو بفتح الكاف وكسر النون بعدها ياء تحتانية ثم فاء. وانتفى بهذا إيراد من قال ممن يرى الجواز مطلقا: يحتمل أن يكون رآه في الفضاء. وكونه رآه على لبنتين لا يدل على البناء لاحتمال أن يكون جلس عليهما ليرتفع بهما عن الأرض، ويرد هذا الاحتمال أيضا أن ابن عمر كان يرى المنع من الاستقبال في الفضاء إلا بساتر كما رواه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به، ولم يقصد ابن عمر الإشراف على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة وإنما صعد السطح لضرورة له كما في الرواية الآتية فحانت منه التفاتة كما في رواية للبيهقي من طريق نافع عن ابن عمر. نعم لما اتفقت له رؤيته في تلك الحالة عن غير قصد أحب أن لا يخلي ذلك من فائدة فحفظ هذا الحكم الشرعي. وكأنه إنما
(1/247)

رآه من جهة ظهره حتى ساغ له تأمل الكيفية المذكورة من غير محذور، ودل ذلك على شدة حرص الصحابي على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ليتبعها، وكذا كان رضي الله عنه. قوله: "قال" أي ابن عمر "لعلك"، الخطاب لواسع، وغلط من زعم أنه مرفوع. وقد فسر مالك المراد بقوله: "يصلون على أوراكهم " أي من يلصق بطنه بوركيه إذا سجد، وهو خلاف هيئة السجود المشروعة وهي التجافي والتجنح كما سيأتي بيانه في موضعه، وفي النهاية: وفسر بأنه يفرج ركبتيه فيصير معتمدا على وركيه. وقد استشكلت مناسبة ذكر ابن عمر لهذا مع المسألة السابقة فقيل: يحتمل أن يكون أراد بذلك أن الذي خاطبه لا يعرف السنة، إذ لو كان عارفا بها لعرف الفرق بين الفضاء وغيره، أو الفرق بين استقبال الكعبة وبيت المقدس، وإنما كنى عمن لا يعرف السنة بالذي يصلي على وركيه لأن من يفعل ذلك لا يكون إلا جاهلا بالسنة، وهذا الجواب للكرماني، ولا يخفى ما فيه من التكلف، وليس في السياق أن واسعا سأل ابن عمر عن المسألة الأولى حتى ينسبه إلى عدم معرفتها. ثم الحصر الأخير مردود، لأنه قد يسجد على وركيه من يكون عارفا بسنن الخلاء، والذي يظهر في المناسبة ما دل عليه سياق مسلم، ففي أوله عنده عن واسع قال: "كنت أصلي في المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس، فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من شقي، فقال عبد الله: يقول الناس " فذكر الحديث، فكأن ابن عمر رأى منه في حال سجوده شيئا لم يتحققه فسأله عنه بالعبارة المذكورة، وكأنه بدأ بالقصة الأولى لأنها من روايته المرفوعة المحققة عنده فقدمها على ذلك الأمر المظنون، ولا يبعد أن يكون قريب العهد بقول من نقل عنهم ما نقل فأحب أن يعرف الحكم لهذا التابعي لينقله عنه، على أنه لا يمتنع إبداء مناسبة بين هاتين المسألتين بخصوصهما وأن لإحداهما بالأخرى تعلقا بأن يقال: لعل الذي كان يسجد وهو لاصق بطنه بوركيه كان يظن امتناع استقبال القبلة بفرجه في كل حالة كما قدمنا في الكلام على مثار النهي. وأحوال الصلاة أربعة: قيام وركوع وسجود وقعود، وانضمام الفرج فيها بين الوركين ممكن إلا إذا جافى في السجود فرأى أن في الإلصاق ضما للفرج ففعله ابتداعا وتنطعا، والسنة بخلاف ذلك، والتستر بالثياب كاف في ذلك، كما أن الجدار كاف في كونه حائلا بين العورة والقبلة إن قلنا إن مثار النهي الاستقبال بالعورة، فلما حدث ابن عمر التابعي بالحكم الأول أشار له إلى الحكم الثاني منبها له على ما ظنه منه في تلك الصلاة التي رآه صلاها. وأما قول واسع " لا أدري " فدال على أنه لا شعور عنده بشيء مما ظنه به، ولهذا لم يغلظ ابن عمر له في الزجر. والله أعلم.
(1/248)

146 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْبَرَازِ
146- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْجُبْ نِسَاءَكَ فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي عِشَاءً وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً فَنَادَاهَا عُمَرُ أَلاَ قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ".
[الحديث 146- أطرافه في6240,5237,4795,147]
(1/248)

قوله: "باب خروج النساء إلى البراز" أي الفضاء كما تقدم، وهو بفتح الموحدة ثم راء وبعد الألف زاي. قال الخطابي: "أكثر الرواة يقولونه بكسر أوله، وهو غلط لأن البراز بالكسر هو المبارزة في الحرب". قلت: بل هو موجه لأنه يطلق بالكسر على نفس الخارج، قال الجوهري: البراز المبارزة في الحرب، والبراز أيضا كناية عن تفل الغذاء وهو الغائط، والبراز بالفتح الفضاء الواسع انتهى. فعلى هذا من فتح أراد الفضاء، فإن أطلقه على الخارج فهو من إطلاق اسم المحل على الحال كما تقدم مثله في الغائط، ومن كسر أراد نفس الخارج. قوله: "حدثنا يحيى بن بكير" تقدم هذا الإسناد برمته في بدء الوحي، وفيه تابعيان عروة وابن شهاب، وقرينان الليث وعقيل. قوله: "المناصع" بالنون وكسر الصاد المهملة بعدها عين مهملة جمع منصع بوزن مقعد وهي أماكن معروفة من ناحية البقيع، قال الداودي: سميت بذلك لأن الإنسان ينصع فيها أي يخلص. والظاهر أن التفسير مقول عائشة. والأفيح بالحاء المهملة المتسع. قوله: "احجب" أي امنعهن من الخروج من بيوتهن، بدليل أن عمر بعد نزول آية الحجاب قال لسودة ما قال كما سيأتي قريبا. ويحتمل أن يكون أراد أولا الأمر بستر وجوههن، فلما وقع الأمر بوفق ما أراد أحب أيضا أن يحجب أشخاصهن مبالغة في التستر فلم يجب لأجل الضرورة، وهذا أظهر الاحتمالين. وقد كان عمر يعد نزول آية الحجاب من موافقاته كما سيأتي في تفسير سورة الأحزاب، وعلى هذا فقد كان لهن في التستر عند قضاء الحاجة حالات: أولها بالظلمة لأنهن كن يخرجن بالليل دون النهار كما قالت عائشة في هذا الحديث: "كن يخرجن بالليل " وسيأتي في حديث عائشة في قصة الإفك " فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع، وهو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل " انتهى. ثم نزل الحجاب فتسترن بالثياب، لكن كانت أشخاصهن ربما تتميز، ولهذا قال عمر لسودة في المرة الثانية بعد نزول الحجاب: أما والله ما تخفين علينا. ثم اتخذت الكنف في البيوت فتسترن بها كما في حديث عائشة في قصة الإفك أيضا فإن فيها " وذلك قبل أن تتخذ الكنف"، وكان قصة الإفك قبل نزول آية الحجاب(1) كما سيأتي شرحه في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: "فأنزل الله الحجاب" وللمستملي: "آية الحجاب " زاد أبو عوانة في صحيحه من طريق الزبيدي عن ابن شهاب " فأنزل الله الحجاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية"، وسيأتي في تفسير الأحزاب أن سبب نزولها قصة زينب بنت جحش لما أولم عليها وتأخر النفر الثلاثة في البيت واستحيا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالخروج فنزلت آية الحجاب، وسيأتي أيضا حديث عمر " قلت: يا رسول الله إن نساءك يدخلن عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب"، وروى ابن جرير في تفسيره من طريق مجاهد قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم - ومعه بعض أصحابه وعائشة تأكل معهم إذ أصابت يد رجل منهم يدها، فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فنزلت آية الحجاب. وطريق الجمع بينها أن أسباب نزول الحجاب تعددت، وكانت قصة زينب آخرها للنص على قصتها في الآية، والمراد بآية الحجاب في بعضها قوله تعالى :{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ}.
147- حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَدْ أُذِنَ أَنْ تَخْرُجْنَ فِي حَاجَتِكُنَّ" قَالَ هِشَامٌ يَعْنِي الْبَرَازَ
ـــــــ
(1)سيأتي للحافظ بن حجر"في الحديث4750"قوله"وكنت قد أمليت في أوائل كتاب الوضوء"يعني هذا الموضع"أن قصة الإفك وقعت قبل نزول الحجاب. فليصلح هناك"
(1/249)

وقوله: "حدثنا زكريا" هو ابن يحيى. وسيأتي حديثه هذا في التفسير مطولا، ومحصله أن سودة خرجت بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها - وكانت عظيمة الجسم - فرآها عمر بن الخطاب فقال. يا سودة، أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين. فرجعت فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتعشى، فأوحي إليه، فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن. قال ابن بطال: فقه هذا الحديث أنه يجوز للنساء التصرف فيما لهن الحاجة إليه من مصالحهن، وفيه مراجعة الأدنى للأعلى فيما يتبين له أنه الصواب وحيث لا يقصد التعنت، وفيه منقبة لعمر، وفيه جواز كلام الرجال مع النساء في الطرق للضرورة، وجواز الإغلاظ في القول لمن يقصد الخير، وفيه جواز وعظ الرجل أمه في الدين لأن سودة من أمهات المؤمنين، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر الوحي في الأمور الشرعية، لأنه لم يأمرهن بالحجاب مع وضوح الحاجة إليه حتى نزلت الآية، وكذا في إذنه لهن بالخروج. والله أعلم.
(1/250)

14- باب التَّبَرُّزِ فِي الْبُيُوتِ
148- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ "ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ"
قوله: "باب التبرز في البيوت" عقب المصنف بهذه الترجمة ليشير إلى أن خروج النساء للبراز لم يستمر، بل اتخذت بعد ذلك الأخلية في البيوت فاستغنين عن الخروج إلا للضرورة. قوله: "عبيد الله" أي ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو تابعي صغير من فقهاء أهل المدينة وإثباتهم، والإسناد كله مدنيون.
149- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ أَنَّ عَمَّهُ وَاسِعَ بْنَ حَبَّانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ قَالَ: "لَقَدْ ظَهَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ"
قوله: "حدثنا يعقوب بن إبراهيم" و الدورقي، ويزيد هو ابن هارون كما لأبي ذر والأصيلي، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري الذي روى مالك عنه هذا الحديث كما تقدم. ولم يقع في رواية يحيى " مستدبر القبلة " أي الكعبة كما في رواية عبيد الله بن عمر لأن ذلك من لازم من استقبل الشام بالمدينة، وإنما ذكرت في رواية عبيد الله للتأكيد والتصريح به، والتعبير تارة بالشام وتارة ببيت المقدس بالمعنى لأنهما في جهة واحدة.
(1/250)

15 - باب الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ
150- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ وَاسْمُهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَجِيءُ أَنَا وَغُلاَمٌ مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ يَعْنِي يَسْتَنْجِي بِهِ
[الحديث150- أطرافه في:500,217,152,151]
(1/250)

16 - باب مَنْ حُمِلَ مَعَهُ الْمَاءُ لِطُهُورِهِ
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالطَّهُورِ وَالْوِسَادِ
151- حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن أبي معاذ- هو عطاء بن أبي ميمونة- قال سمعت أنسا يقول:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعته انا وغلام منا معنا إداوة من ماء"
قوله: "باب من حمل معه الماء لطهوره" هو بالضم أي ليتطهر به. قوله: "وقال أبو الدرداء أليس فيكم" هذا الخطاب لعلقمة بن قيس، والمراد بصاحب النعلين وما ذكر معهما عبد الله بن مسعود لأنه كان يتولى خدمة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وصاحب النعلين في الحقيقة هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل لابن مسعود صاحب النعلين مجازا لكونه كان
(1/251)

يحملهما، وسيأتي الحديث المذكور موصولا عند المصنف في المناقب إن شاء الله تعالى. وإيراد المصنف لحديث أنس مع هذا الطرف من حديث أبي الدرداء يشعر إشعارا قويا بأن الغلام المذكور من حديث أنس هو ابن مسعود، وقد قدمنا أن لفظ الغلام يطلق على غير الصغير مجازا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لابن مسعود بمكة وهو يرعى الغنم " إنك لغلام معلم " وعلى هذا فقول أنس " وغلام منا " أي من الصحابة أو من خدم النبي صلى الله عليه وسلم. وأما رواية الإسماعيلي التي فيها " من الأنصار " فلعلها من تصرف الراوي حيث رأى في الرواية: "منا " فحملها على القبلية فرواها بالمعنى فقال من الأنصار، أو إطلاق الأنصار على جميع الصحابة سائغ وإن كان العرف خصه بالأوس والخزرج، وروى أبو داود من حديث أبي هريرة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في ركوة فاستنجى " فيحتمل أن يفسر به الغلام المذكور في حديث أنس، ويؤيده ما رواه المصنف في ذكر الجن من حديث أبي هريرة أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم الإداوة لوضوئه وحاجته، وأيضا فإن في رواية أخرى لمسلم أن أنسا وصفه بالصغر في ذلك الحديث، فيبعد لذلك أن يكون هو ابن مسعود والله أعلم، ويكون المراد بقوله أصغرنا أي في الحال لقرب عهده بالإسلام. وعند مسلم في حديث جابر الطويل الذي في آخر الكتاب أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق لحاجته فاتبعه جابر بإداوة، فيحتمل أن يفسر به المبهم، لا سيما وهو أنصاري. ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن شعبة " فأتبعه وأنا غلام " بتقديم الواو فتكون حالية، لكن تعقبه الإسماعيلي بأن الصحيح " أنا وغلام " أي بواو العطف.
(1/252)

17 - باب حَمْلِ الْعَنَزَةِ مَعَ الْمَاءِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ
125- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلاَءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلاَمٌ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ تَابَعَهُ النَّضْرُ وَشَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ الْعَنَزَةُ عَصًا عَلَيْهِ زُجٌّ".
قوله: "باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء" العنزة بفتح النون عصا أقصر من الرمح لها سنان، وقيل هي الحربة القصيرة. ووقع في رواية كريمة في آخر حديث هذا الباب: العنزة عصا عليها زج بزاي مضمومة ثم جيم مشددة أي سنان، وفي الطبقات لابن سعد أن النجاشي كان أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يؤيد كونها كانت على صفة الحربة لأنها من آلات الحبشة كما سيأتي في العيدين إن شاء الله تعالى". قوله: "سمع أنس بن مالك" أي " أنه سمع " ولفظة " أنه " تحذف في الخط عرفا. قوله: "يدخل الخلاء" المراد به هنا الفضاء لقوله في الرواية الأخرى " كان إذا خرج لحاجته " ولقرينة حمل العنزة مع الماء فإن الصلاة إليها إنما تكون حيث لا سترة غيرها. وأيضا فإن الأخلية التي في البيوت كان خدمته فيها متعلقة بأهله. وفهم بعضهم من تبويب البخاري أنها كانت تحمل ليستتر بها عند قضاء الحاجة، وفيه نظر لأن ضابط السترة في هذا ما يستر الأسافل والعنزة ليست كذلك. نعم يحتمل أن يركزها أمامه ويضع عليها الثوب الساتر، أو يركزها بجنبه لتكون إشارة إلى منع من يروم المرور بقربه، أو تحمل لنبش الأرض الصلبة. أو لمنع ما يعرض من هوام الأرض، لكونه صلى الله عليه وسلم كان يبعد عند قضاء الحاجة، أو تحمل لأنه كان إذا استنجى توضأ، وإذا توضأ صلى، وهذا أظهر الأوجه، وسيأتي التبويب على العنزة في سترة المصلي في الصلاة. واستدل
(1/252)

البخاري بهذا الحديث على غسل البول كما سيأتي. وفيه جواز استخدام الأحرار - خصوصا إذا أرصدوا لذلك - ليحصل لهم التمرن على التواضع. وفيه أن في خدمة العالم شرفا للمتعلم، لكون أبي الدرداء مدح ابن مسعود بذلك. وفيه حجة على ابن حبيب حيث منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم لأن ماء المدينة كان عذبا. واستدل به بعضهم على استحباب التوضؤ من الأواني دون الأنهار والبرك، ولا يستقيم إلا لو كان النبي صلى الله عليه وسلم وجد الأنهار والبرك فعدل عنها إلى الأواني. قوله: "تابعه النضر" أي ابن شميل، تابع محمد بن جعفر، وحديثه موصول عند النسائي. قوله: "وشاذان" أي الأسود بن عامر وحديثه عند المصنف في الصلاة ولفظه: "ومعنا عكازة أو عصا أو عنزة " والظاهر أن " أو " شك من الراوي لتوافق الروايات على ذكر العنزة والله أعلم. وجميع الرواة المذكورين في هذه الأبواب الثلاثة بصريون.
(1/253)

18 - باب النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ
153- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ وَإِذَا أَتَى الْخَلاَءَ فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ"
[الحديث 152 طرفاه في:5630,154]
قوله: "باب النهي عن الاستنجاء باليمين" أي باليد اليمنى، وعبر بالنهي إشارة إلى أنه لم يظهر له هل هو للتحريم أو للتنزيه أو أن القرينة الصارفة للنهي عن التحريم لم تظهر له، وهي أن ذلك أدب من الآداب. وبكونه للتنزيه قاله الجمهور، وذهب أهل الظاهر إلى أنه للتحريم، وفي كلام جماعة من الشافعية ما يشعر به، لكن قال النووي. مراد من قال منهم لا يجوز الاستنجاء باليمين أي لا يكون مباحا يستوي طرفاه، بل هو مكروه راجح الترك، ومع القول بالتحريم فمن فعله أساء وأجزأه. وقال أهل الظاهر وبعض الحنابلة: لا يجزئ، ومحل هذا الاختلاف حيث كانت اليد تباشر ذلك بآلة غيرها كالماء وغيره، أما بغير آية فحرام غير مجزئ بلا خلاف، واليسرى في ذلك كاليمنى والله أعلم. قوله: "حدثنا معاذ بن فضالة" بفتح الفاء والضاد المعجمة، وهو بصري من قدماء شيوخ البخاري. قوله: "هو الدستوائي" أي ابن أبي عبد الله لا ابن حسان، وهما بصريان ثقتان مشهوران من طبقة واحدة. قوله: "عن أبيه" أي أبي قتادة الحارث وقيل عمرو وقيل النعمان الأنصاري، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول مشاهده أحد ومات سنة أربع وخمسين على الصحيح فيهما. قوله: "فلا يتنفس" بالجزم و " لا " ناهية في الثلاثة، وروي بالضم فيها على أن لا نافية. قوله: "في الإناء" أي داخله، وأما إذا أبانه وتنفس فهي السنة كما سيأتي في حديث أنس في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى. وهذا النهي للتأدب لإرادة المبالغة في النظافة، إذ قد يخرج مع النفس بصاق أو مخاط أو بخار رديء فيكسبه رائحة كريهة فيتقذر بها هو أو غيره عن شربه. قوله: "وإذا أتى الخلاء" أي فبال كما فسرته الرواية التي بعدها. قوله: "ولا يتمسح بيمينه" أي لا يستنج. وقد أثار الخطابي هنا بحثا وبالغ في التبجح به وحكى عن أبي علي بن أبي هريرة أنه ناظر رجلا من الفقهاء الخراسانيين فسأله عن هذه المسألة فأعياه جوابها، ثم أجاب الخطابي عنه بجواب فيه نظر، ومحصل الإيراد أن المستجمر متى استجمر بيساره
(1/253)

استلزم مس ذكره بيمينه، ومتى أمسكه بيساره استلزم استجماره بيمينه وكلاهما قد شمله النهي، ومحصل الجواب أنه يقصد الأشياء الضخمة التي لا تزول بالحركة كالجدار ونحوه من الأشياء البارزة فيستجمر بها بيساره، فإن لم يجد فليلصق مقعدته بالأرض ويمسك ما يستجمر به بين عقبيه أو إبهامي رجليه ويستجمر بيساره فلا يكون متصرفا في شيء من ذلك بيمينه انتهى. وهذه هيئة منكرة بل يتعذر فعلها في غالب الأوقات، وقد تعقبه الطيبي بأن النهي عن الاستجمار باليمين مختص بالدبر، والنهي عن المس مختص بالذكر فبطل الإيراد من أصله، كذا قال. وما ادعاه من تخصيص الاستنجاء بالدبر مردود، والمس وإن كان مختصا بالذكر لكن يلحق به الدبر قياسا، والتنصيص على الذكر لا مفهوم له بل فرج المرأة كذلك، وإنما خص الذكر بالذكر لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون والنساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما خص. والصواب في الصورة التي أوردها الخطابي ما قاله إمام الحرمين ومن بعده كالغزالي في الوسيط والبغوي في التهذيب أنه يمر العضو بيساره على شيء يمسكه بيمينه وهي قارة غير متحركة فلا يعد مستجمرا باليمين ولا ماسا بها، ومن ادعى أنه في هذه الحالة يكون مستجمرا بيمينه فقد غلط، وإنما هو كمن صب بيمينه الماء على يساره حال الاستنجاء.
(1/254)

باب لايمسك ذكره بيمينه إذا بال
...
19 - باب لاَ يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ إِذَا بَالَ
154- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلاَ يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ وَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ"
قوله: "باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال" أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحا. وقال بعض العلماء: يكون ممنوعا أيضا من باب الأولى لأنه نهي عن ذلك مع مظنة الحاجة في تلك الحالة. وتعقبه أبو محمد بن أبي جمرة بأن مظنة الحاجة لا تختص بحالة الاستنجاء، وإنما خص النهي بحالة البول من جهة أن مجاور الشيء يعطي حكمه، فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته حسما للمادة. ثم استدل على الإباحة بقوله صلى الله عليه وسلم لطلق بن علي حين سأله عن مس ذكره: "إنما هو بضعة منك " فدل على الجواز في كل حال، فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح وبقي ما عداها على الإباحة. انتهى. والحديث الذي أشار إليه صحيح أو حسن، وقد يقال حمل المطلق على المقيد غير متفق عليه بين العلماء، ومن قال به يشترط فيه شروطا، لكن نبه ابن دقيق العيد على أن محل الاختلاف إنما هو حيث تتغاير مخارج الحديث بحيث يعد حديثين مختلفين، فأما إذا اتحد المخرج وكان الاختلاف فيه من بعض الرواة فينبغي حمل المطلق على المقيد بلا خلاف، لأن التقييد حينئذ يكون زيادة من عدل فتقبل. قوله: "حدثنا محمد بن يوسف" هو الفريابي، وقد صرح ابن خزيمة في روايته بسماع يحيى له من عبد الله بن أبي قتادة، وصرح ابن المنذر في الأوسط بالتحديث في جميع الإسناد، أورده من طريق بشر بن بكر عن الأوزاعي فحصل الأمن من محذور التدليس. قوله: "فلا يأخذن" كذا لأبي ذر بنون التأكيد ولغيره بدونها، وهو مطابق لقوله في الترجمة " لا يمسك " وكذا في مسلم التعبير بالمسك
(1/254)

من رواية همام عن يحيى، ووقع في رواية الإسماعيلي: "لا يمس " فاعترض على ترجمة البخاري بأن المس أعم من المسك، يعني فكيف يستبدل بالأعم على الأخص؟ ولا إيراد على البخاري من هذه الحيثية لما بيناه. واستنبط منه بعضهم منع الاستنجاء باليد التي فيها الخاتم المنقوش فيه اسم الله تعالى لكون النهي عن ذلك لتشريف اليمين فيكون ذلك من باب الأولى، وما وقع في العتبية عن مالك من عدم الكراهة قد أنكره حذاق أصحابه، وقيل: الحكمة في النهي لكون اليمين معدة للأكل بها فلو تعاطى ذلك بها لأمكن أن يتذكره عند الأكل فيتأذى بذلك. والله أعلم. قوله: "ولا يتنفس في الإناء" جملة خبرية مستقلة إن كانت لا نافية، وإن كانت ناهية فمعطوفة، لكن لا يلزم من كون المعطوف عليه مقيدا بقيد أن يكون المعطوف مقيدا به، لأن التنفس لا يتعلق بحالة البول وإنما هو حكم مستقل. ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكرها هنا أن الغالب من أخلاق المؤمنين التأسي بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان إذا بال توضأ. وثبت أنه شرب فضل وضوئه، فالمؤمن بصدد أن يفعل ذلك، فعلمه أدب الشرب مطلقا لاستحضاره، والتنفس في الإناء مختص بحالة الشرب كما دل عليه سياق الرواية التي قبله. وللحاكم من حديث أبي هريرة " لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه " والله أعلم.
(1/255)

20 - باب الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ
155- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ "اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَكَانَ لاَ يَلْتَفِتُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقَالَ "ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا أَوْ نَحْوَهُ وَلاَ تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلاَ رَوْثٍ" فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ بِطَرَفِ ثِيَابِي فَوَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ وَأَعْرَضْتُ عَنْهُ فَلَمَّا قَضَى أَتْبَعَهُ بِهِنَّ"
[الحديث155- طرفه في: 3860]
قوله: "باب الاستنجاء: بالحجارة" أراد بهذه الترجمة الرد على من زعم أن الاستنجاء مختص بالماء. والدلالة على ذلك من قوله: "أستنفض " فإن معناه استنجي كما سيأتي. قوله: "حدثنا أحمد بن محمد المكي" هو أبو الوليد الأزرقي جد أبي الوليد محمد بن عبد الله صاحب تاريخ مكة، وفي طبقته أحمد بن محمد المكي أيضا لكن كنيته أبو محمد واسم جده عون ويعرف بالقواس. وقد وهم من زعم أن البخاري روى عنه، وإنما روى عن أبي الوليد، ووهم أيضا من جعلهما واحدا. قوله: "عن جده" عني سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي، وعمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق الذي ولي إمرة المدينة وكان يجهز البعوث إلى مكة كما تقدم في حديث أبي شريح الخزاعي، وكان عمرو هذا قد تغلب على دمشق في زمن عبد الملك بن مروان، فقتله عبد الملك وسير أولاده إلى المدينة، وسكن ولده مكة لما ظهرت دولة بني العباس فاستمروا بها، ففي الإسناد مكيان ومدنيان. قوله: "اتبعت" تشديد التاء المثناة، أي سرت وراءه، والواو في قوله: "وخرج " حالية وفي قوله: "وكان " استئنافية. وفي رواية أبي ذر فكان بالفاء. قوله: "فدنوت منه" زاد الإسماعيلي: "أستأنس وأتنحنح، فقال: من هذا؟ فقلت: أبو هريرة". قوله: "ابغني" بالوصل من الثلاثي أي أطلب لي، يقال بغيتك الشيء أي طلبته لك. وفي رواية بالقطع أي أعني
(1/255)

على الطلب، يقال أبغيتك الشيء أي أعنتك على طلبه، والوصل أليق بالسياق، ويؤيده رواية الإسماعيلي ائتني. قوله: "أستنفض" بفاء مكسورة وضاد معجمة مجزوم لأنه جواب الأمر، ويجوز الرفع على الاستئناف، قال القزاز: قوله أستنفض أستفعل من النفض وهو أن تهز الشيء ليطير غباره، قال: وهذا موضع استنظف، أي بتقديم الظاء المشالة على الفاء، ولكن كذا روي. انتهى. والذي وقع في الرواية صواب ففي القاموس استنفضه استخرجه، وبالحجر استنجى، وهو مأخوذ من كلام المطرزي قال: الاستنفاض الاستخراج، ويكنى به عن الاستنجاء، ومن رواه بالقاف والصاد المهملة فقد صحف. انتهى.
ووقع في رواية الإسماعيلي: "استنجى " بدل أستنفض وكأنها المراد بقوله في روايتنا أو نحوه، ويكون التردد من بعض رواته. قوله: "ولا تأتني" كأنه صلى الله عليه وسلم خشي أن يفهم أبو هريرة من قوله استنجي أن كل ما يزيل الأثر وينقي كاف ولا اختصاص لذلك بالأحجار، فنبهه باقتصاره في النهي على العظم والروث على أن ما سواهما يجزئ، ولو كان ذلك مختصا بالأحجار - كما يقوله بعض الحنابلة والظاهرية - لم يكن لتخصيص هذين بالنهي معنى، وإنما خص الأحجار بالذكر لكثرة وجودها، وزاد المصنف في المبعث في هذا الحديث أن أبا هريرة قال له صلى الله عليه وسلم لما فرغ " ما بال العظم والروث؟ قال: "هما من طعام الجن " والظاهر من هذا التعليل اختصاص المنع بهما. نعم يلتحق بهما جميع المطعومات التي للآدميين قياسا من باب الأولى، وكذا المحترمات كأوراق كتب العلم. ومن قال علة النهي عن الروث كونه نجسا ألحق به كل نجس متنجس، وعن العظم كونه لزجا فلا يزيل إزالة تامة ألحق به ما في معناه كالزجاج الأملس. ويؤيده ما رواه الدارقطني وصححه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بروث أو بعظم وقال: "إنهما لا يطهران " وفي هذا رد على من زعم أن الاستنجاء بهما يجزئ وإن كان منهيا عنه، وسيأتي في كتاب المبعث بيان قصة وفد الجن وأي وقت كانت إن شاء الله تعالى. قوله: "وأعرضت" كذا في أكثر الروايات، وللكشميهني: "واعترضت " بزيادة مثناة بعد العين والمعنى متقارب. قوله: "فلما قضى" أي حاجته "أتبعه" بهمزة قطع أي ألحقه، وكني بذلك عن الاستنجاء. وفي الحديث جواز اتباع السادات وإن لم يأمروا بذلك، واستخدام الإمام بعض رعيته، والإعراض عن قاضي الحاجة، والإعانة على إحضار ما يستنجى به وإعداده عنده لئلا يحتاج إلى طلبها بعد الفراغ فلا يأمن التلوث. والله تعالى أعلم.
(1/256)

21 - باب لاَ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ
156 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ "أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ "هَذَا رِكْسٌ" . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ
قوله: "باب" بالتنوين "لا يستنجى" بضم أوله.قوله: "زهير" هو ابن معاوية الجعفي الكوفي. والإسناد كله كوفيون، وأبو إسحاق هو السبيعي وهو تابعي وكذا شيخه عبد الرحمن وأبوه الأسود. قوله: "ليس أبو عبيدة"
(1/256)

أي ابن عبد الله بن مسعود. وقوله: "ذكره" أي لي. "ولكن عبد الرحمن بن الأسود" أي هو الذي ذكره لي بدليل قوله في الرواية الآتية المعلقة حدثني عبد الرحمن، وإنما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة إلى الرواية عن عبد الرحمن - مع أن رواية أبي عبيدة أعلى له - لكون أبي عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح فتكون منقطعة بخلاف رواية عبد الرحمن فإنها موصولة، ورواية أبي إسحاق لهذا الحديث عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عند الترمذي وغيره من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق، فمراد أبي إسحاق هنا بقوله: "ليس أبو عبيدة ذكره " أي لست أرويه الآن عن أبي عبيدة وإنما أرويه عن عبد الرحمن. قوله: "عن أبيه" هو الأسود بن يزيد النخعي صاحب ابن مسعود. وقال ابن التين: هو الأسود ابن عبد يغوث الزهري، وهو غلط فاحش فإن الأسود الزهري لم يسلم فضلا عن أن يعيش حتى يروى عن عبد الله بن مسعود. قوله: "أتى الغائط" أي الأرض المطمئنة لقضاء الحاجة. قوله: "فلم أجد" وللكشميهني فلم أجده أي الحجر الثالث. قوله: "بثلاثة أحجار" فيه العمل بما دل عليه النهي في حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يستنج أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار " رواه مسلم، وأخذ بهذا الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاث مراعاة الإنقاء إذا لم يحصل بها فيزاد حتى ينقى، ويستحب حينئذ الإيتار لقوله: "ومن استجمر فليوتر" ، وليس بواجب لزيادة في أبي داود حسنة الإسناد قال: "ومن لا فلا حرج"، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب. قال الخطابي: لو كان القصد الإنقاء فقط لخلا اشتراط العدد عن الفائدة، فلما اشترط العدد لفظا وعلم الإنقاء فيه معنى دل على إيجاب الأمرين. ونطيره العدة بالأقراء فإن العدد مشترط ولو تحققت براءة الرحم بقرء واحد. قوله: "فأخذت روثة" زاد ابن خزيمة في رواية له في هذا الحديث أنها كانت روثه حمار، ونقل التيمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير. قوله: "وألقى الروثة" استدل به الطحاوي على عدم اشتراط الثلاثة قال: لأنه لو كان مشترطا لطلب ثالثا، كذا قال، وغفل رحمه الله عما أخرجه أحمد في مسنده من طريق معمر عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود في هذا الحديث فإن فيه: "فألقى الروثة وقال: إنها ركس، ائتني بحجر " ورجاله ثقات أثبات. وقد تابع عليه معمر أبو شعبة الواسطي وهو ضعيف أخرجه الدارقطني، وتابعهما عمار بن رزيق أحد الثقات عن أبي إسحاق، وقد قيل إن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة لكن أثبت سماعه لهذا الحديث منه الكرابيسي، وعلى تقدير أن يكون أرسله عنه فالمرسل حجة عند المخالفين وعندنا أيضا إذا اعتضد، واستدلال الطحاوي فيه نظر بعد ذلك لاحتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثة فلم يجدد الأمر بطلب الثالث، أو اكتفى بطرف أحدهما عن الثالث لأن المقصود بالثلاثة أن يمسح بها ثلاث مسحات وذلك حاصل ولو بواحد، والدليل على صحته أنه لو مسح بطرف واحد ورماه ثم جاء شخص آخر فمسح بطرفه الآخر لأجزأهما بلا خلاف وقال أبو الحسن بن القصار المالكي: روى أنه أتاه بثالث، لكن لا يصح، ولو صح فالاستدلال به لمن لا يشترط الثلاثة قائم لأنه اقتصر في الموضعين على ثلاثة فحصل لكل منهما أقل من ثلاثة. انتهى. وفيه نظر أيضا لأن الزيادة ثابتة كما قدمناه، وكأنه إنما وقف على الطريق التي عند الدارقطني فقط. ثم يحتمل أن يكون لم يخرج منه شيء إلا من سبيل واحد. وعلى تقدير أن يكون خرج منهما فيحتمل أن يكون اكتفى للقبل بالمسح في الأرض وللدبر بالثلاثة، أو مسح من كل منهما بطرفين. وأما استدلالهم على عدم الاشتراط للعدد بالقياس على مسح الرأس ففاسد الاعتبار، لأنه في مقابلة النص الصريح كما قدمناه من حديث أبي هريرة وسلمان
(1/257)

والله أعلم. قوله: "هذا ركس" كذا وقع هنا بكسر الراء وإسكان الكاف فقيل: هي لغة في رجس بالجيم، ويدل عليه رواية ابن ماجه وابن خزيمة في هذا الحديث فإنها عندهما بالجيم، وقيل الركس الرجيع رد من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة. قاله الخطابي وغيره. والأولى أن يقال رد من حالة الطعام إلى حالة الروث. وقال ابن بطال لم أر هذا الحرف في اللغة، يعني الركس بالكاف. وتعقبه أبو عبد الملك بأن معناه الرد كما قال تعالى :{أُرْكِسُوا فِيهَا} أي ردوا، فكأنه قال: هذا رد عليك. انتهى. ولو ثبت ما قال لكان بفتح الراء يقال ركسه ركسا إذا رده. وفي رواية الترمذي: هذا ركس يعني نجسا، وهذا يؤيد الأول. وأغرب النسائي فقال عقب هذا الحديث: الركس طعام الجن، وهذا إن ثبت في اللغة فهو مريح من الإشكال. قوله: "وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه" يعني يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق وهو جده قال: حدثني عبد الرحمن يعني ابن الأسود بن يزيد بالإسناد المذكور أولا، وأراد البخاري بهذا التعليق الرد على من زعم أن أبا إسحاق دلس هذا الخبر كما حكى ذلك عن سليمان الشاذكوني حيث قال: لم يسمع في التدليس بأخفى من هذا. قال: "ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن " ولم يقل ذكره لي. انتهى. وقد استدل الإسماعيلي أيضا على صحة سماع أبي إسحاق لهذا الحديث من عبد الرحمن بكون يحيى القطان رواه عن زهير فقال بعد أن أخرجه من طريقه: والقطان لا يرضى أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لأبي إسحاق، وكأنه عرف ذلك بالاستقراء من صنيع القطان أو بالتصريح من قوله فانزاحت عن هذه الطريق علة التدليس. وقد أعله قوم بالاضطراب وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على أبي إسحاق في كتاب العلل واستوفيته في مقدمة الشرح الكبير، لكن رواية زهير هذه ترجحت عند البخاري بمتابعة يوسف حفيد أبي إسحاق وتابعهما شريك القاضي وزكريا بن أبي زائدة وغيرهما، وتابع أبا إسحاق على روايته عن عبد الرحمن المذكور ليث بن أبي سليم وحديثه يستشهد به أخرجه ابن أبي شيبة. ومما يرجحها أيضا استحضار أبي إسحاق لطريق أبي عبيدة وعدوله عنها بخلاف رواية إسرائيل عنه عن أبي عبيدة فإنه لم يتعرض فيها لرواية عبد الرحمن كما أخرجه الترمذي وغيره، فلما اختار في رواية زهير طريق عبد الرحمن على طريق أبو عبيدة دل على أنه عارف بالطريقين وأن رواية عبد الرحمن عنده أرجح والله أعلم.
(1/258)

22 - باب الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً
157- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً"
قوله: "باب الوضوء مرة مرة" أي لكل عضو، والحديث المذكور في الباب مجمل، وقد تقدم بيانه في باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة.سفيان هو الثوري، والراوي عنه الفريابي لا البيكندي، وصرح أبو داود والإسماعيلي في روايتهما بسماع سفيان له من زيد بن أسلم.
(1/258)

23 - باب الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ
158- حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ".
(1/258)

24 - باب الْوُضُوءِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا
159- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه"
[الحديث 159- أطرافه في:6433,1934,164,160]
قوله"باب الوضوء ثلاثا ثلاثا" أي لكل عضو. قوله: "عطاء بن يزيد" و الليثي المدني. والإسناد كله مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين: حمران وهو بضم المهملة ابن أبان، وعطاء، وابن شهاب. وفي الإسناد الذي يليه أربعة من التابعين: حمران وعروة ومما قرينان، وابن شهاب وصالح بن كيسان وهما قرينان أيضا. قوله: "دعا بإناء" وفي رواية شعيب الآتية قريبا " دعا بوضوء"، وكذا لمسلم من طريق يونس، وهو بفتح الواو اسم للماء المعد للوضوء وبالضم الذي هو الفعل، وفيه الاستعانة على إحضار ما يتوضأ به. قوله: "فأفرغ" أي صب. قوله: "على كفيه ثلاث مرارا" كذا لأبي ذر وأبي الوقت، وللأصيلي وكريمة مرات بمثناة آخره، وفيه غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ولو لم يكن عقب نوم احتياطا. قوله: "ثم أدخل يمينه" يه الاغتراف باليمين. واستدل به بعضهم على عدم اشتراط نية الاغتراف، ولا دلالة فيه نفيا ولا إثباتا. قوله: "فمضمض واستنثر" وللكشميهني: "واستنشق " بدل واستنثر، والأول أعم، وثبتت الثلاثة في رواية شعيب الآتية في باب المضمضة، ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييد ذلك بعدد. نعم ذكره ابن المنذر من طريق يونس عن الزهري وكذا ذكره أبو داود من وجهين آخرين عن عثمان واتفقت الروايات على تقديم المضمضة. قوله: "ثم غسل وجهه" فيه تأخيره عن المضمضة
(1/259)

والاستنشاق، وقد ذكروا أن حكمة ذلك اعتبار أوصاف الماء، لأن اللون يدرك بالبصر والطعم يدرك بالفم والريح يدرك بالأنف فقدمت المضمضة والاستنشاق وهما مسنونان قبل الوجه وهو مفروض، احتياطا للعبادة. وسيأتي ذكر حكمة الاستنثار في الباب الذي يليه. قوله: "ويديه إلى المرفقين" أي كل واحدة كما بينه المصنف في رواية معمر عن الزهري في الصوم، وكذا لمسلم من طريق يونس وفيها تقديم اليمنى على اليسرى والتعبير في كل منهما بثم وكذا القول في الرجلين أيضا قوله: "ثم مسح برأسه" هو بحذف الباء في الروايتين المذكورتين، وليس في شيء من طرقه في الصحيحين ذكر عدد المسح، وبه قال أكثر العلماء. وقال الشافعي: يستحب التثليث في المسح كما في الغسل، واستدل له بظاهر رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، وأجيب بأنه مجمل تبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب أو يختص بالمغسول، قال أبو داود في السنن: "أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة؛" وكذا قال ابن المنذر "إن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح مرة واحدة"، وبأن المسح مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ، وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل، إذ حقيقة الغسل جريان الماء. والدلك ليس بمشترط على الصحيح عند أكثر العلماء. وبالغ أبو عبيدة فقال: "لا نعلم أحدا من السلف استحب تثليث مسح الرأس إلا إبراهيم التيمي"، وفيما قال نظر، فقد نقله ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس وعطاء وغيرهما، وقد روى أبو داود من وجهين صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره في حديث عثمان تثليث مسح الرأس، والزيادة من الثقة مقبولة. قوله: "نحو وضوئي هذا" قال النووي: إنما لم يقل " مثل " لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره. قلت: لكن ثبت التعبير بها في رواية المصنف في الرقاق من طريق معاذ بن عبد الرحمن عن حمران عن عثمان ولفظه: "من توضأ مثل هذا الوضوء " وله في الصيام من رواية معمر " من توضأ وضوئي هذا"، ولمسلم من طريق زيد بن أسلم عن حمران " توضأ مثل وضوئي هذا " وعلى هذا فالتعبير بنحو من تصرف الرواة لأنها تطلق على المثلية مجازا، لأن " مثل " وإن كانت تقتضي المساواة ظاهرا لكنها تطلق على الغالب، فبهذا تلتئم الروايتان ويكون المتروك بحيث لا يخل بالمقصود. والله تعالى علم. قوله: "ثم صلى ركعتين" فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء، ويأتي فيهما ما يأتي في تحية المسجد. قوله: "لا يحدث فيهما نفسه" المراد به ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء قطعه يقتضي تكسبا منه، فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو عنه. ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن المراد من لم يحصل له حديث النفس أصلا ورأسا، ويشهد له ما أخرجه ابن المبارك في الزهد بلفظ لم يسر فيهما. ورده النووي فقال: الصواب حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة. نعم من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلا أعلى درجة بلا ريب. ثم إن تلك الخواطر منها ما يتعلق بالدنيا والمراد دفعه مطلقا، ووقع في رواية للحكيم الترمذي في هذا الحديث: "لا يحدث نفسه بشيء من الدنيا". وهي في الزهد لابن المبارك أيضا والمصنف لابن أبي شيبة، ومنها ما يتعلق بالآخرة فإن كان أجنبيا أشبه أحوال الدنيا، وإن كان من متعلقات تلك الصلاة فلا، وسيأتي بقية مباحث ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. قوله: "من ذنبه" ظاهره يعم الكبائر والصغائر لكن العلماء خصوه بالصغائر لوروده مقيدا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية، وهو
ـــــــ
(1) لكنها رواية شاذة فلا يعتمد عليها كما تقدم في كلام أبي داود رحمه الله
(1/260)

في حق من له كبائر وصغائر، فمن ليس له إلا صغائر كفرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزداد في حسناته بنظير ذلك. وفي الحديث التعليم بالفعل لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم، والترتيب في أعضاء الوضوء للإتيان في جميعها بثم، والترغيب في الإخلاص، وتحذير من لها في صلاته بالتفكير في أمور الدنيا من عدم القبول، ولا سيما أن كان في العزم على عمل معصية فإنه يحضر المرء في حال صلاته ما هو مشغوف به أكثر من خارجها. ووقع في رواية المصنف في الرقاق في آخر هذا الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تغتروا " أي فتستكثروا من الأعمال السيئة بناء على أن الصلاة تكفرها، فإن الصلاة التي تكفر بها الخطايا هي التي يقبلها الله، وأني للعبد بالاطلاع على ذلك.
ِ160- وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَكِنْ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ عَنْ حُمْرَانَ فَلَمَّا تَوَضَّأَ عُثْمَانُ قَالَ: "أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا لَوْلاَ آيَةٌ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "لاَ يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ وَيُصَلِّي الصَّلاَةَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا"
قَالَ عُرْوَةُ الْآيَةَ {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ} [159البقرة]
قوله: "وعن إبراهيم" أي ابن سعد، وهو معطوف على قوله: "حدثني إبراهيم بن سعد " وزعم مغلطاي وغيره أنه معلق، وليس كذلك، فقد أخرجه مسلم والإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بالإسنادين معا، وإذا كانا جميعا عند يعقوب فلا مانع أن يكونا عند الأويسي. ثم وجدت الحديث الثاني عند أبي عوانة في صحيحه - من حديث الأويسي المذكور - فصح ما قلته بحمد الله تعالى، وقد أوضحت ذلك في تعليق التعليق. قوله: "ولكن عروة يحدث" يعني أن شيخي ابن شهاب اختلفا في روايتهما له عن حمران عن عثمان، فحدثه به عطاء على صفة وعروة على صفة، وليس ذلك اختلافا وإنما هما حديثان متغايران، وقد رواهما معاذ بن عبد الرحمن فأخرج البخاري من طريقه نحو سياق عطاء، ومسلم من طريقه نحو سياق عروة، وأخرجه أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه. قوله: "لولا آية" زاد مسلم: "في كتاب الله " ولأجل هذه الزيادة صحف بعض رواته آية فجعلها " أنه " بالنون المشددة وبهاء الشان. قوله: "ويصلي الصلاة" أي المكتوبة. وفي رواية لمسلم: "فيصلي هذه الصلوات الخمس". قوله: "وبين الصلاة" أي التي تليها كما صرح به مسلم في رواية هشام بن عروة. قوله: "حتى يصليها" أي يشرع في الصلاة الثانية. قوله: "قال عروة: الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا} يعني الآية التي في البقرة إلى قوله :{اللَّاعِنُونَ} كما صرح به مسلم، ومراد عثمان رضي الله عنه أن هذه الآية تحرض على التبليغ، وهي وإن نزلت في أهل الكتاب لكن العبرة بعموم اللفظ، وقد تقدم نحو ذلك لأبي هريرة في كتاب العلم، وإنما كان عثمان يرى ترك تبليغهم ذلك لولا الآية المذكورة خشية عليهم من الاغترار والله أعلم. وقد روى مالك هذا الحديث في الموطأ عن هشام بن عروة، ولم يقع في روايته تعيين الآية فقال من قبل نفسه: أراه يريد {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. انتهى. وما ذكره عروة راوي الحديث بالجزم أولى. والله أعلم.
(1/261)

25 - باب الِاسْتِنْثَارِ فِي الْوُضُوءِ
ذَكَرَهُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
161- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ "مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ"
[الحديث161- طرفه في:162]
قوله: "باب الاستنثار" هو استفعال من النثر بالنون والمثلثة وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضئ - أي يجذبه بريح أنفه - لتنظيف ما في داخله فيخرج بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا. وحكى عن مالك كراهية فعله بغير اليد لكونه يشبه فعل الدابة، والمشهور عدم الكراهة. وإذا استنثر بيده فالمستحب أن يكون اليسرى، بوب عليه النسائي وأخرجه مقيدا بها من حديث علي. قوله: "ذكره" أي روى الاستنثار "عثمان" وقد تقدم حديثه، "وعبد الله بن زيد" وسيأتي حديثه. قوله: "وابن عباس" تقدم حديثه في صفة الوضوء في باب غسل الوجه من غرفة وليس فيه ذكر الاستنثار، وكأن المصنف أشار بذلك إلى ما رواه أحمد وأبو داود والحاكم من حديثه مرفوعا: "استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا"، ولأبي داود الطيالسي " إذا توضأ أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثا " وإسناده حسن. قوله: "أبو إدريس" هو الخولاني. قوله: "أنه سمع أبا هريرة" زاد مسلم من طريق ابن المبارك وغيره عن يونس أبا سعيد مع أبي هريرة. قوله: "فليستنثر" ظاهر الأمر أنه للوجوب، فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به كأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر أن يقول به في الاستنثار، وظاهر كلام صاحب المغني يقتضي أنهم يقولون بذلك، وأن مشروعية الاستنشاق لا تحصل إلا بالاستنثار، وصرح ابن بطال بأن بعض العلماء قال بوجوب الاستنثار، وفيه تعقب على من نقل الإجماع على عدم وجوبه. واستدل الجمهور على أن الأمر فيه للندب بما حسنه الترمذي وصححه الحاكم من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي " توضأ كما أمرك الله " فأحاله على الآية وليس فيها ذكر الاستنشاق. وأجيب بأنه يحتمل أن يراد بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء، فقد أمر الله سبحانه باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله أمره، ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه عليه الصلاة والسلام على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة، وهو يرد على من لم يوجب المضمضة أيضا، وقد ثبت الأمر بها أيضا في سنن أبي داود بإسناد صحيح، وذكر ابن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به إلا لكونه لا يعلم خلافا في أن تاركه لا يعيد، وهذا دليل قوي، فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين إلا عن عطاء، وثبت عنه أنه رجع عن إيجاب الإعادة، ذكره كله ابن المنذر، ولم يذكر في هذه الرواية عددا. وقد ورد في رواية سفيان عن أبي الزناد ولفظه: "وإذا استنثر فليستنثر وترا " أخرجه الحميدي في مسنده عنه، وأصله لمسلم. وفي رواية عيسى بن طلحة عن أبي هريرة عند المصنف في بدء الخلق " إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه"، وعلى هذا فالمراد بالاستنثار في الوضوء التنظيف لما فيه من المعونة على القراءة، لأن بتنقية مجرى النفس تصح مخارج الحروف، ويزاد للمستيقظ بأن ذلك لطرد الشيطان. وسنذكر باقي مباحثه في مكانه إن شاء الله تعالى. قوله: "ومن استجمر" أي استعمل الجمار - وهي الحجارة الصغار - في الاستنجاء. وحمله بعضهم
(1/262)

على استعمال البخور فإنه يقال فيه تجمر واستجمر، حكاه ابن حبيب عن ابن عمر ولا يصح عنه، وابن عبد البر عن مالك، وروى ابن خزيمة في صحيحه عنه خلافه. وقال عبد الرزاق عن معمر أيضا بموافقة الجمهور، وقد تقدم القول على معنى قوله: "فليوتر " في الكلام على حديث ابن مسعود. واستدل بعض من نفى وجوب الاستنجاء بهذا الحديث للإتيان فيه بحرف الشرط، ولا دلالة فيه، وإنما مقتضاه التخيير بين الاستنجاء بالماء أو بالأحجار، والله أعلم.
(1/263)

26 - باب الِاسْتِجْمَارِ وِتْرًا
162- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْثُرْ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ"
قوله: "باب الاستجمار وترا" استشكل إدخال هذه الترجمة في أثناء أبواب الوضوء، والجواب أنه لا اختصاص لها بالاستشكال، فإن أبواب الاستطابة لم تتميز في هذا الكتاب عن أبواب صفة الوضوء لتلازمهما ويحتمل أن يكون ذلك ممن دون المصنف على ما أشرنا إليه في المقدمة والله أعلم. وقد ذكرت توجيه ذلك في أول كتاب الوضوء. قوله: "إذا توضأ" أي إذا شرع في الوضوء. قوله: "فليجعل في أنفه ماء" كذا لأبي ذر، وسقط قوله: "ماء " لغيره. وكذا اختلف رواة الموطأ في إسقاطه وذكره، وثبت ذكره لمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد. قوله: "ثم لينتثر" كذا لأبي ذر والأصيلي بوزن ليفتعل، ولغيرهما ثم لينثر بمثلثة مضمومة بعد النون الساكنة، والروايتان لأصحاب الموطأ أيضا، قال الفراء: يقال نثر الرجل وانتثر واستنثر إذا حرك النثرة وهي طرف الأنف في الطهارة. قوله: "وإذا استيقظ" هكذا عطفه المصنف، واقتضى سياقه أنه حديث واحد، وليس هو كذلك في الموطأ. وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من موطأ يحيى رواية عبد الله بن يوسف شيخ البخاري مفرقا، وكذا هو في موطأ يحيى بن بكير وغيره، وكذا فرقه الإسماعيلي من حديث مالك، وكذا أخرج مسلم الحديث الأول من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد، والثاني من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد. وعلى هذا فكأن البخاري كان يرى جواز جمع الحديثين إذا اتحد سندهما في سياق واحد، كما يرى جواز تفريق الحديث الواحد إذا اشتمل على حكمين مستقلين. قوله: "من نومه" أخذ بعمومه الشافعي والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم، وخصه أحمد بنوم الليل لقوله في آخر الحديث: "باتت يده " لأن حقيقة المبيت أن يكون في الليل. وفي رواية لأبي داود ساق مسلم إسنادها " إذا قام أحدكم من الليل " وكذا للترمذي من وجه آخر صحيح، ولأبي عوانة في رواية ساق مسلم إسنادها أيضا: "إذا قام أحدكم إلى الوضوء حين يصبح " لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل، وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة. قال الرافعي في شرح المسند: يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلا أشد منها لمن نام نهارا، لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة. ثم الأمر عند الجمهور على الندب، وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار، وعنه في رواية استحبابه في نوم النهار، واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء. وقال إسحاق وداود والطبري ينجس، واستدل لهم بما ورد من الأمر بإراقته، لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن عدي، والقرينة
(1/263)

الصارفة للأمر عن الوجوب عند الجمهور التعليل بأمر يقتضي الشك، لأن الشك لا يقتضي وجوبا في هذا الحكم استصحابا لأصل الطهارة. واستدل أبو عوانة على عدم الوجوب بوضوئه صلى الله عليه وسلم من الشن المعلق بعد قيامه من النوم كما سيأتي في حديث ابن عباس، وتعقب بأن قوله: "أحدكم " يقتضي اختصاصه بغيره صلى الله عليه وسلم، وأجيب بأنه صح عنه غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء حال اليقظة، فاستحبابه بعد النوم أولى، ويكون تركه لبيان الجواز. وأيضا فقد قال في هذا الحديث في روايات لمسلم وأبي داود وغيرهما: "فليغسلهما ثلاثا " وفي رواية: "ثلاث مرات"، والتقييد بالعدد في غير النجاسة العينية يدل على الندبية، ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد " فلا يضع يده في الوضوء حتى يغسلها " والنهي فيه للتنزيه كما ذكرنا أن فعل استحب وإن ترك كره ولا تزول الكراهة بدون الثلاث نص عليه الشافعي، والمراد باليد هنا الكف دون ما زاد عليها اتفاقا، وهذا كله في حق من قام من النوم لما دل عليه مفهوم الشرط وهو حجة عند الأكثر، أما المستيقظ فيستحب له الفعل لحديث عثمان وعبد الله بن زيد، ولا يكره الترك لعدم ورود النهي فيه، وقد روى سعيد بن منصور بسند صحيح عن أبي هريرة أنه كان يفعله ولا يرى بتركه بأسا، وسيأتي عن ابن عمر والبراء نحو ذلك. قوله: "قبل أن يدخلها" ، ولمسلم وابن خزيمة وغيرهما من طرق " فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها " وهي أبين في المراد من رواية الإدخال، لأن مطلق الإدخال لا يترتب عليه كراهة كمن أدخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير من غير أن يلامس يده الماء. قوله: "في وضوئه" بفتح الواو أي الإناء الذي أعد للوضوء. وفي رواية الكشميهني: "في الإناء " وهي رواية مسلم من طرق أخرى، ولابن خزيمة: "في إنائه أو وضوئه " على الشك، والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء، ويلحق به إناء الغسل لأنه وضوء وزيادة، وكذا باقي الآنية قياسا، لكن في الاستحباب من غير كراهة لعدم ورود النهي فيها عن ذلك والله أعلم. وخرج بذكر الإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها النهي والله أعلم. قوله: "فإن أحدكم" قال البيضاوي: فيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة، لأن الشارع إذا ذكر حكما وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لأجلها، ومثله قوله في حديث المحرم الذي سقط فمات فإنه يبعث ملبيا بعد نهيهم عن تطييبه، فنبه على علة النهي وهي كونه محرما. قوله: "لا يدري" فيه أن علة النهي احتمال هل لاقت يده ما يؤثر في الماء أو لا، ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك ولو كان مستيقظا، ومفهومه أن من درى أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلا فاستيقظ وهي على حالها أن لا كراهة، وإن كان غسلها مستحبا على المختار كما في المستيقظ، ومن قال بأن الأمر في ذلك للتعبد - كمالك - لا يفرق بين شاك ومتيقن. واستدل بهذا الحديث على التفرقة بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء، وهو ظاهر. وعلى أن النجاسة تؤثر في الماء، وهو صحيح، لكن كونها تؤثر التنجيس وإن لم يتغير فيه نظر، لأن مطلق التأثير لا يدل على خصوص التأثير بالتنجيس، فيحتمل أن تكون الكراهة بالمتيقن أشد من الكراهة بالمظنون قاله ابن دقيق العيد، ومراده أنه ليست فيه دلالة قطعية على من يقول إن الماء لا ينجس إلا بالتغير. قوله: "أين باتت يده" أي من جسده، قال الشافعي رحمه الله: كانوا يستجمرون وبلادهم حارة فربما عرق أحدهم إذا نام فيحتمل أن تطوف يده على المحل أو على بثرة أو دم حيوان أو قذر غير ذلك. وتعقبه أبو الوليد الباجي بأن ذلك يستلزم الأمر بغسل ثوب النائم لجواز ذلك عليه، وأجيب بأنه محمول على ما إذا كان العرق في اليد دون المحل، أو أن المستيقظ لا يريد غمس ثوبه في الماء حتى يؤمر
(1/264)

بغسله، بخلاف اليد فإنه محتاج إلى غمسها، وهذا أقوى الجوابين. والدليل على أنه لا اختصاص لذلك بمحل الاستجمار ما رواه ابن خزيمة وغيره من طريق محمد بن الوليد عن محمد بن جعفر عن شعبة عن خالد الحذاء عن عبد الله ابن شقيق عن أبي هريرة في هذا الحديث قال في آخره: "أين باتت يده منه " وأصله في مسلم دون قوله: "منه " قال الدارقطني: تفرد بها شعبة. وقال البيهقي: تفرد بها محمد بن الوليد. قلت: إن أراد عن محمد بن جعفر فمسلم، وإن أراد مطلقا فلا، فقد قال الدارقطني: تابعه عبد الصمد عن شعبة، وأخرجه ابن مندة من طريقه. وفي الحديث الأخذ بالوثيقة، والعمل بالاحتياط في العبادة، والكناية عما يستحيا منه إذا حصل الإفهام بها، واستحباب غسل النجاسة ثلاثا لأنه أمرنا بالتثليث عند توهمها فعند تيقنها أولى. واستنبط منه قوم فوائد أخرى فيها بعد، منها أن موضع الاستنجاء مخصوص بالرخصة في جواز الصلاة مع بقاء أثر النجاسة عليه قاله الخطابي، ومنها إيجاب الوضوء من النوم، قاله ابن عبد البر، ومنها تقوية من يقول بالوضوء من مس الذكر حكاه أبو عوانة في صحيحه عن ابن عيينة، ومنها أن القليل من الماء لا يصير مستعملا بإدخال اليد فيه لمن أراد الوضوء، قاله الخطابي صاحب الخصال من الشافعية.
(1/265)

27 - باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلاَ يَمْسَحُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ
163- حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا.
قوله: "باب غسل الرجلين" كذا للأكثر، وزاد أبو ذر " ولا يمسح على القدمين". قوله: "حدثني موسى" ابن إسماعيل هو التبوذكي. قوله: "عنا في سفرة" زاد في رواية كريمة: "سافرناها " وظاهره أن عبد الله بن عمر كان في تلك السفرة ووقع في رواية لمسلم أنها كانت من مكة إلى المدينة، ولم يقع ذلك لعبد الله محققا إلا في حجة الوداع، أما غزوة الفتح فقد كان فيها لكن ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى المدينة من مكة بل من الجعرانة، ويحتمل أن تكون عمرة القضية فإن هجرة عبد الله بن عمر كانت في ذلك الوقت أو قريبا منه. قوله: "أرهقنا" بفتح الهاء والقاف و " العصر " مرفوع بالفاعلية كذا لأبي ذر. وفي رواية كريمة بإسكان القاف والعصر منصوب بالمفعولية، ويقوى الأول رواية الأصيلي: "أرهقتنا " بفتح القاف بعدها مثناة ساكنة، ومعنى الإرهاق الإدراك والغشيان، قال ابن بطال: كأن الصحابة أخروا الصلاة في أول الوقت طمعا أن يلحقهم النبي صلى الله عليه وسلم فيصلوا معه، فلما ضاق الوقت بادروا إلى الوضوء ولعجلتهم لم يسبغوه، فأدركهم على ذلك فأنكر عليهم. قلت: ما ذكره من تأخيرهم قاله احتمالا، ويحتمل أيضا أن يكونوا أخروا لكونهم على طهر أو لرجاء الوصول إلى الماء، ويدل عليه رواية مسلم: "حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر " أي قرب دخول وقتها فتوضؤوا وهم عجال. قوله: "ونمسح على أرجلنا" انتزع منه البخاري أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل، فلهذا قال في الترجمة ولا يمسح على القدمين، وهذا ظاهر الرواية المتفق عليها، وفي إفراد مسلم: "فانتهينا إليهم وأعقابهم بيض تلوح
ـــــــ
(1) في مخطوط الرياض"الخفاف"
(1/265)

لم يمسها الماء " فتمسك بهذا من يقول بإجزاء المسح، وبحمل الإنكار على ترك التعميم، لكن الرواية المتفق عليها أرجح فتحمل هذه الرواية عليها بالتأويل، فيحتمل أن يكون معنى قوله: "لم يمسها الماء " أي ماء الغسل جمعا بين الروايتين. وأصرح من ذلك رواية مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا لم يغسل عقبه فقال ذلك: وأيضا فمن قال بالمسح لم يوجب مسح العقب، والحديث حجة عليه. وقال الطحاوي: لما أمرهم بتعميم غسل الرجلين حتى لا يبقى منهما لمعة دل على أن فرضها الغسل. وتعقبه ابن المنير بأن التعميم لا يستلزم الغسل، فالرأس تعم بالمسح وليس فرضها الغسل. قوله: "أرجلنا" قابل الجمع بالجمع فالأرجل موزعة على الرجال فلا يلزم أن يكون لكل رجل أرجل. قوله: "ويل" جاز الابتداء بالنكرة لأنه دعاء واختلف في معناه على أقوال: أظهرها ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا: "ويل واد في جهنم " قال ابن خزيمة: لو كان الماسح مؤديا للفرض لما توعد بالنار، وأشار بذلك إلى ما في كتب الخلاف عن الشيعة أن الواجب المسح أخذا بظاهر قراءة "وأرجلكم" بالخفض، وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه أنه غسل رجليه وهو المبين لأمر الله، وقد قال في حديث عمرو بن عبسة الذي رواه ابن خزيمة وغيره مطولا في فضل الوضوء " ثم يغسل قدميه كما أمره الله " ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك، قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين، رواه سعيد بن منصور. وادعى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ. والله أعلم. قوله: "للإعقاب" أي المرئية إذ ذاك فاللام للعهد ويلتحق بها ما يشاركها في ذلك؛ والعقب مؤخر القدم. قال البغوي: معناه ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها. وقيل أراد أن العقب مختص بالعقاب إذا قصر في غسله. وفي الحديث تعليم الجاهل ورفع الصوت بالإنكار وتكرار المسألة لتفهم كما تقدم في كتاب العلم
(1/266)

28 - باب الْمَضْمَضَةِ فِي الْوُضُوءِ
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
164- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا وَقَالَ "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"
قوله: "باب المضمضة في الوضوء" أصل المضمضة في اللغة التحريك، ومنه مضمض النعاس في عينيه إذا تحركتا بالنعاس، ثم اشتهر استعماله في وضع الماء في الفم وتحريكه، وأما معناه في الوضوء الشرعي فأكمله أن يضع الماء في الفم ثم يديره ثم يمجه، والمشهور عن الشافعية أنه لا يشترط تحريكه ولا مجه وهو عجيب، ولعل المراد أنه لا يتعين المج بل لو ابتلعه أو تركه حتى يسيل أجزأ. قوله: "قاله ابن عباس" قد تقدم حديثه في أوائل الطهارة. قوله: "وعبد الله بن زيد" سيأتي حديثه قريبا. قوله: "ثم غسل كل رجل" كذا للأصيلي والكشميهني، ولابن عساكر
(1/266)

كلتا رجليه وهي التي اعتمدها صاحب العمدة، وللمستملي والحموي كل رجله وهي تفيد تعميم كل رجل بالغسل، وفي نسخة رجليه بالتثنية وهي بمعنى الأولى. قوله: "لا يحدث" تقدمت مباحثه قريبا. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد بذلك الإخلاص، أو ترك العجب بأن لا يرى لنفسه مزية خشية أن يتغير فيتكبر فيهلك. قوله: "غفر الله له" كذا للمستملي، ولغيره: "غفر له " على البناء للمفعول، وقد تقدمت مباحثه، إلا أن في هذا السياق من الزيادة رفع صفة الوضوء إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد مسلم في رواية ليونس " قال الزهري: كان علماؤنا يقولون هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة"، وقد تمسك بهذا من لا يرى تثليث مسح الرأس كما سيأتي في باب مسح الرأس مرة إن شاء الله تعالى.
(1/267)

29 - باب غَسْلِ الأَعْقَابِ
وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْخَاتَمِ إِذَا تَوَضَّأَ
165- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا وَالنَّاسُ يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْمِطْهَرَةِ قَالَ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ فَإِنَّ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ"
قوله: "باب غسل الأعقاب. وكان ابن سيرين" هذا التعليق وصله المصنف في التاريخ عن موسى ابن إسماعيل عن مهدي بن ميمون عنه، وروى ابن أبي شيبة عن هشيم عن خالد عنه أنه كان إذا توضأ حرك خاتمه، والإسنادان صحيحان، فيحمل على أنه كان واسعا بحيث يصل الماء إلى ما تحته بالتحريك، وفي ابن ماجه عن أبي رافع مرفوعا نحوه بإسناد ضعيف. قوله: "محمد بن زياد" هو الجمحي المدني لا الإلهاني الحمصي. قوله: "وكان" الواو حالية من مفعول سمعت، والناس يتوضؤون حال من فاعل يمر. قوله: "المطهرة" بكسر الميم هي الإناء المعد للتطهر منه. قوله: "أسبغوا" فتح الهمزة أي أكملوا، وكأنه رأى منهم تقصيرا وخشي عليهم. قوله: "فإن أبا القاسم" فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنيته وهو حسن، وذكره بوصف الرسالة أحسن، وفيه أن العالم يستدل على ما يفتى به ليكون أوقع في نفس سامعه، وقد تقدم شرح الأعقاب، وإنما خصت بالذكر لصورة السبب كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو، فيلتحق بها ما في معناها من جميع الأعضاء التي قد يحصل التساهل في إسباغها. وفي الحاكم وغيره من حديث عبد الله بن الحارث " ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار " ولهذا ذكر في الترجمة أثر ابن سيرين في غسله موضع الخاتم لأنه قد لا يصل إليه الماء إذا كان ضيقا. والله أعلم.
(1/267)

30 - باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ وَلاَ يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ
166- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ "يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا قَالَ وَمَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ رَأَيْتُكَ لاَ تَمَسُّ مِنْ الأَرْكَانِ إِلاَّ الْيَمَانِيَّيْنِ وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْهِلاَلَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَمَّا الأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلاَّ الْيَمَانِيَّيْنِ وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ
(1/267)

31 - باب التَّيَمُّنِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ
167- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَهُنَّ فِي غَسْلِ ابْنَتِهِ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا"
[الحديث167- أطرافه في:1263,1262,1261,1260,1259,1258,1257,1256,1255,12 54,125]
168- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ"
[الحديث168- أطرافه في:5926,5854,5380,426]
قوله: "باب التيمن" أي الابتداء باليمين. قوله: "إسماعيل" هو ابن علية، وخالد هو الحذاء. والإسناد كله بصريون. قوله: "في غسل" أي في صفة غسل ابنته زينب عليها السلام كما سيأتي تحقيقه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى. أورد المصنف من الحديث طرفا ليبين به المراد بقول عائشة " يعجبه التيمن " إذ هو لفظ مشترك بين الابتداء باليمين وتعاطي الشيء باليمين والتبرك وقصد اليمين، فبان بحديث أم عطية أن المراد بالطهور الأول. قوله: "سمعت أبي" هو سليم بن أسود المحاربي الكوفي أبو الشعثاء مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وهو من كبار التابعين كشيخه مسروق فهما قرينان كما أن أشعث وشعبة قرينان وهما من كبار أتباع التابعين. قوله: "كان يعجبه التيمن" قيل لأنه كان يحب الفأل الحسن إذ أصحاب اليمين أهل الجنة. وزاد المصنف في الصلاة عن سليمان بن حرب عن شعبة " ما استطاع " فنبه على المحافظة على ذلك ما لم يمنع مانع. قوله: "في تنعله" أي لبس نعله "وترجله" أي ترجيل شعره وهو تسريحه ودهنه، قال في المشارق: رجل شعره إذا مشطه بماء أو دهن ليلين ويرسل الثائر ويمد المنقبض، زاد أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة وسواكه. قوله: "في شأنه كله" كذا للأكثر من الرواة بغير واو. وفي
(1/269)

رواية أبي الوقت بإثبات الواو وهي التي اعتمدها صاحب العمدة، قال الشيخ تقي الدين: "هو عام مخصوص، لأن دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما يبدأ فيهما باليسار"، انتهى. وتأكيد " الشأن " بقوله: "كله " يدل على التعميم، لأن التأكيد يرفع المجاز فيمكن أن يقال حقيقة الشأن ما كان فعلا مقصودا، وما يستحب فيه التياسر ليس من الأفعال المقصودة بل هي إما تروك وإما غير مقصودة، وهذا كله على تقدير إثبات الواو، وأما على إسقاطها فقوله: "في شأنه كله " متعلق بيعجبه لا بالتيمن أي يعجبه في شأنه كله التيمن في تنعله الخ، أي لا يترك ذلك سفرا ولا حضرا ولا في فراغه ولا شغله ونحو ذلك. وقال الطيبي قوله: "في شأنه " بدل من قوله: "في تنعله " بإعادة العامل. قال: وكأنه ذكر التنعل لتعلقه بالرجل، والترجل لتعلقه بالرأس، والطهور لكونه مفتاح أبواب العبادة، فكأنه نبه على جميع الأعضاء فيكون كبدل الكل من الكل. قلت: ووقع في رواية مسلم بتقديم قوله: "في شأنه كله " على قوله: "في تنعله الخ " وعليها شرح الطيبي، وجميع ما قدمناه مبني على ظاهر السياق الوارد هنا، لكن بين المصنف في الأطعمة من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة أن أشعث شيخه كان يحدث به تارة مقتصرا على قوله: "في شأنه كله " وتارة على قوله: "في تنعله الخ " وزاد الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة أن عائشة أيضا كانت تجمله تارة وتبينه أخرى، فعلى هذا يكون أصل الحديث ما ذكر من التنعل وغيره، ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأحوص وابن ماجه من طريق عمرو بن عبيد كلاهما عن أشعث بدون قوله: "في شأنه كله"، وكأن الرواية المقتصرة على " في شأنه كله " من الرواية بالمعنى، ووقع في رواية لمسلم: "في طهوره ونعله " بفتح النون وإسكان العين أي هيئة تنعله. وفي رواية ابن ماهان في مسلم: "ونعله " بفتح العين. وفي الحديث استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن في الترجل والغسل والحلق، ولا يقال هو من باب الإزالة فيبدأ فيه بالأيسر، بل هو من باب العبادة والتزيين، وقد ثبت الابتداء بالشق الأيمن في الحلق كما سيأتي قريبا، وفيه البداءة بالرجل اليمنى في التنعل وفي إزالتها باليسرى وفيه البداءة باليد اليمنى في الوضوء وكذا الرجل، وبالشق الأيمن في الغسل. واستدل به على استحباب الصلاة عن يمين الإمام وفي ميمنة المسجد وفي الأكل والشرب باليمين، وقد أورده المصنف في هذه المواضع كلها، قال النووي: قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بضدهما استحب فيه التياسر. قال: وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين في الوضوء سنة من خالفها فاته الفضل وتم وضوءه، انتهى. ومراده بالعلماء أهل السنة، وإلا فذهب الشيعة الوجوب، وغلط المرتضى منهم فنسبه للشافعي، وكأنه ظن أن ذلك لازم من قوله بوجوب الترتيب، لكنه لم يقل بذلك في اليدين ولا في الرجلين لأنهما بمنزلة العضو الواحد، ولأنهما جمعا في لفظ القرآن. لكن يشكل على أصحابه حكمهم على الماء بالاستعمال إذا انتقل من يد إلى يد أخرى، مع قولهم بأن الماء ما دام مترددا على العضو لا يسمى مستعملا، وفي استدلالهم على وجوب الترتيب بأنه لم ينقل أحد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ منكسا، وكذلك لم ينقل أحد أنه قدم اليسرى على اليمنى. ووقع في البيان للعمراني والتجريد للبندنيجي نسبة القول بالوجوب إلى الفقهاء السبعة، وهو تصحيف من الشيعة. وفي كلام الرافعي ما يوهم أن أحمد قال بوجوبه، ولا يعرف ذلك عنه، بل قال الشيخ الموفق في المغني: لا نعلم في عدم الوجوب خلافا.
(1/270)

32 - باب الْتِمَاسِ الْوَضُوءِ إِذَا حَانَتْ الصَّلاَةُ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ حَضَرَتْ الصُّبْحُ فَالْتُمِسَ الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ فَنَزَلَ التَّيَمُّمُ
169- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ قَالَ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ".
[الحديث169- أطرافه في:3575,3574,3573,3572,200,195]
قوله: "باب التماس الوضوء" بفتح الواو أي طلب الماء للوضوء "إذا حانت" بالمهملة أي قربت "الصلاة" والمراد وقتها الذي توقع فيه. قوله: "وقالت عائشة" هذا طرف من حديثا في قصة نزول آية التيمم وسيأتي في كتاب التيمم إن شاء الله تعالى، وساقه هنا بلفظ عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها، وهو موصول عنده في تفسير المائدة، قال ابن المنير: أراد الاستدلال على أنه لا يجب طلب الماء للتطهير قبل دخول الوقت لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم التأخير فدل على الجواز. قوله: "فالتمس" بالضم على البناء للمفعول، وللكشميهني: "فالتمسوا". قوله: "وحان" وللكشميهني: "وحانت " والواو للحال بتقدير قد. قوله: "الوضوء" بفتح الواو، أي الماء الذي يتوضأ به. قوله: "فلم يجدوا" وللكشميهني: "فلم يجدوه " بزيادة الضمير. قوله: "فأتى" بالضم على البناء للمفعول، وبين المصنف في رواية قتادة أن ذلك كان بالزوراء وهو سوق بالمدينة. قوله: "بوضوء" بالفتح أي بإناء فيه ماء ليتوضأ به، ووقع في رواية ابن المبارك " فجاء رجل بقدح فيه ماء يسير، فصغر أن يبسط صلى الله عليه وسلم فيه كفه فضم أصابعه"، ونحوه في رواية حميد الآتية في باب الوضوء من المخضب. قوله: "ينبع" بفتح أوله وضم الموحدة ويجوز كسرها وفتحها، وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب علامات النبوة مستوعبا إن شاء الله تعالى. قوله: "حتى توضؤوا من عند آخرهم" قال الكرماني حتى للتدريج ومن للبيان، أي توضأ الناس حتى توضأ الذين عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم، قال: وعند بمعنى في لأن عند وإن كانت للظرفية الخاصة لكن المبالغة تقتضي أن تكون لمطلق الظرفية، فكأنه قال: الذين هم في آخرهم. وقال التيمي: المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الآخر. وقال النووي: من هنا بمعنى إلى وهي لغة. وتعقبه الكرماني بأنها شاذة، قال: ثم إن إلى لا يجوز أن تدخل على عند، ويلزم عليه وعلى ما قال التيمي أن لا يدخل الأخير، لكن ما قاله الكرماني من أن " إلى " لا تدخل على " عند"، لا يلزم مثله في " من " إذا وقعت بمعنى إلى، وعلى توجيه النووي يمكن أن يقال: عند زائدة. وفي الحديث دليل على أن المواساة مشروعة عند الضرورة لمن كان في مائة فضل عن وضوئه. وفيه أن اغتراف المتوضئ من الماء القليل لا يصير الماء مستعملا، واستدل به الشافعي على أن الأمر بغسل اليد قبل إدخالها الإناء أمر ندب لا حتم. "تنبيه": قال ابن بطال: "هذا الحديث - يعني حديث نبع الماء - شهده جمع من الصحابة، إلا
(1/271)

أنه لم يرو إلا من طريق أنس وذلك لطول عمره ولطلب الناس علو السند". كذا قال. وقد قال القاضي عياض: "هذه القصة رواها العدد الكثير من الثقات عن الجم الغفير عن الكافة متصلا عن جملة من الصحابة، بل لم يؤثر عن أحد منهم إنكار ذلك فهو ملتحق بالقطعي من معجزاته". انتهى. فانظر كم بين الكلامين من التفاوت وسنحرر هذا الموضع في كتاب علامات النبوة إن شاء الله تعالى.
(1/272)

33 - باب الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسَانِ
وَكَانَ عَطَاءٌ لاَ يَرَى بِهِ بَأْسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الْخُيُوطُ وَالْحِبَالُ وَسُؤْرِ الْكِلاَبِ وَمَمَرِّهَا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ "إِذَا وَلَغَ فِي إِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ" وَقَالَ سُفْيَانُ هَذَا الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} وَهَذَا مَاءٌ وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ
قوله: "باب الماء" أي حكم الماء " الذي يغسل به شعر الإنسان". أشار المصنف إلى أن حكمه الطهارة لأن المغتسل قد يقع في ماء غسله من شعره، فلو كان نجسا لتنجس الماء بملاقاته، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تجنب ذلك في اغتساله، بل كان يخلل أصول شعره كما سيأتي، وذلك يفضي غالبا إلى تناثر بعضه فدل على طهارته، وهو قول جمهور العلماء، وكذا قاله الشافعي في القديم، ونص عليه في الجديد أيضا وصححه جماعة من أصحابه وهي طريقة الخراسانيين، وصحح جماعة القول بتنجيسه وهي طريقة العراقيين، واستدل المصنف على طهارته بما ذكره من الحديث المرفوع، وتعقب بأن شعر النبي صلى الله عليه وسلم مكرم لا يقاس عليه غيره، ونقضه ابن المنذر والخطابي وغيرهما بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل والأصل عدمه، قالوا: ويلزم القائل بذلك أن لا يحتج على طهارة المني بأن عائشة كانت تفركه من ثوبه صلى الله عليه وسلم لإمكان أن يقال له منيه طاهر فلا يقاس على غيره، والحق أن حكمه حكم جميع المكلفين في الأحكام التكليفية إلا فيما خص بدليل، وقد تكاثرت الأدلة على طهارة فضلاته وعد الأئمة ذلك في خصائصه، فلا يلتفت إلى ما وقع في كتب كثير من الشافعية مما يخالف ذلك فقد استقر الأمر بين أئمتهم على القول بالطهارة وهذا كله في شعر الآدمي، أما شعر الحيوان غير المأكول المذكى ففيه اختلاف مبني على أن الشعر هل تحله الحياة فينجس بالموت أو لا، فالأصح عند الشافعية أنه ينجس بالموت، وذهب جمهور العلماء إلى خلافه، واستدل ابن المنذر على أنه لا تحله الحياة فلا ينجس بالموت ولا بالانفصال بأنهم أجمعوا على طهارة ما يجز من الشاة وهي حية، وعلى نجاسة ما يقطع من أعضائها وهي حية، فدل ذلك على التفرقة بين الشعر وغيره من أجزائها، وعلى التسوية بين حالتي الموت والانفصال والله أعلم. وقال البغوي في شرح السنة في قوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة " إنما حرم أكلها". يستدل به لمن ذهب إلى أن ما عدا ما يؤكل من أجزاء الميتة لا يحرم الانتفاع به اهـ. وسيأتي الكلام على ريش الميتة وعظمها في باب مفرد من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. قوله: "وكان عطاء" هذا التعليق وصله محمد بن إسحاق الفاكهي في أخبار مكة بسند صحيح إلى عطاء وهو ابن أبي رباح أنه كان لا يرى بأسا بالانتفاع بشعور الناس التي تحلق بمني. قوله: "وسؤر الكلاب" و بالجر عطفا على قوله: "الماء " والتقدير وباب سؤر الكلاب أي ما حكمه؟ والسؤر البقية. والظاهر من تصرف المصنف أنه يقول بطهارته. وفي بعض النسخ بعد قوله في المسجد " وأكلها " وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل. قوله: "وقال الزهري إذا ولغ الكلب" جمع المصنف في هذا الباب
(1/272)

بين مسألتين وهما حكم شعر الآدمي وسؤر الكلب. فذكر الترجمة الأولى وأثرها معها، ثم ثنى بالثانية وأثرها معها، ثم رجع إلى دليل الأولى من الحديث المرفوع، ثم ثنى بأدلة الثانية. وقول الزهري هذا رواه الوليد بن مسلم في مصنفه عن الأوزاعي وغيره عنه ولفظه: "سمعت الزهري في إناء ولغ فيه كلب فلم يجدوا ماء غيره، قال: يتوضأ به"، وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طريقه بسند صحيح. قوله: "وقال سفيان" المتبادر إلى الذهن أنه ابن عيينة لكونه معروفا بالرواية عن الزهري دون الثوري، لكن المراد به هنا الثوري، فإن الوليد بن مسلم عقب أثر الزهري هذا بقوله: فذكرت ذلك لسفيان الثوري فقال والله هذا الفقه بعينه. فذكره، وزاد بعد قوله شيء " فأرى أن يتوضأ به ويتيمم"، فسمى الثوري الأخذ بدلالة العموم فقها، وهي التي تضمنها قوله تعالى :{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} لكونها نكرة في سياق النفي فتعم ولا تخص إلا بدليل، وتنجيس الماء بولوغ الكلب فيه غير متفق عليه بين أهل العلم. وزاد من رأيه التيمم احتياطا. وتعقبه الإسماعيلي بأن اشتراطه جواز التوضؤ به إذا لم يجد غيره يدل على تنجيسه عنده، لأن الظاهر يجوز التوضؤ به مع وجود غيره. وأجيب بأن المراد أن استعمال غيره مما لم يختلف فيه أولى، فأما إذا لم يجد غيره فلا يعدل عنه - وهو يعتقد طهارته - إلى التيمم، وأما فتيا سفيان بالتيمم بعد الوضوء به فلأنه رأى أنه ماء مشكوك فيه من أجل الاختلاف فاحتاط للعبادة، وقد تعقب بأنه يلزم من استعماله أن يكون جسده طاهرا بلا شك فيصير باستعماله مشكوكا في طهارته، ولهذا قال بعض الأئمة: الأولى أن يريق ذلك الماء ثم يتيمم، والله أعلم. "تنبيه": وقع في رواية أبي الحسن القابسي عن أبي زيد المروزي في حكاية قول سفيان: يقول الله تعالى فإن لم تجدوا ماء، وكذا حكاه أبو نعيم في المستخرج على البخاري، وفي باقي الروايات {فَلَمْ تَجِدُوا} وهو الموافق للتلاوة. وقال القابسي: وقد ثبت ذلك في الأحكام لإسماعيل القاضي - يعني بإسناده إلى سفيان - قال: وما أعرف من قرأ بذلك. قلت: لعل الثوري حكاه بالمعنى وكان يرى جواز ذلك، وكأن هذا هو الذي جر المصنف أن يأتي بمثل هذه العبارة في كتاب التيمم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
170- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ قُلْتُ لِعَبِيدَةَ عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ فَقَالَ "لاَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"
[الحديث170- طرفه في: 171]
171- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ
قوله: "عن عاصم" هو ابن سليمان، وابن سيرين هو محمد، وعبيدة هو ابن عمرو السلماني أحد كبار التابعين المخضرمين أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ولم يره. قوله: "من شعر النبي صلى الله عليه وسلم" أي شيء. قوله: "أصبناه" أي حصل لنا من جهة أنس بن مالك. وأراد المصنف بإيراد هذا الأثر تقرير أن الشعر الذي حصل لأبي طلحة كما في الحديث الذي يليه بقي عند آل بيته إلى أن صار لمواليهم منه لأن سيرين والد محمد كان مولى أنس بن مالك وكان أنس
(1/273)

ربيب أبي طلحة. ووجه الدلالة منه على الترجمة أن الشعر طاهر وإلا لما حفظوه ولا تمنى عبيدة أن يكون عنده شعرة واحدة منه، وإذا كان طاهرا فالماء الذي يغسل به طاهر. قوله: "حدثنا عباد" هو ابن عباد المهلبي، وقد نزل البخاري في هذا الإسناد لأنه قد سمع من شيخ شيخه سعيد بن سليمان، بل سمع من أبي عاصم وغيره من أصحاب ابن عون فيقع بينه وبين ابن عون واحد، وهنا بينه وبينه ثلاثة أنفس. قوله: "لما حلق" أي أمر الحلاق فحلقه، فأضعاف الفعل إليه مجازا، وكان ذلك في حجة الوداع كما سنبينه. قوله: "كان أبو طلحة" يعني الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس، وقد أخرج أبو عوانة في صحيحه هذا الحديث من طريق سعيد بن سليمان المذكور أبين مما ساقه محمد بن عبد الرحيم ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحلاق فحلق رأسه، ودفع إلى أبي طلحة الشق الأيمن، ثم حلق الشق الآخر فأمره أن يقسمه بين الناس". ورواه مسلم من طريق ابن عيينة عن هشام بن حسان عن ابن سيرين بلفظ: "لما رمى الجمرة ونحر نسكه ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال: اقسمه بين الناس"، وله من رواية حفص بن غياث عن هشام أنه قسم الأيمن فيمن يليه، وفي لفظ: "فوزعه بين الناس الشعرة والشعرتين، وأعطى الأيسر أم سليم"، وفي لفظ: "أبا طلحة " ولا تناقض في هذه الروايات، بل طريق الجمع بينها أنه ناول أبا طلحة كلا من الشقين فأما الأيمن فوزعه أبو طلحة بأمره وأما الأيسر فأعطاه لأم سليم زوجته بأمره صلى الله عليه وسلم أيضا، زاد أحمد في رواية له لتجعله في طيبها، وعلى هذا فالضمير في قوله: "يقسمه " في رواية أبي عوانة يعود على الشق الأيمن، وكذا قوله في رواية ابن عيينة " فقال اقسمه بين الناس " قال النووي: فيه استحباب البداءة بالشق الأيمن من رأس المحلوق، وهو قول الجمهور خلافا لأبي حنيفة، وفيه طهارة شعر الآدمي وبه قال الجمهور وهو الصحيح عندنا، وفيه التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وجواز اقتنائه، وفيه المواساة بين الأصحاب في العطية والهدية. أقول: وفيه أن المواساة لا تستلزم المساواة. وفيه تنفيل من يتولى التفرقة على غيره، قال: واختلفوا في اسم الحالق فالصحيح أنه معمر بن عبد الله كما ذكر البخاري، وقيل هو خراش بن أمية وهو بمعجمتين ا هـ. والصحيح أن خراشا كان الحالق بالحديبية. والله أعلم.
وقع هنا - في رواية ابن عساكر - قبل إيراد حديث مالك " باب إذا شرب الكلب في الإناء "
172- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا"
قوله "إذا شرب" كذا هو في الموطأ، والمشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه عنه " إذا ولغ"، وهو المعروف في اللغة، يقال ولغ يلغ - بالفتح فيهما - إذا شرب بطرف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه. وقال ثعلب: هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه، زاد ابن درستويه: شرب أو لم يشرب. وقال ابن مكي: فإن كان غير مائع يقال لعقه. وقال المطرزي: فإن كان فارغا يقال لحسه. وادعى ابن عبد البر أن لفظ: "شرب " لم يروه إلا مالك، وأن غيره رواه بلفظ: "ولغ"، وليس كما ادعى فقد رواه ابن خزيمة وابن المنذر من طريقين عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة بلفظ: "إذا شرب"، لكن المشهور عن هشام بن حسان بلفظ إذا ولغ، كذا أخرجه مسلم وغيره من طرق عنه، وقد رواه عن أبي الزناد شيخ مالك بلفظ:
(1/274)

"إذا شرب " ورقاء بن عمر أخرجه الجوزقي، وكذا المغيرة ابن عبد الرحمن أخرجه أبو يعلي، نعم وروى عن مالك بلفظ: "إذا ولغ " أخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور له عن إسماعيل بن عمر عنه، ومن طريقه أورده الإسماعيلي، وكذا أخرجه الدارقطني في الموطآت له من طريق أبي علي الحنفي عن مالك، وهو في نسخة صحيحة من سنن ابن ماجه من رواية روح بن عبادة عن مالك أيضا، وكأن أبا الزناد حدث به باللفظين لتقاربهما في المعنى، لكن الشرب كما بينا أخص من الولوغ فلا يقوم مقامه. ومفهوم الشرط في قوله إذا ولغ يقتضي قصر الحكم على ذلك، لكن إذا قلنا إن الأمر بالغسل للتنجيس يتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلا، ويكون ذكر الولوغ للغالب، وأما إلحاق باقي أعضائه كيده ورجله فالمذهب المنصوص أنه كذلك لأن فمه أشرفها فيكون الباقي من باب الأولى، وخصه في القديم الأول. وقال النووي في الروضة: إنه وجه شاذ. وفي شرح المهذب: إنه القوي من حيث الدليل، والأولوية المذكورة قد تمنع لكون فمه محل استعمال النجاسات. قوله: "في إناء أحدكم" ظاهره العموم في الآنية، ومفهومه يخرج الماء المستنقع مثلا، وبه قال الأوزاعي مطلقا، لكن إذا قلنا بأن الغسل للتنجيس يجري الحكم في القليل من الماء دون الكثير، والإضافة التي في إناء أحدكم يلغى اعتبارها هنا لأن الطهارة لا تتوقف على ملكه، وكذا قوله فليغسله لا يتوقف على أن يكون هو الغاسل. وزاد مسلم والنسائي من طريق علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين عن أبي هريرة في هذا الحديث: "فليرقه " وهو يقوي القول بأن الغسل للتنجيس، إذ المراق أعم من أن يكون ماء أو طعاما، فلو كان طاهرا لم يؤمر بإراقته للنهي عن إضاعة المال، لكن قال النسائي: لا أعلم أحدا تابع علي بن مسهر على زيادة فليرقه. وقال حمزة الكناني: إنها غير محفوظة. وقال ابن عبد البر: لم يذكرها الحفاظ من أصحاب الأعمش كأبي معاوية وشعبة. وقال ابن مندة: لا تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه إلا عن علي بن مسهر بهذا الإسناد. قلت: قد ورد الأمر بالإراقة أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه ابن عدي، لكن في رفعه نظر، والصحيح أنه موقوف. وكذا ذكر الإراقة حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفا وإسناده صحيح أخرجه الدارقطني وغيره. قوله: "فليغسله" يقتضي الفور، لكن حمله الجمهور على الاستحباب إلا لمن أراد أن يستعمل ذلك الإناء. قوله: "سبعا" أي سبع مرار، ولم يقع في رواية مالك التتريب ولم يثبت في شيء من الروايات عن أبي هريرة إلا عن ابن سيرين، على أن بعض أصحابه لم يذكره. وروى أيضا عن الحسن وأبي رافع عند الدارقطني وعبد الرحمن والد السدي عند البزار. واختلف الرواة عن ابن سيرين في محل غسلة التتريب، فلمسلم وغيره من طريق هشام بن حسان عنه " أولاهن " وهي رواية الأكثر عن ابن سيرين وكذا في رواية أبي رافع المذكورة، واختلف عن قتادة عن ابن سيرين فقال سعيد بن بشير عنه " أولاهن " أيضا أخرجه الدارقطني. وقال أبان عن قتادة " السابعة " أخرجه أبو داود، وللشافعي عن سفيان عن أيوب عن ابن سيرين " أولاهن أو إحداهن(1)".وفي رواية السدي عن البزار " إحداهن " وكذا في رواية هشام بن عروة عن أبي الزناد عنه، فطريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال إحداهن مبهمة وأولاهن والسابعة معينة و " أو " إن كانت في نفس الخبر فهي للتخيير فمقتضى حمل المطلق على المقيد أن يحمل على أحدهما لأن فيه زيادة على
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض"أوأخراهن"
(1/275)

الرواية المعينة، وهو الذي نص عليه الشافعي في الأم والبويطي وصرح به المرعشي وغيره من الأصحاب وذكره ابن دقيق العيد والسبكي بحثا، وهو منصوص كما ذكرنا. وإن كانت " أو " شكا من الراوي فرواية من عين ولم يشك أولى من رواية من أبهم أو شك، فيبقي النظر في الترجيح بين رواية أولاهن ورواية السابعة، ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حيث المعنى أيضا، لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه، وقد نص الشافعي في حرملة على أن الأولى أولى والله أعلم. وفي الحديث دليل على أن حكم النجاسة يتعدى عن محلها إلى ما يجاورها بشرط كونه مائعا، وعلى تنجيس المائعات إذا وقع في جزء منها نجاسة، وعلى تنجيس الإناء الذي يتصل بالمائع، وعلى أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير، لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء الذي في الإناء غالبا، وعلى أن ورود الماء على النجاسة يخالف ورودها عليه لأنه أمر بإراقة الماء لما وردت عليه النجاسة، وهو حقيقة في إراقة جميعه وأمر بغسله، وحقيقته تتأدى بما يسمى غسلا ولو كان ما يغسل به أقل مما أريق. "فائدة": خالف ظاهر هذا الحديث المالكية والحنفية، فأما المالكية فلم يقولوا بالتتريب أصلا مع إيجابهم التسبيع على المشهور عندهم، لأن التتريب لم يقع في رواية مالك، قال القرافي منهم: قد صحت فيه الأحاديث، فالعجب منهم كيف لم يقولوا بها. وعن مالك رواية أن الأمر بالتسبيع للندب، والمعروف عند أصحابه أنه للوجوب لكنه للتعبد لكون الكلب طاهرا عندهم. وأبدى بعض متأخريهم له حكمة غير التنجيس كما سيأتي. وعن مالك رواية بأنه نجس، لكن قاعدته أن الماء لا ينجس إلا بالتغير. فلا يجب التسبيع للنجاسة بل للتعبد، لكن يرد عليه قوله صلى الله عليه وسلم في أول هذا الحديث فيما رواه مسلم وغيره من طريق محمد ابن سيرين وهمام بن منبه عن أبي هريرة " طهور إناء أحدكم " لأن الطهارة تستعمل إما عن حدث أو خبث، ولا حدث على الإناء فتعين الخبث. وأجيب بمنع الحصر لأن التيمم لا يرفع الحدث وقد قيل له طهور المسلم، ولأن الطهارة تطلق على غير ذلك كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "السواك مطهرة للفم " والجواب عن الأول بأن التيمم ناشئ عن حدث فلما قام يطهر ما يطهر الحدث سمي طهورا. ومن يقول بأنه يرفع الحدث يمنع هذا الإيراد من أصله(1). والجواب عن الثاني أن ألفاظ الشرع إذا دارت بين الحقيقة اللغوية والشرعية حملت على الشرعية إلا إذا قام دليل، ودعوى بعض المالكية أن المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهي عن اتخاذه دون المأذون فيه يحتاج إلى ثبوت تقدم النهي عن الاتخاذ عن الأمر بالغسل، وإلى قرينة تدل على أن المراد ما لم يؤذن في اتخاذه، لأن الظاهر من اللام في قوله الكلب أنها للجنس أو لتعريف الماهية فيحتاج المدعي أنها للعهد إلى دليل، ومثله تفرقة بعضهم بين البدوي والحضري، ودعوى بعضهم أن ذلك مخصوص بالكلب الكلب، وأن الحكمة في الأمر بغسله من جهة الطب لأن الشارع اعتبر السبع في مواضع منه كقوله: "صبوا علي من سبع قرب"، قوله: "من تصبح بسبع تمرات عجوة". وتعقب بأن الكلب الكلب لا يقرب الماء فكيف يؤمر بالغسل من ولوغه؟ وأجاب حفيد ابن رشد بأنه لا يقرب الماء بعد استحكام الكلب منه، أما في ابتدائه فلا يمتنع. وهذا التعليل وإن كان فيه مناسبة لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل والتعليل بالتنجيس أقوى لأنه في معنى المنصوص، وقد ثبت عن ابن عباس التصريح بأن الغسل من ولوغ الكلب بأنه رجس رواه محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه
ـــــــ
(1) وهو الصواب لظاهر الكتاب والسنة,وليس مع من منع ذلك حجة يحسن الاعتماد عليها
(1/276)

والمشهور عن المالكية أيضا التفرقة بين إناء الماء فيراق ويغسل وبين إناء الطعام فيؤكل ثم يغسل الإناء تعبدا لأن الأمر بالإراقة عام فيخص الطعام منه بالنهي عن إضاعة المال، وعورض بأن النهي عن الإضاعة مخصوص بالأمر بالإراقة ويترجح هذا الثاني بالإجماع على إراقة ما تقع فيه النجاسة من قليل المائعات ولو عظم ثمنه، فثبت أن عموم النهي عن الإضاعة مخصوص بخلاف الأمر بالإراقة، وإذا ثبتت نجاسة سؤره كان أعم من أن يكون لنجاسة عينه أو لنجاسة طارئة كأكل الميتة مثلا، لكن الأول أرجح إذ هو الأصل، ولأنه يلزم على الثاني مشاركة غيره له في الحكم كالهرة مثلا، وإذا ثبتت نجاسة سؤره لعينه لم يدل على نجاسة باقيه إلا بطريق القياس كأن يقال لعابه نجس ففمه نجس لأنه متحلب منه واللعاب عرق فمه وفمه أطيب بدنه فيكون عرقه نجسا وإذا كان عرقه نجسا كان بدنه نجسا لأن العرق متحلب من البدن ولكن هل يلتحق باقي أعضائه بلسانه في وجوب السبع والتتريب أم لا؟ تقدمت الإشارة إلى ذلك من كلام النووي، وأما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع ولا التتريب، واعتذر الطحاوي وغيره عنهم بأمور، منها كون أبي هريرة راوية أفتى بثلاث غسلات فثبت بذلك نسخ السبع، وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو كان نسي ما رواه، ومع الاحتمال لا يثبت النسخ، وأيضا فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر، أما النظر فظاهر وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه وهذا من أصح الأسانيد، وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوة بكثير، ومنها أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب، ولم يقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى. وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم، وبأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار. ومنها دعوى أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب، فلما نهى عن قتلها نسخ الأمر بالغسل. وتعقب بأن الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة والأمر بالغسل متأخر جدا لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل، وقد ذكر ابن مغفل أنه سمع صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل وكان إسلامه سنة سبع كأبي هريرة، بل سياق مسلم ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب، ومنها إلزام الشافعية بإيجاب ثمان غسلات عملا بظاهر حديث عبد الله بن مغفل الذي أخرجه مسلم ولفظه: "فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب " وفي رواية أحمد " بالتراب " وأجيب بأنه لا يلزم من كون الشافعية لا يقولون بظاهر حديث عبد الله بن مغفل أن يتركوا هم العمل بالحديث أصلا ورأسا، لأن اعتذار الشافعية عن ذلك إن كان متجها فذاك، وإلا فكل من الفريقين ملوم في ترك العمل به، قاله ابن دقيق العيد. وقد اعتذر بعضهم عن العمل به بالإجماع على خلافه، وفيه نظر لأنه ثبت القول بذلك عن الحسن البصري، وبه قال أحمد بن حنبل في رواية حرب الكرماني عنه، ونقل عن الشافعي أنه قال: هو حديث لم أقف على صحته، ولكن هذا لا يثبت العذر لمن وقف على صحته، وجنح بعضهم إلى الترجيح لحديث أبي هريرة على حديث ابن مغفل، والترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع، والأخذ بحديث ابن مغفل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس، والزيادة من الثقة مقبولة. ولو سلكنا الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلا لأن رواية مالك بدونه أرجح من رواية من أثبته، ومع ذلك فقلنا به أخذا بزيادة الثقة. وجمع بعضهم بين الحديثين بضرب من المجاز فقال: لما كان التراب جنسا غير الماء جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودا باثنتين. وتعقبه ابن دقيق العيد
(1/277)

بأن قوله: "وعفروه الثامنة بالتراب " ظاهر في كونها غسلة مستقلة، لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازا. وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى. والكلام على هذا الحديث وما يتفرع منه منتشر جدا، ويمكن أن يفرد بالتصنيف. ولكن هذا القدر كاف في هذا المختصر. والله المستعان.
173- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّ رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ"
[الحديث173- أطرافه في: 6009,2466,2363]
قوله: "حدثنا إسحاق" هو ابن منصور الكوسج كما جزم به أبو نعيم في المستخرج، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث، وشيخه عبد الرحمن تكلم فيه بعضهم لكنه صدوق ولم ينفرد بهذا الحديث، والإسناد منه فصاعدا مدنيون، وأبوه وشيخه أبو صالح السمان تابعيان. قوله: "أن رجلا" لم يسم هذا الرجل وهو من بني إسرائيل كما سيأتي. قوله: "يأكل الثرى" بالمثلثة أي يلعق التراب الندي. وفي المحكم الثرى التراب، وقيل التراب الذي إذا بل لم يصر طينا لازبا. قوله: "من العطش" أي بسبب العطش. قوله: "يغرف له به" استدل به المصنف على طهارة سؤر الكلب لأن ظاهره أنه سقى الكلب فيه. وتعقب بأن الاستدلال به مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا وفيه اختلاف، ولو قلنا به لكان محله فيما لم ينسخ، ومع إرخاء العنان لا يتم الاستدلال به أيضا لاحتمال أن يكون صبه في شيء فسقاه أو غسل خفه بعد ذلك أو لم يلبسه بعد ذلك. قوله: "فشكر الله له" أي أثنى عليه فجزاه على ذلك بأن قبل عمله وأدخله الجنة. وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث في باب فضل سقي الماء من كتاب الشرب إن شاء الله تعالى.
174- وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَتْ الْكِلاَبُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ".
قوله: "وقال أحمد بن شبيب" بفتح المعجمة وكسر الموحدة. قوله: "حمزة بن عبد الله" أي ابن عمر بن الخطاب. "كانت الكلاب" زاد أبو نعيم والبيهقي في روايتهما لهذا الحديث من طريق أحمد بن شبيب المذكور موصولا بصريح التحديث قبل قوله تقبل " تبول " وبعدها واو العطف، وكذا ذكر الأصيلي أنها في رواية إبراهيم بن معقل عن البخاري، وكذا أخرجها أبو داود والإسماعيلي من رواية عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد شيخ شبيب بن سعيد المذكور، وعلى هذا فلا حجة فيه لمن استدل به على طهارة الكلاب للاتفاق على نجاسة بولها قاله ابن المنير. وتعقب بأن من يقول إن الكلب يؤكل وأن بول ما يؤكل لحمه طاهر يقدح في نقل الاتفاق. لا سيما وقد قال جمع بأن أبوال الحيوانات كلها طاهرة إلا الآدمي، وممن قال به ابن وهب حكاه الإسماعيلي وغيره عنه وسيأتي في باب غسل البول. وقال المنذري: المراد أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها ثم تقبل وتدبر في المسجد، إذ لم يكن
(1/278)

عليه في ذلك الوقت غلق. قال: ويبعد أن تترك الكلاب تنتاب المسجد حتى تمتهنه بالبول فيه. وتعقب بأنه إذا قيل بطهارتها لم يمتنع ذلك كما في الهرة، والأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها، ويشير إلى ذلك ما زاده الإسماعيلي في روايته من طريق ابن وهب في هذا الحديث عن ابن عمر قال: كان عمر يقول بأعلى صوته " اجتنبوا اللغو في المسجد " قال ابن عمر: وقد كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الكلاب. الخ، فأشار إلى أن ذلك كان في الابتداء، ثم ورد الأمر بتكريم المسجد حتى من لغو الكلام، وبهذا يندفع الاستدلال به على طهارة الكلب. وأما قوله: "في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهو وإن كان عاما في جميع الأزمنة لأنه اسم مضاف لكنه مخصوص بما قبل الزمن الذي أمر فيه بصيانة المسجد. وفي قوله: "فلم يكونوا يرشون " مبالغة لدلالته على نفي الغسل من باب الأولى، واستدل بذلك ابن بطال على طهارة سؤره لأن من شأن الكلاب أن تتبع مواضع المأكول، وكان بعض الصحابة لا بيوت لهم إلا المسجد فلا يخلو أن يصل لعابها إلى بعض أجزاء المسجد، وتعقب بأن طهارة المسجد متيقنة وما ذكر مشكوك فيه، واليقين لا يرفع بالشك. ثم إن دلالته لا تعارض دلالة منطوق الحديث الوارد في الأمر بالغسل من ولوغه، واستدل به أبو داود في السنن على أن الأرض تطهر إذا لاقتها النجاسة بالجفاف، يعني أن قوله: "لم يكونوا يرشون " يدل على نفي صب الماء من باب الأولى، فلولا أن الجفاف يفيد تطهير الأرض ما تركوا ذلك، ولا يخفى ما فيه. "تنبيه": حكى ابن التين عن الداودي الشارح أنه أبدل قوله يرشون بلفظ: "يرتقبون " بإسكان الراء ثم مثناة مفتوحة ثم قاف مكسورة ثم موحدة، وفسره بأن معناه لا يخشون فصحف اللفظ، وأبعد في التفسير لأن معنى الارتقاب الانتظار، وأما نفي الخوف من نفي الارتقاب فهو تفسير ببعض لوازمه. والله أعلم.
175- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ وَإِذَا أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ" قُلْتُ أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ قَالَ " فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ"
[الحديث175- أطرافه في:7397,5487,5486,5484,5483,5477,2054]
قوله: "ابن أبي السفر" تقدم في المقدمة أن اسمه عبد الله، وأن السفر بفتح الفاء، ووهم من سكنها. قوله: "عدي بن حاتم" أي الطائي. قوله: "سألت" أي عن حكم صيد الكلاب، وحذف لفظ السؤال اكتفاء بدلالة الجواب عليه، وقد صرح به المصنف من طريق أخرى في الصيد كما سيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى. وإنما ساق المصنف هذا الحديث هنا ليستدل به لمذهبه في طهارة سؤر الكلب، ومطابقته للترجمة من قوله فيها " وسؤر الكلاب"، ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن له في أكل ما صاده الكلب ولم يقيد ذلك بغسل موضع فمه، ومن ثم قال مالك: كيف يؤكل صيده ويكون لعابه نجسا؟ وأجاب الإسماعيلي بأن الحديث سيق لتعريف أن قتله ذكاته، وليس فيه إثبات نجاسة ولا نفيها. ويدل لذلك أنه لم يقل له اغسل الدم إذا خرج من جرح نابه، لكنه وكله إلى ما تقرر عنده من وجوب غسل الدم، فلعله وكله أيضا إلى ما تقرر عنده من غسل ما يماسه
(1/279)

فمه. وقال ابن المنير: عند الشافعية أن السكين إذا سقيت بماء نجس وذبح بها نجست الذبيحة، وناب الكلب عندهم نجس العين، وقد وافقونا على أن ذكاته شرعية لا تنجس المذكي. وتعقب بأنه لا يلزم من الاتفاق على أن الذبيحة لا تصير نجسة بعض الكلب ثبوت الإجماع على أنها لا تصير متنجسة، فما ألزمهم به من التناقض ليس بلازم، على أن في المسألة عندهم خلافا، والمشهور وجوب غسل المعض، وليس هذا موضع بسط هذه المسألة.
(1/280)

3 - باب مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلاَّ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ مِنْ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ الدُّودُ أَوْ مِنْ ذَكَرِهِ نَحْوُ الْقَمْلَةِ "يُعِيدُ الْوُضُوءَ" وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ "إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلاَةِ أَعَادَ الصَّلاَةَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ" وَقَالَ الْحَسَنُ "إِنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَلاَ وُضُوءَ عَلَيْهِ" وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ "لاَ وُضُوءَ إِلاَّ مِنْ حَدَثٍ" وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ" وَقَالَ الْحَسَنُ "مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ" وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَطَاءٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ وَعَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَبَزَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى دَمًا فَمَضَى فِي صَلاَتِهِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ فِيمَنْ يَحْتَجِمُ "لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ غَسْلُ مَحَاجِمِهِ"
قوله: "باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين" الاستثناء مفرغ، والمعنى من لم ير الوضوء واجبا من الخروج من شيء من مخارج البدن إلا من القبل والدبر، وأشار بذلك إلى خلاف من رأى الوضوء مما يخرج من غيرهما من البدن كالقيء والحجامة وغيرهما، ويمكن أن يقال: إن نواقض الوضوء المعتبرة ترجع إلى المخرجين: فالنوم مظنة خروج الريح، ولمس المرأة ومس الذكر مظنة خروج المذي. قوله: "لقوله تعالى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} فعلق وجوب الوضوء - أو التيمم عند فقد الماء - على المجيء من الغائط، وهو المكان المطمئن من الأرض الذي كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة، فهذا دليل الوضوء مما يخرج من المخرجين. وقوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} دليل الوضوء من ملامسة النساء، وفي معناه مس الذكر مع صحة الحديث فيه، إلا أنه ليس على شرط الشيخين، وقد صححه مالك وجميع من أخرج الصحيح غير الشيخين. قوله: "وقال عطاء" هو ابن أبي رباح. وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة وغيره بنحوه وإسناده صحيح، والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان، قالوا لا ينقض النادر، وهو قول مالك قال: إلا إن حصل معه تلويث. قوله: "وقال جابر" هذا التعليق وصله سعيد بن منصور والدارقطني وغيرهما، وهو صحيح من قول جابر، وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى مرفوعا لكن ضعفها. والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه قالوا: ينقض الضحك إذا وقع داخل الصلاة لا خارجها. قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه لا ينقض خارج الصلاة، واختلفوا إذا وقع فيها، فخالف من قال به القياس الجلي، وتمسكوا بحديث لا يصح، وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم خير القرون أن يضحكوا بين يدي الله تعالى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى. على أنهم لم يأخذوا بعموم الخبر المروي في الضحك بل
(1/280)

خصوه بالقهقهة. قوله: "وقال الحسن" أي ابن أبي الحسن البصري، والتعليق عنه للمسألة الأولى وصله سعيد بن منصور وابن المنذر بإسناد صحيح. والمخالف في ذلك مجاهد والحكم بن عتيبة وحماد قالوا: من قص أظفاره أو جز شاربه فعليه الوضوء. ونقل ابن المنذر أن الإجماع استقر على خلاف ذلك. وأما التعليق عنه للمسألة الثانية فوصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ووافقه على ذلك إبراهيم النخعي وطاوس وقتادة وعطاء وبه كان يفتي سليمان بن حرب وداود، وخالفهم الجمهور على قولين مرتبين على إيجاب الموالاة وعدمها، فمن أوجبها قال: يجب استئناف الوضوء إذا طال الفصل، ومن لم يوجبها قال: يكتفي بغسل رجليه وهو الأظهر من مذهب الشافعي. وقال في الموطأ(1): أحب إلي أن يبتدئ الوضوء من أوله. وقال بعض العلماء من الشافعية وغيرهم يجب الاستئناف وإن لم تجب الموالاة، وعن الليث عكس ذلك. قوله: "وقال أبو هريرة" وصله إسماعيل القاضي في الأحكام بإسناد صحيح من طريق مجاهد عنه موقوفا، ورواه أحمد وأبو داود والترمذي من طريق شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه مرفوعا وزاد: "أو ريح". قوله: "ويذكر عن جابر" وصله ابن إسحاق في المغازي قال: حدثني صدقة بن يسار عن عقيل ابن جابر عن أبيه مطولا. وأخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق ابن إسحاق، وشيخه صدقة ثقة، وعقيل بفتح العين لا أعرف راويا عنه غير صدقة، ولهذا لم يجزم به المصنف، أو لكونه اختصره، أو للخلاف في ابن إسحاق. قوله: "في غزوة ذات الرقاع" سيأتي الكلام عليها في المغازي إن شاء الله تعالى. قوله: "فرمى" بضم الراء. قوله: "رجل" تبين من سياق المذكورين سبب هذه القصة، ومحصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بشعب فقال: من يحرسنا الليلة؟ فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فباتا بفم الشعب فاقتسما الليل للحراسة، فنام المهاجري وقام الأنصاري يصلي، فجاء رجل من العدو فرأى الأنصاري فرماه بسهم فأصابه فنزعه واستمر في صلاته، ثم رماه بثان فصنع كذلك، ثم رماه بثالث فانتزعه وركع وسجد وقضى صلاته، ثم أيقظ رفيقه. فلما رأى ما به من الدماء قال له: لم لا أنبهتني أولى ما رمى؟ قال: كنت في سورة فأحببت أن لا أقطعها. وأخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر وسمى الأنصاري المذكور عباد بن بشر، والمهاجري عمار بن ياسر، والسورة الكهف. قوله: "فنزفه" قال ابن طريف(2) في الأفعال: يقال نزفه الدم وأنزفه إذا سال منه كثيرا حتى يضعفه فهو نزيف ومنزوف. وأراد المصنف بهذا الحديث الرد على الحنفية في أن الدم السائل ينقض الوضوء، فإن قيل: كيف مضى في صلاته مع وجود الدم في بدنه أو ثوبه واجتناب النجاسة فيها واجب؟ أجاب الخطابي بأنه يحتمل أن يكون الدم جرى من الجراح على سبيل الدفق بحيث لم يصب شيئا من ظاهر بدنه وثيابه، وفيه بعد. ويحتمل أن يكون الدم أصاب الثوب فقط فنزعه عنه ولم يسل على جسمه إلا قدر يسير معفو عنه. ثم الحجة قائمة به على كون خروج الدم لا ينقض، ولو لم يظهر الجواب عن كون الدم أصابه. والظاهر أن البخاري كان يرى أن خروج الدم في الصلاة لا يبطلها بدليل أنه ذكر عقب هذا الحديث أثر الحسن وهو البصري قال: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم، وقد صح أن عمر صلى وجرحه ينبع دما. قوله: "وقال طاوس" هو ابن كيسان التابعي المشهور، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ولفظه: "أنه كان لا يرى في الدم وضوءا، يغسل عنه
ـــــــ
(1) بهامش طبعة بولاق: في بعض النسخ:وقال البوطي"
(2) هو عبد الملك بن طريف الأندلسي, مات في حدود الأربعمائة قاله السيوطي في بغية الوعاة

اخت مسلمة
06-09-2009, 04:17 AM
الدم ثم حسبه". قوله: "ومحمد بن علي" أي ابن الحسين بن علي أبو جعفر الباقر، وأثره هذا رويناه موصولا في فوائد الحافظ أبي بشر المعروف بسموية من طريق الأعمش قال: سألت أبا جعفر الباقر عن الرعاف، فقال: لو سال نهر من دم ما أعدت منه الوضوء. وعطاء هو ابن أبي رباح وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه. قوله: "وأهل الحجاز" هو من عطف العام على الخاص، لأن الثلاثة المذكورين قبل حجازيون. وقد رواه عبد الرزاق من طريق أبي هريرة وسعيد بن جبير، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر وسعيد بن المسيب، وأخرجه إسماعيل القاضي من طريق أبي الزناد عن الفقهاء السبعة من أهل المدينة وهو قول مالك والشافعي. قوله: "وعصر ابن عمر" وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح وزاد قبل قوله ولم يتوضأ " ثم صلى". قوله: "بثرة" بفتح الموحدة وسكون المثلثة ويجوز فتحها، هي خراج صغير يقال بثر وجهه مثلث الثاء المثلثة. قوله: "وبزق ابن أبي أوفى" هو عبد الله الصحابي ابن الصحابي، وأثره هذا وصله سفيان الثوري في جامعه عن عطاء بن السائب أنه رآه فعل ذلك. وسفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه فالإسناد صحيح. قوله: "وقال ابن عمر" صله الشافعي وابن أبي شيبة بلفظ: "كان إذا احتجم غسل محاجمه". قوله: "والحسن" أي البصري، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة أيضا ولفظه: "أنه سئل عن الرجل يحتجم ماذا عليه؟ قال يغسل أثر محاجمه". "تنبيه": وقع في رواية الأصيلي وغيره: "ليس عليه غسل محاجمه " بإسقاط أداة الاستثناء، وهو الذي ذكره الإسماعيلي. وقال ابن بطال: ثبتت " إلا " في رواية المستملي دون رفيقيه، انتهى. وهي في نسختي ثابتة من رواية أبي ذر عن الثلاثة، وتخريج التعليق المذكور يؤيد ثبوتها، وقد حكى عن الليث أنه قال: يجزئ المحتجم أن يمسح موضع الحجامة ويصلي ولا يغسله.
176- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ مَا لَمْ يُحْدِثْ" فَقَالَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ الصَّوْتُ يَعْنِي "الضَّرْطَةَ"
[الحديث 176- أطرافه في: 4717,3229,2119,659,648,647,477,445]
قوله: "ابن أبي ذئب" تقدم أن اسمه محمد بن عبد الرحمن، والإسناد كله مدنيون إلا آدم وقد دخلها. قوله: "ما كان في المسجد"، أي ما دام، وهي رواية الكشميهني، والمراد أنه في ثواب الصلاة ما دام ينتظرها وإلا لامتنع عليه الكلام ونحوه. وقال الكرماني نكر قوله: "في صلاة " ليشعر بأن المراد نوع صلاته التي ينتظرها، وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الصلاة في أبواب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى. قوله: "أعجمي" أي غير فصيح بالعربية سواء كان عربي الأصل أم لا، ويحتمل أن يكون هذا الأعجمي هو الحضرمي الذي تقدم ذكره في أوائل كتاب الوضوء. قوله: "قال الصوت" كذا فسره هنا، ويؤيده الزيادة المذكورة قبل في رواية أبي داود وغيره حيث قال: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح " فكأنه قال: لا وضوء إلا من ضراط أو فساء، وإنما خصهما بالذكر دون ما هو أشد منهما لكونهما لا يخرج من المرء غالبا في المسجد غيرهما، فالظاهر أن السؤال وقع عن الحديث الخاص وهو المعهود وقوعه غالبا في الصلاة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الوضوء.
(1/282)

177- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا"
قوله: "حدثنا أبو الوليد" هو الطيالسي، وإن كان هشام بن عمار يكنى أيضا أبا الوليد، ويروي أيضا عن ابن عيينة ويروي عنه البخاري. قوله: "عن عمه" هو عبد الله بن زيد المازني، وتقدم الكلام على حديثه هذا في " باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن " وأورده هنا لظهور دلالته على حصر النقض بما يخرج من السبيلين، وقد قدمنا توجيه إلحاق بقية النواقض بهما أوائل الباب.
178- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى الْثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: "قَالَ عَلِيٌّ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ "فِيهِ الْوُضُوءُ". وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ الأَعْمَشِ
قوله: "حدثنا جرير" هو ابن عبد الحميد، وسيأتي الكلام على المتن في باب غسل المذي من كتاب الغسل إن شاء الله تعالى. وتقدمت له طريق أخرى في أواخر كتاب العلم. وأورده هنا لدلالته على إيجاب الوضوء من المذي وهو خارج من أحد المخرجين. قوله: "ورواه شعبة عن الأعمش"، أي بالإسناد المذكور، وقد وصله أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة كذلك.
179- حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ فَلَمْ يُمْنِ قَالَ عُثْمَانُ "يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ" قَالَ عُثْمَانُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ
[الحديث179-طرفه في: 292]
قوله: "حدثنا سعد بن حفص" كذا للجميع، إلا القابسي فقال: "سعيد " وكذا صنع في حديثه الآخر الآتي في باب فضل النفقة في سبيل الله من كتاب الجهاد، نبه عليهما الجياني. قوله: "حدثنا شيبان" هو ابن عبد الرحمن، عن يحيى هو ابن أبي كثير، عن أبي سلمة أي ابن عبد الرحمن بن عوف. وفي الإسناد تابعيان كبيران مدنيان يروي أحدهما عن الآخر وصحابيان كذلك، ويحيى بن أبي كثير أيضا تابعي صغير، ففيه ثلاثة من التابعين في نسق. قوله: "أرأيت" أي أخبرني. قوله: "إذا جامع" أي الرجل فلم يمن بضم التحتانية وسكون الميم. قوله: "كما يتوضأ للصلاة" بيان لأن المراد الوضوء الشرعي لا اللغوي، وسيأتي حكم هذه المسألة في آخر كتاب الغسل، ونبين هناك أنه منسوخ، ولا يقال إذا كان منسوخا كيف يصح الاستدلال به لأنا نقول المنسوخ منه عدم وجوب الغسل وناسخه الأمر بالغسل، وأما الأمر بالوضوء فهو باق لأنه مندرج تحت الغسل، والحكمة في الأمر بالوضوء قبل أن يجب الغسل إما لكون الجماع مظنة خروج المذي أو لملامسة المرأة، وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة.
(1/283)

180- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ" فَقَالَ نَعَمْ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ قُحِطْتَ فَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ "
تَابَعَهُ وَهْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ غُنْدَرٌ وَيَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ "الْوُضُوءُ"
قوله: "حدثنا إسحاق" كذا في رواية كريمة وغيرها، زاد الأصيلي: "هو ابن منصور " وفي رواية أبي ذر " حدثنا إسحاق بن منصور بن بهرام " بفتح الموحدة وهو المعروف بالكوسج كما صرح به أبو نعيم. قوله: "حدثنا النضر" هو ابن شميل بالمعجمة مصغرا، والحكم هو ابن عتيبة بمثناة وموحدة مصغرا. قوله: "أرسل إلى رجل من الأنصار" ولمسلم وغيره: "مر على رجل " فيحمل على أنه مر به فأرسل إليه، وهذا الأنصاري سماه مسلم في روايته من طريق أخرى عن أبي سعيد " عتبان " وهو بكسر المهملة وسكون المثناة ثم موحدة خفيفة ولفظه من رواية شريك بن أبي نمر عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال: "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فخرج يجر إزاره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعجلنا الرجل " فذكر الحديث بمعناه. وعتبان المذكور هو ابن مالك الأنصاري كما نسبه بقي بن مخلد في روايته لهذا الحديث من هذا الوجه، ووقع في رواية في صحيح أبي عوانة أنه ابن عتبان والأول أصح، ورواه ابن إسحاق في المغازي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده لكنه قال: "فهتف برجل من أصحابه يقال له صالح " فإن حمل على تعدد الواقعة وإلا فطريق مسلم أصح. وقد وقعت القصة أيضا لرافع بن خديج وغيره أخرجه أحمد وغيره، ولكن الأقرب في تفسير المبهم الذي في البخاري أنه عتبان. والله أعلم. قوله: "يقطر" أي ينزل منه الماء قطرة قطرة من أثر الغسل. قوله: "لعلنا أعجلناك" أي عن فراغ حاجتك من الجماع، وفيه جواز الأخذ بالقرائن، لأن الصحابي لما أبطأ عن الإجابة مدة الاغتسال خالف المعهود منه وهو سرعة الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى عليه أثر الغسل دل على أن شغله كان به، واحتمل أن يكون نزع قبل الإنزال ليسرع الإجابة، أو كان أنزل فوقع السؤال عن ذلك. وفيه استحباب الدوام على الطهارة لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه تأخير إجابته، وكأن ذلك كان قبل إيجابها، إذ الواجب لا يؤخر للمستحب. وقد كان عتبان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فيصلي في بيته في مكان يتخذه مصلى فأجابه، كما سيأتي في موضعه، فيحتمل أن تكون هي هذه الواقعة، وقدم الاغتسال ليكون متأهبا للصلاة معه، والله أعلم. قوله: "إذا أعجلت" بضم الهمزة وكسر الجيم، وفي أصل أبي ذر " إذا عجلت " بلا همز و " قحطت " وفي رواية غيره: "أقحطت " بوزن أعجلت، وكذا لمسلم. قال صاحب الأفعال: يقال أقحط الرجل إذا جامع ولم ينزل. وحكى ابن الجوزي عن ابن الخشاب أن المحدثين يقولون قحط بفتح القاف قال والصواب الضم. قلت: وروايته في أمالي أبي علي القالي بالوجهين في القاف، وبزيادة الهمزة المضمومة، يقال قحط الناس وأقحطوا إذا حبس عنهم المطر، ومنه استعير ذلك لتأخر الإنزال. قال الكرماني ليس قوله: "أو " للشك بل هو لبيان عدم الإنزال سواء كان بحسب أمر من ذات الشخص أم لا، وهذا بناء على أن إحداهما بالتعدية وإلا فهي للشك. قوله: "تابعه وهب" أي ابن جرير بن حازم، والضمير يعود على النضر، ومتابعة وهب وصلها أبو العباس السراج في مسنده عن زياد بن أيوب عنه.
(1/284)

باب الرجل يوضيء صاحبه
...
35 - باب الرَّجُلُ يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ
181- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَفَاضَ مِنْ عَرَفةَ عَدَلَ إِلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي فَقَالَ: "الْمُصَلَّى أَمَامَكَ"
قوله: "باب الرجل يوضئ صاحبه" أي ما حكمه.قوله: "ابن سلام" هو محمد كما في رواية كريمة، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري. وفي هذا الإسناد رواية الأقران لأن يحيى وموسى بن عقبة تابعيان صغيران من أهل المدينة، وكريب مولى ابن عباس من أواسط التابعين ففيه ثلاثة من التابعين في نسق. وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من مباحث هذا الحديث في " باب إسباغ الوضوء " ويأتي باقيها في كتاب الحج. ووقع في تراجم البخاري لابن المنير في هذا الموضع وهم، فإنه قال فيه ابن عباس عن أسامة، وليس هو من رواية ابن عباس وإنما هو من رواية كريب مولى ابن عباس. قوله: "أصب" بتشديد الموحدة ومفعوله محذوف أي الماء. وقوله: "ويتوضأ " أي وهو يتوضأ. واستدل به المصنف على الاستعانة في الوضوء، لكن من يدعي أن الكراهية مختصة بغير المشقة أو الاحتياج في الجملة لا يستدل عليه بحديث أسامة لأنه كان في السفر. وكذا حديث المغيرة المذكور، قال ابن المنير قاس البخاري توضئة الرجل غيره على صبه عليه لاجتماعهما في معنى الإعانة. قلت: والفرق بينهما ظاهر، ولم يفصح البخاري في المسألة بجواز ولا غيره، وهذه عادته في الأمور المحتملة. قال النووي: الاستعانة ثلاثة أقسام: إحضار الماء، ولا كراهة فيه أصلا. قلت: لكن الأفضل خلافه. قال: الثاني مباشرة الأجنبي الغسل، وهذا مكروه إلا لحاجة. الثالث: الصب وفيه وجهان. أحدهما يكره، والثاني خلاف الأولى. وتعقب بأنه إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لا يكون خلاف الأولى. وأجيب بأنه قد يفعله لبيان الجواز في يكون في حقه خلاف الأولى بخلاف غيره. وقال الكرماني: إذا كان الأولى تركه كيف ينازع في كراهته؟ وأجيب بأن كل مكروه فعله خلاف الأولى من غير عكس، إذ المكروه يطلق على الحرام بخلاف الآخر.
182- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ "أَنَّهُ كَانَ
(1/285)

36 - باب قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَغَيْرِهِ
وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: "لاَ بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ وَبِكَتْبِ الرِّسَالَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ" وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: "إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ إِزَارٌ فَسَلِّمْ وَإِلاَ فَلاَ تُسَلِّمْ".
قوله: "باب قراءة القرآن بعد الحدث" أي الأصغر "وغيره" أي من مظان الحدث. وقال الكرماني الضمير يعود على القرآن، والتقدير باب قراءة القرآن وغيره أي الذكر والسلام ونحوهما بعد الحدث، ويلزم منه الفصل بين المتعاطفين، ولأنه إن جازت القراءة بعد الحدث فجواز غيرها من الأذكار بطريق الأولى، فهو مستغنى عن
ـــــــ
(1) صوابه: لكان قد قدمه على النية. فتأمل
(1/286)

ذكره بخلاف غير الحدث من نواقض الوضوء، وقد تقدم بيان المراد بالحدث وهو يؤيد ما قررته. قوله: "وقال منصور" أي ابن المعتمر "عن إبراهيم" أي النخعي، وأثره هذا وصله سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن منصور مثله، وروى عبد الرزاق عن الثوري عن منصور قال: سألت إبراهيم عن القراءة في الحمام فقال: لم يبن للقراءة فيه. قلت: وهذا لا يخالف رواية أبي عوانة، فإنها تتعلق بمطلق الجواز وقد روى سعيد بن منصور أيضا عن محمد بن أبان عن حماد بن أبي سليمان قال: سألت إبراهيم عن القراءة في الحمام فقال يكره ذلك، انتهى. والإسناد الأول أصح. وروى ابن المنذر عن علي قال: بئس البيت الحمام ينزع فيه الحياء، ولا يقرأ فيه آية من كتاب الله. وهذا لا يدل على كراهة القراءة، وإنما هو إخبار بما هو الواقع بأن شأن من يكون في الحمام أن يلتهي عن القراءة. وحكيت الكراهة عن أبي حنيفة، وخالفه صاحبه محمد بن الحسن ومالك فقالا لا تكره، لأنه ليس فيه دليل خاص، وبه صرح صاحبا العدة والبيان من الشافعية. وقال النووي في التبيان عن الأصحاب: لا تكره، فأطلق. لكن في شرح الكفاية للصيمري: لا ينبغي أن يقرأ. وسوى الحليمي بينه وبين القراءة حال قضاء الحاجة. ورجح السبكي الكبير عدم الكراهة واحتج بأن القراءة مطلوبة والاستكثار منها مطلوب والحدث يكثر، فلو كرهت لفات خير كثير ثم قال: حكم القراءة في الحمام إن كان القارئ في مكان نظيف وليس فيه كشف عورة لم يكره، وإلا كره. قوله: "ويكتب الرسالة" كذا في رواية الأكثر بلفظ مضارع كتب. وفي رواية كريمة: "بكتب " بموحدة مكسورة وكاف مفتوحة عطفا على قوله بالقراءة. وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن الثوري أيضا عن منصور قال: سألت إبراهيم: أأكتب الرسالة على غير وضوء؟ قال: نعم. وتبين بهذا أن قوله على غير وضوء يتعلق بالكتابة لا بالقراءة في الحمام. ولما كان من شأن الرسائل أن تصدر بالبسملة توهم السائل أن ذلك يكره لمن كان على غير وضوء، لكن يمكن أن يقال إن كاتب الرسالة لا يقصد القراءة فلا يستوي مع القراءة. قوله: "وقال حماد" هو ابن أبي سليمان فقيه الكوفة "عن إبراهيم" أي النخعي "إن كان عليهم" أي على من في الحمام "إزار" المراد به الجنس أي على كل منهم إزار. وأثره هذا وصله الثوري في جامعه عنه، والنهي عن السلام عليهم إما إهانة لهم لكونهم على بدعة، وإما لكونه يستدعي منهم الرد، والتلفظ بالسلام فيه ذكر الله لأن السلام من أسمائه، وأن لفظ سلام عليكم من القرآن، والمتعري عن الإزار مشابه لمن هو في الخلاء. وبهذا التقرير يتوجه ذكر هذا الأثر في هذه الترجمة.
183- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ خَالَتُهُ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ".
(1/287)

قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أويس. قوله: "مخرمة" بفتح الميم وإسكان المعجمة، والإسناد كله مدنيون. قوله: "فاضطجعت" قائل ذلك هو ابن عباس، وفيه التفات لأن أسلوب الكلام كان يقتضي أن يقول فاضطجع لأنه قال قبل ذلك إنه بات. قوله: "في عرض" بفتح أوله على المشهور، وبالضم أيضا، وأنكره الباجي من جهة النقل ومن جهة المعنى قال: لأن العرض بالضم هو الجانب وهو لفظ مشترك. قلت: لكن لما قال: "في طولها " تعين المراد، وقد صحت به الرواية فلا وجه للإنكار. قوله: "يمسح النوم" أي يمسح بيده عينيه، من باب إطلاق اسم الحال على المحل، أو أثر النوم من باب إطلاق السبب على المسبب. قوله: "ثم قرأ العشر الآيات أولها" {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى آخر السورة. قال ابن بطال ومن تبعه: فيه دليل على رد من كره قراءة القرآن على غير طهارة، لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآيات بعد قيامه من النوم قبل أن يتوضأ. وتعقبه ابن المنير وغيره بأن ذلك مفرع على أن النوم في حقه ينقض، وليس كذلك، لأنه قال: "تنام عيناي ولا ينام قلبي " وأما كونه توضأ عقب ذلك فلعله جدد الوضوء أو أحدث بعد ذلك فتوضأ. قلت: وهو تعقيب جيد بالنسبة إلى قول ابن بطال: بعد قيامه من النوم، لأنه لم يتعين كونه أحدث في النوم، لكن لما عقب ذلك بالوضوء كان ظاهرا في كونه أحدث، ولا يلزم من كون نومه لا ينقض وضوءه أن لا يقع منه حدث وهو نائم، نعم خصوصيته أنه إن وقع شعر به بخلاف غيره. وما ادعوه من التجديد وغيره الأصل عدمه. وقد سبق الإسماعيلي إلى معنى ما ذكره ابن المنير، والأظهر أن مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن مضاجعة الأهل في الفراش لا تخلو من الملامسة. ويمكن أن يؤخذ ذلك من قول ابن عباس " فصنعت مثل ما صنع " ولم يرد المصنف أن مجرد نومه صلى الله عليه وسلم ينقض لأن في آخر هذا الحديث عنده في باب التخفيف في الوضوء " ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم صلى". ثم رأيت في الحلبيات للسبكي الكبير بعد أن ذكر اعتراض الإسماعيلي: لعل البخاري احتج بفعل ابن عباس بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو اعتبر اضطجاع النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله واللمس ينقض الوضوء. قلت: ويؤخذ من هذا الحديث توجيه ما قيدت الحديث به في ترجمة الباب، وأن المراد به الأصغر، إذ لو كان الأكبر لما اقتصر على الوضوء ثم صلى بل كان يغتسل. قوله: "إلى شن معلقة" قال الخطابي: الشن القربة التي تبدت للبلاء، ولذلك قال في هذه الرواية: "معلقة " فأنث لإرادة القربة. قوله: "فقمت فصنعت مثل ما صنع" تقدمت الإشارة في باب تخفيف الوضوء إلى هذا الموضع فليراجع من ثم، وستأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى. "تنبيه": روى مسلم من حديث ابن عمر كراهة ذكر الله بعد الحديث، لكنه على غير شرط المصنف.
(1/288)

37 - باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ إِلاَّ مِنْ الْغَشْيِ الْمُثْقِلِ
184- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي فَقُلْتُ مَا لِلنَّاسِ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ فَقُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ أَيْ نَعَمْ فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَنِي الْغَشْيُ وَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي مَاءً فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ
(1/288)

قَالَ "مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ " لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ " يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ "أَوْ الْمُوقِنُ لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ " فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا فَيُقَالُ: لَهُ نَمْ صَالِحًا فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا وَأَمَّا الْمُنَافِقُ "أَوْ الْمُرْتَابُ لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ " فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ"
قوله: "باب من لم يتوضأ" أي من الغشي "إلا من الغشي المثقل" فالاستثناء مفرغ. والمثقل بضم الميم وإسكان المثلثة وكسر القاف ويجوز فتحها، وأشار المصنف بذلك إلى الرد على من أوجب الوضوء من الغشي مطلقا، والتقدير: باب من لم يتوضأ من الغشي إلا إذا كان مثقلا. قوله: "حدثنا إسماعيل" و ابن أبي أويس أيضا، والإسناد كله مدنيون أيضا، وفيه رواية الأقران هشام وامرأته فاطمة بنت عمه المنذر. قوله: "فأشارت أن نعم" كذا لأكثرهم بالنون، ولكريمة: "أي نعم " وهي رواية وهيب المتقدمة في العلم، وبين فيها أن هذه الإشارة كانت برأسها. قوله: "تجلاني" أي غطاني، قال ابن بطال: الغشي مرض يعرض من طول التعب والوقوف(1)، وهو ضرب من الإغماء إلا أنه دونه. وإنما صبت أسماء الماء على رأسها مدافعة له، ولو كان شديدا لكان كالإغماء، وهو ينقض الوضوء بالإجماع، انتهى. وكونها كانت تتولى صب الماء عليها يدل على أن حواسها كانت مدركة، وذلك لا ينقض الوضوء. ومحل الاستدلال بفعلها من جهة أنها كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرى الذي خلفه وهو في الصلاة - ولم ينقل أنه أنكر عليها. وقد تقدم شيء من مباحث هذا الحديث في كتاب العلم، وتأتي بقية مباحثه في كتاب صلاة الكسوف إن شاء الله تعالى.
(1/289)

باب من مسح الرأس كله
...
38 - باب مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [6 المائدة]
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ الْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ تَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا
وَسُئِلَ مَالِكٌ أَيُجْزِئُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ فَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ
185- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ نَعَمْ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ".
[الحديث185- أطرافه في: 199,197,192,191,186]
ـــــــ
(1) وقد يعرض للإنسان عند رؤيته او سماعه ما يدهشه,كما في هذا الحديث
(1/289)

قوله: "باب مسح الرأس كله" كذا لأكثرهم وسقط لفظ: "كله " للمستملي. قوله: "وقال ابن المسيب" أي سعيد، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة بلفظ: "الرجل والمرأة في المسح سواء " ونقل عن أحمد أنه قال: يكفي المرأة مسح مقدم رأسها. قوله: "وسئل مالك" السائل له عن ذلك هو إسحاق بن عيسى بن الطباع، بينه ابن خزيمة في صحيحه من طريقه ولفظه: سألت مالكا عن الرجل يمسح مقدم رأسه في وضوئه أيجزئه ذلك؟ فقال: حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه عبد الله بن زيد فقال: "مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وضوئه من ناصيته إلى قفاه، ثم رد يديه إلى ناصيته فمسح رأسه كله". وهذا السياق أصرح للترجمة من الذي ساقه المصنف قبل، وموضع الدلالة من الحديث والآية أن لفظ الآية مجمل، لأنه يحتمل أن يراد منها مسح الكل على أن الباء زائدة، أو مسح البعض على أنها تبعيضية، فتبين بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد الأول، ولم ينقل عنه أنه مسح بعض رأسه إلا في حديث المغيرة أنه مسح على ناصيته وعمامته، فإن ذلك دل على أن التعميم ليس بفرض(1)، فعلى هذا فالإجمال في المسند إليه لا في الأصل.قوله: "عن أبيه" أي أبي عثمان يحيى بن عمارة أي ابن أبي حسن واسمه تميم بن عبد عمرو، ولجده أبي حسن صحبة، وكذا لعمارة فيما جزم به ابن عبد البر. وقال أبو نعيم: فيه نظر. والإسناد كله مدنيون إلا عبد الله بن يوسف وقد دخلها. قوله: "أن رجلا" هو عمرو بن أبي حسن كما سماه المصنف في الحديث الذي بعد هذا من طريق وهيب عن عمرو بن يحيى، وعلى هذا فقوله هنا: "وهو جد عمرو بن يحيى " فيه تجوز، لأنه عم أبيه، وسماه جدا لكونه في منزلته، ووهم من زعم أن المراد بقوله: "وهو " عبد الله بن زيد، لأنه ليس جدا لعمرو بن يحيى لا حقيقة ولا مجازا. وأما قول صاحب الكمال ومن تبعه في ترجمة عمرو بن يحيى أنه ابن بنت عبد الله بن زيد فغلط توهمه من هذه الرواية، وقد ذكر ابن سعد أن أم عمرو بن يحيى هي حميدة بنت محمد بن إياس بن البكير. وقال غيره هي أم النعمان بنت أبي حية فالله أعلم. وقد اختلف رواة الموطأ في تعيين هذا السائل، وأما أكثرهم فأبهمه، قال معن بن عيسى في روايته عن عمرو عن أبيه يحيى: إنه سمع أبا حسن - وهو جد عمرو بن يحيى - قال لعبد الله بن زيد وكان من الصحابة. فذكر الحديث. وقال محمد بن الحسن الشيباني عن مالك: حدثنا عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع جده أبا حسن يسأل عبد الله بن زيد. وكذا ساقه سحنون في المدونة. وقال الشافعي في الأم: عن مالك عن عمرو عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد. ومثله رواية الإسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي عن مالك عن عمرو عن أبيه قال: قلت.. والذي يجمع هذا الاختلاف أن يقال: اجتمع عند عبد الله بن زيد أبو حسن الأنصاري وابنه عمرو وابن ابنه يحيى عمارة بن أبي حسن فسألوه عن صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وتولى السؤال منهم له عمرو بن أبي حسن، فحيث نسب إليه السؤال كان على الحقيقة.
ويؤيده رواية سليمان بن بلال عند المصنف في باب الوضوء من التور قال: حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه قال: كان عمي يعني عمرو بن أبي حسن يكثر الوضوء، فقال لعبد الله بن زيد أخبرني.. فذكره. وحيث نسب السؤال إلى أبي حسن فعلى المجاز لكونه كان الأكبر وكان حاضرا. وحيث نسب السؤال ليحيى بن عمارة فعلى المجاز أيضا لكونه ناقل الحديث وقد حضر السؤال. ووقع في رواية مسلم عن محمد بن الصباح
ـــــــ
(1) ليس في الحديث المذكور حجة على أن تعميم الرأس ليس بفرض إذا لم يكن عليه عمامة, وإنما يدل الحديث على الاجتزاء بمسح ما ظهر منه تبعا لمسح العمامة عند وجودها. وأما عند عدمها فالواجب تعميمه عملا بحديث عبد الله بن زيد. وبذلك يتبين أنه ليس بين الحديثين اختلاف. والباء في الآية للا لصاق, فليست زائدة ولا للتبعيض فتنبه.
(1/290)

عن خالد الواسطي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد قال: "قيل له توضأ لنا " فذكره مبهما. وفي رواية الإسماعيلي من طريق وهب بن بقية عن خالد المذكور بلفظ: "قلنا له"، وهذا يؤيد الجمع المتقدم من كونهم اتفقوا على سؤاله، لكن متولي السؤال منهم عمرو بن أبي حسن. ويزيد ذلك وضوحا رواية الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عمه عمرو بن أبي حسن. قال: "كنت كثير الوضوء، فقلت لعبد الله بن زيد " فذكر الحديث. أخرجه أبو نعيم في المستخرج، والله أعلم. قوله: "أتستطيع" فيه ملاطفة الطالب للشيخ، وكأنه أراد أن يريه بالفعل ليكون أبلغ في التعليم، وسبب الاستفهام ما قام عنده من احتمال أن يكون الشيخ نسي ذلك لبعد العهد. قوله: "فدعا بماء" وفي رواية وهب في الباب الذي بعده " فدعا بتور من ماء". والتور بمثناة مفتوحة قال الداودي: قدح. وقال الجوهري: إناء يشرب منه. وقيل هو الطست، وقيل يشبه الطست، وقيل هو مثل القدر يكون من صفر أو حجارة. وفي رواية عبد العزيز بن أبي سلمة عند المصنف في باب الغسل في المخضب في أول هذا الحديث: "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر " والصفر بضم المهملة وإسكان الفاء وقد تكسر صنف من حديد النحاس، قيل إنه سمي بذلك لكونه يشبه الذهب، ويسمى أيضا الشبه بفتح المعجمة والموحدة. والتور المذكور يحتمل أن يكون هو الذي توضأ منه عبد الله بن زيد إذ سئل عن صفة الوضوء فيكون أبلغ في حكاية صورة الحال على وجهها. قوله: "فأفرغ" وفي رواية موسى عن وهيب " فأكفأ " بهمزتين. وفي رواية سليمان بن حرب في باب مسح الرأس مرة عن وهيب " فكفأ " بفتح الكاف، وهما لغتان بمعنى يقال كفأ الإناء وأكفأ إذا أماله. وقال الكسائي كفأت الإناء كببته وأكفأته أملته. والمراد في الموضعين إفراغ الماء من الإناء على اليد كما صرح به في رواية مالك. قوله: "فغسل يده مرتين" كذا في رواية مالك بإفراد يده. وفي رواية وهيب وسليمان بن بلال عند المصنف وكذا للدراوردي عند أبي نعيم " فغسل يديه " بالتثنية، فيحمل الإفراد في رواية مالك على الجنس، وعند مالك " مرتين"، وعند هؤلاء " ثلاثا"، وكذا لخالد بن عبد الله عند مسلم، وهؤلاء حفاظ وقد اجتمعوا فزيادتهم مقدمة على الحافظ الواحد، وقد ذكر مسلم من طريق بهز عن وهيب أنه سمع هذا الحديث مرتين من عمرو بن يحيى إملاء، فتأكد ترجيح روايته، ولا يقال يحمل على واقعتين لأنا نقول: المخرج متحد والأصل عدم التعدد. وفيه من الأحكام غسل اليد قبل إدخالها الإناء ولو كان من غير نوم كما تقدم مثله في حديث عثمان، والمراد باليدين هنا الكفان لا غير. قوله: "ثم تمضمض واستنثر"، وللكشميهني: "مضمض واستنشق " والاستنثار يستلزم الاستنشاق بلا عكس، وقد ذكر في رواية وهيب الثلاثة وزاد بعد قوله ثلاثا " بثلاث غرفات"؛ واستدل به على استحباب الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كل غرفة. وفي رواية خالد بن عبد الله الآتية بعد قليل " مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا " وهو صريح في الجمع كل مرة، بخلاف رواية وهيب فإنه تطرقها احتمال التوزيع بلا تسوية كما نبه عليه ابن دقيق العيد. ووقع في رواية سليمان بن بلال عند المصنف في باب الوضوء من التور " فمضمض واستنثر ثلات مرات من غرفة واحدة " واستدل بها على الجمع بغرفة واحدة، وفيه نظر لما أشرنا إليه من اتحاد المخرج فتقدم الزيادة، ولمسلم من رواية خالد المذكورة " ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض". فاستدل بها على تقديم المضمضة على الاستنشاق لكونه عطف بالفاء التعقيبية وفيه بحث. قوله: "ثم غسل وجهه ثلاثا" لم تختلف الروايات في ذلك، ويلزم من استدل بهذا الحديث على وجوب تعميم الرأس بالمسح أن يستدل به على
(1/291)

وجوب الترتيب للإتيان بقوله: "ثم " في الجميع، لأن كلا من الحكمين مجمل في الآية بينته السنة بالفعل. قوله: "ثم غسل يديه مرتين مرتين" كذا بتكرار مرتين، ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل اليدين مرتين، لكن في رواية مسلم من طريق حبان بن واسع عن عبد الله بن زيد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وفيه: "ويده اليمنى ثلاثا ثم الأخرى ثلاثا " فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج الحديثين غير متحد. قوله: "إلى المرفقين" كذا للأكثر وللمستملي والحموي إلى المرفقين بالإفراد على إرادة الجنس، وقد اختلف العلماء: هل يدخل المرفقان في غسل اليدين أم لا؟ فقال المعظم: نعم، وخالف زفر. وحكاه بعضهم عن مالك، واحتج بعضهم للجمهور بأن إلى في الآية بمعنى مع كقوله تعالى :{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} ، وتعقب بأنه خلاف الظاهر، وأجيب بأن القرينة دلت عليه وهي كون ما بعد " إلى " من جنس ما قبلها. وقال ابن القصار: اليد يتناولها الاسم إلى الإبط لحديث عمار " أنه تيمم إلى الإبط " وهو من أهل اللغة، فلما جاء قوله تعالى :{إِلَى الْمَرَافِقِ} بقي المرفق مغسولا مع الذراعين بحق الاسم، انتهى. فعلى هذا فإلى هنا حد للمتروك من غسل اليدين لا للمغسول، وفي كون ذلك ظاهرا من السياق نظر، والله أعلم. وقال الزمخشري: لفظ إلى يفيد معنى الغاية مطلقا، فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل، فقوله تعالى :{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} دليل عدم الدخول النهي عن الوصال، وقول القائل حفظت القرآن من أوله إلى آخره دليل الدخول كون الكلام مسوقا لحفظ جميع القرآن، وقوله تعالى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} لا دليل فيه على أحد الأمرين، قال: فأخذ العلماء بالاحتياط ووقف زفر مع المتيقن، انتهى. ويمكن أن يستدل لدخولهما بفعله صلى الله عليه وسلم ففي الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء " فغسل يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين " وفيه عن جابر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه " لكن إسناده ضعيف، وفي البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر في صفة الوضوء " وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق " وفي الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا: "ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه " فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا. قال إسحاق بن راهويه: "إلى " في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغاية وأن تكون بمعنى مع، فبينت السنة أنها بمعنى مع، انتهى. وقد قال الشافعي في الأم: لا أعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء، فعلى هذا فزفر محجوج بالإجماع قبله وكذا من قال بذلك من أهل الظاهر بعده، ولم يثبت ذلك عن مالك صريحا وإنما حكى عنه أشهب كلاما محتملا والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء هو العظم الناتئ في آخر الذراع سمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه. قوله: "ثم مسح رأسه" زاد ابن الطباع " كله " كما تقدم عن رواية ابن خزيمة. وفي رواية خالد ابن عبد الله برأسه بزيادة الباء. قال القرطبي: الباء للتعدية يجوز حذفها وإثباتها كقولك مسحت رأس اليتيم ومسحت برأسه. وقيل دخلت الباء لتفيد معنى آخر وهو أن الغسل لغة يقتضي مغسولا به، والمسح لغة لا يقتضي ممسوحا به، فلو قال وامسحوا رءوسكم لأجزأ المسح باليد بغير ماء، فكأنه قال وامسحوا برءوسكم الماء فهو على القلب، والتقدير امسحوا رءوسكم بالماء. وقال الشافعي: احتمل قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} جميع الرأس أو بعضه، فدلت السنة على أن بعضه يجزئ. والفرق بينه وبين قوله تعالى :{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} في التيمم أن
ـــــــ
(1) وأصح من هذه الأحاديث ما رواه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه "ثم غسل يديه حتى أشرع في العضد-الى أن قال- ثم غسل رجليه حتى أشرع في الساق" فهذا الحديث صحيح صريح في إدخال الكعبين والمرفقين في المغسول
(1/292)

المسح فيه بدل عن الغسل ومسح الرأس أصل فافترقا، ولا يرد كون مسح الخف بدلا عن غسل الرجل لأن الرخصة فيه ثبتت بالإجماع. فإن قيل فلعله اقتصر على مسح الناصية لعذر - لأنه كان في سفر وهو مظنة العذر، ولهذا مسح على العمامة بعد مسح الناصية كما هو ظاهر من سياق مسلم في حديث المغيرة بن شعبة - قلنا: قد روى عنه مسح مقدم الرأس من غير مسح على العمامة ولا تعرض لسفر، وهو ما رواه الشافعي من حديث عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه، وهو مرسل لكنه اعتضد بمجيئه من وجه آخر موصولا أخرجه أبو داود من حديث أنس. وفي إسناده أبو معقل لا يعرف حاله، فقد اعتضد كل من المرسل والموصول بالآخر، وحصلت القوة من الصورة المجموعة، وهذا مثال لما ذكره الشافعي من أن المرسل يعتضد بمرسل آخر أو مسند، وظهر بهذا جواب من أورد أن الحجة حينئذ بالمسند فيقع المرسل لغوا، وقد قررت جواب ذلك فيما كتبته على علوم الحديث لابن الصلاح. وفي الباب أيضا عن عثمان في صفة الوضوء قال: "ومسح مقدم رأسه " أخرجه سعيد بن منصور، وفيه خالد بن يزيد بن أبي مالك مختلف فيه. وصح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس، قاله ابن المنذر وغيره، ولم يصح عن أحد من الصحابة إنكار ذلك، قاله ابن حزم. وهذا كله مما يقوي به المرسل المتقدم ذكره والله أعلم. قوله: "بدأ بمقدمة رأسه" الظاهر أنه من الحديث وليس مدرجا من كلام مالك، ففيه حجة على من قال: السنة أن يبدأ بمؤخر الرأس إلى أن ينتهي إلى مقدمه لظاهر قوله: "أقبل وأدبر". ويرد عليه أن الواو لا تقتضي الترتيب، وسيأتي عند المصنف قريبا من رواية سليمان بن بلال " فأدبر بيديه وأقبل " فلم يكن في ظاهره حجة لأن الإقبال والإدبار من الأمور الإضافية، ولم يعين ما أقبل إليه ولا ما أدبر عنه، ومخرج الطريقين متحد، فهما بمعنى واحد. وعينت رواية مالك البداءة بالمقدم فيحمل قوله: "أقبل " على أنه من تسمية الفعل بابتدائه، أي بدأ بقبل الرأس، وقيل في توجيهه غير ذلك. والحكمة في هذا الإقبال والإدبار استيعاب جهتي الرأس بالمسح، فعلى هذا يختص ذلك بمن له شعر، والمشهور عمن أوجب التعميم الأولى واجبة والثانية سنة، ومن هنا يتبين ضعف الاستدلال بهذا الحديث على وجوب التعميم، والله أعلم قوله: "ثم غسل رجليه" زاد في رواية وهيب الآتية " إلى الكعبين " والبحث فيه كالبحث في قوله إلى المرفقين، والمشهور أن الكعب هو العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم، وحكى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه العظم الذي في ظهر القدم عند معقد الشراك، وروى عن ابن القاسم عن مالك مثله، والأول هو الصحيح الذي يعرفه أهل اللغة، وقد أكثر المتقدمون من الرد على من زعم ذلك، ومن أوضح الأدلة فيه حديث النعمان بن بشير الصحيح في صفة الصف في الصلاة " فرأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه " وقيل إن محمدا إنما رأى ذلك في حديث قطع المحرم الخفين إلى الكعبين إذا لم يجد النعلين. وفي هذا الحديث من الفوائد الإفراغ على اليدين معا في ابتداء الوضوء، وأن الوضوء الواحد يكون بعضه بمرة وبعضه بمرتين وبعضه بثلاث، وفيه مجيء الإمام إلى بيت بعض رعيته وابتداؤهم إياه بما يظنون أن له به حاجة، وجواز الاستعانة في إحضار الماء من غير كراهة، والتعليم بالفعل، وأن الاغتراف من الماء القليل للتطهر لا يصير الماء مستعملا لقوله في رواية وهيب وغيره: "ثم أدخل يده فغسل وجهه. الخ"، وأما اشتراط نية الاغتراف فليس في هذا الحديث ما يثبتها ولا ما ينفيها، واستدل به أبو عوانة في صحيحه على جواز التطهر بالماء المستعمل، وتوجيهه أن النية لم تذكر فيه، وقد أدخل يده للاغتراف بعد غسل الوجه وهو وقت غسلها. وقال
(1/293)

الغزالي: "مجرد الاغتراف لا يصير الماء مستعملا لأن الاستعمال إنما يقع من المغترف منه، وبهذا قطع البغوي". واستدل به المصنف على استيعاب مسح الرأس، وقد قدمنا أنه يدل لذلك ندبا لا فرضا، وعلى أنه لا يندب تكريره كما سيأتي في باب مفرد، وعلى الجمع بين المضمضة والاستنشاق من غرفة كما سيأتي أيضا، وعلى جواز التطهر من آنية النحاس وغيره.
(1/294)

39 - باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
186- حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنْ التَّوْرِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثَ غَرَفَاتٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ"
قوله: "باب غسل الرجلين إلى الكعبين" تقدمت مباحثه في الباب الذي قبله.وعمرو المذكور هو ابن يحيى بن عمارة شيخ مالك المتقدم، وعمرو بن أبي حسن عم أبيه كما قدمناه، وسماه هناك جده مجازا، وأغرب الكرماني - تبعا لصاحب الكمال - فقال: عمرو بن أبي حسن جد عمرو بن يحيى من قبل أمه، وقد قدمنا أن أم عمرو بن يحيى ليست بنتا لعمرو بن أبي حسن فلم يستقم ما قاله بالاحتمال. قوله: "فتوضأ لهم" أي لأجلهم "وضوء النبي صلى الله عليه وسلم" أي مثل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وأطلق عليه وضوءه مبالغة. قوله: "ثم أدخل يده فغسل وجهه" بين في هذه الرواية تجديد الاغتراف لكل عضو، وأنه اغترف بإحدى يديه، وكذا هو في باقي الروايات، وفي مسلم وغيره. لكن وقع في رواية ابن عساكر وأبى الوقت من طريق سليمان بن بلال الآتية " ثم أدخل يديه " بالتثنية، وليس ذلك في رواية أبي ذر ولا الأصيلي ولا في شيء من الروايات خارج الصحيح قاله النووي، وأظن أن الإناء كان صغيرا فاغترف بإحدى يديه ثم أضافها إلى الأخرى كما تقدم نظيره في حديث ابن عباس، وإلا فالاغتراف باليدين جميعا أسهل وأقرب تناولا كما قال الشافعي. قوله: "ثم غسل يديه مرتين" المراد غسل كل يد مرتين كما تقدم في طريق مالك " ثم غسل يديه مرتين مرتين " وليس المراد توزيع المرتين على اليدين فكأن يكون لكل يد مرة واحدة.
(1/294)

باب استعمل فضل وضوء الناس
...
40 - باب اسْتِعْمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ النَّاسِ وَأَمَرَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَهْلَهُ أَنْ يَتَوَضَّئُوا بِفَضْلِ سِوَاكِهِ
187- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ".
[الحديث187- أطرافه في:5859,5786,3566,3553,634,633,501,499,495,376]
(1/294)

41 - باب مَنْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ
191- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ "أَنَّهُ أَفْرَغَ مِنْ الإِنَاءِ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ غَسَلَ أَوْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاَثًا فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
قوله: "باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة" تقدم الكلام على ذلك قريبا في باب مسح الرأس، وتقدمت المسألة أيضا في حديث ابن عباس في أوائل الوضوء. قوله: "ثم غسل" أي فمه "أو مضمض" كذا عنده بالشك، وأخرجه مسلم عن محمد بن الصباح عن خالد بسنده هذا من غير شك ولفظه: "ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق " وأخرجه أيضا الإسماعيلي من طريق وهب بن بقية عن خالد كذا، فالظاهر أن الشك فيه من مسدد شيخ البخاري. وأغرب الكرماني فقال: الظاهر أن الشك فيه من التابعي. قوله: "من كفة واحدة" كذا في رواية أبي ذر، وفي نسخة " من غرفة واحدة " وللأكثر " من كف " بغير هاء. قال ابن بطال: المراد بالكفة الغرفة، فاشتق لذلك من اسم الكف عبارة عن ذلك المعنى، قال: ولا يعرف في كلام العرب إلحاق هاء التأنيث في الكف، ومحصله أن المراد بقوله كفة: فعلة، لا أنها تأنيث الكف. وقال صاحب المشارق: قوله من كفة هي بالضم والفتح كغرفة وغرفة أي ما ملأ كفه من الماء. قوله: "ثم غسل يديه" لم يذكر غسل الوجه اختصارا، وهو ثابت في رواية مسلم وغيره. وبقية مباحث هذا الحديث تقدمت قريبا.
(1/297)

42 - باب مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً
192- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ لَهُمْ فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا بِثَلاَثِ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ"
و حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً
قوله: "باب مسح الرأس مرة" للأصيلي مسحة. قوله: "فدعا بتور من ماء" كذا للأكثر، وللكشميهني:
(1/297)

43 - باب وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ وَفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ
وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالْحَمِيمِ وَمِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّةٍ
193- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا".
قوله: "باب وضوء الرجل" بضم الواو لأن القصد به الفعل.قوله: "وفضل وضوء المرأة" بفتح الواو، لأن المراد به الماء الفاضل في الإناء بعد الفراغ من الوضوء، وهو بالخفض عطفا على قوله: "وضوء الرجل". قوله:
ـــــــ
(1)سبق فيص 260 أنها زيادة شاذة فلا يعتمد عليها. والله أعلم
(2) كتاب له في الرد على أبوزيد الدبوسي
(1/298)

"وتوضأ عمر بالحميم" أي بالماء المسخن، وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد صحيح بلفظ: "إن عمر كان يتوضأ بالحميم ويغتسل منه " ورواه ابن أبي شيبة والدارقطني بلفظ: "كان يسخن له ماء في قمقم ثم يغتسل منه " قال الدارقطني إسناده صحيح، ومناسبته للترجمة من جهة أن الغالب أن أهل الرجل تبع له فيما يفعل، فأشار البخاري إلى الرد على من منع المرأة أن تتطهر بفضل الرجل، لأن الطاهر أن امرأة عمر كانت تتوضأ بفضله أو معه، فيناسب قوله: "وضوء الرجل مع امرأته " أي من إناء واحد. وأما مسألة التطهر بالماء المسخن فاتفقوا على جوازه إلا ما نقل عن مجاهد. قوله: "ومن بيت نصرانية" هو معطوف على قوله: "بالحميم " أي وتوضأ عمر من بيت نصرانية، وهذا الأثر وصله الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما عن ابن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه به، ولفظ الشافعي " توضأ من ماء في جرة نصرانية " ولم يسمعه ابن عيينة من زيد بن أسلم، فقد رواه البيهقي من طريق سعدان ابن نصر عنه قال: "حدثونا عن زيد بن أسلم " فذكره مطولا. ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عنه بإثبات الواسطة فقال: "عن ابن زيد بن أسلم عن أبيه به " وأولاد زيد هم عبد الله وأسامة وعبد الرحمن، وأوثقهم وأكبرهم عبد الله، وأظنه هو الذي سمع ابن عيينة منه ذلك، ولهذا جزم مه البخاري. ووقع في رواية كريمة بحذف الواو من قوله: "ومن بيت " وهذا الذي جرأ الكرماني أن يقول: المقصود ذكر استعمال سؤر المرأة، وأما الحميم فذكره لبيان الواقع. وقد عرفت أنهما أثران متغايران، وهذا الثاني مناسب لقوله: "وفضل وضوء المرأة " لأن عمر توضأ بمائها ولم يستفصل، مع جواز أن تكون تحت مسلم واغتسلت من حيض ليحل له وطؤها ففضل منه ذلك الماء، وهذا وإن لم يقع التصريح به لكنه محتمل، وجرت عادة البخاري بالتمسك بمثل ذلك عند عدم الاستفصال، وإن كان غيره لا يستدل بذلك ففيه دليل على جواز التطهر بفضل وضوء المرأة المسلمة لأنها لا تكون أسوأ حالا من النصرانية. وفيه دليل على جواز استعمال مياه أهل الكتاب من غير استفصال. وقال الشافعي في الأم: لا بأس بالوضوء من ماء المشرك وبفضل وضوئه ما لم تعلم فيه نجاسة. وقال ابن المنذر: انفرد إبراهيم النخعي بكراهة فضل المرأة إذا كانت جنبا. قوله: "حدثنا عبد الله بن يوسف" هو التنيسي أحد رواة الموطأ. قوله: "كان الرجال والنساء" ظاهرة التعميم فاللام للجنس لا للاستغراق. قوله: "في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم" يستفاد منه أن البخاري يرى أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون حكمه الرفع وهو الصحيح، وحكى عن قوم خلافه لاحتمال أنه لم يطلع، وهو ضعيف لتوفر دواعي الصحابة على سؤالهم إياه عن الأمور التي تقع لهم ومنهم، ولو لم يسألوه لم يقروا على فعل غير الجائز في زمن التشريع، فقد استدل أبو سعيد وجابر على إباحة العزل بكونهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل ولو كان منهيا لنهى عنه القرآن، وزاد ابن ماجه عن هشام بن عمار عن مالك في هذا الحديث: "من إناء واحد"، وزاد أبو داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر " ندلي فيه أيدينا " وفيه دليل على أن الاغتراف من الماء القليل لا يصيره مستعملا لأن أوانيهم كانت صغارا كما صرح به الشافعي في الأم في عدة مواضع، وفيه دليل على طهارة الذمية واستعمال فضل طهورها وسؤرها لجواز تزوجهن وعدم التفرقة في الحديث بين المسلمة وغيرها. قوله: "جميعا" ظاهره أنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة، وحكى ابن التين عن قوم أن معناه أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون جميعا في موضع واحد، هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة، والزيادة المتقدمة في قوله: "من إناء واحد " ترد عليه، وكأن هذا القائل استبعد اجتماع
(1/299)

الرجال والنساء الأجانب، وقد أجاب ابن التين عنه بما حكاه عن سحنون أن معناه كان الرجال يتوضؤون ويذهبون ثم تأتي النساء فيتوضأن، وهو خلاف الظاهر من قوله: "جميعا"، قال أهل اللغة: الجميع ضد المفترق، وقد وقع مصرحا بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة في هذا الحديث من طريق معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر منه، والأولى في الجواب أن يقال: لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب، وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم. ونقل الطحاوي ثم القرطبي والنووي الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الإناء الواحد. وفيه نظر، لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهى عنه، وكذا حكاه ابن عبد البر عن قوم، وهذا الحديث حجة عليهم. ونقل النووي أيضا الاتفاق على جواز وضوء المرأة بفضل الرجل دون العكس، وفيه نظر أيضا فقد أثبت الخلاف فيه الطحاوي، وثبت عن ابن عمر والشعبي والأوزاعي المنع لكن مقيدا بما إذا كانت حائضا، وأما عكسه فصح عن عبد الله بن سرجس الصحابي وسعيد بن المسيب والحسن البصري أنهما منعوا التطهر بفضل المرأة، وبه قال أحمد وإسحاق، لكن قيداه بما إذا خلت به لأن أحاديث الباب ظاهرة في الجواز إذا اجتمعا، ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة، قال: لكن صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا خلت به، وعورض بصحة الجواز عن جماعة من الصحابة منهم ابن عباس والله أعلم. وأشهر الأحاديث في ذلك من الجهتين حديث الحكم بن عمرو الغفاري في المنع، وحديث ميمونة في الجواز. أما حديث الحكم بن عمرو فأخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان، وأغرب النووي فقال: اتفق الحفاظ على تضعيفه. وأما حديث ميمونة فأخرجه مسلم، لكن أعله قوم لتردد وقع في رواية عمرو بن دينار حيث قال: علمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني. فذكر الحديث، وقد ورد طريق أخرى بلا تردد لكن راويها غير ضابط وقد خولف، والمحفوظ ما أخرجه الشيخان بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد"، وفي المنع أيضا ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين فقال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعا " رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية، ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة لأن إبهام الصحابي لا يضر، وقد صرح التابعي بأنه لقيه، ودعوى ابن حزم أن داود راويه عن حميد ابن عبد الرحمن هو ابن يزيد الأودي وهو ضعيف مردودة، فإنه ابن عبد الله الأودي وهو ثقة، وقد صرح باسم أبيه أبو داود وغيره، ومن أحاديث الجواز ما أخرجه أصحاب السنن والدارقطني وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث ابن عباس عن ميمونة قالت: أجنبت فاغتسلت من جفنة، ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه، فقلت له فقال: "الماء ليس عليه جنابة " واغتسل منه. لفظ الدارقطني. وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم. وقول أحمد إن الأحاديث من الطريقين مضطربة إنما يصار إليه عند تعذر الجمع، وهو ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء، والجواز على ما بقي من الماء، وبذلك جمع الخطابي، أو يحمل النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة. والله أعلم.
(1/300)

باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوء على مغمى عليه
...
44 - باب صَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءَهُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ
194- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ "جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ لاَ أَعْقِلُ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنْ الْمِيرَاثُ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلاَلَةٌ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ".
[الحديث194- أطرافه في:7309,6743,6723,5676,5664,5651,4577]
قوله: "باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه" بفتح الواو لأن المراد به الماء الذي توضأ به، والمغمى بضم الميم وإسكان المعجمة من أصابه الإغماء. قوله: "يعودني" زاد المصنف في الطب " ماشيا " قوله: "لا أعقل" أي لا أفهم، وحذف مفعوله إشارة إلى عظم الحال، أي لا أعقل شيئا، وصرح به في التفسير، وله في الطب " فوجدني قد أغمي علي " وهو المطابق للترجمة. قوله: "من وضوئه" يحتمل أن يكون المراد صب علي بعض الماء الذي توضأ به أو مما بقي منه، والأول المراد، فللمصنف في الاعتصام " ثم صب وضوءه علي " ولأبي داود " فتوضأ وصبه علي " قوله: "لمن الميراث" اللام بدل من المضاف إليه كأنه قال ميراثي، ويؤيده أن في الاعتصام أنه قال: "كيف أصنع في مالي " والمراد بآية الفرائض هنا قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} كما سيأتي مبينا في التفسير، ويذكر هناك بقية مباحثه إن شاء الله تعالى.
(1/301)

باب الغسل والوضوء في المحضب والقدح والخشب والحجارة
...
45 - باب الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فِي الْمِخْضَبِ وَالْقَدَحِ وَالْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ
195- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ إِلَى أَهْلِهِ وَبَقِيَ قَوْمٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ قُلْنَا كَمْ كُنْتُمْ قَالَ ثَمَانِينَ وَزِيَادَةً".
قوله: "باب الغسل والوضوء في المخضب" هو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح للضاد المعجمة بعدها موحدة، المشهور أنه الإناء الذي يغسل فيه الثياب من أي جنس كان، وقد يطلق على الإناء صغيرا أو كبيرا والقدح أكثر ما يكون من الخشب مع ضيق فمه، وعطفه الخشب والحجارة على المخضب والقدح ليس من عطف العام على الخاص فقط بل بين هذين وهذين عموم وخصوص من وجه. قوله: "حدثنا عبد الله بن منير" هو بضم الميم وكسر النون بعدها ياء خفيفة كما قدمناه في المقدمة لكن وقع هنا في رواية الأصيلي: "ابن المنير " بزيادة الألف واللام، فقد يلتبس بابن المنير الذي ننقل عنه في هذا الشرح لكنه بتثقيل الياء ونون مفتوحة، وهو متأخر عن هذا الراوي بأكثر من أربعمائة سنة. قوله: "حضرت الصلاة" هي العصر. قوله: "إلى أهله" أي لإرادة الوضوء "وبقي قوم" أي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، " ومن " في قوله: "من حجارة " لبيان الجنس. قوله: "فصغر" بفتح الصاد المهملة وضم الغين المعجمة أي لم يسع بسط كفه صلى الله عليه وسلم فيه، وللإسماعيلي: "فلم يستطع أن يبسط كفه من صغر المخضب " وهو دال على ما قلناه إن المخضب قد يطلق على الإناء الصغير، ومباحث هذا الحديث تقدمت في باب التماس
(1/301)

الوضوء، وباقي الكلام عليه يأتي في علامات النبوة إن شاء الله تعالى. وقد أخرجه المصنف هناك عن عبد الله بن منير أيضا لكنه قال: "عن يزيد بن هارون " بدل عبد الله بن بكر، فكأنه سمعه من شيخين، حدثه كل منهما به عن حميد.
196- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ"
قوله: "عن بريد" بالموحدة والراء مصغرا هو ابن عبد الله بن أبي بردة، والقدر المذكور من المتن تقدم بعضه معلقا في باب استعمال فضل وضوء الناس، وسيأتي مطولا في المغازي إن شاء الله تعالى. والغرض منه ذكر القدح وقد ذكرنا ما فيه.
197- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: "أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِهِ وَأَدْبَرَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ"
قوله: "أحمد بن يونس" هو ابن عبد الله بن يونس نسب إلى جده، وعبد العزيز شيخه هو ابن عبد الله بن أبي سلمة نسب إلى جده أيضا، فاتفقا في أن كلا منهما ينسب إلى جده وفي أن كلا منهما اسم أبيه عبد الله وأن كلا منهما يكنى أبا عبد الله وأن كلا منهما ثقة حافظ فقيه. قوله: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وللكشميهني وأبي الوقت " أتانا". قوله: "فغسل وجهه" تفسير لقوله فتوضأ، وفيه حذف تقديره فمضمض واستنشق كما دلت عليه باقي الروايات، والمخرج متحد، وقد تقدمت مباحثه، وأن عبد العزيز هذا زاد في روايته أن التور كان من صفر أي نحاس جيد.
198- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِي الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَتَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ الْآخَرُ قُلْتُ لاَ قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَمَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ "هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ" وَأُجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ تِلْكَ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ".
[الحديث198-أطرافه في:
7303,5714,4445,4442,3384,3099,2588,716,713,712,687 ,683,679,665,664]
(1/302)

قوله: "لما ثقل" أي في المرض، وهو بضم القاف بوزن صغر قاله في الصحاح، وفي القاموس لشيخنا: ثقل كفرح فهو ثاقل وثقيل اشتد مرضه، فلعل في النسخة سقطا(1) والله أعلم. قوله: "في أن يمرض" بفتح الراء الثقيلة، أي يخدم في مرضه. قوله: "فأذن" بكسر المعجمة وتشديد النون المفتوحة أي الأزواج، واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه، ويحتمل أن يكون فعل ذلك تطييبا لهن. قوله: "قال عبيد الله" هو الراوي له عن عائشة، وهو بالإسناد المذكور بغير أداة عطف. قوله: "وكانت" هو معطوف أيضا بالإسناد المذكور. قوله: "هريقوا" كذا للأكثر، وللأصيلي: "أهريقوا " بزيادة الهمزة، قال ابن التين هو بإسكان الهاء، ونقل عن سيبويه أنه قال أهراق يهريق أهرياقا مثل اسطاع يسطيع اسطياعا بقطع الألف وفتحها في الماضي وضم الياء في المستقبل وهي لغة في أطاع يطيع فجعلت السين والهاء عوضا من ذهاب حركة عين الفعل، وروى بفتح الهاء واستشكله، ويوجه بأن الهاء مبدلة من الهمزة لأن أصل هراق أراق ثم اجتلبت الهمزة فتحريك الهاء على إبقاء البدل والمبدل منه وله نظائر، وذكر له الجوهري توجيها آخر وأن أصله أأريقوا فأبدلت الهمزة الثانية هاء للخفة، وجزم ثعلب في الفصيح بأن أهريقه بفتح الهاء والله أعلم. قوله: "من سبع قرب" قال الخطابي: يشبه أن يكون خص السبع تبركا بهذا العدد، لأن له دخولا في كثير من أمور الشريعة وأصل الخلقة. وفي رواية للطبراني في هذا الحديث: "من آبار شتى " والظاهر أن ذلك للتداوي لقوله في رواية أخرى في الصحيح " لعلي أستريح فأعهد " أي أوصى. قوله: "وأجلس في مخضب حفصة" زاد ابن خزيمة من طريق عروة عن عائشة أنه كان من نحاس، وفيه إشارة إلى الرد على من كره الاغتسال فيه كما ثبت ذلك عن ابن عمر. وقال عطاء: إنما كره من النحاس ريحه. قوله: "نصب عليه من تلك" أي القرب السبع. قوله: "حتى طفق" يقال طفق يفعل كذا إذا شرع في فعل واستمر فيه. قوله: "ثم خرج إلى الناس" زاد المصنف من طريق عقيل عن الزهري " فصلى بهم وخطبهم ثم خرج " وهو في باب الوفاة في آخر كتاب المغازي، وسيأتي الكلام على بقية مباحثه هناك، وعلى ما فيه من أحكام الإمامة في باب حد المريض أن يشهد الجماعة إن شاء الله تعالى.
(1/303)

46 - باب الْوُضُوءِ مِنْ التَّوْرِ
199- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَمِّي يُكْثِرُ مِنْ الْوُضُوءِ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: "أَخْبِرْنا كَيْفَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاغْتَرَفَ بِهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَدْبَرَ بِهِ وَأَقْبَلَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ".
قوله: "باب الوضوء من التور" تقدمت مباحث حديث الباب قريبا، وأن التور بفتح المثناة شبه الطست وقيل هو الطست. ووقع في حديث شريك عن أنس في المعراج. " فأتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب " وظاهره المغايرة بينهما، ويحتمل الترادف، وكأن الطست أكبر من التور. قوله: "حدثنا سليمان" هو ابن بلال، والإسناد
(1) ليس في القاموس سقط,فقد أورد الذى بوزن كرم, ثم أورد الذى بوزن فرح ,وهذا غير ذلك
(1/303)

كله مدنيون. قوله: "كان عمي" هو عمرو بن أبي حسن كما تقدم وهو عمه على الحقيقة. قوله: "ثم أدخل يده في التور فمضمض" فيه حذف تقديره ثم أخرجها فمضمض. وقد صرح به مسلم. قوله: "من غرفة واحدة" بتعلق بقوله: "فمضمض واستنثر " والمعنى أنه جمع بينهما ثلاث مرات كل مرة من غرفة، ويحتمل أن يتعلق بقوله: "ثلاث مرات " والمعنى أنه جمع بينهما ثلاث مرات من غرفة واحدة، والأول موافق لباقي الروايات فهو أولى. قوله: "فقال" أي عبد الله بن زيد "هكذا" هذه الزيادة صريحة في رفع الحديث وإن كان أول سياق الحديث يدل عليه.
200- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ قَالَ أَنَسٌ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ قَالَ أَنَسٌ فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ"
قوله: "حدثنا حماد" هو ابن زيد ولم يسمع مسدد من حماد بن سلمة. قوله: "رحراح" بمهملات الأولى مفتوحة بعدها سكون أي متسع الفم. وقال الخطابي: الرحراح الإناء الواسع الصحن القريب القعر ومثله لا يسع الماء الكثير فهو أدل على عظم المعجزة. قلت: وهذه الصفة شبيهة بالطست، وبهذا يظهر مناسبة هذا الحديث للترجمة. وروى ابن خزيمة هذا الحديث عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد فقال بدل رحراح " زجاج " بزاي مضمومة وجيمين، وبوب عليه الوضوء من آنية الزجاج ضد قول من زعم من المتصوفة أن ذلك إسراف لإسراع الكسر إليه. قلت: وهذه اللفظة تفرد بها أحمد بن عبدة، وخالفه أصحاب حماد بن زيد فقالوا رحراح. وقال بعضهم " واسع الفم " وهي رواية الإسماعيلي عن عبد الله بن ناجية عن محمد بن موسى وإسحاق بن أبي إسرائيل وأحمد بن عبدة كلهم عن حماد. وكأنه ساقه على لفظ محمد بن موسى، وصرح جمع من الحذاق بأن أحمد بن عبدة صحفها، ويقوي ذلك أنه أتى في روايته بقوله: "أحسبه " فدل على أنه لم يتقنه، فإن كان ضبطه فلا منافاة بين روايته ورواية الجماعة لاحتمال أن يكونوا وصفوا هيئته وذكر هو جنسه. وفي مسند أحمد عن ابن عباس أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم قدحا من زجاج، لكن في إسناده مقال. قوله: "فحزرت " بتقديم الزاي أي قدرت، وتقدم من رواية حميد أنهم كانوا ثمانين وزيادة، وهنا قال ما بين السبعين إلى الثمانين، والجمع بينهما أن أنسا لم يكن يضبط العدة بل كان يتحقق أنها تنيف على السبعين ويشك هل بلغت العقد الثامن أو تجاوزته، فربما جزم بالمجاوزة حيث يغلب ذلك على ظنه. واستدل الشافعي بهذا الحديث على رد قول من قال من أصحاب الرأي: إن الوضوء مقدر بقدر من الماء معين، ووجه الدلالة أن الصحابة اغترفوا من ذلك القدح من غير تقدير، لأن الماء النابع لم يكن قدره معلوما لهم فدل على عدم التقدير، وبهذا يظهر مناسبة تعقيب المصنف هذا الحديث بباب الوضوء بالمد، والمد إناء يسع رطلا وثلثا بالبغدادي، قاله جمهور أهل العلم، وخالف بعض الحنفية فقالوا المد رطلان.
(1/304)

47- باب الوضوء بالمد
201- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ جَبْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ".
(1/304)

قوله: "ابن جبر" بفتح الجيم وسكون الموحدة، ومن قاله بالتصغير فقد صحف، لأن ابن جبير وهو سعيد لا رواية له عن أنس في هذا الكتاب، والراوي هنا هو عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك الأنصاري، وقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي نعيم شيخ البخاري قال: حدثنا مسعر حدثني شيخ من الأنصار يقال له ابن جبر. وفي الإسناد كوفيان أبو نعيم وشيخه، وبصريان أنس والراوي عنه. قوله: "يغسل" أي جسده، والشك فيه من البخاري أو من أبي نعيم لما حدثه به، فقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي نعيم فقال: "يغتسل " ولم يشك. قوله: "بالصاع" هو إناء يسع خمسة أرطال وثلثا بالبغدادي. وقال بعض الحنفية ثمانية. قوله: "إلى خمسة أمداد" أي كان ربما اقتصر على الصاع وهو أربعة أمداد، وربما زاد عليها إلى خمسة، فكأن أنسا لم يطلع على أنه استعمل في الغسل أكثر من ذلك لأنه جعلها النهاية، وقد روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق، قال ابن عيينة والشافعي وغيرهما: هو ثلاثة آصع، وروى مسلم أيضا من حديثها أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء يسع ثلاثة أمداد، فهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة، وفيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب كابن شعبان من المالكية، وكذا من قال به من الحنفية مع مخالفتهم له في مقدار المد والصاع، وحمله الجمهور على الاستحباب لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وسلم من الصحابة قدرهما بذلك، ففي مسلم عن سفينة مثله، ولأحمد وأبي داود بإسناد صحيح عن جابر مثله، وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وغيرهم، وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة، وهو أيضا في حق من يكون خلقه معتدلا، وإلى هذا أشار المصنف في أول كتاب الوضوء بقوله: "وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم".
(1/305)

48 - باب الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
202- حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ إِذَا حَدَّثَكَ شَيْئًا سَعْدٌ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ"
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدًا......... فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ نَحْوَهُ
قوله: "باب المسح على الخفين" نقل ابن المنذر عن ابن المبارك قال: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف، لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته.وقال ابن عبد البر: "لا أعلم روي عن أحد من فقهاء السلف إنكاره إلا عن مالك، مع أن الروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته، وقد أشار الشافعي في الأم إلى إنكار ذلك على المالكية، والمعروف المستقر عندهم الآن قولان: الجواز مطلقا، ثانيهما للمسافر دون المقيم. وهذا الثاني ما في المدونة وبه جزم ابن الحاجب، وصحح الباجي الأول ونقله عن ابن وهب، وعن ابن نافع في المبسوطة نحوه وأن مالكا إنما كان يتوقف فيه في خاصة نفسه مع إفتائه بالجواز، وهذا مثل ما صح عن أبي أيوب الصحابي". وقال ابن المنذر اختلف العلماء أيهما أفضل: المسح على الخفين، أو نزعهما وغسل القدمين؟
(1/305)

قال: والذي أختاره أن المسح أفضل لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض. قال: وإحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه ا ه. وقال الشيخ محيي الدين: وقد صرح جمع من الأصحاب بأن الغسل أفضل بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة كما قالوه في تفضيل القصر على الإتمام، وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين ومنهم العشرة، وفي ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري: حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين. قوله: "حدثنا أصبغ" بفتح الهمزة وكأن البخاري اختار الرواية عنه لهذا الحديث لقوله: "المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أكابر أصحابه في الحضر أثبت عندنا وأقوى من أن نتبع مالكا على خلافه". وعمرو هو ابن الحارث، وهو ومن دونه ثلاثة مصريون، والذين فوقه ثلاثة مدنيون، والإسناد رواية تابعي عن تابعي: أبو النضر عن أبي سلمة، وصحابي عن صحابي. قوله: "وأن عبد الله" هو معطوف على قوله عن عبد الله بن عمر فهو موصول إذا حملناه على أن أبا سلمة سمع ذلك من عبد الله وإلا فأبو سلمة لم يدرك القصة، وقد أخرجه أحمد من طريق أخرى عن أبي النضر عن أبي سلمة عن ابن عمر قال: "رأيت سعد بن أبي وقاص يمسح على خفيه بالعراق حين توضأ فأنكرت ذلك عليه، فلما اجتمعنا عند عمر قال لي سعد: سل أباك " فذكر القصة. ورواه ابن خزيمة من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر نحوه وفيه أن عمر قال: "كنا ونحن مع نبينا نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأسا". قوله: "فلا تسأل عنه غيره" أي لقوة الوثوق بنقله، ففيه دليل على أن الصفات الموجبة للترجيح إذا اجتمعت في الراوي كانت من جملة القرائن التي إذا حفت خبر الواحد قامت مقام الأشخاص المتعددة، وقد يفيد العلم عند البعض دون البعض، وعلى أن عمر كان يقبل خبر الواحد، وما نقل عنه من التوقف إنما كان عند وقوع ريبة له في بعض المواضع، واحتج به من قال بتفاوت رتب العدالة ودخول الترجيح في ذلك عند التعارض، ويمكن إبداء الفارق في ذلك بين الرواية والشهادة، وفيه تعظيم عظيم من عمر لسعد، وفيه أن الصحابي القديم الصحبة قد يخفى عليه من الأمور الجلية في الشرع ما يطلع عليه غيره، لأن ابن عمر أنكر المسح على الخفين مع قديم صحبته وكثرة روايته، وقد روى قصته مالك في الموطأ عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه " أن ابن عمر قدم الكوفة على سعد وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه فقال له سعد سل أباك " فذكر القصة. ويحتمل أن يكون ابن عمر إنما أنكر المسح في الحضر لا في السفر لظاهر هذه القصة، ومع ذلك فالفائدة بحالها. والله أعلم قوله: "وقال موسى بن عقبة" هذا التعليق وصله الإسماعيلي وغيره بهذا الإسناد، وفيه ثلاثة من التابعين على الولاء أولهم موسى، وموسى وأبو النضر قرينان مدنيان. قوله: "أن سعدا حدثه" أي حدث أبا سلمة، والمحدث به محذوف تبين من الرواية الموصولة أن لفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين". قوله: "فقال" هو معطوف عل المقدر. قوله: "نحوه" بالنصب لأنه مقول القول، وظهر أن قول عمر في هذه الرواية المعلقة بمعنى الرواية التي وصلها المؤلف لا بلفظها. وقد وصله الإسماعيلي أيضا من طريق أخرى عن موسى بن عقبة ولفظه: "وأن عمر قال لعبد الله - أي ابنه كأنه يلومه - إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تبتغ وراء حديثه شيئا.
203- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعِ
(1/306)

ابْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ"
قوله: "حدثنا الليث" بن سعد "عن يحيى بن سعيد" هو الأنصاري وقد تقدم هذا الحديث من طريق أخرى عنه في باب الرجل يوضئ صاحبه، وأن فيه أربعة من التابعين على الولاء. وأخرجه المصنف في المغازي من طريق أخرى عن الليث فقال: عن عبد العزيز بن أبي سلمة بدل يحيى بن سعيد، وسياقه أتم، فكأن لليث فيه شيخين. قوله: "أنه خرج لحاجته" في الباب الذي بعد هذا أنه كان في سفر، وفي المغازي أنه كان في غزوة تبوك على تردد في ذلك من رواته. ولمالك وأحمد وأبي دواد من طريق عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة أنه كان في غزوة تبوك بلا تردد، وأن ذلك كان عند صلاة الفجر. قوله: "فاتبعه" بتشديد المثناة المفتوحة، وللمصنف من طريق مسروق عن المغيرة في الجهاد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره أن يتبعه بالإداوة، وزاد: "فانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته، ثم أقبل فتوضأ " وعند أحمد من طريق أخرى عن المغيرة أن الماء الذي توضأ به أخذه المغيرة من أعرابية صبته له من قربة كانت جلد ميتة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "سلها فإن كانت دبغتها فهو طهور " وأنها قالت: أي والله لقد دبغتها. قوله: "فتوضأ" زاد في الجهاد " وعليه جبة شامية " ولأبي داود " من صوف من جباب الروم"، وزاد المصنف في الطريق الذي في " باب الرجل يوضئ صاحبه ": "فغسل وجهه ويديه " والفاء في فغسل تفصيلية، وتبين من ذلك أن المراد بقوله توضأ أي بالكيفية المذكورة، لا أنه غسل رجليه. واستدل به القرطبي على الاقتصار على فروض الوضوء دون سننه، لا سيما في حال مظنة قلة الماء كالسفر، قال: ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها فلم يذكرها المغيرة، قال: والظاهر خلافه. قلت بل فعلها وذكرها المغيرة، ففي رواية أحمد من طريق عباد بن زياد المذكورة " أنه غسل كفيه"، وله من وجه آخر قوي " فغسلهما فأحسن غسلهما " قال: وأشك أقال دلكهما بتراب أم لا. وللمصنف في الجهاد " أنه تمضمض واستنشق وغسل وجهه " زاد أحمد " ثلاث مرات، فذهب يخرج يديه من كمية فكانا ضيقين، فأخرجهما من تحت الجبة " ولمسلم من وجه آخر " وألقى الجبة على منكبيه " ولأحمد " فغسل يده اليمين ثلاث مرات ويده اليسرى ثلاث مرات " وللمصنف " ومسح برأسه " وفي رواية لمسلم: "ومسح بناصيته وعلى عمامته وعلى الخفين " وسيأتي قوله: "إني أدخلتهما طاهرتين " في الباب الذي بعد هذا. وحديث المغيرة هذا ذكر البزار أنه رواه عنه ستون رجلا، وقد لخصت مقاصد طرقه الصحيحة في هذه القطعة، وفيه من الفوائد الإبعاد عند قضاء الحاجة، والتواري عن الأعين، واستحباب الدوام على الطهارة لأمره صلى الله عليه وسلم المغيرة أن يتبعه بالماء مع أنه لم يستنج به وإنما توضأ به حين رجع، وفيه جواز الاستعانة كما شرح في بابه، وغسل ما يصيب اليد من الأذى عند الاستجمار، وأنه لا يكفي إزالته بغير الماء، والاستعانة على إزالة الرائحة بالتراب ونحوه. وقد يستنبط منه أن ما انتشر عن المعتاد لا يزال إلا بالماء، وفيه الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت، والانتفاع بثياب الكفار حتى تتحقق نجاستها لأنه صلى الله عليه وسلم لبس الجبة الرومية ولم يستفصل، واستدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت لأن الجبة كانت شامية وكانت الشام إذ ذاك دار كفر ومأكول أهلها الميتات، كذا قال. وفيه الرد على من زعم أن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء التي في المائدة لأنها نزلت في
(1/307)

غزوة المريسيع وكانت هذه القصة في غزوة تبوك، وهي بعدها باتفاق، وسيأتي حديث جرير البجلي في معنى ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. وفيه التشمير في السفر، ولبس الثياب الضيقة فيه لكونها أعون على ذلك، وفيه المواظبة على سنن الوضوء حتى في السفر، وفيه قبول خبر الواحد في الأحكام ولو كانت امرأة، سواء كان ذلك فيما تعم به البلوى أم لا، لأنه صلى الله عليه وسلم قبل خبر الأعرابية كما تقدم. وفيه أن الاقتصار على غسل معظم المفروض غسله لا يجزئ لإخراجه صلى الله عليه وسلم يديه من تحت الجبة ولم يكتف فيما بقي منهما بالمسح عليه، وقد يستدل به على من ذهب إلى وجوب تعميم مسح الرأس لكونه كمل بالمسح على العمامة ولم يكتف بالمسح على ما بقي من ذراعيه.
204- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ". وَتَابَعَهُ حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ وَأَبَانُ عَنْ يَحْيَى
[الحديث204-طرفه في205]
قوله: "شيبان" هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير. قوله: "عن أبي سلمة" وللإسماعيلي من طريق الحسن بن موسى عن شيبان عن يحيى حدثني أبو سلمة حدثني جعفر بن عمرو بن أمية. وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على الولاء أولهم يحيى وهو تابعي صغير، وأبو سلمة وجعفر قرينان. قوله: "وتابعه" أي تابع شيبان "حرب" وهو ابن شداد، وحديثه موصول عند النسائي والطبراني. قوله: "وأبان" هو ابن يزيد العطار وهو معطوف على حرب، وحديثه موصول عند أحمد والطبراني.
205- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ"وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَمْرٍو قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك. قوله: "عن يحيى" لأحمد عن أبي المغيرة عن الأوزاعي حدثني يحيى. قوله: "على عمامته وخفيه" هكذا رواه الأوزاعي وهو مشهور عنه. وأسقط بعض الرواة عنه جعفرا من الإسناد، وهو خطأ قاله أبو حاتم الرازي. قوله: "وتابعه" أي تابع الأوزاعي "معمر" ابن راشد في المتن لا في الإسناد، وهذا هو السبب في سياق المصنف الإسناد ثانيا ليبين أنه ليس في رواية معمر ذكر جعفر، وذكر أبو ذر في روايته لفظ المتن وهو قوله: "يمسح على عمامته " زاد الكشميهني: "وخفيه: "وسقط ذكر المتن من سائر الروايات في الصحيح، وراوية معمر قد أخرجها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر بدون ذكر العمامة، لكن أخرجها ابن منده في كتاب الطهارة له من طريق معمر بإثباتها، وأغرب الأصيلي فيما حكاه ابن بطال فقال: ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي، لأن شيبان وغيره رووه عن يحيى بدونها، فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحدة، قال: وأما متابعة معمر فليس فيها ذكر العمامة، وهي أيضا مرسلة لأن أبا سلمة لم يسمع من عمرو. قلت: سماع أبي سلمة من عمرو ممكن، فإنه مات بالمدينة سنة ستين وأبو سلمة مدني ولم يوصف بتدليس، وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو، وقد روى بكير بن الأشج عن أبي سلمة أنه أرسل جعفر ابن عمرو بن أمية إلى أبيه
(1/308)

اخت مسلمة
06-09-2009, 04:19 AM
والنسائي لا يحتج به قلت قد علق البخاري كثيرا عن أبيه عن الأعرج ومن روايته هو عن موسى بن عقبة وعن هشام بن عروة وروى له مسلم في المقدمة فقط ء اعبد الرحمن بن عبد الله المسعودي علم عليه المزي علامة التعليق ولم يعلق له البخاري شيئا كما تقدم "ء ا" عبد العزيز بن أبي رواد المكي وثقه يحيى بن معين وغيره وتكلم فيه أحمد للإرجاء وقال ابن الجنيد كان ضعيفا وقال أبو حاتم لا يترك حديثه لرأي أخطأ فيه قلت له مواضيع يسيرة متابعة "م ت ق" عبد العزيز بن المطلب المدني قال أبو حاتم صالح وقال الدارقطني يعتبر به له موضع معلق في الأحكام "ت س ق" عبد الكريم بن أبي المخارق علم عليه المزي علامة التعليق ولم يعلق له البخاري شيئا وقد تقدم "خ س ق" عبد الواحد بن أبي عون المدني وثقه بن معين وغيره وقال ابن حبان يخطىء ماله في البخاري سوى موضع واحد متابعة "خ د ت" قعبيدة بن معقب الضبي أبو عبد الرحيم الكوفي ضعيف عندهم ماله في البخاري سوى موضع واحد معلق في الأضاحي "م ء ا" عكرمة بن عمار مشهور مختلف فيه له موضع واحد معلق "م ء ا" عمارة بن غزية الأنصاري وثقه يحيى بن معين وغيره وشذ بن حزم فضعفه وعلق له البخاري قليلا ت قعمرو بن عبيد المعتزلي المشهور علم له المزي علامة التعليق ولم يعلق له البخاري شيئا وقد تقدم "ء ا" عمرو بن أبي قيس الرازي قال أبو داود في حديثه خطأ له موضع واحد متابعة في البيوع "ء ا" عمران القطان البصري صاحب قتادة صدوق ضعفه النسائي وقال الدارقطني كان كثير الوهم وعلق له البخاري قليلا قعيسى بن موسى غنجار البخاري مشهور تكلم فيه الدارقطني ووثقه الحاكم وله موضع واحد في بدء الخلق "م ء ا" ليث بن أبي سليم الكوفي ضعفه أحمد وغيره علق له قليلا وروى له مسلم مقرونا "م ء ا" محمد بن إسحاق بن يسار الإمام في المغازي مختلف في الاحتجاج به والجمهور على قبوله في السير قد استفسر من أطلق عليه الجرح فبان أن سببه غير قادح وأخرج له مسلم في المتابعات وله في البخاري مواضع عديدة معلقة عنه وموضع واحد قال فيه قال إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق فذكر حديثا "م ء ا" محمد بن مسلم الطائفي وثقه بن معين وقال كان إذا حدث من حفظه يخطىء أخرج له مسلم متابعة والبخاري تعليقا "م ء ا" محمد بن عجلان المدني صدوق مشهور فيه مقال من قبل حفظه له مواضع معلقة "د ت ق" مبارك بن فضالة مختلف فيه وكان يدلس قال ابن عدي أرجو أن تكون أحاديثه مستقيمة علق له البخاري مواضع "م د س" محاضر بن المورع القول فيه كالقول في أبان العطار وحماد بن سلمة فإن البخاري أخرج في الحج له زيادة قال فيها زادني محمد حدثنا محاضر وهو مختلف فيه وله عنده مواضع في المتابعات خت مرجي بن رجاء العطاردي الضرير مختلف فيه وليس له سوى موضع واحد في الفطر على التمر في العيدين "م ء ا" هشام بن سعد المدني أبو عباد صاحب زيد بن أسلم قال أبو داود أنه أثبت الناس فيه قال أحمد لم يكن بالحافظ وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين صالح وليس بالمتروك وقال أبو زرعة محله الصدق وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وضعفه النسائي وقال الحاكم استشهد به مسلم قلت وعلق له البخاري قليلا خت هلال بن رداد عن الزهري لا يعرف حاله له موضع في بدء الوحي ت هلال أبو ظلال عن أنس ضعفه بن معين والنسائي وقال البخاري مقارب الحديث له موضع متابعة عن أنس في فضل العمي "د ت" يحيى بن أيوب بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي اختلف فيه قول يحيى بن معين وعلق له البخاري قليلا "س" يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي صاحب
(1/458)

الأوزاعي علق له قليلا وفيه مقال "س ت" يحيى بن ميمون أبو المعلى العطار مشهور بكنيته قال إسحاق بن منصور عن ابن معين ثقة وزعم بن الجوزي أن ابن حبان ضعفه ووهم في ذلك إنما ضعف يحيى بن ميمون أبا أيوب البصري وأبي المعلى في البخاري موضع واحد بكنيته م "ع" يزيد بن أبي زياد الكوفي مختلف فيه والجمهور على تضعيف حديثه إلا أنه ليس بمتروك علق له البخاري موضعا واحدا في اللباس عقب حديث أبي بردة عن علي في الفتنة "ع" يعقوب بن عبد الله الأشعري القمي قال النسائي ليس به بأس ولينه الدارقطني له موضع معلق في الطب "ت" يعقوب بن محمد الزهري المدني قال ابن معين صدوق ولكن لا يبالي عمن حدث وقال مرة أحاديثه تشبه أحاديث الواقدي وضعفه الجمهور وقال الحاكم وحده ثقة مأمون علق له البخاري موضعا واحدا في حد جزيرة العرب وهو في الحج "د م ت ق" يونس بن بكير بن واصل الشيباني الكوفي مختلف فيه وقال أبو حاتم محله الصدق وعلق له قليلا
(1/459)

فصل في تميز الطعن في المذكورين
...
فصل
في تمييز أسباب الطعن في المذكورين ومنه يتضح من يصلح منهم للاحتجاج به ومن لا يصلح وهو على قسيمن "الأول" من ضعفه بسبب الاعتقاد وقد قدمنا حكمه وبينا في ترجمة كل منهم أنه ما لم يكن داعية أو كان وتاب أو اعتضدت روايته بمتابع وهذا بيان ما رموا به فالإجاء بمعنى التأخير وهو عندهم على قسمين منهم من أراد به تأخير القول في الحكم في تصويب إحدى الطائفتين اللذين تقاتلوا بعد عثمان ومنهم من أراد تأخير القول في الحكم على من أتى الكبائر وترك الفرائض بالنار لأن الإيمان عندهم الإقرار والاعتقاد ولا يضر العمل مع ذلك والتشيع محبة على وتقديمه علىالصحابة فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيعه ويطلق عليه رافضي وإلا فشيعي فإن انضاف إلى ذلك السب أو التصريح بالبغض فغال في الرفض وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فأشد في الغلو والقدرية من يزعم أن الشر فعل العبد وحده والجهمية من ينفي صفات الله تعالى التي أثبتها الكتاب والسنة ويقول إن القرآن مخلوق والنصب بغض علي وتقديم غيره عليه والخوارج الذين أنكروا على علي التحكيم وتبرءوا منه ومن عثمان وذريته وقاتلوهم فإن أطلقوا تكفيرهم فهم الغلاة منهم والإباضية منهم أتباع عبد الله بن أباض والقعدية الذين يزينون الخروج على الأئمة ولا يباشرون ذلك والواقف في القرآن من لا يقول مخلوق ولا ليس بمخلوق وهذه أسماؤهم "خ م" إبراهيم بن طهمان رمى بالإرجاء "خ م" إسحاق بن سويد العدوي رمى بالنصب "خ" إسماعيل بن أبان رمى بالتشيع "خ م" أيوب بن عائذ الطائي رمى بالإرجاء "خ م" بشر بن السري رمى برأي جهم بهز بن أسد رمى بالنصب "خ م" ثور بن زيد الديلي المدني رمى بالقدر "خ م" ثور بن يزيد الحمصي رمى بالقدر "خ م" جرير بن عبد الحميد رمى بالتشيع "ع ا" جرير بن عثمان الحمصي رمى بالنصب "خ م" حسأن ابن عطية المحاربي رمى بالقدر "خ" الحسن بن ذكوان رمى بالقدر خ حصين بن نمير الواسطي رمى بالنصب خ خالد بن مخلد القطواني رمى بالتشيع "خ م" داود بن الحصين رمى بالقدر "خ م" ذر بن عبد الله المرهبي رمى بالإرجاء زكريا بن إسحاق رمى بالقدر سالم بن عجلان رمى بالقدر سعيد بن فيروز
(1/459)

البختري رمى بالتشيع سعيد بن عمرو بن أشوع رمى بالتشيع سعيد بن كثير بن عفير رمى بالتشيع "خ م" سلام بن مسكين الأزدي أبو روح البصري رمى بالقدر "خ م" سيف بن سليمان المكي رمى بالقدر "خ" شبابة بن سوار رمى بالإرجاء خ شبل بن عباد المكي رمى بالقدر "خ م" شريك بن عبد الله بن أبي نمر رمى بالقدر "خ م" عباد بن العوام رمى بالتشيع "خ" عباد بن يعقوب رمى بالرفض "خ" عبد الله بن سالم الأشعري رمى بالنصب "خ م" عبد الله بن عمرو أبو معمر رمى بالقدر "خ م" عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى رمى بالتشيع "خ م" عبد الله بن أبي لبيد المدني رمى بالقدر "خ م" عبد الله بن أبي نجيح المكي رمى بالقدر عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري رمى بالقدر عبد الحميد بن عبد الرحمن بن إسحاق الحماني رمى بالإرجاء عبد الرزاق بن همام الصنعاني رمى بالتشيع عبد الملك بن أعين رمى بالتشيع عبد الوارث بن سعيد التنوري رمى بالقدر عبد الله بن موسى العبسي رمى بالتشيع عثمان ابن غياث البصري رمى بالإرجاء عدي بن ثابت الأنصاري رمى بالتشيع عطاء بن أبي ميمون رمى بالقدر عكرمة مولى بن عباس رمى برأي الأباضية من الخوارج علي بن الجعد رمى بالتشيع علي بن أبي هاشم رمى بالوقف في القرآن عمر بن ذر رمى بالإرجاء عمر بن أبي زائدة رمى بالقدر عمرو بن مرة رمى بالإرجاء عمرأن ابن حطان رمى برأي القعدية من الخوارج عمرأن ابن مسلم القصير رمى بالقدر عمير بن هانئ الدمشقي رمى بالقدر عوف الأعرابي البصري رمى بالقدر الفضل بن دكين أبو نعيم رمى بالتشيع فطر بن خليفة الكوفي رمى بالتشيع فتادة بن دعامة رمى بالقدر وقال أبو داود لم يثبت عندنا عنه قيس بن أبي حازم رمى بالنصب كهمس بن المنهال رمى بالقدر محمد بن جحادة الكوفي رمى بالتشيع محمد بن حازم أبو معاوية الضرير رمى بالإرجاء محمد بن سواء البصري رمى بالقدر محمد بن فضيل بن غزوان رمى بالتشيع مالك بن إسماعيل أبو غسان رمى بالتشيع هارون بن موسى الأعور النحوي رمى بالقدر هشام بن عبد الله الدستوائي رمى بالقدر ورقاء بن عمرو اليشكري رمى بالإرجاء الوليد بن كثير بن حيي المدني رمى برأي الإباضية من الخوارج وهب بن منبه اليماني رمى بالقدر ورجع عنه يحيى بن حمزة الحضرمي رمى بالقدر يحيى بن صالح الوحاظي رمى بالإرجاء "القسم الثاني" فيمن ضعف بأمر مردود كالتحامل أو التعنت أو عدم الاعتماد على المضعف لكونه من غير أهل النقد ولكونه قليل الخبرة بحديث من تكلم فه أو بحاله أو لتأخر عصره ونحو ذلك ويلتحق به من تكلم فيه بأمر لا يقدح في جميع حديثه كمن ضعف في بعض شيوخه دون بعض وكذا من اختلط أو تغير حفظه أو كان ضابطا لكتابه دون الضبط لحفظه فإن جميع هؤلاء لا يجعل إطلاق الضعف عليهم بل الصواب في أمرهم التفصيل كما قدمناه مشروحا بحمد الله تعالى وهذا سياق أسمائهم أحمد بن شبيب الحبطي تكلم فيه الأزدي وهو غير مرضي أحمد بن صالح المصري تحامل عليه النسائي ولم يصح طعن يحيى بن معين فيه أحمد بن عاصم البلخي جهله أبو حاتم لأنه لم يخبر حاله أحمد بن المقدام العجلي طعن فيه أبو داود لمزاحه أحمد بن واقد الحراني تكلم فيه أحمد لدخوله في عمل السلطان أبان ابن يزيد العطار ونقل الكديمي تضعيفه والكديمي واه إبراهيم بن سعد قال أحمد لم يخبره يحيى القطان إبراهيم بن سويد بن حيان تكلم فيه بن حبان بلا حجة إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي جهله بن القطان الفاسي وعرفه غيره إبراهيم بن المنذر الحراني تكلم فيه أحمد لدخوله إلى بن أبي داود أزهر بن سعد السمان أورده العقيلي بلا مستند أسامة بن حفص المدني
(1/460)

ضعفه الأزدي وليس بمرضي وجهله الساجي وقد عرفه غيره أسباط أبو اليسع جهله أبو حاتم وعرفه غيره إسحاق بن إبراهيم أبو النضر الفراديسي وقد ينسب إلى جده يزيد تكلم فيه الأزدي وابن حبان بلا حجة وقال ابن عدي الحمل على شيخه إسرائيل بن موسى البصري ضعفه الأزدي بلا حجة إسرائيل بن أبي إسحاق تحامل عليه القطان والحمل على شيخه أبي يحيى إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة تكلم فيه الساجي والأزدي بلا مستند إسماعيل بن إبراهيم بن معمر أبو معمر غمزه أحمد لأنه أجاب في المحنة أفلح بن حميد الأنصاري أنكر عليه أحمد حديثا واحدا أوس بن عبد الله أبو الجوزاء تكلم فيه للإرسال أيمن بن نابل تكلموا فيه لزيادة في حديث واحد لعلها مردجة أيوب بن سليمان ابن بلال تكلم فيه الأزدي بلا مستند أيوب بن موسى الأشدق تكلم فيه الأزدي أيضا بلا حجة أيوب بن النجار نقل عن العجلي أنه ضعفه ولم يثبت ذلك بدل بن المحبر تكلم فيه بسبب حديث واحد عن زائدة بريد بن عبد الله بن أبي بردة أنكر عليه حديث واحد بشر بن شعيب بن أبي حمزة غلط بن حبان على البخاري في تضعيفه بشير بن نهيك تعنت أبو حاتم في قوله: "لا يحتج به بكر بن عمرو أبو الصديق الناجي تكلم فيه بن سعد بلا حجة بهز بن أسد العمي تكلم فيه الأزدي بلا مستند بيأن ابن عمرو جهله أبو حاتم وعرفه غيره توبة العنبري ضعفه الأزدي بلا حجة ثابت بن عجلان ذكره العقيلي بلا موجب قدح ثمامة بن عبد الله بن أنس تكلم فيه من أجل روايته من الكتاب جرير بن حازم ضعفه بن معين في قتادة خاصة وضعف أحمد ما حدث به بمصر وضعفه بن سعد لاختلاطه وصح أنه ما حدث في حال اختلاطه جعفر بن إياس أبو بشر تكلم فيه للإرسال الجعيد بن عبد الرحمن ضعفه الساجي والأزدي بلا مستند حبيب المعلم متفق على توثيقه لكن تعنت فيه النسائي حبيب بن أبي ثابت عابوا عليه التدليس حجاج بن محمد الأعور ذكر فيمن اختلط إلا أنه لم يحدث في تلك الحالة فما ضره حرمي بن عمارة بن أبي حفصة ذكره العقيلي بأمر فيه عنت الحسن بن الصباح البزار تعنت فيه النسائي الحسن بن علي الحلواني تكلم فيه أحمد بسبب الكلام الحسن بن مدرك الطحان تكلم فيه أبو داود بأمر فيه عنت الحسن بن موسى الأشيب لم يثبت عن ابن المديني تضعيفه الحسين بن الحسن بن بشار جهله أبو حاتم وعرفه غيره الحسين بن ذكوان المعلم ألانه القطان بلا قادح حصين بن عبد الرحمن ذكر فيمن اختلط حفص بن غياث تغير حفظه لما ولي القضاء الحكم بن عبد الله جهله أبو حاتم وعرفه غيره الحكم بن نافع أبو اليمان تكلم فيه بسبب الرواية بالإجازة حماد بن سلمة ذكر فيمن تغير حفظه حماد بن أسامة أبو أسامة ضعفه الأزدي بلا مستند حميد الأسود بن أبي الأسود تكلم فيه الساجي بلا حجة حميد بن قيس الأعرج أختلف قول أحمد فيه قال ابن عدي الإنكار من جهة غيره حميد الطويل تركه زائدة لدخوله في شيء من عمل السلطان حميد بن هلال العدوي كأن ابن سيرين لا يرضاه لدخوله في العمل حنظلة بن أبي سفيان ذكره بن عدي بلا حجة خالد بن سعيد الكوفي ذكره بن عدي بلا مستند خالد بن مهران الحذاء تكلم فيه شعبة لدخوله في شيء من العمل خثيم بن عراك ضعفه الأزدي بلا مستند خلاد بن يحيى قال الدارقطني أخطأ في حديث واحد خلاس بن عمرو الهجري تكلم فيه بسبب الإرسال داود بن رشيد ضعفه أبو محمد بن حزم بلا حجة داود بن عبد الرحمن العطار تكلم فيه الأزدي بلا حجة ولم يصح عن ابن معين تضعيفه الربيع بن يحيى قال الدارقطني يخطىء في حديث شعبة والثوري وما له في البخاري عنهما شيء ربيعة بن أبي عبد الرحمن تكلم فيه بسبب الإفتاء بالرأي روح بن عبادة تكلم فيه بعضهم
(1/461)

بلا مستند الزبير بن الحريث تكلم فيه لأن شعبة لم يرو عنه زكريا بن أبي زائدة تكلم فيه للتدليس زياد بن الربيع اليحمدي ذكره بن عدي بلا حجة زيد بن أبي أنيسة تكلم فيه أحمد بكلام لين زيد بن وهب تكلم فيه يعقوب بن سفيان بعنت سريج بن النعمان الجوهري تكلم أبو داود في بعض حديثه سعيد بن إياس الجريري ذكره فيمن اختلط سعيد بن أبي سعيد المقبري تغير حفظه في الآخر سعيد بن أبي عروبة ذكر فيمن اختلط سعيد بن سليمان الواسطي تكلموا فيه بلا حجة سعيد بن أبي هلال ذكره الساجي بلا حجة ولم يصح عن أحمد تضعيفه سلم بن قتيبة قال أبو حاتم كان كثير الوهم سليمان ابن بلال تكلم فيه عثمان ابن أبي شيبة بلا حجة سليمان ابن داود أبو الربيع الزهراني تكلم فيه بن خراش بلا حجة سليمان ابن مهران الأعمش تكلم فيه للتدليس سهل بن بكار البصري ذكره بن حبان بلا مستند سهيل بن أبي صالح ذكر فيمن تغير سلام بن أبي مطيع تكلم في حديثه عن قتادة خاصة شجاع بن الوليد أبو بدر السكوني تكلم فيه أبو حاتم بعنت شيبأن ابن عبد الرحمن النحوي تكلم فيه الساجي بلا حجة صالح بن صالح بن حيان والد الحسن لم يصح أن العجلي تكلم فيه صخر بن جوير ضاع كتابه فتكلم فيه لذلك طلق بن غنام ضعفه بن حزم بلا مستند طلحة بن نافع أبو سفيان تكلم فيه للتدليس عاصم بن سليمان الأحول تكلم فيه وهيب لأجل ولايته الحسبة عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري لم يصح قول عبد الحق أن بعضهم ضعفه عامر بن واثلة أبو الطفيل صحابي أخطأ من تكلم فيه عباد بن عباد المهلبي تكلم فيه أبو حاتم بعنت عباس بن الحسين القنطري جهله أبو حاتم وعرفه غيره عبد الله بن بريدة لم يثبت أن أحمد ضعفه وإنما تكلم فيه للإرسال عبد الله بن جعفر الرقي ذكر فيمن تغير حفظه عبد الله بن ذكوان أبو الزناد كرهه مالك لدخوله في عمل السلطان عبد الله بن سعيد بن أبي هند تكلم فيه أبو حاتم بعنت عبد الله بن العلاء بن زبر ضعفه بن حزم بلا مستند عبد الله بن عبيد الربذي تكلم فيه والعهدة على أخيه موسى عبد الله بن محمد أبو بكر بن أبي الأسود تكلم في سماعه من أبي عوانة عبد الحميد بن عبد الله أبو بكر بن أبي أويس تكلم فيه الأزدي بلا مستند عبد الرحمن بن ثروان أبو قيس تكلموا في بعض حديثه عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله الأنصاري تكلم فيه بن سعد بلا حجة عبد الرحمن بن خالد بن مسافر تكلم فيه الساجي بلا حجة عبد الرحمن بن شريح أبو شريح تكلم فيه بن سعد بلا مستند عبد الرحمن بن عبد الله أبو سعيد مولى بني هاشم تكلم فيه الساجي بلا مستند ولم يصح عن أحمد تضعيفه عبد الرحمن بن أبي الموالي تكلم أحمد في بعض حديثه عبد الرحمن بن محمد المحاربي تكلم فيه للتدليس عبد الرحمن بن نمر ضعف بسبب تفرد الوليد بن مسلم عنه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ضعفه الفلاس بلا مستند عبد الرحمن بن يونس المستملي كان صاعقة لا يحمد أمره عبد العزيز بن أبي حازم تكلم في سماعه من أبيه عبد العزيز بن عبد الله الأويسي لم يصح أن أبا داود ضعفه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز لم يثبت عن أحمد تضعيفه عبد العزيز بن المختار اختلف قول بن معين فيه ولم يثبت عنه تضعيفه عبد الكريم بن مالك الجزري تكلم بن معين في حديثه عن عطاء خاصة عبد المتعال بن طالب لم يثبت عن ابن معين تضعيفه عبد الملك بن عمير ذكر فيمن تغير عبد الواحد بن زياد البصري تكلم القطان في حفظه وأثنوا كلهم على كتابه عبد الواحد بن عبد الله البصري تكلم فيه بن حاتم بعنت عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ذكر فيمن اختلط وقال العقيلي لم يحدث في تلك الحالة عبيد الله بن أبي جعفر لم يثبت عن أحمد تضعيفه عبيد الله بن عبد المجيد ضعفه العقيلي بلا مستند
(1/462)

عثمان ابن أبي صالح المصري تكلم في بعض حديثه عثمان ابن محمد بن أبي شيبة تكلم في بعض حديثه وقد ثبته الخطيب عثمان ابن عمر بن فارس لم يثبت عن القطان أنه تركه عفأن ابن مسلم تكلم فيه سليمان ابن حرب بعنت عقيل بن خالد تكلم فيه القطان بعنت علي بن المبارك الهنائي تكلم في روايته من الكتاب عمر بن علي بن مقدم تكلم فيه للتدليس عمر بن محمد الحسن التلي تكلم في بعض حديثه من حفظه عمرو بن نافع تكلم فيه بن سعد بلا مستند ولم يثبت عن ابن معين أنه ضعفه عمرو بن سليم الزرقي تكلم فيه بن خراش بلا حجة عمرو بن عاصم الكلابي غمزه أبو داود بلا مستند عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي مذكور فيمن اختلط عمرو بن علي الفلاس أنكر بن المديني حديثه يزيد بن زريع عمرو بن أبي عمر مولى المطلب ضعفوا روايته عن عكرمة عمرو بن محمد الناقد أنكر بن المديني بعض حديثه عن ابن عيينة عمرو بن يحيى بن سعيد ذكره بن عدي بلا مستند عمرو بن يحيى المازني غمزه بن معين من أجل حديثين خولف فيهما عنبسة بن خالد الأيلي وقع فيه يحيى بن بكير بلا حجة العلاء بن المسيب تكلم فيه الأزدي بلا مستند عيسى بن طهمان ضعفه بن حبان بلا مستند والحمل على غيره غالب القطان ذكره بن عدي بلا مسند والعهدة على راويه فراس بن يحيى أنكر القطان حديثه في الاستبراء الفضل بن موسى استنكر بن المديني بعض حديثه القاسم بن مالك ضعفه الساجي بلا مستند قتادة تكلم فيه للتدليس قريش بن أنس ذكر فيمن تغير كهمس بن الحسن ضعفه الساجي بلا حجة محمد بن إبراهيم التيمي استنكر أحمد بعض حديثه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك تكلم فيه بن سعد بلا مستند محمد بن بشار بندار تكلم فيه الفلاس فلم يلتفت إليه محمد بن بكر البرساني لينه النسائي بلا حجة محمد بن جعفر غندر تكلم أبو حاتم في حديثه عن غير شعبة محمد بن الحسن الواسطي ذكره بن حبان بلا حجة محمد بن الحكم المرزوي جهله أبو حاتم وعرفه غيره محمد بن زياد الزيادي ذكره بن منده وابن حبان بلا حجة محمد بن سابق ضعف بن معين بعض حديثه محمد بن الصلت أبو يعلى التوزي لين أبو زرعة بعض حديثه محمد بن الصلت الأسدي لينه بعضهم بلا مستند محمد بن عبد الله الأنصاري أنكر القطان بعض حديثه وذكر فيمن تغير محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري أنكر أحمد بعض حديثه عن سفيان محمد بن عبد الرحمن الطفاوي قال أبو حاتم يهم أحيانا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وهن أحمد حديثه في الزهري ولم يثبت عنه القدر محمد عبيد الطنافسي أخطأ في بعض حديثه فيما حكى عن أحمد محمد بن أبي عدي قيل إن أبا حاتم تكلم فيه تعنتا محمد بن الفضل أبو النعمان المعروف بعارم مذكور فيمن اختلط وقيل لم يحدث في تلك الحالة محمد بن أبي القاسم لم يعرفه بن المديني وعرفه غيره محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير عابوا عليه التدليس محمد بن مطرف أبو غسان قال ابن المديني كان وسطا محمد بن ميمون أبو حمزة السكري عمي في آخر عمره فتكلم فيه بعضهم تعنتا محمد بن يوسف الفريابي خطأه العجلي في بعض حديثه مبشر بن إسماعيل ضعفه بن قانع وهو أضعف منه محارب بن دثار تكلم فيه بن سعد بلا مستند مخلد بن يزيد استنكر أبو داود بعض حديثه مروأن ابن الحكم الخليفة يقال له رؤية تكلم فيه لأجل الولاية مروأن ابن معاوية الفزاري غمز لإكثاره عن الضعفاء مسكين بن بكير خطأ أحمد بعض حديثه مطرف بن عبد الله تكلم أبو حاتم في بعض حديثه معتمر بن سليمان التيمي تكلم في حديثه من صدره واتفق على كتابه معبد بن سيرين تردد بن معين في بعض حديثه
(1/463)

معمر بن راشد تكلم في حديثه عن ثابت والأعمش معلى بن منصور تكلم أحمد فيه لكتابته الشروط مغيرة بن مقسم ذكر بالتدليس في حديث إبراهيم مقسم مولى بن عامر ضعفه بن سعد بلا حجة مفضل بن فضالة المصري تكلم فيه بن سعد بلا مستند منصور بن عبد الرحمن وهو بن صفية قال ابن حزم وحده ليس بالقوي المنهال بن عمرو تكلم فيه بلا حجة موسى بن إسماعيل أبو سلمة تكلم فيه بن خراش بلا مستند موسى بن نافع أبو شهاب استنكر أحمد بعض حديثه موسى بن عقبة تكلم بن معين في روايته عن نافع نافع بن عمر الجمحي تكلم فيه بن سعد بلا مستند هدبة بن خالد ضعفه النسائي بلا حجة هشام بن حسان تكلموا في حديثه عن بعض مشايخه هشام بن عروة ذكر بالتدليس أو الإرسال هشام بن عمار مذكور فيمن تغير هشيم بن بشير عابوا عليه التدليس همام بن يحيى تكلم في بعض حديثه من حفظه الوضاح أبو عوانة تكلم في حديثه من حفظه وكتابه معتمد الوليد بن مسلم عابوا عليه التدليس والتسوية يحيى بن أبي إسحاق تكلم فيه العقيلي بلا حجة يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال ابن معين أخطأ في حديث واحد يحيى بن سعيد الأموي ذكره العقيلي بلا حجة يحيى بن عباد الضبعي وسط عند بن معين يحيى بن عبد الله بن بكير تكلم في سماعه من مالك يحيى بن أبي كثير مذكور بالتدليس والإرسال يحيى بن واضح أبو تميلة لم يثبت أن البخاري ضعفه يزيد بن إبراهيم التستري تكلم القطان في حديثه عن قتادة فقط يزيد بن عبد الله بن حفص تكلم أحمد في بعض افراده يزيد بن عبد الله بن قسيط لينه أبو حاتم بلا حجة يزيد بن هارون الواسطي تغير لما عمي يزيد الرشك ضعفه بعضهم بلا حجة يعلى بن عبيد الطنافسي تكلم بن معين في حديثه عن الثوري يوسف بن أبي إسحاق تكلم العقيلي فيه بلا حجة يونس بن أبي الفرات تكلم فيه بن حبان بلا مستند يونس بن القاسم استنكر البرذعي حديثه بلا حجة يونس بن يزيد الأيلي في حفظه شيء وكتابه معتمد أبو بكر بن عياش ساء حفظه لما كبر وكتابه معتمد أبو بكر بن أبي موسى الأشعري ضعفه بن سعد بلا مستند فجميع من ذكر في هذين الفصلين ممن احتج به البخاري لا يلحقه في ذلك عاب لما فسرناه
وأما من عدا من ذكر فيهما ممن وصف بسوء الضبط أو الوهم أو الغلط ونحو ذلك وهو القسم الثالث فلم يخرج لهم إلا ما توبعوا عليه عنده أو عند غيره وقد شرحنا من ذلك ما فيه كفاية ومقنع والله الموفق إلى سبيل الرشاد نفع الله بجميع ذلك بمنه وكرمه
(1/464)

الفصل العاشر : في عد أحاديث الجامع
مدخل
...
الفصل العاشر:
في عد أحاديث الجامع
قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح فيما رويناه عنه في علوم الحديث عدد أحاديث صحيح البخاري سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون بالأحاديث المكررة قال وقيل إنما بإسقاط المكرر أربعة آلاف هكذا أطلق بن الصلاح وتبعه الشيخ محي الدين النووي في مختصره ولكن خالف في الشرح فقيدها بالمسندة ولفظه جملة ما في صحيح البخاري من الأحاديث المسندة بالمكرر فذكر العدة سواء فأخرج ب قوله: "المسندة الأحاديث المعلقة وما أورده في التراجم والمتابعة وبيان الاختلاف بغير إسناد موصل فكل ذلك خرج ب قوله: "المسندة بخلاف إطلاق بن الصلاح قال الشيخ محي الدين وقد رأيت أن أذكرها مفصلة ليكون كالفهرسة لأبواب الكتاب وتسهل معرفة مظان أحاديثه على الطلاب قلت ثم ساقها ناقلا لذلك من كتاب جواب المتعنت لأبي الفضل بن طاهر بروايته من طريق أبي محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي قال عدد أحاديث صحيح البخاري بدء الوحي خمسة أحاديث قلت بل هي سبعة وكأنه لم يعد حديث الأعمال ولم يعد حديث جابر في أول ما نزل وبيان كونها سبعة أن أول ما في الكتاب حديث عمر الأعمال الثاني حديث عائشة في سؤال الحارث بن هشام الثالث حديثها أول ما بدء به من الوحي الرابع حديث جابر وهو يحدث عن فترة الوحي وهو معطوف على إسناد حديث عائشة وهما حديثان مختلفان لا ريب في ذلك الخامس حديث بن عباس في نزول لا تحرك به لسانك السادس حديثه في معارضة جبريل في رمضان السابع حديثه عن أبي سفيان في قصة هرقل وفي أثنائه حديث آخر موقوف وهو حديث الزهري عن ابن الناطور في شأن هرقل وفيه من التعليق موضعان ومن المتابعات ستة مواضع وإنما أوردت هذا القدر ليتبين منه أن كثيرا من المحدثين وغيرهم يسترحون بنقل كلام من يتقدمهم مقلدين له ويكون الأول ما أتقن ولا حرر بل يتبعونه تحسينا للظن به والإتقان بخلاف فلا شيء أظهر من غلطه في هذا الباب في أول الكتاب فياعجباه لشخص يتصدى لعد أحاديث كتاب وله به عناية ورواية ثم يذكر ذلك جملة وتفصيلا فيقلد في ذلك لظهور عنايته به حتى يتداوله المصنفون ويعتمده الأئمة الناقدون ويتكلف نظمه ليستمر على استحضاره المذاكرون أنشد أبو عبد الله بن عبد الملك الأندلسي في فوائده عن أبي الحسين الرعيني عن أبي عبد الله بن عبد الحق لنفسه:
جميع أحاديث الصحيح الذي روى ال ...
بخاري خمس ثم سبعون للعد
وسبعة آلاف تضاف وما مضى ... إلى مائتين عد ذاك أولوا الجد
ومع هذا جميعه فيكون قلدوه في ذلك لم يتقن ما تصدى له من ذلك وسيظهر لك في عدة أحاديث الصوم أعجب من هذا الفصل وها أنا أسوق ما ذكر وأتعقبه بالتحرير إن شاء الله تعالى وإذا انتهيت إلى آخره رجعت فعددت المعلقات والمتابعات فإن اسم الأحاديث يشملها وإطلاق التكرير يعمها وفي ضمن ذلك من الفوائد ما لا يخفى
(1/465)

اخت مسلمة
06-09-2009, 04:24 AM
قال رحمه الله الإيمان خمسون حديثا قلت بل هي أحد وخمسون وذلك أنه أورد حديث أنس " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده" الحديث من رواية قتادة عن أنس ومن رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس إسنادين مختلفين فلكون المتن واحدا لم يعده حديثين ولا شك أن عده حديثين أولى من عد المكرر إسنادا ومتنا انتهى قال العلم خمسة وسبعون الوضوء مائة وتسعة أحاديث قلت بل مائة وخمسة عشر حديثا على التحرير قال الغسل ثلاثة وأربعون قلت بل سبعة وأربعون الحيض سبعة وثلاثون التيمم خمسة عشر فرض الصلاة حديثان وجوب الصلاة في الثياب تسعة وثلاثون قلت بل إحدى وأربعون القبلة ثلاثة عشر المساجد ستة وسبعون سترة المصلي ثلاثون قلت وإثنان مواقيت الصلاة خمسة وسبعون قلت بل ثمانون حديثا الأذان ثمانية وعشرون قلت بل ثلاثة وثلاثون صلاة الجماعة أربعون قلت واثنان الإمامة أربعون الصفوف ثمانية عشر قلت بل أربعة عشر فقط وقد حررتها وكررت مراجعتها افتتاح الصلاة ثمانية وعشرون القراءة ثلاثون قلت بل سبعة وعشرون الركوع والسجود والتشهد اثنان وخمسون انقضاء الصلاة سبعة عشر قلت بل أربعة عشر اجتناب أكل الثوم خمسة قلت بل أربعة فقط صلاة النساء والصبيان خمسة عشر قلت بل فيه أحد وعشرون حديثا الجمعة خمسة وستون صلاة الخوف ستة صلاة العيدين أربعون الوتر خمسة عشر الاستسقاء خمسة وثلاثون قلت بل أحد وثلاثون الكسوف خمسة وعشرون سجود القرآن أربعة عشر القصر ستة وثلاثون الاستخارة ثمانية التحريض على قيام الليل أحد وأربعون قلت لم أر الاستخارة في هذا المكان بل هنا باب التهجد ثم إن مجموع ذلك أربعون حديثا لا غير التطوع ثمانية عشر قلت بل ستة وعشرون الصلاة بمسجد مكة تسعة العمل في الصلاة ستة وعشرون السهو أربعة عشر قلت بل خمسة عشر بحديث أم سلمة الجنائز مائة وأربعة وخمسون الزكاة مائة وثلاثة عشر صدقة الفطر عشرة الحج مائتان وأربعون العمرة اثنان وأربعون الإحصار أربعون قلت لا والله بل ستة عشر فقط جزاء الصيد أربعون قلت بل ستة عشر أيضا الإحرام وتوابعه اثنان وثلاثون فضل المدينة أربعة وعشرون الصوم ستة وستون ليلة القدر عشرة قيام رمضان ستة الاعتكاف عشرون قلت لم يحرر الصوم ولم يتقنه فإن جملة ما بعد قوله كتاب الصيام إلى قوله كتاب الحج من الأحاديث المسندة بالمكرر مائة وستة وخمسون حديثا ففاته من العدد أربعة وسبعون حديثا وهذا في غاية التفريط البيوع مائة وأحد وتسعون السلم تسعة عشر الشفعة ثلاثة الإجارة أربعة وعشرون الحوالة ثلاثون قلت كذا رأيت في غيره ما نسخه وهو غلط والصواب ثلاثة أحاديث الكفالة ثمانية الوكالة سبعة عشر المزارعة والشرب تسعة وعشرون قلت بل المزارعة فقط ثلاثون حديثا والشرب هو الذي عدده تسعة وعشرون الاستقراض وأداء الديون والأشخاص والملازمة أربعون اللقطة خمسة عشر المظالم والغصب أحد وأربعون قلت بل خمسة وأربعون الشركة ثلاثة وعشرون الرهن ثمانية العتق أربعة وثلاثون المكاتب ستة قلت بل خمسة الهبة تسعة وستون الشهادات ثمانية وخمسون قلت بل ستة وخمسون الصلح اثنان وعشرون قلت بل عشرون فقط الشروط أربعة وعشرون الوصايا والوقف أحد وأربعون الجهاد والسير مائتان وخمسة وخمسون بقية الجهاد اثنان وأربعون فرض الخمس ثمانية وخمسون قلت من قوله: كتاب الجهاد إلى قوله: فرض الخمس عدة أحاديثه مائتان وأربعة وتسعون حديثا فقط
(1/466)

وأما فرض الخمس فهو ثلاثة وستون حديثا الجزية والموادعة ثلاثة وستون قلت بل ثمانية وعشرون حديثا فقط بدء الخلق مائتان وحديثان الأنبياء والمغازي أربعمائة وثمانية وعشرون حديثا جزء آخر بعد المغازي مائة وثمانية قلت لم يقع في هذا الفصل تحرير فأما بدء الخلق فإنما عدة أحاديثه علىالتحرير مائة وخمسة وأربعون حديثا وأحاديث الأنبياء وأوله باب قول الله عز وجل {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِه}ِ وآخره ما ذكر عن ابني إسرائيل مائة وأحد عشر حديثا أخبار بني إسرائيل وما يليه ستة وأربعون حديثا المناقب وفيه علامات النبوة مائة وخمسون حديثا فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مائة وخمسة وستون حديثا بنيان الكعبة وما يليه من أخبار الجاهلية عشرون حديثا مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته إلى ابتداء الهجرة ستة وأربعون حديثا الهجرة إلى ابتداء المغازي خمسون حديثا المغازي إلى آخر الوفاة أربعمائة حديث واثنا عشر حديثا فانظر إلى هذا التفاوت العظيم بين ما ذكر هذا الرجل واتبعوه عليه وبين ما حررته من الأصل التفسير خمسمائة وأربعون قلت بل هو أربعمائة وخمسة وستون حديثا من غير التعاليق والموقوفات فضائل القرآن أحمد وثمانون حديثا النكاح والطلاق مائتان وأربعة وأربعون حديثا قلت ويحتاج هذا الفصل أيضا إلى تحرير فأما النكاح وحده فهو مائة وثلاثة وثمانون حديثا والطلاق ومعه الخلع والظهار واللعان والعدد ثلاثة وثمانون حديثا النفقات اثنان وعشرون حديثا الأطعمة سبعون حديثا قلت الصواب تسعون بتقديم التاء المثناة على السين العقيقة أحد عشر حديثا قلت بل تسعة أحاديث وفيه غير ذلك من التعاليق والمتابعة الذبائح والصيد وغيره تسعون حديثا قلت بل الجميع ستة وستون حديثا الأضاحي ثلاثون حديثا الأشربة خمسة وستون حديثا الطب تسعة وسبعون حديثا اللباس مائة وعشرون المرضى أحد وأربعون اللباس أيضا مائة قلت هكذا رأيته في عدة نسخ والذي في أصل الصحيح بعد الأشربة كتاب المرضى فذكر ما يتعلق بثواب المريض وأحوال المرضى وعد به أربعون حديثا ثم قال كتاب الطب وعدته سبعة وتسعون حديثا بتقديم السين على الباء في سبعة وبتقديم التاء على السين في التسعين ثم قال كتاب اللباس فذكر متعلقات اللباس والزينة وأحوال البدن في ذلك وختمه بأحاديث في الارتداف على الدواب وآخره حديث الاضطجاع في المسجد رافعا إحدى رجليه على الأخرى وعدته مائة واثنان وثمانون حديثا كتاب الأدب مائتان وستة وخمسون حديثا وقد حررتها وهي خارج عن التعاليق والمكرر كتاب الاستئذان سبعة وسبعون وهو بتقديم السين فيهما الدعوات ستة وسبعون ومن الدعوات أيضا ثلاثون قلت هو مائة وستة أحاديث كما قال كتاب الرقاق مائة حديث الحوض ستة عشر الجنة والنار سبعة وخمسون قلت لكل من كتاب الرقاق وأما صفة الجنة والنار فقد تقدم ذكرهما في بدء الخلق وعدة الرقاق على ما ذكر مائة وثلاثة وسبعون حديثا وقد حررته فزاد على ذلك أربعة أحاديث القدر ثمانية وعشرون الأيمان والنذور أحد وثلاثون قلت كذا هو في عدة نسخ وهو خطأ وإنما هو أحد وثمانون كفارة اليمين خمسة عشر حديثا قلت بل ثمانية عشر حديثا الفرائض خمسة وأربعون حديثا قلت ستة وأربعون الحدود ثلاثون قلت بل اثنان وثلاثون المحاربة اثنان وخمسون الديات أربعة وخمسون استتابه المرتدين عشرون الإكراه ثلاثة عشر قلت بل اثنا عشر حديثا ترك الحيل ثلاثة وعشرون قلت بل ثمانية وعشرون التعبير ستون حديث قلت وثلاثة الفتن ثمانون قلت وحديثان الأحكام اثنان وثمانون حديثا التمني اثنان وعشرون قلت بل عشرون من غير المعلق إجازة خبر الواحد تسعة عشر
(1/467)

قلت بل اثنان وعشرون الاعتصام ستة وتسعون قلت بل ثمانية وتسعون حديثا التوحيد إلى آخر الكتاب مائة وتسعون حديثا قلت فجميع أحاديثه بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات على ما حررته وأتقنته سبعة آلاف وثلاث مائة وسبعة وتسعون حديثا فقد زاد على ما ذكروه مائة حديث واثنان وعشرون حديثا على أنني لا أدعي العصمة ولا السلامة من السهو ولكن هذا جهد من لا جهد له والله الموفق وهذا عدد ما فيه من التعاليق والمتابعات على ترتيب ما سبق بدء الوحي فيه من المعلقات حديثان ومن المتابعات ستة مواضع الإيمان فيه من التعاليق عشرة ومن المتابعات ستة العلم فيه من التعاليق عشرون ومن المتابعات ثلاثة الوضوء فيه من التعاليق ستة وعشرون ومن المتابعات تسعة الغسل فيه من التعاليق عشرة ومن المتابعات اثنان الحيض فيه من التعاليق ستة ومن المتابعات اثنان التيمم فيه من التعاليق ثلاثة فرض الصلاة فيه حديث معلق الصلاة في الثياب فيه من التعاليق خمسة عشر حديثا القبلة فيه من التعاليق ستة أحاديث المساجد فيه من التعاليق ستة عشر سترة المصلي فيه من التعاليق اثنان مواقيت الصلاة فيه من التعاليق خمسة وثلاثون ومن المتابعات ثلاثة أحاديث الأذان فيه من التعاليق أربعة صلاة الجماعة فيه من التعاليق عشرة أحاديث ومن المتابعات أربعة الإمامة فيه من التعاليق تسعة ومن المتابعات أحد عشر الصفوف فيه من التعاليق ثلاثة افتتاح الصلاة فيه من التعاليق ثمانية القراءة في الصلاة فيه من التعاليق ثلاثة ومن المتابعات اثنان الركوع والسجود والتشهد فيه من التعاليق تسعة انقضاء الصلاة منه من التعاليق سبعة اجتناب أكل الثوم فيه من التعاليق أربعة صلاة النساء والصبيان فيه متابعة واحدة الجمعة فيه من التعاليق عشرة ومن المتابعات خمسة صلاة الخوف فيه حديث معلق صلاة العيدين فيه من التعاليق ثلاثة الوتر فيه حديث معلق الاستسقاء فيه من التعاليق ستة ومن المتابعات حديث واحد الكسوف فيه من التعاليق عشرة ومن المتابعات اثنان سجود القرآن فيه من التعاليق اثنان القصر فيه من التعاليق ثمانية ومن المتابعات ستة التهجد فيه من التعاليق ستة ومن المتابعات أربعة التطوع فيه من التعاليق ستة ومن المتابعات خمسة الصلاة بمكة فيه تعليق واحد العمل في الصلاة فيه من التعاليق خمسة السهو فيه تعليق واحد ومتابعة واحدة الجنائز فيه من التعاليق ثمانية وأربعون حديثا ومن المتابعات ثمانية الزكاة فيه من التعاليق سبعة وأربعون حديثا ومن المتابعات سبعة الحج فيه من التعاليق خمسون ومن المتابعات أربعة عشر العمرة فيه من التعاليق خمسة الإحصار فيه من التعاليق حديثان جزاء الصيد فيه موضع واحد معلق الإحرام فيه من التعاليق سبعة ومن المتابعات خمسة فضل المدينة فيه من التعاليق حديث ومن المتابعات ثلاثة الصوم فيه من التعاليق اثنان وثلاثون ومن المتابعات أربعة ليلة القدر فيه متابعتان البيوع فيه من التعاليق خمسون ومن المتابعات ثلاثة السلم فيه من التعاليق ثلاثة الإجارة فيه من التعاليق سبعة الكفالة فيه من التعاليق حديثان الوكالة فيه من التعاليق ثلاثة ومن المتابعات موضوعان المزارعة فيه من التعاليق ثمانية الشرب فيه من التعاليق خمسة ومن المتابعات موضع واحد الاستقراض وما معه فيه من التعاليق ثمانية اللقطة فيه من التعاليق أربعة المظالم والغصب فيه من التعاليق ستة الشركة فيه من التعاليق حديثان العتق فيه من التعاليق أربعة عشر ومن المتابعات أربعة المكاتبة فيه من التعاليق حديثان الهبة فيه من التعاليق أربعة وعشرون الشهادات فيه من التعاليق سبعة الصلح فيه من التعاليق عشرة الشروط فيه من التعاليق أربعة وعشرون ومن المتابعات أربعة الوصايا والوقف فيه من التعاليق سبعة عشر ومن المتابعات موضوعان الجهاد وفرض الخمس فيه من التعاليق ستة وستون
(1/468)

ومن المتابعات ثمانية الجزية فيه من التعاليق ستة بدء الخلق فيه من التعاليق خمسة وعشرون ومن المتابعات أحد عشر أحاديث الأنبياء فيه من التعاليق أربعة وعشرون ومن المتابعات سبعة عشر المناقب وعلامات النبوة فيه من التعاليق خمسة عشر ومن المتابعات موضع واحد فضائل الصحابة فيه من التعاليق سبعة وثلاثون حديثا ومن المتابعات ستة السيرة إلى آخر المغازي فيه من التعاليق سبعة وتسعون حديثا ومن المتابعات عشرون التفسير فيه من التعاليق تسعة وستون ومن المتابعات أربعة عشر فضائل القرآن فيه من التعاليق عشر أحاديث ومن المتابعات سبعة النكاح فيه من التعاليق سبعة وثلاثون ومن المتابعات ثمانية الطلاق وما معه فيه من التعاليق أربعة وعشرون حديثا ومن المتابعات أربعة النفقات فيه من التعاليق ثلاثة الأطعمة فيه من التعاليق خمسة عشر حديثا العقيقة فيه من التعاليق أربعة الذبائح والصيد فيه من التعاليق ثلاثة عشر ومن المتابعات تسعة الأضاحي فيه من التعاليق عشرة ومن المتابعات أربعة الأشربة فيه من التعاليق أحد عشر ومن المتابعات خمسة كفارة المرض والطب فيه من التعاليق اثنان وعشرون ومن المتابعات ثمانية اللباس فيه من التعاليق ثلاثون حديثا ومن المتابعات ستة عشر حديثا الأدب فيه من التعاليق ثلاثة وستون حديثا ومن المتابعات اثنا عشر حديثا الاستئذان فيه من التعاليق ستة عشر ومن المتابعات أربعة عشر الدعوات فيه من التعاليق أربعة وثلاثون ومن المتابعات خمسة الرقاق فيه من التعاليق ثمانية وعشرون ومن المتابعات أربعة عشر القدر فيه من التعاليق أربعة الأيمان والنذور وكفارة اليمين فيه من التعاليق أحد وعشرون ومن المتابعات ثلاثة عشر الفرائض فيه من التعاليق حديثان الحدود فيه من التعاليق عشرة ومن المتابعات ثلاثة عشر الديات فيه من التعاليق ثمانية ومن المتابعات موضع واحد استتابة المرتدين فيه من التعاليق حديث واحد الإكراه فيه من التعاليق ثلاثة ترك الحيل فيه من التعاليق ثلاثة التعبير فيه من التعاليق خمسة عشر ومن المتابعات ستة الفتن فيه من التعاليق سبعة عشر حديثا الأحكام فيه من التعاليق ثلاثون حديثا ومن المتابعات ثلاثة الاعتصام فيه من التعاليق خمسة وعشرون حديثا ومن المتابعات ثلاثة التوحيد فيه من التعاليق خمسون حديثا ومن المتابعات خمسة أحاديث فجملة ما في الكتاب من التعاليق ألف وثلاث مائة واحد وأربعون حديثا وأكثرها مكرر مخرج في الكتاب أصول متونه وليس فيه من المتون التي لم تخرج في الكتاب ولو من طريق أخرى إلا مائة وستون حديثا قد أفردتها في كتاب مفرد لطيف متصلة الأسانيد إلى من علق عنه وجملة ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات ثلاثمائة واحد وأربعون حديثا فجميع ما في الكتاب على هذا بالمكرر تسعة آلاف واثنان وثمانون حديثا وهذه العدة خارج عن الموقوفات على الصحابة والمقطوعات عن التابعين فمن بعدهم وقد استوعبت وصل جميع ذلك في كتاب تعليق التعليق وهذا الذي حررته من عدة ما في صحيح البخاري تحرير بالغ فتح الله به لا أعلم من تقدمني إليه وأنا مقر بعدم العصمة من السهو والخطأ والله المستعان
(1/469)

ذكر مناسبة الترتيب المذكورة بالآبواب ملخصا من كلام شيخ الإسلام ألى حفص عمر البلقينى
...
ذكرمناسبة الترتيب المذكوربالأبواب المذكورة ملخصا من كلام
شيخنا شيخ الإسلام أبي حفص عمر البلقيني تغمده الله برحمته
قال رضي الله عنه بدأ البخاري بقوله: كيف بدء الوحي ولم يقل كتاب بدء الوحي لأن بدء الوحي من بعض ما يشتمل عليه الوحي قلت ويظهر لي أنه إنما عراه من باب لأن كل باب يأتي بعده ينقسم منه فهو أم الأبواب فلا يكون قسيما لها قال وقدمه لأنه منبع الخيرات وبه قامت الشرائع وجاءت الرسالات ومنه عرف الإيمان والعلوم وكان أوله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما يقتضي الإيمان من القراءة والربوبية وخلق الإنسان فذكر بعد كتاب الإيمان والعلوم وكان الإيمان أشرف العلوم فعقبه بكتاب العلم وبعد العلم يكون العمل وأفضل الأعمال البدنية الصلاة ولا يتوصل إليها إلا بالطهارة فقال كتاب الطهارة فذكر أنواعها وأجناسها وما يصنع من لم يجد ماء ولا ترابا إلى غير ذلك مما يشترك فيه الرجال والنساء وما تنفرد به النساء ثم كتاب الصلاة وأنواعها ثم كتاب الزكاة على ترتيب ما جاء في حديث بني الإسلام على خمس واختلفت النسخ في الصوم والحج أيهما قبل الآخر وكذا اختلفت الرواية في الأحاديث وترجم عن الحج بكتاب المناسك يعم الحج والعمرة وما يتعلق بهما وكان في الغالب من يحج يجتاز بالمدينة الشريفة فذكر ما يتعلق بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بحرم المدينة قلت ظهر لي أن يقال في تعقيبه الزكاة بالحج أن الأعمال لما كانت بدنية محضة ومالية محضة وبدنية مالية معا رتبها كذلك فذكر الصلاة ثم الزكاة ثم الحج ولما كان الصيام هو الركن الخامس المذكور في حديث بن عمر بني الإسلام على خمس عقب بذكره وإنما أخره لأنه من المتروك وإن كان عملا أيضا لكنه عمل النفس لا عمل الجسد فلهذا أخره وإلا لو كان اعتمد على الترتيب الذي في حديث بن عمر لقدم الصيام على الحج لأن ابن عمر أنكر على من روى عنه الحديث بتقديم الحج على الصيام وهو وإن كان ورد عن ابن عمر من طريق أخرى كذلك فذاك محمول على أن الراوي روى عنه بالمعنى ولم يبلغه نهيه عن ذلك والله أعلم وهذه التراجم كلها معاملة العبد مع الخالق وبعدها معاملة العبد مع الخلق فقال كتاب البيوع وذكر تراجم بيوع الأعيان ثم بيع دين على وجه مخصوص وهو السلم وكان البيع يقع قهريا فذكر الشفعة التي هي بيع قهري ولما تم الكلام على بيوع العين الاختياري والقهري وكان ذلك قد يقع فيه غبن من أحد الجانبين أما في ابتداء العقد أو في مجلس العقد وكان في البيوع ما يقع على دينين لا يجب فيهما قبض في المجلس ولا تعيين أحدهما وهو الحوالة فذكرها وكانت الحوالة فيها انتقال الدين من ذمة إلى ذمة أردفها بما يقتضي ضم ذمة إلى ذمة أو ضم شيء يحفظ به العلقة وهو الكفالة والضمان وكان الضمان شرع للحفظ فذكر الوكالة التي هي حفظ للمال وكانت الوكالة فيها توكل على آدمي فأردفها بما فيه التوكل على الله فقال كتاب الحرث والمزارعة وذكر فيها متعلقات الأرض والموات والغرس والشرب وتوابع ذلك كان في كثير من ذلك يقع الارتفاق فعقبه بكتاب الاستقراض لما فيه من الفضل والإرفاق ثم ذكر العبد راع في مال سيده ولا يعمل إلا بإذنه للإعلام بمعاملة الأرقاء فلما تمت المعاملات كان لابد أن يقع فيها من منازعات فذكر الأشخاص والملازمة والالتقاط وكان الالتقاط وضع اليد بالأمانة الشرعية فذكر بعده وضع اليد تعديا وهو الظلم والغضب وعقبه بما قد يظن فيه غصب ظاهر وهو حق شرعي فذكر
(1/470)

وضع الخشب في جدار الجار وصب الخمر في الطريق والجلوس في الأفنية والآبار في الطريق وذكر في ذلك الحقوق المشتركة وقد يقع في الاشتراك نهي فترجم النهي بغير إذن صاحبه ثم ذكر بعد الحقوق المشتركة العامة الاشتراك الخاص فذكر كتاب الشركة وتفاريعها ولما أن كانت هذه المعاملات في مصالح الخلق ذكر شيئا يتعلق بمصالح المعاملة وهي الرهن وكان الرهن يحتاج إلى فك رقبة وهو جائز من جهة المرتهن لازم من جهة الراهن أردفه بالعتق الذي هو فك الرقبة والملك الذي يترتب عليه جائز من جهة السيد لا من جهة العبد فذكر متعلقات العتق من التدبير والولاء وأم الولد الإحسان إلى الرقيق وأحكامهم ومكاتباتهم ولما كانت الكتابة تستدعي إيتاء ل قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} فأردفه بكتاب الهبة وذكر معها العمري والرقبى ولما كانت الهبة نقل ملك الرقبة بلا عوض أردفه بنقل المنفعة بلا عوض وهو العارية المنيحة ولما تمت المعاملات وانتقال الملك على الوجوه السابقة وكان ذلك قد يقع فيه تنازع فيحتاج إلى الأشهاد فأردفه بكتاب الشهادات ولما كانت البينات قد يقع فيها تعارض ترجم القرعة في المشكلات وكان ذلك التعارض قد يقتضي صلحا وقد يقع بلا تعارض ترجم كتاب الصلح ولما كان الصلح قد يقع فيه الشرط عقبه بالشروط في المعاملات ولما كانت الشروط قد تكون في الحياة وبعد الوفاة ترجم كتاب الوصية والوقف فلما انتهى ما يتعلق بالمعاملات مع الخالق ثم ما يتعلق بالمعاملات مع الخلق أردفها بمعاملة جامعة بين معاملة الخالق وفيها نوع اكتساب فترجم كتاب الجهاد إذ به يحصل إعلاء كلمة الله تعالى وإذلال الكفار بقتلهم واسترقاقهم نسائهم وصبيانهم وعبيدهم وغنيمة أموالهم العقار والمنقول والتخيير في كامليهم وبدأ بفضل الجهاد ثم ذكر ما يقتضي أن المجاهد ينبغي أن يعد نفسه في القتلى فترجم باب التحنط عند القتال وقريب منه من ذهب ليأتي بخبر العدو وهو الطليعة وكان الطليعة يحتاج إلى ركوب الخيل ثم ذكر من الحيوان ما له خصوصية وهو بغلة النبي صلى الله عليه وسلم وناقته وكان الجهاد في الغالب للرجال وقد يكون النساء معهم تبعا فترجم أحوال النساء في الجهاد وذكر باقي ما يتعلق بالجهاد ومنها آلات الحرب وهيئتها والدعاء قبل القتال وكل ذلك من آثار بعثته العامة فترجم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام وكان عزم الإمام على الناس في الجهاد إنما هو بحسب الطاقة فترجم عزم الإمام على الناس فيما يطيقون وتوابع ذلك وكانت الاستعانة في الجهاد تكون بجعل أو بغير جعل فترجم الجعائل وكان الإمام ينبغي أن يكون إمام القوم فترجم المبادرة عند الفزغ وكانت المبادرة لا تمنع من التوكل ولا سيما في حق من نصر بالرعب فذكره وذكر مبادرته على أن تعاطي الأسباب لا يقدح في التوكل فترجم حمل الزاد في الغزو ثم ذكر آداب السفر وكان القادمون من الجهاد قد تكون معهم الغنيمة فترجم فرض الخمس وكان ما يؤخذ من الكفارة تارة يكون بالحرب ومرة بالمصالحة فذكر كتاب الجزية وأحوال أهل الذمة ثم ذكر تراجم تتعلق بالموادعة والعهد والحذر من الغدر ولما تمت المعاملات الثلاث وكلها من الوحي المترجم عليه بدء الوحي فذكر بعد هذه المعاملات بدء الخلق قلت ويظهر إلى أنه إنما ذكر بدء الخلق عقب كتاب الجهد لما أن الجهاد يتشمل على إزهاق النفس فأراد أن يذكر أن هذه المخلوقات محدثات وأن مآلها إلى الفناء وأنه لا خلود لأحد انتهى ومن مناسبته ذكر الجنة والنار اللتين مآل الخلق إليهما وناسب ذكر إبليس وجنوده عقب صفة النار لأنهم أهلها ثم ذكر الجن ولما كان خلق الدواب قبل خلق آدم عقبة بخلق آدم وترجم الأنبياء نبيا نبيا على الترتيب الذي نعتقده وذكر فيهم ذا القرنين لأنه عنده نبي وأنه قبل إبراهيم ولهذا ترجمه بعد ترجمة إبراهيم وذكر ترجمة أيوب بعد يوسف لما بينهما من مناسبة الابتلاء وذكر قوله:
(1/471)

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} بعد قصة يونس لأن يونس التقمه الحوت فكان ذلك بلوى له فصبر فنجا أولئك ابتلوا بحيتان فمنهم من صبر فنجا ومنهم من تعدى فعذب وذكر لقمان بعد سليمان إما لأنه عنده نبي وإما لأنه من جملة أتباع داود عليه السلام وذكر مريم لأنها عنده نبيه ثم ذكر بعد الأنبياء أشياء من العجائب الواقعة في زمن بني إسرائيل ثم ذكر الفضائل والمناقب المتعلقة بهذه الأمة وأنهم ليسوا بأنبياء مع ذلك وبدأ بقريش لأن بلسانهم أنزل الكتاب ولما ذكر أسلم وغفارا ذكر قريبا منه إسلام أبي ذر لأنه أول من أسلم من غفار ثم ذكر أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله وعلامات نبوته في الإسلام ثم فضائل أصحابه ولما كان المسلمون الذين اتبعوه وسبقوا إلى الإسلام هم المهاجرون والأنصار والمهاجرون مقدمون في السبق ترجم مناقب المهاجرين ورأسهم أبو بكر الصديق فذكرهم ثم أتبعهم بمناقب الأنصار وفضائهم ثم شرع بعد ذكر مناقب الصحابة في سياق سيرهم في إعلاء كلمة الله تعالى مع نبيهم فذكر أولا أشياء من أحوال الجاهلية قبل البعثة التي أزالت الجاهلية ثم ذكر أذى المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة إلى الحبشة ثم الهجرة إلى الحبشة وأحوال الإسراء وغير ذلك ثم الهجرة إلى المدينة النبوية ثم ساق المغازي على ترتيب ما صح عنده وبدأ بإسلام بن سلام تفاؤلا بالسلامة في المغازي ثم بعد إيراد المغازي والسرايا ذكر الوفود ثم حجة الوداع ثم مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته وما قبض صلى الله عليه وسلم إلا وشريعته كاملة بيضاء نقية وكتابه قد كمل نزوله فأعقب ذلك بكتاب التفسير ثم ذكر عقب ذلك فضائل القرآن ومتعلقاته وآداب تلاوته وكان ما يتعلق بالكتاب والسنة من الحفظ والتفسير وتقرير الأحكام يحصل به حفظ الدين في الأقطار واستمرار الأحكام على الأعصار وبذلك تحصل الحياة المعتبرة أعقب ذلك بما يحصل به النسل والذرية التي يقوم منها جيل بعد جيل يحفظون أحوال التنزيل فقال كتاب النكاح ثم أعقبه بالرضاع لما فيه من متعلقات التحريم به ثم ذكر ما يحرم من النساء وما يحل ثم أردف ذلك بالمصاهرة والنكاح الحرام والمكروه والخطبة والعقد والصداق والولي وضرب الدف في النكاح والوليمة والشروط في النكاح وبقية أحوال الوليمة ثم عشرة النساء ثم أردفه كتاب الطلاق ثم ذكر أنكحه الكفار ولما كان الإيلاء في كتاب الله مذكورا بعد نكاح المشركين ذكره البخاري عقبه ثم ذكر الظهار وهو فرقة مؤقتة ثم ذكر اللعان وهو فرقة مؤبدة ثم ذكر العدد والمراجعة ثم ذكر حكم الوطء من غير عقد لما فرغ من توابع العقد الصحيح فقال مهر البغي والنكاح الفاسد ثم ذكر المتعة ولما انتهت الأحكام المتعلقة بالنكاح وكان من أحكامه أمر يتعلق بالزوج تعلقا مستمرا وهو النفقة ذكرها ولما انقضت النفقات وهي من المأكولات غالبا أردف كتاب الأطعمة وأحكامها وآدابها ثم كان من الأطعمة ما هو خاص فذكر العقيقة وكان ذلك بما يحتاج فيه إلى ذبح فذكر الذبائح وكان من المذبوح ما يصاد فذكر أحكام الصيد وكان من الذبح ما يذبح في العام مرة فقال كتاب الأضاحي وكانت المآكل تعقبها المشارب فقال كتاب الأشربة وكانت المأكولات والمشروبات قد يحصل منها في البدن ما يحتاج إلى طبيب فقال كتاب الطب وذكر تعلقات المرض وثواب المرض وما يجوز أن يتداوى به وما يجوز من الرقي وما يكره منها ويحرم ولما انقضى الكلام على المأكولات والمشروبات وما يزيل الداء المتولد منها أردف بكتاب اللباس والزينة وأحكام ذلك والطيب وأنواعه وكان كثير منها يتعلق بآداب النفس فأردفها بكتاب الأدب والبر والصلة والاستئذان ولما كان السلام والاستئذان سببا لفتح الأبواب السفلية أردفها بالدعوات التي هي فتح الأبواب العلوية ولما كان الدعاء سبب المغفرة ذكر الاستغفار ولما
(1/472)

كان الإستغفار سببا لهدم الذنوب قال باب التوبة ثم ذكر الأذكار الموقتة وغيرها والاستعاذة ولما كان الذكر والدعاء سببا للاتعاظ ذكر المواعظ والزهد وكثيرا من أحوال يوم القيامة ثم ذكر ما يبين أن الأمور كلها بتصريف الله تعالى فقال كتاب القدر وذكر أحواله ولما كان القدر قد تحال عليه الأشياء المنذورة قال كتاب النذر كان المنذر فيه كفارة فأضاف إليه الأيمان وكانت الأيمان والنذور تحتاج إلى الكفارة فقال كتاب الكفارة ولما تمت أحوال الناس في الحياة الدنيا ذكر أحوالهم بعد الموت فقال كتاب الفرائض فذكر أحكامه ولما تمت الأحوال بغير جناية ذكر الجنايات الواقعة بين الناس فقال كتاب الحدود وذكر في آخره أحوال المرتدين ولما كان المرتد قد لا يكفر إذا كان مكرها قال كتاب الإكراه وكان المكره قد يضمر في نفسه حيلة دافعة فذكر الحيل وما يحل منها وما يحرم ولما كانت الحيل فيها ارتكاب ما يخفى أدرف ذلك بتعبير الرؤيا لأنها مما يخفي وإن ظهر للمعبر وقال الله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} فأعقب ذلك بقوله:كتاب الفتن وكان من الفتن ما يرجع فيه إلى الحكام فهم الذين يسعون في تسكين الفتنة غالبا فقال كتاب الأحكام وذكر أحوال الأمراء والقضاة ولما كانت الإمامة والحكم قد يتمناها قوم أردف ذلك بكتاب التمني ولما كان مدار حكم الحكام في الغالب على أخبار الآحاد قال ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق ولما كانت الأحكام كلها تحتاج إلى الكتابة والسنة قال الاعتصام بالكتاب والسنة وذكر أحكام الاستنباط من الكتاب والسنة والاجتهاد وكراهية الاختلاف وكان أصل العصمة أولا وآخرا هو توحيد الله فختم بكتاب التوحيد وكان آخر الأمور التي يظهر بها المفلح من الخاسر ثقل الموازين وخفتها فجعله آخر تراجم كتابه فقال باب قول الله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} وأن أعمال بني آدم توزن فبدأ بحديث إنما الأعمال بالنيات وختم بأن أعمال بني آدم توزن وأشار بذلك إلى أنه إنما يتقبل منها ما كان بالنية الخالصة لله تعالى وهو حديث كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فقوله كلمتان فيه ترغيب وتخفيف وقوله حبيبتان فيه حث على ذكرهما لمحبة الرحمن إياهما وقوله خفيفتان فيه حث بالنسبة إلى ما يتعلق بالعمل وقوله: "ثقيلتان فيه إظهار ثوابهما وجاء الترتيب بهذا الحديث على أسلوب عظيم وهو أن حب الرب سابق وذكر العبد وخفة الذكر على لسانه تال وبعد ذلك ثواب هاتين الكلمتين إلى يوم القيامة وهاتان الكلمتان معناهما جاء في ختام دعاء أهل الجنة ل قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
انتهى كلام الشيخ ملخصا ولقد أبدى فيه لطائف وعجائب جزاه الله خير بمنه وكرمه
(1/473)

ذكر عدة ما لكل صحابى في صحيح البخارى موصولا ومعلقا على ترتيب حروف المعجم وبه صحة عدده بلا تكرير
...
ذكر
عدة ما لكل صحابي في صحيح البخاري موصولا ومعلقا على ترتيب حروف المعجم
وبه يتبين صحة عدده بلا تكرير
وقد قدمت عن ابن الصلاح أنه قال يقال أنه أربعة آلاف وبذلك جزم الشيخ محي الدين في شرحه لكنه عبر بقوله: وجملة ما فيه بغير المكرر نحو أربعة آلاف وسيظهر لك أنه لا يبلغ هذا القدر ولا يقاربه والله الموفق أبي بن كعب سيد القراء سبعة أحاديث أسامة بن زيد بن حارثة ستة عشر حديثا وعده الحميدي سبعة عشر أسيد بن حضير الأنصاري حديث واحد الأشعث بن قيس الكندي حديث واحد أنس بن مالك الأنصاري مائتان وثمانية وستون حديثا ونقص الحميدي العدة لأنه بعد الحديثين إذا تقاربت ألفاظهما حديثا واحدا كما صنع في حديث الزهري عن أنس قال لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي وحديث محمد بن سيرين عن أنس في الحسين بن علي كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم فعد الحميدي هذين الحديثين حديثا واحدا مع اختلافهما في اللفظ والمعنى ويقع له عكس ذلك فلم افلده فيما عده والله الموفق أهبأن ابن أوس الأسلمي حديث واحد البراء بن عازب الأنصاري ثمانية وثلاثون حديثا بريدة بن الحصيب الأسلمي ثلاثة أحاديث بلال بن رباح المؤذن الحبشي ثلاثة أحاديث ثابت بن الضحاك الأنصاري حديثان ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري حديث واحد جابر بن سمرة بن جنادة الأنصاري السوائي حديثان جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري تسعون حديثا جبير بن مطعم النوفلي تسعة أحاديث جرير بن عبد الله البجلي عشرة أحاديث جندب بن عبد الله القسري ثمانية أحاديث حارثة بن وهب الخزاعي أربعة أحاديث حذيفة بن اليمان العبسي اثنان وعشرون حديثا حزن بن أبي وهب المخزومي حديثان حسأن ابن ثابت بن المنذر الأنصاري الشاعر حديث واحد حكيم بن حزام بن خويلد الأسدي أربعة أحاديث خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري سبعة أحاديث خالد بن الوليد المخزومي حديثان خباب بن الأرث الخزاعي خمسة أحاديث خفاف بن إيماء الغفاري الخزاعي ذكر المزي في الأطراف أن البخاري أخرج له حديثا والحديث الذي أشار إليه إنما هو من مسند ابنته رافع بن خديج بن رافع الأنصاري ستة أحاديث ووهم الحميدي فأسقط حديثا رافع بن مالك العجلاني الأنصاري حديث واحد في المغازي أنه كان يقول لابنه رفاعة وكان رفاعة شهد بدرا وأبوه رافع شهد العقبة ولم يشهد بدرا ما يسرني أني شهدت بدرا بالعقبة وهذا الحديث لم يذكره أصحاب الأطراف في كتبهم ولا أفرد من صنف في رجال البخاري لرافع هذا ترجمة وهو على شرطهم رفاعة بن رافع بن مالك ولد الذي قبله ثلاثة أحاديث الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي تسعة أحاديث زيد بن أرقم الأنصاري ستة أحاديث زيد بن ثابت الأنصاري ثمانية أحاديث زيد بن خالد الجهني خمسة أحاديث زيد بن الخطاب العدوي أخو عمر له حديث واحد زيد بن سهل أبو طلحة الأنصاري ثلاثة أحاديث السائب بن يزيد الكندي ستة أحاديث سراقة بن مالك بن جعشم حديث واحد سعد بن أبي وقاص الزهري عشرون حديثا سعد بن مالك أبو سعيد الخدري ستة وستون حديثا سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي ثلاثة أحاديث سفيان ابن
(1/474)

أبي زهير الأزدي حديثان سلمأن ابن عامر الضبي حديث واحد سلمان الفارسي أربعة أحاديث سلمة بن الأكوع الأسلمي عشرون حديثا سلمة الجرمي والد عمرو حديث واحد سليمان ابن صرد الخزاعي حديث واحد سمرة بن جنادة السوائي حديث واحد سمرة بن جندب الفزاري ثلاثة أحاديث سنين أبو جميلة السلمي حديث واحد سهل بن أبي حثمة الأنصاري ثلاثة أحاديث سهل بن حنيف الأنصاري أربعة أحاديث سهل بن سعد الساعد أحد وأربعون حديثا سويد بن النعمان الأنصاري حديث واحد شداد بن أوس بن ثابت الأنصاري حديث واحد شيبة بن عثمان ابن أبي طلحة العبدري حديث واحد صخر بن حرب أبو سفيان الأموي حديث واحد عدي بن عجلان أبو أمامة الباهلي ثلاثة أحاديث الصعب بن جثامة الليثي ثلاثة أحاديث طلحة بن عبيد الله التيمي أحد العشرة أربعة أحاديث ظهير بن رافع الأنصاري حديث واحد عامر بن ربيعة العنزي حديثان عائذ بن عمرو المزني حديث واحد عبادة بن الصامت الأنصاري تسعة أحاديث العباس بن عبد المطلب بن هاشم عم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث عبد الله بن أبي أوفى خمسة عشر حديثا عبد الله بن بسر المازني حديث واحد عبد الله بن ثعلبة بن صغير حديث واحد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي حديثان عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري حديث واحد عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي عشرة أحاديث عبد الله بن زمعة بن الأسود الأسدي حديث واحد عبد الله بن زيد بن عاصم المازني تسعة أحاديث عبد الله بن سلام حديثان عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي مائتا حديث وسبعة عشر حديثا عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق بن أبي قحافة اثنان وعشرون حديثا عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي مائتان وسبعون حديثا عبد الله بن عمرو بن العاص ستة وعشرون حديثا عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري سبعة وخمسون حديثا عبد الله بن مالك الأزدي المعروف بابن بحينة أربعة أحاديث عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي أبو عبد الرحمن خمسة وثمانون حديثا عبد الله بن مغفل المزني ثمانية أحاديث عبد الله بن هشام بن زهرة التيمي ثلاثة أحاديث عبد الله بن يزيد الخطمي حديثان عبد الرحمن بن أبزي الخزاعي حديث واحد عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ثلاثة أحاديث أبو عبس بن جبر الأنصاري واسمه عبد الرحمن حديث واحد عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب العبشمي حديث واحد عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة الزهري أحد العشرة تسعة أحاديث عتبأن ابن مالك الأنصاري حديث واحد عثمان ابن عفأن ابن أبي العاص بن أمية الأموي تسعة أحاديث عدي بن حاتم الطائي سبعة أحاديث عروة بن أبي الجعد البارقي حديثان عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل النوفلي ثلاثة أحاديث عقبة بن عامر الجهني تسعة أحاديث عقبة بن عمرو أبو مسعود الأنصاري البدري أحد عشر حديثا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي تسعة وعشرون حديثا عمار بن ياسر العبسي أربعة أحاديث عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي أمير المؤمنين ستون حديثا عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي حديثان عمرو بن أمية الضمري حديثان عمرو بن تغلب النمري حديثان عمرو بن الحارث المصطلقي حديث واحد عمرو بن العاص السهمي ثلاثة أحاديث عمرو بن عوف الأنصاري حديث واحد عمرأن ابن حصين الخزاعي اثنا عشر حديثا عوف بن مالك الأشجعي حديث واحد عويمر أبو الدرداء الأنصاري أربعة أحاديث العلاء بن الحضرمي حديث واحد الفضل بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي ثلاثة أحاديث قتادة بن النعمان الأنصاري حديث واحد قيس بن سعد بن
(1/475)

عبادة الخزرجي حديثان كعب بن عجرة البلوي حليف الأنصار حديثان كعب بن مالك الأنصاري أربعة أحاديث مالك بن الحويرث الليثي أربعة أحاديث مالك بن ربيعة أبو أسيد الساعدي أربعة أحاديث مالك بن صعصعة الأنصاري حديث واحد مجاشع بن مسعود السلمي حديث واحد أخوه مجالد حديث واحد محمد بن مسلمة الأنصاري حديث واحد محمود بن الربيع الأنصاري حديث واحد مرداس بن مالك الأسلمي حديث واحد مروأن ابن الحكم الأموي حديثان المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري ثمانية أحاديث المسيب بن حزن والد سعيد المخزومي ثلاثة أحاديث معاذ بن جبل الأنصاري ستة أحاديث معاوية بن أبي سفيان الأموي ثمانية أحاديث معقل بن يسار المزني حديثان معن ابن يزيد السلمي حديث واحد معيقيب الدوسي حديث واحد المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أحد عشر حديثا المقداد بن الأسود الكندي حديث واحد المقدام بن معد يكرب الكندي حديثان نضلة بن عبيد أبو برزة الأسلمي أربعة أحاديث النعمان ابن بشير بن سعد الأنصاري ستة أحاديث النعمان ابن مقرن المزني حديث واحد نفيع بن الحارث أبو بكرة الثقفي أربعة عشر حديثا نوفل بن معاوية الديلي حديث واحد هانئ أبو بردة بن نيار الأنصاري حديث واحد واثلة بن الأسقع الليثي حديث واحد وحشي بن حرب الحبشي حديث واحد وهب بن عبد الله أبو جحيفة السوائي سبعة أحاديث يعلى بن أمية التميمي ثلاثة أحاديث
(1/476)

ذكر من لا يعرف اسمه أو اختلف فيه
أبو بشير الأنصاري حديث واحد أبو ثعلبة الخشني ثلاثة أحاديث أبو جهم بن الحارث بن الصمة الأنصاري حديثان أبو حميد الساعدي أربعة أحاديث أبو ذر الغفاري أربعة عشر حديثا أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد أبو سعيد بن المعلى الأنصاري حديث واحد أبو شريح الخزاعي ثلاثة أحاديث أبو قتادة الأنصاري ثلاثة عشر حديثا أبو لبابة الأنصاري حديث واحد أبو هريرة الدوسي أربعمائة وستة وأربعون حديثا أبو واقد الليثي حديث واحد النساء أسماء بنت أبي بكر الصديق ستة عشر حديثا أسماء بنت عميس حديث واحد أميمة بنت خالد بن سعيد بن العاص أم خالد حديثان حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين خمسة أحاديث خنساء بنت خذام حديث واحد خولة بنت قيس الأنصارية حديث واحد الربيع بنت معوذ الأنصارية ثلاثة أحاديث رملة بنت أبي سفيان أم حبيبة أم المؤمنين حديثان زينب بنت جحش أم المؤمنين حديثان زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد حديثان زينب الثقفية امرأة بن مسعود حديث واحد سبيعة بنت الحارث الأسلمية حديث واحد سودة بنت زمعة العامرية أم المؤمنين حديث واحد صفية بنت حيي أم المؤمنين حديث واحد صفية بنت شيبة العبدرية حديث واحد عائشة بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين مائتان واثنان وأربعون حديثا فاختة أم هانئ بنت أبي طالب الهاشمية حديثان فاطمة بنت قيس الفهرية حديث واحد فاطمة الزهراء بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد لبابة أم الفضل حديثان ميمونة بنت الحارث الهلالية
(1/476)

أم المؤمنين سبعة أحاديث نسيبة أم عطية الأنصارية خمسة أحاديث هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية أم سلمة أم المؤمنين ستة عشر حديثا أم حرام بنت ملحان حديثان أم رومان والدة عائشة حديثان أم سليم الأنصارية حديثان أم شريك العامرية حديث واحد أم العلاء الأنصارية حديث واحد أم قيس بنت محصن الأسدية حديثان أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط حديث واحد بنت خفاف بن أيماء حديث واحد فجميع ما في صحيح البخاري من المتون الموصولة بلا تكرير على التحرير ألفا حديث1 وستمائة حديث وحديثان ومن المتون المعلقة المرفوعة التي لم يوصلها في موضع آخر من الجامع المذكور مائة وتسعة وخمسون حديثا فجميع ذلك ألفا حديثا وسبعمائة وأحد وستون حديثا وبين هذا العدد الذي حررته والعدد الذي ذكره بن الصلاح وغيره تفاوت كثير وما عرفت من أين أتى الوهم في ذلك ثم تأولته على أنه يحتمل أن يكون العاد الأول الذي قلدوه في ذلك كان إذا رأى الحديث مطولا في موضع ومختصرا في موضع آخر يظن أن المختصر غير المطول إما لبعد العهد به أو لقلة المعرفة بالصناعة ففي الكتاب من هذا النمط شيء كثير وحينئذ يتبين السبب في تفاوت ما بين العددين والله الموفق وإذا انتهى ما أردت تحريره من فصول هذه المقدمة فلنرجع إلى ما تقدم الوعد به من تحرير الترجمة فأقول
ـــــــ
1 قوله وستمائة حديث وحديثان وقوله بعد فجميع ذلك ألفا حديث الخ. كذا في نسخة وحاصل الجمع عليها صحيح وفي أخرى ألفا حديث وأربعمائة وأربعة وستون ثم قال فجميع ذلك ألفا حديث وستمائة وثلاثة وعشرون وهو صحيح أيضا على حدته فحرر العدد في العواقع. وقال في الفتح آخر كتاب التوحيد وجميع ما فيه موصولا ومعلقا بغير تكرار ألفا حديث وخمسمائة وثلاثة عشر حديثا
(1/477)

ذكر نسبه ومولده ومنشئه ومبدأ طلبه للحديث
...
ذكر نسبه ومولده ومنشئته ومبدأ طلبه للحديث
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي ولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة ببخارا قال المستنير بن عتيق أخرج لي ذلك محمد بن إسماعيل بخط أبيه وجاء ذلك عنه من طرق وجده بردزبه بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة وسكون الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها هاء هذا هو المشهور في ضبطه وبه جزم بن ماكولا وقد جاء في ضبطه غير ذلك وبردزبه بالفارسية الزراع كذا ي قوله: "أهل بخارى وكان بردزبه فارسيا على دين قومه ثم أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفي وأتى بخارى فنسب إليه نسبة ولاء عملا بمذهب من يرى أن من أسلم على يده شخص كان ولاؤه له وإنما قيل له الجعفي لذلك وأما ولده إبراهيم بن المغيرة فلم نقف على شيء من أخباره وأما والد محمد فقد ذكرت له ترجمة في كتاب الثقات لابن حبان فقال في الطبقة الرابعة إسماعيل بن إبراهيم والد البخاري يروي عن حماد بن زيد ومالك وروى عنه العراقيون وذكره ولده في التاريخ الكبير فقال إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة سمع من مالك وحماد بن زيد وصافح بن المبارك وسيأتي بعد قليل قول إسماعيل عند موته أنه لا يعلم في ماله حراما ولا شبهة ومات إسماعيل ومحمد صغير فنشأ في حجر أمه ثم حج مع أمه وأخيه أحمد وكان أسن منه فأقام
(1/477)

هو بمكة مجاورا يطلب العلم ورجع أخوه أحمد إلى بخارى فمات بها فروى غنجار في تاريخ بخاري واللالكائي في شرح السنة في باب كرامات الأولياء منه أن محمد بن إسماعيل ذهبت عيناه في صغره فرأت والدته الخليل إبراهيم في المنام فقال لها يا هذه قد رد الله على ابنك بصره بكثرة دعائك قال فأصبح وقد رد الله عليه بصره وقال الفربري سمعت محمد بن أبي حاتم وراق البخاري يقول سمعت البخاري يقول ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب قلت وكم أتى عليك إذ ذاك فقال عشر سنين أو أقل ثم خرجت من الكتاب فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره فقال يوما فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم فقلت يا أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم فانتهرني فقلت له ارجع إلى الأصل إن كان عندك فدخل فنظر فيه ثم رجع فقال كيف هو يا غلام فقلت هو الزبير وهو بن عدي عن إبراهيم فأخذ القلم وأصلح كتابه وقال لي صدقت قال فقال له أنسيأن ابن كم حين رددت عليه فقال ابن إحدى عشرة سنة قال فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب بن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء يعني أصحاب الرأي قال ثم خرجت مع أمي وأخي إلى الحج قلت فكان أول رحلته على هذا سنة عشر ومائتين ولو رحل أول ما طلب لأدرك ما أدركته أقرانه من طبقة عالية ما أدركها وإن كان أدرك ما قاربها كيزيد بن هارون1 وأبي داود الطيالسي2 وقد أدرك عبد الرزاق وأراد أن يرحل إليه وكان يمكنه ذلك فقيل له إنه مات فتأخر عن التوجه إلى اليمن ثم تبين أن عبد الرزاق كان حيا فصار يروي عنه بواسطة قال فلما طعنت في ثماني عشرة وصنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين ثم صنفت التاريخ في المدينة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكنت أكتبه في الليالي المقمرة قال وقل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة إلا أني كرهت أن يطول الكتاب وقال سهب بن السري قال البخاري دخلت إلى الشام ومصر والجزيرة مرتين وإلى البصرة أربع مرات وأقمت بالحجاز ستة أعوام ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد مع المحدثين وقال حاشد بن إسماعيل كان البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فلمناه بعد ستة عشر يوما فقال قد أكثرتم علي فاعرضوا علي ما كتبتم فأخرجناه فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه وقال أبو بكر بن أبي عياش الأعين كتبنا عن محمد بن إسماعيل وهو أمرد على باب محمد بن يوسف الفريابي قلت كان موت الفريابي سنة اثنتي عشرة ومائتين وكان سن البخاري إذ ذاك نحوا من ثمانية عشر عاما أو دونها وقال محمد بن الأزهر السجستاني كنت في مجلس سليمان ابن حرب والبخاري معنا يسمع ولا يكتب فقيل لبعضهم ماله لا يكتب فقال يرجع إلى بخاري ويكتب من حفظه وقال محمد بن أبي حاتم عن البخاري كنت في مجلس الفريابي فقال حدثنا سفيان عن أبي عروة عن أبي الخطاب عن أبي حمزة فلم يعرف أحد في المجلس من فوق سفيان فقلت لهم أبو عروة هو معمر بن راشد وأبو الخطاب هو قتادة بن دعامة وأبو حمزة هو أنس بن مالك قال وكان الثوري فعولا لذلك يكنى المشهورين
ـــــــ
1 في شذرات الذهب (1:16) أن وفاة يزيد بن هارون سنة 206 والبخاري حج سنة 210.
2 وفاته سنة 204.
(1/478)

ذكر
مراتب مشايخه الذين كتب عنهم وحدث عنهم
قد تقدم التنبيه على كثرتهم وعن محمد بن أبي حاتم عنه قال كتبت عن ألف وثمانين نفسا ليس فيهم إلا صاحب حديث وقال أيضا لم أكتب إلا عمن قال الإيمان قول وعمل قلت وينحصرون في خمس طبقات "الطبقة الأولى" من حدثه عن التابعين مثل محمد بن عبد الله الأنصاري حدثه عن حميد ومثل مكي بن إبراهيم حدثه عن يزيد بن أبي عبيد ومثل أبي عاصم النبيل حدثه عن يزيد بن أبي عبيد أيضا ومثل عبيد الله بن موسى حدثه عن إسماعيل بن أبي خالد ومثل أبي نعيم حدثه عن الأعمش ومثل خلاد بن يحيى حدثه عن عيسى بن طهمان ومثل على بن عياش وعصام بن خالد حدثاه عن حريز بن عثمان وشيوخ هؤلاء كلهم من التابعين "الطبقة الثانية" من كان في عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين كآدم بن أبي إياس وأبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر وسعيد بن أبي مريم وأيوب بن سليمان ابن بلال وأمثالهم "الطبقة الثالثة" هي الوسطى من مشايخه وهم من لم يلق التابعين بل أخذ عن كبار تبع الأتباع كسليمان ابن حرب وقتيبة بن سعيد ونعيم بن حماد وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة وأمثال هؤلاء وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم "الطبقة الرابعة" رفقاؤه في الطلب ومن سمع قبله قليلا كمحمد بن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة وعبد بن حميد وأحمد بن النضر وجماعة من نظرائهم وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه أو ما لم يجده عند غيرهم "الطبقة الخامسة" قوم في عداد طلبته في السن والإسناد سمع منهم للفائدة كعبد الله بن حماد الآملي وعبد الله بن أبي العاص الخوارزمي وحسين بن محمد القباني وغيرهم وقد روى عنهم أشياء يسيرة وعمل في الرواية عنهم بما روى عثمان ابن أبي شيبة عن وكيع قال لا يكون الرجل عالما حتى يحدث عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه وعن البخاري أنه قال لا يكون المحدث كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه
(1/479)

ذكر
سيرته وشمائله وزهده وفضائله
قال وراقه سمعت محمد بن خراش يقول سمعت أحيد بن حفص يقول دخلت على إسماعيل والد أبي عبد الله عند موته فقال لا أعلم من مالي درهما من حرام ولا درهما من شبهة قلت وحكى وراقه أنه ورث من أبيه مالا جليلا وكان يعطيه مضاربة فقطع له غريم خمسة وعشرين ألفا فقيل له استعن بكتاب الوالي فقال إن أخذت منهم كتابا طمعوا ولن أبيع ديني بدنياي ثم صالح غريمه على أن يعطيه كل شهر عشرة دراهم وذهب ذلك المال كله وقال سمعته يقول ما توليت شراء شيء قط ولا بيعه كنت آمر إنسانا فيشتري لي قيل له ولم قال لما فيه من الزيادة والنقصان والتخليط وقال غنجار في تاريخه حدثنا أحمد بن محمد بن عمر المقري حدثنا أبو سعيد بكر بن منير قال كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه أبو حفص فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية وطلبوهما منه بربح
(1/479)

خمسة آلاف درهم فقال لهم انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف درهم فردهم وقال أني نويت البارحة أن أدفعها إلى الأولين فدفعها إليهم وقال لا أحب أن أنقض نيتي وقال وراق البخاري سمعته يقول خرجت إلى آدم بن أبي إياس فتأخرت نفقتي حتى جعلت أتناول حشيش الأرض فما كان في اليوم الثالث أتاني رجل لا أعرفه فأعطاني صرة فيها دنانير قال وسمعته يقول كنت أستغل في كل شهر خمسمائة درهم فأنفقها في الطلب وما عند الله خير وأبقى وقال عبد الله بن محمد الصيارفي كنت عند محمد بن إسماعيل في منزله فجاءته جاريته وأرادت دخول المنزل فعثرت على محبرة بين يديه فقال لها كيف تمشين قالت إذا لم يكن طريق كيف أمشي فبسط يديه وقال اذهبي فقد أعتقتك قيل له يا أبا عبد الله أغضبتك قال فقد أرضيت نفسي بما فعلت وقال وراق البخاري رأيته استلقى ونحن بفربر في تصنيف كتاب التفسير وكان أتعب نفسه في ذلك اليوم في التخريج فقلت له أني سمعتك تقول ما أتيت شيئا بغير علم فما الفائدة في الاستلقاء قال أتعبت نفسي اليوم وهذا ثغر خشيت أن يحدث حدث من أمر العدو فأحببت أن أستريح وآخذ أهبة فإن غافصنا العدو كأن ابنا حراك قال وكان يركب إلى الرمي كثيرا فما أعلم أني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلا مرتين بل كان يصيب في كل ذلك ولا يسبق قال وركبنا يوما إلى الرمي ونحن بفربر فخرجنا إلى الدرب الذي يؤدي إلى الفرصة فجعلنا نرمي فأصاب سهم أبي عبد الله وتد القنطرة التي على النهر فانشق الوتد فلما رأى ذلك نزل على دابته فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي وقال لنا ارجعوا فرجعنا فقال لي يا أبا جعفر لي إليك حاجة وهو يتنفس الصعداء فقلت نعم قال تذهب إلى صاحب القنطرة فتقول إنا أخللنا بالوتد فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مما كان منا وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر فقال لي أبلغ أبا عبد الله السلام وقل له أنت في حل مما كان منك فإن جميع ملكي لك الفداء فأبلغته الرسالة فتهلل وجهه وأظهر سرورا كثيرا وقرأ ذلك اليوم للغرباء خمسمائة حديث وتصدق بثلثمائة درهم قال وسمعته يقول لأبي معشر الضرير اجعلني في حل يا أبا معشر فقال من أي شيء فقال رويت حديثا يوما فنظرت إليك وقد أعجبت به وأنت تحرك رأسك ويديك فتبسمت من ذلك قال أنت في حل يرحمك الله يا أبا عبد الله قال وسمعته يقول دعوت ربي مرتين فاستجاب لي يعني في الحال فلن أحب أن أدعو بعد فلعله ينقص حسناتي قال وسمعته يقول لا يكون لي خصم في الآخرة فقلت إن بعض الناس ينقمون عليك التاريخ يقولون فيه اغتياب الناس فقال إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "بئس أخو العشيرة" قال وسمعته يقول ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة حرام قلت والبخاري في كلامه على الرجال توق زائد وتحر بليغ يظهر لمن تأمل كلامه في الجرح والتعديل فإن أكثر ما يقول سكتوا عنه فيه نظر تركوه ونحو هذا وقل أن يقول كذاب أو وضاع وإنما يقول كذبه فلان رماه فلان يعني بالكذب أخبرني أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج المزي أن أبا الفتح الشيباني أخبره أخبرنا أبو اليمان الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر بن ثابت أخبرني أبو الوليد الدربندي أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان حدثنا أحمد بن محمد بن عمر سمعت بكر بن منير يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول أني لأرجو أن ألقي الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا وبه إلى أبي بكر بن منير قال كان محمد بن إسماعيل البخاري ذات يوم يصلي فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة فلما قضى صلاته قال انظروا أي شيء هذا الذي آذاني في صلاتي فنظروا فإذا الزنبور قد ورمه في سبعة
(1/480)

عشر موضعا ولم يقطع صلاته قلت وريناها عن محمد بن أبي حاتم وراقه وقال في آخرها كنت في آية فأحببت أن أتمها وقال وراقه أيضا كنا بفربر وكان أبو عبد الله يبني رباطا مما يلي بخارى فاجتمع بشر كثير يعينونه على ذلك وكان ينقل اللبن فكنت أقول له يا أبا عبد الله إنك تكفي ذلك فيقول هذا الذي ينفعني قال وكان ذبح لهم بقرة فلما أدركت القدور دعا الناس إلى الطعام فكان معه مائة نفس أو أكثر ولم يكن علم أنه يجتمع ما اجتمع وكنا أخرجنا معه من فربر خبزا بثلاثة دراهم وكان الخبز إذ ذاك خمسة أمنان بدرهم فألقيناه بين أيديهم فأكل جميع من حضر وفضلت أرغفة صالحة وقال وكان قليل الأكل جدا كثير الإحسان إلى الطلبة مفرط الكرم وحكى أبو الحسن يوسف بن أبي ذر البخاري أن محمد بن إسماعيل مرض فعرضوا ماءه على الأطباء فقالوا إن هذا الماء يشبه ماء بعض أساقفة النصارى فإنهم لا يأتدمون فصدقهم محمد بن إسماعيل وقال لم آتدم منذ أربعين سنة فسألوه عن علاجه فقالوا علاجه الآدم فامتنع حتى ألح عليه المشايخ وأهل العلم فأجابهم إلى أن يأكل مع الخبز سكرة وقال الحاكم أبو عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن خالد حدثنا مقسم بن سعد قال كان محمد بن إسماعيل البخاري إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلى بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية وكذلك إلى أن يختم القرآن وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال وكان يختم بالنهار في كل يوم ختمة ويكون ختمه عند الإفطار كل ليلة ويقول عند كل ختمة دعوة مستجابة وقال محمد بن أبي حاتم الوراق كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ فكنت أراه يقوم في الليلة الواحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا بيده ويسرج ويخرج أحاديث فيعلم عليها ثم يضع رأسه فقلت له إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني قال أنت شاب فلا أحب أن أفسد عليك نومك قال وكان يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة ويوتر منها بواحدة قال وكان معه شيء من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في ملبوسه قال وسمعته يقول وقد سئل عن خبر حديث يا أبا فلان تراني أدلس وقد تركت عشرة آلاف حديث لرجل فيه نظر وتركت مثلها أو أكثر منها لغيره لي فيه نظر وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي السليماني سمعت علي بن محمد بن منصور يقول سمعت أبي يقول كنا في مجلس أبي عبد الله البخاري فرفع إنسان من لحيته قذاة وطرحها إلى الأرض قال فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس فلما غفل الناس رأيته مد يده فرفع القذاة من الأرض فأدخلها في كمه فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها وطرحها على الأرض فكأنه صان المسجد عما تصان عنه لحيته وأخرج الحاكم في تاريخه من شعره
قوله: "
اغتنم في الفراغ فضل ركوع ... فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح رأيت من غير سقم ... ذهبت نفسه الصحيحة فلته
قلت وكان من العجائب أنه هو وقع له ذلك أو قريبا منه كما سيأتي في ذكر وفاته ولما نعي إليه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي الحافظ أنشد:
إن عشت تفجع بالأحبة كلهم ... وبقاء نفسك لا أبا لك أفجع
(1/481)

ذكر
ثناء الناس عليه وتعظيمهم له
فأولهم مشايخه قال سليمان ابن حرب ونظر إليه يوما فقال هذا يكون له صيت وكذا قال أحمد بن حفص نحوه وقال البخاري كنت إذا دخلت على سليمان ابن حرب يقول بين لنا غلط شعبة و قال محمد بن أبي حاتم سمعت البخاري يقول كان إسماعيل بن أبي أويس إذا انتخبت من كتابه نسخ تلك الأحاديث لنفسه وقال هذه الأحاديث انتخبها محمد بن إسماعيل من حديثي قال وسمعته يقول اجتمع أصحاب الحديث فسألوني أن أكلم لهم إسماعيل بن أبي أويس ليزيدهم في القراءة ففعلت فدعا الجارية فأمرها أن تخرج صرة دنانير وقال يا أبا عبد الله فرقها عليهم قلت إنما أرادوا الحديث قال أجبتك إلى ما طلبوا من الزيادة غير أني أحب أن يضم هذا إلى ذاك قال وقال لي بن أبي أويس أنظر في كتبي وجميع ما أملك لك وأنا شاكر لك أبدا ما دمت حيا وقال حاشد بن إسماعيل قال لي أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري محمد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر بالحديث من أحمد بن حنبل فقال له رجل من جلسائه جاوزت الحد فقال له أبو مصعب لو أدركت مالكا ونظرت إلى وجهه ووجه محمد بن إسماعيل لقلت كلاهما واحد في الحديث والفقه قلت عبر بقوله ونظرت إلى وجهه عن التأمل في معارفه وقال عبدأن ابن عثمان المروزي ما رأيت بعيني شابا أبصر من هذا وأشار إلى محمد بن إسماعيل وقال محمد بن قتيبة البخاري كنت عند أبي عاصم النبيل فرأيت عنده غلاما فقلت له من أين قال من بخارى قلت بن من قال ابن إسماعيل فقلت أنت من قرابتي فقال لي رجل بحضرة أبي عاصم هذا الغلام يناطح الكباش يعني يقاوم الشيوخ وقال قتيبة بن سعيد جالست الفقهاء والزهاد والعباد فما رأيت منذ علقت مثل محمد بن إسماعيل وهو في زمانه كعمر في الصحابة وعن قتيبة أيضا قال لو كان محمد بن إسماعيل في الصحابة لكان آية وقال محمد بن يوسف الهمداني كنا عند قتيبة فجاء رجل شعراني يقال له أبو يعقوب فسأله عن محمد بن إسماعيل فقال يا هؤلاء نظرت في الحديث ونظرت في الرأي وجالست الفقهاء والزهاد والعباد فما رأيت منذ عقلت مثل محمد بن إسماعيل قال وسأل قتيبة عن طلاق السكران فدخل محمد بن إسماعيل فقال قتيبة للسائل هذا أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني قد ساقهم الله إليك وأشار إلى البخاري وقال أبو عمرو الكرماني حكيت لمهيار بالبصرة عن قتيبة بن سعيد أنه قال لقد رحل إلي من شرق الأرض ومن غربها فما رحل إلي مثل محمد بن إسماعيل فقال مهيار صدق قتيبة أنا رأيته مع يحيى بن معين وهما جميعان يختلفان إلى محمد بن إسماعيل فرأيت يحيى منقادا له في المعرفة وقال إبراهيم بن محمد بن سلام كان الرتوت من أصحاب الحديث مثل سعيد بن أبي مريم وحجاج بن منهال وإسماعيل بن أبي أويس والحميدي ونعيم بن حماد والعدني يعني محمد بن يحيى بن أبي عمر والخلال يعني الحسين بن علي الحلواني ومحمد بن ميمون هو الخياط وإبراهيم بن المنذر وأبي كريب محمد بن العلاء وأبي سعيد عبد الله بن سعيد الأشج وإبراهيم بن موسى هو الفراء وأمثالهم يقضون لمحمد بن إسماعيل على أنفسهم في النظر والمعرفة قلت الرتوت بالراء المهملة والتاء المثناة من فوق وبعد الواو مثناة أخرى هم الرؤساء قال ابن الأعرابي وغيره وقال أحمد بن حنبل ما أخرجت خراسان مثل محمد
(1/482)

ابن إسماعيل رواها الخطيب بسند صحيح عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ولما سأله ابنه عبد الله عن الحفاظ فقال شبان من خراسان فعده فيهم فبدأ به وقال يعقوب بن إبراهيم الدورقي ونعيم بن حماد الخزاعي محمد بن إسماعيل البخاري ففيه هذه الأمة وقال ابندار محمد بن بشار هو أفقه خلق الله في زماننا وقال الفربري سمعت محمد بن أبي حاتم يقول سمعت حاشد بن إسماعيل يقول كنت بالبصرة فسمعت بقدوم محمد بن إسماعيل فلما قدم قال محمد بن بشار قدم اليوم سيد الفقهاء وقال محمد بن إبراهيم البوشنجي سمعت بندارا سنة ثمان وعشرين يقول ما قدم علينا مثل محمد بن إسماعيل وقال ابندار أنا أفتخر به منذ سنين وقال موسى بن قريش قال عبد الله بن يوسف التنيسي للبخاري يا أبا عبد الله أنظر في كتبي وأخبرني بما فيها من السقط فقال نعم وقال البخاري دخلت على الحميدي وأنا بن ثمان عشرة سنة يعني أول سنة حج فإذا بينه وبين آخر اختلاف في حديث فلما بصر بي قال جاء من يفصل بيننا فعرضا علي الخصومة فقضيت للحميدي وكان الحق معه وقال البخاري قال لي محمد بن سلام البيكندي أنظر في كتبي فما وجدت فيها من خطأ فاضرب عليه فقال له بعض أصحابه من هذا الفتى فقال هذا الذي ليس مثله وكان محمد بن سلام المذكور يقول كلما دخل على محمد بن إسماعيل تحيرت ولا أزال خائفا منه يعني يخشى أن يخطىء بحضرته وقال سليم بن مجاهد كنت عند محمد بن سلام فقال لي لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث وقال حاشد بن إسماعيل رأيت إسحاق بن راهويه جالسا على المنبر والبخاري جالس معه وإسحاق يحدث فمر بحديث فأنكره محمد فرجع إسحاق إلى قوله وقال يا معشر أصحاب الحديث انظروا إلى هذا الشاب واكتبوا عنه فإنه لو كان في زمن الحسن بن أبي الحسن البصري لاحتاج إليه لمعرفته بالحديث وفقهه وقال البخاري أخذ إسحاق بن راهويه كتاب التاريخ الذي صنفته فأدخله على عبد الله بن طاهر الأمير فقال أيها الأمير إلا أريك سحرا وقال أبو بكر المديني كنا يوما عند إسحاق بن راهويه ومحمد بن إسماعيل حاضر فمر إسحاق بحديث ودون صحابيه عطاء الكنجاراني فقال له إسحاق يا أبا عبد الله إيش هي كنجاران قال قرية باليمن كان معاوية بعث هذا الرجل الصحابي إلى اليمن فسمع منه عطاء هذا حديثين فقال له إسحاق يا أبا عبد الله كأنك شهدت القوم وقال البخاري كنت عند إسحاق بن راهويه فسئل عمن طلق ناسيا فسكت طويلا مفكرا فقلت أنا قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم" وإنما يراد مباشرة هؤلاء الثلاث العمل والقلب أو الكلام والقلب وهذا لم يعتقد بقلبه فقال إسحاق قويني قواك الله وأفتي به وقال أبو الفضل أحمد بن سلمة النيسابوري حدثني فتح بن نوح النيسابوري قال أتيت علي بن المديني فرأيت محمد بن إسماعيل جالسا عن يمينه وكان إذا حدث ألتفت إليه مهابة له وقال البخاري ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني وربما كنت أغرب عليه قال حامد بن أحمد فذكر هذا الكلام لعلي بن المديني فقال لي دع قوله هو ما رأى مثل نفسه وقال البخاري أيضا كان علي بن المديني يسألني عن شيوخ خراسان فكنت أذكر له محمد بن سلام فلا يعرفه إلى أن قال لي يوما يا أبا عبد الله كل من أثنيت عليه فهو عندنا الرضى وقال البخاري ذاكرني أصحاب عمرو بن علي الفلاس بحديث فقلت لا أعرفه فسروا بذلك وصاروا إلى عمرو بن علي فقالوا له ذاكرنا محمد بن إسماعيل بحديث فلم يعرفه فقال عمرو بن علي حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث وقال أبو عمرو الكرماني سمعت عمرو بن علي الفلاس يقول صديقي أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ليس بخراسان مثله وقال رجاء بن رجاء الحافظ فضل محمد بن إسماعيل على العلماء كفضل الرجال على النساء وقال
(1/483)

أيضا هو آية من آيات الله تمشي على ظهر الأرض وقال الحسين بن حريث لا أعلم أني رأيت مثل محمد بن إسماعيل كأنه لم يخلق إلا للحديث وقال أحمد بن الضوء سمعت أبا بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير يقولان ان ما رأينا مثل محمد بن إسماعيل وكان أبو بكر بن أبي شيبة يسميه البازل يعني الكامل وقال أبو عيسى الترمذي كان محمد بن إسماعيل عند عبد الله بن منير فقال له لما قام يا أبا عبد الله جعلك الله زين هذه الأمة قال أبو عيسى فاستجاب الله تعالى فيه وقال أبو عبد الله الفريري رأيت عبد الله بن منير يكتب عن البخاري وسمعته يقول أنا من تلامذته قلت عبد الله بن منير من شيوخ البخاري قد حدث عنه في الجامع الصحيح وقال لم أر مثله وكانت وفاته سنة مات أحمد بن حنبل وقال محمد بن أبي حاتم الوراق سمعت يحيى بن جعفر البيكندي يقول لو قدرت أن أزيد من عمري في عمر محمد بن إسماعيل لفعلت فإن موتي يكون موت رجل واحد وموت محمد بن إسماعيل فيه ذهاب العلم وقال أيضا سمعته يقول له لولا أنت ما استطبت العيش ببخارا وقال عبد الله بن محمد المسندي محمد بن إسماعيل إمام فمن لم يجعله إماما فاتهمه وقال أيضا حفاظ زماننا ثلاثة فبدأ بالبخاري وقال علي بن حجر أخرجت خراسان ثلاثة البخاري فبدأ به قال وهو أبصرهم وأعلمهم بالحديث وأفقههم قال ولا أعلم أحدا مثله وقال أحمد بن إسحاق السرماري من أراد أن ينظر إلى فقيه بحقه وصدقه فلينظر إلى محمد بن إسماعيل وقال حاشد رأيت عمرو بن زرارة ومحمد بن رافع عند محمد بن إسماعيل وهما يسألانه عن علل الحديث فلما قاما قالا لمن حضر المجلس لا تخدعوا عن أبي عبد الله فإنه أفقه منا وأعلم وأبصر قال وكنا يوما عند إسحاق بن راهويه وعمرو بن زرارة وهو يستملي على أبي عبد الله وأصحاب الحديث يكتبون عنه وإسحاق يقول هو أبصر مني وكان أبو عبد الله إذ ذاك شابا وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي أخبرني عبد الله بن محمد الفرهياني قال حضرت مجلس بن أشكاب فجاءه رجل ذكر اسمه من الحفاظ فقال ما لنا بمحمد بن إسماعيل من طاقة فقام بن أشكاب وترك المجلس غضبا من التكلم في حق محمد بن إسماعيل وقال عبد الله بن محمد بن سعيد بن جعفر لما مات أحمد بن حرب النيسابوري ركب إسحاق بن راهويه ومحمد بن إسماعيل يشيعان جنازته وكنت أسمع أهل المعرفة ينظرون ويقولون محمد أفقه من إسحاق
(1/484)

ذكر
طرف من ثناء أقرانه وطائفة من أتباعه عليه تنبيها بالبعض على الكل
قال أبو حاتم الرازي لم تخرج خراسان قط أحفظ من محمد بن إسماعيل ولا قدم منها إلى العراق أعلم منه وقال محمد بن حريث سألت أبا زرعة عن أبي لهيعة فقال لي تركه أبو عبد الله يعني البخاري وقال الحسين بن محمد بن عبيد المعروف بالعجلي ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل ومسلم حافظ ولكنه لم يبلغ مبلغ محمد بن إسماعيل قال العجلي ورأيت أبا زرعة وأبا حاتم يستمعان إليه وكان أمة من الأمم دينا فاضلا يحسن كل شيء وكان أعلم من محمد بن يحيى الذهلي بكذا وكذا وقال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قد رأيت العلماء بالحرمين والحجاز والشام والعراق فما رأيت فيهم أجمع من محمد بن إسماعيل وقال أيضا هو أعلمنا وأفقهنا وأكثرنا طلبا وسئل الدارمي عن حديث وقيل له إن البخاري صححه فقال محمد بن إسماعيل أبصر مني وهو أكيس خلق الله عقل عن الله
(1/484)

ما أمر به ونهى عنه من كتابه وعلى لسان نبيه إذا قرأ محمد القرآن شغل قلبه وبصره وسمعه وتفكر في أمثاله وعرف حلاله من حرامه وقال أبوالطيب حاتم بن منصور كان محمد بن إسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه في العلم وقال أبو سهل محمود بن النضر الفقيه دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها فكلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضلوه على أنفسهم وقال أبو سهل أيضا سمعت أكثر من ثلاثين عالما من علماء مصر يقولون حاجتنا في الدنيا النظر إلى محمد بن إسماعيل وقال صالح بن محمد جزرة ما رأيت خراسانيا أفهم من محمد بن إسماعيل وقال أيضا كان أحفظهم للحديث قال وكنت أستملي له ببغداد فبلغ من حضر المجلس عشرين ألفا وسئل الحافظ أبو العباس الفضل بن العباس المعروف بفضلك الرازي أيما أحفظ محمد بن إسماعيل أو أبو زرعة فقال لم أكن التقيت مع محمد بن إسماعيل فاستقبلني ما بين حلوان وبغداد قال فرجعت معه مرحلة وجهدت كل الجهد على أن آتي بحديث لا يعرفه فما أمكنني وها أنا ذا أغرب على أبي زرعة عدد شعر رأسه وقال حمد بن عبد الرحمن الدغولي كتب أهل بغداد إلى محمد بن إسماعيل البخاري كتابا فيه
المسلمون بخير ما بقيت لهم ...
وليس بعدك خير حين تفتقد
وقال إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل وقال أبو عيسى الترمذي لم أر أعلم بالعلل والأسانيد من محمد بن إسماعيل البخاري وقال له مسلم أشهد أنه ليس في الدنيا مثلك وقال أحمد بن سيار في تاريخ مر ومحمد بن إسماعيل البخاري طلب العلم وجالس الناس ورحل في الحديث ومهر فيه وأبصر وكان حسن المعرفة حسن الحفظ وكان يتفقه وقال أبو أحمد بن عدي كان يحيى بن محمد بن صاعد إذا ذكر البخاري قال ذاك الكبش النطاح وقال أبو عمرو الخفاف حدثنا التقي النقي العالم الذي لم أر مثله محمد بن إسماعيل قال وهو أعلم بالحديث من أحمد وإسحاق وغيرهما بعشرين درجة ومن قال فيه شيئا فعليه مني ألف لعنة وقال أيضا لو دخل من هذا الباب وأنا أحدث لملئت منه رعبا وقال عبد الله بن حماد الأبلي لوددت أني كنت شعرة في جسد محمد بن إسماعيل وقال سليم بن مجاهد ما رأيت منذ ستين سنة أحد أفقه ولا أورع من محمد بن إسماعيل وقال موسى بن هارون الحمال الحافظ البغدادي عندي لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن يصيبوا آخر مثل محمد بن إسماعيل لما قدروا عليه وقال عبد الله بن محمد بن سعيد بن جعفر سمعت العلماء بمصر يقولون ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح ثم قال عبد الله وأنا أقول قولهم وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة لو أن رجلا كتب ثلاثين ألف حديث لما استغنى عن تاريخ محمد بن إسماعيل وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى كان أحد الأئمة في معرفة الحديث وجمعه ولو قلت أني لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه في الحسن والمبالغة لفعلت ولو فتحت باب ثناء الأئمة عليه ممن تأخر عن عصره لفنى القرطاس ونفذت الأنفاس فذاك بحر لا ساحل له وإنما ذكرت كلام بن عقدة وأبي أحمد عنوانا لذلك وبعد ما تقدم من ثناء كبار مشايخه عليه لا يحتاج إلى حكاية من تأخر لأن أولئك إنما أثنوا بما شاهدوا ووصفوا ما علموا بخلاف من بعدهم فإن ثناءهم ووصفهم مبني على الاعتماد على ما نقل إليهم وبين المقامين فرق ظاهر وليس العيان كالخبر
(1/485)

ذكر جمل من الأخبار الشاهدة لسمة حفظه وسيلان ذهنه واطلاعه على العلل سوى ما تقدم
...
ذكر
جمل من الأخبار الشاهدة لسعة حفظه وسيلان ذهنه واطلاعه على العلل سوى ما تقدم
أخبرني أبو العباس البغدادي عن الحافظ أبي الحجاج المزي أن أبا الفتح الشيباني أخبره أخبرنا أبو اليمان الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر بن ثابت الحافظ حدثني محمد بن الحسن الساحلي حدثنا أحمد بن الحسين الرازي سمعت أبا أحمد بن عدي الحافظ يقول سمعت عدة من مشايخ بغداد يقولون إن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوها إلى عشرة أنفس لكل رجل عشرة أحاديث وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري وأخذوا عليه الموعد للمجلس فحضروا وحضر جماعة من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري لا أعرفه فما زال يلقى عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ البخاري يقول لا أعرفه وكان العلماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون فهم الرجل ومن كان لم يدر القصة يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ ثم انتدب رجل من العشرة أيضا فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه فلم يزل يلقي عليه واحدا واحدا حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه ثم انتدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه فلما علم أنهم قد فرغوا إلتفت إلى الأول فقال أما حديثك الأول فقلت كذا وصوابه كذا وحديثك الثاني كذا وصوابه كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل قلت هنا يخضع للبخاري فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب فإنه كان حافظا بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة وروينا عن أبي بكر الكلوذاني قال ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلم فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث من مرة واحدة وقد سبق ما حكاه حاشد بن إسماعيل في أيام طلبهم بالبصرة معه وكونه كان يحفظ ما يسمع ولا يكتب وقال أبو الأزهر كان بسمرقند أربعمائة محدث فتجمعوا وأحبوا أن يغالطوا محمد بن إسماعيل فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد العراق في إسناد الشام وإسناد الحرم في إسناد اليمن فما استطاعوا مع ذلك أن يتعلقوا عليه بسقطة وقال غنجار في تاريخه سمعت أبا القاسم منصور بن إسحاق بن إبراهيم الأسدي يقول سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم يقول سمعت يوسف بن موسى المروزي يقول كنت بالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديا ينادي يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فقاموا إليه وكنت معهم فرأينا رجلا شابا ليس في لحيته بياض فصلى خلف الأسطوانة فلما فرغ أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلسا للإملاء فأجابهم إلى ذلك فقام المنادي ثانيا في جامع البصرة فقال يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فسألناه أن يعقد مجلس الإملاء فأجاب بأن
(1/486)

اخت مسلمة
06-09-2009, 04:41 AM
يسأله عن هذا الحديث، فرجع إليه فأخبره به، فلا مانع أن يكون أبو سلمة. اجتمع بعمرو بعد فسمعه منه. ويقويه توفر دواعيهم على الاجتماع في المسجد النبوي، وقد ذكرنا أن ابن منده أخرجه من طريق معمر بإثبات ذكر العمامة فيه، وعلى تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته، لأنها تكون زيادة من ثقة حافظ غير منافية لرواية رفقته فتقبل، ولا تكون شاذة، ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات الواهية. وقد اختلف السلف في معنى المسح على العمامة فقيل: إنه كمل عليها بعد مسح الناصية، وقد تقدمت رواية مسلم بما يدل على ذلك، وإلى عدم الاقتصار على المسح عليها ذهب الجمهور. وقال الخطابي: فرض الله مسح الرأس، والحديث في مسح العمامة محتمل للتأويل، فلا يترك المتيقن للمحتمل. قال: وقياسه على مسح الخف بعيد، لأنه يشق نزعه بخلافها، وتعقب بأن الذين أجازوا الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخف، وطريقة أن تكون محنكة كعمائم العرب. وقالوا عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين. وقالوا الآية لا تنفي ذلك ولا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته ومجازه لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو كان على حائل، وإلى هذا ذهب الأوزاعي والثوري في رواية عنه وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم. وقال ابن المنذر: ثبت ذلك عن أبي بكر وعمر، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا". والله أعلم.
(1/309)

49 - باب إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ
206- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ "دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ" فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا"
قوله: "باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان" هذا لفظ رواية أبى داود من طريق يونس بن أبي إسحاق عن الشعبي في هذا الحديث، وسنبين ما بينها وبين لفظ حديث الباب من التفاوت. قوله: "حدثنا زكريا" هو ابن أبي زائدة. "عن عامر" هو الشعبي، وزكريا مدلس ولم أره من حديثه إلا بالعنعنة، لكن أخرجه أحمد عن يحيى القطان عن زكريا، والقطان لا يحمل من حديث شيوخه المدلسين إلا ما كان مسموعا لهم، صرح بذلك الإسماعيلي. قوله: "فأهويت" أي مددت يدي، قال الأصمعي: أهويت بالشيء إذا أومأت به. وقال غيره: أهويت قصدت الهواء من القيام إلى القعود. وقيل الإهواء الإمالة، قال ابن بطال: فيه خدمة العالم، وأن للخادم أن يقصد إلى ما يعرف من عادة مخدومه قبل أن يأمره. وفيه الفهم عن الإشارة، ورد الجواب عما يفهم عنها لقوله: "فقال دعهما " قوله: "فإني أدخلتهما" أي القدمين "طاهرتين" كذا للأكثر، وللكشميهني: "وهما طاهرتان " ولأبي داود " فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان " وللحميدي في مسنده " قلت يا رسول الله أيمسح أحدنا على خفيه؟ قال: نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان " ولابن خزيمة من حديث صفوان بن عسال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا، ويوما وليلة إذا أقمنا " قال ابن خزيمة ذكرته للمزني فقال لي: حدث به أصحابنا، فإنه أقوى حجة للشافعي. انتهى. وحديث صفوان وإن كان صحيحا لكنه ليس على شرط البخاري، لكن حديث الباب موافق له في الدلالة على اشتراط الطهارة عند اللبس، وأشار المزني بما قال إلى الخلاف
(1/309)

في المسألة، ومحصله أن الشافعي والجمهور حملوا الطهارة على الشرعية في الوضوء، وخالفهم داود فقال: "إذا لم يكن على رجليه نجاسة عند اللبس جاز له المسح، ولو تيمم ثم لبسهما لم يبح له عندهم لأن التيمم مبيح لا رافع، وخالفهم أصبغ". ولو غسل رجليه بنية الوضوء ثم لبسهما ثم أكمل باقي الأعضاء لم يبح المسح عند الشافعي ومن وافقه على إيجاب الترتيب، وكذا عند من لا يوجبه بناء على أن الطهارة لا تتبعض، لكن قال صاحب الهداية من الحنفية: شرط إباحة المسح لبسهما على طهارة كاملة، قال: والمراد بالكاملة وقت الحدث لا وقت اللبس، في هذه الصورة إذا كمل الوضوء ثم أحدث جاز له المسح، لأنه وقت الحدث كان على طهارة كاملة انتهى. والحديث حجة عليه لأنه جعل الطهارة قبل لبس الخف شرطا لجواز المسح، والمعلق بشرط لا يصح إلا بوجود ذلك الشرط، وقد سلم أن المراد بالطهارة الكاملة، ولو توضأ مرتبا وبقي غسل إحدى رجليه فلبس ثم غسل الثانية ولبس لم يبح له المسح عند الأكثر، وأجازه الثوري والكوفيون والمزني صاحب الشافعي ومطرف صاحب مالك وابن المنذر وغيرهم لصدق أنه أدخل كلا من رجليه الخفين وهي طاهرة، وتعقب بأن الحكم المرتب على التثنية غير الحكم المرتب على الوحدة، واستضعفه ابن دقيق العيد لأن الاحتمال باق. قال: لكن إن ضم إليه دليل يدل على أن الطهارة لا تتبعض اتجه. "فائدة": المسح على الخفين خاص بالوضوء لا مدخل للغسل فيه بإجماع. "فائدة أخرى": لو نزع خفيه بعد المسح قبل انقضاء المدة عند من قال بالتوقيت أعاد الوضوء عند أحمد وإسحاق وغيرهما وغسل قدميه عند الكوفيين والمزني وأبي ثور، وكذا قال مالك والليث إلا إن تطاول. وقال الحسن وابن أبي ليلي وجماعة: ليس عليه غسل قدميه، وقاسوه على من مسح رأسه ثم حلقه أنه لا يجب عليه إعادة المسح، وفيه نظر. "فائدة أخرى": لم يخرج البخاري ما يدل على توقيت المسح. وقال به الجمهور. وخالف مالك في المشهور عنه فقال: يمسح ما لم يخلع، وروي مثله عن عمر. وأخرج مسلم التوقيت من حديث علي كما تقدم من حديث صفوان بن عسال، وفي الباب عن أبي بكرة وصححه الشافعي وغيره.
(1/310)

50 - باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ وَالسَّوِيقِ
وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَمْ يَتَوَضَّئُوا
207- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ".
[الحديث207- طرفاه في:5405,5404]
قوله: "باب من لم يتوضأ من لحم الشاة" نص على لحم الشاة ليندرج ما هو مثلها وما دونها بالأولى، وأما ما فوقها فلعله يشير إلى استثناء لحوم الإبل لأن من خصه من عموم الجواز علله بشدة زهومته فلهذا لم يقيده بكونه مطبوخا، وفيه حديثان عند مسلم وهو قول أحمد واختاره ابن خزيمة وغيره من محدث الشافعية. قوله: "والسويق"
ـــــــ
(1) وجهه أن الرأس أصل يمسح مع وجود الشعر وعدمه, والمسح على الخف بدل من غسل القدم فافترقا. وبذلك يترجح القول ببطلان الوضوء إذا خلع الخفين, ولايكفي غسل القدمين لفوات الموالات. والله أعلم
(1/310)

قال ابن التين: "ليس في أحاديث الباب ذكر السويق". وأجيب بأنه دخل من باب الأولى لأنه إذا لم يتوضأ من اللحم مع دسومته فعدمه من السويق أولى، ولعله أشار بذلك إلى حديث الباب الذي بعده. قوله: "وأكل أبو بكر. الخ" سقط قوله: "لحما " من رواية أبي ذر إلا عن الكشميهني، وقد وصله الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن من طريق سليم بن عامر قال: "رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضئوا " ورويناه من طرق كثيرة عن جابر مرفوعا وموقوفا على الثلاثة مفرقا ومجموعا. قوله: "أكل كتف شاة" أي لحمه. وللمصنف في الأطعمة " تعرق " أي أكل ما على العرق - بفتح المهملة وسكون الراء - وهو العظم، ويقال له العراق بالضم أيضا. وأفاد القاضي إسماعيل أن ذلك كان في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه كان في بيت ميمونة كما سيأتي من حديثها وهي خالة ابن عباس، كما أن ضباعة بنت عمه. وبين النسائي من حديث أم سلمة أن الذي دعاه إلى الصلاة هو بلال.
208- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَلْقَى السِّكِّينَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ".
[الحديث208- أطرافه في:5462,5422,5408,2923,675]
قوله: "يحتز" بالمهملة والزاي أي يقطع، زاد في الأطعمة من طرق معمر عن الزهري " يأكل منها " وفي البيهقي من طريق صالح عن الزهري " يأكل ذراعا يحتز منها". قوله: "فألقى السكين" زاد في الأطعمة عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري " فألقاها والسكين"، وزاد البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم عن أبي اليمان في آخر الحديث: قال الزهري: فذهبت تلك - أي القصة - في الناس، ثم أخبر رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونساء من أزواجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "توضئوا مما مست النار " قال فكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ وغيرهما، لكن قال أبو داود وغيره: إن المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهي، وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ، فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار، وأن وضوءه لصلاة الظهر كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة. وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين، وارتضى النووي هذا في شرح المهذب. وبهذا تظهر حكمة تصدير البخاري حديث الباب بالأثر المنقول عن الخلفاء الثلاثة، قال النووي: كان الخلاف فيه معروفا بين الصحابة والتابعين، ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار إلا ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل. وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب، والله أعلم. واستدل البخاري في الصلاة بهذا الحديث على أن الأمر بتقديم العشاء على الصلاة خاص بغير الإمام الراتب،
(1/311)

وعلى جواز قطع اللحم بالسكين، وفي النهي عنه حديث ضعيف في سنن أبي داود فإن ثبت خص بعدم الحاجة الداعية إلى ذلك لما فيه من التشبه بالأعاجم وأهل الترف، وفيه أن الشهادة على النفي - إذا كان محصورا - تقبل. "فائدة": ليس لعمرو بن أمية رواية في البخاري إلا هذا الحديث والذي مضى في المسح فقط.
(1/312)

51- باب مَنْ مَضْمَضَ مِنْ السَّوِيقِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
209حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلاَّ بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ".
[الحديث 209- أطرافه في:5455,5454,5390,5384,4195,4175,2981,215]
210- حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ".
قوله: "باب من مضمض من السويق" قال الداودي: هو دقيق الشعير أو السلت المقلي. وقال غيره: ويكون من القمح. وقد وصفه أعرابي فقال: عدة المسافر وطعام العجلان وبلغة المريض. قوله: "عن يحيى بن سعيد" هو الأنصاري، والإسناد مدنيون إلا شيخ البخاري. وبشير بالموحدة والمعجمة مصغرا، ويسار بالتحتانية والمهملة. قوله: "بالصهباء" بفتح المهملة والمد. قوله: "وهي أدنى خيبر" أي طرفها مما يلي المدينة. وللمصنف في الأطعمة وهي على روحة من خيبر. وقال أبو عبيد البكري في معجم البلدان: هي على بريد وبين البخاري في موضع آخر من الأطعمة من حديث ابن عيينة أن هذه الزيادة من قول يحيى بن سعيد أدرجت، وسيأتي الحديث قريبا بدون الزيادة من طريق سليمان بن بلال عن يحيى. قوله: "ثم دعا بالأزواد" فيه جمع الرفقاء على الزاد في السفر، وإن كان بعضهم أكثر أكلا. وفيه حمل الأزواد في الأسفار وأن ذلك لا يقدح في التوكل، واستنبط منه المهلب أن الإمام يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام عند قلته ليبيعوه من أهل الحاجة، وأن الإمام ينظر لأهل العسكر فيجمع الزاد ليصيب منه من لا زاد معه. قوله: "فثرى" بضم المثلثة وتشديد الراء ويجوز تخفيفها، أي بل بالماء لما لحقه من اليبس. قوله: "وأكلنا" زاد في رواية سليمان " وشربنا". وفي الجهاد من رواية عبد الوهاب " فلكنا وأكلنا وشربنا". قوله: "ثم قام إلى المغرب فمضمض" أي قبل الدخول في الصلاة، وفائدة المضمضة من السويق وإن كان لا دسم له أن تحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله تتبعه عن أحوال الصلاة. قوله: "ولم يتوضأ" أي بسبب أكل السويق. وقال الخطابي: فيه دليل على أن الوضوء مما مست النار منسوخ لأنه متقدم وخيبر كانت سنة سبع. قلت: لا دلالة فيه، لأن أبا هريرة حضر بعد فتح خيبر وروى الأمر بالوضوء كما في مسلم، وكان يفتى به بعد النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل به البخاري على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد، وعلى استحباب المضمضة بعد الطعام. قوله: "أخبرني عمرو" هو ابن الحارث، وبكير هو ابن عبد الله بن الأشج، ومباحث المتن تقدمت في الباب الذي قبله. ونصف الإسناد الأول مصريون ونصفه الأعلى مدنيون، ولعمرو بن الحارث فيه
(1/312)

إسناد آخر إلى ميمونة ذكره الإسماعيلي مقرونا بالإسناد الأول، وليس في حديث ميمونة ذكر المضمضمة التي ترجم بها فقيل: أشار بذلك إلى أنها غير واجبة بدليل تركها في هذا الحديث، مع أن المأكول دسم يحتاج إلى المضمضة منه فتركها لبيان الجواز، وأفاد الكرماني أن في نسخة الفربري التي بخطه تقديم حديث ميمونة هذا إلى الباب الذي قبله، فعلى هذا هو من تصرف النساخ.
(1/313)

3 - بَاب هَلْ يُمَضْمِضُ مِنْ اللَّبَنِ
211- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَقُتَيْبَةُ قَالاَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ وَقَالَ إِنَّ لَهُ دَسَمًا". تَابَعَهُ يُونُسُ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ
[الحديث211-طرفه في:5609]
حديث قتيبة هذا أحد الأحاديث التي أخرجها الأئمة الخمسة وهم الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي عن شيخ واحد وهو قتيبة. قوله: "شرب لبنا" زاد مسلم: "ثم دعا بماء". قوله: "إن له دسما" قال ابن بطال عن المهلب: فيه بيان علة الأمر بالوضوء مما مست النار، وذلك لأنهم كانوا ألفوا في الجاهلية قلة التنظيف فأمروا بالوضوء مما مست النار، فلما تقررت النظافة في الإسلام وشاعت نسخ. كذا قال ولا تعلق لحديث الباب بما ذكر، إنما فيه بيان العلة للمضمضة من اللبن فيدل على استحبابها من كل شيء دسم، ويستنبط منه استحباب غسل اليدين للتنظيف. قوله: "تابعه" أي عقيلا "يونس" أي ابن يزيد، وحديثه موصول عند مسلم، وحديث صالح موصول عند أبي العباس السراج في مسنده. وتابعهم أيضا الأوزاعي أخرجه المصنف في الأطعمة عن أبي عاصم عنه بلفظ حديث الباب، لكن رواه ابن ماجه من طريق بن الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي فذكره بصيغة الأمر " مضمضوا من اللبن " الحديث، كذا رواه الطبري من طريق أخرى عن الليث بالإسناد المذكور. وأخرج ابن ماجه من حديث أم سلمة وسهل بن سعد مثله، وإسناد كل منهما حسن والدليل على الأمر فيه للاستحباب ما رواه الشافعي عن ابن عباس راوي الحديث أنه شرب لبنا فمضمض ثم قال: "لو لم أتمضمض ما باليت". وروى أبو داود بإسناد حسن عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فلم يتمضمض ولم يتوضأ". وأغرب ابن شاهين فجعل حديث أنس ناسخا لحديث ابن عباس، ولم يذكر من قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ.
(1/313)

53 - باب الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ وَمَنْ لَمْ يَرَ مِنْ النَّعْسَةِ وَالنَّعْسَتَيْنِ أَوْ الْخَفْقَةِ وُضُوءًا
212- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ"
قوله: "باب الوضوء من النوم" أي هل يجب أو يستحب، وظاهر كلامه أن النعاس يسمى نوما، والمشهور
(1/313)

54 - باب الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ
214- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ ح و حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ قُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ قَالَ يُجْزِئُ أَحَدَنَا الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ".
قوله: "باب الوضوء من غير حدث" أي ما حكمه؛ والمراد تجديد الوضوء. وقد ذكرنا اختلاف العلماء في أول كتاب الوضوء عند ذكر قوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} وأن كثير منهم قالوا: التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، واستدل الدارمي في مسنده على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وضوء إلا من حديث: "
(1/315)

وحكى الشافعي عمن لقيه من أهل العلم أن التقدير: إذا قمتم من النوم. وتقدم أن من العلماء من حمله على ظاهره وقال: كان الوضوء لكل صلاة واجبا، ثم اختلفوا هل نسخ أو استمر حكمه. ويدل على النسخ ما أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة من حديث عبد الله بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة فلما شق عليه أمر بالسواك. وذهب إلى استمرار الوجوب قوم كما جزم به الطحاوي ونقله ابن عبد البر عن عكرمة وابن سيرين وغيرهما، واستبعده النووي وجنح إلى تأويل ذلك إن ثبت عنهم، وجزم بأن الإجماع استقر على عدم الوجوب. ويمكن حمل الآية على ظاهرها من غير نسخ، ويكون الأمر في حق المحدثين على الوجوب، وفي حق غيرهم على الندب، وحصل بيان ذلك بالسنة كما في حديث الباب. قوله: "حدثنا محمد بن يوسف" هو الفريابي، وسفيان هو الثوري. قوله: "وحدثنا مسدد" هو تحويل إلى إسناد ثان قبل ذكر المتن، وإنما ذكره وإن كان الأول أعلى لتصريح سفيان الثوري قيه بالتحديث، وعمرو بن عامر كوفي أنصاري وقيل بجلي، وصحح المزي أن البجلي راو آخر غير هذا الأنصاري، وليس لهذا في البخاري غير ثلاثة أحاديث كلها عن أنس، وليس للبجلي عنده رواية، وقد يلتبس به عمر بن عامر بضم العين راو آخر بصري سلمى أخرج له مسلم، وليس له في البخاري شيء. قوله: "عند كل صلاة" أي مفروضة، زاد الترمذي من طريق حميد عن أنس " طاهرا أو غير طاهر " وظاهره أن تلك كانت عادته، لكن حديث سويد المذكور في الباب يدل على أن المراد الغالب، قال الطحاوي يحتمل أن ذلك كان واجبا عليه خاصة ثم نسخ يوم الفتح لحديث بريدة، يعني الذي أخرجه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، وأن عمر سأله فقال: "عمدا فعلته " وقال: يحتمل أنه كان يفعله استحبابا ثم خشي أن يظن وجوبه فتركه لبيان الجواز. قلت: وهذا أقرب، وعلى تقدير الأول فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في خيبر وهي قبل الفتح بزمان. قوله: "كيف كنتم" القائل عمرو بن عامر، والمراد الصحابة. وللنسائي طريق شعبة عن عمرو أنه سأل أنسا " أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ. لكل صلاة؟ قال نعم". ولابن ماجه: "وكنا نحن نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد". قوله: "يجزئ" بالضم من أجزأ أي يكفي، وللإسماعيلي: "يكفي".
215- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَلَمَّا صَلَّى دَعَا بِالأَطْعِمَةِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلاَّ بِالسَّوِيقِ فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ ثُمَّ صَلَّى لَنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ"
قوله: "حدثنا سليمان" هو ابن بلال. ومباحث المتن تقدمت قريبا، وأفادت هذه الطريق التصريح بالإخبار من يحيى وشيخه، وليس لسويد بن النعمان عند البخاري إلا هذا الحديث الواحد وقد أخرجه في مواضع كما تقدمت الإشارة إليه، وهو أنصاري حارثي شهد بيعة الرضوان كما سيأتي في المغازي إن شاء الله تعالى وذكر ابن سعد أنه شهد قبل ذلك أحدا وما بعدها.
(1/316)

55 - باب مِنْ الْكَبَائِرِ أَنْ لاَ يَسْتَتِرَ مِنْ بَوْلِهِ
216- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ" ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ "لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا" أَوْ" إِلَى أَنْ يَيْبَسَا"
[الحديث 216- أطرافه في: 6055,6052,1378,1361,218]
قوله: "باب" بالتنوين "من الكبائر" أي التي وعد من اجتنبها بالمغفرة. قوله: "حدثنا عثمان" هو ابن أبي شيبة، وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر، ومجاهد هو ابن جبر صاحب ابن عباس وقد سمع الكثير منه واشتهر بالأخذ عنه، لكن روى هذا الحديث الأعمش عن مجاهد فأدخل بينه وبين ابن عباس طاوسا كما أخرجه المؤلف بعد قليل، وإخراجه له على الوجهين يقتضي صحتهما عنده، فيحمل على أن مجاهدا سمعه من طاوس عن ابن عباس ثم سمعه من ابن عباس بلا واسطة أو العكس، ويؤيده أن في سياقه عن طاوس زيادة على ما في روايته عن ابن عباس، وصرح ابن حبان بصحة الطريقين معا. وقال الترمذي رواية الأعمش أصح. قوله: "مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط" أي بستان، وللمصنف في الأدب " خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة " فيحمل على أن الحائط الذي خرج منه غير الحائط الذي مر به، وفي الأفراد للدارقطني من حديث جابر أن الحائط كان لأم مبشر الأنصارية، وهو يقوي رواية الأدب لجزمها بالمدينة من غير شك والشك في قوله: "أو مكة " من جرير. قوله: "فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما" قال ابن مالك: في قوله: "صوت إنسانين " شاهد على جواز إفراد المضاف المثنى إذا كان جزء ما أضيف إليه نحو أكلت رأس شاتين، وجمعه أجود نحو "فقد صغت قلوبكما" وقد اجتمع التثنية والجمع في قوله: ظهراهما مثل ظهور الترسين فإن لم يكن المضاف جزء ما أضيف إليه، فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية، فإن أمن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع. وقوله: "يعذبان في قبورهما " شاهد لذلك. قوله: "يعذبان" في رواية الأعمش " مر بقبرين " زاد ابن ماجه: "جديدين فقال: إنهما ليعذبان " فيحتمل أن يقال: أعاد الضمير على غير مذكور لأن سياق الكلام يدل عليه، وأن يقال أعاده على القبرين مجازا والمراد من فيهما. قوله: "وما يعذبان في كببر. ثم قال: بلى" أي إنه لكبير. وصرح بذلك في الأدب من طريق عبد بن حميد عن منصور فقال: "وما يعذبان في كبير. وإنه لكبير " وهذا من زيادات رواية منصور على الأعمش ولم يخرجها مسلم، واستدل ابن بطال برواية الأعمش على أن التعذيب لا يختص بالكبائر بل قد يقع على الصغائر، قال لأن الاحتراز من البول لم يرد قيه وعيد، يعني قبل هذه القصة. وتعقب بهذه الزيادة، وقد ورد مثلها من حديث أبي بكرة عند أحمد والطبراني ولفظه: "وما يعذبان في كبير، بلى " وقال ابن مالك: في قوله: "في كبير " شاهد على ورود " في " للتعليل، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "عذبت امرأة في هرة " قال: وخفي ذلك على أكثر النحوين مع وروده في القرآن
(1/317)

كقول الله تعالى :{لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} وفي الحديث كما تقدم، وفي الشعر فذكر شواهد.انتهى. وقد اختلف في معنى قوله: "وإنه لكبير " فقال أبو عبد الملك البوني: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم ظن أن ذلك غير كبير، فأوحى إليه في الحال بأنه كبير، فاستدرك. وتعقب بأنه يستلزم أن يكون نسخا والنسخ لا يدخل الخبر. وأجيب بأن الحكم بالخبر(1) يجوز نسخه فقوله: "وما يعذبان في كبير " إخبار بالحكم، فإذا أوحى إليه أنه كبير فأخبر به كان نسخا لذلك الحكم. وقيل: يحتمل أن الضمير في قوله: "وأنه " يعود على العذاب، لما ورد في صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة " يعذبان عذابا شديدا في ذنب هين " وقيل الضمير يعود على أحد الذنبين وهو النميمة لأنها من الكبائر بخلاف كشف العورة، وهذا مع ضعفه غير مستقيم لأن الاستتار المنفي ليس المراد به كشف العورة فقط كما سيأتي. وقال الداودي وابن العربي: "كبير " المنفي بمعنى أكبر، والمثبت واحد الكبائر، أي ليس ذلك بأكبر الكبائر كالقتل مثلا، وإن كان كبيرا في الجملة. وقيل: المعنى ليس بكبير في الصورة لأن تعاطي ذلك يدل على الدناءة والحقارة، وهو كبير الذنب. وقيل ليس بكبير في اعتقادهما أو في اعتقاد المخاطبين وهو عند الله كبير كقوله تعالى :{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}، وقيل ليس بكبير في مشقة الاحتراز، أي كان لا يشق عليهما الاحتراز من ذلك. وهذا الأخير جزم به البغوي وغيره ورجحه ابن دقيق العيد وجماعة، وقيل ليس بكبير بمجرده وإنما صار كبيرا بالمواظبة عليه، ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وصف كلا منهما بما يدل على تجدد ذلك منه واستمراره عليه للإتيان بصيغة المضارعة بعد حرف كان. والله أعلم. قوله: "لا يستتر" كذا في أكثر الروايات بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية مكسورة. وفي رواية ابن عساكر: "يستبرئ " بموحدة ساكنة من الاستبراء. ولمسلم وأبي داود في حديث الأعمش " يستنزه " بنون ساكتة بعدها زاي ثم هاء، فعلى رواية الأكثر معنى الاستتار أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني لا يتحفظ منه، فتوافق رواية لا يستنزه لأنها من التنزه وهو الإبعاد، وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش " كان لا يتوقى " وهي مفسرة للمراد. وأجراه بعضهم على ظاهره فقال: معناه لا يستر عورته. وضعف بأن التعذيب لو وقع على كشف العورة لاستقل الكشف بالسببية واطرح اعتبار البول فيترتب العذاب على الكشف سواء وجد البول أم لا، ولا يخفى ما فيه. وسيأتي كلام ابن دقيق العيد قريبا. وأما رواية الاستبراء فهي أبلغ في التوقي. وتعقب الإسماعيلي رواية الاستتار بما يحصل جوابه مما ذكرنا قال ابن دقيق العيد: لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور، وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، يشير إلى ما صححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا: "أكثر عذاب القبر من البول " أي بسبب ترك التحرز منه. قال: ويؤيده أن لفظ: "من " في هذا الحديث لما أضيف إلى البول اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول، بمعنى أن ابتداء سبب العذاب من البول، فلو حمل على مجرد كشف العورة زال هذا المعنى، فتعين الحمل على المجاز لتجتمع ألفاظ الحديث على معنى واحد لأن مخرجه واحد. ويؤيده أن في حديث أبي بكرة عند أحمد وابن ماجه: "أما أحدهما فيعذب في البول " ومثله للطبراني عن أنس. قوله: "من بوله" يأتي الكلام عليه في الترجمة التي بعد هذه. قوله:
ـــــــ
(1) لعله الخبر بالحكم
(1/318)

"يمشي بالنميمة" قال ابن دقيق العيد: "هي نقل كلام الناس. والمراد منه هنا ما كان بقصد الإضرار، فأما ما اقتضى فعل مصلحة أو ترك مفسدة فهو مطلوب". انتهى. وهو تفسير للنميمة بالمعنى الأعم، وكلام غيره يخالفه كما سنذكر ذلك مبسوطا في موضعه من كتاب الأدب. قال النووي: وهي نقل كلام الغير بقصد الإضرار، وهي من أقبح القبائح. وتعقبه الكرماني فقال: هذا لا يصح على قاعدة الفقهاء، فإنهم يقولون: الكبيرة هي الموجبة للحد ولا حد على المشي بالنميمة. إلا أن يقال: الاستمرار هو المستفاد منه جعله كبيرة، لأن الإصرار على الصغيرة حكمه حكم الكبيرة. أو أن المراد بالكبيرة معنى غير المعنى الاصطلاحي. انتهى. وما نقله عن الفقهاء ليس هو قول جميعهم، لكن كلام الرافعي يشعر بترجيحه حيث حكى في تعريف الكبيرة وجهين: أحدهما هذا، والثاني ما فيه وعيد شديد. قال: وهم إلى الأول أميل. والثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر. انتهى. ولا بد من حمل القول الأول على أن المراد به غير ما نص عليه في الأحاديث الصحيحة؛ وإلا لزم أن لا يعد عقوق الوالدين وشهادة الزور من الكبائر، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم عدهما من أكبر الكبائر. وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستوفى في أول كتاب الحدود إن شاء الله تعالى. وعرف بهذا الجواب عن اعتراض الكرماني بأن النميمة قد نص في الصحيح على أنها كبيرة كما تقدم.قوله: "ثم دعا بجريدة"، وللأعمش " فدعا بعسيب رطب " والعسيب بمهملتين بوزن فعيل هي الجريدة التي لم ينبت فها خوص، فإن نبت فهي السعفة. وقيل إنه خص الجريد بذلك لأنه بطيء الجفاف. وروى النسائي من حديث أبي رافع بسند ضعيف أن الذي أتاه بالجريدة بلال، ولفظه: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة إذ سمع شيئا في قبر فقال لبلال: "ائتني بجريدة خضراء " الحديث. قوله: "فكسرها" أي فأتى بها فكسرها، وفي حديث أبي بكرة عند أحمد والطبراني أنه الذي أتى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما رواه مسلم في حديث جابر الطويل المذكور في أواخر الكتاب أنه الذي قطع الغصنين، فهو في قصة أخرى غير هذه، فالمغايرة بينهما من أوجه: منها أن هذه كانت في المدينة وكان معه صلى الله عليه وسلم جماعة، وقصة جابر كانت في السفر وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده. ومنها أن في هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم غرس الجريدة بعد أن شقها نصفين كما في الباب الذي بعد هذا من رواية الأعمش، وفي حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر جابرا بقطع غصنين من شجرتين كان النبي صلى الله عليه وسلم استتر بهما عند قضاء حاجته، ثم أمر جابرا فألقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا، وأن جابرا سأله عن ذلك فقال: "إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفع عنهما ما دام الغصنان رطبين " ولم يذكر في قصة جابر أيضا السبب الذي كانا يعذبان به، ولا الترجي الآتي في قوله: "لعله"، فبان تغاير حديث ابن عباس وحديث جابر وأنهما كانا في قصتين مختلفتين، ولا يبعد تعدد ذلك. وقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة " أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبر فوقف عليه فقال: ائتوني بجريدتين، فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه " فيحتمل أن تكون هذه قصة ثالثة، ويؤيده أن في حديث أبي رافع كما تقدم " فسمع شيئا في قبر " وفيه: "فكسرها باثنين ترك نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه " وفي قصة الواحد حمل نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه، وفي قصة الاثنين " جعل على كل قبر جريدة". أنها "كسرتين" بكسر الكاف، والكسرة القطعة من الشيء المكسور، وقد تبين من رواية الأعمش أنها كانت نصفا. وفي رواية جرير عنه " باثنتين " قال النووي: الباء زائدة للتوكيد والنصب على الحال. قوله: "فوضع" وفي رواية الأعمش الآتية " فغرز " وهي أخص من الأولى. قوله: "فوضع على كل قبر منهما كسرة"
(1/319)

وقع في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش، ثم غرز عند رأس كل واحد منهما قطعة. قوله: "فقيل له" للأعمش " قالوا " أي الصحابة، ولم نقف على تعيين السائل منهم. قوله: "لعله" قال ابن مالك: يجوز أن تكون الهاء ضمير الشأن، وجاز تفسيره بأن وصلتها لأنها في حكم جملة لاشتمالها على مسند ومسند إليه. قال: ويحتمل أن تكون " أن " زائدة مع كونها ناصبة كزيادة الباء مع كونها جارة. انتهى. وقد ثبت في الرواية الآتية بحذف " أن " فقوى الاحتمال الثاني. وقال الكرماني: "شبه لعل بعسى فأتى بأن في خبره". قوله: "يخفف" بالضم وفتح الفاء، أي العذاب عن المقبورين. قوله: "ما لم تيبسا" كذا في أكثر الروايات بالمثناة الفوقانية أي الكسرتان، وللكشميهني: "إلا أن تيبسا " بحرف الاستثناء، وللمستملي: "إلى أن ييبسا " بإلى التي للغاية والياء التحتانية أي العودان، قال المازري: يحتمل أن يكون أوحى إليه أن العذاب يخفف عنهما هذه المدة. انتهى. وعلى هذا فلعل هنا للتعليل، قال: ولا يظهر له وجه غير هذا. وتعقبه القرطبي بأنه لو حصل الوحي لما أتى بحرف الترجي، كذا قال. ولا يرد عليه ذلك إذا حملناها على التعليل، قال القرطبي: وقيل إنه شفع لهما هذه المدة كما صرح به في حديث جابر، لأن الظاهر أن القصة واحدة. وكذا رجح النووي كون القصة واحدة، وفيه نظر لما أوضحنا من المغايرة بينهما. وقال الخطابي: هو محمول على أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء النداوة، لا أن في الجريدة معنى يخصه، ولا أن في الرطب معنى ليس في اليابس. قال: وقد قيل: إن المعنى فيه أنه يسبح ما دام رطبا فيحصل التخفيف ببركة التسبيح، وعلى هذا فيطرد في كل ما فيه رطوبة من الأشجار وغيرها. وكذلك فيما فيه بركة الذكر وتلاوة القرآن من باب الأولى. وقال الطيبي: الحكمة في كونهما ما دامتا لرطبتين تمنعان العذاب يحتمل أن تكون غير معلومة لنا كعدد الزبانية. وقد استنكر الخطابي ومن تبعه وضع الناس الجريد ونحوه في القبر عملا بهذا الحديث. قال الطرطوشي: لأن ذلك خاص ببركة يده. وقال القاضي عياض: لأنه علل غرزهما على القبر بأمر مغيب وهو قوله: "ليعذبان". قلت: لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا أن لا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب، كما لا يمنع كوننا لا ندري أرحم أم لا أن لا ندعو له بالرحمة. وليس في السياق ما يقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة، بل يحتمل أن يكون أمر به. وقد تأسى بريدة بن الحصيب الصحابي بذلك فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان كما سيأتي في الجنائز من هذا الكتاب، وهو أولى أن يتبع من غيره(1). "تنبيه": لم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما، والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما، وهو عمل مستحسن. وينبغي أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به. وما حكاه القرطبي في التذكرة وضعفه عن بعضهم أن أحدهما سعد بن معاذ فهو قول باطل لا ينبغي ذكره إلا مقرونا ببيانه. ومما يدل على بطلان الحكاية المذكورة أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر دفن سعد بن معاذ كما ثبت في الحديث الصحيح، وأما قصة المقبورين ففي حديث أبي أمامة عند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم " من دفنتم اليوم هاهنا؟ " فدل على أنه لم يحضرهما، وإنما ذكرت هذا ذبا عن هذا السيد الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم: "سيدا " وقال لأصحابه " قوموا إلى سيدكم " وقال: "إن حكمه قد وافق
ـــــــ
(1) الصواب في هذه المسألة ما قاله الخطابي من استنكار الجريد ونحوه على القبور,لأن الرسول صلى اله عليه وسلم لم يفعله إلا في قبور مخصوصة اطلع على تعذيب أهلها, ولو كان مشروعا لفعله في كل القبور. وكبار الصحابة – كالخلفاء- لم يفعلوه,وهم أعلم بالسنة من بريدة. رضي الله عن الجميع. فتنبه
(1/320)

حكم الله " وقال: "إن عرش الرحمن اهتز لموته " إلى غير ذلك من مناقبه الجليلة، خشية أن يغتر ناقص العلم بما ذكره القرطبي فيعتقد صحة ذلك وهو باطل. وقد اختلف في المقبورين فقيل كانا كافرين، وبه جزم أبو موسى المديني، واحتج بما رواه من حديث جابر بسند فيه ابن لهيعة " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية، فسمعهما يعذبان في البول والنميمة " قال أبو موسى: هذا وإن كان ليس بقوي لكن معناه صحيح، لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى، ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه فشفع لهما إلى المدة المذكورة، وجزم ابن العطار في شرح العمدة بأنهما كانا مسلمين وقال: لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب ولا ترجاه لهما، ولو كان ذلك من خصائصه لبينه، يعني كما في قصة أبي طالب. قلت: وما قاله أخبرا هو الجواب، وما طالب به من البيان قد حصل، ولا يلزم التنصيص على لفظ الخصوصية، لكن الحديث الذي احتج به أبو موسى ضعيف كما اعترف به، وقد رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم وليس فيه سبب التعذيب، فهو من تخليط ابن لهيعة، وهو مطابق لحديث جابر الطويل الذي قدمنا أن مسلما أخرجه، واحتمال كونهما كافرين فيه ظاهر. وأما حديث الباب فالظاهر من مجموع طرقه أنهما كانا مسلمين، ففي رواية ابن ماجه: "مر بقبرين جديدين " فانتفى كونهما في الجاهلية، وفي حديث أبي أمامة عند أحمد " أنه صلى الله عليه وسلم مر بالبقيع فقال: من دفنتم اليوم هاهنا؟ " فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين، لأن البقيع مقبرة المسلمين، والخطاب للمسلمين مع جريان العادة بأن كل فريق يتولاه من هو منهم، ويقوى كونهما كانا مسلمين رواية أبي بكرة عند أحمد والطبراني بإسناد صحيح " يعذبان، وما يعذبان في كبير " و " بلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول " فهذا الحصر ينفي كونهما كانا كافرين، لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام الإسلام فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم إثبات عذاب القبر، وسيأتي الكلام عليه في الجنائز إن شاء الله تعالى. وفيه التحذير من ملابسة البول، ويلتحق به غيره من النجاسات في البدن والثوب، ويستدل به على وجوب إزالة النجاسة، خلافا لمن خص الوجوب بوقت إرادة الصلاة، والله أعلم.
(1/321)

باب من جاء في غسل البول
...
56 - باب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَوْلِ
وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لِصَاحِب الْقَبْرِ "كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ" وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ
217- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ".
قوله: "باب ما جاء في غسل البول. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لصاحب القبر" أي عن صاحب القبر. وقاله الكرماني: اللام بمعنى لأجل. قوله: "كان لا يستتر من بوله" أشير إلى لفظ الحديث الذي قبله. قوله: "ولم يذكر سوى بول الناس" قال ابن بطال: أراد البخاري أن المراد بقوله في رواية الباب: "كان لا يستتر من البول " بول الناس لا بول سائر الحيوان، فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان، وكأنه أراد الرد على الخطابي حيث قال: فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها. ومحصل الرد أن العموم في رواية: "من البول " أريد به الخصوص
(1/321)

لقوله: "من بوله " والألف واللام بدل من الضمير، لكن يلتحق ببوله بول من هو في معناه من الناس لعدم الفارق، قال: وكذا غير المأكول، وأما المأكول فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بنجاسة بوله، ولمن قال بطهارته حجج أخرى. وقال القرطبي: قوله: "من البول " اسم مفرد لا يقتضي العموم، ولو سلم فهو مخصوص بالأدلة المقتضية لطهارة بول ما يؤكل. قوله: "حدثنا يعقوب بن إبراهيم" هو الدورقي قال: "أخبرنا " وللأكثر " حدثنا إسماعيل بن إبراهيم " وهو المعروف بابن علية، وليس هو أخا يعقوب. وروح بن القاسم بفتح الراء على المشهور، ونقل ابن التين والقابسي أنه قرئ بضمها وهو معاذ مردود، وقد تقدمت مباحث المتن في باب الاستنجاء بالماء، والاستدلال به هنا على غسل البول أعم من الاستدلال به على الاستنجاء فلا تكرار فيه. قوله: "فيغتسل به" كذا لأبي ذر - بوزن يفتعل - ولغيره بفتح التحتانية وسكون الغين وكسر السين، وحذف مفعوله للعلم به، أو للحياء من ذكره.
218- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ" ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ "لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا".
َقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا مِثْلَهُ
قوله "باب" كذا ثبت لأبي ذر,وقد قررنا أنه في موضع الفصل من الباب, والاستدلال به على غسل البول واضح,لكن ثبتت الرخصة في حق المستجمر فيستدل به على وجوب غسل ما انتشر على المحل قوله: "محمد بن خازم" بالخاء المعجمة والزاي هو أبو معاوية الضرير. قوله: "فغرز" وفي رواية وكيع في الأدب " فغرس " وهما بمعنى، وأفاد سعد الدين الحارثي أن ذلك كان عند رأس القبر. وقال: إنه ثبت بإسناد صحيح، وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة عند ابن حبان وقد قدمنا لفظه، ثم وجدته في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش في حديث ابن عباس صريحا. قوله: "لم فعلت" سقط لفظ: "هذا " من رواية المستملي والسرخسي. قوله: "قال ابن المثنى: وحدثنا وكيع" هو معطوف على الأول، وثبتت أداة العطف فيه للأصيلي ولهذا ظن بعضهم أنه معلق، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن المثنى هذا عن وكيع وأبي معاوية جميعا عن الأعمش، والحكمة في إفراد البخاري له أن في رواية وكيع التصريح بسماع الأعمش دون الآخر. وباقي مباحث المتن تقدمت في الباب الذي قبله.
(1/322)

باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد
...
57 - باب تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ الأَعْرَابِيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ
219- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ "دَعُوهُ" حَتَّى إِذَا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ".
[الحديث 219- طرفاه في:6025,221]
(1/322)

قوله: "باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي" اللام فيه للعهد الذهبي، وقد تقدم أن الأعرابي واحد الأعراب وهم من سكن البادية عربا كانوا أو عجما، وإنما تركوه يبول في المسجد لأنه كان شرع في المفسدة فلو منع لزادت إذ حصل تلويث جزء من المسجد، فلو منع لدار بين أمرين: إما أن يقطعه فيتضرر، وإما أن لا يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه أو ثوبه أو مواضع أخرى من المسجد. قوله: "همام" هو ابن يحيى، وإسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة. قوله: "عن أنس" ولمسلم: "حدثني أنس".قوله: "رأى أعرابيا" حكى أبو بكر التاريخي عن عبد الله بن نافع المزني(1) أنه الأقرع بن حابس التميمي، وقيل غيره كما سيأتي قريبا. قوله: "في المسجد" أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "فقال "دعوه" كان هذا الأمر بالترك عقب زجر الناس له كما سيأتي. قوله: "حتى" أي فتركوه حتى فرغ من بوله، فلما فرغ دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء أي في دلو كبير "فصبه" أي فأمر بصبه كما سيأتي ذلك كله صريحا. وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق عكرمة ابن عمار عن إسحاق فساقه مطولا بنحو مما شرحناه، وزاد فيه: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن " وسنذكر فوائده في الباب الآتي بعده إن شاء الله تعالى.
(1/323)

58- باب صب الماء على البول في المسجد
220- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ"
[الحديث 220- طرفه في:6128]
قوله: "باب صب الماء أخبرني عبيد الله" كذا رواه أكثر الرواة عن الزهري، ورواه سفيان ابن عيينة عنه " عن سعيد بن المسيب " بدل عبيد الله، وتابعه سفيان بن حسين، فالظاهر أن الروايتين صحيحتان. قوله: "قام أعرابي" زاد ابن عيينة عند الترمذي وغيره في أوله " أنه صلى ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لقد تحجرت واسعا. فلم يلبث أن بال في المسجد " وهذه الزيادة ستأتي عند المصنف مفردة في الأدب من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وقد روى ابن ماجه وابن حبان الحديث تاما من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وكذا رواه ابن ماجه أيضا من حديث واثلة بن الأسقع، وأخرجه أبو موسى المديني في الصحابة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار قال: "اطلع ذو الخويصرة اليماني وكان رجلا جافيا " فذكره تاما بمعناه وزيادة، وهو مرسل، وفي إسناده أيضا مبهم بين محمد بن إسحاق وبين محمد بن عمرو بن عطاء، وهو عنده من طريق الأصم عن أبي زرعة الدمشقي أحمد بن خالد الذهبي عنه، وهو في جمع مسند ابن إسحاق لأبي زرعة الدمشقي من طريق الشاميين عنه بهذا السند، لكن قال في أوله " اطلع ذو الخويصرة التميمي وكان جافيا " والتميمي هو حرقوص بن زهير الذي صار بعد ذلك من رءوس الخوارج، وقد فرق بعضهم
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض: المدني
(1/323)

بينه وبين اليماني، لكن له أصل أصيل، واستفيد منه تسمية الأعرابي، وقد تقدم قول التاريخي إنه الأقرع، ونقل عن أبي الحسين بن فارس أنه عيينة بن حصن، والعلم عند الله تعالى. قوله: "فتناوله الناس" أي بألسنتهم، وللمصنف في الأدب " فثار إليه الناس " وله في رواية عن أنس " فقاموا إليه " وللإسماعيلي: "فأراد أصحابه أن يمنعوه". وفي رواية أنس في هذا الباب: "فزجره الناس " وأخرجه البيهقي من طريق عبدان شيخ المصنف فيه بلفظ: "فصاح الناس به " وكذا للنسائي من طريق ابن المبارك. فظهر أن تناوله كان بالألسنة لا بالأيدي. ولمسلم من طريق إسحاق عن أنس " فقال الصحابة مه مه". قوله: "وهريقوا"، وللمصنف في الأدب " وأهريقوا " وقد تقدم توجيهها في باب الغسل في المخضب. قوله: "سجلا" بفتح المهملة وسكون الجيم، قال أبو حاتم السجستاني: هو الدلو ملأي، ولا يقال لها ذلك وهي فارغة. وقال ابن دريد: السجل دلو واسعة. وفي الصحاح: الدلو الضخمة. قوله: "أو ذنوبا" قال الخليل: الدلو ملأي ماء. وقال ابن فارس: الدلو العظيمة. وقال ابن السكيت فيها ماء قريب من الملء، ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب. انتهى. فعلى الترادف " أو " للشك من الراوي، وإلا فهي للتخيير، والأول أظهر فإن رواية أنس لم تختلف في أنها ذنوب. وقال في الحديث: "من ماء " مع أن الذنوب من شأنها ذلك، لكنه لفظ مشترك بينه وبين الفرس الطويل وغيرهما. قوله: "فإنما بعثتم" إسناد البعث إليهم على طريق المجاز لأنه هو المبعوث صلى الله عليه وسلم بما ذكر، لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك، إذ هم مبعوثون من قبله بذلك، أي مأمورون. وكان ذلك شأنه صلى الله عليه وسلم في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات يقول: "يسروا ولا تعسروا".
221- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَابُ يُهَرِيقُ الْمَاءَ عَلَى الْبَوْلِ
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ".
قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري. قوله: "وحدثنا خالد" سقطت الواو من رواية كريمة، والعطف فيه على قوله: "حدثنا عبدان " وسليمان هو ابن بلال، وبان لي المتن على لفظ روايته، لأن لفظ عبدان فيه مخالفة لسياقة كما أشرنا إليه أنه عند البيهقي. قوله: "في طائفة المسجد" أي ناحيته، والطائفة القطعة من الشيء. قوله: "فنهاهم" في رواية عبدان " فقال اتركوه فتركوه". قوله: "فهريق عليه" كذا لأبي ذر وللباقين " فأهريق عليه"، ويجوز إسكان الهاء وفتحها كما تقدم، وضبطه ابن الأثير في النهاية بفتح الهاء أيضا. وف هذا الحديث من الفوائد: أن الاحتراز من النجاسة كان مقررا في نفوس الصحابة، ولهذا بادروا إلى الإنكار بحضرته صلى الله عليه وسلم قبل استئذانه، ولما تقرر عندهم أيضا من طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واستدل به على جواز التمسك بالعموم إلى أن يظهر الخصوص، قال ابن دقيق العيد: والذي يظهر أن التمسك يتحتم عند احتمال التخصيص عند المجتهد، ولا يجب التوقف عن العمل بالعموم لذلك، لأن علماء الأمصار ما برحوا يفتون بما بلغهم من غير توقف على البحث عن التخصيص، ولهذه القصة أيضا إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة ولم يقل
(1/324)

لهم لم نهيتم الأعرابي؟ بل أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة، وهو دفع أعظم المفسدين باحتمال أيسرهما. وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما. وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع لأمرهم عند فراغه بصب الماء. وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسة، لأن الجفاف بالريح أو الشمس لو كان يكفي لما حصل التكليف بطلب الدلو. وفيه أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة، ويلتحق به غير الواقعة، لأن البلة الباقية على الأرض غسالة نجاسة فإذا لم يثبت أن التراب نقل وعلمنا أن المقصود التطهير تعين الحكم بطهارة البلة، وإذا كانت طاهرة فالمنفصلة أيضا مثلها لعدم الفارق، ويستدل به أيضا على عدم اشتراط نضوب الماء لأنه لو اشترط لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف. وكذا لا يشترط عصر الثوب إذ لا فارق. قال الموفق في المغني بعد أن حكى الخلاف: الأولى الحكم بالطهارة مطلقا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط في الصب على بول الأعرابي شيئا. وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا، ولا سيما إن كان ممن يحتاج إلى استئلافه. وفيه رأفة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه، قال ابن ماجه وابن حبان في حديث أبي هريرة " فقال الأعرابي - بعد أن فقه في الإسلام فقام إلى النبي صلى الله عليه وسلم -: بأبي أنت وأمي، فلم يؤنب ولم يسب". وفيه تعظيم المسجد وتنزيهه عن الأقذار، وظاهر الحصر من سياق مسلم في حديث أنس أنه لا يجوز في المسجد شيء غير ما ذكر من الصلاة والقرآن والذكر، لكن الإجماع على أن مفهوم الحصر منه غير معمول به، ولا ريب أن فعل غير المذكورات وما في معناها خلاف الأولى والله أعلم. وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها، خلافا للحنفية حيث قالوا: لا تطهر إلا بحفرها، كذا أطلق النووي وغيره، والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بين إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر، وبين ما إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب لأن الماء لم يغمر أعلاها وأسفلها، واحتجوا فيه بحديث جاء من ثلاث طرق: أحدها موصول عن ابن مسعود أخرجه الطحاوي لكن إسناده ضعيف قاله أحمد وغيره، والآخران مرسلان أخرج أحدهما أبو داود من طريق عبد الله بن معقل ابن مقرن والآخر من طريق سعيد بن منصور من طريق طاوس ورواتهما ثقات، وهو يلزم من يحتج بالمرسل مطلقا، وكذا من يحتج به إذا اعتضد مطلقا، والشافعي إنما يعتضد عنده إذا كان من رواية كبار التابعين وكان من أرسل إذا سمي لا يسمى إلا ثقة، وذلك مفقود في المرسلين المذكورين على ما هو ظاهر من سنديهما والله أعلم. وسيأتي باقي فوائده في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى.
(1/325)

59 - باب بَوْلِ الصِّبْيَانِ
222- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ "أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ"
[الحديث222- أطرافه في:6355,6002]
قوله: "باب بول الصبيان" بكسر الصاد ويجوز ضمها جمح صبي، أي ما حكمه وهل يلتحق به بول الصبايا - جمع صبية - أم لا، وفي الفرق أحاديث ليست على شرط المصنف: منها حديث علي مرفوعا في بول الرضيع، ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية، أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي من طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن
(1/325)

أبي الأسود عن أبيه عنه، قال قتادة: "هذا ما لم يطعما الطعام، وإسناده صحيح". ورواه سعيد عن قتادة فوقفه، وليس ذلك بعلة قادحة. ومنها حديث لبابة بنت الحارث مرفوعا: "إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر " أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وغيره. ومنها حديث أبي السمح نحوه بلفظ: "يرش " رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة أيضا. قوله: "بصبي" يظهر لي أن المراد به ابن أم قيس المذكور بعده، ويحتمل أن يكون الحسن بن علي أو الحسين، فقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أم سلمة بإسناد حسن قالت: "بال الحسن - أو الحسين - على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه حتى قضى بوله ثم دعا بماء فصبه عليه". ولأحمد عن أبي ليلى نحوه. ورواه الطحاوي من طريقه قال: "فجيء بالحسن " ولم يتردد، وكذا للطبراني عن أبي أمامة. وإنما رجحت أنه غيره لأن عند المصنف في العقيقة من طريق يحيى القطان عن هشام بن عروة " أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه"، وفي قصته أنه بال على ثوبه، وأما قصة الحسن ففي حديث أبي ليلى وأم سلمة أنه بال على بطنه صلى الله عليه وسلم، وفي حديث زينب بنت جحش عند الطبراني " أنه جاء وهو يحبو والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فصعد على بطنه ووضع ذكره في سرته فبال " فذكر الحديث بتمامه، فظهرت التفرقة بينهما. قوله: "فأتبعه" بإسكان المثناة أي أتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم البول الذي على الثوب الماء يصبه عليه، زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام " فأتبعه ولم يغسله". ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام " فصب عليه الماء " وللطحاوي من طريق زائدة الثقفي عن هشام " فنصحه عليه".
223- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ
[الحديث 223- طرفه في 5693]
قوله: "عن أم قيس" قال ابن عبد البر: اسمها جذامة يعني بالجيم والمعجمة. وقال السهيلي اسمها آمنة وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي، وكانت من المهاجرات الأول، كما عند مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب في هذا الحديث، وليس لها في الصحيحين غيره وغير حديث آخر في الطب، وفي كل منهما قصة لابنها، ومات ابنها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير كما رواه النسائي، ولم أقف على تسميته. قوله: "لم يأكل الطعام" لمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به والعطل الذي يلعقه للمداواة وغيرها، فكان المراد أنه لم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال، هذا مقتضى كلام النووي في شرح مسلم وشرح المهذب، وأطلق في الروضة - تبعا لأصلها - أنه لم يطعم ولم يشرب غير اللبن. وقال في نكت التنبيه: المراد أنه لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه. وحمل الموفق الحموي في شرح التنبيه قوله: "لم يأكل " على ظاهره فقال: معناه لم يستقل بجعل الطعام في فيه. والأول أظهر، وبه جزم الموفق بن قدامه وغيره. وقال ابن التين: يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع. ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم فيحمل النفي على عمومه، ويؤيد ما تقدم أنه للمصنف في العقيقة. قوله: "فأجلسه" أي وضعه إن قلنا إنه كان لما ولد. ويحتمل أن يكون الجلوس حصل منه على العادة إن قلنا كان في سن من يحبو كما في قصة الحسن. قوله: "على ثوبه" أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم،
(1/326)

وأغرب ابن شعبان من المالكية فقال: المراد به ثوب الصبي، والصواب الأول. قوله: "فنضحه"، ولمسلم من طريق الليث عن ابن شهاب " فلم يزد على أن نضح بالماء " وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب " فرشه " زاد أبو عوانة في صحيحه " عليه". ولا تخالف بين الروايتين - أي بين نضح ورش - لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش وهو تنقيط الماء، وانتهى إلى النضح وهو صب الماء. ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير عن هشام " فدعا بماء فصبه عليه " ولأبي عوانة " فصبه على البول يتبعه إياه". قوله: "ولم يغسله" ادعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام ابن شهاب راوي الحديث وأن المرفوع انتهى عند قوله: "فنضحه " قال: وكذلك روى معمر عن ابن شهاب، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة قال: "فرشه " لم يزد على ذلك انتهى. وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الإدراج، وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق مالك لكنه لم يقل " ولم يغسله " وقد قالها مع مالك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن ابن شهاب أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنهم، وهو لمسلم عن يونس وحده. نعم زاد معمر في روايته قال: "قال ابن شهاب: فمضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية " فلو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لأمكن دعوى الإدراج، لكنها غيرها فلا إدراج. وأما ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك، فإن ذلك لفظ رواية ابن عيينة عن ابن شهاب، وقد ذكرناها عن مسلم وغيره وبينا أنها غير مخالفة لرواية مالك والله أعلم. وفي هذا الحديث من الفوائد: الندب إلى حسن المعاشرة والتواضع، والرفق بالصغار، وتحنيك المولود، والتبرك بأهل الفضل، وحمل الأطفال إليهم حال الولادة وبعدها، وحكم بول الغلام والجارية قبل أن يطعما وهو مقصود الباب، واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية: أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية، وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وابن وهب وغيرهم ورواه الوليد بن مسلم عن مالك. وقال أصحابه هي رواية شاذة. والثاني يكفي النضح فيهما، وهو مذهب الأوزاعي وحكى عن مالك والشافعي، وخصص ابن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل أجوافهما شيء أصلا. والثالث هما سواء في وجوب الغسل وبه قال الحنفية والمالكية، قال ابن دقيق العيد: اتبعوا في ذلك القياس وقالوا المراد بقولها " ولم يغسله " أي غسلا مبالغا فيه، وهو خلاف الظاهر، ويبعده ما ورد في الأحاديث الأخر - يعني التي قدمناها - من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإنهم لا يفرقون بينهما، قال: وقد ذكر في التفرقة بينهما أوجه: منها ما هو ركيك، وأقوى ذلك ما قيل إن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث، يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقة. واستدل به بعض المالكية على أن الغسل لا بد فيه من أمر زائد على مجرد إيصال الماء إلى المحل. قلت: وهو مشكل عليهم، لأنهم يدعون أن المراد بالنضح هنا الغسل. "تنبيه": قال الخطابي: ليس تجويز من جوز النضح من أجل أن بول الصبي غير نجس، ولكنه لتخفيف نجاسته. انتهى. وأثبت الطحاوي الخلاف فقال: قال قوم بطهارة بول الصبي قبل الطعام، وكذا جزم به ابن عبد البر وابن بطال ومن تبعهما عن الشافعي وأحمد وغيرهما، ولم يعرف ذلك الشافعية ولا
ـــــــ
(1) هذا فيه نظر. والصواب أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ولايقاس عليه غيره لما جعل الله فيه من البركة وخصه به دون غيره؛ ولأن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلو ذلك مع غيره صلى الله عليه وسلم وهم أعلم الناس بالشرع, فوجب التأسي بهم. ولأن جواز مثل هذا لغيره صلى الله عليه وسلم قد يفضي الى الشرك,فتنبه
(1/327)

الحنابلة. وقال النووي: هذه حكاية باطلة انتهى. وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم، وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم. والله أعلم.
(1/328)

60 - باب الْبَوْلِ قَائِمًا وَقَاعِدًا
224- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ "أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ".
[الحديث224- أطرافه في: 2471,226,225]
قوله: "باب البول قائما وقاعدا" قال ابن بطال: دلالة الحديث على القعود بطريق الأولى، لأنه إذا جاز قائما فقاعدا أجوز. قلت: ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث عبد الرحمن بن حسنة الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وغيرهما فإن فيه: "بال رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا، فقلنا انظروا إليه يبول كما تبول المرأة " وحكى ابن ماجه عن بعض مشايخه أنه قال: كان من شأن العرب البول قائما، ألا تراه يقول في حديث عبد الرحمن بن حسنة " قعد يبول كما تبول المرأة " وقال في حديث حذيفة " فقام كما يقوم أحدكم"، ودل حديث عبد الرحمن المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم كان يخالفهم في ذلك فيقعد لكونه أستر وأبعد من مماسة البول، وهو حديث صحيح صححه الدارقطني وغيره، ويدل عليه حديث عائشة قالت: "ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما منذ أنزل عليه القرآن " رواه أبو عوانه في صحيحه والحاكم. قوله: "عن أبي وائل"، ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن الأعمش أنه سمع أبا وائل ولأحمد عن يحيى القطان عن الأعمش حدثني أبو وائل. قوله: "سباطة قوم" بضم المهملة بعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل، وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك لأنها لا تخلو عن النجاسة، وبهذا يندفع إيراد من استشكله لكون البول يوهي الجدار ففيه إضرار، أو نقول: إنما بال فوق السباطة لا في أصل الجدار وهو صريح رواية أبي عوانة في صحيحه، وقيل: يحتمل أن يكون علم إذنهم في ذلك بالتصريح أو غيره، أو لكونه مما يتسامح الناس به، أو لعلمه بإيثارهم إياه بذلك، أو لكونه يجوز له التصرف في مال أمته دون غيره لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم، وهذا وإن كان صحيح المعنى لكن لم يعهد ذلك من سيرته ومكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم. قوله: "ثم دعا بماء" زاد مسلم وغيره من طرق عن الأعمش " فتنحيت فقال: ادن، فدنوت حتى قمت عند عقبيه " وفي رواية أحمد عن يحيى القطان " أتى سباطة قوم فتباعدت منه، فأدناني حتى صرت قريبا من عقبيه فبال قائما، ودعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه: "وكذا زاد مسلم وغيره فيه ذكر المسح على الخفين، وهو ثابت أيضا عند الإسماعيلي وغيره من طرق عن شعبة عن الأعمش، وزاد عيسى بن يونس فيه عن الأعمش، أن ذلك كان بالمدينة أخرجه ابن عبد البر في التمهيد بإسناد صحيح، وزعم في الاستذكار أن عيسى تفرد به، وليس كذلك، فقد رواه البيهقي من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن الأعمش كذلك، وله شاهد من حديث عصمة بن مالك سنذكره بعد. واستدل به على جواز المسح في الحضر وهو ظاهر، ولعل البخاري اختصره لتفرد الأعمش به فقد روى ابن ماجه من طريق شعبة أن عاصما رواه له عن أبي وائل عن المغيرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما " قال عاصم: وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة وما حفظه، يعني أن روايته هي الصواب. قال شعبة: فسألت عنه منصورا فحدثنيه عن أبي وائل عن
(1/328)

حذيفة يعني كما قال الأعمش، لكن لم يذكر فيه المسح، فقد وافق منصور الأعمش على قوله عن حذيفة دون الزيادة ولم يلتفت مسلم إلى هذه العلة بل ذكرها في حديث الأعمش لأنها زيادة من حافظ وقال الترمذي: حديث أبي وائل عن حذيفة أصح، يعني حديثه عن المغيرة، وهو كما قال، وإن جنح ابن خزيمة إلى تصحيح الروايتين لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصما على قوله عن المغيرة، فجاز أن يكون أبو وائل سمعه منهما فيصح القولان معا، لكن من حيث الترجيح رواية الأعمش ومنصور لاتفاقهما أصح من رواية عاصم وحماد لكونهما في حفظهما مقال.
(1/329)

61 - باب الْبَوْلِ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَالتَّسَتُّرِ بِالْحَائِطِ
225- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "رَأَيْتُنِي أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَمَاشَى فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُهُ فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ".
قوله: "باب البول عند صاحبه" أي صاحب البائل.قوله: "جرير" هو ابن عبد الحميد، ومنصور وهو ابن المعتمر. قوله: "رأيتني" بضم المثناة من فوق. قوله: "فانتبذت" بالنون والذال المعجمة أي تنحيت، يقال جلس فلان نبذة بفتح النون وضمها أي ناحية. قوله: "فأشار إلى" يدل على أنه لم يبعد منه بحيث لا يراه. وإنما صنع ذلك ليجمع بين المصلحتين: عدم مشاهدته في تلك الحالة وسماع ندائه لو كانت له حاجة، أو رؤية إشارته إذا أشار له وهو مستدبره. وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول لأن هذه الرواية بينت أن قوله في رواية مسلم: "إدنه " كان بالإشارة لا باللفظ، وأما مخالفته صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادته من الإبعاد - عند قضاء الحاجة - عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظارة، فقد قيل فيه إنه صلى الله عليه وسلم كان مشغولا بمصالح المسلمين، فلعله طال عليه المجلس أحتاج إلى البول، فلو أبعد لتضرر، واستدنى حذيفة ليستره من خلفه من رؤية من لعله يمر به وكان قدامه مستورا بالحائط، أو لعله فعله لبيان الجواز. ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف، ولما يقترن به من الرائحة. والغرض من الإبعاد التستر وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو من الساتر. وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال "يا حذيفة استرني " فذكر الحديث. وظهر منه الحكمة في إدنائه حذيفة في تلك الحالة وكان حذيفة لما وقف خلفه عقبه استدبره، وطهر أيضا أن ذلك كان في الحضر لا في السفر، ويستفاد من هذا الحديث دفع أشد المفسدتين بأخفهما والإتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معا، وبيانه أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل الجلوس لمصالح الأمة ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم، فلما حضره البول وهو في بعض تلك الحالات لم يؤخره حتى يبعد كعادته لما يترتب على تأخيره من الضرر، فراعى أهم الأمرين، وقدم المصلحة في تقريب حذيفة منه ليستره من المارة على مصلحة تأخيره عنه إذ لم يمكن جمعهما.
(1/329)

62 - باب الْبَوْلِ عِنْدَ سُبَاطَةِ قَوْمٍ
226- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: "كَانَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ
(1/329)

63 - باب غَسْلِ الدَّمِ
227- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ "جَاءَتْ
(1/330)

امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ قَالَ "تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ"
[الحديث227- طرفه في:307]
قوله: "باب غسل الدم" بفتح الغين.يحيى هو ابن سعيد القطان، وهشام هو ابن عروة، وفاطمة هي زوجته بنت عمه المنذر، وأسماء هي جدتهما لأبويهما بنت أبي بكر الصديق. قوله: "جاءت امرأة" وقع في رواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن هشام في هذا الحديث أن أسماء هي السائلة، وأغرب النووي فضعف هذه الرواية بلا دليل، وهي صحيحة الإسناد لا علة لها، ولا بعد في أن يبهم الراوي اسم نفسه كما سيأتي في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب. قوله: "تحيض في الثوب" أي يصل دم الحيض إلى الثوب، وللمصنف من طريق مالك عن هشام " إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة". قوله: "تحته" بالفتح وضم المهملة وتشديد المثناة الفوقانية أي تحكه، وكذا رواه ابن خزيمة، والمراد بذلك إزالة عينه. قوله: "ثم تقرصه" بالفتح وإسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين، كذا في روايتنا. وحكى القاضي عياض وغيره فيه الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة، أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه. قوله: "وتنضحه" بفتح الضاد المعجمة وضم الحاء أي تغسله، قاله الخطابي. وقال القرطبي: المراد به الرش لأن غسل الدم استفيد من قوله تقرصه بالماء، وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب. قلت: فعلى هذا فالضمير في قوله تنضحه يعود على الثوب، بخلاف " تحته " فإنه يعود على الدم، فيلزم منه اختلاف الضمائر وهو على خلاف الأصل. ثم إن الرش على المشكوك فيه لا يفيد شيئا لأنه إن كان طاهرا فلا حاجة إليه، وإن كان متنجسا لم يطهر بذلك، فالأحسن ما قاله الخطابي، قال الخطابي: في هذا الحديث دليل على أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات، لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعا، وهو قول الجمهور، أي يتعين الماء لإزالة النجاسة. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر، ومن حجتهم حديث عائشة " ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فمصته بظفرها " ولأبي داود " بلته بريقها"، وجه الحجة منه أنه لو كان الريق لا يطهر لزاد النجاسة. وأجيب باحتمال أن تكون قصدت بذلك تحليل أثره ثم غسلته بعد ذلك كما سيأتي تقريره في كتاب الحيض في باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه. "فائدة": تعقب استدلال من استدل على تعيين إزالة النجاسة بالماء من هذا الحديث بأنه مفهوم لقب وليس بحجة عند الأكثر، ولأنه خرج مخرج الغالب في الاستعمال لا الشرط. وأجيب بأن الخبر نص على الماء، فإلحاق غيره به بالقياس، وشرطه أن لا ينقص الفرع عن الأصل في العلة، وليس في غير الماء ما في الماء من رقته وسرعة نفوذه فلا يلحق به، وسيأتي باقي فوائده في باب غسل دم الحيض إن شاء الله تعالى.
228- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ فَقال
(1/331)

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلاَةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي قَالَ وَقَالَ أَبِي "ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ".
[الحديث228- أطرافه في:331,325,320,306,]
قوله: "حدثنا محمد" كذا للأكثر غير منسوب، وللأصيلي: ابن سلام، ولأبي ذر: هو ابن سلام، وأبو معاوية هو الضرير. قوله: "حدثنا هشام" زاد الأصيلي ابن عروة. قوله: "فاطمة بنت أبي حبيش" بالحاء المهملة والموحدة والشين المعجمة بصيغة التصغير، اسمه قيس ابن المطلب بن أسد، وهي غير فاطمة بنت قيس التي طلقت ثلاثا. قوله: "أستحاض" بضم الهمزة وفتح المثناة يقال استحيضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد أيامها المعتادة فهي مستحاضة، والاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه. قوله: "لا" أي لا تدعي الصلاة. قوله: "عرق" بكسر العين هو المسمى بالعاذل بالذال المعجمة. قوله: "حيضتك" بفتح الحاء ويجوز كسرها. والمراد بالإقبال والإدبار هنا ابتداء دم الحيض وانقطاعه. قوله: "فدعى الصلاة" يتضمن نهي الحائض عن الصلاة، وهو للتحريم ويقتضي فساد الصلاة بالإجماع. قوله: "فاغتسلي عنك الدم" أي واغتسلي، والأمر بالاغتسال مستفاد من أدلة أخرى كما سيأتي بسطها في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى. قوله: "قال" أي هشام بن عروة "وقال أبي" بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة أي عروة بن الزبير، وادعى بعضهم أن هذا معلق، وليس بصواب، بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبي معاوية عن هشام، وقد بين ذلك الترمذي في روايته. وادعى آخر أن قوله: "ثم توضئ " من كلام عروة موقوفا عليه، وفيه نظر لأنه لو كان كلامه لقال ثم تتوضأ بصيغة الإخبار، فلما أتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع وهو قوله: "فاغسلي". وسنذكر حكم هذه المسألة في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى.
(1/332)

باب غسل المني وفركه ، وغسل مايصيب من المرأة
...
64 - باب غَسْلِ الْمَنِيِّ وَفَرْكِهِ وَغَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنْ الْمَرْأَةِ
229- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْجَزَرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ".
[الحديث229- أطرافه في:232,231,230]
230- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ مَيْمُونٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ و حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَتْ "كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَثَرُ الْغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ بُقَعُ الْمَاءِ".
قوله: "باب غسل المني وفركه" لم يخرج البخاري حديث الفرك، بل اكتفى بالإشارة إليه في الترجمة على عادته، لأنه ورد من حديث عائشة أيضا كما سنذكره. وليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب، وهذه طريقة الشافعي
(1/332)

وأحمد وأصحاب الحديث، وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على ما كان رطبا والفرك على ما كان يابسا، وهذه طريقة الحنفية، والطريقة الأولى أرجح لأن فيها العمل بالخبر والقياس معا، لأنه لو كان نجسا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره، وهم لا يكتفون فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك، ويرد الطريقة الثانية أيضا ما في رواية ابن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة " كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه، وتحكه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه: "فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالتين، وأما مالك فلم يعرف الفرك وقال: إن العمل عندهم على وجوب الغسل كسائر النجاسات، وحديث الفرك حجة عليهم، وحمل بعض أصحابه الفرك على الدلك بالماء، وهو مردود بما في إحدى روايات مسلم عن عائشة " لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري " وبما صححه الترمذي من حديث همام بن الحارث أن عائشة أنكرت على ضيفها غسله الثوب فقالت: "لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، فربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي". وقال بعضهم: الثوب الذي اكتفت فيه بالفرك ثوب النوم، والثوب الذي غسلته ثوب الصلاة. وهو مردود أيضا بما في إحدى روايات مسلم من حديثها أيضا: "لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه: "وهذا التعقيب بالفاء بنفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة. وأصرح منه رواية ابن خزيمة: "أنها كانت تحكه من ثوبه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي " وعلى تقدير عدم ورود شيء من ذلك فليس في حديث الباب ما يدل على نجاسة المني لأن غسلها فعل وهو لا يدل على الوجوب بمجرده، والله أعلم. وطعن بعضهم في الاستدلال بحديث الفرك على طهارة المني بأن مني النبي صلى الله عليه وسلم طاهر دون غيره كسائر فضلاته. والجواب على تقدير صحة كونه من الخصائص أن منيه كان عن جماع فيخالط مني المرأة، فلو كان منيها نجسا لم يكتف فيه بالفرك، وبهذا احتج الشيخ الموفق وغيره على طهارة رطوبة فرجها قال: ومن قال إن المني لا يسلم من المذي فيتنجس به لم يصب لأن الشهوة إذا اشتدت خرج المني دون المذي والبول كحالة الاحتلام، والله أعلم. قوله: "وغسل ما يصيب" أي الثوب وغيره من المرأة، وفي هذه المسألة حديث صريح ذكره المصنف بعد في آخر كتاب الغسل من حديث عثمان، ولم يذكره هنا، وكأنه استنبطه مما أشرنا إليه من أن المني الحاصل في الثوب لا يخلو غالبا من مخالطة ماء المرأة ورطوبتها. قوله: "عمرو بن ميمون الجزري" كذا للجمهور، وهو الصواب، وهو بفتح الجيم والزاي بعدها راء، منسوب إلى الجزيرة، وكان ميمون بن مهران والد عمرو نزلها فنسب إليها ولده. ووقع في رواية الكشميهني وحده الجوزي بواو ساكنة بعدها زاي وهو غلط منه. قوله: "أغسل الجنابة" أي أثر الجنابة فيكون على حذف مضاف، أو أطلق اسم الجنابة على المني مجازا. قوله: "بقع" بضم الموحدة وفتح القاف جمع بقعة، قال أهل اللغة: البقع اختلاف اللونين. قوله في الإسناد "حدثنا يزيد" قال أبو مسعود الدمشقي: كذا هو غير منسوب في رواية الفربري وحماد بن شاكر، ويقال إنه ابن هارون وليس بابن زريع وجميعا قد رويا - يعني عن عمرو بن ميمون - ووقع في رواية ابن السكن أحد الرواة عن الفربري " حدثنا يزيد، يعني ابن زريع " وكذا أشار إليه الكلاباذي ورجح القطب الحليمي في شرحه أنه ابن هارون قال: لأنه وجد من روايته ولم يوجد من رواية ابن زريع. قلت: ولا يلزم من عدم الوجدان عدم الوقوع، كيف وقد جزم أبو مسعود بأنه رواه فدل على وجدانه، والمثبت مقدم على النافي. وقد خرجه الإسماعيلي وغيره من حديث يزيد بن هارون بلفظ مخالف للسياق الذي أورده البخاري، وهذا
(1/333)

اخت مسلمة
06-09-2009, 04:43 AM
من مرجحات كونه ابن زريع، وأيضا فقتيبة معروف بالرواية عن يزيد بن زريع دون ابن هارون قاله المزي، والقاعدة في من أهمل أن يحمل على من للراوي به خصوصية كالإكثار وغيره، فترجح أنه ابن زريع. والله أعلم. قوله: "حدثنا عمرو" كذا للأكثر، ولأبي ذر يعني ابن ميمون وهو ابن مهران، كما سيأتي في آخر الباب الذي يليه. قوله: "سمعت عائشة" وفي الإسناد الذي يليه " سألت عائشة " فيه رد على البراز حيث زعم أن سليمان ابن يسار لم يسمع من عائشة، على أن البزار مسبوق بهذه الدعوى، فقد حكاه الشافعي في الأم عن غيره، وزاد أن الحفاظ قالوا: إن عمرو بن ميمون غلط في رفعه، وإنما هو في فتوى سليمان. انتهى. وقد تبين من تصحيح البخاري له وموافقة مسلم له على تصحيحه صحة سماع سليمان منها وأن رفعه صحيح، وليس بين فتواه وروايته تناف، وكذا لا تأثير للاختلاف في الروايتين حيث وقع في إحداهما أن عمرو بن ميمون سأل سليمان، وفي الأخرى أن سليمان سأل عائشة، لأن كلا منهما سأل شيخه فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض وكلهم ثقات. قوله: "عبد الواحد" هو ابن زياد البصري، وفي طبقته عبد الواحد بن زيد البصري ولم يخرج له البخاري شيئا. قوله: "عن المني" أي عن حكم المني هل يشرع غسله أم لا؟ فحصل الجواب بأنها كانت تغسله، وليس في ذلك ما يقتضي إيجابه كما قدمناه. قوله: "فيخرج" أي من الحجرة إلى المسجد. قوله: "بقع الماء" بضم العين على أنه بدل من قوله: "أثر الغسل"، ويجوز النصب على الاختصاص، وفي هذه الرواية جواز سؤال النساء عما يستحيي منه لمصلحة تعلم الأحكام، وفيه خدمة الزوجات للأزواج، واستدل به المصنف على أن بقاء الأثر بعد زوال العين في إزالة النجاسة وغيرها لا يضر فلهذا ترجم " باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره " وأعاد الضمير مذكرا على المعنى أي فلم يذهب أثر الشيء المغسول، ومراده أن ذلك لا يضر. وذكر في الباب حديث الجنابة وألحق غيرها بها قياسا، أو أشار بذلك إلى ما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة أن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض، فكيف أصنع؟ قال: "إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه: "قالت فإن لم يخرج الدم؟ قال: "يكفيك الماء ولا يضرك أثره " وفي إسناده ضعف، وله شاهد مرسل ذكره البيهقي، والمراد بالأثر ما تعسر إزالته جمعا بين هذا وبين حديث أم قيس " حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر " أخرجه أبو داود أيضا وإسناده حسن. ولما لم يكن هذا الحديث على شرط المصنف استنبط من الحديث الذي على شرطه ما يدل على ذلك المعنى كعادته.
(1/334)

باب إذا غسل الجنابة أوغيرها فلم يذهب أثره
...
65- باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره
231- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ فِي الثَّوْبِ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ "كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَثَرُ الْغَسْلِ فِيهِ بُقَعُ الْمَاءِ"
قوله: "المنقري" بكسر الميم وإسكان النون وفتح القاف نسبة إلى بني منقر - بطن من تميم - وهو أبو سلمة التبوذكي، وعبد الواحد هو ابن زياد أيضا. قوله: "سمعت سليمان بن يسار في الثوب" أي يقول في مسألة الثوب، وللكشميهني: "سألت سليمان ابن يسار في الثوب " أي قلت له ما تقول في الثوب أو في بمعنى عن. قوله: "أغسله"
(1/334)

أي أثر الجنابة أو المني. قوله: "وأثر الغسل فيه" يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى أثر الماء أو إلى الثوب ويكون قوله: "بقع الماء " بدلا من قوله: "أثر الغسل " كما تقدم، أو المعنى أثر الجنابة المغسولة بالماء فيه من بقع الماء المذكور. وقوله في الرواية الأخرى " ثم أراه فيه: "بعد قوله: "كانت تغسل المني " يرجح هذا الاحتمال الأخير لأن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهو المني.
232- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا".
قوله: "زهير" هو ابن معاوية الجعفي. قوله: "أنها كانت" محتمل أن يكون مذكورا بالمعنى من لفظها، أي قالت كنت أغسل، ليشاكل قولها " ثم أراه " أو حذف لفظ قالت قبل قولها ثم أراه. قوله: "بقعة أو بقعا" يحتمل أن يكون من كلامها وينزل على حالتين، أو شكا من أحد رواته. والله أعلم.
(1/335)

66 - باب أَبْوَالِ الإِبِلِ وَالدَّوَابِّ وَالْغَنَمِ وَمَرَابِضِهَا
وَصَلَّى أَبُو مُوسَى فِي دَارِ الْبَرِيدِ وَالسِّرْقِينِ وَالْبَرِّيَّةُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ هَا هُنَا وَثَمَّ سَوَاءٌ
233- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَانْطَلَقُوا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلاَ يُسْقَوْنَ".
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: فَهَؤُلاَءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ, وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
[الحديث233- أطرافه في: 6899,6805,6804,6803,6802,5727,5686,5685,4610,4193, 4192,3018,1501]
قوله: "باب أبوال الإبل والدواب والغنم" والمراد بالدواب معناه العرفي وهو ذوات الحافر من الخيل والبغال والحمير، ويحتمل أن يكون من عطف العام على الخاص ثم عطف الخاص على العام، والأول أوجه، ولهذا ساق أثر أبي موسى في صلاته في دار البريد لأنها مأوى الدواب التي تركب، وحديث العرنيين ليستدل به على طهارة أبوال الإبل، وحديث مرابض الغنم ليستدل به على ذلك أيضا منها. قوله: "ومرابضها" جمع مربض بكسر أوله وفتح الموحدة بعدها معجمة، وهي للغنم كالمعاطن للإبل، والضمير يعود على أقرب مذكور وهو الغنم. ولم يفصح المصنف بالحكم كعادته في المختلف فيه، لكن ظاهر إيراده حديث العرنيين يشعر باختياره الطهارة، ويدل على ذلك قوله في حديث صاحب القبر ولم يذكر سوى بول الناس، وإلى ذلك ذهب الشعبي وابن علية وداود وغيرهم، وهو يرد على من نقل الإجماع على نجاسة بول غير المأكول مطلقا، وقد قدمنا ما فيه. قوله: "وصلى أبو موسى" هو
(1/335)

الأشعري، وهذا الأثر وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له قال: حدثنا الأعمش عن مالك بن الحارث - هو السلمي الكوفي - عن أبيه قال: "صلى بنا أبو موسى في دار البريد، وهناك سرقين الدواب، والبرية على الباب، فقالوا: لو صليت على الباب: "فذكره. والسرقين بكسر المهملة وإسكان الراء هو الزبل، وحكى فيه ابن سيده فتح أوله وهو فارسي معرب، ويقال له السرجين بالجيم، وهو في الأصل حرف بين القاف والجيم يقرب من الكاف، والبرية الصحراء منسوبة إلى البر، ودار البريد المذكورة موضع بالكوفة كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من الخلفاء إلى الأمراء، وكان أبو موسى أميرا على الكوفة في زمن عمر وفي زمن عثمان، وكانت الدار في طرف البلد ولهذا كانت البرية إلى جنبها. وقال المطرزي: البريد في الأصل الدابة المرتبة في الرباط، ثم سمي به الرسول المحمول عليها: ثم سميت به المسافة المشهورة. "فائدة": ذكر البخاري في تاريخه: همدان بريد عمر، وهو يروي عن عمر، وله أثر ذكره المصنف تعليقا عن عمير كما سيأتي تخريجه من طريقه. قوله: "سواء" يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة، وتعقب بأنه ليس فيه دليل على طهارة أرواث الدواب عند أبي موسى، لأنه يمكن أن يصلي فيها على ثوب يبسطه. وأجيب بأن الأصل عدمه، وقد رواه سفيان الثوري في جامعه عن الأعمش بسنده ولفظه: "صلى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين " وهذا ظاهر في أنه بغير حائل، وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب وغيره أن الصلاة على الطنفسة محدث، وإسناده صحيح.والأولى أن يقال إن هذا من فعل أبي موسى، وقد خالفه غيره من الصحابة كابن عمر وغيره، فلا يكون حجة. أو لعل أبا موسى كان لا يرى الطهارة شرطا في صحة الصلاة بل يراها واجبة برأسها، وهو مذهب مشهور. وقد تقدم مثله في قصة الصحابي الذي صلى بعد أن جرح وظهر عليه الدم الكثير، فلا يكون فيه حجة على أن الروث طاهر، كما أنه لا حجة في ذاك على أن الدم طاهر، وقياس غير المأكول على المأكول غير واضح، لأن الفرق بينهما متجه لو ثبت أن روث المأكول طاهر، وسنذكر ما فيه قريبا. والتمسك بعموم حديث أبي هريرة الذي صححه ابن خزيمة وغيره مرفوعا بلفظ: "استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه " أولى لأنه ظاهر في تناول جميع الأبوال(1) فيجب اجتنابها لهذا الوعيد. والله أعلم. قوله: "عن أيوب عن أبي قلابة" كذا رواه البخاري، وتابعه أبو داود عن سليمان بن حرب، وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن أبي داود السجستاني وأبي داود الحراني، وأبو نعيم في المستخرج من طريق يوسف القاضي كلهم عن سليمان، وخالفهم مسلم فأخرجه عن هارون بن عبد الله عن سليمان بن حرب، وزاد بين أيوب وأبي قلابة أبا رجاء مولى أبي قلابة، وكذا أخرجه أبو عوانة عن أبي أمية الطرسوسي عن سليمان. وقال الدارقطني وغيره: ثبوت أبي رجاء وحذفه - في حديث حماد بن زيد عن أيوب - صواب، لأن أيوب حديث به عن أبي قلابة بقصة العرنيين خاصة، وكذا رواه أكثر أصحاب حماد بن زيد عنه مقتصرين عليها، وحدث به أيوب أيضا عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة، وزاد فيه قصة طويلة لأبي قلابة مع عمر عبد العزيز كما سيأتي ذلك في كتاب الديات، ووافقه على ذلك حجاج الصواف عن أبي رجاء، فالطريقان جميعا صحيحان، والله أعلم.
ـــــــ
(1) هذا ليس بجيد, والصواب طهارة أبوال الإبل ونحوها مما يؤكل لحمه كما يأتي دليله في حديث العرنيين,و"ال"في قوله عليه السلام"استنزهو من البول" للعهد, والمعهود بينهم بول الناس كما قاله البخاري,وكما يدل عليه حديث القبرين وأثر أبي موسى المذكور. والله أعلم
(1/336)

قوله: "عن أنس" زاد الأصيلي: "ابن مالك". قوله: "قدم أناس" وللأصيلي والكشميهني والسرخسي " ناس " أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصرح به المصنف في الديات من طريق أبي رجاء عن أبي قلابة. قوله: "من عكل أو عرينة" الشك فيه من حماد، وللمصنف في المحاربين عن قتيبة عن حماد " أن رهطا من عكل أو قال من عرينة ولا أعلمه إلا قال من عكل"، وله في الجهاد عن وهيب عن أيوب " أن رهطا من عكل " ولم يشك، وكذا في المحاربين عن يحيى بن أبي كثير، وفي الديات عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة، وله في الزكاة عن شعبة عن قتادة عن أنس " أن ناسا من عرينة " ولم يشك أيضا، وكذا لمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس، وفي المغازي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة " أن ناسا من عكل وعرينة " بالواو العاطفة وهو الصواب، ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل، ولا يخالف هذا ما عند المصنف في الجهاد من طريق وهيب عن أيوب، وفي الديات من طريق حجاج الصواف عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة عن أنس " أن رهطا من عكل ثمانية " لاحتمال أن يكون الثامن غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم ينسب، وغفل من نسب عدتهم ثمانية لرواية أبي يعلى وهي عند البخاري وكذا عند مسلم، وزعم ابن التين تبعا للداودي أن عرينة هم عكل، وهو غلط، بل هما قبيلتان متغايرتان: عكل من عدنان، وعرينة من قحطان. وعكل بضم المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب، وعرينة بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي من بجيلة، والمراد هنا الثاني، كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي، وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس، ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط أنهم من بني فزارة. وهو غلط لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلا. وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست. وذكرها المصنف بعد الحديبية وكانت في ذي القعدة منها، وذكر الواقدي أنها كانت في شوال منها، وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما، والله أعلم. وللمصنف في المحاربين من طريق وهيب عن أيوب أنهم كانوا في الصفة قبل أن يطلبوا الخروج إلى الإبل. قوله: "فاجتووا المدينة" زاد في رواية يحيى بن أبي كثير قبل هذا " فأسلموا " وفي رواية أبي رجاء قبل هذا " فبايعوه على الإسلام " قال ابن فارس: اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة. وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة، وهو المناسب لهذه القصة. وقال القزاز: اجتووا أي لم يوافقهم طعامها. وقال ابن العربي: الجوى داء يأخذ من الوباء. وفي رواية أخرى يعني رواية أبي رجاء المذكورة " استوخموا " قال وهو بمعناه. وقال غيره: الجوى داء يصيب الجوف. وللمصنف من رواية سعيد عن قتادة في هذه القصة " فقالوا: يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف". وله في الطب من رواية ثابت عن أنس " إن ناسا كان بهم سقم قالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا، فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة". والظاهر أنهم قدموا سقاما فلما صحوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها، فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع، فعند أبي عوانة من رواية غيلان عن أنس " كان بهم هزال شديد " وعنده من رواية أبي سعد عنه " مصفرة ألوانهم". وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمى المدينة كما عند أحمد من رواية حميد عن أنس، وسيأتي ذكر حمى المدينة من حديث عائشة في الطب وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن ينقلها إلى الجحفة. ووقع عند مسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس " وقع بالمدينة الموم " أي بضم
(1/337)

الميم وسكون الواو قال: وهو البرسام، أي بكسر الموحدة سرياني معرب أطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وعلى ورم الصدر، والمراد هنا الأخير. فعند أبي عوانة من رواية همام عن قتادة عن أنس في هذه القصة " فعظمت بطونهم". قوله: "فأمرهم بلقاح" أي فأمرهم أن يلحقوا بها، وللمصنف في رواية همام عن قتادة " فأمرهم أن يلحقوا براعيه " وله عن قتيبة عن حماد " فأمر لهم بلقاح"؛ بزيادة اللام فيحتمل أن تكون زائدة أو للتعليل أو لشبه الملك أو للاختصاص وليست للتمليك، وعند أبي عوانة من رواية معاوية بن قرة التي أخرج مسلم إسنادها " أنهم بدءوا بطلب الخروج إلى اللقاح فقالوا: يا رسول الله قد وقع هذا الوجع، فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل " وللمصنف من رواية وهيب عن أيوب أنهم قالوا " يا رسول الله أبغنا رسلا " أي اطلب لنا لبنا " قال ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود " وفي رواية أبي رجاء " هذه نعم لنا تخرج فأخرجوا فيها". واللقاح باللام المكسورة والقاف وآخره مهملة: النوق ذوات الألبان، وأحدها لقحة بكسر اللام وإسكان القاف. وقال أبو عمرو: يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر ثم هي لبون، وظاهر ما مضى أن اللقاح كانت للنبي صلى الله عليه وسلم وصرح بذلك في المحاربين عن موسى عن وهيب بسنده فقال: "إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وله فيه من رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بسنده " فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة " وكذا في الزكاة من طريق شعبة عن قتادة، والجمع بينهما أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث النبي صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى ما طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه فخرجوا معه إلى الإبل ففعلوا ما فعلوا، وظهر بذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المدينة تنفي خبثها " وسيأتي في موضعه. وذكر ابن سعد أن عدد لقاحه صلى الله عليه وسلم كانت خمس عشرة، وأنهم نحروا منها واحدة يقال لها الحناء، وهو في ذلك متابع للواقدي، وقد ذكره الواقدي في المغازي بإسناد ضعيف مرسل. قوله: "وأن يشربوا" أي وأمرهم أن يشربوا، وله في رواية أبي رجاء " فأخرجوا فاشربوا من ألبانها وأبوالها " بصيغة الأمر. وفي رواية شعبة عن قتادة " فرخص لهم أن يأتوا الصدقة فيشربوا " فأما شربهم ألبان الصدقة فلأنهم من أبناء السبيل، وأما شربهم لبن لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فبإذنه المذكور، وأما شربهم البول فاحتج به من قال بطهارته، أما من الإبل فبهذا الحديث، وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه، وهذا قول مالك وأحمد وطائفة من السلف، ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والإصطخري والروياني، وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من مأكول اللحم وغيره، واحتج ابن المنذر لقوله بأن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة، قال: ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يصب، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل، قال: وفي ترك أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديما وحديثا من غير نكير دليل على طهارتها. قلت: وهو استدلال ضعيف، لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره، فلا يدل ترك إنكاره على جوازه فضلا عن طهارته، وقد دل على نجاسة الأبوال كلها حديث أبي هريرة الذي قدمناه قريبا. وقال ابن العربي: تعلق بهذا الحديث من قال بطهارة أبوال الإبل، وعورضوا بأنه أذن لهم في شربها للتداوي، وتعقب بأن التداوي ليس حال ضرورة، بدليل أنه لا يجب فكيف يباح الحرام لما لا يجب؟ وأجيب بمنع أنه ليس حراما ضرورة، بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره، وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى :{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم
(1/338)

عليه كالميتة للمضطر، والله أعلم. وما تضمنه كلامه من أن الحرام لا يباح إلا لأمر واجب غير مسلم، فإن الفطر في رمضان حرام ومع ذلك فيباح الأمر جائز كالسفر مثلا. وأما قول غيره لو كان نجسا ما جاز التداوي به لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها " رواه أبو داود من حديث أم سلمة وستأتي له طريق أخرى في الأشربة من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، والنجس حرام فلا يتداوى به لأنه غير شفاء، فجوابه أن الحديث محمول على حالة الاختيار، وأما في حال الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر، ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر " إنها ليست بدواء، إنها داء " في جواب من سأله عن التداوي بها فيما رواه مسلم، فإن ذلك خاص بالخمر، ويلتحق به غيرها من المسكر، والفرق بين المسكر وبين غيره من النجاسات أن الحد يثبت باستعماله في حالة الاختيار دون غيره. ولأن شربه يجر إلى مفاسد كثيرة، ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم. قاله الطحاوي بمعناه. وأما أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعا: "أن في أبوال الإبل شفاء لذربة بطونهم " والذرب فساد المعدة، فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه، والله أعلم. وبهذه الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها كلها. قوله: "فلما صحوا" في السياق حذف تقديره " فشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا". وقد ثبت ذلك في رواية أبي رجاء، وزاد في رواية وهيب " وسمنوا " وللإسماعيلي من رواية ثابت " ورجعت إليهم ألوانهم". قوله: "واستاقوا النعم" من السوق وهو السير العنيف. قوله: "فجاء الخبر" في رواية وهيب عن أيوب " الصريخ " بالخاء المعجمة وهو فعيل بمعنى فاعل أي صرخ بالإعلام بما وقع منهم؛ وهذا الصارخ أحد الراعيين كما ثبت في صحيح أبي عوانة من رواية معاوية ابن قرة عن أنس، وقد أخرج مسلم إسناده ولفظه: "فقتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال: قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل " واسم راعي النبي صلى الله عليه وسلم المقتول يسار بياء تحتانية ثم مهملة خفيفة، كذا ذكره ابن إسحاق في المغازي، ورواه الطبراني موصولا من حديث سلمة بن الأكوع بإسناد صالح قال: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يقال له يسار " زاد ابن إسحاق " أصابه في غزوة بني ثعلبة " قال سلمة " فرآه يحسن الصلاة فأعتقه وبعثه في لقاح له بالحرة فكان بها " فذكر قصة العرنيين وأنهم قتلوه، ولم أقف على تسمية الراعي الآتي بالخبر، والظاهر أنه راعي إبل الصدقة، ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذكره بالإفراد، وكذا لمسلم لكن عنده من رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس " ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم " بصيغة الجمع، ونحوه لابن حبان من رواية يحيى بن سعيد عن أنس، فيحتمل أن إبل الصدقة كان لها رعاة فقتل بعضهم من راعي اللقاح، فاقتصر بعض الرواة على راعي النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بعضهم معه غيره، ويحتمل أن يكون بعض الرواة ذكره بالمعنى فتجوز في الإتيان بصيغة الجمع، وهذا أرجح لأن أصحاب المغازي لم يذكر أحد منهم أنهم قتلوا غير يسار، والله أعلم. قوله: "فبعث في آثارهم" زاد في رواية الأوزاعي " الطلب " وفي حديث سلمة بن الأكوع " خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري " وكذا ذكره ابن إسحاق والأكثرون، وهو بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي، وللنسائي من رواية الأوزاعي " فبعث في
ـــــــ
(1) ليس بين الأدلة في هذا الباب بحمد الله اختلاف. والصواب طهارة أبوال مأكول اللحم من الإبل وغيرها كما تفدم في ص336 وتقدم الجواب عما ذكره الشارح. ولو كانت الأبوال من الإبل ونحوها نجسة لأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم يغسل أفواههم عنها,وأوضح لهم حكمها,وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز كما علم في الأصول. والله أعلم
(1/339)

طلبهم قافة " أي جمع قائف، ولمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس أنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلا وبعث معهم قائفا يقتص آثارهم، ولم أقف على اسم هذا القائف ولا على اسم واحد من العشرين، لكن في مغازي الواقدي أن السرية كانت عشرين رجلا، ولم يقل من الأنصار، بل سمي منهم جماعة من المهاجرين منهم بريدة بن الحصيب وسلمة ابن الأكوع الأسلميان وجندب ورافع ابنا مكيث الجهنيان وأبو ذر وأبو رهم الغفاريان وبلال بن الحارث وعبد الله بن عمرو بن عوف المزنيان وغيرهم، والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف، لكن يحتمل أن يكون من لم يسمه الواقدي من الأنصار فأطلق الأنصار تغليبا، أو قيل للجميع أنصار بالمعنى الأعم. وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد، كذا عنده بزيادة ياء والذي ذكره غيره أنه سعد بسكون العين ابن زيد الأشهلي، وهذا أيضا أنصاري فيحتمل أنه كان رأس الأنصار، وكان كرز أمير الجماعة. وروى الطبري وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في آثارهم، لكن إسناده ضعيف، والمعروف أن جريرا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة. والله أعلم. قوله: "فلما ارتفع" فيه حذف تقديره فأدركوا في ذلك اليوم فأخذوا، فلما ارتفع النهار جيء بهم أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسارى. قوله: "فأمر بقطع" كذا للأصيلي والمستملي والسرخسي، وللباقين فقطع أيديهم وأرجلهم، قال الداودي: يعني قطع يدي كل واحد ورجليه. قلت: ترده رواية الترمذي " من خلاف " وكذا ذكره الإسماعيلي عن الفريابي عن الأوزاعي بسنده، وللمصنف من رواية الأوزاعي أيضا: "ولم يحسمهم " أي لم يكو ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركه ينزف. قوله: "وسمرت أعينهم" تشديد الميم. وفي رواية أبي رجاء " وسمر " بتخفيف الميم ولم تختلف روايات البخاري في أنه بالراء، ووقع لمسلم من رواية عبد العزيز " وسمل " بالتخفيف واللام، قال الخطابي، السمل: فقء العين بأي شيء كان، قال أبو ذؤيب الهذلي:
والعين بعدهم كأن حداقها ... سملت بشوك فهي عور تدمع
قال: والسمر لغة في السمل ومخرجهما متقارب. قال: وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا بأميال قد أحميت. قلت: قد وقع التصريح بالمراد عند المصنف من رواية وهيب عن أيوب ومن رواية الأوزاعي عن يحيى كلاهما عن أبي قلابة ولفظه: "ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها " فهذا يوضح ما تقدم، ولا يخالف ذلك رواية السمل لأنه فقء العين بأي شيء كان كما مضى. قوله: "وألقوا في الحرة" هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة، وإنما ألقوا فيها لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا. قوله: "يستسقون فلا يسقون" زاد وهيب والأوزاعي " حتى ماتوا " وفي رواية أبي رجاء " ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا " وفي رواية شعبة عن قتادة " يعضون الحجارة " وفي الطب من رواية ثابت قال أنس " فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت " ولأبي عوانة من هذا الوجه " يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة". وزعم الواقدي أنهم صلبوا، والروايات الصحيحة ترده. لكن عند أبي عوانة من رواية أبي عقيل عن أنس " فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل اثنين " كذا ذكر ستة فقط، فإن كان محفوظا فعقوبتهم كانت موزعة. ومال جماعة منهم ابن الجوزي إلى أن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص، لما عند مسلم من حديث سليمان التيمي عن أنس " إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة " وقصر من اقتصر في غزوه للترمذي والنسائي، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن المثلة في حقهم وقعت من جهات،
(1/340)

وليس في الحديث إلا السمل فيحتاج إلى ثبوت البقية. قلت: كأنهم تمسكوا بما نقله أهل المغازي أنهم مثلوا بالراعي، وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ، قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة: هذا الحديث ينسخ كل مثله. وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ. قلت: يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه، وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة، وقد حضر الإذن ثم النهي، وروى قتادة عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود، ولموسى بن عقبة في المغازي: وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة، وإلى هذا مال البخاري، وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي، واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع، وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا وقع منه نهي عن سقيهم. انتهى. وهو ضعيف جدا لأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وسكوته كاف في ثبوت الحكم. وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره، ويدل عليه أن من ليس معه ماء إلا لطهارته ليس له أن يسقيه للمرتد ويتيمم، بل يستعمله ولو مات المرتد عطشا. وقال الخطابي: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ذلك لأنه أراد بهم الموت بذلك، وقيل: إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالعطش على من عطش آل بيته في قصة رواها النسائي فيحتمل أن يكونوا في تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يراح به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لقاحه في كل ليلة كما ذكر ذلك ابن سعد، والله أعلم قوله: "قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا" أي لأنهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها، وهذا قاله أبو قلابة استنباطا. قوله: "وقتلوا" أي الراعي كما تقدم. قوله: "وكفروا" هو في رواية سعيد عن قتادة عن أنس في المغازي، وكذا في رواية وهيب عن أيوب في الجهاد في أصل الحديث، وليس موقوفا على أبي قلابة كما توهمه بعضهم، وكذا قوله: "وحاربوا " ثبت عند أحمد من رواية حميد عن أنس في أصل الحديث: "وهربوا محاربين " وستأتي قصة أبي قلابة في هذا الحديث مع عمر بن عبد العزيز في مسألة القسامة من كتاب الديات إن شاء الله تعالى. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: قدوم الوفود على الإمام، ونظره في مصالحهم، وفيه مشروعية الطب والتداوي بألبان الإبل وأبوالها، وفيه أن كل جسد يطب بما اعتاده، وفيه قتل الجماعة بالواحد سواء قتلوه غيلة أو حرابة إن قلنا إن قتلهم كان قصاصا، وفيه المماثلة في القصاص وليس ذلك من المثلة المنهي عنها، وثبوت حكم المحاربة في الصحراء، وأما في القرى ففيه خلاف، وفيه جواز استعمال أبناء السبيل إبل الصدقة في الشرب وفي غيره قياسا عليه بإذن الإمام، وفيه العمل بقول القائف، وللعرب في ذلك المعرفة التامة.
234- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ".
[الحديث234- أطرافه في:3932,2779,2774,2771,2106,1868,429,428]
قوله: "أبو التياح" تقدم أنه بالمثناة الفوقانية ثم التحتانية المشددة وآخره مهملة، وهذا الحديث في الصلاة في مرابض الغنم تمسك به من قال بطهارة أبوالها وأبعارها، قالوا: لأنها لا تحلو من ذلك، فدل على أنهم كانوا
(1/341)

يباشرونها في صلاتهم فلا تكون نجسة، ونوزع من استدل بذلك لاحتمال الحائل، وأجيب بأنهم لم يكونوا يصلون على حائل دون الأرض، وفيه نظر لأنها شهادة نفي، لكن قد يقال إنها مستندة إلى أصل، والجواب أن في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حصير في دارهم، وصح عن عائشة أنه كان يصلي على الخمرة. وقال ابن حزم: هذا الحديث منسوخ لأن فيه أن ذلك كان قبل أن يبنى المسجد، فاقتضى أنه في أول الهجرة، وقد صح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم ببناء المساجد في الدور، وأن تطيب وتنظف، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وصححه ابن خزيمة وغيره، ولأبي داود نحوه من حديث سمرة وزاد: "وأن نطهرها " قال: وهذا بعد بناء المسجد. وما ادعاه من النسخ يقتضي الجواز ثم المنع، وفيه نظر لأن إذنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في مرابض الغنم ثابت عند مسلم من حديث جابر بن سمرة. نعم ليس فيه دلالة على طهارة المرابض، لكن فيه أيضا النهي عن الصلاة في معاطن الإبل، فلو اقتضى الإذن الطهارة لاقتضى النهي التنجيس، ولم يقل أحد بالفرق، لكن المعنى في الإذن والنهي بشيء لا يتعلق بالطهارة ولا النجاسة وهو أن الغنم من دواب الجنة والإبل خلقت من الشياطين. والله أعلم.
(1/342)

67 - باب مَا يَقَعُ مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي السَّمْنِ وَالْمَاءِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: "لاَ بَأْسَ بِالْمَاءِ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ لَوْنٌ" وَقَالَ حَمَّادٌ: "لاَ بَأْسَ بِرِيشِ الْمَيْتَةِ" وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: "فِي عِظَامِ الْمَوْتَى نَحْوَ الْفِيلِ وَغَيْرِهِ أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ سَلَفِ الْعُلَمَاءِ يَمْتَشِطُونَ بِهَا وَيَدَّهِنُونَ فِيهَا لاَ يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا" وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ: "وَلاَ بَأْسَ بِتِجَارَةِ الْعَاجِ"
قوله: "باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء" أي هل ينجسهما أم لا، أو لا ينجس الماء إلا إذا تغير دون غيره؟ وهذا الذي يظهر من مجموع ما أورده المصنف في الباب من أثر وحديث. قوله: "وقال الزهري" صله ابن وهب في جامعه عن يونس عنه، وروى البيهقي معناه من طريق أبي عمرو وهو الأوزاعي عن الزهري. قوله: "لا بأس بالماء" أي لا حرج في استعماله في كل حالة، فهو محكوم بطهارته ما لم يغيره طعم أي من شيء نجس أو ريح منه أو لون، ولفظ يونس عنه كل ما فيه قوة عما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك طعمه ولا ريحه ولا لونه فهو طاهر، ومقتضى هذا أنه لا يفرق بين القليل والكثير إلا بالقوة المانعة للملاقي أن يغير أحد أوصافه، فالعبرة عنده بالتغير وعدمه، ومذهب الزهري هذا صار إليه طوائف من العلماء، وقد تعقبه أبو عبيد في كتاب الطهور بأنه يلزم منه أن من بال في إبريق ولم يغير للماء وصفا أنه يجوز له التطهر به، وهو مستبشع، ولهذا نصر قول التفريق بالقلتين، وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في إسناده، لكن رواته ثقات. وصححه جماعة من الأئمة، إلا أن مقدار القلتين لم يتفق عليه، واعتبره الشافعي بخمس قرب من قرب الحجاز احتياطا، وخصص به حديث ابن عباس مرفوعا: "الماء لا ينجسه شيء " وهو حديث صحيح رواه الأربعة وابن خزيمة وغيرهم، وسيأتي مزيد للقول في هذا في الباب الذي بعده. وقول الزهري هذا ورد فيه حديث مرفوع قال الشافعي لا يثبت أهل الحديث مثله، لكن لا أعلم في المسألة خلافا، يعني في تنجيس الماء إذا تغير أحد أوصافه بالنجاسة، والحديث المشار إليه أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة وإسناده ضعيف وفيه اضطراب أيضا. قوله: "وقال حماد" هو
(1/342)

ابن أبي سليمان الفقيه الكوفي. قوله: "لا بأس بريش الميتة" أي ليس نجسا ولا ينجس الماء بملاقاته، سواء كان ريش مأكول أو غيره، وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن معمر عنه. قوله: "وقال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل وغيره" أي مما لا يؤكل "أدركت ناسا" أي كثيرا والتنوين للتكثير.قوله: "ويدهنون" بتشديد الدال من باب الافتعال، ويجوز ضم أوله وإسكان الدال، وهذا يدل على أنهم كانوا يقولون بطهارته، وسنذكر الخلاف فيه قريبا. قوله: "وقال ابن سيرين وإبراهيم" لم يذكر السرخسي إبراهيم في روايته ولا أكثر الرواة عن الفربري، وأثر ابن سيرين وصله عبد الرزاق بلفظ: "أنه كان لا يرى بالتجارة في العاج بأسا " وهذا يدل على أنه كان يراه طاهرا لأنه لا يجيز بيع النجس ولا المتنجس الذي لا يمكن تطهيره بدليل قصته المشهورة في الزيت. والعاج هو ناب الفيل، قال ابن سيده: لا يسمى غيره عاجا. وقال القزاز: أنكر الخليل أن يسمى غير ناب الفيل عاجا. وقال ابن فارس والجوهري: "العاج عظم الفيل، فلم يخصصاه بالناب". وقال الخطابي تبعا لابن قتيبة: "العاج الذبل وهو ظهر السلحفاء البحرية"، وفيه نظر ففي الصحاح: المسك السوار من عاج أو ذبل، فغاير بينهما. لكن قال القالي: العرب تسمى كل عظم عاجا، فإن ثبت هذا فلا حجة في الأثر المذكور على طهارة عظم الفيل، لكن إيراد البخاري له عقب أثر الزهري في عظم الفيل يدل على اعتبار ما قال الخليل. وقد اختلفوا في عظم الفيل بناء على أن العظم هل تحله الحياة أم لا، فذهب إلى الأول الشافعي، واستدل له بقوله تعالى :{قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} فهذا ظاهر في أن العظم تحله الحياة، وذهب إلى الثاني أبو حنيفة وقال بطهارة العظام مطلقا. وقال مالك: هو طاهر إن ذكى بناء على قوله إن غير المأكول يطهر بالتذكية وهو قول أبي حنيفة.
235- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ "أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ وَكُلُوا سَمْنَكُمْ" .
[الحديث235- أطرافه في: 5540,5539,5538,136]
قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أويس. قوله: "عن ميمونة" هي بنت الحارث خالة ابن عباس. قوله: "سئل عن فأرة" بهمزة ساكنة والسائل عن ذلك هي ميمونة. ووقع في رواية يحيى القطان وجويرية عن مالك في هذا الحديث: "أن ميمونة استفتت " رواه الدارقطني وغيره. قوله: "سقطت في سمن" زاد النسائي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن مالك " في سمن جامد"، وزاد المصنف في الذبائح من رواية ابن عيينة عن ابن شهاب " فماتت". قوله: "وما حولها" أي من السمن.
236- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ "خُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ" . قَالَ مَعْنٌ حَدَّثَنَا مَالِكٌ مَا لاَ أُحْصِيهِ يَقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ
قوله: "حدثنا معن" هو ابن عيسى القزاز. قوله: "خذوها وما حولها فاطرحوه" أي الجميع وكلوا الباقي كما
(1/343)

دلت عليه الرواية الأولى. قوله: "قال معن" هو قول علي بن عبد الله فهو متصل، وأبعد من قال إنه معلق، وإنما أورد البخاري كلام معن وساق حديثه بنزول - بالنسبة للإسناد الذي قبله - مع موافقته له في السياق للإشارة إلى الاختلاف على مالك في إسناده، فرواه أصحاب الموطأ عنه واختلفوا، فمنهم من ذكره عنه هكذا كيحيى بن يحيى وغيره، ومنهم من لم يذكر فيه ميمونة كالقعنبي وغيره، ومنهم من لم يذكر فيه ابن عباس كأشهب وغيره، ومنهم من لم يذكر فيه ابن عباس ولا ميمونة كيحيى بن بكير وأبي مصعب، ولم يذكر أحد منهم لفظة " جامد " إلا عبد الرحمن بن مهدي، وكذا ذكرها أبو داود الطيالسي في مسنده عن سفيان بن عيينة عن ابن شهاب، ورواه الحميدي والحفاظ من أصحاب ابن عيينة بدونها وجودوا إسناده فذكروا فيه ابن عباس وميمونة وهو الصحيح، وراوه عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب مجودا، وله فيه عن ابن شهاب إسناد آخر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولفظه: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن، قال: "إذا كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه " وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال في رواية معمر هل هذه: هي خطأ. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: إنها وهم. وأشار الترمذي إلى أنها شاذة. وقال الذهلي في الزهريات: الطريقان عندنا محفوظان، لكن طريق ابن عباس عن ميمونة أشهر. والله أعلم. وقد استشكل ابن التين إيراد البخاري كلام معن هذا مع كونه غير مخالف لرواية إسماعيل، وأجيب بأن مراده أن إسماعيل لم ينفرد بتجويد إسناده. وظهر لي وجه آخر وهو أن رواية معن المذكورة وقعت خارج الموطأ هكذا، وقد رواها في الموطأ فلم يذكر ابن عباس ولا ميمونة، كذا أخرجه الإسماعيلي وغيره من طريقه، فأشار المصنف إلى أن هذا الاختلاف لا يضر، لأن مالك كان يصله تارة ويرسله تارة، ورواية الوصل عنه مقدمة قد سمعه منه معن بن عيسى مرارا وتابعه غيره من الحفاظ. والله أعلم. "فائدة": أخذ الجمهور بحديث معمر الدال على التفرقة بين الجامد والذائب، ونقل ابن عبد البر الاتفاق على أن الجامد إذا وقعت فيه ميتة طرحت وما حولها منه إذا تحقق أن شيئا من أجزائها لم يصل إلى غير ذلك منه، وأما المائع فاختلفوا فيه، فذهب الجمهور إلى أنه ينجس كله بملاقاة النجاسة، وخالف فريق: منهم الزهري والأوزاعي، وسيأتي إيضاح ذلك في كتاب الذبائح، وكذلك مسألة الانتفاع بالدهن النجس أو المتنجس إن شاء الله تعالى. قال ابن المنير: مناسبة حديث السمن للآثار التي قبله اختيار المصنف أن المعتبر في التنجيس تغير الصفات، فلما كان ريش الميتة لا يتغير بتغيرها بالموت وكذا عظمها فكذلك السمن البعيد عن موقع الميتة إذا لم يتغير، واقتضى ذلك أن الماء إذا لاقته النجاسة ولم يتغير أنه لا يتنجس.
237- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ".
[الحديث 237- طرفاه في5533,2803]
قوله: "حدثنا أحمد بن محمد" أي ابن أبي موسى المروزي المعروف بمردويه، وعبد الله هو ابن المبارك قوله: "كل كلم" بفتح الكاف وإسكان اللام "يكلمه" بضم أوله وإسكان الكاف وفتح اللام، أي كل جرح يجرحه.
(1/344)

قوله: "في سبيل الله" قيد يخرج ما يصيب المسلم من الجراحات في غير سبيل الله، وزاد في الجهاد من طريق الأعرج عن أبي هريرة " والله أعلم بمن يكلم في سبيله " وفيه إشارة إلى أن ذلك إنما يحصل لمن خلصت نيته. قوله: "تكون كهيئتها" أعاد الضمير مؤنثا لإرادة الجراحة، ويوضحه رواية القابسي عن أبي زيد المروزي عن الفربري " كل كلمة يكلمها " وكذا هو في رواية ابن عساكر. قوله: "تفجر" بفتح الجيم المشددة وحذف التاء الأولى إذ أصله تتفجر. قوله: "والعرف" بفتح المهملة وسكون الراء الريح، والحكمة في كون الدم يأتي يوم القيامة على هيئته أنه يشهد لصاحبه بفضله وعلى ظالمه بفعله، وفائدة رائحته الطيبة أن تنتشر في أهل الموقف إظهارا لفضيلته أيضا، ومن ثم لم يشرع غسل الشهيد في المعركة. وقد استشكل إيراد المصنف لهذا الحديث في هذا الباب، فقال الإسماعيلي: هذا الحديث لا يدخل في طهارة الدم ولا نجاسته، وإنما ورد في فضل المطعون في سبيل الله. وأجيب بأن مقصود المصنف بإيراده تأكيد مذهبه في أن الماء لا يتنجس بمجرد الملاقاة ما لم يتغير، فاستدل بهذا الحديث على أن تبدل الصفة يؤثر في الموصوف، فكما أن تغير صفة الدم بالرائحة الطيبة أخرجه من الذم إلى المدح فكذلك تغير صفة الماء إذا تغير بالنجاسة يخرجه عن صفة الطهارة إلى النجاسة. وتعقب بأن الغرض إثبات انحصار التنجيس بالتغير وما ذكر يدل على أن التنجيس يحصل بالتغير وهو وفاق، لا أنه لا يحصل إلا به وهو موضع النزاع. وقال بعضهم: مقصود البخاري أن يبين طهارة المسك ردا على من يقول بنجاسته لكونه دما انعقد، فلما تغير عن الحالة المكروهة من الدم وهي الزهم وقبح الرائحة إلى الحالة الممدوحة وهي طيب رائحة المسك دخل عليه الحل وانتقل من حالة النجاسة إلى حالة الطهارة، كالخمرة إذا تخللت. وقال ابن رشيد: مراده أن انتقال الدم إلى الرائحة الطيبة هو الذي نقله من حالة الذم إلى حالة المدح، فحصل من هذا تغليب وصف واحد وهو الرائحة على وصفين وهما الطعم واللون، فيستنبط منه أنه متى تغير أحد الأوصاف الثلاثة بصلاح أو فساد تبعه الوصفان الباقيان، وكأنه أشار بذلك إلى رد ما نقل عن ربيعة وغيره أن تغير الوصف الواحد لا يؤثر حتى يجتمع وصفان، قال: ويمكن أن يستدل به على أن الماء إذا تغير ريحه بشيء طيب لا يسلبه اسم الماء، كما أن الدم لم ينتقل عن اسم الدم مع تغير رائحته إلى رائحة المسك لأنه قد سماه دما مع تغير الريح، فما دام الاسم واقعا على المسمى فالحكم تابع له. ا هـ كلامه. ويرد على الأول أنه يلزم منه أن الماء إذا كانت أوصافه الثلاثة فاسدة ثم تغيرت صفة واحدة منها إلى صلاح أنه يحكم بصلاحه كله، وهو ظاهر الفساد. وعلى الثاني أنه لا يلزم من كونه لم يسلب اسم الماء أن لا يكون موصوفا بصفة تمنع من استعماله مع بقاء اسم الماء عليه والله أعلم. وقال ابن دقيق العيد لما نقل قول من قال إن الدم لما انتقل بطيب رائحته من حكم النجاسة إلى الطهارة ومن حكم القذارة إلى الطيب لتغير رائحته حتى حكم له بحكم المسك وبالطيب للشهيد، فكذلك الماء ينتقل بتغير رائحته من الطهارة إلى النجاسة، قال: هذا ضعيف مع تكلفه.
(1/345)

68 - باب الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ
238- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ"
[الحديث238- أطرافه في: 7495,7036,68876624,3486,2956,896,876]
(1/345)

239- وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ "لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ"
قوله: "باب البول في الماء الدائم" أي الساكن، يقال دوم الطائر تدويما إذا صف جناحيه في الهواء فلم يحركهما. وفي رواية الأصيلي: "باب لا تبولوا في الماء الدائم " وهي بالمعنى. قوله: "الأعرج" كذا رواه شعيب ووافقه ابن عيينة فيما رواه الشافعي عنه عن أبي الزناد، وكذا أخرجه الإسماعيلي، ورواه أكثر أصحاب ابن عيينة عنه عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة، ومن هذا الوجه أخرجه النسائي، وكذا أخرجه أحمد من طريق الثوري عن أبي الزناد، والطحاوي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، والطريقان معا صحيحان، ولأبي الزناد فيه شيخان، ولفظهما في سياق المتن مختلف كما سنشير إليه. قوله: "نحن الآخرون السابقون" اختلف في الحكمة في تقديم هذه الجملة على الحديث المقصود، فقال ابن بطال: يحتمل أن يكون أبو هريرة سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مع ما بعده في نسق واحد فحدث بهما جميعا، ويحتمل أن يكون همام فعل ذلك لأنه سمعهما من أبي هريرة وإلا فليس في الحديث مناسبة للترجمة. قلت: جزم ابن التين بالأول، وهو متعقب، فإنه لو كان حديثا واحدا ما فصله المصنف بقوله وبإسناده، وأيضا فقوله: "نحن الآخرون السابقون " طرف من حديث مشهور في ذكر يوم الجمعة سيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى، فلو راعى البخاري ما ادعاه لساق المتن بتمامه. وأيضا فحديث الباب مروي بطرق متعددة عن أبي هريرة في دواوين الأئمة، وليس في طريق منها في أوله " نحن الآخرون السابقون"، وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي اليمان شيخ البخاري بدون هذه الجملة. وقول ابن بطال: ويحتمل أن يكون همام وهم، تبعه عليه جماعة. وليس لهمام ذكر في هذا الإسناد. وقوله إنه ليس في الحديث مناسبة للترجمة صحيح، وإن كان غيره تكلف فأبدى بينهما مناسبة كما سنذكره، والصواب أن البخاري في الغالب يذكر الشيء كما سمعه جملة لتضمنه موضع الدلالة المطلوبة منه وإن لم يكن باقيه مقصودا، كما صنع في حديث عروة البارقي في شراء الشاة كما سيأتي بيانه في الجهاد، وأمثلة ذلك في كتابه كثيرة. وقد وقع لمالك نحو هذا في الموطأ إذ أخرج في باب صلاة الصبح والعتمة متونا بسند واحد أولها " مر رجل بغصن شوك " وآخرها " لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوا " وليس غرضه منها إلا الحديث الأخير لكنه أداها على الوجه الذي سمعه. قال ابن العربي في القبس: نرى الجهال يتعبون في تأويلها، ولا تعلق للأول منها بالباب أصلا. وقال غيره: وجه المناسبة بينهما أن هذه الأمة آخر من يدفن من الأمم في الأرض وأول من يخرج منها، لأن الوعاء آخر ما يوضع فيه أول ما يخرج منه، فكذلك الماء الراكد آخر ما يقع فيه من البول أول ما يصادف أعضاء المتطهر، فينبغي أن يجتنب ذلك. ولا يخفى ما فيه. وقيل: وجه المناسبة أن بني إسرائيل وإن سبقوا في الزمان، لكن هذه الأمة سبقتهم باجتناب الماء الراكد إذا وقع البول فيه، فلعلهم كانوا لا يجتنبونه. وتعقب بأن بني إسرائيل كانوا أشد مبالغة في اجتناب النجاسة بحيث كانت النجاسة إذا أصابت جلد أحدهم قرضه، فكيف يظن بهم التساهل في هذا؟ وهو استبعاد لا يستلزم رفع الاحتمال المذكور. وما قررناه أولى. وقد وقع البخاري في كتاب التعبير - في حديث أورده من طريق همام عن أبي هريرة مثل هذا - صدره أيضا بقوله: "نحن الآخرون السابقون " قال: وبإسناده. ولا يتأتى فيه المناسبة المذكورة مع ما فيها من التكلف. والظاهر أن نسخة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة كنسخة معمر عن همام عنه، ولهذا قل حديث يوجد في هذه إلا وهو في الأخرى،
(1/346)

وقد اشتملتا على أحاديث كثيرة أخرج الشيخان غالبا وابتداء كل نسخة منهما حديث: "نحن الآخرون السابقون"، فلهذا صدر به البخاري فيما أخرجه من كل منهما، وسلك مسلم في نسخة همام طريقا أخرى فيقول في كل حديث أخرجه منها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيذكر الحديث الذي يريده يشير بذلك إلى أنه من أثناء النسخة لا أولها والله أعلم. قوله: "الذي لا يجري" قيل هو تفسير للدائم وإيضاح لمعناه، وقيل احترز به عن راكد يجري بعضه كالبرك، وقيل احترز به عن الماء الدائم لأنه جار من حيث الصورة ساكن من حيث المعنى، ولهذا لم يذكر هذا القيد في رواية أبي عثمان عن أبي هريرة التي تقدمت الإشارة إليها حيث جاء فيها بلفظ: "الراكد " بدل الدائم، وكذا أخرجه مسلم من حديث جابر. وقال ابن الإنباري: الدائم من حروف الأضداد يقال للساكن والدائر، ومنه أصاب الرأس دوام أي دوار، وعلى هذا فقوله: "الذي لا يجري " صفة مخصصة لأحد معنى المشترك، وقيل الدائم والراكد مقابلان للجاري، لكن الذي له نبع والراكد الذي لا نبع له. قوله: "ثم يغتسل" بضم اللام على المشهور. وقال ابن مالك: يجوز الجزم عطفا على يبولن لأنه مجزوم الموضع بلا الناهية، ولكنه بني على الفتح لتوكيده بالنون. ومنع ذلك القرطبي فقال: لو أراد النهي لقال ثم لا يغتسلن، فحينئذ يتساوى الأمران في النهي عنهما لأن المحل الذي تواردا عليه شيء واحد وهو الماء. قال: فعدو له عن ذلك يدل على أنه لم يرد العطف، بل نبه على مآل الحال، والمعنى أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه فيمتنع عليه استعماله. ومثله بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يضربن أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها " فإنه لم يروه أحد بالجزم، لأن المراد النهي عن الضرب لأنه يحتاج في مآل حاله إلى مضاجعتها فتمتنع لإساءته إليها فلا يحصل له مقصوده. وتقدير اللفظ ثم هو يضاجعها. وفي حديث الباب: "ثم هو يغتسل منه " وتعقب بأنه لا يلزم من تأكيد النهي أن لا يعطف عليه نهي آخر غير مؤكد، لاحتمال أن يكون للتأكيد في أحدهما معنى ليس للآخر. قال القرطبي: ولا يجوز النصب، إذ لا تضمر أن بعد ثم، وأجازه ابن مالك بإعطاء ثم حكم الواو، وتعقبه النووي بأن ذلك يقتضي أن يكون المنهي عنه الجمع بين الأمرين دون إفراد أحدهما، وضعفه ابن دقيق العيد بأنه لا يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة لفظ واحد، فيؤخذ النهي عن الجمع بينهما من هذا الحديث إن ثبتت رواية النصب، ويؤخذ النهي عن الإفراد من حديث آخر. قلت: وهو ما رواه مسلم من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن البول في الماء الراكد"، وعنده من طريق أبي السائب عن أبي هريرة بلفظ: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب " وروى أبو داود(1) النهي عنهما في حديث واحد ولفظه: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة " واستدل به بعض الحنفية على تنجيس الماء المستعمل، لأن البول ينجس الماء فكذلك الاغتسال، وقد نهى عنهما معا وهو للتحريم فيدل على النجاسة فيهما. ورد بأنها دلالة اقتران وهي ضعيفة، وعلى تقدير تسليمها فلا يلزم التسوية، فيكون النهي عن البول لئلا ينجسه، وعن الاغتسال فيه لئلا يسلبه الطهورية. ويزيد ذلك وضوحا قوله في رواية مسلم: "كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولا " فدل على أن المنع من الانغماس فيه لئلا يصير مستعملا فيمتنع على الغير الانتفاع به، والصحابي أعلم بموارد الخطاب من غيره. وهذا من أقوى الأدلة على أن المستعمل غير طهور، وقد تقدمت الأدلة
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض: وابن حبان
(1/347)

على طهارته، ولا فرق في الماء الذي لا يجري في الحكم المذكور بين بول الآدمي وغيره خلافا لبعض الحنابلة، ولا بين أن يبول في الماء أو يبول في إناء ثم يصبه فيه خلافا للظاهرية، وهذا كله محمول على الماء القليل عند أهل العلم على اختلافهم في حد القليل، وقد تقدم قول من لا يعتبر إلا التغير وعدمه، وهو قوي، لكن الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه، وقد اعترف الطحاوي من الحنفية بذلك لكنه اعتذر عن القول به بأن القلة في العرف تطلق على الكبيرة والصغيرة كالجرة، ولم يثبت من الحديث تقديرهما فيكون مجملا فلا يعمل به، وقواه ابن دقيق العيد، لكن استدل له غيرهما فقال أبو عبيد القاسم بن سلام: المراد القلة الكبيرة، إذ لو أراد الصغيرة لم يحتج لذكر العدد. فإن الصغيرتين قدر واحدة كبيرة، ويرجع في الكبيرة إلى العرف عند أهل الحجاز. والظاهر أن الشارع عليه السلام ترك تحديدهما على سبيل التوسعة، والعلم محيط بأنه ما خاطب الصحابة إلا بما يفهمون، فانتفى الإجمال، لكن لعدم التحديد وقع الخلف بين السلف في مقدارهما على تسعة أقوال حكاها ابن المنذر، ثم حدث بعد ذلك تحديدهما بالأرطال، واختلف فيه أيضا.ونقل عن مالك أنه حمل النهي على التنزيه فيما لا يتغير وهو قول الباقين في الكثير. وقال القرطبي: يمكن حمله على التحريم مطلقا على قاعدة سد الذريعة لأنه يفضي إلى تنجيس الماء. قوله: "ثم يغتسل فيه" كذا هنا. وفي رواية ابن عيينة عن أبي الزناد " ثم يغتسل منه"، وكذا لمسلم من طريق ابن سيرين، وكل من اللفظين يفيد حكما بالنص وحكما بالاستنباط قاله ابن دقيق العيد، ووجهه أن الرواية بلفظ: "فيه: "تدل على منع الانغماس بالنص وعلى منع التناول بالاستنباط، والرواية بلفظ: "منه " بعكس ذلك، وكله مبني على أن الماء ينجس بملاقاة النجاسة. والله أعلم.
(1/348)

باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد صلاته
...
69 - باب إِذَا أُلْقِيَ عَلَى ظَهْرِ الْمُصَلِّي قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ دَمًا وَهُوَ يُصَلِّي وَضَعَهُ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ: "إِذَا صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ دَمٌ أَوْ جَنَابَةٌ أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ تَيَمَّمَ صَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ الْمَاءَ فِي وَقْتِهِ لاَ يُعِيدُ".
قوله: "باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر" بفتح الذال المعجمة، أي شيء نجس "أو جيفة" أي ميتة لها رائحة. قوله: "لم تفسد" محله ما إذا لم يعلم بذلك وتمادى، ويحتمل الصحة مطلقا على قول من ذهب إلى أن اجتناب النجاسة في الصلاة ليس بفرض، وعلى قول من ذهب إلى منع ذلك في الابتداء دون ما يطرأ، وإليه ميل المصنف، وعليه يتخرج صنيع الصحابي الذي استمر في الصلاة بعد أن سالت منه الدماء برمي من رماه، وقد تقدم الحديث عن جابر بذلك في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين. قوله: "وكان ابن عمر" هذا الأثر وصله ابن أبي شيبة من طريق برد بن سنان عن نافع أنه " كان إذا كان في الصلاة فرأى في ثوبه دما فاستطاع أن يضعه وضعه، وإن لم يستطع خرج فغسله ثم جاء، فيبني على ما كان صلى". وإسناده صحيح، وهو يقتضي أنه كان يرى التفرقة بين الابتداء والدوام، وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور. وقال الشافعي وأحمد: يعيد الصلاة، وقيدها مالك بالوقت فإن خرج فلا قضاء، وفيه بحث يطول، واستدل للأولين بحديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة ثم قال: "إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرا " أخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة. وله شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه الحاكم ولم يذكر في الحديث إعادة. وهو اختيار جماعة من الشافعية.
(1/348)

وأما مسألة البناء على ما مضى فتأتي في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. قوله: "وقال ابن المسيب والشعبي" كذا للأكثر وهو الصواب، وللمستملي والسرخسي " وكان " فإن كانت محفوظة فإفراد قوله: "إذا صلى " على إرادة كل منهما، والمراد بمسألة الدم ما إذا كان بغير علم المصلي، وكذا الجنابة عند من يقول بنجاسة المني، وبمسألة القبلة ما إذا كان عن اجتهاد ثم تبين الخطأ، وبمسألة التيمم ما إذا كان غير واجد للماء، وكل ذلك ظاهر من سياق الآثار الأربعة المذكورة عن التابعيين المذكورين. وقد وصلها عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة مفرقة أوضحتها في تعليق التعليق، وقد تقدمت الإشارة إلى مسألة الدم، وأما مسألة التيمم فعدم وجوب الإعادة قول الأئمة الأربعة وأكثر السلف، وذهب جمع من التابعين - منهم عطاء وابن سيرين ومكحول - إلى وجوب الإعادة مطلقا وأما مسألة بيان الخطأ في القبلة فقال الثلاثة والشافعي في القديم: لا يعيد، وهو قول الأكثر أيضا. وقال في الجديد: تجب الإعادة، واستدل للأولين بحديث أخرجه الترمذي من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه. وقال حسن: لكن ضعفه غيره. وقال العقيلي: لا يروي من وجه يثبت. وقال ابن العربي: مستند الجديد أن خطأ المجتهد يبطل إذا وجد النص بخلافه. قال: وهذا لا يتم في هذه المسألة إلا بمكة، وأما في غيرها فلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد. وأجيب بأن هذه المسألة مصورة فيما إذا تيقن الخطأ فهو انتقال من يقين الخطأ إلى الظن القوي فليس فيه نقض اجتهاد باجتهاد، والله أعلم.
240- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ قَالَ ح و حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلاَنٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ لاَ أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ" ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ قَالَ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ ثُمَّ سَمَّى "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ" وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
[الحديث 240- أطرافه في: 3960,3854,3185,2934,520]
قوله: "حدثنا عبدان" أعاده المصنف في أواخر الجزية عنه فقال: حدثنا عبدان هو عبد الله بن عثمان، وعرفنا من سياقه هناك أن اللفظ هنا لرواية أحمد بن عثمان، وإنما قرنها برواية عبدان تقوية لها لأن في إبراهيم
(1/349)

ابن يوسف مقالا، وأحمد المذكور هو ابن عثمان من حكيم الأودي الكوفي وهو من صغار شيوخ البخاري، وله في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه النسائي عنه عن خالد بن مخلد عن علي بن صالح عن أبي إسحاق، ورجال إسناده جميعا كوفيون، وأبو إسحاق هو السبيعي، ويوسف الراوي عنه هو ابن ابنه إسحاق، وأفادت روايته التصريح بالتحديث لأبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، ولعمرو عن عبد الله، وعينت أيضا عبد الله بأنه ابن مسعود، وعمرو بن ميمون هو الأودي تابعي كبير مخضرم، أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، ثم نزل الكوفة، وهو غير عمرو بن ميمون الجزري الذي تقدم قريبا. وهذا الحديث لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإسناد أبي إسحاق هذا، وقد رواه الشيخان من طريق الثوري، والبخاري أيضا من طريق إسرائيل وزهير، ومسلم من رواية زكريا بن أبي زائدة، وكلهم عن أبي إسحاق. وسنذكر ما في اختلاف رواياتهم من الفوائد مبينا إن شاء الله تعالى. قوله: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد" بقيته من رواية عبدان المذكور " وحوله ناس من قريش من المشركين " ثم ساق الحديث مختصرا. قوله: "أن عبد الله" في رواية الكشميهني عن عبد الله. قوله: "وأبو جهل وأصحاب له" هم السبعة المدعو عليهم بعد، بينه البزار من طريق الأجلح عن أبي إسحاق. قوله: "إذ قال بعضهم" هو أبو جهل، سماه مسلم من رواية زكريا المذكورة وزاد فيه: "وقد نحرت جزور بالأمس"، والجزور من الإبل ما يجزر أي يقطع، وهو بفتح الجيم، والسلى مقصور بفتح المهملة هي الجلدة التي يكون فيها الولد يقال لها ذلك من البهائم، وأما من الآدميات فالمشيمة، وحكى صاحب المحكم أنه يقال فيهن أيضا سلى. قوله: "فيضعه" زاد في رواية إسرائيل " فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها ثم يمهله حتى يسجد". قوله: "فانبعث أشقى القوم" للكشميهني والسرخسي " أشقى قوم " بالتنكير ففيه مبالغة، لكن المقام يقتضي الأول، لأن الشقاء هنا بالنسبة إلى أولئك الأقوام فقط كما سنقرره بعد، وهو عقبة بن أبي معيط بمهملتين مصغرا سماه شعبة، وفي سياقه عند المصنف اختصار يوهم أنه فعل ذلك ابتداء. وقد ساقه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة نحو رواية يوسف هذه وقال فيه: فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهره. قوله: "لا أغنى" كذا للأكثر، وللكشميهني والمستملي: "لا أغير"، ومعناهما صحيح، أي لا أغنى في كف شرهم، أو لا أغير شيئا من فعلهم. قوله: "لو كانت لي منعة" قاله النووي: المنعة بفتح النون القوة، قال وحكى الإسكان وهو ضعيف. وجزم القرطبي بسكون النون قال: ويجوز الفتح على أنه جمع مانع ككاتب وكتبة، وقد رجح القزاز والهروي الإسكان في المفرد، وعكس ذلك صاحب إصلاح المنطق وهو معتمد النووي قال: وإنما قال ذلك لأنه لم يكن له بمكة عشيرة، لكونه هذليا حليفا وكان حلفاؤه إذ ذاك كفارا. وفي الكلام حذف تقديره: لطرحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصرح به مسلم في رواية زكريا، وللبزار " فأنا أرهب - أي أخاف - منهم". قوله: "ويحيل بعضهم" كذا هنا بالمهملة من الإحالة، والمراد أن بعضهم ينسب فعل ذلك إلى بعض بالإشارة تهكما، ويحتمل أن يكون من حال يحيل بالفتح إذا وثب على ظهر دابته، أي يثب بعضهم على بعض من المرح والبطر، ولمسلم من رواية زكريا " ويميل " بالميم، أي من كثرة الضحك، وكذا للمصنف من رواية إسرائيل. قوله: "فاطمة" هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، زاد إسرائيل " وهي جويرية، فأقبلت تسعى، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا". قوله: "فطرحته" كذا للأكثر، وللكشميهني بحذف المفعول، زاد إسرائيل " وأقبلت عليهم تشتمهم " زاد البزار " فلم يردوا عليها شيئا". قوله: "فرفع رأسه" زاد البزار من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق " فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
(1/350)

أما بعد اللهم " قال البزار: تفرد بقوله: "أما بعد " زيد. قوله: "ثم قال" شعر بمهلة بين الرفع والدعاء، وهو كذلك، ففي رواية الأجلح عند البزار " فرفع رأسه كما كان يرفعه عند تمام سجوده، فلما قضى صلاته قال: "اللهم " ولمسلم والنسائي نحوه، والظاهر منه أن الدعاء المذكور وقع خارج الصلاة، لكن وقع وهو مستقبل الكعبة كما ثبت من رواية زهير عن أبي إسحاق عند الشيخين. قوله: "عليك بقريش" أي بإهلاك قريش، والمراد الكفار منهم أو من سمى منهم، فهو عام أريد به الخصوص. قوله: "ثلاث مرات" كرره إسرائيل في روايته لفظا لا عددا، وزاد مسلم في رواية زكريا " وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا". قوله: "فشق عليهم" ولمسلم من رواية زكريا " فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته". قوله: "وكانوا يرون" بفتح أوله في روايتنا من الرأي أي يعتقدون، وفي غيرها بالضم أي يظنون، والمراد بالبلد مكة. ووقع في مستخرج أبي نعيم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري " في الثالثة " بدل قوله في ذلك البلد، ويناسبه قوله: "ثلاث مرات " ويمكن أن يكون ذلك مما بقي عندهم من شريعة إبراهيم عليه السلام. قوله: "ثم سمى" أي فصل من أجمل. قوله: "بأبي جهل" في رواية إسرائيل بعمرو بن هشام وهو اسم أبي جهل، فلعله سماه وكناه معا. قوله: "والوليد بن عتبة" هو ولد المذكور بعد أبي جهل، ولم تختلف الروايات في أنه بعين مهملة بعدها مثناة ساكنة ثم موحدة، لكن عند مسلم من رواية زكريا بالقاف بدل المثناة، وهو وهم قديم نبه عليه ابن سفيان الراوي عن مسلم، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق شيخ مسلم على الصواب. قوله: "وأمية بن خلف" في رواية شعبة " أو أبي بن خلف " شك شعبة، وقد ذكر المصنف الاختلاف فيه عقيب رواية الثوري في الجهاد وقال: الصحيح أمية، لكن وقع عنده هناك " أبي بن خلف " وهو وهم معه أو من شيخه أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة إذ حدثه فقد رواه شيخه أبو بكر في مسنده فقال: "أمية " وكذا رواه مسلم عن أبي بكر والإسماعيلي وأبو نعيم من طريق أبي بكر كذلك وهو الصواب، وأطبق أصحاب المغازي على أن المقتول ببدر أمية، وعلى أن أخاه أبيا قتل بأحد، وسيأتي في المغازي قتل أمية ببدر إن شاء الله تعالى. قوله: "وعد السابع فلم نحفظه" وقع في روايتنا بالنون وهي للجمع، وفي غيرها بالياء التحتانية. قال الكرماني فاعل عد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ابن مسعود وفاعل " فلم نحفظه " ابن مسعود أو عمرو ابن ميمون قلت: ولا أدري من أين تهيأ له الجزم بذلك مع أن في رواية الثوري عند مسلم ما يدل على أن فاعل " فلم نحفظه " أبو إسحاق ولفظه: "قال أبو إسحاق ونسيت السابع"، وعلى هذا ففاعل عد عمرو بن ميمون، على أن أبا إسحاق قد تذكره مرة أخرى فسماه عمارة بن الوليد، كذا أخرجه المصنف في الصلاة من رواية إسرائيل عن ابن إسحاق، وسماع إسرائيل من أبي إسحاق في غاية الإتقان للزومه إياه لأنه جده، وكان خصيصا به، قال عبد الرحمن بن مهدي: ما فاتني الذي فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق إلا اتكالا على إسرائيل، لأنه كان يأتي به أتم. وعن إسرائيل قال: كنت أحفظ حديث أبي إسحاق كما احفظ سورة الحمد، واستشكل بعضهم عد عمارة بن الوليد في المذكورين لأنه لم يقتل ببدر بل ذكر أصحاب المغازي أنه مات بأرض الحبشة، وله قصة من النجاشي إذ تعرض لامرأته فأمر النجاشي ساحرا فنفخ في إحليل عمارة من سحره عقوبة له فتوحش وصار مع البهائم إلى أن مات في خلافة عمر وقصته مشهورة. والجواب أن كلام ابن مسعود في أنه رآهم صرعى في القليب محمول على الأكثر، ويدل عليه أن عقبة بن أبي معيط لم يطرح في القليب وإنما قتل صبرا بعد أن رحلوا عن بدر مرحلة، وأمية بن خلف لم يطرح في القليب كما هو بل
(1/351)

مقطعا كما سيأتي، وسيأتي في المغازي كيفية مقتل المذكورين ببدر وزيادة بيان في أحوالهم إن شاء الله تعالى. قوله: "قال" أي ابن مسعود، والمراد باليد هنا القدرة. وفي رواية مسلم: "والذي بعث محمدا بالحق " وللنسائي: "والذي أنزل عليه الكتاب " وكأن عبد الله قال ذلك تأكيدا. قوله: "صرعى في القليب" في رواية إسرائيل " لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأتبع أصحاب القليب لعنة " وهذا يحتمل أن يكون من تمام الدعاء الماضي، فيكون فيه علم عظيم من أعلام النبوة، ويحتمل أن يكون قاله النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ألقوا في القليب، وزاد شعبة في روايته: "إلا أمية فإنه تقطعت أوصاله " زاد: "لأنه كان بادنا"، قال العلماء: وإنما أمر بإلقائهم فيه لئلا يتأذى الناس بريحهم، وإلا فالحربي لا يجب دفنه، والظاهر أن البئر لم يكن فيها ماء معين. قوله: "قليب بدر" بالجر على البدلية، والقليب بفتح القاف وآخره موحدة هو البئر التي لم تطو وقيل العادية القديمة التي لا يعرف صاحبها. "فائدة": روى هذا الحديث ابن إسحاق في المغازي قال: حدثني الأجلح عن أبي إسحاق فذكر هذا الحديث، وزاد في آخره قصة أبي البختري مع النبي صلى الله عليه وسلم في سؤاله إياه عن القصة، وضرب أبي البختري أبا جهل وشجه إياه، والقصة مشهورة في السيرة، وأخرجها البزار من طريق أبي إسحاق وأشار إلى تفرد الأجلح بها عن أبي إسحاق، وفي الحديث تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار، وما ازدادت عند المسلمين إلا تعظيما. وفيه معرفة الكفار بصدقه صلى الله عليه وسلم لخوفهم من دعائه، ولكن حملهم الحسد على ترك الانقياد له، وفيه حلمه صلى الله عليه وسلم عمن آذاه، ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث أن ابن مسعود قال: لم أره دعا عليهم إلا يومئذ. وإنما استحقوا الدعاء حينئذ لما أقدموا عليه من الاستخفاف به صلى الله عليه وسلم حال عبادة ربه. وفيه استحباب الدعاء ثلاثا، وقد تقدم في العلم استحباب السلام ثلاثا وغير ذلك. وفيه جواز الدعاء على الظالم، لكن قال بعضهم: محله ما إذا كان كافرا، فأما المسلم فيستحب الاستغفار له والدعاء بالتوبة، ولو قيل: لا دلالة فيه على الدعاء على الكافر لما كان بعيدا لاحتمال أن يكون اطلع صلى الله عليه وسلم على أن المذكورين لا يؤمنون، والأولى أن يدعي لكل حي بالهداية. وفيه قوة نفس فاطمة الزهراء من صغرها، لشرفها في قومها ونفسها، لكونها صرخت بشتمهم وهم رءوس قريش، فلم يردوا عليها. وفيه أن المباشرة آكد من السبب والإعانة لقوله في عقبة " أشقى القوم " مع أنه كان فيهم أبو جهل وهو أشد منه كفرا وأذى للنبي صلى الله عليه وسلم لكن الشقاء هنا بالنسبة إلى هذه القصة لأنهم اشتركوا في الأمر والرضا وانفرد عقبة بالمباشرة فكان أشقاهم، ولهذا قتلوا في الحرب وقتل هو صبرا. واستدل به على أن من حدث له في صلاته ما يمنع انعقادها ابتداء لا تبطل صلاته ولو تمادى، وعلى هذا ينزل كلام المصنف، فلو كانت نجاسة فأزالها في الحال ولا أثر لها صحت اتفاقا، واستدل به على طهارة فرث ما يؤكل لحمه، وعلى أن إزالة النجاسة ليست بفرض وهو ضعيف، وحمله على ما سبق أولى. وتعقب الأول بأن الفرث لم يفرد بل كان مع الدم كما في رواية إسرائيل، والدم نجس اتفاقا. وأجيب بأن الفرث والدم كانا داخل السلى وجلدة السلى الظاهرة طاهرة فكان كحمل القارورة المرصصة. وتعقب بأنها ذبيحة وثنى، فجميع أجزائها نجسة لأنها ميتة، وأجيب بأن ذلك كان قبل التعبد بتحريم ذبائحهم، وتعقب بأنه يحتاج إلى تاريخ ولا يكفي فيه الاحتمال. وقال النووي: الجواب المرضي أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم ما وضع على ظهره، فاستمر في سجوده استصحابا لأصل الطهارة. وتعقب بأنه يشكل على قولنا بوجوب الإعادة في مثل هذه الصورة.وأجاب بأن الإعادة إنما تجب في الفريضة. فإن ثبت أنها فريضة فالوقت موسع فلعله أعاد. وتعقب بأنه لو أعاد لنقل ولم
(1/352)

ينقل، وبأن الله تعالى لا يقره على التمادي في صلاة فاسدة. وقد تقدم أنه خلع نعليه وهو في الصلاة لأن جبريل أخبره أن فيهما قذرا، ويدل على أنه علم بما ألقى على ظهره أن فاطمة ذهبت به قبل أن يرفع رأسه، وعقب هو صلاته بالدعاء عليهم، والله أعلم.
(1/353)

3 - باب الْبُزَاقِ وَالْمُخَاطِ وَنَحْوِهِ فِي الثَّوْبِ
قَالَ عُرْوَةُ عَنْ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ حُدَيْبِيَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَمَا تَنَخَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلاَّ وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ
241- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَزَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ طَوَّلَهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[الحديث241-أطرافه 1214,822,532,531,417,413,412,405]
قوله: "باب البصاق" كذا في روايتنا، وللأكثر بالزاي وهي لغة فيه، وكذا السين وضعفت. قوله: "في الثوب" أي والبدن ونحوه، ودخول هذا في أبواب الطهارة من جهة أنه لا يفسد الماء لو خالطه. قوله: "وقال عروة" هو ابن الزبير، ومروان هو ابن الحكم، وأشار بهذا التعليق إلى الحديث الطويل في قصة الحديبية، وسيأتي بتمامه في الشروط من طريق الزهري عن عروة، وقد علق منه موضعا آخر كما مضى في باب استعمال فضل وضوء الناس. قوله: "فذكر الحديث" يعني وفيه: "وما تنخم"، وغفل الكرماني فظن أن قوله: "وما تنخم. إلخ " حديث آخر فجوز أن يكون الراوي ساق الحديثين سوقا واحدا، أو يكون أمر التنخم وقع بالحديبية. انتهى. ولو راجع الموضع الذي ساق المصنف فيه الحديث تاما لظهر له الصواب. والنخامة بالضم هي النخاعة كذا في المجمل والصحاح، وقيل بالميم ما يخرج من الفم، وبالعين ما يخرج من الحلق. والغرض من هذا الاستدلال على طهارة الريق ونحوه. وقد نقل بعضهم فيه الإجماع، لكن روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي أنه ليس بطاهر. وقال ابن حزم: صح عن سليمان الفارسي وإبراهيم النخعي أن اللعاب نجس إذا فارق الفم. قوله: "حدثنا محمد بن يوسف" هو الفريابي، وسفيان هو الثوري. وقد روى أبو نعيم في مستخرجه هذا الحديث من طريق الفريابي وزاد في آخره: "وهو في الصلاة". قوله: "طوله ابن أبي مريم" هو سعيد بن الحكم المصري أحد شيوخ البخاري، نسب إلى جده. وأفادت روايته تصريح حميد بالسماع له من أنس، خلافا لما روى يحيى القطان عن حماد بن سلمة أنه قال: حديث حميد عن أنس في البزاق إنما سمعه من ثابت عن أبي نضرة، فظهر أن حميدا لم يدلس فيه. ومفعول سمعت الثاني محذوف للعلم به، والمراد أنه كالمتن الذي قبله مع زيادات فيه. وقد وقع مطولا أيضا عند المصنف في الصلاة كما سيأتي في باب حك البزاق باليد في المسجد.
(1/353)

- باب لاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ وَلاَ الْمُسْكِرِ.وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ
وَقَالَ: عَطَاءٌ التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَاللَّبَنِ
(1/353)

72 - باب غَسْلِ الْمَرْأَةِ أَبَاهَا الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: "امْسَحُوا عَلَى رِجْلِي فَإِنَّهَا مَرِيضَةٌ"
243- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وَسَأَلَهُ النَّاسُ وَمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَحَدٌ بِأَيِّ شَيْءٍ دُووِيَ جُرْحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي كَانَ عَلِيٌّ يَجِيءُ
(1/354)

بِتُرْسِهِ فِيهِ مَاءٌ وَفَاطِمَةُ تَغْسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ فَأُخِذَ حَصِيرٌ فَأُحْرِقَ فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ".
[الحديث243- أطرافه في:5722,5248,4075,3037,2911,2903]
قوله: "باب غسل المرأة أباها" نصوب على المفعولية، والدم منصوب على الاختصاص، أو على البدل، وهو إما اشتمال أو بعض من كل. ووقع في رواية ابن عساكر: "غسل المرأة الدم عن وجه أبيها " وهو بالمعنى. قوله: "عن وجهه" في رواية الكشميهني: "من وجهه " و " عن " في رواية غيره إما بمعنى من أو ضمن الغسل معنى الإزالة، وهذه الترجمة معقودة لبيان أن إزالة النجاسة ونحوها يجوز الاستعانة فيها كما تقدم في الوضوء، وبهذا يظهر مناسبة أثر أبي العالية لحديث سهل. قوله: "وقال أبو العالية" هو الرياحي بكسر الراء وياء تحتانية، وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن معمر عن عاصم بن سليمان قال: دخلنا على أبي العالية وهو وجع فوضوؤه، فلما بقيت إحدى رجليه قال: امسحوا على هذه فإنها مريضة، وكان بها حمرة. وزاد ابن أبي شيبة: "إنها كانت معصوبة". قوله: "حدثنا محمد" قال أبو علي الجياني: لم ينسبه أحد من الرواة، وهو عندي ابن سلام. قلت: وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج. وقد وقع في رواية ابن عساكر: "حدثنا محمد يعني ابن سلام ": قوله: "وسأله الناس" جملة حالية، وأراد بقوله: "وما بيني وبينه أحد " أي عند السؤال، ليكون دل على صحة سماعه لقربه منه. قوله: "دوى" بضم الدال على البناء للمجهول، وحذفت إحدى الواوين في الكتابة كداود. قوله: "ما بقي أحد" إنما قال ذلك لأنه كان آخر من بقي من الصحابة بالمدينة كما صرح به المصنف في النكاح في روايته عن قتيبة عن سفيان، ووقع في رواية الحميدي عن سفيان " اختلف الناس بأي شيء دوى جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي ذكر سبب هذا الجرح وتسمية فاعله في المغازي في وقعة أحد إن شاء الله تعالى. وكان بينها وبين تحديث سهل بذلك أكثر من ثمانين سنة. قوله: "فأخذ" بضم الهمزة على البناء للمجهول، وله في الطب " فلما رأت فاطمة الدم يزيد على الماء كثرة عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على الجرح فرقأ الدم " وفي هذا الحديث مشروعية التداوي، ومعالجة الجراح، واتخاذ الترس في الحرب، وأن جميع ذلك لا يقدح في التوكل لصدوره من سيد المتوكلين. وفيه مباشرة المرأة لأبيها، وكذلك لغيره من ذوي محارمها، ومداواتها لأمراضهم، وغير ذلك مما يأتي الكلام عليه في المغازي إن شاء الله تعالى.
(1/355)

اخت مسلمة
06-09-2009, 04:45 AM
73 - باب السِّوَاكِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِتُّ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَنَّ
244- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهُ يَسْتَنُّ بِسِوَاكٍ بِيَدِهِ يَقُولُ أُعْ أُعْ وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ كَأَنَّه يَتَهَوَّعُ
قوله: "باب السواك" هو بكسر السين على الأفصح، ويطلق على الآلة وعلى الفعل وهو المراد هنا. قوله: "وقال ابن عباس" هذا التعليق سقط من رواية المستملي، وهو طرف من حديث طويل في قصة مبيت ابن عباس عند خالته ميمونة ليشاهد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، وقد وصله المؤلف من طرق: منها بلفظه هذا في تفسير آل عمران واقتضى كلام عبد الحق أنه بهذا اللفظ من أفراد مسلم وليس بجيد قوله: "عن أبي بردة" هو ابن أبي موسى الأشعري. قوله: "يستن" بفتح أوله وسكون المهملة وفتح المثناة وتشديد النون من السن بالكسر أو الفتح إما
(1/355)

لأن السواك يمر على الأسنان، أو لأنه يسنها أي يحددها. قوله: "يقول" أي النبي صلى الله عليه وسلم، أو السواك مجازا. قوله: "أع أع" بضم الهمزة وسكون المهملة، كذا في رواية أبي ذر، وأشار ابن التين إلى أن غيره رواه بفتح الهمزة، ورواه النسائي وابن خزيمة عن أحمد بن عبدة عن حماد بتقديم العين على الهمزة، وكذا أخرجه البيهقي من طريق إسماعيل القاضي عن عارم - وهو أبو النعمان - شيخ البخاري فيه، ولأبي داود بهمزة مكسورة ثم هاء، وللجوزقي بخاء معجمة بدل الهاء، والرواية الأولى أشهر، وإنما اختلف الرواة لتقارب مخارج هذه الأحرف، كلها ترجع إلى حكاية صوته إذ جعل السواك على طرف لسانه كما عند مسلم، والمراد طرفه الداخل كما عند أحمد " يستن إلى فوق " ولهذا قال هنا " كأنه يتهوع " والتهوع التقيؤ، أي له صوت كصوت المتقيئ على سبيل المبالغة. ويستفاد منه مشروعية السواك على اللسان طولا، أما الأسنان فالأحب فيها أن تكون عرضا، وفيه حديث مرسل عند أبي داود، وله شاهد موصول عند العقيلي في الضعفاء وفيه تأكيد السواك وأنه لا يختص بالأسنان، وأنه من باب التنظيف والتطيب لا من باب إزالة القاذورات، لكونه صلى الله عليه وسلم لم يختف به، وبوبوا عليه " استياك الإمام بحضرة رعيته".
245- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ"
[الحديث245- طرفاهفي:1136,889]
قوله: "عن حذيفة" هو ابن اليمان، والإسناد كله كوفيون. قوله: "يشوص" بضم المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة، والشوص بالفتح الغسل والتنظيف، كذا في الصحاح. وفي المحكم الغسل عن كراع والتنقية عن أبي عبيد والدلك عن ابن الإنباري، وقيل الإمرار على الأسنان من أسفل إلى فوق، واستدل قائله بأنه مأخوذ من الشوصة وهي ريح ترفع القلب عن موضعه، عكسه الخطابي فقال: هو دلك الأسنان بالسواك أو الأصابع عرضا، قال ابن دقيق العيد: فيه استحباب السواك عند القيام من النوم لأن النوم مقتض لتغير الفم لما يتصاعد إليه من أبخرة المعدة، والسواك آلة تنظيفه فيستحب عند مقتضاه، قال: وظاهر قوله: "من الليل " عام في كل حالة، ويحتمل أن يخص بما إذا قام إلى الصلاة. قلت: ويدل عليه رواية المصنف في الصلاة بلفظ: "إذا قام للتهجد " ولمسلم نحوه، وحديث ابن عباس يشهد له، وكأن ذلك هو السر في ذكره في الترجمة. وقد ذكر المصنف كثيرا من أحكام السواك في الصلاة وفي الصيام كما ستأتي في أماكنها إن شاء الله تعالى.
.
(1/356)

3 - باب دَفْعِ السِّوَاكِ إِلَى الأَكْبَرِ
246- وَقَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "أَرَانِي أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ فَجَاءَنِي رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ الْآخَرِ فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا فَقِيلَ لِي كَبِّرْ فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ مِنْهُمَا" قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ اخْتَصَرَهُ نُعَيْمٌ عَنْ ابْن الْمُبَارَكِ عَنْ أُسَامَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
قوله: "باب دفع السواك إلى الأكبر" وقال عفان قال الإسماعيلي: أخرجه البخاري بلا رواية. قلت: وقد وصله أبو عوانة في صحيحه عن محمد بن إسحاق الصغاني وغيره عن عفان، وكذا أخرجه أبو نعيم والبيهقي من طريقه.
(1/356)

قوله: "أراني" بفتح الهمزة من الرؤية، ووهم من ضمها. وفي رواية المستملي: "رآني " بتقديم الراء والأول أشهر، ولمسلم من طريق علي بن نصر الجهضمي عن صخر " أراني في المنام " وللإسماعيلي: "رأيت في المنام " فعلى هذا فهو من الرؤيا. قوله: "فقيل لي" قائل ذلك له جبريل عليه السلام كما سيذكر من رواية ابن المبارك. قوله: "كبر" أي قدم الأكبر في السن. قوله: "قال أبو عبد الله" أي البخاري "اختصره" أي المتن "نعيم" هو ابن حماد، وأسامة هو ابن زيد الليثي المدني، ورواية نعيم هذه وصلها الطبراني في الأوسط عن بكر بن سهل عنه بلفظ: "أمرني جبريل أن أكبر " ورويناها في الغيلانيات من رواية أبي بكر الشافعي عن عمر بن موسى عن نعيم بلفظ: "أن أقدم الأكابر " وقد رواه جماعة من أصحاب ابن المبارك عنه بغير اختصار أخرجه أحمد والإسماعيلي والبيهقي عنهم بلفظ: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن، فأعطاه أكبر القوم، ثم قال: إن جبريل أمرني أن أكبر"، وهذا يقتضي أن تكون القضية وقعت في اليقظة. ويجمع بينه وبين رواية صخر أن ذلك لما وقع في اليقظة أخبرهم صلى الله عليه وسلم بما رآه في النوم تنبيها على أن أمره بذلك بوحي متقدم، فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض. ويشهد لرواية ابن المبارك ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان، فأوحى إليه أن أعط السواك الأكبر " قال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام. وقال المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقدم الأيمن، وهو صحيح، وسيأتي الحديث فيه في الأشربة، وفيه أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه، إلا أن المستحب أن يغسله ثم يستعمله، وفيه حديث عن عائشة في سنن أبي داود قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني السواك لأغسله فأبدأ به فأستاك ثم أغسله ثم أدفعه إليه " وهذا دال على عظيم أدبها وكبير فطنتها، لأنها لم تغسله ابتداء حتى لا يفوتها الاستشفاء بريقه صلى الله عليه وسلم، ثم غسلته تأدبا وامتثالا. ويحتمل أن يكون المراد بأمرها بغسله تطييبه وتليينه بالماء قبل أن يستعمله، والله أعلم.
(1/357)

- باب فَضْلِ مَنْ بَاتَ عَلَى الْوُضُوءِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغْتُ اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ قُلْتُ وَرَسُولِكَ قَالَ "لاَ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ"
[الحديث247- أطرافه في:7488,6315,6313,6311]
قوله: "باب فضل من بات على الوضوء" ولغير أبي ذر على وضوء(1). قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن
ـــــــ
(1)في شرح القسطلاني"باب من بات على الوضوء" بالألف واللام ولأبي ذر وأبي الوقت والأصيلي "وضوء" بالتنكير
(1/357)

المبارك، وسفيان هو الثوري، ومنصور هو ابن المعتمر. أن يكون مخصوصا بمن كان محدثا. ووجه مناسبته للترجمة من قوله: "فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة " والمراد بالفطرة السنة. وقد روى هذا الحديث الشيخان وغيرهما من طرق عن البراء، وليس فيها ذكر الوضوء إلا في هذه الرواية، وكذا قال الترمذي. وقد ورد في الباب حديث عن معاذ بن جبل أخرجه أبو داود، وحديث عن على أخرجه البزار، وليس واحد منهما على شرط البخاري، وسيأتي الكلام على فوائد هذا المتن في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى. قوله: "واجعلهن آخر ما تقول" في رواية الكشميهني: "من آخر " وهي تبين أنه لا يمتنع أن يقول بعدهن شيئا مما شرع من الذكر عند النوم. قوله: "قال لا ونبيك الذي أرسلت" قال الخطابي: فيه حجة لمن منع رواية الحديث على المعنى، قال: ويحتمل أن يكون أشار بقوله: "ونبيك " إلى أنه كان نبيا قبل أن يكون رسولا، أو لأنه ليس في قوله: "ورسولك الذي أرسلت " وصف زائد بخلاف قوله: "ونبيك الذي أرسلت " وقال غيره ليس فيه حجة على منع ذلك، لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي، ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى، فكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحا وإن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة، أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ وتقدير الثواب، فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان يرادفه في الظاهر، أو لعله أوحى إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده، أو ذكره احترازا ممن أرسل من غير نبوه كجبريل وغيره من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء، فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس، أو لأن لفظ النبي أمدح من لفظ الرسول لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي فإنه لا اشتراك فيه عرفا، وعلى هذا فقول من قال كل رسول نبي من غير عكس لا يصح إطلاقه. وأما من استدل به على أنه لا يجوز إبدال لفظ قال نبي الله مثلا في الرواية بلفظ قال رسول الله وكذا عكسه ولو أجزنا الرواية بالمعنى فلا حجة فيه، وكذا لا حجة فيه لمن أجاز الأول دون الثاني لكون الأول أخص من الثاني، لأنا نقول: الذات المخبر عنها في الرواية واحدة فبأي وصف وصفت به تلك الذات من أوصافها اللائقة بها علم القصد بالمخبر عنه ولو تباينت معاني الصفات، كما لو أبدل اسما بكنية أو كنية باسم، فلا فرق بين أن يقول الراوي مثلا عن أبي عبد الله البخاري أو عن محمد بن إسماعيل البخاري، وهذا بخلاف ما في حديث الباب فإنه يحتمل ما تقدم من الأوجه التي بيناها من إرادة التوقيف وغيره والله أعلم. "تنبيه": النكتة في ختم البخاري كتاب الوضوء بهذا الحديث من جهة أنه آخر وضوء أمر به المكلف في اليقظة، ولقوله في نفس الحديث: "واجعلهن آخر ما تقول " فأشعر ذلك بختم الكتاب والله الهادي للصواب. "خاتمة": اشتمل كتاب الوضوء وما معه من أحكام المياه والاستطابة من الأحاديث المرفوعة على مائة وأربعة وخمسين حديثا، الموصول منها مائة وستة عشر حديثا، والمذكور منها بلفظ المتابعة وصيغة التعليق ثمانية وثلاثون حديثا، فالمكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة وسبعون حديثا، والخالص منها أحد وثمانون حديثا، ثلاثة منها معلقة والبقية موصولة وافقه مسلم على تخريجها سوى تسعة عشر حديثا وهي الثلاثة المعلقة وحديث ابن عباس في صفة الوضوء وحديثه توضأ مرة مرة وحديث أبي هريرة ابغني أحجارا وحديث ابن مسعود في الحجرين والروثة
ـــــــ
(1) الرواية التى شرح عليها القسطلاني "واجعلهن آخر ما تتكلم به"
(1/358)

وحديث عبد الله بن زيد في الوضوء مرتين مرتين وحديث أنس في ادخار شعر النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي هريرة في الرجل الذي سقى الكلب وحديث السائب بن يزيد في خاتم النبوة وحديث سعد وعمر في المسح على الخفين وحديث عمرو بن أمية فيه وحديث سويد بن النعمان في المضمضة من السويق وحديث أنس إذا نعس في الصلاة فليتم وحديث أبي هريرة في قصة الذي بال في المسجد وحديث ميمونة في فأرة سقطت في سمن وحديث أنس في البزاق في الثوب وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين ثمانية وأربعون أثرا الموصول منها ثلاثة والبقية معلقة. والله أعلم.
(1/359)

كتاب الغسل
مدخل
...
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة6] وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء43]
قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الغسل" كذا في روايتنا بتقديم البسملة. وللأكثر بالعكس، وقد تقدم توجيهه ذلك، وحذفت البسملة من رواية الأصيلي وعنده " باب الغسل " وهو يضم الغين اسم للاغتسال، وقيل إذا أريد به الماء فهو مضموم، وأما المصدر فيجوز فيه الضم والفتح حكاه ابن سيده وغيره، وقيل المصدر بالفتح والاغتسال بالضم، وقيل الغسل بالفتح فعل المغتسل وبالضم الماء الذي يغتسل به وبالكسر ما يجعل مع الماء كالأشنان. وحقيقة الغسل جريان الماء على الأعضاء. واختلف في وجوب الدلك فلم يوجبه الأكثر، ونقل عن مالك والمزني وجوبه، واحتج ابن بطال بالإجماع على وجوب إمرار اليد على أعضاء الوضوء عند غسلها قال: فيجب ذلك في الغسل قياسا لعدم الفرق بينهما. وتعقب بأن جميع من لم يوجب الدلك أجازوا غمس اليد في الماء للمتوضئ من غير إمرار فبطل الإجماع وانتفت الملازمة. قوله: "وقول الله تعالى :{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} قال الكرماني: غرضه بيان أن وجوب الغسل على الجنب مستفاد من القرآن. قلت: وقدم الآية التي من سورة المائدة على الآية التي من سورة النساء لدقيقة، وهي أن لفظ التي في المائدة {فَاطَّهَّرُوا} ففيها إجمال، ولفظ التي في النساء {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} ففيها تصريح بالاغتسال وبيان للتطهير المذكور، ودل على أن المراد بقوله تعالى {فَاطَّهَّرُوا} فاغتسلوا قوله تعالى في الحائض {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي اغتسلن اتفاقا،
(1/359)

ودلت آية النساء على أن استباحة الجنب الصلاة - وكذا اللبث في المسجد - يتوقف على الاغتسال، وحقيقة الاغتسال غسل جميع الأعضاء مع تمييز ما للعبادة عما للعادة بالنية.
(1/360)

1 - باب الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ
248- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ".
[الحديث248- طرفاهفي: 272,262]
قوله: "باب الوضوء قبل الغسل" أي استحبابه. قال الشافعي رحمه الله في الأم: فرض الله تعالى الغسل مطلقا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شيء، فكيفما جاء به المغتسل أجزأه إذا أتى بغسل جميع بدنه. والاختيار في الغسل ما روت عائشة. ثم روى حديث الباب عن مالك بسنده، وهو في الموطأ كذلك، قال ابن عبد البر هو من أحسن حديث روى في ذلك. قلت: وقد رواه عن هشام وهو ابن عروة جماعة من الحفاظ غير مالك كما سنشير إليه. قوله: "كان إذا اغتسل" أي شرع في الفعل، و " من " في قوله: "من الجنابة " سببية. قوله: "بدأ فغسل يديه" يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر، وسيأتي في حديث ميمونة تقوية ذلك. ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم، ويدل عليه زيادة ابن عيينة في هذا الحديث عن هشام " قبل أن يدخلهما في الإناء " رواه الشافعي والترمذي، وزاد أيضا: "ثم يغسل فرجه"، وكذا لمسلم من رواية أبي معاوية، ولأبي داود من رواية حماد بن زيد كلاهما عن هشام، وهي زيادة جليلة، لأن بتقديم غسله يحصل الأمن من مسه في أثناء الغسل. قوله: "كما يتوضأ صلاة" فيه احتراز عن الوضوء اللغوي، ويحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغسل سنة مستقلة بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع بقية الجسد في الغسل، ويحتمل أن يكتفي بغسلها في الوضوء عن إعادته، وعلى هذا فيحتاج إلى نية غسل الجنابة في أول عضو، وإنما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفا لها ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى، وإلى هذا جنح الداودي شارح المختصر من الشافعية فقال: يقدم غسل أعضاء وضوئه على ترتيب الوضوء، لكن بنية غسل الجنابة. ونقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل، وهو مردود، فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث. قوله: "فيخلل بها" أي بأصابعه التي أدخلها في الماء. ولمسلم: "ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر " وللترمذي والنسائي من طريق أبي عيينة " ثم يشرب شعره الماء". قوله: "أصول الشعر" وللكشميهني: "أصول شعره " أي شعر رأسه، ويدل عليه رواية حماد بن سلمة عن هشام عند البيهقي " يخلل بها شق رأسه الأيمن فيتبع بها أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر كذلك " وقال القاضي عياض: احتج به بعضهم على تخليل شعر الجسد في الغسل إما لعموم قوله: "أصول الشعر " وإما بالقياس على شعر الرأس. وفائدة التخليل إيصال الماء إلى الشعر والبشرة، ومباشرة الشعر باليد ليحصل تعميمه بالماء، وتأنيس البشرة لئلا يصيبها بالصب ما تتأذى به. ثم هذا التخليل غير واجب اتفاقا إلا إن كان الشعر ملبدا بشيء يحول بين الماء وبين الوصول إلى أصوله. والله أعلم. قوله:
(1/360)

"ثم يدخل" إنما ذكره بلفظ المضارع، وما قبله مذكور بلفظ الماضي - وهو الأصل - لإرادة استحضار صورة الحال للسامعين. قوله: "ثلاث غرف" بضم المعجمة وفتح الراء جمع غرفة وهي قدر ما يغرف من الماء بالكف، وللكشميهني: "ثلاث غرفات " وهو المشهور في جمع القلة. وفيه استحباب التثليث في الغسل، قال النووي: ولا نعلم فيه خلافا إلا ما تفرد به الماوردي فإنه قال: لا يستحب التكرار في الغسل. قلت: وكذا قال الشيخ أبو علي السنجي في شرح الفروع وكذا قال القرطبي، وحمل التثليث في هذه الرواية على رواية القاسم عن عائشة الآتية قريبا فإن مقتضاها أن كل غرفة كانت في جهة من جهات الرأس، وسيأتي في آخر الكلام على حديث ميمونة زيادة في هذه المسألة. قوله: "ثم يفيض" أي يسيل، والإفاضة الإسالة. واستدل به من لم يشترط الدلك وهو ظاهر. وقال المازري: لا حجة فيه لأن أفاض بمعنى غسل، والخلاف في الغسل قائم. قلت: ولا يخفى ما فيه والله أعلم. وقال القاضي عياض: لم يأت في شيء من الروايات في وضوء الغسل ذكر التكرار. قلت: بل ورد ذلك من طريق صحيحة أخرجها النسائي والبيهقي من رواية أبي سلمة عن عائشة أنها وصفت غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة. الحديث وفيه: "ثم يتمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا ويغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ثم يفيض على رأسه ثلاثا". قوله: "على جلده كله" هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل بعدما تقدم، وهو يؤيد الاحتمال الأول أن الوضوء سنة مستقلة قبل الغسل، وعلى هذا فينوي المغتسل الوضوء إن كان محدثا وإلا فسنة الغسل، واستدل بهذا الحديث على استحباب إكمال الوضوء قبل الغسل، ولا يؤخر غسل الرجلين إلى فراغه وهو ظاهر من قولها " كما يتوضأ للصلاة " وهذا هو المحفوظ في حديث عائشة من هذا الوجه، لكن رواه مسلم من رواية أبي معاوية عن هشام فقال في آخره: "ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه " وهذه الزيادة تفرد بها أبو معاوية دون أصحاب هشام، قال البيهقي هي غربية صحيحة. قلت: لكن في رواية أبي معاوية عن هشام مقال، نعم له شاهد من رواية أبي سلمة عن عائشة أخرجه أبو داود الطيالسي فذكر حديث الغسل كما تقدم عند النسائي وزاد في آخره: "فإذا فرغ غسل رجليه " فأما أن تحمل الروايات عن عائشة على أن المراد بقولها " وضوءه للصلاة " أي أكثره وهو ما سوى الرجلين، أو يحمل على ظاهره، ويستدل برواية أبي معاوية على جواز تفريق الوضوء، ويحتمل أن يكون قوله في رواية أبي معاوية " ثم غسل رجليه " أي أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء فيوافق قوله في حديث الباب: "ثم يفيض على جلده كله".
249- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: "تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الأَذَى ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا هَذِهِ غُسْلُهُ مِنْ الْجَنَابَةِ".
[الحديث249- أطرافه 281,276,274,266,265,260,259,257]
قوله: "حدثنا محمد بن يوسف" هو الفريابي، وسفيان هو الثوري، وجزم الكرماني بأن محمد ابن يوسف هو البيكندي وسفيان هو ابن عيينة، ولا أدري من أين له ذلك. قوله: "وضوءه للصلاة غير رجليه" يه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل الخ وهو مخالف لظاهر رواية عائشة. ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة
(1/361)

على المجاز كما تقدم وإما بحمله على حالة أخرى، وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل، وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم، وعند الشافعية في الأفضل قولان، قال النووي أصحهما وأشهرهما ومختارهما أنه يكمل وضوءه، قال: لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك. انتهى. كذا قال، وليس في شيء من الروايات عنهما التصريح بذلك، بل هي إما محتملة كرواية: "توضأ وضوءه للصلاة " أو ظاهرة تأخيرهما كرواية أبي معاوية المتقدمة، وشاهدها من طريق أبي سلمة، ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة، أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب، وراويها مقدم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش، وقول من قال: "إنما فعل ذلك مرة لبيان الجواز " متعقب، فإن في رواية أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش ما يدل على المواظبة، ولفظه: "كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه " فذكر الحديث وفي آخره: "ثم يتنحى فيغسل رجليه " قال القرطبي: الحكمة في تأخير غسل الرجلين ليحصل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء. قوله: "وغسل فرجه" يه تقديم وتأخير، لأن غسل الفرج كان قبل الوضوء إذ الواو لا تقتضي الترتيب، وقد بين ذلك ابن المبارك عن الثوري عند المصنف في باب الستر في الغسل، فذكر أولا غسل اليدين ثم غسل الفرج ثم مسح يده بالحائط ثم الوضوء غير رجليه، وأتى بثم الدالة على الترتيب في جميع ذلك. قوله: "هذه غسلة" الإشارة إلى الأفعال المذكورة، أو التقدير هذه صفة غسله، وللكشميهني: "هذا غسله " وهو ظاهر، وأشار الإسماعيلي إلى أن هذه الجملة الأخيرة مدرجة من قول سالم بن أبي الجعد، وأن زائدة بن قدامة بين ذلك في روايته عن الأعمش، واستدل البخاري بحديث ميمونة هذا على جواز تفريق الوضوء وعلى استحباب الإفراغ باليمين على الشمال للمغترف من الماء لقوله في رواية أبي عوانة وحفص وغيرهما: "ثم أفرغ بيمينه على شماله " وعلى مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة لقوله فيها " ثم تمضمض واستنشق " وتمسك به الحنفية للقول بوجوبهما، وتعقب بأن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب إلا إذا كان بيانا لمجمل تعلق به الوجوب، وليس الأمر هنا كذلك قاله ابن دقيق العيد: وعلى استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو الأرض لقوله في الروايات المذكورة " ثم دلك يده بالأرض أو بالحائط " قال ابن دقيق العيد: وقد يؤخذ منه الاكتفاء بغسلة واحدة لإزالة النجاسة والغسل من الجنابة لأن الأصل عدم التكرار، وفيه خلاف. انتهى. وصحح النووي وغيره أنه يجزئ، لكن لم يتعين في هذا الحديث أن ذلك كان لإزالة النجاسة، بل يحتمل أن يكون للتنظيف فلا يدل على الاكتفاء، وأما دلك اليد بالأرض فللمبالغة فيه ليكون أنقى كما قال البخاري. وأبعد من استدل به على نجاسة المني أو على نجاسة رطوبة الفرج لأن الغسل ليس مقصورا على إزالة النجاسة. وقوله في حديث الباب: "وما أصابه من أذى " ليس بظاهر في النجاسة أيضا، واستدل به البخاري أيضا على أن الواجب في غسل الجنابة مرة واحدة، وعلى أن من توضأ بنية الغسل أكمل باقي أعضاء بدنه لا يشرع له تجديد الوضوء من غير حدث، وعلى جواز نفض اليدين من ماء الغسل وكذا الوضوء، وفيه حديث ضعيف أورده الرافعي وغيره ولفظه: "لا تنفضوا أيديكم في الوضوء فإنها مرواح الشيطان " قال ابن
ـــــــ
(1) فيه نظر والصواب وجوبهما,ودخول هذه المسألة تحت القاعدة المذكورة,لأن غسله صلى الله عليه وسلم بيان لمجمل المأمور به في قوله تعالي {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُو}
(1/362)

الصلاح: لم أجده. وتبعه النووي. وقد أخرجه ابن حبان في الضعفاء وابن حاتم في العلل من حديث أبي هريرة، ولو لم يعارضه هذا الحديث الصحيح لم يكن صالحا أن يحتج به. وعلى استحباب التستر في الغسل ولو كان في البيت، وقد عقد المصنف لكل مسألة بابا وأخرج هذا الحديث فيه بمغايرة الطرق ومدارها على الأعمش، وعند بعض الرواة عنه ما ليس عند الآخر، وقد جمعت فوائدها في هذا الباب. وصرح في رواية حفص بن غياث عن الأعمش بسماع الأعمش من سالم فأمن تدليسه. وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على الولاء: الأعمش وسالم وكريب، وصحابيان: ابن عباس وخالته ميمونة بنت الحارث. وفي الحديث من الفوائد أيضا جواز الاستعانة بإحضار ماء الغسل والوضوء لقولها في رواية حفص وغيره: "وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسلا " وفي رواية عبد الواحد " ما يغتسل به " وفيه خدمة الزوجات لأزواجهن، وفيه الصب باليمين على الشمال لغسل الفرج بها، وفيه تقديم غسل الكفين على غسل الفرج لمن يريد الاغتراف لئلا يدخلهما في الماء وفيهما ما لعله يستقذر، فأما إذا كان الماء في إبريق مثلا فالأولى تقديم غسل الفرج لتوالي أعضاء الوضوء، ولم يقع في شيء من طرق هذا الحديث التنصيص على مسح الرأس في هذا الوضوء، وتمسك به المالكية لقولهم إن وضوء الغسل لا يمسح فيه الرأس بل يكتفي عنه بغسله، واستدل بعضهم بقولها في رواية أبي حمزة وغيره: "فناولته ثوبا فلم يأخذه " على كراهة التنشيف بعد الغسل، ولا حجة فيه لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف بل لأمر يتعلق بالخرقة، أو لكونه كان مستعجلا، أو غير ذلك. قال المهلب: يحتمل تركه الثوب لإبقاء بركة الماء أو للتواضع أو لشيء رآه في الثوب من حرير أو وسخ، وقد وقع عند أحمد والإسماعيلي من رواية أبي عوانة في هذا الحديث عن الأعمش قال: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: لا بأس بالمنديل، وإنما رده مخافة أن يصير عادة. وقال التيمي في شرحه: في هذا الحديث دليل على أنه كان يتنشف، ولولا ذلك لم تأته بالمنديل. وقال ابن دقيق العيد: نفضه الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشيف، لأن كلا منهما إزالة. وقال النووي: اختلف أصحابنا فيه على خمسة أوجه أشهرها أن المستحب تركه، وقيل مكروه، وقيل مباح، وقيل مستحب، وقيل مكروه في الصيف مباح في الشتاء. واستدل به على طهارة الماء المتقاطر من أعضاء المتطهر خلافا لمن غلا من الحنفية فقال بنجاسته.
(1/363)

3 - باب غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ
250- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ الْفَرَقُ".
[الحديث250- أطرافه في:7239,5956,299,273263,261]
قوله: "باب غسل الرجل مع امرأته. عن عروة" أي ابن الزبير كذا رواه أكثر أصحاب الزهري، وخالفهم إبراهيم بن سعد فرواه عنه عن القاسم بن محمد أخرجه النسائي، ورجح أبو زرعة الأول. ويحتمل أن يكون للزهري شيخان فإن الحديث محفوظ عن عروة والقاسم من طرق أخرى. قوله: "أنا والنبي" يحتمل أن يكون مفعولا معه ويحتمل أن يكون عطفا على الضمير وهو من باب تغليب المتكلم على الغائب لكونها هي السبب في
(1/363)

الاغتسال، فكأنها أصل في الباب. قوله: "من إناء واحد من قدح" من الأولى: ابتدائية والثانية: بيانية، ويحتمل أن يكون قدح بدلا من إناء بتكرار حرف الجر. وقال ابن التين: كان هذا الإناء من شبه، وهو بفتح المعجمة والموحدة كما تقدم توضيحه في صفة الوضوء من حديث عبد الله بن زيد، وكأن مستنده ما رواه الحاكم من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه ولفظه: "تور من شبه". قوله: "يقال له الفرق"، ولمالك عن الزهري: هو الفرق، وزاد في روايته: "من الجنابة " أي بسبب الجنابة، ولأبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب " وذلك القدح يومئذ يدعي الفرق " قال ابن التين: الفرق بتسكين الراء ورويناه بفتحها وجوز بعضهم الأمرين. وقال القتيبي وغيره هو بالفتح. وقال النووي الفتح أفصح وأشهر، وزعم أبو الوليد الباجي أنه الصواب قال: وليس كما قال، بل هما لغتان. قلت: لعل مستند الباجي ما حكاه الأزهري عن ثعلب وغيره: الفرق بالفتح والمحدثون يسكنونه، وكلام العرب بالفتح. انتهى. وقد حكى الإسكان أبو زيد وابن دريد وغيرهما من أهل اللغة، والذي في روايتنا هو الفتح والله أعلم. وحكى ابن الأثير أن الفرق بالفتح ستة عشر رطلا وبالإسكان مائة وعشرون رطلا، وهو غريب. وأما مقداره فعند مسلم في آخر رواية ابن عيينة عن الزهري في هذا الحديث قال سفيان يعني ابن عيينة: الفرق ثلاثة آصع، قال النووي: وكذا قال الجماهير، وقيل الفرق صاعان، لكن نقل أبو عبيد الاتفاق على أن الفرق ثلاثة آصع، وعلى أن الفرق ستة عشر رطلا ولعله يريد اتفاق أهل اللغة وإلا فقد قال بعض الفقهاء من الحنفية وغيرهم: إن الصاع ثمانية أرطال، وتمسكوا بما روى عن مجاهد في الحديث الآتي عن عائشة أنه حزر الإناء ثمانية أرطال، والصحيح الأول، فإن الحزر لا يعارض به التحديد. وأيضا فلم صرح مجاهد بأن الإناء المذكور صاع فيحمل على اختلاف الأواني مع تقاربها، ويؤيد كون الفرق ثلاثة آصع ما رواه ابن حبان من طريق عطاء عن عائشة بلفظ: "قدر ستة أقساط " والقسط بكسر القاف وهو باتفاق أهل اللغة نصف صاع والاختلاف بينهم أن الفرق ستة عشر رطلا فصح أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وتوسط بعض الشافعية فقال الصاع الذي لماء الغسل ثمانية أرطال، والذي لزكاة الفطر وغيرها خمسة أرطال وثلث، وهو ضعيف. ومباحث المتن تقدمت في باب وضوء الرجل مع امرأته، واستدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته فقال سالت عطاء فقال سألت عائشة فذكرت هذا الحديث بمعناه، وهو نص في المسألة والله أعلم.
(1/364)

3 - باب الْغُسْلِ بِالصَّاعِ وَنَحْوِهِ
251- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: "دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ فَاغْتَسَلَتْ وَأَفَاضَتْ عَلَى رَأْسِهَا وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ" قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَبَهْزٌ وَالْجُدِّيُّ عَنْ شُعْبَةَ: قَدْرِ صَاعٍ
قوله: "باب الغسل بالصاع" أي بملء الصاع "ونحوه" أي ما يقاربه، والصاع تقدم أنه خمسة أرطال وثلث
(1/364)

برطل بغداد، وهو على ما قال الرافعي وغيره مائة وثلاثون درهما، ورجح النووي أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم. وقد بين الشيخ الموفق سبب الخلاف في ذلك فقال: إنه في الأصل مائه وثمانية وعشرين وأربعة أسباع، ثم زادوا فيه مثقالا لإرادة جبر الكسر فصار مائة وثلاثين، قال: والعمل على الأول لأنه هو الذي كان موجودا وقت تقدير العلماء به. قوله: "حدثنا عبد الله بن محمد" هو الجعفي، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث، وأبو بكر بن حفص أي ابن عمر بن سعد بن أبي وقاص، شارك شيخه أبا سلمة - وهو ابن عبد الرحمن بن عوف - في كونه زهريا مدنيا مشهورا بالكنية، وقد قيل إن اسم كل منهما عبد الله. قوله: "وأخو عائشة" زعم الداودي أنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. وقال غيره هو أخوها لأمها وهو الطفيل بن عبد الله ولا يصح واحد منهما، لما روى مسلم من طريق معاذ، والنسائي من طريق خالد بن الحارث، وأبو عوانة من طريق يزيد بن هارون كلهم عن شعبة في هذا الحديث أنه أخوها من الرضاعة. وقال النووي وجماعة إنه عبد الله بن يزيد، معتمدين على ما وقع في صحيح مسلم في الجنائز عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة عنها فذكر حديثا غير هذا، ولم يتعين عندي أنه المراد هنا لأن لها أخا آخر من الرضاعة وهو كثير بن عبيد رضيع عائشة روى عنها أيضا وحديثه في الأدب المفرد للبخاري وسنن أبي داود من طريق ابنه سعيد بن كثير عنه. وعبد الله بن يزيد بصري، كثير بن عبيد كوفي، فيحتمل أن يكون المبهم هنا أحدهما ويحتمل أن يكون غيرهما والله أعلم. قوله: "فدعت بإناء نحو" بالجر والتنوين صفة لإناء. وفي رواية كريمة: "نحوا " بالنصب على أنه نعت للمجرور باعتبار المحل أو بإضمار أعني. قوله: "وبيننا وبينها حجاب" قال القاضي عياض: ظاهره أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل نظره للمحرم لأنها خالة أبي سلمة من الرضاع أرضعته أختها أم كلثوم، وإنما سترت أسافل بدنها مما لا يحل للمحرم النظر إليه قال: وإلا لم يكن لاغتسالها بحضرتهما معنى. وفي فعل عائشة دلالة على استحباب التعليم بالفعل لأنه أوقع في النفس، ولما كان السؤال محتملا للكيفية والكمية ثبت لهما ما يدل على الأمرين معا: أما الكيفية فبالاقتصار على إفاضة الماء وأما الكمية فبالاكتفاء بالصاع. قوله: "قال أبو عبد الله" أي البخاري المصنف "قال يزيد بن هارون" هذا التعليق وصله أبو عوانة وأبو نعيم في مستخرجيهما. قوله: "وبهز" بالزاي المعجمة هو ابن أسد وحديثه موصول عند الإسماعيلي، وزاد في روايتهما: "من الجنابة"، وعندهما أيضا: "على رأسها ثلاثا " وكذا عند مسلم والنسائي. قوله: "والجدي" بضم الجيم وتشديد الدال نسبة إلى جدة ساحل مكة، وكان أصله منها لكنه سكن البصرة. قوله: "قدر صاع" بالكسر على الحكاية، ويجوز النصب كما تقدم. والمراد من الروايتين أن الاغتسال وقع بملء الصاع من الماء تقريبا لا تحديدا.
252- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ وَأَبُوهُ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَسَأَلُوهُ عَنْ الْغُسْلِ فَقَالَ يَكْفِيكَ صَاعٌ فَقَالَ رَجُلٌ مَا يَكْفِينِي فَقَالَ جَابِرٌ كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا وَخَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ أَمَّنَا فِي ثَوْبٍ
[الحديث252- طرفاه في:256,255]
قوله: "حدثنا عبد الله بن محمد" هو الجعفي. قوله: "حدثنا يحيى بن آدم" قال أبو علي الحياني: ثبت لجميع الرواة
(1/365)

- إلا لأبي ذر عن الحموي فسقط من روايته يحيى بن آدم، وهو وهم - فلا يتصل السند إلا به. قوله: "زهير" هو ابن معاوية، وأبو إسحاق هو السبيعي، وأبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب المعروف بالباقر. قوله: "هو وأبوه" أي على بن الحسين "وعنده" أي عند جابر. قوله: "قوم" كذا في النسخ التي وقفت عليها من البخاري، ووقع في العمدة " وعنده قومه " بزيادة الهاء وجعلها شراحها ضميرا يعود على جابر وفيه ما فيه، وليست هذه الرواية في مسلم أصلا، وذلك وارد أيضا على قوله إنه يخرج المتفق عليه. قوله: "فسألوه عن الغسل" أفاد إسحاق بن راهويه في مسنده أن متولي السؤال هو أبو جعفر الراوي، فأخرج من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال: "سألت جابرا عن غسل الجنابة"، وبين النسائي في روايته سبب السؤال فأخرج من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي جعفر قال: "تمارينا في الغسل عند جابر، فكان أبو جعفر تولى السؤال " ونسب السؤال في هذه الرواية إلى الجميع مجازا لقصدهم ذلك، ولهذا أفرد جابر الجواب فقال: "يكفيك " وهو بفتح أوله، وسيأتي مزيد لهذا الموضع في الباب الذي يليه. قوله: "فقال رجل" زاد الإسماعيلي: "منهم " أي من القوم، وهذا يؤيد ما ثبت في روايتنا لأن هذا القائل هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب الذي يعرف أبوه بابن الحنفية كما جزم به صاحب العمدة، وليس هو من قوم جابر لأنه هاشمي وجابر أنصاري. قوله: "أوفي" يحتمل الصفة والمقدار أي أطول وأكثر. قوله: "وخير منك" بالرفع عطفا على أوفى المخبر به عن هو. وفي رواية الأصيلي: "أو خيرا " بالنصب عطفا على الموصول. قوله: "ثم أمنا" فاعل أمنا هو جابر كما سيأتي ذلك واضحا من فعله في كتاب الصلاة، ولا التفات إلى من جعله من مقوله والفاعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه السلف من الاحتجاج بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم والانقياد إلى ذلك، وفيه جواز الرد بعنف على من يماري بغير علم إذا قصد الراد إيضاح الحق وتحذير السامعين من مثل ذلك، وفيه كراهية التنطع والإسراف في الماء.
235- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةَ كَانَا يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. وقال يزيد بن هارون وبهز والجدى عن شعبة : قدر صاع.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ أَخِيرًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ
قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار، وفي مسند الحميدي " حدثنا سفيان أخبرنا عمرو أخبرنا أبو الشعثاء " وهو جابر بن زيد المذكور. قوله: "قال أبو عبد الله" هو المصنف. قوله: "كان ابن عيينة" كذا رواه عنه أكثر الرواة وإنما رواه عنه كما قال أبو نعيم من سمع منه قديما، وإنما رجح البخاري رواية أبي نعيم جريا على قاعدة المحدثين، لأن من جملة المرجحات عندهم قدم السماع لأنه مظنة قوة حفظ الشيخ، ولرواية الآخرين جهة أخرى من وجوه الترجيح وهي كونهم أكثر عددا وملازمة لسفيان، ورجحها الإسماعيلي من جهة أخرى من حيث المعنى وهو كون ابن عباس لا يطلع على النبي صلى الله عليه وسلم في حالة اغتساله مع ميمونة فيدل على أنه أخذه عنها. وقد أخرج الرواية المذكورة الشافعي والحميدي وابن أبي عمر وابن أبي شيبة وغيرهم في مسانيدهم عن سفيان، ومسلم والنسائي وغيرهما من طريقه، ويستفاد من هذا البحث أن البخاري لا يري التسوية بين " عن فلان " وبين " إن فلانا " في ذلك بحث يطول ذكره " وقد حققته فيما كتبته على كتاب ابن الصلاح. وادعى بعض الشارحين أن
(1/366)

حديث ميمونة هذا لا مناسبة له بالترجمة لأنه لم يذكر فيه قدر الإناء، والجواب أن ذلك يستفاد من مقدمة أخرى، وهي أن أوانيهم كانت صغارا كما صرح به الشافعي في عدة مواضع، فيدخل هذا الحديث تحت قوله: "ونحوه " أي نحو الصاع، أو يحمل المطلق فيه على المقيد في حديث عائشة وهو الفرق، لكون كل منهما زوجة له واغتسلت معه، فتكون حصة كل منهما أزيد من صاع، فيدخل تحت الترجمة بالتقريب، والله أعلم.
(1/367)

4 - باب مَنْ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثًا
254- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ حَدَّثَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثًا وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا"
قوله: "باب من أفاض على رأسه ثلاثا" تقدم حديث ميمونة وعائشة في ذلك. قوله: "حدثنا زهير" هو ابن معاوية الجعفي وقد علا عنه في هذا الإسناد، ونزل في الباب الذي قبله، وأبو إسحاق هو السبيعي أيضا، وسليمان بن صرد خراعي وهو من أفاضل الصحابة، وأبوه بضم المهملة وفتح الراء وشيخه من مشاهير الصحابة، ففيه رواية الأقران. قوله: "أما أنا فأفيض" بضم الهمزة، وقسيم " أما " محذوف، وقد ذكر أبو نعيم في المستخرج سببه من هذا الوجه وأوله عنده " ذكروا عند النبي صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة " فذكره، ولمسلم من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق " تماروا في الغسل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعض القوم: أما أنا فاغسل رأسي بكذا وكذا " فذكر الحديث، وهذا هو القسيم المحذوف، ودل قوله: "ثلاثا " على أن المراد بكذا وكذا أكثر من ذلك، ولمسلم من وجه آخر أن الذين سألوا عن ذلك هم وفد ثقيف، والسياق مشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يفيض إلا ثلاثا، وهي محتملة لأن تكون للتكرار، ومحتملة لأن تكون للتوزيع على جميع البدن، لكن حديث جابر في آخر الباب يقوي الاحتمال الأول وسنذكر ما فيه. قوله: "كلتيهما" كذا للأكثر، وللكشميهني: "كلاهما " وحكى ابن التين أن في بعض الروايات " كلتاهما " وهي مخرجة على من يراها تثنية ويرى أن التثنية لا تتغير كقوله: قد بلغا في المجد غايتاها. وهكذا القول في رواية الكشميهني، وهو مذهب الفراء في " كلا " خلافا للبصريين، ويمكن أن يخرج الرفع فيهما على القطع.
55- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مِخْوَلِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْرِغُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثًا"
قوله: "حدثني" وللأصيلي حدثنا "محمد بن بشار" هو بندار كما صرح به الإسماعيلي في روايته حيث أخرجه عن الحسن بن سفيان وغيره عنه، وأبوه بالموحدة وتثقيل المعجمة بلا خلاف. وليس في الصحيحين بهذه الصورة غيره قاله أبو على الجياني وجماعة بعده، وغفل بعض المتأخرين فضبطه بمثناة وسين مهملة، وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به فإنه لا يخفي على من له أدنى ممارسة في هذا الشأن. قوله: "مخول" بكسر أوله وإسكان المعجمة وبوزن محمد أيضا، وهذان الوجهان في رواية أبي ذر، والأول للأكثر، والثاني لابن عساكر، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، ومحمد بن علي شيخه هو أبو جعفر المعروف بالباقر. قوله: "يفرغ" بضم أوله. قوله: "ثلاثا" أي
(1/367)

غرفات. زاد الإسماعيلي: "قال شعبة: أظنه من غسل الجنابة " وفيه: "وقال رجل من بني هاشم: إن شعري كثير، فقال جابر: "شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر من شعرك وأطيب".
256- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَامٍ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ قَالَ لِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَتَانِي ابْنُ عَمِّكَ يُعَرِّضُ بِالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ "كَيْفَ الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقُلْتُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ ثَلاَثَةَ أَكُفٍّ وَيُفِيضُهَا عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ فَقَالَ لِي الْحَسَنُ إِنِّي رَجُلٌ كَثِيرُ الشَّعَرِ فَقُلْتُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْكَ شَعَرًا"
قوله: "حدثنا معمر" بإسكان العين في أكثر الروايات وبه جزم المزي. وفي رواية القابسي بوزن محمد وبه جزم الحاكم، وليس له أيضا في البخاري غير هذا الحديث، وقد ينسب إلى جده سام فيقال معمر ابن سام وهو بالمهملة وتخفيف الميم. قوله: "ابن عمك" فيه تجوز، فإنه ابن عم والده علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والحنفية كانت زوج علي بن أبي طالب تزوجها بعد فاطمة رضي الله عنها فولدت له محمدا فاشتهر بالنسبة إليها. وقول جابر " أتاني " يشعر بأن سؤال الحسن بن محمد كان في غيبة أبي جعفر فهو غير سؤال أبي جعفر الذي تقدم في الباب قبله، لأن ذلك كان عن الكمية كما أشعر بذلك قوله في الجواب " يكفيك صاع " وهذا عن الكيفية وهو ظاهر من قوله: "كيف الغسل"، ولكن الحسن بن محمد في المسألتين جميعا هو المنازع لجابر في ذلك فقال في جواب الكمية " ما يكفيني " أي الصاع ولم يعلل. وقال في جواب الكيفية " إني كثير الشعر " أي فأحتاج إلى أكثر من ثلاث غرفات، فقال له جابر في جواب الكيفية " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر شعرا منك وأطيب " أي واكتفى بالثلاث فاقتضى أن الإنقاء يحصل بها. وقال في جواب الكمية ما تقدم، وناسب ذكر الخيرية لأن طلب الازدياد من الماء يلحظ فيه التحري في إيصال الماء إلى جميع الجسد، وكان صلى الله عليه وسلم سيد الورعين وأتقى الناس لله وأعلمهم به. وقد اكتفى بالصاع، فأشار جابر إلى أن الزيادة على ما اكتفى به تنطع قد يكون مثاره الوسوسة فلا يلتفت إليه. قوله: "ثلاث أكف" وفي رواية كريمة: "ثلاثة أكف " وهي جمع كف والكف تذكر وتؤنث، والمراد أنه يأخذ في كل مرة كفين، ويدل على ذلك رواية إسحاق بن راهويه من طريق الحسن بن صالح عن جعفر بن محمد عن أبيه قال في آخر الحديث: "وبسط يديه"، ويؤيده حديث جبير بن مطعم الذي في أول الباب، والكف اسم جنس فيحمل على الاثنين، ويحتمل أن تكون هذه الغرفات الثلاث للتكرار، ويحتمل أن يكون لكل جهة من الرأس غرفة كما سيأتي في حديث القاسم بن محمد عن عائشة قريبا.
(1/368)

5 - باب الْغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً
257- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَتْ مَيْمُونَةُ وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً لِلْغُسْلِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ ثُمَّ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ
(1/368)

قوله: "باب الغسل مرة واحدة" قال ابن بطال يستفاد ذلك من قوله: "ثم أفاض على جسده " لأنه لم يقيد بعدد فيحمل على أقل ما يسمى وهو المرة الواحدة، لأن الأصل عدم الزيادة عليها. قوله: "حدثنا عبد الواحد" هو ابن زياد، وباقي الإسناد والمتن تقدم في باب الوضوء قبل الغسل. قوله في هذه الرواية "فغسل يده"، وللكشميهني: "يديه " "مرتين أو ثلاثا" الشك من الأعمش كما سيأتي من رواية أبي عوانة عنه، وغفل الكرماني فقال: الشك من ميمونة. قوله: "مذاكيره" هو جمع ذكر على غير قياس، وقيل واحده مذكار، وكأنهم فرقوا بين العضو وبين خلاف الأنثى، قال الأخفش: هو من الجمع الذي لا واحد له، وقيل واحده مذكار. وقال ابن خروف: إنما جمعه مع أنه ليس في الجسد إلا واحد بالنظر إلى ما يتصل به، وأطلق على الكل اسمه فكأنه جعل كل جزء من المجموع كالذكر في حكم الغسل.
(1/369)

باب بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل
...
6 - باب مَنْ بَدَأَ بِالْحِلاَبِ أَوْ الطِّيبِ عِنْدَ الْغُسْلِ
258- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلاَبِ فَأَخَذَ بِكَفِّهِ فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ الأَيْسَرِ فَقَالَ بِهِمَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ".
قوله: "باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل" مطابقة هذه الترجمة لحديث الباب أشكل أمرها قديما وحديثا على جماعة من الأئمة، فمنهم من نسب البخاري فيها إلى الوهم، ومنهم من ضبط لفظ الحلاب على غير المعروف في الرواية لتتجه المطابقة، ومنهم من تكلف لها توجيها من غير تغيير، فأما الطائفة الأولى فأولهم الإسماعيلي فإنه قال في مستخرجه: رحم الله أبا عبد الله - يعني البخاري - من ذا الذي يسلم من الغلط، سبق إلى قلبه أن الحلاب طيب وأي معنى للطيب عند الاغتسال قبل الغسل، وإنما الحلاب إناء وهو ما يحلب فيه يسمى حلابا ومحلبا. قال: وفي تأمل طرق هذا الحديث بيان ذلك حيث جاء فيه: "كان يغتسل من حلاب". انتهى. وهي رواية ابن خزيمة وابن حبان أيضا. وقال الخطابي في شرح أبي داود: الحلاب إناء يسع قدر حلب ناقة، قال: وقد ذكره البخاري وتأوله على استعمال الطيب في الطهور، وأحسبه توهم أنه أريد به المحلب الذي يستعمل في غسل الأيدي، وليس الحلاب من الطيب في شيء، وإنما هو ما فسرت لك. قال وقال الشاعر:
صاح هل رأيت أو سمعت براع ... رد في الضرع ما فرى في الحلاب
وتبع الخطابي ابن قرقول في المطالع وابن الجوزي وجماعة. وأما الطائفة الثانية فأولهم الأزهري، قال في التهذيب: الحلاب في هذا الحديث ضبطه جماعة بالمهملة واللام الخفيفة أي ما يحلب فيه كالمحلب فصحفوه، وإنما هو الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام وهو ماء الورد فارسي معرب. وقد أنكر جماعة على الأزهري هذا من جهة أن المعروف في الرواية بالمهملة والتخفيف ومن جهة المعنى أيضا، قال ابن الأثير لأن الطيب يستعمل بعد الغسل أليق منه قبله وأولى، لأنه إذا بدأ به ثم اغتسل أذهبه الماء. وقال الحميدي في الكلام على غريب الصحيحين: ضم مسلم هذا الحديث مع حديث الفرق وحديث قدر الصاع في موضع واحد فكأنه تأولها على الإناء، وأما البخاري فربما
(1/369)

ظن ظان أنه تأوله على أنه نوع من الطيب يكون قبل الغسل لأنه لم يذكر في الترجمة غير هذا الحديث. انتهى. فجعل الحميدي كون البخاري أراد ذلك احتمالا، أي ويحتمل أنه أراد غير ذلك لكن لم يفصح به، وقول القاضي عياض: الحلاب والمحلب بكسر الميم إناء يملؤه قدر حلب الناقة، وقيل المراد أي في هذا الحديث محلب الطيب وهو بفتح الميم قال: وترجمة البخاري تدل على أنه التفت إلى التأويلين، قال: وقد رواه بعضهم في غير الصحيحين الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام. يشير إلى ما قاله الأزهري. وقال النووي: قد أنكر أبو عبيد الهروي على الأزهري ما قاله. وقال القرطبي: الحلاب بكسر المهملة لا يصح غيرها، وقد وهم من ظنه من الطيب وكذا من قاله بضم الجيم. انتهى. وأما الطائفة الثالثة فقال المحب الطبري: لم يرد البخاري بقوله الطيب ما له عرف طيب، وإنما يبدأ تطييب البدن بإزالة ما فيه من وسخ ودرن ونجاسة إن كانت، وإنما أراد بالحلاب الإناء الذي يغتسل منه يبدأ به فيوضع فيه ماء الغسل قال: و " أو " في قوله: "أو الطيب " بمعنى الواو، وكذا ثبت في بعض الروايات كما ذكره الحميدي، ومحصل ما ذكره أنه يحمله على إعداد ماء الغسل ثم الشروع في التنظيف قبل الشروع في الغسل. وفي الحديث البداءة بشق الرأس لكونه أكثر شعثا من بقية البدن من أجل الشعر، وقيل يحتمل أن يكون البخاري أراد الإشارة إلى ما روي عن ابن مسعود أنه كان يغسل رأسه بخطمي ويكتفي بذلك في غسل الجنابة كما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنه، ورواه أبو داود مرفوعا عن عائشة بإسناد ضعيف، فكأنه يقول: دل هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل الماء في غسل الجنابة، ولم يثبت أنه كان يقدم على ذلك شيئا مما ينقي البدن كالسدر وغيره. ويقوي ذلك ما في معظم الروايات " بالحلاب أو الطيب"، فقوله أو يدل على أن الطيب قسيم الحلاب فيحمل على أنه من غير جنسه، وجميع من اعترض عليه حمله على أنه من جنسه فلذلك أشكل عليهم، والمراد بالحلاب على هذا الماء الذي في الحلاب فأطلق على الحال اسم المحل مجازا. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون أراد بالحلاب الإناء الذي فيه الطيب فالمعنى بدأ تارة بطلب ظرف الطيب وتارة بطلب نفس الطيب فدل حديث الباب على الأول دون الثاني. انتهى. وهو مستمد من كلام ابن بطال، فإنه قال بعد حكايته لكلام الخطابي: وأظن البخاري جعل الحلاب في هذه الترجمة ضربا من الطيب قال: فإن كان ظن ذلك فقد وهم، وإنما الحلاب الإناء الذي كان فيه طيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يستعمله عند الغسل. قال: وفي الحديث الحض على استعمال الطيب عند الغسل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم. انتهى كلامه. فكأنه جعل قوله في الحديث: "فأخذ بكفه " أي من الطيب الذي في الإناء " فبدأ بشق رأسه الأيمن " أي فطيبه إلخ. ومحصله أن الصفة المذكورة في الحديث صفة التطييب لا الاغتسال، وهو توجيه حسن بالنسبة لظاهر لفظ الرواية التي ساقها البخاري، لكن من تأمل طرق الحديث كما قال الإسماعيلي عرف أن الصفة المذكورة للغسل لا للتطيب، فروى الإسماعيلي من طريق مكي بن إبراهيم عن حنظلة في هذا الحديث: "كان يغتسل بقدح " بدل قوله بحلاب وزاد فيه: "كان يغسل يديه ثم يغسل وجهه ثم يقول بيده ثلاث غرف " الحديث. وللجوزقي من طريق حمدان السلمي عن أبي عاصم " اغتسل فأتى بحلاب فغسل شق رأسه الأيمن " الحديث، فقوله اغتسل ويغسل يدل على أنه إناء الماء لا إناء الطيب، وأما رواية الإسماعيلي من طريق بندار عن أبي عاصم بلفظ: "كان إذا أراد أن يغتسل من الجنابة دعا بشيء دون الحلاب فأخذ بكفه فبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه ماء فأفرغ على رأسه " فلولا قوله ماء لأمكن حمله على التطيب قبل الغسل، لكن رواه أبو عوانة في صحيحه عن يزيد بن سنان عن أبي عاصم بلفظ:
(1/370)

"كان يغتسل من حلاب فيأخذ غرفة بكفيه فيجعلها على شقه الأيمن ثم الأيسر كذلك " فقوله يغتسل وقوله غرفة أيضا مما يدل على أنه إناء الماء. وفي رواية لابن حبان والبيهقي " ثم يصب على شق رأسه الأيمن " والتطيب لا يعبر عنه بالصب، فهذا كله يبعد تأويل من حمله على التطيب. ورأيت عن بعضهم - ولا أحفظه الآن - أن المراد بالطيب في الترجمة الإشارة إلى حديث عائشة أنها كانت تطيب النبي صلى الله عليه وسلم عند الإحرام، قال: "والغسل من سنن الإحرام " وكأن الطيب حصل عند الغسل، فأشار البخاري هنا إلى أن ذلك لم يكن مستمرا من عادته. انتهى. ويقويه تبويب البخاري بعد ذلك بسبعة أبواب " باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب " ثم ساق حديث عائشة " أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرما " وفي رواية بعدها " كأني أنظر إلى وبيص الطيب - أي لمعانه - في مفرقه صلى الله عليه وسلم وهو محرم " وفي رواية أخرى عنده قبيل هذا الباب: "ثم يصبح محرما ينضخ طيبا " فاستنبط الاغتسال بعد التطيب من قولها " ثم طاف على نسائه " لأنه كناية عن الجماع ومن لازمه الاغتسال، فعرف أنه أغتسل بعد أن تطيب وبقي أثر الطيب بعد الغسل لكثرته، لأنه كان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويكثر منه، فعلى هذا فقوله هنا: "من بدأ بالحلاب " أي بإناء الماء الذي للغسل فاستدعى به لأجل الغسل، أو " من بدأ بالطيب " عند إرادة الغسل، فالترجمة مترددة بين الأمرين فدل حديث الباب على مداومته على البداءة بالغسل، وأما التطيب بعده فمعروف من شأنه، وأما البداءة بالطيب قبل الغسل فبالإشارة إلى الحديث الذي ذكرناه. وهذا أحسن الأجوبة عندي وأليقها بتصرفات البخاري والله أعلم. وعرف من هذا أن قول الإسماعيلي: "وأي معنى للطيب عند الغسل " معترض، وكذا قول ابن الأثير الذي تقدم، وفي كلام غيرهما مما تقدم مؤاخذات لم نتعرض لها لظهورها. والله الهادي للصواب. أبو عاصم المذكور في الإسناد هو النبيل وهو من كبار شيوخ البخاري وقد أكثر عنه في هذا الكتاب لكنه نزل في هذا الإسناد فأدخل بينه وبينه واسطة. وحنظلة هو ابن أبي سفيان الجمحي. والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر. وقوله: "كان إذا اغتسل " أي إذا أراد أن يغتسل كما تبين من رواية الإسماعيلي. وقوله: "دعا " أي طلب. وقوله: "نحو الحلاب " أي إناء قريب من الإناء الذي يسمى الحلاب، وقد وصفه أبو عاصم بأنه أقل من شبر في شبر أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه. وفي رواية لابن حبان: "وأشار أبو عاصم بكفيه: "فكأنه حلق بشبريه يصف به دوره الأعلى. وفي رواية للبيهقي " كقدر كوز يسع ثمانية أرطال"، وزاد مسلم في روايته لهذا الحديث عن محمد بن المثنى أيضا بهذا الإسناد بعد قوله الأيسر " ثم بكفيه فقال بهما على رأسه " فأشار بقوله أخذ بكفيه إلى الغرفة الثالثة كما صرحت به رواية أبي عوانة، وقوله: "بكفه " وقع في رواية الكشميهني: "بكفيه: "بالتثنية وقوله: "على وسط رأسه " هو بفتح السين قال الجوهري كل موضع صلح فيه: "بين " فهو وسط بالسكون وإن لم يصلح فهو بالتحريك. وفي الحديث استحباب البداءة بالميامن في التطهر، وبذلك ترجم عليه ابن خزيمة والبيهقي. وفيه الاجتزاء بالغسل بثلاث غرفات، وترجم على ذلك ابن حبان. وسنذكر الكلام على قوله: "فقال بهما " في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى.
(1/371)

7 - باب الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْجَنَابَةِ
259- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ
(1/371)

كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَتْنَا مَيْمُونَةُ قَالَتْ: "صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ ثُمَّ غَسَلَهَا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا".
قوله: "باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة" أي في غسل الجنابة، والمراد هل هما واجبان فيه أم لا؟ وأشار ابن بطال وغيره إلى أن البخاري استنبط عدم وجوبهما من هذا الحديث، لأن في رواية الباب الذي بعده في هذا الحديث: "ثم توضأ وضوءه للصلاة " فدل على أنهما للوضوء، وقام الإجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجب، والمضمضمة والاستنشاق من توابع الوضوء فإذا سقط الوضوء سقطت توابعه، ويحمل ما روى من صفة غسله صلى الله عليه وسلم على الكمال والفضل. قوله: "حدثنا عمر بن حفص" أي ابن غياث كما ثبت في رواية الأصيلي. قوله: "غسلا" بضم أوله أي ماء الاغتسال كما سبق في باب الغسل مرة. قوله: "ثم قال بيده الأرض" كذا في روايتنا، وللأكثر " بيده على الأرض " وهو من إطلاق القول على الفعل، وقد وقع إطلاق الفعل على القول في حديث: "لا حسد إلا في اثنتين " قال فيه في الذي يتلو القرآن " لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت مثل ما يفعل " وسيأتي في باب نفض اليدين قريبا من رواية أبي حمزة عن الأعمش في هذا الموضع " فضرب بيده الأرض " فيفسر " قال: "هنا بضرب. قوله: "ثم تنحى" أي تحول إلى ناحية. قوله: "ثم ينفض بها" زاد في رواية كريمة: "قال أبو عبد الله يعني لم يتمسح " وأنث الضمير على إرادة الخرقة لأن المنديل خرقة مخصوصة، وسيأتي في باب من أفرغ على يمينه " قالت ميمونة فناولته خرقة"، وبقية مباحث الحديث تقدمت في باب الوضوء قبل الغسل.
(1/372)

8 - باب مَسْحِ الْيَدِ بِالتُّرَابِ لِتَكُونَ أَنْقَى
260- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ : "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الْحَائِطَ ثُمَّ غَسَلَهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ".
قوله: "باب مسح اليد بالتراب لتكون أنقى" أي لتصير اليد أنقى منها قبل المسح.قوله: "حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي" كذا في روايتنا، واقتصر الأكثر على " حدثنا الحميدي". وسفيان هو ابن عيينة. قوله: "فغسل فرجه" هذه الفاء تفسيرية وليست تعقبية لأن غسل الفرج لم يكن بعد الفراغ من الاغتسال، وقد تقدمت مباحث هذا الحديث أيضا. ومن فوائد هذا السياق الإتيان فيه بثم الدالة على ترتيب ما ذكر فيه من صفة الغسل
(1/372)

9 - باب هَلْ يُدْخِلُ الْجُنُبُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرٌ غَيْرُ الْجَنَابَةِ
وَأَدْخَلَ ابْنُ عُمَرَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَدَهُ فِي الطَّهُورِ وَلَمْ يَغْسِلْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ بَأْسًا بِمَا يَنْتَضِحُ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ
(1/372)

10 - باب تَفْرِيقِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ غَسَلَ قَدَمَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وَضُوءُهُ
265- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: "وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَغَسَلَ رَأْسَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ"
قوله: "باب تفريق الغسل والوضوء" أي جوازه، وهو قول الشافعي في الجديد، واحتج له بأن الله تعالى أوجب غسل أعضائه، فمن غسلها فقد أتى بما وجب عليه فرقها أو نسقها. ثم أيد ذلك بفعل ابن عمر، وبذلك قال ابن المسيب وعطاء وجماعة. وقال ربيعة ومالك: من تعمد ذلك فعليه الإعادة، ومن نسى فلا. وعن مالك إن قرب التفريق بني وإن طال أعاد. وقال قتادة والأوزاعي: لا يعيد إلا إن جف. وأجازه النخعي مطلقا في الغسل دون الوضوء، ذكر جميع ذلك ابن المنذر وقال: ليس مع من جعل الجفاف حدا لذلك حجة. وقال الطحاوي: الجفاف ليس بحدث فينقض كما لو جف جميع أعضاء الوضوء لم تبطل الطهارة قوله: "ويذكر عن ابن عمر" هذا الأثر رويناه في الأم عن مالك عن نافع عنه، لكن فيه أنه توضأ في السوق دون رجليه، ثم رجع إلى المسجد فمسح على خفيه ثم صلى. والإسناد صحيح، فيحتمل أنه إنما لم يجزم به لكونه بالمعنى. قال الشافعي: لعله قد جف وضوءه لأن الجفاف قد يحصل بأقل مما بين السوق والمسجد. قوله: "حدثنا محمد بن محبوب" هو البصري، وعبد الواحد هو ابن زياد البصري، وقد تقدم هذا المتن من رواية موسى بن إسماعيل عنه في باب الغسل مرة وسياقهما واحد غالبا، إلا أن في ذلك " ثم تحول من مكانه " وفي هذا " تنحى من مقامه " وهما بمعنى، وأبدى الكرماني من هذا احتمال أن يكون اغتسل قائما.
(1/375)

11 - باب مَنْ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي الْغُسْلِ
266- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: "وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا وَسَتَرْتُهُ فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قَالَ سُلَيْمَانُ لاَ أَدْرِي أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَمْ لاَ ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ أَوْ بِالْحَائِطِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَغَسَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ فَنَاوَلْتُهُ خِرْقَةً فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَلَمْ يُرِدْهَا"
قوله: "باب من أفرغ" هذا الباب مقدم عند الأصيلي وابن عساكر على الذي قبله. واعترض على المصنف
(1/375)

3 - باب إِذَا جَامَعَ ثُمَّ عَادَ وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ
267- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذَكَرْتُهُ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: "يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا"
[267- طرفه في:270]
قوله: "باب إذا جامع ثم عاد" أي ما حكمه. وللكشميهني: "عاود " أي الجماع، وهو أعم من أن يكون لتلك المجامعة أو غيرها، وقد أجمعوا على أن الغسل بينهما لا يجب ويدل على استحبابه حديث أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي رافع " أنه صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قال فقلت: يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا؟ قال: "هذا أزكى وأطيب وأطهر " واختلفوا في الوضوء بينهما فقال أبو يوسف: لا يستحب. وقال الجمهور: يستحب. وقال ابن حبيب المالكي وأهل الظاهر: يجب. واحتجوا بحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا " أخرجه مسلم من طريق أبي حفص عن عاصم عن أبي المتوكل عنه. وأشار ابن خزيمة إلى أن بعض أهل العلم حمله على الوضوء اللغوي
(1/376)

فقال: المراد به غسل الفرج، ثم رده ابن خزيمة بما رواه من طريق ابن عيينة عن عاصم في هذا الحديث فقال: "فليتوضأ وضوءه للصلاة " وأظن المشار إليه هو إسحاق بن راهويه، فقد نقل ابن المنذر عنه أنه قال: لا بد من غسل الفرج إذا أراد العود. ثم استدل ابن خزيمة على أن الأمر بالوضوء للندب لا للوجوب بما رواه من طريق شعبة عن عاصم في حديث أبي سعيد المذكور كرواية ابن عيينة وزاد: "فإنه أنشط للعود " فدل على أن الأمر للإرشاد أو للندب. ويدل أيضا على أنه لغير الوجوب ما رواه الطحاوي من طريق موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ". قوله: "ويحيى بن سعيد" هو القطان، وينبغي أن يثبت في القراءة قبل قوله: "عن شعبة " لفظ: "كلاهما " لأن كلا من ابن أبي عدي ويحيى رواه لمحمد بن بشار عن شعبة وحذف كلاهما من الخط اصطلاح. قوله: "ذكرته" أي قول ابن عمر المذكور بعد باب وهو قوله: "ما أحب أن أصبح محرما أنضخ طيبا " وقد بينه مسلم في روايته عن محمد بن المنتشر قال: "سألت عبد الله بن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرما " فذكره وزاد: "قال ابن عمر: لأن أطلي بقطران أحب إلي من أن أفعل ذلك " وكذا ساقه الإسماعيلي بتمامه عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار، فكأن المصنف اختصره لكون المحذوف معلوما عند أهل الحديث في هذه القصة، أو حدثه به محمد بن بشار مختصرا. قوله: "أبا عبد الرحمن" يعني ابن عمر، استرحمت له عائشة إشعارا بأنه قد سها فيما قاله، إذ لو استحضر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك. قوله: "فيطوف" كناية عن الجماع، وبذلك تظهر مناسبة الحديث للترجمة. وقال الإسماعيلي. يحتمل أن يراد به الجماع، وأن يراد به تجديد العهد بهن. قلت: والاحتمال الأول يرجحه الحديث الثاني لقوله فيه: "أعطى قوة ثلاثين " و " يطوف " في الأول مثل " يدور " في الثاني. قوله: "ينضخ" فتح أوله وبفتح الضاد المعجمة وبالخاء المعجمة، قال الأصمعي: النضخ بالمعجمة أكثر من النضح بالمهملة. وسوى بينهما أبو زيد. وقال ابن كيسان: إنه بالمعجمة لما ثخن، وبالمهملة لما رق. وظاهره أن عين الطيب بقيت بعد الإحرام، قال الإسماعيلي: بحيث أنه صار كأنه يتساقط منه الشيء بعد الشيء. وسنذكر حكم هذه المسألة في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
268- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ" قَالَ قُلْتُ لِأَنَسٍ أَوَكَانَ يُطِيقُهُ قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلاَثِينَ وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ إِنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ: تِسْعُ نِسْوَةٍ
[الحديث268- أطرافه في:5215,5068,284]
قوله: "معاذ بن هشام" هو الدستوائي، والإسناد كله بصريون. قوله: "في الساعة الواحدة" المراد بها قدر من الزمان، لا ما اصطلح عليه أصحاب الهيئة. قوله: "من الليل والنهار" الواو بمعنى " أو " جزم به الكرماني. ويحتمل أن تكون على بابها بأن تكون تلك الساعة جزءا من آخر أحدهما، وجزءا من أول الآخر. قوله: "وهن إحدى عشرة" قال ابن خزيمة: تفرد بذلك معاذ بن هشام عن أبيه، ورواه سعيد بن أبي عروبة وغيره عن قتادة فقالوا " تسع نسوة". انتهى. وقد أشار البخاري إلى رواية سعيد بن أبي عروبة فعلقها هنا، ووصلها
(1/377)

بعد اثني عشر بابا بلفظ: "كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذ تسع نسوة " وقد جمع ابن حبان في صحيحه بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين، لكنه وهم في قوله: "أن الأولى كانت في أول قدومه المدينة حيث كان تحته تسع نسوة، والحالة الثانية في آخر الأمر حيث اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة " وموضع الوهم منه أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة، ثم دخل على عائشة بالمدينة، ثم تزوج أم سلمة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة في السنة الثالثة والرابعة، ثم تزوج زينب بنت جحش في الخامسة، ثم جويرية في السادسة، ثم صفية وأم حبيبة وميمونة في السابعة، وهؤلاء جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور واختلف في ريحانة وكانت من سبي بني قريظة فجزم ابن إسحاق بأنه عرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فاختارت البقاء في ملكه، والأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر، وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل، قال ابن عبد البر: مكثت عنده شهرين أو ثلاثة. فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر من تسع، مع أن سودة كانت وهبت يومها لعائشة كما سيأتي في مكانه، فرجحت رواية سعيد. لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن وأطلق عليهن لفظ: "نسائه " تغليبا. وقد سرد الدمياطي - في السيرة التي جمعها - من اطلع عليه من أزواجه ممن دخل بها أو عقد عليها فقط أو طلقها قبل الدخول أو خطبها ولم يعقد عليها فبلغت ثلاثين، وفي المختارة من وجه آخر عن أنس " تزوج خمس عشرة: دخل منهن بإحدى عشرة ومات عن تسع". وسرد أسماءهن أيضا أبو الفتح اليعمري ثم مغلطاي فزدن على العدد الذي ذكره الدمياطي، وأنكر ابن القيم ذلك. والحق أن الكثرة المذكورة محمولة على اختلاف في بعض الأسماء، وبمقتضى ذلك تنقص، العدة. والله أعلم. قوله: "أو كان" بفتح الواو هو مقول قتادة والهمزة للاستفهام ومميز ثلاثين محذوف أي ثلاثين رجلا، ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبي موسى من معاذ بن هشام " أربعين " بدل ثلاثين، وهي شاذة من هذا الوجه، لكن في مراسيل طاوس مثل ذلك، وزاد: "في الجماع"، وفي صفة الجنة لأبي نعيم من طريق مجاهد مثله وزاد: "من رجال أهل الجنة"، ومن حديث عبد الله بن عمر ورفعه: "أعطيت قوة أربعين في البطش والجماع " وعند أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه: "إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة في الأكل والشرب والجماع والشهوة " فعلى هذا يكون حساب قوة نبينا أربعة آلاف. قوله: "وقال سعيد" هو ابن أبي عروبة، كذا للجميع، إلا أن الأصيلي قال: إنه وقع في نسخة " شعبة " بدل سعيد قال: "وفي عرضنا على أبي زيد بمكة: سعيد " قال أبو علي الجياني وهو الصواب. قلت: وقد ذكرنا قبل أن المصنف وصل رواية سعيد، وأما رواية شعبة لهذا الحديث عن قتادة فقد وصلها الإمام أحمد. قال ابن المنير: ليس في حديث دورانه على نسائه دليل على الترجمة، فيحتمل أنه طاف عليهن واغتسل في خلال ذلك عن كل فعلة غسلا. قال والاحتمال في رواية الليلة أظهر منه في الساعة. قلت: التقييد بالليلة ليس صريحا في حديث عائشة، وأما حديث أنس فحيث جاء فيه التصريح بالليلة قيد الاغتسال بالمرة الواحدة. كذا وقع في روايات للنسائي وابن خزيمة وابن حبان، ووقع التقييد بالغسل الواحد من غير ذكر الليلة في روايات أخرى لهم ولمسلم، وحيث جاء في حديث أنس التقييد بالساعة لم يحتج إلى تقييد الغسل بالمرة لأنه يتعذر أو يتعسر، وحيث جاء فيها تكرار المباشرة والغسل معا، وعرف من هذا أن قوله في الترجمة " في غسل واحد " أشار به إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وإن لم يكن منصوصا فيما أخرجه كما جرت به
(1/378)

عادته، ويحمل المطلق في حديث عائشة على المقيد في حديث أنس ليتوافقا، ومن لازم جماعهن في الساعة أو الليلة الواحدة عود الجماع كما ترجم به، والله أعلم. واستدل به المصنف في كتاب النكاح على استحباب الاستكثار من النساء، وأشار فيه إلى أن القسم لم يكن واجبا عليه، وهو قول طوائف من أهل العلم، وبه جزم الإصطخري من الشافعية، والمشهور عندهم وعند الأكثرين الوجوب، ويحتاج من قال به إلى الجواب عن هذا الحديث فقيل: كان ذلك برضا صاحبة النوبة كما استأذنهن أن يمرض في بيت عائشة، ويحتمل أن يكون ذلك كان يحصل عند استيفاء القسمة ثم يستأنف القسمة، وقيل كان ذلك عند إقباله من سفر، لأنه كان إذا سافر أقرع بينهن فيسافر بمن يخرج سهمها فإذا انصرف استأنف، وهو أخص من الاحتمال الثاني، والأول أليق بحديث عائشة وكذا الثاني، ويحتمل أن يكون ذلك كان يقع قبل وجوب القسمة ثم ترك بعدها، وأغرب ابن العربي فقال: إن الله خص نبيه بأشياء منها أنه أعطاه ساعة في كل يوم لا يكون لأزواجه فيها حق، يدخل فيها على جميعهن فيفعل ما يريد ثم يستقر عند من لها النوبة، وكانت تلك الساعة بعد العصر، فإن اشتغل عنها كانت بعد المغرب. ويحتاج إلى ثبوت ما ذكره مفصلا. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم ما أعطي النبي صلى الله عليه وسلم من القوة على الجماع، وهو دليل على كمال البنية وصحة الذكورية، والحكمة في كثرة أزواجه أن الأحكام التي ليست ظاهرة يطلعن عليا فينقلنها، وقد جاء عن عائشة من ذلك الكثير الطيب، ومن ثم فضلها بعضهم على الباقيات. واستدل به ابن التين لقول مالك بلزوم الظهار من الإماء بناء على أن المراد بالزائدتين على التسع مارية وريحانة، وقد أطلق على الجميع لفظ نسائه، تعقب بأن الإطلاق المذكور للتغليب كما تقدم فليس فيه حجة لما ادعى، واستدل به ابن المنير على جواز وطء الحرة بعد الأمة من غير غسل بينهما ولا غيره، والمنقول عن مالك أنه لا يتأكد الاستحباب في هذه الصورة، ويمكن أن يكون ذلك وقع لبيان الجواز فلا يدل على عدم الاستحباب.
(1/379)

13 - باب غَسْلِ الْمَذْيِ وَالْوُضُوءِ مِنْهُ
269- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْتُ رَجُلًا أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَسَأَلَ فَقَالَ "تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ"
قوله: "باب غسل المذي والوضوء منه" أي بسببه، وفي المذي لغات أفصحها بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء، ثم بكسر الذال وتشديد الياء، وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو إرادته، وقد لا يحس بخروجه.قوله: "حدثنا أبو الوليد" هو الطيالسي.قوله: "عن أبي عبد الرحمن" هو السلمي.قوله: "مذاء" صيغة مبالغة من المذي، يقال مذي بمذي مثل مضى يمضي ثلاثيا، ويقال أيضا أمذى يمذي بوزن أعطى يعطي رباعيا. قوله: "فأمرت رجلا" هو المقداد بن الأسود كما تقدم في باب الوضوء من المخرجين من وجه آخر، وزاد فيه: "فاستحييت أن أسأل". قوله: "لمكان ابنته" في رواية مسلم من طريق ابن الحنفية عن علي " من أجل فاطمة " رضي الله عنهما. قوله: "توضأ" هذا الأمر بلفظ الإفراد يشعر بأن المقداد سأل لنفسه، ويحتمل أن يكون سأل لمبهم أو لعلي فوجه النبي صلى الله عليه وسلم الخطاب إليه، والظاهر أن عليا كان حاضر السؤال، فقد أطبق أصحاب المسانيد والأطراف على إيراد هذا الحديث في مسند علي، ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه في مسند المقداد. ويؤيده ما
(1/379)

في رواية النسائي من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي حصين في هذا الحديث عن علي قال: "فقلت لرجل جالس إلى جنبي سله فسأله " ووقع في رواية مسلم: "فقال: "يغسل ذكره ويتوضأ " بلفظ الغائب، فيحتمل أن يكون سؤال المقداد ووقع على الإبهام وهو الأظهر، ففي مسلم أيضا: "فسأله عن المذي يخرج من الإنسان " وفي الموطأ نحوه، ووقع في رواية لأبي داود والنسائي وابن خزيمة ذكر سبب ذلك من طريق حصين بن قبيصة عن علي قال: "كنت رجلا مذاء فجعلت اغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تفعل " ولأبي داود وابن خزيمة من حديث سهل بن حنيف أنه وقع له نحو ذلك وأنه سأل عن ذلك بنفسه، ووقع في رواية للنسائي أن عليا قال: "أمرت عمارا أن يسأل " وفي رواية لابن حبان والإسماعيلي أن عليا قال: "سألت". وجمع ابن حبان بين هذا الاختلاف بأن عليا أمر عمارا أن يسأل، ثم أمر المقداد بذلك، ثم سأل بنفسه. وهو جمع جيد إلا بالنسبة إلى آخره لكونه مغايرا لقوله إنه استحيي عن السؤال بنفسه لأجل فاطمة فيتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الآمر بذلك، وبهذا جزم الإسماعيلي ثم النووي، ويؤيد أنه أمر كلا من المقداد وعمارا بالسؤال عن ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عائش بن أنس قال: "تذاكر علي والمقداد وعمار المذي فقال علي: إنني رجل مذاء فاسألا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أحد الرجلين " وصحح ابن بشكوال أن الذي تولى السؤال عن ذلك هو المقداد، وعلى هذا فنسبة عمار إلى أنه سأل عن ذلك محمولة على المجاز أيضا لكونه قصده، لكن تولى المقداد الخطاب دونه والله أعلم. واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: "توضأ " على أن الغسل لا يجب بخروج المذي، وصرح بذلك في رواية لأبي داود وغيره وهو إجماع، وعلى أن الأمر بالوضوء منه كالأمر بالوضوء من البول كما تقدم استدلال المصنف به في باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، وحكى الطحاوي عن قوم أنهم قالوا بوجوب الوضوء بمجرد خروجه، ثم رد عليهم بما رواه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال: "فيه الوضوء وفي المني الغسل " فعرف بهذا أن حكم المذي حكم البول وغيره من نواقض الوضوء لا أنه يوجب الوضوء بمجرده. قوله: "وأغسل ذكرك" هكذا وقع في البخاري تقديم الأمر بالوضوء على غسله، ووقع في العمدة نسبة إلى البخاري بالعكس، لكن الواو لا ترتب فالمعنى واحد، وهي رواية الإسماعيلي، فيجوز تقديم غسله على الوضوء وهو أولى، ويجوز تقديم الوضوء على غسله لكن من يقول بنقض الوضوء بمسه يشترط أن يكون ذلك بحائل، واستدل به ابن دقيق العيد على تعين الماء فيه دون الأحجار ونحوها لأن ظاهره يعين الغسل والمعين لا يقع الامتثال إلا به، وهذا ما صححه النووي في شرح مسلم، وصحح في باقي كتبه جواز الاقتصار إلحاقا بالبول وحملا للأمر بغسله على الاستحباب أو على أنه خرج مخرج الغالب وهذا المعروف في المذهب، واستدل به بعض المالكية والحنابلة على إيجاب استيعابه بالغسل عملا بالحقيقة، لكن الجمهور نظروا إلى المعنى، فإن الموجوب لغسله إنما هو خروج الخارج فلا تجب المجاوزة إلى غير محله، ويؤيده ما عند الإسماعيلي في رواية: "فقال توضأ واغسله " فأعاد الضمير على المذي، ونظير هذا قوله: "من مس ذكره فليتوضأ " فإن النقض لا يتوقف على مس جميعه، واختلف القائلون بوجوب غسل جميعه هل هو معقول المعنى أو للتعبد؟ فعلى الثاني تجب
ـــــــ
(1) الصواب ماقاله ابن دقيق العيد من تعيين الماء في غسل المذي عملا بظاهر الحديث. ويؤيده ماثبت في مسند أحمد وسنن أبي داود عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يغسل ذكره وأنثييه.وهذاحكم يخص المذي دون البول. والله أعلم
(1/380)

النية فيه، قال الطحاوي: "لم يكن الأمر بغسله لوجوب غسله كله بل ليتقلص فيبطل خروجه كما في الضرع إذا غسل بالماء البارد يتفرق لبنه إلى داخل الضرع فينقطع بخروجه"، واستدل به أيضا على نجاسة المذي وهو ظاهر، وخرج ابن عقيل الحنبلي من قول بعضهم: إن المذي من أجزاء المني رواية بطهارته، وتعقب بأنه لو كان منيا لوجب الغسل منه، واستدل به على وجوب الوضوء على من به سلس المذي للأمر بالوضوء مع الوصف بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن الكثرة هنا ناشئة عن غلبة الشهوة مع صحة الجسد، بخلاف صاحب السلس فإنه ينشأ عن علة في الجسد، ويمكن أن يقال: أمر الشارع بالوضوء منه ولم يستفصل فدل على عموم الحكم، واستدل به على قبول خبر الواحد، وعلى جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع وفيهما نظر لما قدمناه من أن السؤال كان بحضرة علي، ثم لو صح أن السؤال كان في غيبته لم يكن دليلا على المدعي لاحتمال وجود القرائن التي تحف الخبر فترقيه عن الظن إلى القطع قاله القاضي عياض. وقال ابن دقيق العيد: "المراد بالاستدلال به على قبول خبر الواحد مع كونه خبر واحد أنه صورة من الصور التي تدل وهي كثيرة تقوم الحجة بجملتها لا بفرد معين منها". وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء، وقد يؤخذ منه جواز دعوى الوكيل بحضرة موكله، وفيه ما كان الصحابة عليه من حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره، وفيه استعمال الأدب في ترك المواجهة بما يستحيي منه عرفا، وحسن المعاشرة مع الأصهار وترك ذكر ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة أقاربها، وقد تقدم استدلال المصنف به في العلم لمن استحيي فأمر غيره بالسؤال، لأن فيه جميعا بين المصلحتين: استعمال الحياء، وعدم التفريط في معرفة الحكم.
(1/381)

14 - بَاب مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ أَثَرُ الطِّيبِ
270- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ "مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا" فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا".
271- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ".
[الحديث271- أطرافه في5923,5918,1538]
تقدم الكلام على الحديث قبل باب، وموضع الاستدلال به أن قولها " طاف في نسائه " كناية عن الجماع، ومن لازمه الاغتسال.وقد ذكرت أنها طيبته قبل ذلك، وأنه أصبح محرما. ومن فوائده أيضا وقوع رد بعض الصحابة على بعض بالدليل، واطلاع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على ما لا يطلع عليه غيرهن من أفاضل الصحابة، وخدمه الزوجات لأزواجهن، والتطيب عند الإحرام وسيأتي في الحج. وقال ابن بطال: فيه أن السنة اتخاذ الطيب للرجال والنساء عند الجماع. قوله: "حدثنا الحكم" هو ابن عتيبة، هو وشيخه إبراهيم النخعي وشيخه الأسود بن يزيد فقهاء كوفيون تابعيون. قوله: "وبيص" بفتح الواو وكسر الموحدة بعدها
(1/381)

ياء تحتانية ثم صاد مهملة هو البريق. وقال الإسماعيلي وبيص، الطيب تلألؤه وذلك لعين قائمة لا للريح فقط. قوله: "مفرق" بفتح الميم وكسر الراء ويجوز فتحها. ودلالة هذا المتن على الترجمة إما لكونها قصة واحدة، وإما لأن من سنن الإحرام الغسل عنده، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعه. وفيه أن بقاء الطيب على بدن المحرم لا يضر بخلاف ابتدائه بعد الإحرام.
(1/382)

15 - باب تَخْلِيلِ الشَّعَرِ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ
272- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اغْتَسَلَ ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ"
قوله: "باب تخليل الشعر" أي في غسل الجنابة قوله: "عبد الله" هو ابن المبارك. قوله: "إذا اغتسل" أي أراد أن يغتسل. قوله: "إذا ظن" يحتمل أن يكون على بابه ويكتفي فيه بالغلبة، ويحتمل أن يكون بمعنى علم. قوله: "أروى" هو فعل ماض من الإرواء، يقال أرواه إذا جعله ريانا، والمراد بالبشرة هنا ما تحت الشعر. قوله: "أفاض عليه" أي على شعره. قوله: "ثم غسل سائر جسده" أي بقية جسده، وقد تقدم من رواية مالك عن هشام في أول كتاب الغسل هنا " على جلده كله " فيحتمل أن يقال إن سائر هنا بمعنى الجميع جمعا بين الروايتين. وبقية مباحث الحديث تقدمت هناك.
273- وَقَالَتْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ نَغْرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا
قوله: "وقالت" أي عائشة " وهو معطوف على الأول فهو متصل بالإسناد المذكور. قوله: "نغرف" إسكان المعجمة بعدها راء مكسورة، وله في الاعتصام " نشرع فيه جميعا " وقد تقدمت مباحثه في باب: هل يدخل الجنب يده في الطهور.
(1/382)

اخت مسلمة
06-09-2009, 04:47 AM
16 - باب مَنْ تَوَضَّأَ فِي الْجَنَابَةِ ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مَرَّةً أُخْرَى
274- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ "وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءًا لِجَنَابَةٍ فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بِالأَرْضِ أَوْ الْحَائِطِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ قَالَتْ فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْهَا فَجَعَلَ يَنْفُضُ بِيَدِهِ"
قوله: "باب من توضأ في الجنابة" سقط من أواخر الترجمة لفظ: "منه " من رواية غير أبي ذر.قوله: "أخبرنا" ولأبي ذر "حدثنا الفضل". قوله: "وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة" كذا للأكثر بالإضافة، ولكريمة:
(1/382)

باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب خرج كما هو ولا يتيمم
...
17 - باب إِذَا ذَكَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ يَخْرُجُ كَمَا هُوَ وَلاَ يَتَيَمَّمُ
275- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ "أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ قِيَامًا فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلاَهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَقَالَ لَنَا "مَكَانَكُمْ" ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ"
تَابَعَهُ عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ الأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ
[الحديث275-طرفاه في: 640,639]
قوله: "باب إذا ذكر" أي تذكر الرجل، وهو "في المسجد أنه جنب خرج". ولأبي ذر وكريمة: "يخرج " "كما هو" أي على حاله. قوله: "ولا يتيمم" إشارة إلى رد من يوجبه في هذه الصورة، وهو منقول عن الثوري وإسحاق،
(1/383)

وكذا قال بعض المالكية فيمن نام في المسجد فاحتلم يتيمم قبل أن يخرج. وورد " ذكر " بمعنى تذكر من الذكر بضم الذال كثيرا، وإن كان المتبادر أنه من الذكر بكسرها. وقوله: "خرج كما هو " قال الكرماني: هذه الكاف كاف المقارنة لا كاف التشبيه، كذا قال، وعلى التنزل فالتشبيه هنا ليس ممتنعا لأن يتعلق بحالته، أي خرج في حالة شبيهة بحالته التي قبل خروجه فيما يتعلق بالمحدث لم يفعل ما يرفعه من غسل أو ما ينوب عنه من التيمم. قوله: "حدثنا عبد الله بن محمد" هو الجعفي، ويونس هو ابن يزيد. قوله: "وعدلت" أي سويت، وكان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر حتى تستوي الصفوف. قوله: "فلما قام في مصلاه ذكر" أي تذكر، لا أنه قال ذلك لفظا، وعلم الراوي بذلك من قرائن الحال أو بإعلامه له بعد ذلك. وبين المصنف في الصلاة من رواية صالح بن كيسان عن الزهري أن ذلك كان قبل أن يكبر النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة. قوله: "فقال لنا: مكانكم" بالنصب أي: ألزموا مكانكم. وفيه إطلاق القول على الفعل، فإن في رواية الإسماعيلي: "فأشار بيده أن مكانكم " ويحتمل أن يكون جمع بين الكلام والإشارة. قوله: "ورأسه يقطر" أي من ماء الغسل، وظاهر قوله: "فكبر " الاكتفاء بالإقامة السابقة، فيؤخذ منه جواز التخلل الكثير بين الإقامة والدخول في الصلاة، وسيأتي مع بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل أبواب صلاة الجماعة بعد أبواب الأذان إن شاء الله تعالى. قوله: "تابعه عبد الأعلى" هو ابن عبد الأعلى البصري، وروايته موصولة عند الإمام أحمد عنه، وقد تابع عثمان بن عمر راويه عن يونس عن عبد الله بن وهب عند مسلم، وهذه متابعة تامة. قوله: "ورواه الأوزاعي" روايته موصولة عند المؤلف في أوائل أبواب الإمامة كما سيأتي، وظن بعضهم أن السبب في التفرقة بين قوله تابعه وبين قوله رواه كون المتابعة وقعت بلفظه والرواية بمعناه، وليس كما ظن بل هو من التفنن في العبارة.
(1/384)

18 - باب نَفْضِ الْيَدَيْنِ مِنْ الْغُسْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ
276- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ الأَعْمَشَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ فَضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا ثُمَّ غَسَلَهَا فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ فَنَاوَلْتُهُ ثَوْبًا فَلَمْ يَأْخُذْهُ فَانْطَلَقَ وَهُوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ"
قوله: "باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة" كذا لأبي ذر وكريمة. وللباقين " من غسل الجنابة". قوله: "أخبرنا أبو حمزة" هو السكري. قوله: "فانطلق وهو ينفض يديه" استدل به على جواز نفض ماء الغسيل والوضوء وقد تقدم ذلك في أوائل الغسل، وهو ظاهر. وفي هذا الإسناد مروزيان: عبدان وشيخه، وكوفيان الأعمش وشيخه، ومدنيان كريب وشيخه، وفيما قبله بباب كذلك لأن يوسف بن عيسى وشيخه مروزيان، وفيما قبل ذلك بصريان: موسى وأبو عوانة، وكذا موسى وعبد الواحد، وكذا محمد بن محبوب وعبد الواحد، وفيما قبل أيضا مكيان: الحميدي وسفيان، وكلهم رووه عن الأعمش بالإسناد المذكور.
(1/384)

19 - باب مَنْ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ فِي الْغُسْلِ
277- حَدَّثَنَا خَلاَدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ
(1/284)

باب من أغتسل عريانا وحده في الخلوة ، ومن تستر فالستر أفضل
...
20 - بَاب مَنْ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الْخَلْوَةِ وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ
وَقَالَ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ"
278- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلاَّ أَنَّهُ آدَرُ فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ فَخَرَجَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ يَقُولُ ثَوْبِي يَا حَجَرُ حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَنَدَبٌ بِالْحَجَرِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ضَرْبًا بِالْحَجَرِ" .
[الحديث278- طرفاه في:4799,3404]
قوله: "باب من اغتسل عريانا وحده في خلوة" أي من الناس، وهو تأكيد لقوله: "وحده"، ودل قوله: "أفضل " على الجواز وعليه أكثر العلماء، وخالف فيه ابن أبي ليلى وكأنه تمسك بحديث يعلى بن أمية مرفوعا: "إذا اغتسل أحدكم فليستتر " قاله لرجل رآه يغتسل عريانا وحده رواه أبو داود، وللبزار نحوه من حديث ابن عباس مطولا. قوله: "وقال بهز" زاد الأصيلي: "ابن حكيم". قوله: "عن جده" هو معاوية بن حيدة بحاء مهملة
(1/385)

وياء تحتانية ساكنة صحابي معروف. قوله: "أن يستحيي منه من الناس" كذا لأكثر الرواة، وللسرخسي " أحق أن يستنزه منه " وهذا بالمعنى وقد أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من طرق عن بهز وحسنه الترمذي وصححه الحاكم. وقال ابن أبي شيبة: "حدثنا يزيد بن هارون حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك". قلت: يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا؟ قال: "الله أحق أن يستحيي منه من الناس" فالإسناد إلى بهز صحيح، ولهذا جزم به البخاري، وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه، ولهذا لما علق في النكاح شيئا من حديث جد بهز لم يجزم به بل قال: "ويذكر عن معاوية بن حيدة " فعرف من هذا أن مجرد جزمه بالتعليق لا يدل على صحة الإسناد إلا إلى من علق عنه، وأما ما فوقه فلا يدل، وقد حققت ذلك فيما كتبته على ابن الصلاح، وذكرت له أمثلة وشواهد ليس هذا موضع بسطها. وعرف من سياق الحديث أنه وارد في كشف العورة، بخلاف ما قال أبو عبد الملك البوني إن المراد بقوله: "أحق أن يستحيي منه " أي فلا يعصى. ومفهوم قوله: "إلا من زوجتك " يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه، وقياسه أنه يجوز له النظر، ويدل أيضا على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة، وفيه حديث في صحيح مسلم. ثم إن ظاهر حديث بهز يدل على أن التعري في الخلوة غير جائز مطلقا، لكن استدل المصنف على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب عليهما السلام، ووجه الدلالة منه - على ما قال ابن بطال - أنهما ممن أمرنا بالاقتداء به، وهذا إنما يأتي على رأي من يقول: شرع من قبلنا شرع لنا. والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصتين ولم يتعقب شيئا منهما فدل على موافقتهما لشرعنا، وإلا فلو كان فيهما شيء غير موافق لبينه، فعلى هذا فيجمع بين الحديثين بحمل حديث نهز بن حكيم على الأفضل وإليه أشار في الترجمة، ورجح بعض الشافعية تحريمه، والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط. قوله: "كانت بنو إسرائيل" أي جماعتهم وهو كقوله تعالى :{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} . قوله: "يغتسلون عراة" ظاهره أن ذلك كان جائزا في شرعهم وإلا لما أقرهم موسى على ذلك، وكان هو عليه السلام يغتسل وحده أخذا بالأفضل. وأغرب ابن بطال فقال: هذا يدل على أنهم كانوا عصاة له، وتبعه على ذلك القرطبي فأطال في ذلك. قوله: "آدر" بالمد وفتح الدال المهملة وتخفيف الراء قال الجوهري: الأدرة نفخة في الخصية، وهي بفتحات وحكى بضم أوله وإسكان الدال. قوله: "فجمح موسى" أي جرى مسرعا. وفي رواية: "فخرج". قوله: "ثوبي يا حجر" أي أعطني، وإنما خاطبه لأنه أجراه مجرى من يعقل لكونه فر بثوبه فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم الحيوان فناداه، فلما لم يعطه ضربه. وقيل يحتمل أن يكون موسى أراد بضربه إظهار المعجزة بتأثير ضربه فيه، ويحتمل أن يكون عن وحي. قوله: "حتى نظرت" ظاهره أنهم رأوا جسده، وبه يتم الاستدلال على جواز النظر عند الضرورة لمداواة وشبهها، وأبدى ابن الجوزي احتمال أن يكون كان عليه مئزر لأنه يظهر ما تحته بعد البلل، واستحسن ذلك ناقلا له عن بعض مشايخه، وفيه نظر. قوله: "فطفق بالحجر ضربا" كذا لأكثر الرواة، وللكشميهني والحموي " فطفق الحجر ضربا " والحجر على هذا منصوب بفعل مقدر أي طفق يضرب الحجر ضربا. قوله: "قال أبو هريرة" هو من تتمة مقول همام، وليس بمعلق. قوله: "لندب" بالنون والدال المهملة المفتوحتين وهو الأثر، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى.
(1/386)

279- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلَكِنْ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ" وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا..."
[الحديث280- طرفاه في: 7493,3391]
قوله: "وعن أبي هريرة" هو معطوف على الإسناد الأول، وجزم الكرماني بأنه تعليق بصيغة التمريض فأخطأ، فإن الحديثين ثابتان في نسخة همام بالإسناد المذكور. وقد أخرج البخاري هذا الثاني من رواية عبد الرزاق بهذا الإسناد في أحاديث الأنبياء. قوله: "يحتثي" بإسكان المهملة وفتح المثناة بعدها مثلثة، والحثية هي الأخذ باليد. ووقع في رواية القابسي عن أبي زيد " يحتثن " بنون في آخره بدل الياء. قوله: "لا غنى" القصر بلا تنوين ورويناه بالتنوين أيضا على أن " لا " بمعنى ليس. قوله: "ورواه إبراهيم" هو ابن طهمان، وروايته موصولة بهذا الإسناد عند النسائي والإسماعيلي، قال ابن بطال: وجه الدلالة من حديث أيوب أن الله تعالى عاتبه على جمع الجراد، ولم يعاتبه على الاغتسال عريانا فدل على جوازه. وسيأتي بقية الكلام عليه في أحاديث الأنبياء أيضا.
(1/387)

21 - باب التَّسَتُّرِ فِي الْغُسْلِ عِنْدَ النَّاسِ
280- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: "ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ"؟ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ".
[الحديث 280- أطرافه في6158,3171,357]
قوله: "باب التستر" لما فرغ من الاستدلال لأحد الشقين وهو التعري في الخلوة أورد الشق الآخر.قوله: "مولى عمر بن عبيد الله" بالتصغير وهو التيمي، وأم هانئ بهمزة منونة. قوله: "فقال من هذه؟" يدل على أن الستر كان كثيفا، وعرف أنها امرأة لكون ذلك الموضع لا يدخل عليه فيه الرجال، وسيأتي الكلام عليه في أواخر الجهاد حيث أورده المصنف تاما.
281- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: "سَتَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى الْحَائِطِ أَوْ الأَرْضِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ الْمَاءَ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ". تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَابْنُ فُضَيْلٍ فِي السَّتْرِ
قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك وسفيان هو الثوري، وقد تقدم الحديث في أول الغسل للمصنف
(1/387)

عاليا إلى الثوري، ونزل فيه هنا درجة. وكذلك نزل فيه شيخه عبدان درجة لأنه سبق من روايته عن أبي حمزة عن الأعمش. والسبب في ذلك اعتناؤه بمغايرة الطرق عند تغاير الأحكام. قوله: "تابعه أبو عوانة" أي عن الأعمش بإسناده هذا، وقد تقدمت هذه المتابعة موصولة عنده في باب: من أفرغ بيمينه. قوله: "وابن فضيل" أي الأعمش أيضا بهذا الإسناد، وروايته موصولة في صحيح أبي عوانة الإسفرايني نحو ورواية أبي عوانة البصري، وقد وقع ذكر الستر أيضا في هذا الحديث من رواية أبي حمزة عند المصنف، ومن رواية زائدة عند الإسماعيلي، وسبقت مباحث الحديث في أول الغسل. والله المستعان.
(1/388)

22 - باب إِذَا احْتَلَمَتْ الْمَرْأَةُ
282- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: "جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ".
قوله: "باب إذا احتلمت المرأة" إنما قيده بالمرأة مع أن حكم الرجل كذلك لموافقة صورة السؤال، وللإشارة إلى الرد على من منع منه في حق المرأة دون الرجل كما حكاه ابن المنذر وغيره عن إبراهيم النخعي، واستبعد النووي في شرح المهذب صحته عنه، لكن رواه ابن أبي شيبة عنه بإسناد جيد. قوله: "عن زينب بنت أبي سلمة" تقدم هذا الحديث في باب الحياء في العلم من وجه آخر، وفيه زينب بنت أم سلمة فنسبت هناك إلى أمها وهنا إلى أبيها، وقد اتفق الشيخان على إخراج هذا الحديث من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها، ورواه مسلم أيضا من رواية الزهري عن عروة لكن قال: "عن عائشة"، وفيه أن المراجعة وقعت بين أم سليم وعائشة، ونقل القاضي عياض عن أهل الحديث أن الصحيح أن القصة وقعت لأم سلمة لا لعائشة، وهذا يقتضي ترجيح رواية هشام، وهو ظاهر صنيع البخاري، لكن نقل ابن عبد البر عن الذهلي أنه صحح الروايتين، وأشار أبو داود إلى تقوية رواية الزهري لأن نافع بن عبد الله تابعه عن عروة عن عائشة. وأخرج مسلم أيضا رواية نافع. وأخرج أيضا من حديث أنس قال: "جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له، وعائشة عنده " فذكر نحوه. وروى أحمد من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن جدته أم سليم وكانت مجاورة لأم سلمة " فقالت أم سليم: يا رسول الله"؛ فذكر الحديث وفيه أن أم سلمة هي التي راجعتها، وهذا يقوى رواية هشام، قال النووي في شرح مسلم: يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا على أم سليم، وهو جمع حسن لأنه لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد. وقال في شرح المهذب: يجمع بين الروايات بأن أنسا وعائشة وأم سلمة حضروا القصة. انتهى. والذي يظهر أن أنسا لم يحضر القصة وإنما تلقى ذلك من أمه أم سليم، وفي صحيح مسلم من حديث أنس ما يشير إلى ذلك، وروى أحمد من حديث ابن عمر نحو هذه القصة، وإنما تلقى ذلك ابن عمر من أم سليم أو غيرها. وقد سألت عن هذه المسالة أيضا خولة بنت حكيم عند أحمد والنسائي وابن ماجه، وفي آخره: "كما ليس على الرجل غسل إذا رأى ذلك فلم ينزل " وسهلة بنت سهيل عند الطبراني، وبسرة بنت صفوان عند ابن أبي شيبة. قوله: "إن الله لا يستحيي من الحق" قدمت هذا القول تمهيدا لعذرها في ذكر ما يستحيي منه، والمراد بالحياء هنا معناه اللغوي،
(1/388)

إذ الحياء الشرعي خير كله. وقد تقدم في كتاب الإيمان أن الحياء لغة: تغير وانكسار، وهو مستحيل في حق الله تعالى، فيحمل هنا على أن المراد أن الله لا يأمر بالحياء في الحق، أو لا يمنع من ذكر الحق. وقد يقال إنما يحتاج إلى التأويل في الإثبات ولا يشترط في النفي أن يكون ممكنا، لكن لما كان المفهوم يقتضي أنه يستحيي من غير الحق عاد إلى جانب الإثبات فاحتيج إلى تأويله، قاله ابن دقيق العيد. قوله: "هل على المرأة من غسل" " من " زائدة، وقد سقطت في رواية المصنف في الأدب. قوله: "احتلمت" الاحتلام افتعال من الحلم بضيم المهملة وسكون اللام، وهو ما يراه النائم في نومه، يقال منه حلم بالفتح واحتلم، والمراد به هنا أمر خاص منه وهو الجماع. وفي رواية أحمد من حديث أم سليم أنها قالت: يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل؟. قوله: "إذا رأت الماء" أي المني بعد الاستيقاظ. وفي رواية الحميدي عن سفيان عن هشام " إذا رأت إحداكن الماء فلتغتسل " وزاد: "فقالت أم سلمة: وهل تحتلم المرأة؟ " وكذلك روى هذه الزيادة أصحاب هشام عنه غير مالك فلم يذكرها، وقد تقدمت من رواية أبي معاوية عن هشام في باب الحياء في العلم وفيه: "أو تحتلم المرأة؟ " وهو معطوف على مقدر يظهر من السياق أي أترى المرأة الماء وتحتلم؟ وفيه: "فغطت أم سلمة وجهها " ويأتي في الأدب من رواية يحيى القطان عن هشام " فضحكت أم سلمة"، ويجمع بينهما بأنها تبسمت تعجبا وغطت وجهها حياء، ولمسلم من رواية وكيع عن هشام " فقالت لها: يا أم سليم فضحت النساء " وكذا لأحمد من حديث أم سليم، وهذا يدل على أن كتمان مثل ذلك من عادتهن لأنه يدل على شدة شهوتهن للرجال. وقال ابن بطال: فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن، وعكسه غيره، فقال: فيه دليل على أن بعض النساء لا يحتلمن، والظاهر أن مراد ابن بطال الجواز لا الوقوع، أي فيهن قابلية ذلك. وفيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال، ونفى ابن بطال الخلاف فيه، وقد قدمناه عن النخعي. وكأن أم سليم لم تسمع حديث: "الماء من الماء"، أو سمعته وقام عندها ما يوهم خروج المرأة عن ذلك وهو ندور بروز الماء منها. وقد روى أحمد من حديث أم سليم في هذه القصة أن أم سلمة قالت: "يا رسول الله وهل للمرأة ماء؟ فقال: "هن شقائق الرجال " وروى عبد الرزاق في هذه القصة " إذا رأت إحداكن الماء كما يراه الرجل"، وروى أحمد من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة " ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل " وفيه رد على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز، وإنما يعرف إنزالها بشهوتها، وحمل قوله: "إذا رأت الماء " أي علمت به، لأن وجود العلم هنا متعذر لأنه إذا أراد به علمها بذلك وهي نائمة فلا يثبت به حكم لأن الرجل لو رأى أنه جامع وعلم أنه أنزل في النوم ثم استيقظ فلم ير بللا لم يجب عليه الغسل اتفاقا، فكذلك المرأة وإن أراد به علمها بذلك بعد أن استيقظت فلا يصح لأنه لا يستمر في اليقظة ما كان في النوم إن كان مشاهدا، فحمل الرؤية على ظاهرها هو الصواب وفيه استفتاء المرأة بنفسها، وسياق صور الأحوال في الوقائع الشرعية لما يستفاد من ذلك. وفيه جواز التبسم في التعجب، وسيأتي الكلام على قوله: "فيم يشبهها ولدها " في بدء الخلق إن شاء الله تعالى.
ـــــــ
(1)الصواب أنه لحاجة إلى التأويل مطلقا, فإن الله يوصف بالحياء الذي يليق به ولايشابه فيه خلقه كسائر صفاته. وقد ورد وصفه بذلك في نصوص كثيرة فوجب إثباته له على الوجه الذي يليق به.وهذا قول أهل السنة في جميع الصفات الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة, وهو طريق النجاة,فتنبه واحذر, والله أعلم.
(1/389)

23- باب عَرَقِ الْجُنُبِ وَأَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ
283- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَالَ "سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ"
[الحديث283- طرفه في: 285]
قوله: "باب عرق الجنب، وأن المسلم لا ينجس" كأن المصنف يشير بذلك إلى الخلاف في عرق الكافر. وقال قوم إنه نجس بناء على القول بنجاسة عينه كما سيأتي، فتقدير الكلام بيان حكم عرق الجنب، وبيان أن المسلم لا ينحس، وإذا كان لا ينجس فعرقه ليس بنجس، ومفهومه أن الكافر ينجس فيكون عرقه نجسا. قوله: "حدثنا يحيى" هو ابن سعيد القطان، وحميد هو الطويل، وبكر هو ابن عبد الله المزني، وأبو رافع الصائغ وهو مدني سكن البصرة، ومن دونه في الإسناد بصريون أيضا، وحميد وبكر وأبو رافع ثلاثة من التابعين في نسق. قوله: "في بعض طرق" كذا للأكثر. وفي رواية كريمة والأصيلي: "طرق " ولأبي داود والنسائي: "لقيته في طريق من طرق المدينة " وهي توافق رواية الأصيلي. قوله: "وهو جنب" يعني نفسه. وفي رواية أبي داود " وأنا جنب". قوله: "فانخنست" كذا للكشميهني والحموي وكريمة بنون ثم خاء معجمة ثم نون ثم سين مهملة. وقال القزاز: وقع في رواية: "فانبخست " يعني بنون ثم موحدة ثم خاء معجمة ثم سين مهملة قال: ولا وجه له، والصواب أن يقال: "فانخنست " يعني كما تقدم، قال: والمعنى مضيت عنه مستخفيا، ولذلك وصف الشيطان بالخناس، ويقويه الرواية الأخرى " فانسللت". انتهى. وقال ابن بطال: وقعت هذه اللفظة " فانبخست " يعني كما تقدم قال: ولابن السكن بالجيم، قال: ويحتمل أن يكون من قوله تعالى :{فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} أي جرت واندفعت، وهذه أيضا رواية الأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر، ووقع في رواية المستملي: "فانتجست " بنون ثم مثناة فوقانية ثم جيم أي اعتقدت نفسي نجسا. ووجهت الرواية التي أنكرها القزاز بأنها مأخوذة من البخس وهو النقص، أي اعتقد نقصان نفسه بجنابته عن مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت في رواية الترمذي مثل رواية ابن السكن وقال: معنى انبخست منه تنحيت عنه، ولم يثبت لي من طريق الرواية غير ما تقدم، وأشبهها بالصواب الأولى ثم هذه. وقد نقل الشراح فيها ألفاظا مختلفة مما صحفه بعض الرواة لا معنى للتشاغل بذكره، كانتجشت بشين معجمة من النجش، وبنون وحاء مهملة ثم موحدة ثم سين مهملة من الانحباس. قوله: "إن المؤمن لا ينجس" تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال: إن الكافر نجس العين، وقواه بقوله تعالى :{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة، بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة، وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد والاستقذار، وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن، ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة، فدل على أن الآدمي الحي ليس بنجس العين إذ لا فرق بين النساء والرجال. وأغرب القرطبي في
(1/390)

الجنائز من، شرح مسلم فنسب القول بنجاسة الكافر إلى الشافعي، وسيأتي الكلام على مسألة الميت في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى. وفي هذا الحديث استحباب الطهارة عند ملابسة الأمور المعظمة، واستحباب احترام أهل الفضل وتوقيرهم ومصاحبهم على أكمل الهيئات. وكان سبب ذهاب أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا لقي أحدا من أصحابه ماسحه ودعا له، هكذا رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة، فلما ظن أبو هريرة أن الجنب ينجس بالحدث خشي أن يماسحه صلى الله عليه وسلم كعادته، فبادر إلى الاغتسال، وإنما أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "وأنا على غير طهارة"، وقوله: "سبحان الله " تعجب فن اعتقاد أبي هريرة التنجس بالجنابة، أي كيف يخفى عليه هذا الظاهر؟ وفيه استحباب استئذان التابع للمتبوع إذا أراد أن يفارقه لقوله: "أين كنت؟ " فأشار إلى أنه كان ينبغي له أن لا يفارقه حتى يعلمه. وفيه استحباب تنبيه المتبوع لتابعه على الصواب وإن لم يسأله. وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه، وبوب عليه ابن حبان الرد على من زعم أن الجنب إذا وقع في البئر فنوى الاغتسال أن ماء البئر ينجس، واستدل به البخاري على طهارة عرق الجنب لأن بدنه لا ينجس بالجنابة، فكذلك ما تحلب منه. وعلى جواز تصرف الجنب في حوائجه قبل أن يغتسل فقال:
(1/391)

24 - باب الْجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ
وَقَالَ عَطَاءٌ: "يَحْتَجِمُ الْجُنُبُ وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ"
284- حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ"
"باب الجنب يخرج ويمشي في السوق" قوله: "وغيره" بالجر أي وغير السوق، ويحتمل الرفع عطفا على يخرج من جهة المعنى. قوله: "وقال عطاء" كذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه وزاد: "ويطلي بالنورة " ولعل هذه الأفعال هي المرادة بقوله: "وغيره: "بالرفع في الترجمة. قوله: "حدثنا سعيد" هو ابن أبي عروبة، كذا لهم إلا الأصيلي فقال شعبة. قوله: "أن النبي" وفي رواية الأصيلي وكريمة: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وقد تقدم الكلام على هذا الحديث برقم 268 في باب إذا جامع ثم عاد وإيراده له في هذا الباب يقوي رواية: "وغيره: "بالجر لأن حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت متقاربة فهو محتاج في الدخول في هذه إلى هذه إلى المشي، وعلى هذا فناسبة إيراد أثر عطاء من جهة الاشتراك في جواز تشاغل الجنب بغير غسل، وقد خالف عطاء غيره كما رواه أبي شيبة عن الحسن البصري وغيره فقالوا: يستحب له الوضوء وحديث أنس يقوي اختيار عطاء لأنه لم يذكر فيه أنه توضأ فكأن المصنف أورده ليستدل له لا ليستدل به.
285- حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ "لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَخَذَ بِيَدِي فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ فَانْسَلَلْتُ فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ فَقُلْتُ لَهُ "فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ".
(1/391)

قوله: "حدثنا عياش" بياء تحتانية وشين معجمة هو ابن الوليد الرقام، وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى والإسناد أيضا إلى أبي رافع بصريون، وقد سبق الكلام على هذا الحديث في الباب الذي قبله قوله: "فانسللت" أي ذهبت في خفية، والرحل بحاء مهملة ساكنة أي المكان الذي يأوى فيه، وقوله: "يا أبا هريرة " وقع في رواية المستملي والكشميهني: "يا أبا هر " بالترخيم.
(1/392)

25 - باب كَيْنُونَةِ الْجُنُبِ فِي الْبَيْتِ إِذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ
286- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْقُدُ وَهُوَ جُنُبٌ قَالَتْ نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ".
قوله: "باب كينونة الجنب في البيت" أي استقراره فيه، وكينونة مصدر كان يكون كونا وكينونة، ولم يجيء على هذا إلا أحرف معدودة مثل ديمومة من دام. قوله: "إذا توضأ" زاد أبو الوقت وكريمة: "قبل أن يغتسل " وسقط الجميع من رواية المستملي والحموي، قيل أشار المصنف بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد عن على مرفوعا: "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة ولا جنب " رواه أبو داود وغيره، وفيه نجى بضم النون وفتح الجيم الحضرمي، ما روى عنه غير ابنه عبد الله فهو مجهول، لكن وثقه العجلي وصحح حديثه ابن حبان والحاكم، فيحتمل كما قال الخطابي أن المراد بالجنب من يتهاون بالاغتسال ويتخذ تركه عادة لا من يؤخره ليفعله، قال: ويقويه أن المراد بالكلب غير ما أذن في اتخاذه، وبالصورة ما فيه روح وما لا يمتهن، قال النووي: وفي الكلب نظر. انتهى. ويحتمل أن يكون المراد بالجنب في حديث على من لم يرتفع حدثه كله ولا بعضه، وعلى هذا فلا يكون بينه وبين حديث الباب منافاة، لأنه إذا توضأ ارتفع بعض حدثه على الصحيح كما سيأتي تصويره. قوله: "حدثنا هشام" هو الدستوائي، وشيبان هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير، وصرح بتحديث أبي سلمة له في رواية ابن أبي شيبة. ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن ابن عمر أخرجه النسائي. قوله: "قال نعم ويتوضأ" هو معطوف على ما سد لفظ: "نعم " مسده أي يرقد ويتوضأ، والواو لا تقتضي الترتيب فالمعنى يتوضأ ثم يرقد، ولمسلم من طريق الزهري عن أبي سلمة بلفظ: "كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة"، وهذا السياق أوضح في المراد. وللمصنف مثله في الباب الذي بعد هذا من رواية عروة عن عائشة بزيادة " غسل الفرج " وزاد أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي نعيم شيخ البخاري في آخر حديث الباب: "ويتوضأ وضوءه للصلاة " وللإسماعيلي من وجه آخر عن هشام نحوه، وفيه رد على من حمل الوضوء هنا على التنظيف.
(1/392)

26- بَاب نَوْمِ الْجُنُبِ
287- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ: "نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ وَهُوَ جُنُبٌ".
[الحديث287- طرفاه في:290,289]
(1/392)

288- باب الجنب يتوضأ ثم ينام
288- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ"
قوله: "عن محمد بن عبد الرحمن" هو أبو الأسود الذي يقال له يتيم عروة. ونصف هذا الإسناد المبتدأ به بصريون ونصفه الأعلى مدنيون. قوله: "وتوضأ للصلاة" أي توضأ وضوءا كما للصلاة، وليس المعنى أنه توضأ لأداء الصلاة، وإنما المراد توضأ وضوءا شرعيا لا لغويا.
289- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ: "نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ".
قوله: "حدثنا جويرية" بالجيم والراء مصغرا وهو اسم رجل، واسم أبيه أسماء بن عبيد، وقد سمع جويرية هذا من نافع مولى ابن عمر ومن مالك عن نافع.قوله: "عن عبد الله" في رواية ابن عساكر: "عن ابن عمر". قوله: "فقال نعم إذا توضأ" ولمسلم من طريق ابن جريج عن نافع " ليتوضأ ثم لينم".
290- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ".
قوله: "عن عبد الله بن دينار" هكذا رواه مالك في الموطأ باتفاق من رواة الموطأ، ورواه خارج الموطأ عن نافع بدل عبد الله بن دينار، وذكر أبو علي الجياني أنه وقع في رواية ابن السكن عن نافع بدل عبد الله بن دينار، وكان كذلك عند الأصيلي إلا أنه ضرب على نافع وكتب فوقه " عبد الله بن دينار " قال أبو علي: والحديث محفوظ لمالك عنهما جميعا. انتهى كلامه. قال ابن عبد البر: الحديث لمالك عنهما جميعا، لكن المحفوظ عن عبد الله بن دينار وحديث نافع غريب. انتهى. وقد رواه عنه كذلك عن نافع خمسة أو ستة فلا غرابة، وإن ساقه الدارقطني في
(1/393)

غرائب مالك فمراده ما رواه خارج الموطأ، فهي غرابة خاصة بالنسبة للموطأ، نعم رواية الموطأ أشهر. قوله: "ذكر عمر بن الخطاب" مقتضاه أيضا أنه من مسند ابن عمر كما هو عند أكثر الرواة، ورواه أبو نوح عن مالك فزاد فيه عن عمر، وقد بين النسائي سبب ذلك في روايته من طريق ابن عون عن نافع قال: أصاب ابن عمر جنابة فأتى عمر فذكر ذلك له، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره فقال: "ليتوضأ ويرقد " وعلى هذا فالضمير في قوله في حديث الباب: "أنه تصيبه " يعود على ابن عمر لا على عمر، وقوله في الجواب " توضأ " يحتمل أن يكون ابن عمر كان حاضرا فوجه الخطاب إليه. قوله: "بأنه" كذا للمستملي والحموي وللباقين " أنه". قوله: "فقال له" سقط لفظ: "له " من رواية الأصيلي. قوله: "توضأ واغسل ذكرك" في رواية أبي نوح " اغسل ذكرك ثم توضأ ثم نم " وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال: يجوز تقديم الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث وإنما هو للتعبد إذ الجنابة أشد من مس الذكر، فتبين من رواية أبي نوح أن غسله مقدم على الوضوء، ويمكن أن يؤخذ عنه بشرط أن لا يمسه على القول بأن مسه ينقض. وقال ابن دقيق العيد: جاء الحديث بصيغة الأمر وجاء بصيغة الشرط، وهو متمسك لمن قال بوجوبه. وقال ابن عبد البر: ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب، وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه وهو شذوذ. وقال ابن العربي: قال مالك والشافعي لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ، واستنكر بعض المتأخرين هذا النقل وقال: لم يقل الشافعي بوجوبه، ولا يعرف ذلك أصحابه. وهو كما قال، لكن كلام ابن العربي محمول على أنه أراد نفي الإباحة المستوية الطرفين لا إثبات الوجوب، أو أراد بأنه واجب وجوب سنة أي متأكد الاستحباب، ويدل عليه أنه قابله بقول ابن حبيب: هو واجب وجوب الفرائض، وهذا موجود في عبارة المالكية كثيرا، وأشار ابن العربي إلى تقوية قول ابن حبيب، وبوب عليه أبو عوانة في صحيحه إيجاب الوضوء عن الجنب إذا أراد النوم، ثم استدل بعد ذلك هو وابن خزيمة على عدم الوجوب بحديث ابن عباس مرفوعا: "إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة " وقد تقدم ذكره في باب إذا جامع ثم عاد. وقد قدح في هذا الاستدلال ابن رشد المالكي، وهو واضح. ونقل الطحاوي عن أبي يوسف أنه ذهب إلى عدم الاستحباب، وتمسك بما رواه أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء رواه أبو داود وغيره، وتعقب بأن الحفاظ قالوا إن أبا إسحاق غلط فيه، وبأنه لو صح حمل على أنه ترك الوضوء لبيان الجواز لئلا يعتقد وجوبه، أو أن معنى قوله لا يمس ماء أي للغسل، وأورد الطحاوي من الطريق المذكورة عن أبي إسحاق ما يدل على ذلك، ثم جنح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف، واحتج بأن ابن عمر راوي الحديث وهو صاحب القصة كان يتوضأ وهو جنب ولا يغسل رجليه كما رواه مالك في الموطأ عن نافع، وأجيب بأنه ثبت تقييد الوضوء بالصلاة من روايته ومن رواية عائشة كما تقدم فيعتمد ويحمل ترك ابن عمر لغسل رجليه على أن ذلك كان لعذر. وقال جمهور العلماء: المراد بالوضوء هنا الشرعي، والحكمة فيه أنه يخفف الحدث، ولا سيما على القول بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء المخصوصة على الصحيح، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس الصحابي قال: "إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة " وقيل:الحكمة فيه أنه إحدى الطهارتين، فعلى هذا يقوم التيمم مقامه. وقد روى البيهقي بإسناد حسن عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم، ويحتمل أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء، وقيل
(1/394)

الحكمة فيه أنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل. وقال ابن دقيق العيد: نص الشافعي رحمه الله على أن ذلك ليس على الحائض، لأنها لو اغتسلت لم يرتفع حدثها بخلاف الجنب، لكن إذا انقطع دمها استحب لها ذلك. وفي الحديث أن غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يتضيق عند القيام إلى الصلاة، واستحباب التنظيف عند النوم، قال ابن الجوزي: والحكمة فيه أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك، والله أعلم.
(1/395)

28- باب إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ ح
291- و حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ"
تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلَهُ وَقَالَ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ مِثْلَهُ
قوله: "باب إذا التقى الختانان" المراد بهذه التثنية ختان الرجل والمرأة، والختن قطع جلدة كمرته، وخفاض المرأة والخفض قطع جليدة في أعلى فرجها تشبه عرف الديك بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة، وإنما ثنيا بلفظ واحد تغليبا وله نظائر، وقاعدته رد الأثقل إلى الأخف والأدنى إلى الأعلى. قوله: "هشام" هو الدستوائي في الموضعين، وإنما فرقهما لأن معاذا قال: "حدثنا " وأبا نعيم قال: "عن " وطريق معاذ إلى الصحابي كلهم بصريون. قوله: "إذا جلس" لضمير المستتر فيه وفي قوله: "جهد " للرجل، والضميران البارزان في قوله: "شعبها " و " جهدها " للمرأة، وترك إظهار ذلك للمعرفة به، وقد وقع مصرحا به في رواية لابن المنذر من وجه آخر عن أبي هريرة قال: "إذا غشى الرجل امرأته فقعد بين شعبها " الحديث، والشعب جمع شعبة وهي القطعة من الشيء، قيل المراد هنا يداها ورجلاها وقيل رجلاها وفخذاها وقع ساقاها وفخذاها وقيل فخذاها وإسكتاها وقيل فخذاها وشفراها وقيل نواحي فرجها الأربع، قال الأزهري: الإسكتان ناحيتا الفرج، والشفران طرف الناحيتين، ورجح القاضي عياض الأخير، واختار ابن دقيق العيد الأول، قال: لأنه أقرب إلى الحقيقة أو هو حقيقة في الجلوس، وهو كناية عن الجماع فاكتفى به عن التصريح. قوله: "ثم جهدها" بفتح الجيم والهاء، يقال جهد وأجهد أي بلغ المشقة، قيل معناه كدها بحركته أو بلغ جهده في العمل بها، ولمسلم من طريق شعبة عن قتادة " ثم اجتهد" ، ورواه أبو داود من طريق شعبة وهشام معا عن قتادة بلفظ: "وألزق الختان بالختان " بدل قوله ثم جهدها، وهذا يدل على أن الجهد هنا كناية عن معالجة الإيلاج، ورواه البيهقي من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة مختصرا ولفظه: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل" وهذا مطابق للفظ الترجمة، فكأن المصنف أشار إلى هذه الرواية كعادته في التبويب بلفظ إحدى روايات حديث الباب، وروى أيضا بهذا اللفظ من حديث عائشة أخرجه الشافعي من طريق سعيد بن المسيب عنها وفي إسناده على بن زيد وهو ضعيف، وابن ماجه من طريق القاسم بن محمد عنها ورجاله ثقات، ورواه مسلم من طريق أبي موسى الأشعري عنها بلفظ: "ومس الختان الختان" والمراد بالمس والالتقاء المحاذاة، ويدل عليه رواية الترمذي بلفظ: "إذا جاوز " وليس المراد بالمس حقيقته لأنه لا يتصور عند غيبة الحشفة، ولو حصل المس
(1/395)

قبل الإيلاج لم يجب الغسل بالإجماع، قال النووي: معنى الحديث أن إيجاب الغسل لا يتوقف على الإنزال، وتعقب بأنه يحتمل أن يراد بالجهد الإنزال لأنه هو الغاية في الأمر فلا يكون فيه دليل، والجواب أن التصريح بعدم التوقف على الإنزال قد ورد في بعض طرق الحديث المذكور فانتقى الاحتمال، ففي رواية مسلم من طريق مطر الوراق عن الحسن في آخر هذا الحديث: "وإن لم ينزل"، ووقع ذلك في رواية قتادة أيضا رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن عفان قال حدثنا همام وأبان قالا حدثنا قتادة به وزاد في آخره: "أنزل أو لم ينزل " وكذا رواه الدارقطني وصححه من طريق علي بن سهل عن عفان، وكذا ذكرها أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة عن قتادة. قوله: "تابعه عمرو" أي ابن مرزوق، وصرح به في رواية كريمة، وقد روينا حديثه موصولا في فوائد عثمان بن أحمد السماك حدثنا عثمان بن عمر الضبي حدثنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة عن قتادة، فذكر مثل سياق حديث الباب لكن قال: "وأجهدها " وعرف بهذا أن شعبة رواه عن قتادة عن الحسن لا عن الحسن نفسه، والضمير في تابعه يعود على هشام لا على قتادة. وقرأت بخط الشيخ مغلطاي أن رواية عمرو بن مرزوق هذه عند مسلم عن محمد بن عمرو بن جبلة عن وهب بن جرير وابن أبي عدي كلاهما عن عمرو بن مرزوق عن شعبة، وتبعه بعض الشراح على ذلك، وهو غلط فإن ذكر عمرو بن مرزوق في إسناد مسلم زيادة، بل لم يخرج مسلم لعمرو بن. مرزوق شيئا. قوله: "وقال موسى" أي ابن إسماعيل قال: "حدثنا" وللأصيلي أخبرنا "أبان" وهو ابن يزيد العطار، وأفادت روايته التصريح بتحديث الحسن لقتادة، وقرأت بخط مغلطاي أيضا أن رواية موسى هذه عند البيهقي أخرجها من طريق عفان وهمام كلاما عن موسى عن أبان، وهو تخليط تبعه عليه أيضا بعض الشراح، وإنما أخرجها البيهقي من طريق عفان عن همام وأبان جميعا عن قتادة، فهمام شيخ عفان لا رفيقه، وأبان رفيق همام لا شيخ شيخه، ولا ذكر لموسى فيه أصلا بل عفان رواه عن أبان كما رواه عنه موسى فهو رفيقه لا شيخه، والله الهادي إلى الصواب. "تنبيه": زاد هنا في نسخة الصغاني: هذا أجود وأوكد، وإنما بينا..إلى آخر الكلام الآتي في آخر الباب الذي يليه.والله أعلم.
(1/396)

29 - باب غَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ
292- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ الْحُسَيْنِ قَالَ يَحْيَى وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ "أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَمْ يُمْنِ قَالَ عُثْمَانُ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ قَالَ عُثْمَانُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ" قَالَ يَحْيَى وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: "باب غسل ما يصيب" أي الرجل "من فرج المرأة" أي من رطوبة وغيرها. قوله: "عن الحسين" زاد أبو ذر " المعلم". قوله: "قال يحيى" هو ابن أبي كثير، أي قال الحسين قال يحيى، ولفظ قال الأولى تحذف في الخط عرفا. قوله: "وأخبرني" هو عطف على مقدر، أي أخبرني بكذا وأخبرني بكذا. ووقع في رواية مسلم بحذف الواو، قال ابن العربي: لم يسمعه الحسين من يحيى فلهذا قال: "قال يحيى " كذا ذكره، ولم يأت بدليل. وقد
(1/396)

وقع في رواية مسلم في هذا الموضع عن الحسين عن يحيى، وليس الحسين بمدلس، وعنعنة غير المدلس محمولة على السماع إذا لقيه على الصحيح. على أنه وقع التصريح في رواية ابن خزيمة في رواية الحسين عن يحيى بالتحديث ولفظه: "حدثني يحيى بن أبي كثير " ولم ينفرد الحسين مع ذلك به، فقد رواه عن يحيى أيضا معاوية بن سلام أخرجه ابن شاهين، وشيبان بن عبد الرحمن أخرجه المصنف كما تقدم في باب الوضوء من المخرجين، وسبق الكلام هناك على فوائد هذا الإسناد وألفاظ المتن. قوله: "فأمروه بذلك" فيه التفات، لأن الأصل أن يقول فأمروني، أو هو مقول عطاء بن يسار فيكون مرسلا. وقال الكرماني: الضمير يعود على الجامع الذي في ضمن " إذا جامع " وجزم أيضا بأنه عن عثمان إفتاء ورواية مرفوعة وعن الباقين إفتاء فقط. قلت: وظاهره أنهم أمروه بما أمره به عثمان فليس صريحا في عدم الرفع، لكن في رواية الإسماعيلي: فقالوا مثل ذلك، وهذا ظاهره الرفع لأن عثمان أفتاه بذلك وحدثه به عن النبي صلى الله عليه وسلم فالمثلية تقتضي أنهم أيضا أفتوه وحدثوه، وقد صرح الإسماعيلي بالرفع في رواية أخرى له ولفظه: "فقالوا مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وقال الإسماعيلي: لم يقل ذلك غير يحيى الحماني، وليس هو من شرط هذا الكتاب. قوله: "أخبرني أبو سلمة" كذا لأبي ذر، وللباقين " قال يحيى: وأخبرني أبو سلمة " وهو المراد، وهو معطوف بالإسناد الأول وليس معلقا، وقد رواه مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه بالإسنادين معا. قوله: "أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال الدارقطني: هو وهم لأن أبا أيوب إنما سمعه من أبي بن كعب كما قال هشام بن عروة عن أبيه. قلت: الظاهر أن أبا أيوب سمعه منهما لاختلاف السياق، لأن في روايته عن أبي بن كعب قصة ليست في روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن أبا سلمة وهو ابن عبد الرحمن بن عوف أكبر قدرا وسنا وعلما من هشام بن عروة، وروايته عن عروة من باب رواية الأقران لأنهما تابعيان فقهان من طبقة واحدة، وكذلك رواية أبي أيوب عن أبي بن كعب لأنهما فقيهان صحابيان كبيران، وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الدارمي وابن ماجه، وقد حكى الأثرم عن أحمد أن حديث زيد بن خالد المذكور في هذا الباب معلول، لأنه ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث، وقد حكى يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني أنه شاذ. والجواب عن ذلك أن الحديث ثابت من جهة اتصال إسناده وحفظ رواته، وقد روى ابن عيينة أيضا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار نحو رواية أبي سلمة عن عطاء أخرجه ابن أبي شيبة وغيره فليس هو فردا، وأما كونهم أفتوا بخلافه فلا يقدح ذلك في صحته لاحتمال أنه ثبت عندهم ناسخه فذهبوا إليه، وكم من حديث منسوخ وهو صحيح من حيث الصناعة الحديثية. وقد ذهب الجمهور إلى أن ما دل عليه حديث الباب من الاكتفاء بالوضوء إذا لم ينزل الجامع منسوخ بما دل عليه حديث أبي هريرة وعائشة المذكوران في الباب قبله، والدليل على النسخ ما رواه أحمد وغيره من طريق الزهري عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يقولون " الماء من الماء " رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد، صححه ابن خزيمة وابن حبان. وقال الإسماعيلي: هو صحيح على شرط البخاري، كذا قال، وكأنه لم يطلع على علته، فقد اختلفوا في كون الزهري سمعه من سهل. نعم أخرجه أبو داود وابن خزيمة أيضا من طريق أبي حازم عن سهل، ولهذا الإسناد أيضا علة أخرى ذكرها ابن أبي حاتم، وفي الجملة هو إسناد صالح لأن يحتج به، وهو صريح في النسخ. على أن حديث الغسل وإن لم ينزل أرجح من حديث الماء من الماء، لأنه بالمنطوق، وترك الغسل من حديث الماء
(1/397)

بالمفهوم، أو بالمنطوق أيضا لكن ذاك أصرح منه. وروى ابن أبي شيبة وغيره عن ابن عباس أنه حمل حديث: "الماء من الماء " على صورة مخصوصة وهي ما يقع في المنام من رؤية الجماع، وهو تأويل يجمع بين الحديثين من غير تعارض. "تنبيه": في قوله: "الماء من الماء " جناس تام، والمراد بالماء الأول ماء الغسل وبالثاني المني وذكر الشافعي أن كلام العرب يقتضي أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وإن لم يكن معه إنزال، فإن كل من خوطب بأن فلانا أجنب من فلانة عقل أنه أصابها وإن لم ينزل، قال: ولم يختلف أن الزنا الذي يجب به الحد هو الجماع ولو لم يكن معه إنزال. وقال ابن العربي: إيجاب الغسل بالإيلاج بالنسبة إلى الإنزال نظير إيجاب الوضوء بمس الذكر بالنسبة إلى خروج البول0(1) فهما متفقان دليلا وتعليلا. والله أعلم.
293- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ قَالَ أَخْبَرَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ قَالَ "يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي" قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الْغَسْلُ أَحْوَطُ وَذَاكَ الْآخِرُ وَإِنَّمَا بَيَّنَّا لِاخْتِلاَفِهِمْ
قوله: "عن هشام بن عروة قال أخبرني أبي" عني أباه عروة وهو واضح، وإنما نبهت عليه لئلا يظن أنه نظير أبي بن كعب لكونه ذكر في الإسناد. قوله: "ما مس المرأة منه" أي يغسل الرجل العضو الذي مس فرج المرأة من أعضائه، وهو من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم لأن المراد رطوبة فرجها قوله: "ثم يتوضأ" ريح في تأخير الوضوء عن غسل الذكر، زاد عبد الرزاق عن الثوري عن هشام فيه: "وضوءه للصلاة". قوله: "ويصلي" هو أصرح في الدلالة على ترك الغسل من الحديث الذي قبله. قوله: "قال أبو عبد الله" و المصنف، وقائل ذلك هو الراوي عنه. قوله: "الغسل أحوط" أي على تقدير أن لا يثبت الناسخ ولا يظهر الترجيح، فالاحتياط للدين الاغتسال. قوله: "الأخير" كذا لأبي ذر، ولغيره: "الآخر " بالمد بغير ياء، أي آخر الأمرين من الشارع أو من اجتهاد الأئمة. وقال ابن التين: ضبطناه بفتح الخاء، فعلى هذا الإشارة في قوله: "وذاك " إلى حديث الباب قوله: "إنما بينا لاختلافهم" وفي رواية كريمة: "إنما بينا اختلافهم " وللأصيلي: "إنما بيناه لاختلافهم " وفي نسخة الصغاني " إنما بينا الحديث الآخر لاختلافهم، والماء أنقى " واللام تعليلية أي حتى لا يظن أن في ذلك إجماعا. واستشكل ابن العربي كلام البخاري فقال: إيجاب الغسل أطبق عليه الصحابة ومن بعدهم وما خالف فيه إلا داود، ولا عبرة بخلافه، وإنما الأمر الصعب مخالفة البخاري وحكمه بأن الغسل مستحب، وهو أحد أئمة الدين وأجلة علماء المسلمين. ثم أخذ يتكلم في تضعيف حديث الباب بما لا يقبل منه، وقد أشرنا إلى بعضه ثم قال: ويحتمل أن يكون مراد البخاري بقوله: "الغسل أحوط " أي في الدين، وهو باب مشهور في الأصول، قال: وهو أشبه بإمامة الرجل وعلمه. قلت: وهذا هو الظاهر من تصرفه، فإنه لم يترجم بجواز ترك الغسل وإنما ترجم ببعض ما يستفاد من الحديث من غير هذه المسألة كما استدل به على إيجاب الوضوء فيما تقدم، وأما نفي ابن العربي الخلاف فمعترض، فإنه مشهور بين الصحابة، ثبت عن جماعة منهم، لكن ادعى ابن القصار أن الخلاف ارتفع بين التابعين، وهو
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض"المذى"
(1/398)

معترض أيضا فقد قال الخطابي: أنه قال به من الصحابة جماعة فسمي بعضهم، قال: ومن التابعين الأعمش وتبعه عياض، لكن قال: لم يقل به أحد بعد الصحابة غيره، وهو معترض أيضا فقد ثبت ذلك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو في سنن أبي داود بإسناد صحيح، وعن هشام بن عروة عند عبد الرزاق بإسناد صحيح. وقال عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا تطيب نفسي إذا لم أنزل حتى اغتسل من أجل اختلاف الناس لأخذنا بالعروة الوثقى. وقال الشافعي في اختلاف الحديث: حديث: "الماء من الماء " ثابت لكنه منسوخ، إلى أن قال: فخالفنا بعض أهل ناحيتنا - يعني من الحجازيين - فقالوا: لا يجب الغسل حتى ينزل ا هـ. فعرف بهذا أن الخلاف كان مشهورا بين التابعين ومن بعدهم، لكن الجمهور على إيجاب الغسل، وهو الصواب، والله أعلم.
"خاتمة": اشتمل كتاب الغسل - وما معه من أحكام الجنابة - من الأحاديث المرفوعة على ثلاثة وستين حديثا، المكرر منها فيه وفيما مضى خمسة وثلاثون حديثا، الموصول منها أحد وعشرون والبقية تعليق ومتابعة، والخالص ثمانية وعشرون منها واحد معلق وهو حديث بهز عن أبيه عن جده، وقد وافقه مسلم على تخريجها سواه وسوى حديث جابر في الاكتفاء في الغسل بصاع وحديث أنس كان يدور على نسائه وهن إحدى عشرة امرأة في ليلة واحدة وحديثه في الاغتسال مع المرأة من إناء واحد وحديث عائشة في صفة غسل المرأة من الجنابة. وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين عشرة المعلق منها سبعة والموصول ثلاثة وهي حديث زيد بن خالد عن علي وطلحة والزبير المذكور في الباب الأخير، فإن كان مرفوعا عنهم فتزيد عدة الخالص من المرفوع ثلاثة وهي أيضا من أفراده عن مسلم. والله أعلم.
(1/399)

كتاب الحيض
مدخل
...
- كِتَاب الْحَيْضِ
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [222البقرة]
قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الحيض" أصله السيلان، وفي العرف جريان دم المرأة من موضع مخصوص في أوقات معلومة. قوله: "وقول الله تعالى" بالجر عطفا على الحيض، والمحيض عند الجمهور هو الحيض، وقيل زمانه، وقيل مكانه. قوله: "أذى" قال الطيبي: سمي الحيض أذى لنتنه وقذره ونجاسته. وقال الخطابي: الأذى المكروه الذي ليس بشديد، كما قال تعالى :{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً} ، فالمعنى أن المحيض أذى يعتزل من المرأة موضعه ولا يتعدى ذلك إلى بقيه بدنها. قوله: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} روى مسلم وأبو داود من حديث أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت الآية فقال: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح " فأنكرت اليهود ذلك، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله ألا نجامعهن في الحيض؟ يعني خلافا لليهود، فلم يأذن في ذلك. وروى الطبري عن السدي أن الذي سأل أولا عن ذلك هو ثابت بن الدحداح.
(1/399)

باب كيف بدء الحيض ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " هذا شيء كتبه الله على بنات آدم "
...
1 - باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْحَيْضِ
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ "كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ" قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ
قوله: "باب كيف كان بدء الحيض" أي ابتداؤه، وفي إعراب " باب " الأوجه المتقدمة أول الكتاب. قوله: "وقول النبي صلى الله عليه وسلم: هذا شيء" يشير إلى حديث عائشة المذكور عقبه، لكن بلفظ: "هذا أمر " وقد وصله بلفظ: "شيء " من طريق أخرى بعد خمسة أبواب أو ستة، والإشارة بقوله: "هذا " إلى الحيض. قوله: "وقال بعضهم: كان أول" بالرفع لأنه اسم كان والخبر " على بني إسرائيل " أي على نساء بني إسرائيل، وكأنه يشير إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال: "كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا، فكانت المرأة تتشرف للرجل، فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد " وعنده عن عائشة نحوه. قوله: "وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر" قيل معناه أشمل لأنه عام في جميع بنات آدم، فيتناول الإسرائيليات ومن قبلهن، أو المراد أكثر شواهد أو أكثر قوة. وقال الداودي ليس بينهما مخالفة فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم، فعلى هذا فقوله بنات آدم عام أريد به الخصوص. قلت: ويمكن أن يجمع بينهما مع القول بالتعميم بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن لا ابتداء وجوده. وقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس وغيره أن قوله تعالى في قصة إبراهيم "وامرأته قائمة فضحكت" أي حاضت. والقصة متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب، وروى الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس " أن ابتداء الحيض كان على حواء بعد أن أهبطت من الجنة"، وإذا كان كذلك فبنات آدم بناتها، والله أعلم.
(1/400)

باب الأمر بالنفساء إذا نفسن
294- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: "خَرَجْنَا لاَ نَرَى إِلاَّ الْحَجَّ فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي قَالَ "مَا لَكِ أَنُفِسْتِ" قُلْتُ نَعَمْ قَالَ "إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ" قَالَتْ وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ".
[الحديث249- أطرافه في:
7229,6257,5559,5548,5329,4408,4401,4395,2984,2952, 1788,1787,1786,1783
,1772,1771,1762,1757,1733,172,1709,1650,1638,1562, 1560,1556,1518,1516,328,319,317,316,305]قوله "باب الأمر بالنفساء" أي الأمر المتعلق بالنفساء, والجمع في قوله "إذا نفسن "باعتبار الجنس, وسقطت هذه الترجمة من أكثر الروايات غير أبي ذر وأبي الوقت,وترجم بالنفساء إشعارا بأن ذلك يطلق على الحائض لقول عائشة في الحديث:حضت" وقوله صلى الله عليه وسلم لها "أنفست" وهو بضم النون وفتحها وكسر الفاء فيهما,وقيل بالضم في الولادة وبالفتحفي الحيض وأصله خروج الدم للأنه يسمى نفسا,وسيأتي مزيد بسط لذلك بعد بابين قوله: "سمعت القاسم" يعني أباه، وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق. قوله: "لا نرى" بالضم أي لا نظن. و " سرف " بفتح المهملة كسر الراء بعدها فاء موضع قريب من مكة بينهما نحو من عشرة أميال، وهو ممنوع من
(1/400)

الصرف وقد يصرف. قوله: "فاقضى" المراد بالقضاء هنا الأداء وهما في اللغة بمعنى واحد. قوله: " غير أن لا تطوفي بالبيت" زاد في الرواية الآتية " حتى تطهري " وهذا الاستثناء مختص بأحوال الحج لا بجميع أحوال المرأة، وسيأتي الكلام على هذا الحديث بتمامه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
(1/401)

2 - باب غَسْلِ الْحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ
295- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ"
[الحديث295- أطرافه في:2925,2046,2031,2029,2028,301,296]
296- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ سُئِلَ: "أَتَخْدُمُنِي الْحَائِضُ أَوْ تَدْنُو مِنِّي الْمَرْأَةُ وَهِيَ جُنُبٌ فَقَالَ عُرْوَةُ كُلُّ ذَلِكَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْدُمُنِي وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ بَأْسٌ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ تَعْنِي رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَائِضٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ يُدْنِي لَهَا رَأْسَهُ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا فَتُرَجِّلُهُ وَهِيَ حَائِضٌ".
قوله: "باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله" بالجر عطفا على غسل، أي تسريح شعر رأسه. والحديث مطابق لما ترجم له من جهة الترجيل، والحق به الغسل قياسا، أو إشارة إلى الطريق الآتية في باب مباشرة الحائض فإنها صريحة في ذلك، وهو دال على أن ذات الحائض طاهرة، وعلى أن حيضها لا يمنع ملامستها. قوله: "أخبرنا هشام" وفي رواية الأكثر " أخبرني هشام بن عروة " وفي هذا الإسناد لطيفة، وهي اتفاق اسم شيخ الراوي وتلميذه، مثاله هذا ابن جريج عن هشام وعنه هشام، فالأعلى ابن عروة والأدنى ابن يوسف، وهو نوع أغفله ابن الصلاح. قوله: "مجاور" أي معتكف، وثبت هذا التفسير في نسخة الصغاني في الأصل، وحجرة عائشة كانت ملاصقة للمسجد، وألحق عروة الجنابة بالحيض قياسا، وهو جلي لأن الاستقذار بالحائض أكثر من الجنب، وألحق الخدمة بالترجيل. وفي الحديث دلالة على طهارة بدن الحائض وعرقها، وأن المباشرة الممنوعة للمعتكف هي الجماع ومقدماته، وأن الحائض لا تدخل المسجد. وقال ابن بطال: فيه حجة على الشافعي في قوله أن المباشرة مطلقا تنقض الوضوء، كذا قال. ولا حجة فيه لأن الاعتكاف لا يشترط فيه الوضوء، وليس في الحديث أنه عقب ذلك الفعل بالصلاة، وعلى تقدير ذلك فمس الشعر لا ينقض الوضوء. والله أعلم.
(1/401)

3 - باب قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حَجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ
وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يُرْسِلُ خَادِمَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إِلَى أَبِي رَزِينٍ فَتَأْتِيهِ بِالْمُصْحَفِ فَتُمْسِكُهُ بِعِلاَقَتِهِ
297- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ سَمِعَ زُهَيْرًا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ".
[الحديث 297- طرفه في:7549]
(1/401)

4 - باب مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا وَالْحَيْضَ نِفَاسًا
298- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا قَالَتْ: "بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيصَةٍ إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي قَالَ "أَنُفِسْتِ" قُلْتُ نَعَمْ فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ".
[الحديث298- أطرافه في:1929,323,322]
قوله: "باب من سمي النفاس حيضا" قيل هذه الترجمة مقلوبة لأن حقها أن يقول من سمي الحيض نفاسا، وقيل يحمل على التقديم والتأخير، والتقدير: من سمي حيضا النفاس، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "من سمي " من أطلق لفظ النفاس على الحيض فيطابق ما في الخير بغير تكلف. وقال المهلب وغيره لما لم يجد المصنف نصا على شرطه في النفساء ووجد تسمية الحيض نفاسا في هذا الحديث فهم منه أن حكم دم النفاس حكم دم الحيض. وتعقب بأن الترجمة في التسمية لا في الحكم، وقد نازع الخطابي في التسوية بينهما من حيث الاشتقاق كما سيأتي. وقال ابن رشيد وغيره: مراد البخاري أن يثبت أن النفاس هو الأصل في تسمية الدم الخارج، والتعبير به تعبير بالمعنى الأعم، والتعبير عنه بالحيض تعبير بالمعنى الأخص. فعبر النبي صلى الله عليه وسلم بالأول وعبرت أم سلمة بالثاني، فالترجمة على هذا مطابقة لما عبرت به أم سلمة، والله أعلم. قوله: "حدثنا هشام" هو الدستوائي. قوله: "عن أبي سلمة" في رواية مسلم حدثني أبو سلمة أخرجها من طريق معاذ بن هشام عن أبيه. قوله: "مضطجعة" بالرفع ويجوز النصب. قوله: "في خميصة" بفتح الخاء المعجمة وبالصاد المهملة: كساء أسود له أعلام يكون من صوف وغيره ولم أر في شيء من
(1/402)

طرقه بلفظ خميصة إلا في هذه الرواية. وأصحاب يحيى ثم أصحاب هشام كلهم قالوا خميلة باللام بدل الصاد، وهو موافق لما في آخر الحديث، قيل: الخميلة القطيفة، وقيل الطنفسة. وقال الخليل: الخميلة ثوب له خمل أي هدب، وعلى هذا لا منافاة بين الخميصة والخميلة فكأنها كانت كساء أسود لها أهداب قوله: "فانسللت" بلامين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، أي ذهبت في خفية. زاد المصنف من رواية شيبان عن يحيى كما سيأتي قريبا " فخرجت منها " أي من الخميصة قال النووي كأنها خافت وصول شيء من دمها إليه، أو خافت أن يطلب الاستمتاع بها فذهبت لتتأهب لذلك، أو تقذرت نفسها ولم ترضها لمضاجعته، فلذلك أذن لها في العود. قوله: "ثياب حيضتي" وقع في روايتنا الحاء وكسرها معا، ومعنى الفتح أخذت ثيابي التي ألبسها زمن الحيض، لأن الحيضة بالفتح هي الحيض. ومعنى الكسر أخذت ثيابي التي أعددتها لألبسها حالة الحيض، وحزم الخطابي برواية الكسر ورجحها النووي، ورجح القرطبي رواية الفتح لوروده في بعض طرقه بلفظ حيضي بغير تاء. قوله: "أنفست" ؟ قال الخطابي: أصل هذه الكلمة من النفس وهو الدم، إلا أنهم فرقوا بين بناء الفعل من الحيض والنفاس، فقالوا في الحيض نفست بفتح النون، وفي الولادة بضمها. انتهى، وهذا قول كثير من أهل اللغة، لكن حكى أبو حاتم عن الأصمعي قال: يقال نفست المرأة في الحيض والولادة، بضم النون فيهما. وقد ثبت في روايتنا بالوجهين فتح النون وضمها، وفي الحديث جواز النوم مع الحائض في ثيابها والاضطجاع معها في لحاف واحد، واستحباب اتخاذ المرأة ثيابا للحيض غير ثيابها المعتادة، وقد ترجم المصنف على ذلك كما سيأتي، وسيأتي الكلام على مباشرتها في الباب الذي بعده.
(1/403)

اخت مسلمة
06-09-2009, 04:50 AM
5 - باب مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ
299- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ كِلاَنَا جُنُبٌ"
300- "وَكَانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ"
[الحديث300- طرفاه في:2030,302]
301- "وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ".
302- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا قَالَتْ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ" تَابَعَهُ خَالِدٌ وَجَرِيرٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ
قوله: "باب مباشرة الحائض" المراد بالمباشرة هنا التقاء البشرتين، لا الجماع.قوله: "حدثنا قبيصة" القاف والصاد المهملة هو ابن عقبة، وسفيان هو الثوري، ومنصور هو ابن المعتمر.والإسناد كله إلى عائشة كوفيون، وتقدم الكلام على اغتسالها مع النبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد في كتاب الغسل.قوله: "فأتزر" كذا في روايتنا،
(1/403)

وغيرها بتشديد التاء المثناة بعد الهمزة، وأصله فئأتزر بهمزة ساكنة بعد الهمزة المفتوحة ثم المثناة بوزن أفتعل، وأنكر أكثر النحاة الإدغام حتى قال صاحب المفصل إنه خطأ، لكن نقل غيره أنه مذهب الكوفيين، وحكاه الصغاني في مجمع البحرين. وقال ابن مالك: إنه مقصور على السماع ومنه قراءة ابن محيص {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ} بالتشديد، والمراد بذلك أنها تشد إزارها على وسطها، وحدد ذلك الفقهاء بما بين السرة والركبة عملا بالعرف الغالب. وقد سبق الكلام على بقية الحديث قبل ببابين. قوله: "حدثنا إسماعيل بن خليل" كذا في رواية أبي ذر وكريمة، ولغيرهما: "الخليل". والإسناد أيضا إلى عائشة كلهم كوفيون. قوله: "إحدانا" أي إحدى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "أن تتزر" بتشديد المثناة الثانية، وقد تقدم توجيهها، وللكشميهني: "أن تأتزر " بهمزة ساكنة وهي أفصح. قوله: "في فور حيضتها" قال الخطابي: فور الحيض أوله ومعظمه. وقال القرطبي: فور الحيضة معظم صبها، من فوران القدر وغليانها. قوله: "يملك إربه" بكسر الهمزة وسكون الراء ثم موحدة، قيل المراد عضوه الذي يستمتع به، وقيل حاجته، والحاجة تسمى إربا بالكسر ثم السكون وأربا بفتح الهمزة والراء، وذكر الخطابي في شرحه أنه روى هنا بالوجهين، وأنكر في موضع آخر كما نقله النووي وغيره عنه رواية الكسر، وكذا أنكرها النحاس. وقد ثبتت رواية الكسر، وتوجيهها ظاهر فلا معنى لإنكارها، والمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره، فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى، ومع ذلك فكان يباشر فوق الإزار تشريعا لغيره ممن ليس بمعصوم. وبهذا قال أكثر العلماء، وهو الجاري على قاعدة المالكية في باب سد الذرائع. وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية ورجحه الطحاوي، وهو اختيار أصبغ من المالكية، وأحد القولين أو الوجهين للشافعية واختاره ابن المنذر. وقال النووي: هو الأرجح دليلا لحديث أنس في مسلم: "اصنعوا كل شيء إلا الجماع " وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب جمعا بين الأدلة. وقال ابن دقيق العيد: ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار لأنه فعل مجرد. انتهى. ويدل على الجواز أيضا ما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا، واستدل الطحاوي على الجواز بأن المباشرة تحت الإزار دون الفرج لا توجب حدا ولا غسلا فأشبهت المباشرة فوق الإزار. وفصل بعض الشافعية فقال: إن كان يضبط نفسه عند المباشرة عن الفرج ويثق منها باجتنابه جاز وإلا فلا، واستحسنه النووي. ولا يبعد تخريج وجه مفرق بين ابتداء الحيض وما بعده لظاهر التقييد بقولها " فور حيضتها"، ويؤيده ما رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن أم سلمة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقي سورة الدم ثلاثا ثم يباشر بعد ذلك، ويجمع بينه وبين الأحاديث الدالة على المبادرة إلى المباشرة على اختلاف هاتين الحالتين. قوله: "تابعه خالد" هو ابن عبد الله الواسطي، وجرير هو ابن عبد الحميد، أي تابعا علي بن مسهر في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق الشيباني بهذا الإسناد. وللشيباني فيه إسناد آخر كما سيأتي عقبه، ومتابعة خالد وصلها أبو القاسم التنوخي في فوائده من طريق وهب بن بقية عنه، وقد أوردت إسنادها في تعليق التعليق، ومتابعة جرير وصلها أبو داود والإسماعيلي والحاكم في المستدرك. وهذا مما وهم في استدراكه لكونه مخرجا في الصحيحين من طريق الشيباني. ورواه أيضا عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود بسنده هذا منصور بن أبي الأسود. أخرجه أبو عوانة في صحيحه.
(1/404)

303- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ: "تَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ وَهِيَ حَائِضٌ". وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ
قوله: "حدثنا أبو النعمان" هو الذي يقال له عارم، وعبد الواحد هو ابن زياد البصري. قوله: "عبد الله بن شداد" أي ابن أسامة بن الهاد الليثي، وهو من أولاد الصحابة له رؤية. قوله: "أمرها" أي بالاتزار "فاتزرت" وهو في روايتنا بإثبات الهمزة على اللغة الفصحى. قوله: "رواه سفيان" يعني الثوري "عن الشيباني" يعني بسند عبد الواحد، وهو عند الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان نحوه. وقد رواه عن الشيباني أيضا بهذا الإسناد خالد بن عبد الله عند مسلم وجرير بن عبد الحميد عند الإسماعيلي، وذلك مما يدفع عنه توهم الاضطراب، وكأن الشيباني كان يحدث به تارة من مسند عائشة وتارة من مسند ميمونة، فسمعه منه جرير وخالد بالإسنادين، وسمعه غيرهما بأحدهما. ورواه عنه أيضا - بإسناد ميمونة - حفص بن غياث عند أبي داود وأبو معاوية عند الإسماعيلي وأسباط بن محمد عند أبي عوانه في صحيحه. وقد تقدم ذكر من رواه عنه بإسناد عائشة.
(1/405)

6 - باب تَرْكِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ
304- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ" فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ" قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ" قُلْنَ بَلَى قَالَ "فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ "فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا"
[الحديث304- أطرافه في:2658,1951,1462]
قوله: "باب ترك الحائض الصوم" قال ابن رشيد وغيره: جرى البخاري على عادته في إيضاح المشكل دون الجلي، وذلك أن تركها الصلاة واضح من أجل أن الطهارة مشترطة في صحة الصلاة وهي غير طاهر، وأما الصوم فلا يشترط له الطهارة فكان تركها له تعبدا محضا فاحتاج إلى التنصيص عليه بخلاف الصلاة. قوله: "حدثنا سعيد بن أبي مريم" هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم المصري الجمحي، لقيه البخاري وروى مسلم وأصحاب السنن عنه بواسطة، ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير أخو إسماعيل، والإسناد منه فصاعدا مدنيون، وفيه تابعي عن تابعي، زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله وهو ابن أبي سرح العامري، لأبيه صحبة. قوله: "في أضحى أو فطر" شك من الراوي. قوله: "إلى المصلى فمر على النساء" اختصره المؤلف هنا، وقد ساقه في كتاب الزكاة تاما ولفظه: "إلى المصلى فوعظ
(1/405)

الناس وأمرهم بالصدقة فقال: أيها الناس تصدقوا، فمر على النساء"، وقد تقدم في كتاب العلم من وجه آخر أبي سعيد أنه كان وعد النساء بأن يفردهن بالموعظة فأنجزه ذلك اليوم، وفيه أنه وعظهن وبشرهن. قوله: "يا معشر النساء" المعشر كل جماعة أمرهم واحد، ونقل عن ثعلب أنه مخصوص بالرجال، وهذا الحديث يرد عليه، إلا إن كان مراده بالتخصيص حالة إطلاق المعشر لا تقييده كما في الحديث. قوله: "أريتكن" بضم الهمزة وكسر الراء على البناء للمفعول، والمراد أن الله تعالى أراهن له ليلة الإسراء، وقد تقدم في العلم من حديث ابن عباس، بلفظ: "أريت النار فرأيت أكثر أهلها النساء " ويستفاد من حديث ابن عباس أن الرؤية المذكورة وقعت في حال صلاة الكسوف كما سيأتي واضحا في باب صلاة الكسوف جماعة. قوله: "وبم؟" الواو استئنافية والباء تعليلية والميم أصلها ما الاستفهامية فحذفت منها الألف تخفيفا. قوله: "وتكفرن العشير" أي تجحدن حق الخليط - وهو الزوج - أو أعم من ذلك. قوله: "من ناقصات" صفة موصوف محذوف قال الطيبي في قوله: "ما رأيت من ناقصات الخ " زيادة على الجواب تسمى الاستتباع، كذا قال وفيه نظر، ويظهر لي أن ذلك من جملة أسباب كونهن أكثر أهل النار، لأنهن إذا كن سببا لإذهاب عقل الرجل الحازم حتى يفعل أو يقول ما لا ينبغي فقد شاركنه في الإثم وزدن عليه: قوله: "أذهب" أي أشد إذهابا، واللب أخص من العقل وهو الخالص منه، "الحازم الضابط لأمره، وهذه مبالغة في وصفهن بذلك لأن الضابط لأمره إذا كان ينقاد لهن فغير الضابط أولى، واستعمال أفعل التفضيل من الإذهاب جائز عند سيبويه حيث جوزه من الثلاثي والمزيد. قوله: "قلن: وما نقصان ديننا" ؟ كأنه خفي عليهن ذلك حتى سألن عنه، ونفس السؤال دال على النقصان لأنهن سلمن ما نسب إليهن من الأمور الثلاثة - الإكثار والكفران والإذهاب - ثم استشكلن كونهن ناقصات. وما ألطف ما أجابهن به صلى الله عليه وسلم من غير تعنيف ولا لوم، بل خاطبهن على قدر عقولهن، وأشار بقوله: "مثل نصف شهادة الرجل " إلى قوله تعالى :{فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها وهو مشعر بنقص عقلها، وحكى ابن التين عن بعضهم أنه حمل العقل هنا على الدية وفيه بعد قلت: بل سياق الكلام يأباه. قوله: "فذلك" بكسر الكاف خطابا التي تولت الخطاب، ويجوز فتحها على أنه للخطاب العام. قوله: "لم تصل ولم تصم" فيه إشعار بأن منع الحائض من الصوم والصلاة كان ثابتا بحكم الشرع قبل ذلك المجلس. وفي هذا الحديث من الفوائد: مشروعية الخروج إلى المصلى في العيد، وأمر الإمام الناس بالصدقة فيه، واستنبط منه بعض الصوفية جواز الطلب من الأغنياء للفقراء وله شروط، وفيه حضور النساء العيد، لكن بحيث ينفردن عن الرجال خوف الفتنة، وفيه جواز عظة الإمام النساء على حدة وقد تقدم في العلم، وفيه أن جحد النعم حرام، وكذا كثرة استعمال الكلام القبيح كاللعن والشتم، استدل النووي على أنهما من الكبائر بالتوعد عليها بالنار، وفيه ذم اللعن وهو الدعاء بالإبعاد من رحمة الله تعالى، وهو محمول على ما إذا كان في معين، وفيه إطلاق الكفر على الذنوب التي لا تخرج عن الملة تغليظا على فاعلها لقوله في بعض طرقه: "بكفرهن " كم تقدم في الإيمان، وهو كإطلاق نفي الإيمان، وفيه الإغلاظ في النصح بما يكون سببا لإزالة الصفة التي تعاب، وأن لا يواجه بذلك الشخص المعين لأن التعميم تسهيلا على السامع، وفيه أن الصدقة تدفع العذاب، وأنها قد تكفر الذنوب التي بين المخلوقين، وأن العقل يقبل الزيادة والنقصان، وكذلك الإيمان كما تقدم، وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك لأنه من أصل الخلقة، لكن التنبيه على ذلك تحذيرا من الافتتان بهن،
(1/406)

ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص، وليس، نقص، الدين منحصرا فيما يحصل به الإثم بل في أعم من ذلك قاله النووي، لأنه أمر نسبي، فالكامل مثلا ناقص عن الأكمل، ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض لكنها ناقصة عن المصلي، وهل تثاب على هذا الترك لكونها مكلفة به كما يثاب المريض على النوافل التي كان يعملها في صحته وشغل بالمرض عنها؟ قال النووي: الظاهري أنها لا تثاب، والفرق بينها وبين المريض أنه كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته، والحائض ليست كذلك. وعندي - في كون هذا الفرق مستلزما لكونها لا تثاب - وقفة، وفي الحديث أيضا مراجعة المتعلم لمعلمه والتابع لمتبوعه فيما لا يظهر له معناه، وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الخلق العظيم والصفح الجميل والرفق والرأفة، زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيما.
(1/407)

7 - باب تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ "لاَ بَأْسَ أَنْ تَقْرَأَ الْآيَةَ" وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ بَأْسًا "وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ" وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: "كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ الْحُيَّضُ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ" وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الْآيَةَ" وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ: "حَاضَتْ عَائِشَةُ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلاَ تُصَلِّي" وَقَالَ الْحَكَمُ: "إِنِّي لاَذْبَحُ وَأَنَا جُنُبٌ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} "[الأنعام121]
305- حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت:خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لانذكر الا الحج.فلما جئنا سرف طمثت ,فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي,فقال مايبكيك؟ قلت لوددت والله أني لم أحج العام. قال: لعلك نفست؟ قلت نعم. قال"فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم,فافعلي ما يفعل الحاج,غير أن لاتطوفي بالبيت حتى تطهري"
قوله: "باب تقضي الحائض" أي تؤدي "المناسك كلها إلا الطواف بالبيت" قيل مقصود البخاري بما ذكر في هذا الباب من الأحاديث والآثار أن الحيض وما في معناه من الجنابة لا ينافي جميع العبادات، بل صحت معه عبادات بدنية من أذكار وغيرها، فمناسك الحج من جملة ما لا ينافها، إلا الطواف فقط. وفي كون هذا مراده نظر، لأن كون مناسك الحج كذلك حاصل بالنص فلا يحتاج إلى الاستدلال عليه، والأحسن ما قاله ابن رشيد تبعا لابن بطال وغيره: إن مراده الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف، وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة، وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبيه ودعاء، ولم تمنع الحائض من شيء من ذلك، فكذلك الجنب لأن حدثها أغلظ من حدثه، ومنع القراءة إن كان
(1/407)

لكونه ذكرا لله فلا فرق بينه وبين ما ذكر، وإن كان تعبدا فيحتاج إلى دليل خاص، ولم يصح عند المصنف شيء من الأحاديث الواردة في ذلك، وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره لكن أكثرها قابل للتأويل كما سنشير إليه، ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره كالطبري وابن المنذر وداود بعموم حديث: "كان يذكر الله على كل أحيانه " لأن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره، وإنما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف والحديث المذكور وصله مسلم من حديث عائشة، وأورد المصنف أثر إبراهيم وهو النخعي بأن منع الحائض من القراءة ليس مجمعا عليه، وقد وصله الدارمي وغيره بلفظ: "أربعة لا يقرءون القرآن: الجنب والحائض وعند الخلاء وفي الحمام، إلا الآية ونحوها للجنب والحائض"، وروي عن مالك نحو قول إبراهيم وروي عنه الجواز مطلقا وروي عنه الجواز للحائض دون الجنب، وقد قيل إنه قول الشافعي في القديم، ثم أورد أثر ابن عباس، وقد وصله ابن المنذر بلفظ: "إن عباس كان يقرأ ورده وهو جنب " وأما حديث أم عطية فوصله المؤلف في العيدين. وقوله فيه: "ويدعون " كذا لأكثر الرواة، وللكشميهني: "يدعين " بياء تحتانية بدل الواو، ووجه الدلالة منه ما تقدم من أنه لا فرق بين التلاوة وغيرها، ثم أورد المصنف طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وهو موصول عنده في بدء الوحي وغيره، ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الروم وهم كفار والكافر جنب، كأنه يقول: إذا جاز مس الكتاب للجنب مع كونه مشتملا على آيتين فكذلك يجوز له قراءته، كذا قاله ابن رشيد. وتوجيه الدلالة منه إنما هي من حيث إنه إنما كتب إليهم ليقرءوه فاستلزم جواز القراءة بالنص لا بالاستنباط، وقد أجيب ممن منع ذلك - وهم الجمهور - بأن الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين، فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو في التفسير فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند الجمهور لأنه لا يقصد منه التلاوة، ونص أحمد أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ. وقال به كثير من الشافعية، ومنهم من خص الجواز بالقليل كالآية والآيتين، قال الثوري: "لا بأس أن يعلم الرجل النصراني الحرف من القرآن عسى الله أن يهديه، وأكره أن يعلمه الآية هو كالجنب"، وعن أحمد أكره أن يضع القرآن في غير موضعه، وعنه إن رجى منه الهداية جاز وإلا فلا. وقال بعض من منع: لا دلالة في القصة على جواز تلاوة الجنب القرآن، لأن الجنب إنما منع التلاوة إذا قصدها وعرف أن الذي يقرأه قرآن، أما لو قرأ في ورقة ما لا يعلم أنه من القرآن فإنه لا يمنع، وكذلك الكافر. وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى. "تنبيه": ذكر صاحب المشارق أنه وقع في رواية القابسي والنسفي وعبدوس هنا "ويا أهل الكتاب" بزيادة واو قال: وسقطت لأبي ذر والأصيلي وهو الصواب. قلت فافهم أن الأولى خطأ لكونها مخالفة للتلاوة، وليست خطأ، وقد تقدم توجيه إثبات الواو في بدء الوحي. قوله: "وقال عطاء عن جابر" هو طرف من حديث موصول عند المصنف في كتاب الأحكام وفي آخره: "غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تصلي، وأما أثر الحكم - وهو الفقيه الكوفي - فوصله البغوي في الجعديات من روايته عن علي بن الجعد عن شعبة عنه، ووجه الدلالة منه أن الذبح مستلزم لذكر الله بحكم الآية التي ساقها، وفي جميع ما استدل به نزاع يطول ذكره، ولكن الظاهر من تصرفه ما ذكرناه. واستدل الجمهور على المنع بحديث علي " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن القرآن شيء، ليس الجنابة " رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان، وضعف بعضهم بعض رواته، والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة، لكن قيل: في الاستدلال به نظر، لأنه فعل مجرد فلا يدل على تحريم ما عداه،
(1/408)

وأجاب الطبري عنه بأنه محمول على الأكمل جمعا بين الأدلة، وأما حديث ابن عمر مرفوعا: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن " فضعيف من جميع طرقه، وقد تقدم الكلام على حديث عائشة في أول كتاب الحيض، وقولها " طمثت " بفتح الميم وإسكان المثلثة أي حضت، ويجوز كسر الميم يقال طمثت المرأة بالفتح والكسر في الماضي تطمث بالضم في المستقبل.
(1/409)

8 - باب الِاسْتِحَاضَةِ
306- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاَةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي"
قوله: "باب الاستحاضة" قدم أنها جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه، وأنه يخرج من عرق يقال له العاذل بعين مهملة وذال معجمة. قوله: "إني لا أطهر" تقدم في باب غسل الدم من رواية أبي معاوية عن هشام وهو ابن عروة. في هذا الحديث التصريح ببيان السبب وهو قولها " إني أستحاض " وكان عندها أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن اتصاله، وكانت علمت أن الحائض لا تصلي فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقق ذلك فقالت: "أفأدع الصلاة". قوله: "إنما ذلك" بكسر الكاف وزاد في الرواية الماضية " فقال لا". قوله: "وليس بالحيضة" بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم، وإن كان قد اختار الكسر على إرادة الحالة لكن الفتح هنا أظهر. وقال النووي: وهو متعين أو قريب من المتعين لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض. وأما قوله: "فإذا أقبلت الحيضة " فيجوز فيه الوجهان معا جوازا حسنا. انتهى كلامه. والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين. والله أعلم. قوله: "فاغسلي عنك الدم وصلي" أي بعد الاغتسال كما سيأتي التصريح به في باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة في هذا الحديث قال في آخره: "ثم اغتسلي وصلي " ولم يذكر غسل الدم. وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام، منهم من ذكر غسل الدم ولم يذكر الاغتسال ومنهم من ذكر الاغتسال ولم يذكر غسل الدم، كلهم ثقات وأحاديثهم في الصحيحين، فيحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده. وفيه اختلاف ثالث أشرنا إليه في باب غسل الدم من رواية أبي معاوية فذكر مثل حديث الباب وزاد: "ثم توضئي لكل صلاة " ورددنا هناك قول من قال إنه مدرج، وقول من جزم بأنه موقوف على عروة، ولم ينفرد أبو معاوية بذلك فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن، هشام وادعى أن حمادا تفرد بهذه الزيادة، وأومأ مسلم أيضا إلى ذلك، وليس كذلك، فقد رواه الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاما عن هشام، وفي الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة، لكنها لا تصلي
(1/409)

بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله: "ثم توضئي لكل صلاة"، وبهذا قال الجمهور، وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة، وعلى قولهم المراد بقوله: "وتوضئي لكل صلاة " أي لوقت كل صلاة، ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل. وعند المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحديث آخر. وقال أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط. وفيه جوازا استفتاء المرأة بنفسها ومشافهتها للرجل فيما يتعلق، بأحوال النساء، وجواز سماع صونها للحاجة. وفيه غير ذلك. وقد استنبط منه الرازي الحنفي أن مدة أقل الحيض، ثلاثة أيام وأكثره عشرة لقوله: "قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها " لأن أقل ما يطلق عليه لفظ: "أيام ثلاثة وأكثره عشرة فأما دون الثلاثة فإنما يقال يومان ويوم وأما فوق عشرة فإنما يقال أحد عشر يوما وهكذا إلى عشرين، وفي الاستدلال بذلك نظر
(1/410)

9 - باب غَسْلِ دَمِ الْمَحِيضِ
307حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ".
قوله: "باب غسل دم المحيض" هذه الترجمة أخص من الترجمة المتقدمة في كتاب الوضوء وهي غسل الدم.قد تقدم الكلام هناك على حديث أسماء هذا، أخرجه هناك من رواية يحيى القطان عن هشام، وإسناد هذه الرواية كالتي قبلها مدنيون سوى شيخه. وفيه من الفوائد ما في الذي قبله، وجواز سؤال المرأة عما يستحيي من ذكره، والإفصاح بذكر ما يستقذر للضرورة، وأن دم الحيض كغيره من الدماء في وجوب غسله. وفيه استحباب فرك النجاسة اليابسة ليهون غسلها.
308- حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِهَا عِنْدَ طُهْرِهَا فَتَغْسِلُهُ وَتَنْضَحُ عَلَى سَائِرِهِ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ".
قوله: "حدثنا أصبغ" هو وشيخه وشيخ شيخه الثلاثة مصريون، والباقون وهم ثلاثة أيضا مدنيون. قوله: "كانت إحدانا" أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو محمول على أنهن كن يصنعن ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم، وبهذا يلتحق هذا الحديث بحكم المرفوع، ويؤيده حديث أسماء الذي قبله، قال ابن بطال: حديث عائشة يفسر حديث أسماء وأن المراد بالنضح في حديث أسماء الغسل، وأما قول عائشة " وتنضح على سائره " فإنما فعلت ذلك دفعا للوسوسة، لأنه قد بان سياق حديثها أنها كانت تغسل الدم لا بعضه، وفي قولها " ثم تصلي فيه: "إشارة إلى امتناع الصلاة في الثوب النجس. قوله: "ثم تقترص الدم" بالقاف والصاد المهملة بوزن تفتعل أي تغسله بأطراف أصابعها. وقال ابن الجوزي: "معناه
(1/410)

تقتطع كأنها تحوزه دون باقي المواضع"، والأول أشبه بحديث أسماء. قوله: "عند طهرها" كذا في أكثر الروايات، وللمستملي والحموي " عند طهره " أي الثوب، والمعنى عند إرادة تطهيره. وفيه جواز ترك النجاسة في الثوب عند عدم الحاجة إلى تطهيره.
(1/411)

باب اللإعتكاف للمستحاضة
...
10 - باب اعْتِكَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ
309- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ فَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنْ الدَّمِ وَزَعَمَ أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ مَاءَ الْعُصْفُرِ فَقَالَتْ: كَأَنَّ هَذَا شَيْءٌ كَانَتْ فُلاَنَةُ تَجِدُهُ".
[الحديث309- أطرافه في: 2037,311,310]
310- حدثنا قتيبة قال حدثنا يزيد بن زريع عن خالد عن عكرمة عن عائشة قالت: "اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي"
311- حدثنامسدد قال حدثنا معتمر عن خالد عن عكرمة عن عائشة "أن بعض أمهات المؤمنين اعتكفت وهي مستحاضة".
قوله: "باب اعتكاف المستحاضة" أي جوازه. قوله: "حدثنا خالد بن عبد الله" هو الطحان الواسطى، وشيخه خالد هو ابن مهران الذي يقال له الحذاء بالحاء المهملة والذال المعجمة المثقلة، ومدار الحديث المذكور عليه، وعكرمة هو مولى ابن عباس. قوله: "بعض نسائه" قال ابن الجوزي: ما عرفنا من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من كانت مستحاضة، قال: والظاهر أن عائشة أشارت بقولها من نسائه أي النساء المتعلقات به وهي أم حبيبة بنت جحش أخت زينب بنت جحش قلت: يرد هذا التأويل قوله في الرواية الثانية " امرأة من أزواجه " وقد ذكرها الحميدي عقب الرواية الأولى فما أدري كيف غفل عنها ابن الجوزي، وفي الرواية الثالثة " بعض أمهات المؤمنين " ومن المستبعد أن تعتكف معه صلى الله عليه وسلم امرأة غير زوجاته وإن كان لها به تعلق. وقد حكى ابن عبد البر أن بنات جحش الثلاث كن مستحاضات: زينب أم المؤمنين وحمنة زوج طلحة وأم حبيبة زوج عبد الرحمن بن عوف وهي المشهورة منهن بذلك، وسيأتي حديثها في ذلك. وذكر أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة " استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " اغتسلي لكل صلاة " وكذا وقع في الموطأ أن زينب بنت جحش استحيضت، وجزم ابن عبد البر بأنه خطأ لأنه ذكر أنها كانت تحت عبد الرحمن بن عوف والتي كانت تحت عبد الرحمن ابن، عوف إنما هي أم حبيبة أختها. وقال شيخنا الإمام البلقيني: يحمل على أن زينب بنت جحش استحيضت وقتا بخلاف أختها فإن استحاضتها دامت. قلت: وكذا يحمل على ما سأذكره في حق سودة وأم سلمة والله أعلم. وقرأت بخط مغلطاي في عد المستحاضات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وسودة بنت زمعة ذكرها العلاء بن المسيب عن الحكم عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، فلعلها هي المذكورة. قلت: وهو حديث ذكره أبو داود
(1/411)

من هذا الوجه تعليقا وذكر البيهقي(1) أن ابن خزيمة أخرجه موصولا. قلت: لكنه مرسل لأن أبا جعفر تابعي ولم يذكر من حدثه به. وقرأت في السنن لسعيد بن منصور: حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم حدثنا خالد هو الحذاء عن عكرمة أن امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت معتكفة وهي مستحاضة قال: وحدثنا به خالد مرة أخرى عن عكرمة أن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة وربما جعلت الطست تحتها. قلت: وهذا أولى ما فسرت به هذه المرأة لاتحاد المخرج. وقد أرسله إسماعيل ابن علية عن عكرمة، ووصله خالد الطحان ويزيد بن زريع وغيرهما بذكر عائشة فيه، ورجح البخاري الموصول فأخرجه. وقد أخرج ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية هذا الحديث كما أخرجه سعيد بن منصور بدون تسمية أم سلمة. والله أعلم. قوله: "من الدم" أي لأجل الدم. قوله: "وزعم" هو معطوف على معنى العنعنة أي حدثني عكرمة بكذا وزعم كذا، وأبعد من زعم أنه معلق. قوله: "كأن" بالهمز وتشديد النون. قوله: "فلانة" لظاهر أنها تعني المرأة التي ذكرتها قبل. ورأيت على حاشية نسخة صحيحة من أصل أبي ذر ما نصه " فلانة هي رملة أم حبيبة بنت أبي سفيان " فإن كان ثابتا فهو قول ثالث في تفسير المبهمة، وعلى ما زعم ابن الجوزي من أن المستحاضة ليست من أزواجه فقد روي أن زينب بنت أم سلمة استحيضت، روى ذلك البيهقي والإسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير، لكن الحديث في سنن أبي داود من حكاية زينب عن غيرها وهو أشبه، فإنها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم صغيرة لأنه دخل على أمها في السنة الثالثة وزينب ترضع وأسماء بنت عميس حكاه الدارقطني من رواية سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة عنها. قلت: وهو عند أبي داود على التردد هل هو عن أسماء أو فاطمة بنت أبي حبيش، وهاتان لهما به صلى الله عليه وسلم تعلق، لأن زينب ربيبته وأسماء أخت امرأته ميمونة لأمها، وكذا لحمنة وأم حبيبة به تعلق وحديثهما في سنن أبي داود، فهؤلاء سبع يمكن أن تفسر المبهمة بإحداهن. وأما من استحيض في عهده صلى الله عليه وسلم من الصحابيات غيرهن فسهلة بنت سهيل ذكرها أبو داود أيضا، وأسماء بنت مرثد ذكرها البيهقي وغيره، وبادية بنت غيلان ذكرها ابن منده، وفاطمة بنت أبي حبيش وقصتها عن عائشة في الصحيحين، ووقع في سنن أبي داود عن فاطمة بنت قيس فظن بعضهم أنها القرشية الفهرية والصواب أنها بنت أبي حبيش واسم أبي حبيش قيس، فهؤلاء أربع نسوة أيضا وقد كملن عشرا بحذف زينب بنت أبي سلمة. وفي الحديث جواز مكث المستحاضة في المسجد وصحة اعتكافها وصلاتها وجواز حدثها في المسجد عند أمن التلويث ويلتحق بها دائم الحدث ومن به جرح يسيل
(1/412)

11 - باب هَلْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حَاضَتْ فِيهِ؟
312- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "قَالَتْ عَائِشَةُ مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا".
قوله: "باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه" قيل مطابقة الترجمة لحديث الباب أن من لم يكن لها إلا ثوب واحد تحيض فيه فمن المعلوم أنها تصلي فيه لكن بعد تطهيره.في الجمع بين هذا الحديث وبين حديث أم سلمة الماضي الدال على
ـــــــ
(1) في طبعة بولاق: كذا في نسخ, وفي نسخ أخرى"السهيلى"بدله
(1/412)

أنه كان لها ثوب مختص بالحيض أن حديث عائشة محمول على ما كان في أول الأمر وحديث أم سلمة محمول على ما كان بعد اتساع الحال، ويحتمل أن يكون مراد عائشة بقولها " ثوب واحد " مختص بالحيض، وليس في سياقها ما ينقي أن يكون لها غيره في زمن الطهر فيوافق حديث أم سلمة، وليس فيه أيضا أنها صلت فيه فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء، وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره، وقد مضى قبل بباب عنها ذكر الغسل بعد القرص قالت: "ثم تصلي فيه: "فدل على أنها عند إرادة الصلاة فيه كانت تغسله. وقولها في حديث الباب: "قالت بريقها " من إطلاق القول على الفعل، وقولها " فمصعته " بالصاد والعين المهملتين المفتوحتين أي حكته وفركته بظفرها، ورواه أبو داود بالقاف بدل الميم، والقصع الدلك. ووقع في رواية له من طريق عطاء عن عائشة بمعنى هذا الحديث: "ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بظفرها " فعلى هذا فيحمل حديث الباب على أن المراد دم يسير يعفي عن مثله، والتوجيه الأول أقوى. "فائدة": طعن بعضهم في هذا الحديث من جهة دعوى الانقطاع، ومن جهة دعوى الاضطراب. فأما الانقطاع فقال أبو حاتم: لم يسمع مجاهد من عائشة، وهذا مردود، فقد وقع التصريح بسماعه منها عند البخاري في غير هذا الإسناد، وأثبته علي بن المديني، فهو مقدم على من نفاه. وأما الاضطراب فلرواية أبي داود له عن محمد بن كثير عن إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم بدل ابن أبي نجيح، وهذا الاختلاف لا يوجب الاضطراب لأنه محمول على أن إبراهيم بن نافع سمعه من شيخين، ولو لم يكن كذلك فأبو نعيم شيخ البخاري فيه أحفظ من محمد بن كثير شيخ أبي داود فيه، وقد تابع أبا نعيم خلاد بن يحيى وأبو حذيفة والنعمان بن عبد السلام فرجحت روايته، والرواية المرجوحة لا تؤثر في الرواية الراجحة. والله أعلم.
(1/413)

12 - باب الطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ
313- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ أَوْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: "كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلاَ نَكْتَحِلَ وَلاَ نَتَطَيَّبَ وَلاَ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ وَكُنَّا نُنْهَى عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[الحديث 313- أطرافه في:5343,5342,5341,5340,1279,1278]
قوله: "باب الطيب للمرأة" المراد بالترجمة أن تطيب المراة عند الغسل من الحيض متأكد بحيث أنه رخص للحادة التي حرم عليها استعمال الطيب في شيء منه مخصوص. قوله: "عن أيوب عن حفصة عن أم عطية" زاد المستملي وكريمة: "قال أبو عبد الله " أي المصنف " أو هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية " كأنه شك في شيخ حماد أهو أيوب أو هشام، ولم يذكر ذلك باقي الرواة ولا أصحاب المستخرجات ولا الأطراف، وقد أورد المصنف هذا الحديث في كتاب الطلاق بهذا الإسناد فلم يذكر ذلك. قوله: "كنا ننهي" بضم النون الأولى وفاعل النهي النبي صلى الله عليه وسلم كما دلت عليه رواية هشام المعلقة المذكورة بعد، وهذا هو السر في ذكرها. قوله: "نحد" بضم النون وكسر
(1/413)

المهملة من الإحداد وهو الامتناع من الزينة. قوله: "إلا على زوج" كذا للأكثر. وفي رواية المستملي والحموي " إلا على زوجها " والأولى موافقة للفظ: "نحد " وتوجيه الثانية أن الضمير يعود على الواحدة المندرجة في قولها " كنا ننهي " أي كل واحدة منهن. قوله: "ولا نكتحل" بالرفع والنصب أيضا على العطف، و " لا " زائدة، وأكد بها لأن في النهي معنى النفي. قوله: "ثوب عصب" بفتح العين وسكون الصاد المهملتين، قال في المحكم: هو ضرب من برود اليمن يعصب غزله أي يجمع ثم يصبغ ثم ينسج، وسيأتي الكلام على أحكام الحادة في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى. قوله: "في نبذة" أي قطعة. قوله: "كست أظفار" كذا في هذه الرواية قال ابن التين صوابه " قسط ظفار " كذا قال، ولم أر هذا في هذه الرواية، لكن حكاه صاحب المشارق، ووجهه بأنه منسوب إلى ظفار مدينة معروفة بسواحل اليمن يجلب إليها القسط الهندي، وحكى في ضبط ظفار وجهين كسر أوله وصرفه أو فتحه والبناء بوزن قطام، ووقع في رواية مسلم من هذا الوجه " من قسط أو أظفار " بإثبات " أو " وهي للتخيير، قال في المشارق: القسط بخور معروف وكذلك الأظفار، قال في البارع: الأظفار ضرب من العطر يشبه الظفر. وقال صاحب المحكم: الظفر ضرب من العطر أسود مغلف من أصله على شكل ظفر الإنسان يوضع في البخور والجمع أظفار. وقال صاحب العين: لا واحد له. والكست بضم الكاف وسكون المهملة بعدها مثناة هو القسط، قاله المصنف في الطلاق، وكذا قاله غيره، وحكى المفضل بن سلمة أنه يقال بالكاف والطاء أيضا، قال النووي: ليس القسط والظفر من مقصود التطيب، وإنما رخص فيه للحادة إذا اغتسلت من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة، قال المهلب: رخص لها في التبخر لدفع رائحة الدم عنها لما تستقبله من الصلاة. وسيأتي الكلام على مسألة اتباع الجنائز في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: "وروي" كذا لأبي ذر، ولغيره: "ورواه " أي الحديث المذكور، وسيأتي موصولا عند المصنف في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى من حديثه هشام المذكور، ولم يقع هذا التعليق في رواية المستملي، وأغرب الكرماني فجوز أن يكون قائل " ورواه " حماد بن زيد المذكور في أول الباب فلا يكون تعليقا.
(1/414)

13 - باب دَلْكِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا إِذَا تَطَهَّرَتْ مِنْ الْمَحِيضِ وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ وَتَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَتَّبِعُ أَثَرالدَّمِ
314حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ "خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا" قَالَتْ كَيْفَ أَتَطَهَّرُ قَالَ "تَطَهَّرِي بِهَا" قَالَتْ كَيْفَ قَالَ "سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي" فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ"
[الحديث314- طرفاه في: 7357,315]
قوله: "باب دلك المرأة نفسها..إلى آخر الترجمة" قيل: ليس في الحديث ما يطابق الترجمة لأنه ليس فيه كيفة الغسل ولا الدلك.وأجاب الكرماني تبعا لغيره بأن تتبع أثر الدم يستلزم الدلك، وبأن المراد من كيفية الغسل الصفة المختصة بغسل المحيض وهي التطيب لا نفس الاغتسال.انتهى.وهو حسن على ما فيه من كلفة، وأحسن منه أن المصنف جرى على عادته في الترجمة بما تضمنه بعض طرق الحديث الذي يورده وإن لم يكن المقصود منصوصا فيما
(1/414)

ساقه. وبيان ذلك أن مسلما أخرج هذا الحديث من طريق ابن عيينة عن منصور التي أخرجه منها المصنف، فذكر بعد قوله كيف تغتسل " ثم تأخذ " زاد: "ثم " الدالة على تراخي تعلم الأخذ عن تعليم الاغتسال، ثم رواه من طريق أخرى عن صفية عن عائشة وفيها شرح كيفية الاغتسال المسكوت عنها في رواية منصور ولفظه: "فقال تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شئون رأسها - أي أصوله - ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة " فهدا مراد الترجمة لاشتمالها على كيفيه الغسل والدلك، وإنما لم يخرج المصنف هذه الطريق لكونها من رواية إبراهيم بن مهاجر عن صفية وليس هو على شرطه. قوله: "حدثنا يحيى" هو ابن موسى البلخي كما جزم به ابن السكن في روايته عن الفربري. وقال البيهقي: هو يحيى بن جعفر، وقيل إنه وقع كذلك في بعض النسخ. قوله: "عن منصور بن صفية" هي بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري، نسب إليها لشهرتها، واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة العبدري، وهو من رهط زوجته صفية، وشيبة له صحبه ولها أيضا، وقتل الحارث بن طلحة بأحد، ولعبد الرحمن رؤية، ووقع التصريح بالسماع في جميع السند عند الحميدي في مسنده. قوله: "أن امرأة" زاد في رواية وهيب " من الأنصار " وسماها مسلم في رواية أبي الأحوص عن إبراهيم بن مهاجر أسماء بنت شكل بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين ثم اللام، ولم يسم أباها في رواية غندر عن شعبة عن إبراهيم، وروى الخطيب في المبهمات من طريق يحيى بن سعيد عن شعبة هذا الحديث فقال: أسماء بنت يزيد بن السكن بالمهملة والنون الأنصارية التي يقال لها خطيبة النساء، وتبعه ابن الجوزي في التلقيح والدمياطي وزاد أن الذي وقع في مسلم تصحيف لأنه ليس في الأنصار من يقال له شكل، وهو رد للرواية الثابتة بغير دليل، وقد يحتمل أن يكون شكل لقبا لا اسما، والمشهور في المسانيد والجوامع في هذا الحديث أسماء بنت شكل كما في مسلم، أو أسماء لغير نسب كما في أبي داود، وكذا في مستخرج أبي نعيم من الطريق التي أخرجه منها الخطيب، وحكى النووي في شرح مسلم الوجهين بغير ترجيح والله أعلم. قوله: "فأمرها كيف تغتسل قال: خذي" قال الكرماني هو بيان لقولها " أمرها " فإن قيل كيف يكون بيانا للاغتسال، والاغتسال صب الماء لا أخذ الفرصة؟ فالجواب أن السؤال لم يكن عن نفس الاغتسال لأنه معروف لكل أحد، بل كان لقدر زائد على ذلك. وقد سبقه إلى هذا الجواب الرافعي في شرح المسند وابن أبي جمرة وقوفا مع هذا اللفظ الوارد مع قطع النظر عن الطريق التي ذكرناها عند مسلم الدالة على أن بعض الرواة اختصر أو اقتصر، والله أعلم. قوله: "فرصة" بكسر الفاء وحكى ابن سيده تثليثها وبإسكان الراء وإهمال الصاد: قطعة من صوف أو قطن أو جلدة عليها صوف حكاه أبو عبيد وغيره، وحكى أبو داود أن في رواية أبي الأحوص " قرصة " بفتح القاف، ووجهه المنذري فقال: يعني شيئا يسيرا مثل القرصة بطرف الإصبعين. انتهى. ووهم من عزا هذه الرواية للبخاري. وقال ابن قتيبة: هي " قرضة " بفتح القاف وبالضاد المعجمة. وقوله: "من مسك " بفتح الميم والمراد قطعة جلد، وهي رواية(1) من قاله بكسر الميم، واحتج بأنهم كانوا في ضيق يمتنع معه أن يمتهنوا المسك مع غلاء ثمنه. وتبعه ابن بطال. وفي المشارق أن أكثر الروايات بفتح الميم. ورجح النووي الكسر وقال: إن الرواية الأخرى وهي قوله: "فرصة ممسكة " تدل عليه، وفيه نظر،
ـــــــ
(1) كذافي النسخ ولعله"وهي كرواية"
(1/415)

لأن الخطابي قال:. يحتمل أن يكون المراد بقوله: "ممسكة " أي مأخوذة باليد، يقال أمسكته ومسكته. لكن يبقى الكلام ظاهر الركة لأنه يصير هكذا: خذي قطعة مأخوذة. وقال الكرماني: "صنيع البخاري يشعر بأن الرواية عنده بفتح الميم حيث جعل للأمر بالطيب بابا مستقلا". انتهى. واقتصار البخاري في الترجمة على بعض ما دلت عليه لا يدل على نفي ما عداه، ويقوى رواية الكسر وإن المراد التطيب ما في رواية عبد الرزاق حيث وقع عنده " من ذريرة"، وما استبعده ابن قتيبة من امتهان المسك ليس ببعيد لما عرف من شأن أهل الحجاز من كثرة استعمال الطيب، وقد يكون المأمور به من يقدر عليه. قال النووي: والمقصود باستعمال الطيب دفع الرائحة الكريهة على الصحيح. وقيل لكونه أسرع إلى الحبل. حكاه الماوردي قال: فعلى الأول إن فقدت المسك استعملت ما يخلفه في طيب الريح، وعلى الثاني ما يقوم مقامه في إسراع العلوق. وضعف النووي الثاني وقال: لو كان صحيحا لاختصت به المزوجة. قال: وإطلاق الأحاديث يرده، والصواب أن ذلك مستحب لكل مغتسلة من حيض أو نفاس، ويكره تركه للقادرة، فإن لم تجد مسكا فطيبا، فإن لم تجد فمزيلا كالطين وإلا فالماء كاف، وقد سبق في الباب قبله أن الحادة تتبخر بالقسط فيجزيها. قوله: "فتطهري" قال في الرواية التي بعدها " توضئي " أي تنظفي. قوله: "سبحان الله" زاد في الرواية الآتية " استحيي وأعرض"، وللإسماعيلي: "فلما رأيته استحيي علمتها " وزاد الدارمي " وهو يسمع فلا ينكر". قوله: "أثر الدم" قال النووي: المراد به عند العلماء الفرج. وقال المحاملي: يستحب لها أن تطيب كل موضع أصابه الدم من بدنها، قال: ولم أره لغيره، وظاهر الحديث حجة له. قلت: ويصرح به رواية الإسماعيلي: "تتبعي بها مواضع الدم". وفي هذا الحديث من الفوائد التسبيح عند التعجب، ومعناه هنا كيف يخفى هذا الظاهر الذي لا يحتاج في فهمه إلى فكر؟ وفيه استحباب الكنايات فيما يتعلق بالعورات. وفيه سؤال المرأة العالم عن أحوالها التي يحتشم منها، ولهذا كانت عائشة تقول في نساء الأنصار " لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين". كما أخرجه مسلم في بعض طرق هذا الحديث، وتقدم في العلم معلقا. وفيه الاكتفاء بالتعريض والإشارة في الأمور المستهجنة، وتكرير الجواب لإفهام السائل، وإنما كرره مع كونها لم تفهمه أولا لأن الجواب به يؤخذ من إعراضه بوجهه عند قوله: "توضئي " أي في المحل الذي يستحيي من مواجهة المرأة بالتصريح به، فاكتفى بلسان الحال عن لسان المقال، وفهمت عائشة رضي الله عنها ذلك عنه فتولت تعليمها. وبوب عليه المصنف في الاعتصام " الأحكام التي تعرف بالدلائل". وفيه تفسير كلام العالم بحضرته لمن خفي عليه إذا عرف أن ذلك يعجبه. وفيه الأخذ عن المفضول بحضرة الفاضل. وفيه صحة العرض على المحدث إذا أقره ولو لم يقل عقبه نعم، وأنه لا يشترط في صحة التحمل فهم السامع لجميع ما يسمعه. وفيه الرفق بالمتعلم وإقامة العذر لمن لا يفهم. وفيه أن المرء مطلوب بستر عيوبه وإن كانت مما جبل عليها من جهة أمر المرأة بالتطيب لإزالة الرائحة الكريهة. وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وعظيم حلمه وحيائه. زاده الله شرفا.
(1/416)

14 - باب غَسْلِ الْمَحِيضِ
315- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنْ الْمَحِيضِ قَالَ "خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي ثَلاَثًا" ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/416)

اسْتَحْيَا فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ أَوْ قَالَ: تَوَضَّئِي بِهَا. فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قوله: "باب غسل المحيض" قدم توجيهه في الترجمة التي قبله. قوله: "حدثنا مسلم" هو ابن إبراهيم، ومنصور هو ابن صفية المذكور في الإسناد قبله. قوله: "وتوضئي ثلاثا" يحتمل أن يتعلق قوله: "ثلاثا " بتوضئي أي كرري الوضوء ثلاثا، ويحتمل أن يتعلق بقال ويؤيده السياق المتقدم، أي قال لها ذلك ثلاث مرات. قوله: "أو قال" كذا وقع بالشك في أكثر الروايات، ووقع في رواية ابن عساكر: "وقال: "بالواو العاطفة، والأولى أظهر، ومحل التردد في لفظ: "بها " هل هو ثابت أم لا، أو التردد واقع بينه وبين لفظ: "ثلاثا " والله أعلم.
(1/417)

15- باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض
316- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ وَإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ" فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَأَعْمَرَنِي مِنْ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي نَسَكْتُ".
قوله "باب امتشاط المرأة .حدثنا إبراهيم "قوله: "حدثنا إبراهيم" و ابن سعد. قوله: "انقضى رأسك" أي حلي ضفره "وامتشطي" قيل ليس فيه دليل على الترجمة، قاله الداودي ومن تبعه، قالوا: لأن أمرها بالامتشاط كان للإهلال وهي حائض لا عند غسلها، والجواب أن الإهلال بالحج يقتضي الاغتسال لأنه من سنة الإحرام، وقد ورد الأمر بالاغتسال صريحا في هذه القصة فيما أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر ولفظه: "فاغتسلي ثم أهلي بالحج " فكأن البخاري جرى على عادته في الإشارة إلى ما تضمنه بعض طرق الحديث وإن لم يكن منصوصا فيما ساقه، ويحتمل أن يكون الداودي أراد بقوله: "لا عند غسلها " أي من الحيض ولم يرد نفي الاغتسال مطلقا، والحامل له على ذلك ما في الصحيحين أن عائشة إنما طهرت من حيضها يوم النحر فلم تغتسل يوم عرفة إلا للإحرام، وأما ما وقع في مسلم من طريق مجاهد عن عائشة أنها حاضت بسرف وتطهرت بعرفة فهو محمول على غسل الإحرام جمعا بين الروايتين، وإذا ثبت أن غسلها إذ ذاك كان للإحرام استفيد معنى الترجمة من دليل الخطاب لأنه إذا جاز لها الامتشاط في غسل الإحرام وهو مندوب كان جوازه لغسل المحيض وهو واجب أولى. قوله: "أمر عبد الرحمن" يعني ابن أبي بكر، وليلة الحصبة بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين ثم الموحدة هي الليلة التي نزلوا فيها في المحصب، وهو المكان الذي نزلوه بعد النفر من منى خارج مكة. قوله: "التي نسكت" كذا للأكثر، مأخوذ من النسك. وفي رواية أبي زيد المروزي " سكت " بحذف النون وتشديد آخره أي عنها، والقابسي بمعجمة والتخفيف، والضمير فيه راجع إلى عائشة على سبيل الالتفات، وفي السياق التفات آخر بعد التفات، وهو ظاهر للمتأمل.
(1/417)

16 - باب نَقْضِ الْمَرْأَةِ شَعَرَهَا عِنْدَ غُسْلِ الْمَحِيضِ
317- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "خَرَجْنَا
(1/417)

17 - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}
318- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ يَا رَبِّ عَلَقَةٌ يَا رَبِّ مُضْغَةٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ وَالأَجَلُ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
[الحديث 318- طرفاه- في:6595,3333]
قوله: "باب مخلقة وغير مخلقة" رويناه بالإضافة، أي باب تفسير قوله تعالى :{مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} وبالتنوين وتوجيهه ظاهر. قوله: "حدثنا حماد" هو ابن زيد، وعبيد الله بالتصغير ابن أبي بكر بن أنس بن مالك. قوله: "إن الله عز وجل" وقع في روايتنا بالتخفيف، يقال وكله بكذا إذا استكفاه إياه وصرف أمره إليه، وللأكثر بالتشديد وهو موافق لقوله تعالى :{مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} قوله: "يقول يا رب نطفة" بالرفع والتنوين، أي وقعت في الرحم نطفة. وفي رواية القابسي بالنصب أي خلقت يا رب نطفة، ونداء الملك بالأمور الثلاثة ليس في دفعة واحدة، بل بين كل حالة وحالة مدة تبين من حديث ابن مسعود الآتي في كتاب القدر أنها أربعون يوما، وسيأتي الكلام هناك على بقية فوائد حديث أنس هذا، والجمع بينه وبين ما ظاهره التعارض من حديث ابن مسعود المذكور، ومناسبة الحديث للترجمة من جهة أن الحديث المذكور مفسر للآية. وأوضح منه سياقا ما رواه
(1/418)

الطبري من طريق داود ابن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود قال: "إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكا فقال: يا رب مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دما، وإن قال مخلقة قال: يا رب فما صفة هذه النطفة؟ " فذكر الحديث وإسناده صحيح، وهو موقوف لفظا مرفوع حكما، وحكى الطبري لأهل التفسير في ذلك أقوالا وقال: الصواب قول من قال المخلقة المصورة خلقا تاما، وغير المخلقة السقط قبل تمام خلقه، وهو قول مجاهد والشعبي وغيرهما. وقال ابن بطال: غرض البخاري بإدخال هذا الحديث في أبواب الحيض تقوية مذهب من يقول إن الحامل لا تحيض، وهو قول الكوفيين وأحمد وأبي ثور وابن المنذر وطائفة، وإليه ذهب الشافعي في القديم. وقال في الجديد: إنها تحيض، وبه قال إسحاق، وعن مالك روايتان. قلت: وفي الاستدلال بالحديث المذكور على أنها لا تحيض نظر، لأنه لا يلزم من كون ما يخرج من الحامل هو السقط الذي لم يصور أن لا يكون(1) صلى الله عليه وسلم الدم الذي تراه المرأة التي يستمر حملها ليس بحيض. وما ادعاه المخالف من أنه رشح من الولد أو من فضلة غذائه أو دم فساد لعلة فمحتاج إلى دليل. وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت، لأن هذا دم بصفات دم الحيض وفي زمن إمكانه فله حكم دم الحيض، فمن ادعى خلافه فعليه البيان. وأقوى حججهم أن استبراء الأمة اعتبر بالمحيض لتحقق براءة الرحم من الحمل، فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض، واستدل ابن المنير على أنه ليس بدم حيض بأن الملك موكل برحم الحامل، والملائكة لا تدخل بيتا فيه قذر ولا يلائمها ذلك. وأجيب بأنه لا يلزم من كون الملك موكلا به أن يكون حالا فيه، ثم هو مشترك الإلزام لأن الدم كله قذر، والله أعلم.
(1/419)

18 - باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
319- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلاَ يُحِلُّ حَتَّى يُحِلَّ بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ" قَالَتْ فَحِضْتُ فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَلَمْ أُهْلِلْ إِلاَّ بِعُمْرَةٍ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ وَأُهِلَّ بِحَجٍّ وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي فَبَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي مِنْ التَّنْعِيمِ".
قوله: "باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة" مراده بيان صحة إهلال الحائض، ومعنى كيف في الترجمة الإعلام بالحال بصورة الاستفهام لا الكيفية التي يراد بها الصفة، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من زعم أن الحديث غير مناسب للترجمة، إذ ليس فيها ذكر صفة الإهلال.قوله: "من أهل بحج" في رواية المستملي: "بحجة " في الموضعين، وكذا للحموي في الموضع الثاني.قوله: "قالت فحضت" أي بسرف قبل دخول مكة. قوله: "حتى قضيت حجتي" في رواية كريمة وأبي الوقت " حجي"، والكلام على فوائد الحديث يأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
ـــــــ
(1) كذا في النسخ ولعله"أن يكون"باسقاط حرف النفي ليستقيم المعنى فتأمل

اخت مسلمة
06-09-2009, 04:51 AM
19 - باب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ
وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ: "لاَ تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ" تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ وَبَلَغَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ نِسَاءً يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ فَقَالَتْ: "مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ"
320- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ "ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي"
قوله: "باب إقبال المحيض وإدباره" اتفق العلماء على أن إقبال المحيض يعرف بالدفعة من الدم في وقت إمكان الحيض، واختلفوا في إدباره فقيل: يعرف بالجفوف، وهو أن يخرج ما يحتشي به جافا، وقيل بالقصة البيضاء وإليه ميل المصنف كما سنوضحه. قوله: "وكن" هو بصيغة جمع المؤنث، و " نساء " بالرفع وهو بدل من الضمير نحو أكلوني البراغيث، والتنكير في نساء للتنويع، أي كان ذلك من نوع من النساء لا من كلهن. وهذا الأثر قد رواه مالك في الموطأ عن علقمة بن أبي علقمة المدني عن أمه - واسمها مرجانة مولاة عائشة - قالت: "كان النساء". قوله: "بالدرجة" بكسر أوله وفتح الراء والجيم جمع درج بالضم ثم السكون. قال ابن بطال: كذا يرويه أصحاب الحديث وضبطه أن عبد البر في الموطأ بالضم ثم السكون وقال: إنه تأنيث درج، والمراد به ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا. قوله: "الكرسف" بضم الكاف والسين المهملة بينهما راء ساكنة هو القطن. قوله: "فيه الصفرة" زاد مالك من دم الحيضة. قوله: "فتقول" أي عائشة. والقصة بفتح القاف وتشديد المهملة هي النورة، أي حتى تخرج القطنة بيضاء نقية لا يخالطها صفرة، وفيه دلالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وأما في غيرها فسيأتي الكلام على ذلك في باب مفرد إن شاء تعالى. وفيه أن القصة البيضاء علامة لانتهاء الحيض ويتبين بها ابتداء الطهر، واعترض على من ذهب إلى أنه يعرف بالجفوف بأن القطنة قد تخرج جافة في أثناء الأمر فلا يدل ذلك على انقطاع الحيض، بخلاف القصة وهي ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض. قال مالك: سألت النساء عنه فإذا هو أمر معلوم عندهن يعرفنه عند الطهر. قوله: "وبلغ ابنة زيد بن ثابت" كذا وقعت مبهمة هنا، وكذا في الموطأ حيث روى هذا الأثر عن عبد الله بن أبي بكر أي ابن محمد(1) بن عمرو بن حزم عن عمته عنها، وقد ذكروا لزيد بن ثابت من البنات حسنة وعمرة وأم كلثوم وغيرهن، ولم أر لواحدة منهن رواية إلا لأم كلثوم - وكانت زوج سالم بن عبد الله ابن عمر - فكأنها هي المبهمة هنا. وزعم بعض الشراح أنها أم سعد قال: لأن ابن عبد البر ذكرها في الصحابة. انتهى. وليس في ذكره لها دليل المدعي لأنه لم يقل إنها صاحبة هذه القصة، بل لم يأت لها ذكر عنده ولا عند غيره إلا من طريق عنبسة بن عبد الرحمن
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: في نسخة"ابن أبي محمد"
(1/420)

وقد كذبوه، وكان مع ذلك يضطرب فيها فتارة يقول بنت زيد بن ثابت وتارة يقول امرأة زيد، ولم يذكر أحد من أهل المعرفة بالنسب في أولاد زيد من يقال لها أم سعد، وأما عمة عبد الله بن أبي بكر فقال ابن الحذاء: هي عمرة بنت حزم عمة جد عبد الله بن أبي بكر، وقيل لها عمته مجازا. قلت: لكنها صحابية قديمة روى عنها جابر بن عبد الله الصحابي، ففي روايتها عن بنت زيد بن ثابت بعد، فإن كانت ثابتة فرواية عبد الله عنها منقطعة لأنه لم يدركها، ويحتمل أن تكون المرادة عمته الحقيقية وهي أم عمرو أو أم كلثوم والله أعلم. قوله: "يدعون" أي يطلبن. وفي رواية الكشميهني: "يدعين " وقد تقدم مثلها في " باب تقضي الحائض المناسك كلها". وقال صاحب القاموس: دعيت لغة في دعوت، ولم ينبه على ذلك صاحب المشارق ولا المطالع. قوله: "إلى الطهر" أي إلى ما يدل على الطهر واللام في قولها " ما كان النساء " للعهد أي نساء الصحابة، وإنما عابت عليهن لأن ذلك يقتضي الحرج والتنطع وهو مذموم، قاله ابن بطال وغيره. وقيل لكون ذلك كان في غير وقت الصلاة وهو جوف الليل، وفيه نظر لأنه وقت العشاء، ويحتمل أن يكون العيب لكون الليل لا يتبين به البياض الخالص من غيره فيحسبن أنهن طهرن وليس كذلك فيصلين قبل الطهر. حديث فاطمة بنت أبي حبيش تقدم في باب الاستحاضة، وسفيان في هذا الإسناد هو ابن عيينة لأن عبد الله بن محمد وهو المسندي لم يسمع من الثوري.
(1/421)

20 - باب لاَ تَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلاَةَ
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "تَدَعُ الصَّلاَةَ"
321- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ "أَتَجْزِي إِحْدَانَا صَلاَتَهَا إِذَا طَهُرَتْ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ كُنَّا نَحِيضُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ يَأْمُرُنَا بِهِ أَوْ قَالَتْ فَلاَ نَفْعَلُهُ".
قوله: "باب لا تقضي الحائض الصلاة" نقل ابن المنذر وغيره إجماع أهل العلم على ذلك، وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري عنه فقال: اجتمع الناس عليه، وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبونه، وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به فأنكرت عليه أم سلمة، لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره. قوله: "وقال جابر بن عبد الله وأبو سعيد" هذا التعليق عن هذين الصحابيين ذكره المؤلف بالمعنى، فأما حديث جابر فأشار به إلى ما أخرجه في كتاب الأحكام من طريق حبيب عن عطاء عن جابر في قصة حيض عائشة في الحج وفيه: "غير أنها لا تطوف ولا تصلي"، ولمسلم نحوه من طريق أبي الزبير عن جابر، وأما حديث أبي سعيد فأشار به إلى حديثه المتقدم في " باب ترك الحائض الصوم " وفيه: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟". فإن قيل: الترجمة لعدم القضاء، وهذان الحديثان لعدم الإيقاع، فما وجه المطابقة؟ أجاب الكرماني بأن الترك في قوله: "تدع الصلاة " مطلق أداء وقضاء. انتهى. وهو غير متجه، لأن منعها إنما هو في زمن الحيض فقط، وقد وضح ذلك من سياق الحديثين، والذي يظهر لي أن المصنف أراد أن يستدل على الترك أولا بالتعليق المذكور، وعلى عدم القضاء بحديث عائشة، فجعل المعلق كالمقدمة للحديث الموصول الذي هو مطابق للترجمة، والله أعلم. قوله: "حدثتني معاذة" هي بنت عبد الله العدوية، وهي معدودة في فقهاء التابعين، ورجال الإسناد المذكور إليها بصريون. قوله: "أن امرأة قالت لعائشة" كذا أبهمها همام، وبين شعبة في روايته عن قتادة أنها هي معاذة الراوية. أخرجه
(1/421)

الإسماعيلي من طريقه، وكذا لمسلم من طريق عاصم وغيره عن معاذة. قوله: "أتجزي" بفتح أوله، أي أتقضي. وصلاتها بالنصب على المفعولية، ويروى أتجزئ بضم أوله والهمز، أي أتكفي المرأة الصلاة الحاضرة وهي طاهرة ولا تحتاج إلى قضاء الفائتة في زمن الحيض؟ فصلاتها على هذا بالرفع على الفاعلية، والأولى أشهر. قوله: "أحرورية" الحروري منسوب إلى حروراء بفتح الحاء وضم الراء المهملتين وبعد الواو الساكنة راء أيضا، بلدة على ميلين من الكوفة، والأشهر أنها بالمد. قال المبرد: النسبة إليها حروراوي، وكذا كل ما كان في آخره ألف تأنيث ممدودة، ولكن قيل الحروري بحذف الزوائد، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حرورى لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها، وهم فرق كثيرة، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا، ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار، وزاد مسلم في رواية عاصم عن معاذة فقلت: لا ولكني أسأل، أي سؤالا مجردا لطلب العلم لا للتعنت، وفهمت عائشة عنها طلب الدليل فاقتصرت في الجواب عليه دون التعليل، والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج بخلاف الصيام، ولمن يقول بأن الحائض مخاطبة بالصيام أن يفرق بأنها لم تخاطب بالصلاة أصلا. وقال ابن دقيق العيد: اكتفاء عائشة في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونها لم تؤمر به يحتمل وجهين: أحدهما أنها أخذت إسقاط القضاء من إسقاط الأداء فيتمسك به حتى يوجد المعارض وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم، ثانيهما - قال وهو أقرب - أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم لتكرر الحيض منهن عنده صلى الله عليه وسلم، وحيث لم يبين دل على عدم الوجوب، لا سيما وقد اقترن بذلك الأمر بقضاء الصوم كما في رواية عاصم عن معاذة عند مسلم. قوله: "فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله" كذا في هذه الرواية بالشك، وعند الإسماعيلي من وجه آخر " فلم نكن نقضي ولم نؤمر به " والاستدلال بقولها فلم نكن نقضي أوضح من الاستدلال بقولها فلم نؤمر به، لأن عدم الأمر بالقضاء هنا قد ينازع في الاستدلال به على عدم الوجوب، لاحتمال الاكتفاء بالدليل العام على وجوب القضاء. والله أعلم.
(1/422)

21 - باب النَّوْمِ مَعَ الْحَائِضِ وَهِيَ فِي ثِيَابِهَا
322- حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "حِضْتُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمِيلَةِ فَانْسَلَلْتُ فَخَرَجْتُ مِنْهَا فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَلَبِسْتُهَا فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنُفِسْتِ" قُلْتُ نَعَمْ فَدَعَانِي فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ قَالَتْ وَحَدَّثَتْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَنَابَةِ".
قوله: "باب النوم مع الحائض" زاد في رواية الصاغاني " وهي في ثيابها " تقدم الكلام على ذلك في " باب من سمى النفاس حيضا".يحيى المذكور هو ابن أبي كثير. قوله: "قالت وحدثتني" هو مقول زينب بنت أم سلمة، وفاعل " حدثتني " أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الصيام. قوله: "وكنت" معطوف على جملة الحديث الذي قبله وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها، وقد تقدم الكلام على فوائده في كتاب الغسل.
(1/422)

22- باب مَنْ اتَّخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ
323- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيلَةٍ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَقَالَ "أَنُفِسْتِ" فَقُلْتُ نَعَمْ فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ".
قوله: "باب من اتخذ ثياب الحيض" وفي رواية الكشميهني: "من أعد " بالعين والدال المهملتين.هشام المذكور هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير، والكلام على الحديث قد تقدم في " باب من سمى النفاس حيضا".
(1/423)

23 - باب شُهُودِ الْحَائِضِ الْعِيدَيْنِ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى
324- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: "كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ فَقَدِمَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ غَزْوَةً وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ قَالَتْ كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ قَالَ " لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلْتَشْهَد الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ" فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ بِأَبِي نَعَمْ وَكَانَتْ لاَ تَذْكُرُهُ إِلاَّ قَالَتْ بِأَبِي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ أَوْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى قَالَتْ حَفْصَةُ فَقُلْتُ الْحُيَّضُ فَقَالَتْ أَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَكَذَا وَكَذَا".
[الحديث324- أطرافه في:1652,981,980,974,971,351]
قوله: "باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن" وفي رواية ابن عساكر: "واعتزالهن المصلى " والجمع بالنظر إلى أن الحائض اسم جنس، أو فيه حذف والتقدير ويعتزلن الحيض كما سيذكر بعد. قوله: "حدثنا محمد" كذا للأكثر غير منسوب، ولأبي ذر محمد بن سلام، ولكريمة محمد هو ابن سلام. قوله: "حدثنا عبد الوهاب" هو الثقفي. قوله: "عواتقنا" العواتق جمع عاتق وهي من بلغت الحلم أو قاربت، أو استحقت التزويج، أو هي الكريمة على أهلها، أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة، وكأنهم كانوا يمنعون العواتق من الخروج لما حدث بعد العصر الأول من الفساد، ولم تلاحظ الصحابة ذلك بل رأت استمرار الحكم على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "فقدمت امرأة" لم أقف على تسميتها. وقصر بني خلف كان بالبصرة وهو منسوب إلى طلحة ابن عبد الله بن خلف الخزاعي المعروف بطلحة الطلحات وقد ولي إمرة سجستان. قوله: "فحدثت عن أختها" قيل هي أم عطية، وقيل غيرها وعليه مشى الكرماني، وعلى تقدير أن تكون أم عطية فلم نقف على تسمية زوجها أيضا. قوله: "ثنتي عشرة" زاد الأصيلي: "غزوة".قوله: "وكانت أختي" فيه حذف تقديره قالت المرأة وكانت أختي. قوله:
(1/423)

"قالت" أي الأخت، والكلمى بفتح الكاف وسكون اللام: جمع كليم أي جريح. قوله: "من جلبابها" قيل المراد به الجنس، أي تعيرها من ثيابها ما لا تحتاج إليه. وقيل المراد تشركها معها في لبس الثوب الذي عليها، وهذا ينبني على تفسير الجلباب - وهو بكسر الجيم وسكون اللام وبموحدتين بينهما ألف - قيل: هو المقنعة أو الخمار أو أعرض منه، وقيل الثوب الواسع يكون دون الرداء، وقيل الإزار، وقيل الملحفة، وقيل الملاءة، وقيل القميص. قوله: "ودعوة المسلمين" - في رواية الكشميهني: "المؤمنين " وهي موافقة لرواية أم عطية. قوله: "وكانت" أي أم عطية "لا تذكره" أي النبي صلى الله عليه وسلم "إلا قالت: بأبي" أي هو مفدى بأبي. وفي رواية عبدوس بيبي بباء تحتانية بدل الهمزة في الموضعين، وللأصيلي بفتح الموحدة الثانية مع قلب الهمزة ياء - كعبدوس - لكن فتح ما بعدها كأنه جعله لكثرة الاستعمال واحدا، ونقل عن الأصيلي أيضا كالأصل لكن فتح الثانية أيضا، وقد ذكر ابن مالك هذه الأربعة في شواهد التوضيح. وقال ابن الأثير: قوله بأبأ أصله بأبي هو، يقال بأبأت الصبي إذا قلت له أفديك بأبي فقلبوا الياء ألفا كما في " ويلتا". قوله: "وذوات الخدور" بضم الخاء المعجمة والدال المهملة جمع خدر بكسرها وسكون الدال، وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه، وللأصيلي وكريمة: "العواتق وذوات الخدور أو العواتق ذوات الخدور " على الشك، وبين العاتق والبكر عموم وخصوص وجهي. قوله: "ويعتزل الحيض المصلى" بضم اللام هو خبر. بمعنى الأمر. وفي رواية: "ويعتزلن الحيض المصلى " وهو نحو أكلوني البراغيث. وحمل الجمهور الأمر المذكور على الندب لأن المصلى ليس بمسجد فيمتنع الحيض من دخوله، وأغرب الكرماني فقال: الاعتزال واجب، والخروج والشهود مندوب، مع كونه نقل عن النووي تصويب عدم وجوبه. وقال ابن المنير: الحكمة في اعتزالهن أن في وقوفهن وهن لا يصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال. فاستحب لهن اجتناب ذلك. قوله: "فقلت: آلحيض" بهمزة ممدودة، كأنها تتعجب من ذلك "فقالت" أي أم عطية: "أليس تشهد" أي الحيض، وللكشميهني: "أليست " وللأصيلي: "أليس يشهدن". قوله: "وكذا وكذا" أي ومزدلفة ومنى وغيرهما. وفيه أن الحائض لا تهجر ذكر الله ولا مواطن الخير كمجالس العلم والذكر سوى المساجد، وفيه امتناع خروج المرأة بغير جلباب، وغير ذلك مما سيأتي استيفاؤه في كتاب العيدين إن شاء الله تعالى.
(1/424)

باب إذا حاضت في الشهر ثلاث حيض
...
24 - باب إِذَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلاَثَ حِيَضٍ وَمَا يُصَدَّقُ النِّسَاءُ فِي الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ فِيمَا يُمْكِنُ مِنْ الْحَيْضِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ "إِنْ امْرَأَةٌ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلاَثًا فِي شَهْرٍ صُدِّقَتْ" وَقَالَ عَطَاءٌ "أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ" وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ عَطَاءٌ: "الْحَيْضُ يَوْمٌ إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ" وَقَالَ مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ "سَأَلْتُ ابْنَ سِيرِينَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى الدَّمَ بَعْدَ قُرْئِهَا بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ قَالَ النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ"
قوله: "باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض" بفتح الياء جمع حيضة. قوله: "وما يصدق" بضم أوله وتشديد الدال المفتوحة. قوله: "فيما يمكن من الحيض" أي فإذا لم يمكن لم تصدق. قوله: "لقول الله تعالى" أشير إلى تفسير الآية المذكورة، وقد روى الطبري بإسناد صحيح عن الزهري قال: بلغنا أن المراد بما خلق الله في أرحامهن
(1/424)

الحمل أو الحيض، فلا يحل لهن أن يكتمن ذلك لتنقضي العدة ولا يملك الزوج الرجعة إذا كانت له. وروى أيضا بإسناد حسن عن ابن عمر قال: "لا يحل لها إن كانت حائضا أن تكتم حيضها، ولا إن كانت حاملا أن تكتم حملها". وعن مجاهد " لا تقول إني حائض وليست بحائض، ولا لست بحائض وهي حائض " وكذا في الحبل. ومطابقة الترجمة للآية من جهة أن الآية دالة على أنها يجب عليها الإظهار، فلو لم تصدق فيه لم يكن له فائدة. قوله: "ويذكر عن علي" وصله الدارمي كما سيأتي ورجاله ثقات، وإنما لم يجزم به للتردد في سماع الشعبي من علي، ولم يقل إنه سمعه من شريح فيكون موصولا. قوله: "أن جاءت" في رواية كريمة: "إن امرأة جاءت " بكسر النون. قوله: "ببينة من بطانة أهلها" أي خواصها. قال إسماعيل القاضي: ليس المراد أن يشهد النساء أن ذلك وقع، وإنما هو فيما نرى أن يشهدن أن هذا يكون وقد كان في نسائهن. قلت: وسياق القصة يدفع هذا التأويل، قال الدارمي: أخبرنا يعلى بن عبيد حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر - هو الشعبي - قال: "جاءت امرأة إلى علي تخاصم زوجها طلقها فقالت: حضت في شهر ثلاث حيض، فقال علي لشريح: اقض بينهما. قال: يا أمير المؤمنين وأنت هاهنا؟ قال: اقض بينهما. قال: إن جاءت من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته تزعم أنها حاضت ثلاث حيض تطهر عند كل قرء وتصلي جاز لها وإلا فلا. قال علي: قالون " قال وقالون بلسان الروم أحسنت. فهذا ظاهر في أن المراد أن يشهدن بأن ذلك وقع منها، وإنما أراد إسماعيل رد هذه القصة إلى موافقة مذهبه، وكذا قال عطاء إنه يعتبر في ذلك عادتها قبل الطلاق، وإليه الإشارة ب قوله: "أقراؤها" وهو بالمد جمع قرء أي في زمان العدة "ما كانت" أي قبل الطلاق، فلو ادعت في العدة ما يخالف ما قبلها لم يقبل. وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء. قوله: "وبه قال إبراهيم" يعني النخعي، أي قال بما قال عطاء، ووصله عبد الرزاق أيضا عن أبي معشر عن إبراهيم نحوه. وروى الدارمي أيضا بإسناد صحيح إلى إبراهيم قال: "إذا حاضت المرأة في شهر أو أربعين ليلة ثلاث حيض " فذكر نحو أثر شريح، وعلى هذا فيحتمل أن يكون الضمير في قول البخاري " وبه " يعود على أثر شريح، أو في النسخة تقديم وتأخير، أو لإبراهيم في المسألة قولان. قوله: "وقال عطاء. إلخ" وصله الدارمي أيضا بإسناد صحيح قال: "أقصى الحيض خمس عشرة، وأدنى الحيض يوم". ورواه الدارقطني بلفظ: "أدنى وقت الحيض يوم وأكثر الحيض خمس عشرة". قوله: "وقال معتمر" عني ابن سليمان التيمي. وهذا الأثر وصله الدارمي أيضا عن محمد بن عيسى عن معتمر.
325- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: "إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ فَقَالَ "لاَ إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي".
قوله: "حدثنا أحمد بن أبي رجاء" هو أحمد بن عبد الله بن أيوب الهروي يكنى أبا الوليد، وهو حنفي النسب لا المذهب، وقصة فاطمة بنت أبي حبيش تقدمت في باب الاستحاضة، ومناسبة الحديث للترجمة من قوله: "قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها " فوكل ذلك إلى أمانتها ورده إلى عادتها، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص. واختلف العلماء في أقل الحيض وأقل الطهر، ونقل الداودي أنهم اتفقوا على أن أكثره خمسة عشر يوما. وقال أبو حنيفة: لا يجتمع أقل الطهر وأقل الحيض معا. فأقل ما تنقضي به العدة عنده ستون يوما. وقال صاحباه: تنقضي في تسعة
(1/425)

وثلاثين يوما بناء على أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأن أقل الطهر خمسة عشر يوما وأن المراد بالقرء الحيض، وهو قول الثوري. وقال الشافعي: "القرء الطهر وأقله خمسة عشر يوما، وأقل الحيض يوم وليلة فتنقضي عنده في اثنين وثلاثين يوما ولحظتين"، وهو موافق لقصة علي وشريح المتقدمة إذا حمل ذكر الشهر فيها على إلغاء الكسر، ويدل عليه رواية هشيم عن إسماعيل فيها بلفظ: "حاضت في شهر أو خمسة وثلاثين يوما"
(1/426)

25 - باب الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ
326- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا".
قوله: "باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض" يشير بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة المتقدم في قولها " حتى ترين القصة البيضاء " وبين حديث أم عطية المذكور في هذا الباب بأن ذلك محمول على ما إذا رأت الصفرة أو الكدرة في أيام الحيض، وأما في غيرها فعلى ما قالته أم عطية. قوله: "أيوب عن محمد" و ابن سيرين، وكذا رواه إسماعيل وهو ابن علية عن أيوب، ورواه وهيب بن خالد عن أيوب عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية أخرجه ابن ماجه. ونقل عن الذهلي أنه رجح رواية وهيب. وما ذهب إليه البخاري من تصحيح رواية إسماعيل أرجح لموافقة معمر له، ولأن إسماعيل أحفظ لحديث أيوب من غيره، ويمكن أن أيوب سمعه منهما. قوله: "كنا لا نعد" أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بذلك، وبهذا يعطي الحديث حكم الرفع، وهو مصير من البخاري إلى أن مثل هذه الصيغة تعد في المرفوع ولو لم يصرح الصحابي بذكر زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا جزم الحاكم وغيره خلافا للخطيب. قوله: "الكدرة والصفرة" أي الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار. قوله: "شيئا" أي من الحيض، ولأبي داود من طريق قتادة عن حفصة عن أم عطية " كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا " وهو موافق لما ترجم به البخاري. والله أعلم.
(1/426)

26 - باب عِرْقِ الِاسْتِحَاضَةِ
327- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فَقَالَ: "هَذَا عِرْقٌ" فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ".
قوله: "باب عرق الاستحاضة" بكسر العين وإسكان الراء، وقد تقدم بيانه في باب الاستحاضة. قوله: "وعن عمرة" يعني كلاهما عن عائشة، كذا للأكثر. وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر بحذف الواو فصار من رواية عروة عن عمرة، وكذا ذكر الإسماعيلي أن أحمد بن الحسن الصوفي حدثهم به عن خلف بن سالم عن معن، والمحفوظ إثبات الواو وأن الزهري رواه عن شيخين عروة وعمرة كلاهما عن عائشة، وكذا أخرجه الإسماعيلي وغيره من طرق عن ابن أبي ذئب، وكذا أخرجه مسلم من طريق عمرو ابن الحارث، وأبو داود من طريق الأوزاعي كلاهما
(1/426)

27 - باب الْمَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ الإِفَاضَةِ
328- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ فَقَالُوا بَلَى قَالَ فَاخْرُجِ"
329- حدثنامعلى بن أسيد قال حدثنا وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: "رخص للحائض أن تنفر إذا حاضت"
[الحديث329- طرفاه في:1760,1755]
330- وكان ابن عمر يقول في أول أمره إنها لاتنفر, ثم سمعته يقول: "تنفر, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لهن"
[الحديث330-طرفه في:1761]
قوله: "باب المرأة تحيض بعد الإفاضة" أي هل تمنع من طواف الوداع أم لا.قوله: "عن عمرة بنت عبد الرحمن" هي المذكورة في الإسناد الذي قبله، وهذا الإسناد - سوى شيخ البخاري - مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم من بين مالك وعائشة. قوله: "إن صفية" أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "قالوا: بلى" أي النساء ومن معهن من المحارم.قوله: "فاخرجي" كذا للأكثر بالإفراد خطابا لصفية من باب العدول عن الغيبة، وهي قوله: "ألم تكن طافت " إلى الخطاب، أو هو خطاب لعائشة، أي فأخرجي فهي تخرج معك، وللمستملي والكشميهني: "فاخرجن " وهو على وفق السياق، وسيأتي الكلام على هذا الحديث والذي بعده في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. وقوله فيه: "وكان ابن عمر " هو مقول طاوس لا ابن عباس، وكذا قوله: "ثم سمعته يقول: "وكان ابن عمر يفتي بأنه يجب عليها أن تتأخر إلى أن تطهر من أجل طواف الوداع، ثم بلغته الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم لهن في تركه فصار إليه، أو كان نسي ذلك فتذكره. وفيه دليل على أن الحائض لا تطوف.
(1/428)

28 - باب إِذَا رَأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَلَوْ سَاعَةً وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتْ الصَّلاَةُ أَعْظَمُ
331- حدثنا أحمد بن يونس عن زهير قال حدثنا هشام عن عروة عن عائشة قالت:قال النبي صلى الله عليه وسلم
(1/428)

29 - باب الصَّلاَةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا
332- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ "أَنَّ امْرَأَةً مَاتَتْ فِي بَطْنٍ فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ وَسَطَهَا".
[الحديث 332- طرفاه في:1332,1331]
قوله: "باب الصلاة على النفساء وسنتها" أي سنة الصلاة عليها. قوله: "حدثنا أحمد بن أبي سريج" تقدم أنه بالمهملة والجيم، واسمه الصباح، وقيل إن أحمد هو ابن عمر بن أبي سريج فكأنه نسب إلى جده. قوله: "أن امرأة" هي أم كعب سماها مسلم في روايته من طريق عبد الوارث عن حسين المعلم، وذكر أبو نعيم في الصحابة أنها أنصارية. قوله: "ماتت في بطن" أي بسبب بطن يعني الحمل، وهو نظير قوله: "عذبت امرأة في هرة " قال ابن التيمي: قيل وهم البخاري في هذه الترجمة فظن أن قوله: "ماتت في بطن " ماتت في الولادة، قال: ومعنى ماتت في بطن ماتت مبطونة. قلت: بل الموهم له هو الواهم، فإن عند المصنف في هذا الحديث من كتاب الجنائز " ماتت في نفاسها " وكذا لمسلم. قوله: "فقام وسطها" بفتح السين في روايتنا، وكذا ضبطه ابن التين، وضبطه غيره بالسكون،
(1/429)

وللكشميهني: "فقام عند وسطها " وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قال ابن بطال: يحتمل أن يكون البخاري قصد بهذه الترجمة أن النفساء وإن كانت لا تصلي لها حكم غيرها أي في طهارة العين، لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليها، قال وفيه رد على من زعم أن ابن آدم ينجس بالموت لأن النفساء جمعت الموت وحمل النجاسة بالدم اللازم لها، فلما لم يضرها ذلك كان الميت الذي لا يسيل منه نجاسة أولى. وتعقبه ابن المنير بأن هذا أجنبي عن مقصود البخاري، قال وإنما قصد أنها وإن ورد أنها من الشهداء فهي ممن يصلي عليها كغير الشهداء وتعقبه ابن رشيد بأنه أيضا أجنبي عن أبواب الحيض، قال: وإنما أراد البخاري أن يستدل بلازم من لوازم الصلاة لأن الصلاة اقتضت أن المستقبل فيها ينبغي أن يكون محكوما بطهارته، فلما صلى عليها - أي إليها - لزم من ذلك القول بطهارة عينها، وحكم النفساء والحائض واحد، قال: ويدل على أن هذا مقصوده إدخال حديث ميمونة في الباب كما في رواية الأصيلي وغيره. ووقع في رواية أبي ذر قبل حديث ميمونة:
(1/430)

30- باب
333- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ اسْمُهُ الْوَضَّاحُ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: "سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لاَ تُصَلِّي وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ".
[الحديث333- أطرافه في: 518,517,381,379,]
قوله: "حدثنا الحسن بن مدرك" هو الطحان البصري أحد الحفاظ، وهو من صغار شيوخ البخاري، بل البخاري أقدم منه، وقد شاركه في شيخه يحيى بن حماد المذكور هنا، وكأن هذا الحديث فاته فاعتمد فيه على الحسن المذكور لأنه كان عارفا بحديث يحيى بن حماد. قوله: "من كتابه" إشارة إلى أن أبا عوانة حدث به من كتابه لا من حفظه، وكان إذا حدث من كتابه أتقن مما إذا حدث من حفظه حتى قال عبد الرحمن بن مهدي: كتاب أبي عوانة أثبت من حفظ هشيم. قوله: "كانت تكون" أي تحصل أو تستقر، ويحتمل أن قوله: "تكون لا تصلي " خبر لكانت، وقوله: "حائضا " حال نحو "وجاءوا أباهم عشاء يبكون" قاله الكرماني. قوله: "بحذاء" بكسر الخاء المهملة بعدها ذال معجمة ومدة أي بجنب مسجد والمراد بالمسجد مكان سجوده، والخمرة بضم الخاء والمعجمة وسكون الميم قال الطبري: هو مصلى صغير يعمل من سعف النخل، سميت بذلك لسترها الوجه والكفين من حر الأرض وبردها، فإن كانت كبيرة سميت حصيرا، وكذا قال الأزهري في تهذيبه وصاحبه أبو عبيد الهروي وجماعة بعدهم، وزاد في النهاية: ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار، قال: وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها. وقال الخطابي: هي السجادة يسجد عليها المصلي. ثم ذكر حديث ابن عباس في الفأرة التي جرت الفتيلة حتى ألقتها على الخمرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا عليها. الحديث قال: ففي هذا تصريح بإطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه، قال: وسميت خمرة لأنها تغطي الوجه، وستأتي الإشارة إلى حكم الصلاة عليها في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.
(1/430)

"خاتمة": اشتمل كتاب الحيض من الأحاديث المرفوعة على سبعة وأربعين حديثا، المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وعشرون حديثا الموصول منها عشرة أحاديث، والبقية تعليق ومتابعة، والخالص خمسة وعشرون حديثا منها واحد معلق وهو حديث كان يذكر الله على كل أحيانه، والبقية موصولة. وقد وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة كانت إحدانا تحيض ثم تقترص الدم وحديثها في اعتكاف المستحاضة، وحديثها ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد، وحديث أم عطية كنا لا نعد الصفرة، وحديث ابن عمر رخص للحائض أن تنفر. وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين خمسة عشر أثرا كلها معلقة. والله أعلم.
(1/431)

كتاب التيمم
باب
...
7- كِتَاب التَّيَمُّمِ
3 - وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}
1- باب 334- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا". فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: "مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ".
[الحديث 334- أطرافه في:6845,6844,5882,5250,5164,4608,4607,4583,3773,36 72,336]
قوله: "باب التيمم" البسملة قبله لكريمة وبعده لأبي ذر، وقد تقدم توجيه ذلك. والتيمم في اللغة القصد، قال امرؤ القيس:
تيممتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي
أي قصدتها.وفي الشرع القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة ونحوها. وقال ابن السكيت: قوله: "فتيمموا صعيدا" أي اقصدوا الصعيد، ثم كثر استعمالهم حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب
(1/431)

اهـ. فعلى هذا هو مجاز لغوي، وعلى الأول هو حقيقة شرعية. واختلف في التيمم هو عزيمة أو رخصة؟ وفصل بعضهم فقال: هو لعدم الماء عزيمة، وللعذر رخصة. قوله: "قول الله"، في رواية الأصيلي: "وقول الله " بزيادة واو، والجملة استئنافية. قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} كذا للأكثر، وللنسفي وعبدوس والمستملي والحموي " فإن لم تجدوا " قال أبو ذر: كذا في روايتنا، والتلاوة "فلم تجدوا"، قال صاحب المشارق: هذا هو الصواب. قلت: ظهر لي أن البخاري أراد أن يبين أن المراد بالآية المبهمة في قول عائشة في حديث الباب: "فأنزل الله آية التيمم " أنها آية المائدة، وقد وقع التصريح بذلك في رواية حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة في قصتها المذكورة قال: "فأنزل الله آية التيمم: فإن لم تجدوا ماء فتيمموا " الحديث، فكأن البخاري أشار إلى هذه الرواية المخصوصة، واحتمل أن تكون قراءة شاذة لحماد بن سلمة أو غيره أو وهما منه، وقد ظهر أنها عنت آية المائدة وأن آية النساء قد ترجم لها المصنف في التفسير وأورد حديث عائشة أيضا ولم يرد خصوص نزولها في قصتها، بل اللفظ الذي على شرطه محتمل للأمرين، والعمدة على رواية حماد بن سلمة في ذلك فإنها عينت ففيها زيادة على غيرها. والله أعلم. قوله: "وأيديكم" إلى هنا في رواية أبي ذر، زاد في رواية الشبوي وكريمة: "منه"، وهي تعين آية المائدة دون آية النساء، وإلى ذلك نحا البخاري فأخرج حديث الباب في تفسير سورة المائدة، وأيد ذلك برواية عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم في هذا الحديث ولفظه: فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} إلى قوله :{تَشْكُرُونَ} . قوله: "عن عبد الرحمن بن القاسم" أي ابن محمد بن أبي بكر الصديق ورجاله سوى شيخ البخاري مدنيون. قوله: "في بعض أسفاره" قال ابن عبد البر في التمهيد: يقال إنه كان في غزاة بني المصطلق، وجزم بذلك في " الاستذكار " وسبقه إلى ذلك ابن سعد وابن حبان. وغزاة بني المصطلق هي غزوة المريسيع، وفيها وقعت قصة الإفك لعائشة، وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها أيضا، فإن كان ما جزموا به ثابتا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين لاختلاف القصتين كما هو مبين في سياقهما، واستبعد بعض شيوخنا ذلك قال: لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل، وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها في الحديث: "حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش " وهما بين المدينة وخيبر كما جزم به النووي. قلت: وما جزم به مخالف لما جزم به ابن التين فإنه قال: البيداء هي ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة، قال: وذات الجيش وراء ذي الحليفة. وقال أبو عبيد البكري في معجمه: البيداء أدنى إلى مكة من ذي الحليفة. ثم ساق حديث عائشة هذا. ثم ساق حديث ابن عمر قال: "بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها، ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد " الحديث. قال: والبيداء هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة. وقال أيضا: ذات الجيش من المدينة على بريد، قال: وبينها وبين العقيق سبعة أميال، والعقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر، فاستقام ما قال ابن التين. ويؤيده ما رواه الحميدي في مسنده عن سفيان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث فقال فيه: "إن القلادة سقطت ليلة الأبواء " ا هـ، والأبواء بين مكة والمدينة. وفي رواية علي بن مسهر في هذا الحديث عن هشام قال. " وكان ذلك المكان يقال له الصلصل " رواه جعفر الفريابي في كتاب الطهارة له وابن عبد البر من طريقه، والصلصل بمهملتين مضمومتين ولامين الأولى ساكنة بين الصادين، قال البكري: هو جبل عند ذي الحليفة، كذا ذكره في حرف الصاد المهملة، ووهم مغلطاي في فهم كلامه فزعم أنه ضبطه بالضاد المعجمة، وقلده في ذلك بعض الشراح وتصرف فيه فزاده وهما على وهم، وعرف من تضافر هذه
(1/432)

الروايات تصويب ما قاله ابن التين، واعتمد بعضهم في تعدد السفر على رواية للطبراني صريحة في ذلك كما سيأتي والله أعلم. قوله: "عقد" بكسر المهملة كل ما يعقد ويعلق في العنق، ويسمى قلادة كما سيأتي، وفي التفسير من رواية عمرو بن الحارث " سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم ونزل " وهذا مشعر بأن ذلك كان عند قربهم من المدينة. قوله: "على التماسه" أي لأجل طلبه، وسيأتي أن المبعوث في طلبه أسيد بن حضير وغيره. قوله: "وليسوا على ماء، وليس معهم ماء" كذا للأكثر في الموضعين، وسقطت الجملة الثانية في الموضع الأول من رواية أبي ذر، واستدل بذلك على جواز الإقامة في المكان الذي لا ماء فيه، وكذا سلوك الطريق التي لا ماء فيها، وفيه نظر لأن المدينة كانت قريبة منهم وهم على قصد دخولها، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بعدم الماء مع الركب وإن كان قد علم بأن المكان لا ماء فيه، ويحتمل أن يكون قوله: "ليس معهم ماء " أي للوضوء، وأما ما يحتاجون إليه للشرب فيحتمل أن يكون معهم، والأول محتمل لجواز إرسال المطر أو نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم كما وقع في مواطن أخرى. وفيه اعتناء الإمام بحفظ حقوق المسلمين وإن قلت، فقد نقل ابن بطال أنه روى أن ثمن العقد المذكور كان اثني عشر درهما، ويلتحق بتحصيل الضائع الإقامة للحوق المنقطع ودفن الميت ونحو ذلك من مصالح الرعية، وفيه إشارة إلى ترك إضاعة المال. قوله: "فأتى الناس إلى أبي بكر" فيه شكوى المرأة إلى أبيها وإن كان لها زوج، وكأنهم إنما شكوا إلى أبي بكر لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان نائما وكانوا لا يوقظونه. وفيه نسبة الفعل إلى من كان سببا فيه لقولهم: صنعت وأقامت، وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وإن كان زوجها عندها إذا علم رضاه بذلك ولم يكن حالة مباشرة. قوله: "فعاتبني أبو بكر. وقال ما شاء الله أن يقول" في رواية عمرو بن الحارث فقال: حبست الناس في قلادة، أي بسببها. وسيأتي من الطبراني أن من جملة ما عاتبها به قوله: "في كل مرة تكونين عناء". والنكتة في قول عائشة " فعاتبني أبو بكر " ولم تقل أبي، لأن قضية الأبوة الحنو، وما وقع من العتاب بالقول والتأنيب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر، فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي فلم تقل أبي. قوله: "يطعنني" هو بضم العين، وكذا في جميع ما هو حسي، وأما المعنوي فيقال يطعن بالفتح، هذا المشهور فيهما، وحكي فيهما الفتح معا في المطالع وغيرها، والضم فيهما حكاه صاحب الجامع. وفيه تأديب الرجل ابنته ولو كانت مزوجة كبيرة خارجة عن بيته، ويلحق بذلك تأديب من له تأديبه ولو لم يأذن له الإمام.قوله: "فلا يمنعني من التحرك" فيه استحباب الصبر لمن ناله ما يوجب الحركة أو يحصل به تشويش لنائم، وكذا لمصل أو قارئ أو مشتغل بعلم أو ذكر. قوله: "فقام حين أصبح" كذا أورده هنا، وأورده في فضل أبي بكر عن قتيبة عن مالك بلفظ: "فنام حتى أصبح " وهي رواية مسلم ورواه الموطأ، والمعنى فيهما متقارب لأن كلا منهما يدل على أن قيامه من نومه كان عند الصبح. وقال بعضهم: ليس المراد بقوله: "حتى أصبح " بيان غاية النوم إلى الصباح، بل بيان غاية فقد الماء إلى الصباح، لأنه قيد قوله: "حتى أصبح " بقوله: "على غير ماء " أي آل أمره إلى أن أصبح على غير ماء، وأما رواية عمرو بن الحارث فلفظها " ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح " فإن أعربت الواو حالية كان دليلا على أن الاستيقاظ وقع حال وجود الصباح وهو الظاهر، واستدل به على الرخصة في ترك التهجد في السفر إن ثبت أن التهجد كان واجبا عليه، وعلى أن طلب الماء لا يجب إلا بعد دخول الوقت لقوله في رواية عمرو بن الحارث بعد قوله وحضرت الصبح " فالتمس الماء فلم يوجد " وعلى أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آية الوضوء ولهذا
(1/433)

استعظموا نزولهم على غير ماء. ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع. قال ابن عبد البر: "معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ افترضت الصلاة عليه إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند". قال: وفي قوله في هذا الحديث: "آية التيمم " إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء. قال: والحكمة في نزول آية الوضوء - مع تقدم العمل به - ليكون فرضه متلوا بالتنزيل. وقال غيره: يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديما فعلموا به الوضوء، ثم نزل بقيتها وهو ذكر التيمم في هذه القصة، وإطلاق آية التيمم على هذا من تسمية الكل باسم البعض، لكن رواية عمرو بن الحارث التي قدمنا أن المصنف أخرجها في التفسير تدل على أن الآية نزلت جميعا في هذه القصة، فالظاهر ما قاله ابن عبد البر. قوله: "فأنزل الله آية التيمم" قال ابن العربي: هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء، لأنا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة. قال ابن بطال: هي آية النساء أو آية المائدة. وقال القرطبي: هي آية النساء. ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء فيتجه تخصيصها بآية التيمم. وأورد الواحدي في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا، وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد لرواية عمرو بن الحارث إذ صرح فيها بقوله: "فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} الآية". قوله: {فَتَيَمَّمُوا} يحتمل أن يكون خبرا عن فعل الصحابة، أي فتيمم الناس بعد نزول الآية، ويحتمل أن يكون حكاية لبعض الآية وهو الأمر في قوله: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} بيانا لقوله: "آية التيمم " أو بدلا. واستدل بالآية على وجوب النية في التيمم لأن معنى {فَتَيَمَّمُوا} اقصدوا كما تقدم، وهو قول فقهاء الأمصار إلا الأوزاعي، وعلى أنه يجب نقل التراب ولا يكفي هبوب الريح به بخلاف الوضوء كما لو أصابه مطر فنوى الوضوء به فإنه يجزئ، والأظهر الإجزاء لمن قصد التراب من الريح الهابة، بخلاف من لم يقصد، وهو اختيار الشيخ أبي حامد. وعلى تعين الصعيد الطيب للتيمم، لكن اختلف العلماء في المراد بالصعيد الطيب كما سيأتي في بابه قريبا، وعلى أنه يجب التيمم لكل فريضة، وسنذكر توجيهه وما يرد عليه بعد أربعة أبواب. "تنبيه": لم يقع في شيء من طرق حديث عائشة هذا كيفية التيمم، وقد روى عمار بن ياسر قصتها هذه فبين ذلك، لكن اختلف الرواة على عمار في الكيفية كما سنذكره ونبين الأصح منه في باب التيمم للوجه والكفين. قوله: "فقال أسيد" هو بالتصغير "ابن الحضير" بمهملة ثم معجمة مصغرا أيضا، وهو من كبار الأنصار، وسيأتي ذكره في المناقب. وإنما قال ما قال دون غيره لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد الذي ضاع. قوله: "ما هي بأول بركتكم" أي بل هي مسبوقة بغيرها من البركات، والمراد بآل أبي بكر نفسه وأهله وأتباعه. وفيه دليل على فضل عائشة وأبيها وتكرار البركة منهما. وفي رواية عمرو بن الحارث " لقد بارك الله للناس فيكم " وفي تفسير إسحاق البستي من طريق ابن أبي مليكة عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها " ما كان أعظم بركة قلادتك " وفي رواية هشام بن عروة الآتية في الباب الذي يليه " فوالله ما نزل بك من أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه خيرا " وفي النكاح من هذا الوجه " إلا جعل الله لك منه مخرجا، وجعل للمسلمين فيه بركة " وهذا يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، فيقوى قول من ذهب إلى تعدد ضياع العقد، وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الإخباري فقال: سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق.وقد اختلف أهل المغازي في أي هاتين الغزاتين كانت أولا.وقال الداودي: "كانت قصة التيمم في غزاة الفتح". ثم تردد في ذلك،
(1/434)

وقد روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة قال: "لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع". فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة وهي بعدها بلا خلاف، وسيأتي في المغازي أن البخاري يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى، وقدومه كان وقت إسلام أبي هريرة. ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الإفك ما رواه الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت: "لما كان من أمر عقدي ما كان. وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه. فقال لي أبو بكر: يا بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس؟ فأنزل الله عز وجل الرخصة في التيمم. قال أبو بكر: إنك لمباركة، ثلاثا". وفي إسناده محمد بن حميد الرازي، وفيه مقال. وفي سياقه من الفوائد بيان عتاب أبي بكر الذي أبهم في حديث الباب، والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين، والله أعلم. قوله: "فبعثنا" أي أثرنا "البعير الذي كنت عليه" أي حالة السفر. قوله: "فأصبنا العقد تحته" اهر في أن الذين توجهوا في طلبه أولا لم يجدوه. وفي رواية عروة في الباب الذي يليه " فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها " أي القلادة. وللمصنف في فضل عائشة من هذا الوجه وكذا لمسلم: "فبعث ناسا من أصحابه في طلبها " ولأبي داود " فبعث أسيد بن حضير وناسا معه " وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيدا كان رأس من بعث لذلك فلذلك سمي في بعض الروايات دون غيره، وكذا أسند الفعل إلى واحد مبهم وهو المراد به، وكأنهم لم يجدوا العقد أولا. فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن حضير، فعلى هذا فقوله في رواية عروة الآتية: "فوجدها " أي بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره. وقال النووي: يحتمل أن يكون فاعل وجدها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بالغ الداودي في توهيم رواية عروة، ونقل عن إسماعيل القاضي أنه حمل الوهم فيها على عبد الله بن نمير، وقد بان بما ذكرنا من الجمع بين الروايتين أن لا تخالف بينهما ولا وهم. وفي الحديثين اختلاف آخر وهو قول عائشة " انقطع عقد لي " وقالت في رواية عمرو بن الحارث " سقطت قلادة لي " وفي رواية عروة الآتية عنها أنها استعارت قلادة من أسماء يعني أختها فهلكت أي ضاعت، والجمع بينهما أن إضافة القلادة إلى عائشة لكونها في يدها وتصرفها، وإلى أسماء لكونها ملكها لتصريح عائشة في رواية عروة بأنها استعارتها منها، وهذا كله بناء على اتحاد القصة. وقد جنح البخاري في التفسير إلى تعددها حيث أورد حديث الباب في تفسير المائدة وحديث عروة في تفسير النساء، فكان نزول آية المائدة بسبب عقد عائشة، وآية النساء بسبب قلادة أسماء، وما تقدم من اتحاد القصة أظهر، والله أعلم.
"فائدة": وقع في رواية عمار عند أبي داود وغيره في هذه القصة أن العقد المذكور كان من جزع ظفار، وكذا وقع في قصة الإفك كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. والجزع بفتح الجيم وسكون الزاي خرز يمني. وظفار مدينة تقدم ذكرها في باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض، وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز السفر بالنساء واتخاذهن الحلي تجملا لأزواجهن، وجواز السفر بالعارية وهو محمول على رضا صاحبها.
335- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ هُوَ الْعَوَقِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ ح و حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الْفَقِيرُ قَالَ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
(1/435)

"أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً".
[الحديث335- طرفاه في: 3122,438]
قوله: "حدثني سعيد بن النضر، قال أخبرنا هشيم" إنما لم يجمع البخاري بين شيخيه في هذا الحديث مع كونهما حدثاه به عن هشيم لأنه سمعه منهما متفرقين، وكأنه سمعه من محمد بن سنان مع غيره فلهذا جمع فقال: "حدثنا " وسمعه من سعيد وحده فلهذا أفرد فقال: "حدثني". وكأن محمدا سمعه من لفظ هشيم فلهذا قال: "حدثنا " وكأن سعيدا قرأه أو سمعه يقرأ على هشيم فلهذا قال: "أخبرنا " ومراعاة هذا كله على سبيل الاصطلاح. ثم إن سياق المتن لفظ سعيد، وقد ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أورد الحديث عن غير واحد فإن اللفظ يكون للأخير والله أعلم. قوله: "أخبرنا سيار" بمهملة بعدها تحتانية مشددة وآخره راء، هو أبو الحكم العنزي الواسطي البصري واسم أبيه وردان على الأشهر، ويكنى أبا سيار، اتفقوا على توثيق سيار. وأخرج له الأئمة الستة وغيرهم، وقد أدرك بعض الصحابة لكن لم يلق أحدا منهم فهو من كبار أتباع التابعين. ولهم شيخ آخر يقال له سيار، لكنه تابعي شامي أخرج له الترمذي وذكره ابن حبان في الثقات، وإنما ذكرته لأنه روى معنى حديث الباب عن أبي أمامة ولم ينسب في الرواية كما لم ينسب سيار في حديث الباب فربما ظنهما بعض من لا تمييز له واحدا فيطن أن في الإسناد اختلافا وليس كذلك. قوله: "حدثنا يزيد الفقير" هو ابن صهيب يكنى أبا عثمان، تابعي مشهور، قيل له الفقير لأنه كان يشكو فقار ظهره ولم يكن فقيرا من المال. قال صاحب المحكم: رجل فقير مكسور فقار الظهر، ويقال له فقير بالتشديد أيضا. "فائدة": مدار حديث جابر هذا على هشيم بهذا الإسناد، وله شواهد من حديث ابن عباس وأبي موسى وأبي ذر، من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رواها كلها أحمد بأسانيد حسان. قوله: "أعطيت خمسا" بين في رواية عمرو بن شعيب أن ذلك كان في غزوة تبوك وهي آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: "لم يعطهن أحد قبلي" زاد في الصلاة عن محمد بن سنان " من الأنبياء"، وفي حديث ابن عباس " لا أقولهن فخرا " ومفهومه أنه لم يختص بغير الخمس المذكورة، لكن روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا: "فضلت على الأنبياء بست " فذكر أربعا من هذه الخمس وزاد ثنتين كما سيأتي بعد، وطريق الجمع أن يقال: لعله اطلع أولا على بعض ما اختص به ثم اطلع على الباقي، ومن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الإشكال من أصله، وظاهر الحديث يقتضي أن كل واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لأحد قبله، وهو كذلك، ولا يعترض بأن نوحا عليه السلام كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه وقد كان مرسلا إليهم، لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته وإنما اتفق بالحادث الذي وقع وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك، وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة " أنت أول رسول إلى أهل الأرض " فليس المراد به عموم بعثته بل إثبات أولية إرساله، وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن إرسال
(1/436)

نوح كان إلى قومه ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم، واستدل بعضهم لعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض فأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة، ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا لقوله تعالى :{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} . وقد ثبت أنه أول الرسل، وأجيب بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح وعلم نوح بأنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم فأجيب. وهذا جواب حسن، لكن لم ينقل أنه نبئ في زمن نوح غيره. ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة، ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه أو بعده فينسخ بعض شريعته، ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس فتمادوا على الشرك فاستحقوا العقاب، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسير سورة هود قال: وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مدته، ووجهه ابن دقيق العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز أن يكون عاما في حق بعض الأنبياء وإن كان التزام فروع شريعته ليس عاما لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم. ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح(1) فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط وهي عامة في الصورة لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم. وغفل الداودي الشارح غفلة عظيمة فقال: قوله: "لم يعطهن أحد " يعني لم تجمع لأحد قبله، لأن نوحا بعث إلى كافة الناس، وأما الأربع فلم يعط أحد واحدة منهن. وكأنه نظر في أول الحديث وغفل عن آخره لأنه نص صلى الله عليه وسلم على خصوصيته بهذه أيضا لقوله: "وكان النبي، يبعث إلى قومه خاصة " وفي رواية مسلم: "وكان كل نبي. إلخ". قوله: "نصرت بالرعب" زاد أبو أمامة " يقذف في قلوب أعدائي " أخرجه أحمد. قوله: "مسيرة شهر" مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب " ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر " فالظاهر اختصاصه به مطلقا، وإنما جعل الغاية شهرا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلة لأمته من بعده؟ فيه احتمال. قوله: "وجعلت لي الأرض مسجدا" أي موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويمكن أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك، قال ابن التين(2): قيل المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وجعلت لغيري مسجدا ولم تجعل له طهورا، لأن عيسى كان يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة، كذا قال. وسبقه إلى ذلك الداودي، وقيل إنما أبيحت لهم في موضع يتيقنون طهارته، بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأرض إلا فيما تيقنوا نجاسته. والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ: "وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم". وهذا نص في موضع النزاع فثبتت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن
ـــــــ
(1)هذا الاحتمال الأخير أظهر مما قبله,لقول الله تعالى {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْآمَنَ} وقوله تعالى {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} والله أعلم
(2) في مخطوطة الرياض"ابن التين" وفي هامش طبعة بولاق: وجد بهامش بعض النسخ:"في الأصل المقابل على المؤلف أخيرا لفظ "التين" مصلح ب"التيمي"مع بقاء لفظة "ابن" قبلها, ولعل الكاتب نسي أن يضرب عليها"
(1/437)

عباس نحو حديث الباب وفيه: "ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه". قوله: "وطهروا" استدل به على أن الطهور هو المطهر لغيره، لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية، والحديث إنما سيق لإثباتها. وقد روى ابن المنذر وابن الجارود بإسناد صحيح عن أنس مرفوعا: "جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا". ومعنى طيبة طاهرة، فلو كان معنى طهورا طاهرا للزم تحصيل الحاصل، واستدل به على أن التيمم يرفع الحدث كالماء لاشتراكهما في هذا الوصف، وفيه نظر(1). وعلى أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض، وقد أكد في رواية أبي أمامة بقوله: "وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجدا وطهورا". وسيأتي البحث في ذلك. قوله: "فأيما رجل" أي مبتدأ فيه معنى الشرط، و " ما " زائدة للتأكيد، وهذه صيغة عموم يدخل تحتها من لم يجد ماء ولا ترابا ووجد شيئا من أجزاء الأرض فإنه يتيمم به، ولا يقال هو خاص بالصلاة، لأنا نقول: لفظ حديث جابر مختصر. وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي " فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهورا ومسجدا " وعند أحمد " فعنده طهوره ومسجده " وفي رواية عمرو بن شعيب " فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت " واحتج من خص التيمم بالتراب بحديث حذيفة عند مسلم بلفظ: "وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء". وهذا خاص فينبغي أن يحمل العام عليه فتختص الطهورية بالتراب، ودل الافتراق في اللفظ حيث حصل التأكيد في جعلها مسجدا دون الآخر على افتراق الحكم وإلا لعطف أحدهما على الآخر نسقا كما في حديث الباب. ومنع بعضهم الاستدلال بلفظ: "التربة " على خصوصية التيمم بالتراب بأن قال: تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره. وأجيب بأنه ورد في الحديث المذكور بلفظ: "التراب " أخرجه ابن خزيمة وغيره. وفي حديث علي " وجعل التراب لي طهورا " أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد حسن، ويقوى القول بأنه خاص بالتراب أن الحديث سيق لإظهار التشريف والتخصيص، فلو كان جائزا بغير التراب لما اقتصر عليه. قوله: "فليصل" عرف مما تقدم أن المراد فليصل بعد أن يتيمم. قوله: "وأحلت لي الغنائم" وللكشميهني المغانم وهي رواية مسلم، قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين، منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته. وقيل: المراد أنه خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف يشاء، والأول أصوب وهو أن من مضى لم تحل لهم الغنائم أصلا، وسيأتي بسط ذلك في الجهاد. قوله: "وأعطيت الشفاعة" قال ابن دقيق العيد: الأقرب أن اللام فيها للعهد، والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف، ولا خلاف في وقوعها. وكذا جزم النووي وغيره. وقيل الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما يسأل. وقيل الشفاعة لخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، لأن شفاعة غيره تقع فيمن في قلبه أكثر من ذلك، قاله عياض. والذي يظهر لي أن هذه مرادة مع الأولى لأنه يتبعها بها كما سيأتي واضحا في حديث الشفاعة إن شاء الله تعالى في كتاب الرقاق. وقال البيهقي في البعث(2): يحتمل أن الشفاعة التي يختص بها أنه يشفع لأهل الصغائر والكبائر،
ـــــــ
(1) ليس للنظر المذكور وجه, والصواب أن التيمم رافع للحدث كالماء, عملا بظاهر الحديث المذكور وما جاء في معناه وهو قول جم غفير من أهل العلم. والله أعلم
(2) في هامش طبعة بولاق عن هامش نسخة "في بعض النسخ: في الشعب"اهـ. أي في كتاب"شعب الإيمان"
(1/438)

وغيره إنما يشفع لأهل الصغائر دون الكبائر. ونقل عياض أن الشفاعة المختصة به شفاعة لا ترد. وقد وقع في حديث ابن عباس " وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي، فهي لمن لا يشرك بالله شيئا " وفي حديث عمرو بن شعيب " فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله " فالظاهر أن المراد بالشفاعة المختصة في هذا الحديث إخراج من ليس له عمل صالح إلا التوحيد، وهو مختص أيضا بالشفاعة الأولى، لكن جاء التنويه بذكر هذه لأنها غاية المطلوب من تلك لاقتضائها الراحة المستمرة، والله أعلم. وقد ثبتت هذه الشفاعة في رواية الحسن عن أنس كما سيأتي في كتاب التوحيد " ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله " ولا يعكر على ذلك ما وقع عند مسلم قبل قوله: "وعزتي " فيقول: "ليس ذلك لك، وعزتي..إلخ لأن المراد أنه لا يباشر الإخراج كما في المرات الماضية، بل كانت شفاعته سببا في ذلك في الجملة.والله أعلم. وقد تقدم الكلام على قوله: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة " في أوائل الباب. وأما قوله: "وبعثت إلى الناس عامة " فوقع في رواية مسلم: "وبعثت إلى كل أحمر وأسود " فقيل المراد بالأحمر العجم وبالأسود العرب، وقيل الأحمر الإنس والأسود الجن، وعلى الأول التنصيص على الإنس من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه مرسل إلى الجميع، وأصرح الروايات في ذلك وأشملها رواية أبي هريرة عند مسلم: "وأرسلت إلى الخلق كافة". "تكميل": أول حديث أبي هريرة هذا " فضلت على الأنبياء بست " فذكر الخمس المذكورة في حديث جابر إلا الشفاعة وزاد خصلتين وهما " وأعطيت جوامع الكلم، وختم بي النبيون " فتحصل منه. ومن حديث جابر سبع خصال. ولمسلم أيضا من حديث حذيفة " فضلنا على الناس بثلاث خصال: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة " وذكر خصلة الأرض كما تقدم. قال: وذكر خصلة أخرى، وهذه الخصلة المبهمة بينها ابن خزيمة والنسائي وهي " وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش" . يشير إلى ما حطه الله عن أمته من الإصر وتحميل ما لا طاقة لهم به، ورفع الخطأ والنسيان، فصارت الخصال تسعا. ولأحمد من حديث علي " أعطيت أربعا لم يعطهن أحد من أنبياء الله: أعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعلت أمتي خير الأمم " وذكر خصلة التراب فصارت الخصال اثنتي عشرة خصلة، وعند البزار من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: "فضلت على الأنبياء بست: غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وجعلت أمتي خير الأمم، وأعطيت الكوثر، وإن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه " وذكر ثنتين مما تقدم. وله من حديث ابن عباس رفعه: "فضلت على الأنبياء بخصلتين: كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه فأسلم " قال ونسيت الأخرى. قلت: فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة. ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع. وقد تقدم طريق الجمع بين هذه الروايات، وأنه لا تعارض فيها. وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري(1) في كتاب شرف المصطفى أن عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ستون خصلة. وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم مشروعية تعديد نعم الله، وإلقاء العلم قبل السؤال، وأن الأصل في الأرض الطهارة، وأن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبني لذلك. وأما حديث: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " فضعيف(2)
ـــــــ
(1) في النسخ المطبوعة "أبو سعد" وفي مخطوطة الرياض أبو سعيد. قال صاحب كشف الظنون: أبو سعيد عبد الملك ابن محمد النيسابوري الخركوشي المتوفى سنة 406, كتابه شرف المصطفى ثمان مجلدات
(2) لكن يغني عنه ما رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم باسناد حسن عن ابن عباس مرفوعا "من سمع النداء فلم يأت فلا=
(1/439)

أخرجه الدارقطني من حديث جابر. واستدل به صاحب المبسوط من الحنفية على إظهار كرامة الآدمي وقال: لأن الآدمي خلق من ماء وتراب، وقد ثبت أن كلا منهما طهور، ففي ذلك بيان كرامته، والله تعالى أعلم بالصواب.
(1/440)

اخت مسلمة
06-09-2009, 04:53 AM
3 - باب إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلاَ تُرَابًا
336- حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَوَجَدَهَا فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكِ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا".
قوله: "باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا" قال ابن رشيد: كأن المصنف نزل فقد شرعية التيمم منزلة فقد التراب بعد شرعية التيمم، فكأنه يقول: حكمهم في عدم المطهر - الذي هو الماء خاصة - كحكمنا في عدم المطهرين الماء والتراب. وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة، لأن الحديث ليس فيه أنهم فقدوا التراب، وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط، ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهورين. ووجهه أنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك، ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا قال الشافعي وأحمد وجمهور المحدثين وأكثر أصحاب مالك، لكن اختلفوا في وجوب الإعادة، فالمنصوص عن الشافعي وجوبها، وصححه أكثر أصحابه، واحتجوا بأنه عذر نادر فلم يسقط الإعادة، والمشهور عن أحمد وبه قال المزني وسحنون وابن المنذر لا تجب، واحتجوا بحديث الباب، لأنها لو كانت واجبة لبينها لهم النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وتعقب بأن الإعادة لا تجب على الفور فلم يتأخر البيان عن وقت الحاجة. وعلى هذا فلا بد من دليل على وجوب الإعادة. وقال مالك وأبو حنيفة في المشهور عنهما: لا يصلي، لكن قال أبو حنيفة وأصحابه: "يجب عليه القضاء"، وبه قال الثوري والأوزاعي. وقال مالك فيما حكاه عنه المدنيون: "لا يجب عليه القضاء". وهذه الأقوال الأربعة هي المشهورة في المسألة. وحكى النووي في شرح المهذب عن القديم: تستحب الصلاة وتجب الإعادة وبهذا تصير الأقوال خمسة. والله أعلم. قوله: "حدثنا زكريا بن يحيى" هكذا وقع في جميع الروايات غير منسوب، وكذا في قصة سعد بن معاذ فإنه أوردها في الصلاة والهجرة والمغازي بهذا الإسناد عنه ولم ينسبه، وأعاده في التفسير تاما، ومثله في الصلاة حديث: "مر أبا بكر أن يصلي بالناس " وكذا سبق في " باب خروج النساء إلى البراز " لكن من روايته عن أبي أسامة لا عن عبد الله بن نمير، وأعاده في التفسير تاما، ومثله في التفسير حديث عائشة " كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن " وفي صفة إبليس حديث: "لما كان يوم أحد انهزم المشركون " الحديث. وجزم الكلاباذي بأنه اللؤلؤي البلخي،
ـــــــ
= صلاة له إلا من عذر" وما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة "أن رجلا أعمى سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال:نعم قال: فأجب" وهذا في الفرائض كما هو معلوم.أما النافلة فلا تختص بالمسجد, بل هي في البيت أفضل,إلا مادل الشرع على استثنائه. والله أعلم
(1) ليس هذا التعقيب بجيد, والصواب وجوب الإعادة علي الفور عند وجود مقتضيها, فلما لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة دل على عدم وجوبها
(1/440)

وقال ابن عدي: "هو زكريا بن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة"، وإلى هذا مال الدارقطني لأنه كوفي، وكذا الشيخان المذكوران عبد الله بن نمير وأبو أسامة، وقد روى البخاري في العيدين عن زكريا بن يحيى عن المحاربي لكن قال: حدثنا زكريا بن يحيى أبو السكين فيحتمل أن يكون هو المهمل في المواضع الأخرى لأنه كوفي وشيخه كوفي أيضا. وقد ذكر المزي في التهذيب أنه روى عن ابن نمير وأبي أسامة أيضا، وجزم صاحب الزهرة بأن البخاري روى عن أبي السكين أربعة أحاديث، وهو مصير منه إلى أنه المراد كما جوزناه، وإلى ذلك مال أبو الوليد الباجي في رجال البخاري. والله أعلم قوله: "وليس معهم ماء فصلوا" زاد الحسن بن سفيان في مسنده عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه " فصلوا بغير وضوء " أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طريقه، وكذا أخرجه الجوزقي من وجه آخر عن ابن نمير، وكذا للمصنف في فضل عائشة من طريق أبي أسامة، وفي التفسير من طريق عبدة بن سليمان كلاهما عن هشام، وكذا لمسلم من طريق أبي أسامة، وأغرب ابن المنذر فادعى أن عبدة تفرد بهذه الزيادة. وقد تقدمت مباحث الحديث وطريق الجمع بين رواية عروة والقاسم في الباب الذي قبله.
(1/441)

3 - باب التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ إِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَخَافَ فَوْتَ الصَّلاَةِ
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْمَرِيضِ عِنْدَهُ الْمَاءُ وَلاَ يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ: "يَتَيَمَّمُ"
وَأَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ فَحَضَرَتْ الْعَصْرُ بِمَرْبَدِ النَّعَمِ فَصَلَّى ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ
337- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ أَبُو الْجُهَيْمِ الأَنْصَارِيُّ أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ".
قوله: "باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة" جعله مقيدا بشرطين: خوف خروج الوقت وفقد الماء، ويلتحق بفقده عدم القدرة عليه. قوله: "وبه قال عطاء" أي بهذا المذهب، وقد وصله عبد الرزاق من وجه صحيح، وابن أبي شيبة من وجه آخر، وليس في المنقول عنه تعرض لوجوب الإعادة. قوله: "وقال الحسن" وصله إسماعيل القاضي في الأحكام من وجه صحيح، وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن الحسن وابن سيرين قالا: لا يتيمم ما رَجا أن يقدر على الماء في الوقت. ومفهومه يوافق ما قبله. قوله: "وأقبل ابن عمر" قال الشافعي: "أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه أقبل من الجرف، حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر"، وذكر بقية الخبر كما علقه المصنف، ولم يظهر لي سبب حذفه منه ذكر التيمم مع أنه مقصود الباب. وقد أخرجه مالك في الموطأ عن نافع مختصرا، لكن ذكر فيه أنه تيمم فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين. وأخرجه الدارقطني والحاكم من وجه آخر عن نافع مرفوعا لكن إسناده ضعيف. والجرف بضم الجيم والراء بعدها فاء موضع ظاهر المدينة كانوا يعسكرون به إذا أرادوا الغزو. وقال ابن إسحاق: هو على فرسخ من المدينة، والمربد بكسر الميم وسكون الراء بعدها موحدة مفتوحة، وحكى ابن التين أنه روى بفتح أوله، وهو من المدينة على ميل.
(1/441)

وهذا يدل على أن ابن عمر كان يرى جواز التيمم للحاضر، لأن مثل هذا لا يسمى سفرا، وبهذا يناسب الترجمة. وظاهره أن ابن عمر لم يراع خروج الوقت لأنه دخل المدينة والشمس مرتفعة، لكن يحتمل أن يكون ظن أنه لا يصل إلا بعد خروج الوقت، ويحتمل أيضا أن ابن عمر تيمم لا عن حدث بل لأنه كان يتوضأ لكل صلاة استحبابا فلعله كان على وضوء فأراد الصلاة ولم يجد الماء كعادته فاقتصر على التيمم بدل الوضوء، وعلى هذا فليس مطابقا للترجمة إلا بجامع ما بينهما من التيمم في الحضر، وأما كونه لم يعد فلا حجة فيه لمن أسقط الإعادة عن المتيمم في الحضر، لأنه على هذا الاحتمال لا تجب عليه الإعادة بالاتفاق، وقد اختلف السلف في أصل المسألة، فذهب مالك إلى عدم وجوب الإعادة على من تيمم في الحضر، ووجهه ابن بطال بأن التيمم إنما ورد في المسافر والمريض لإدراك وقت الصلاة فيلتحق بهما الحاضر إذا لم يقدر على الماء قياسا. وقال الشافعي: "تجب عليه الإعادة لندور ذلك". وعن أبي يوسف وزفر: لا يصلي إلى أن يجد الماء ولو خرج الوقت. قوله: "عن جعفر بن ربيعة" في رواية الإسماعيلي: "حدثني جعفر"، ونصف هذا الإسناد مصريون ونصفه الأعلى مدنيون. قوله: "سمعت عميرا مولى ابن عباس" هو ابن عبد الله الهلالي مولى أم الفضل بنت الحارث والدة ابن عباس، وقد روى ابن إسحاق هذا الحديث فقال: "مولى عبيد الله بن عباس"، وإذا كان مولى أم الفضل فهو مولى أولادها. وروى موسى بن عقبة وابن لهيعة وأبو الحويرث هذا الحديث عن الأعرج عن أبي الجهيم ولم يذكروا بينهما عميرا والصواب إثباته، وليس له في الصحيح غير هذا الحديث وحديث آخر عن أم الفضل، ورواية الأعرج عنه من رواية الأقران. قوله: "أقبلت أنا وعبد الله بن يسار" هو أخو عطاء بن يسار التابعي المشهور، ووقع عند مسلم في هذا الحديث: "عبد الرحمن بن يسار " وهو وهم، وليس له في هذا الحديث رواية، ولهذا لم يذكره المصنفون في رجال الصحيحين. قوله: "على أبي جهيم" قيل اسمه عبد الله، وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه قال: يقال هو الحارث ابن الصمة، فعلى هذا لفظة " ابن " زائدة بين أبي جهيم والحارث، لكن صحح أبو حاتم أن الحارث اسم أبيه لا اسمه، وفرق ابن أبي حاتم بينه وبين عبد الله بن جهيم يكنى أيضا أبا جهيم. وقال ابن منده " عبد الله ابن جهيم بن الحارث بن الصمة " فجعل الحارث اسم جده، ولم يوافق عليه، وكأنه أراد أن يجمع الأقوال المختلفة فيه. والصمة بكسر المهملة وتشديد الميم هو ابن عمرو بن عتيك الخزرجي، ووقع في مسلم: "دخلنا على أبي الجهم " بإسكان الهاء والصواب أنه بالتصغير، وفي الصحابة شخص آخر يقال له أبو الجهم وهو صاحب الإنبجانية، وهو غير هذا لأنه قرشي وهذا أنصاري، ويقال بحذف الألف واللام في كل منهما وبإثباتهما. قوله: "من نحو بئر جمل" أي من جهة الموضع الذي يعرف بذاك، وهو معروف بالمدينة، وهو بفتح الجيم والميم، وفي النسائي بئر الجمل وهو من العقيق. قوله: "فلقيه رجل" هو أبو الجهيم الراوي، بينه الشافعي في روايته لهذا الحديث من طريق أبي الحويرث عن الأعرج. قوله: "حتى أقبل على الجدار" وللدارقطني من طريق ابن إسحاق عن الأعرج " حتى وضع يده على الجدار " وزاد الشافعي " فحته بعصا"، وهو محمول على أن الجدار كان مباحا، أو مملوكا لإنسان يعرف رضاه. قوله: "فمسح بوجهه ويديه" وللدارقطني من طريق أبي صالح عن الليث " فمسح بوجهه وذراعيه " كذا للشافعي من رواية أبي الحويرث، وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه أبو داود، لكن خطأ الحفاظ روايته في رفعه وصوبوا وقفه، وقد تقدم أن مالكا أخرجه موقوفا بمعناه وهو الصحيح، والثابت في حديث أبي جهيم أيضا بلفظ: "يديه " لا ذراعيه فإنها رواية شاذة مع ما في
(1/442)

أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف، وسيأتي ذكر الخلاف في إيجاب مسح الذراعين بعد بباب واحد، قال النووي: هذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان عادما للماء حال التيمم. قال: وهو مقتضى صنيع البخاري، لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب، وهو إرادة ذكر الله، لأن لفظ السلام من أسمائه، وما أريد به استباحة الصلاة. وأجيب بأنه لما تيمم في الحضر لرد السلام - مع جوازه بدون الطهارة - فمن خشي فوت الصلاة في الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى لعدم جواز الصلاة بغير طهارة مع القدرة، وقيل يحتمل أنه لم يرد صلى الله عليه وسلم بذلك التيمم رفع الحدث، ولا استباحة محظور، وإنما أراد التشبه بالمتطهرين كما يشرع الإمساك في رمضان لمن يباح له الفطر، أو أراد تخفيف الحدث بالتيمم كما يشرع تخفيف حدث الجنب بالوضوء كما تقدم، واستدل به ابن بطال على عدم اشتراط التراب قال: لأنه معلوم أنه لم يعلق بيده من الجدار تراب، ونوقض بأنه غير معلوم بل هو محتمل، وقد سيق من رواية الشافعي ما يدل على أنه لم يكن على الجدار تراب، ولهذا أحتاج إلى حته بالعصا.
(1/443)

4 - باب الْمُتَيَمِّمُ هَلْ يَنْفُخُ فِيهِمَا؟
338- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبْ الْمَاءَ فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا" فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ".
[الحديث338- أطرافه في:347,346,345,343,341,340,339]
قوله: "باب المتيمم هل ينفخ فيهما" أي في يديه، وزعم الكرماني أن في بعض النسخ " باب هل ينفخ في يديه بعدما يضرب بهما الصعيد للتيمم " وإنما ترجم بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالا كعادته، لأن النفخ يحتمل أن يكون لشيء علق بيده خشي أن يصيب وجهه الكريم، أو علق بيده من التراب شيء له كثرة فأراد تخفيفه لئلا يبقى له أثر في وجهه، ويحتمل أن يكون لبيان التشريع، ومن ثم تمسك به من أجاز التيمم بغير التراب زاعما أن نفخه يدل على أن المشترط في التيمم الضرب من غير زيادة على ذلك، فلما كان هذا الفعل محتملا لما ذكر أورده بلفظ الاستفهام ليعرف الناظر أن للبحث فيه مجالا. قوله: "حدثنا الحكم" هو ابن عتيبة. الفقيه الكوفي، وذر بالمعجمة هو ابن عبد الله المرهبي. قوله: "جاء رجل" لم أقف على تسميته. وفي رواية الطبراني أنه من أهل البادية. وفي رواية سليمان ابن حرب الآتية أن عبد الرحمن بن أبزى شهد ذلك. قوله: "فلم أصب الماء، فقال عمار" هذه الرواية اختصر فيها جواب عمر، وليس ذلك من المصنف، فقد أخرجه البيهقي من طريق آدم أيضا بدونها، وقد أورد المصنف الحديث المذكور في الباب الذي يليه من رواية ستة أنفس أيضا عن شعبة بالإسناد المذكور ولم يسقه تاما من رواية واحد منهم، نعم ذكر جواب عمر مسلم من طريق يحيى بن سعيد، والنسائي من طريق حجاج بن محمد كلاهما عن شعبة ولفظهما " فقال لا تصل " زاد السراج " حتى تجد الماء " وللنسائي نحوه. وهذا مذهب مشهور عن عمر، ووافقه عليه عبد الله بن مسعود، وجرت فيه مناظرة بين أبي موسى وابن مسعود كما سيأتي في " باب التيمم ضربة"، وقيل إن ابن مسعود رجع عن ذلك، وسنذكر هناك توجيه ما ذهب إليه عمر في ذلك والجواب عنه. قوله: "في سفر"
(1/443)

ولمسلم: "في سرية " وزاد: "فأجنبنا " وسيأتي للمصنف مثله في الباب الذي بعده من رواية سليمان بن حرب عن شعبة. قوله: "فتمعكت" وفي الرواية الآتية بعد " فتمرغت " بالغين المعجمة أي تقلبت، وكأن عمارا استعمل القياس في هذه المسألة لأنه لما رأى أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء رأى أن التيمم عن الغسل يقع على هيئة الغسل. ويستفاد من هذا الحديث وقوع اجتهاد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المجتهد لا لوم عليه إذا بذل وسعه وإن لم يصب الحق، وأنه إذا عمل بالاجتهاد لا تجب عليه الإعادة، وفي تركه أمر عمر أيضا بقضائها متمسك لمن قال إن فاقد الطهورين لا يصلي ولا قضاء عليه كما تقدم. قوله: "إنما كان يكفيك" يه دليل على أن الواجب في التيمم هي الصفة المشروحة في هذا الحديث، والزيادة على ذلك لو ثبتت بالأمر دلت على النسخ ولزم قبولها، لكن إنما وردت بالفعل فتحمل على الأكمل، وهذا هو الأظهر من حيث الدليل كما سيأتي. قوله: "وضرب بكفيه الأرض" في رواية غير أبي ذر فضرب النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا للبيهقي من طريق آدم. قوله: "ونفخ فيهما" وفي رواية حجاج الآتية " ثم أدناهما من فيه: "وهي كناية عن النفخ، وفيها إشارة إلى أنه كان نفخا خفيفا. وفي رواية سليمان بن حرب " تفل فيهما " والتفل قال أهل اللغة: هو دون البزق، والنفث دونه. وسياق هؤلاء يدل على أن التعليم وقع بالفعل. ولمسلم من طريق يحيى بن سعيد، وللإسماعيلي من طريق يزيد بن هرون وغيره - كلهم عن شعبة - أن التعليم وقع بالقول، ولفظهم " إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض " زاد يحيى " ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك " واستدل بالنفخ على استحباب تخفيف التراب كما تقدم، وعلى سقوط استحباب التكرار في التيمم لأن التكرار يستلزم عدم التخفيف، وعلى أن من غسل رأسه بدل المسح في الوضوء أجزأه أخذا من كون عمار تمرغ في التراب للتيمم وأجزأه ذلك، ومن هنا يؤخذ جواز الزيادة على الضربتين في التيمم، وسقوط إيجاب الترتيب في التيمم عن الجنابة.
(1/444)

5 - باب التَّيَمُّمُ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ
339- حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَمَّارٌ بِهَذَا "وَضَرَبَ شُعْبَةُ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ثُمَّ أَدْنَاهُمَا مِنْ فِيهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ"
وَقَالَ النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ ذَرًّا يَقُولُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ الْحَكَمُ وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ
340- حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أنه شهد عمر وقال له عمار: كنا في سرية فأجبنا. وقال: "تفل فيهما".
قوله: "باب التيمم للوجه والكفين" أي هو الواجب المجزئ، وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله، فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه، فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملا، وأما
ـــــــ
(1) لكنه قول ساقط مخالف لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ولحديث عائشة المتقدم في قصة القلادة. والله أعلم
(1/444)

حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن. وفي رواية إلى نصف الذراع. وفي رواية إلى الآباط. فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال، وأما رواية الآباط فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به. ومما يقوى رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد، وسيأتي الكلام على مسألة الاقتصار على ضربة واحدة في بابه إن شاء الله تعالى. قوله: "حدثنا حجاج" هو ابن منهال، وقد روى النسائي هذا الحديث من طريق حجاج بن محمد عن شعبة بغير هذا السياق، ولم يسمع البخاري من حجاج بن محمد، وتابعه على هذا السياق عن حجاج ابن منهال على بن عبد العزيز البغوي أخرجه ابن المنذر والطبراني عنه، وخالفهما محمد بن خزيمة البصري عنه فقال: "عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه " أخرجه الطحاوي عنه وأشار إلى أنه وهم فيه. قلت: سقطت من روايته لفظة " ابن " ولا بد منها لأن أبزى والد عبد الرحمن لا رواية له في هذا الحديث. والله أعلم قوله: "عن الحكم" في رواية كريمة والأصيلي: "أخبرني الحكم " وهي رواية ابن والمنذر أيضا. قوله: "عن ابن عبد الرحمن" في رواية أبي ذر وأبي الوقت " عن سعيد بن عبد الرحمن". قوله: "بهذا" أشار إلى سياق المتن الذي قبله من رواية آدم عن شعبة وهو كذلك، إلا أنه ليس في رواية حجاج قصة عمر. قوله: "وقال النضر" هو ابن شميل، وهذا التعليق موصول عند مسلم عن إسحاق بن منصور عن النضر، وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسحاق بن راهويه عنه وأفاد النضر في هذه الرواية أن الحكم سمعه من شيخ شيخه سعيد بن عبد الرحمن، والظاهر أنه سمعه من ذر عن سعيد ثم لقي سعيدا فأخذه عنه، وكأن سماعه له من ذر كان أتقن ولهذا أكثر ما يجيء في الروايات بإثباته، وأفادت رواية سليمان بن حرب أن عمر أيضا كان قد أجنب فلهذا خالف اجتهاده اجتهاد عمار.
341- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ: "تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَكْفِيكَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ "
قوله في رواية محمد بن كثير "يكفيك الوجه والكفان" كذا في رواية الأصيلي وغيره بالرفع فيهما على الفاعلية وهو واضح. وفي رواية أبي ذر وكريمة: "يكفيك الوجه والكفين " بالنصب فيهما على المفعولية إما بإضمار أعني أو التقدير يكفيك أن تمسح الوجه والكفين، أو بالرفع في الوجه على الفاعلية وبالنصب في الكفين على أنه مفعول معه، وقيل إنه روى بالجر فيهما ووجهه ابن مالك بأن الأصل يكفيك مسح الوجه والكفين فحذف المضاف وبقي المجرور به على ما كان، ويستفاد من هذا اللفظ أن ما زاد على الكفين ليس بفرض كما تقدم، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن خزيمة، ونقله ابن الجهم وغيره عن مالك، ونقله الخطابي عن أصحاب الحديث وقال النووي: رواه أبو ثور وغيره عن الشافعي في القديم، وأنكر ذلك الماوردي وغيره. قال: وهو إنكار مردود لأن أبا ثور إمام ثقة. قال: وهذا القول وإن كان مرجوحا فهو القوي في الدليل. انتهى كلامه في شرح المهذب. وقال في شرح مسلم في الجواب عن هذا الحديث: إن المراد به بيان صورة الضرب للتعليم، وليس المراد به بيان جميع ما يحصل به التيمم. وتعقب بأن سياق القصة يدل على أن المراد به بيان جميع ذلك، لأن ذلك هو الظاهر
(1/445)

من قوله: "إنما يكفيك" ؛ وأما ما استدل به من اشتراط بلوغ المسح إلى المرفقين من أن ذلك مشترط في الوضوء فجوابه أنه قياس في مقابلة النص، فهو فاسد الاعتبار وقد عارضه من لم يشترط ذلك بقياس آخر، وهو الإطلاق في آية السرقة، ولا حاجة لذلك مع وجود هذا النص.
342- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ: "شَهِدْتُ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ.."وَسَاقَ الْحَدِيثَ
343- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ: عَمَّارٌ "فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ"
وقوله: "حدثنا مسلم" هو ابن إبراهيم، ولم يسق المتن في هذه الرواية بل قال: "وساق الحديث: "وظاهره أن لفظه يوافق اللفظ الذي قبله.ثم ساقه نازلا من طريق غندر عن شعبة، وأظنه قصد بإيراد هذه الطرق الإشارة إلى أن النضر تفرد بزيادته، وأن الحكم سمعه من سعيد بلا واسطة.اختصر المصنف سياق غندر، وقد أخرجه أحمد عنه، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار شيخ البخاري وسياقه أتم ذكر فيه قصة عمر وذكر فيه النفخ أيضا.والله أعلم.
(1/446)

6 - باب الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ
وَقَالَ الْحَسَنُ: "يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ" وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: "لاَ بَأْسَ بِالصَّلاَةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيَمُّمِ بِهَا".
قوله: "باب" بالتنوين "الصعيد الطيب وضوء لمسلم" هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه البزار من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا وصححه ابن القطان، لكن قال الدارقطني: أن الصواب إرساله.وروى أحمد وأصحاب السنن من طريق أبي قلابة عن عمرو بن بجدان - وهو بضم الموحدة وسكون الجيم - أبي ذر نحوه، ولفظه: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين " وصححه الترمذي وابن حبان والدارقطني.قوله: "وقال الحسن" وصله عبد الرزاق ولفظه: "يجزئ تيمم واحد ما لم يحدث " وابن أبي شيبة ولفظه: "لا ينقض التيمم إلا الحدث " وسعيد ابن منصور ولفظه: "التيمم بمنزلة الوضوء، إذا تيممت فأنت على وضوء حتى تحدث " وهو أصرح في مقصود الباب.وكذلك ما أخرجه حماد بن سلمة في مصنفه عن يونس ابن عبيد عن الحسن قال: "تصلي الصلوات كلها بتيمم واحد مثل الوضوء ما لم تحدث".قوله: "وأم ابن عباس وهو متيمم" وصله ابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهما وإسناده صحيح، وسيأتي في " باب إذا خاف الجنب " لعمرو بن العاص مثله، وأشار المصنف بذلك إلى أن التيمم يقوم مقام الوضوء ولو كانت الطهارة به ضعيفة لما أم ابن عباس وهو متيمم من كان متوضئا.وهذه المسألة وافق فيها البخاري الكوفيين والجمهور، وذهب بعضهم - من التابعين وغيرهم - إلى خلاف ذلك، وحجتهم أن التيمم طهارة ضرورية لاستباحة الصلاة قبل خروج الوقت، ولذلك أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أجنب فلم يصل الإناء من الماء ليغتسل به بعد أن قال له " عليك بالصعيد فإنه يكفيك" ، لأنه وجد الماء فبطل تيممه. وفي الاستدلال بهذا على عدم جواز أكثر من فريضة بتيمم واحد نظر، وقد أبيح عند الأكثر بالتيمم
(1/446)

الواحد النوافل مع الفريضة، إلا أن مالكا رحمه الله يشترط تقدم الفريضة. وشذ شريك القاضي فقال: "لا يصلي بالتيمم الواحد أكثر من صلاة واحدة فرضا كانت أو نفلا". قال ابن المنذر: "إذا صحت النوافل بالتيمم الواحد صحت الفرائض، لأن جميع ما يشترط للفرائض مشترط للنوافل إلا بدليل". انتهى. وقد اعترف البيهقي بأنه ليس في المسألة حديث صحيح من الطرفين. قال: لكن صح عن ابن عمر إيجاب التيمم لكل فريضة، ولا يعلم له مخالف من الصحابة. وتعقب بما رواه ابن المنذر عن ابن عباس أنه لا يجب، واحتج المصنف لعدم الوجوب بعموم قوله في حديث الباب: "فإنه يكفيك " أي ما لم تحدث أو تجد الماء، وحمله الجمهور على الفريضة التي تيمم من أجلها ويصلي به ما شاء من النوافل، فإذا حضرت فريضة أخرى وجب طلب الماء، فإن لم يجد تيمم. والله أعلم. قوله: "وقال يحيى بن سعيد" هو الأنصاري. " والسبخة " بمهملة وموحدة ثم معجمة مفتوحات هي الأرض المالحة التي لا تكاد تنبت، وإذا وصفت الأرض قلت هي أرض سبخة بكسر الموحدة. وهذا الأثر يتعلق بقوله في الترجمة " الصعيد الطيب " أي أن المراد بالطيب الطاهر، وأما الصعيد فقد تقدم نقل الخلاف فيه وأن الأظهر اشتراط التراب، ويدل عليه قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} فإن الظاهر أنها للتبعيض، قال ابن بطال: فإن قيل لا يقال مسح منه إلا إذا أخذ منه جزءا، وهذه صفة التراب لا صفة الصخر مثلا الذي لا يعلق باليد منه شيء، قال: فالجواب أنه يجوز أن يكون قوله: "منه " صلة. وتعقب بأنه تعسف. قال صاحب الكشاف: فإن قلت لا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسي من الدهن أو غيره إلا معنى التبعيض. قلت: هو كما تقول، والإذعان للحق خير من المراء. انتهى. واحتج ابن خزيمة لجواز التيمم بالسبخة بحديث عائشة في شأن الهجرة أنه قال صلى الله عليه وسلم: "أريت دار هجرتكم سبخة ذات نخل " يعني المدينة قال: وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة طيبة فدل على أن السبخة داخلة في الطيب، ولم يخالف في ذلك إلا إسحاق بن راهويه.
344- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: "كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا فَمَا أَيْقَظَنَا إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوْفٌ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ لِأَنَّا لاَ نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ بِصَوْتِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ قَالَ "لاَ ضَيْرَ" أَوْ لاَ يَضِيرُ ارْتَحِلُوا فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ فَصَلَّى بِالنَّاس فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ "مَا مَنَعَكَ يَا فُلاَنُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ" قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ قَالَ "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ" ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ الْعَطَشِ فَنَزَلَ فَدَعَا فُلاَنًا كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ وَدَعَا
(1/447)

عَلِيًّا فَقَالَ: اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ فَانْطَلَقَا فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ أَوْ سَطِيحَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا فَقَالاَ لَهَا أَيْنَ الْمَاءُ قَالَتْ عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ وَنَفَرُنَا خُلُوفًا قَالاَ لَهَا انْطَلِقِي إِذًا قَالَتْ إِلَى أَيْنَ قَالاَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ قَالاَ هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ فَانْطَلِقِي فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا وَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ أَوْ سَطِيحَتَيْنِ وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا فَسَقَى مَنْ شَاءَ وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ وَكَانَ آخِرُ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ قَالَ اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ وَهِيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلْأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجْمَعُوا لَهَا" فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا قَالَ لَهَا تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَقَدْ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ قَالُوا مَا حَبَسَكِ يَا فُلاَنَةُ قَالَتْ الْعَجَبُ لَقِيَنِي رَجُلاَنِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لاَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ تَعْنِي السَّمَاءَ وَالأَرْضَ أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلاَ يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإِسْلاَمِ".
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: صَبَأَ خَرَجَ مِنْ دِينٍ إِلَى غَيْرِهِ
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: "الصَّابِئِينَ- وفي نسخة الصابئون- فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ الزَّبُورَ".
[الحديث344- طرفاه في 3571,348]
قوله: "حدثنا مسدد" زاد أبو ذر " ابن مسرهد"، ويحيى بن سعيد هو القطان، وعوف بالفاء هو الأعرابي وأبو رجاء هو العطاردي وعمران هو ابن حصين كلهم بصريون. قوله: "كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم" اختلف في تعيين هذا السفر: ففي مسلم من حديث أبي هريرة أنه وقع عند رجوعهم من خيبر قريب من هذه القصة، وفي أبي داود من حديث ابن مسعود " أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلا فنزل فقال "من يكلؤنا" ؟ فقال بلال أنا " الحديث. وفي الموطأ عن زيد بن أسلم مرسلا " عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بطريق مكة، ووكل بلالا"، وفي مصنف عبد الرزاق عن عطاء بن يسار مرسلا أن ذلك كان بطريق تبوك، وللبيهقي في الدلائل نحوه من حديث عقبة ابن عامر، وروى مسلم من حديث أبي قتادة مطولا والبخاري مختصرا في الصلاة قصة نومهم عن صلاة الصبح أيضا في السفر لكن لم يعينه، ووقع في رواية لأبي داود أن ذلك كان في غزوة جيش الأمراء، وتعقبه ابن عبد البر بأن غزوة جيش الأمراء هي غزوة مؤتة ولم يشهدها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كما قال، لكن يحتمل أن يكون المراد بغزوة جيش الأمراء غزوة أخرى غير غزوة
(1/448)

مؤته. وقد اختلف العلماء هل كان ذلك مرة أو أكثر، أعني نومهم عن صلاة الصبح، فجزم الأصيلي بأن القصة واحدة، وتعقبه القاضي عياض بأن قصة أبي قتادة مغايرة لقصة عمران بن حصين، وهو كما قال، فأن قصة أبي قتادة فيها أن أبا بكر وعمر لم يكونا مع النبي صلى الله عليه وسلم لما نام، وقصة عمران فيها أنهما كانا معه كما سنبينه، وأيضا فقصة عمران فيها أن أول من استيقظ أبو بكر ولم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم حتى أيقظه عمر بالتكبير، وقصة أبي قتادة فيها أن أول من استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، وفي القصتين غير ذلك من وجوه المغايرات، ومع ذلك فالجمع بينهما ممكن لا سيما ما وقع عند مسلم وغيره أن عبد الله بن رباح راوي الحديث عن أبي قتادة ذكر أن عمران بن حصين سمعه وهو يحدث بالحديث بطوله فقال له: أنظر كيف تحدث، فإني كنت شاهدا القصة. قال فما أنكر عليه من الحديث شيئا. فهذا يدل على اتحادها. لكن لمدعي التعدد أن يقول: يحتمل أن يكون عمران حضر القصتين فحدث بإحداهما وصدق عبد الله بن رباح لما حدث عن أبي قتادة بالأخرى. والله أعلم. ومما يدل على تعدد القصة اختلاف مواطنها كما قدمناه، وحاول ابن عبد البر الجمع بينهما بأن زمان رجوعهم من خيبر قريب من زمان رجوعهم من الحديبية، وأن اسم طريق مكة يصدق عليهما. ولا يخفى ما فيه من التكلف، ورواية عبد الرزاق بتعيين غزوة تبوك ترد عليه. وروى الطبراني من حديث عمرو بن أمية شبيها بقصة عمران، وفيه أن الذي كلأ لهم الفجر ذو مخبر، وهو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة، وأخرجه من طريق ذي مخبر أيضا وأصله عند أبي داود، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أن بلالا هو الذي كلأ لهم الفجر، وذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولهم استيقاظا كما في قصة أبي قتادة. ولابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود أنه كلأ لهم الفجر، وهذا أيضا يدل على تعدد القصة والله أعلم. قوله: "أسرينا" قال الجوهري: تقول سريت وأسريت بمعنى إذا سرت ليلا. وقال صاحب المحكم السري سير عامة الليل وقيل سير الليل كله. وهذا الحديث يخالف القول الثاني. قوله: "وقعنا وقعة" في رواية أبي قتادة عند المصنف ذكر سبب نزولهم في تلك الساعة وهو سؤال بعض القوم في ذلك، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أخاف أن تناموا عن الصلاة، فقال بلال أنا أوقظهم " قوله: "فكان أول من استيقظ فلان" بنصب أول لأنه خبر كان. وقوله: "الرابع " هو في روايتنا بالرفع، ويجوز نصبه على خبر كان أيضا، وقد بين عوف أنه نسى تسمية الثلاثة مع أن شيخه كان يسميهم، وقد شاركه في روايته عند مسلم بن زرير فسمى أول من استيقظ، أخرجه المصنف في علامات النبوة من طريقه ولفظه: "فكان أول من استيقظ أبو بكر". ويشبه والله أعلم أن يكون الثاني عمران راوي القصة لأن ظاهر سياقه أنه شاهد ذلك ولا يمكنه مشاهدته إلا بعد استيقاظه، ويشبه أن يكون الثالث من شارك عمران في رواية هذه القصة المعينة، ففي الطبراني من رواية عمرو بن أمية " قال ذو مخبر: فما أيقظني إلا حر الشمس، فجئت أدني القوم فأيقظته، وأيقظ الناس بعضهم بعضا حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم". قوله: "لأنا لا ندري ما يحدث له" بضم الدال بعدها مثلثة أي من الوحي، كانوا يخافون من إيقاظه قطع الوحي فلا يوقظونه لاحتمال ذلك. قال ابن بطال: يؤخذ منه التمسك بالأمر الأعم احتياطا. قوله: "وكان رجلا جليدا" هو من الجلادة بمعنى الصلابة، وزاد مسلم هنا " أجوف " أي رفيع الصوت، يخرج صوته من جوفه بقوة. وفي استعماله التكبير سلوك طريق الأدب والجمع بين المصلحتين، وخص التكبير لأنه أصل الدعاء إلى الصلاة. قوله: "الذي أصابهم" أي من نومهم عن صلاة الصبح حتى خرج وقتها. قوله: "لا ضير" أي لا ضرر، وقوله: "أو لا يضير " شك من عوف صرح بذلك البيهقي في روايته، ولأبي نعيم في المستخرج " لا يسوء
(1/449)

ولا يضير " وفيه تأنيس لقلوب الصحابة لما عرض لهم من الأسف على فوات الصلاة في وقتها بأنهم لا حرج عليهم إذ لم يتعمدوا ذلك. قوله: "ارتحلوا" بصيغة الأمر، استدل به على جواز تأخير الفائتة عن وقت ذكرها إذا لم يكن عن تغافل أو استهانة، وقد بين مسلم من رواية أبي حازم عن أبي هريرة السبب في الأمر بالارتحال من ذلك الموضع الذي ناموا فيه ولفظه: "فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان " ولأبي داود من حديث ابن مسعود " تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة " وفيه رد على ما زعم أن العلة فيه كون ذلك كان وقت الكراهة، بل في حديث الباب أنهم لم يستيقظوا حتى وجدوا حر الشمس، ولمسلم من حديث أبي هريرة " حتى ضربتهم الشمس " وذلك لا يكون إلا بعد أن يذهب وقت الكراهة، وقد قيل إنما أخر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لاشتغالهم بأحوالها، وقيل تحرزا من العدو، وقيل انتظارا لما ينزل عليه من الوحي، وقيل لأن المحل محل غفلة كما تقدم عند أبي داود، وقيل ليستيقظ من كان نائما وينشط من كان كسلانا. وروى عن ابن وهب وغيره أن تأخير قضاء الفائتة منسوخ بقوله تعالى :{وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} وفيه نظر لأن الآية مكية والحديث مدني فكيف ينسخ المتقدم المتأخر؟ وقد تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم: "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي " قال النووي: له جوابان، أحدهما أن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة والقلب يقظان. والثاني أنه كان له حالان: حال كان قلبه فيه لا ينام وهو الأغلب، وحال ينام فيه قلبه وهو نادر، فصادف هذا أي قصة النوم عن الصلاة. قال: والصحيح المعتمد هو الأول والثاني ضعيف. وهو كما قال. ولا يقال القلب وإن كان لا يدرك ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلا لكنه يدرك إذا كان يقظانا مرور الوقت الطويل، فإن من ابتداء طلوع الفجر إلى أن حميت الشمس مدة طويلة لا تخفى على من لم يكن مستغرقا، لأنا نقول: يحتمل أن يقال كان قلبه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك مستغرقا بالوحي، ولا يلزم مع ذلك وصفه بالنوم، كما كان يستغرق صلى الله عليه وسلم حالة إلقاء الوحي في اليقظة، وتكون الحكمة في ذلك بيان التشريع بالفعل لأنه أوقع في النفس كما في قضية سهوة في الصلاة. وقريب من هذا جواب ابن المنير: أن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة لمصلحة التشريع، ففي النوم بطريق الأولى، أو على السواء. وقد أجيب على أصل الإشكال بأجوبة أخرى ضعيفة، منها أن معنى قوله: "لا ينام قلبي " أي لا يخفى عليه حالة انتقاض وضوئه، ومنها أن معناه لا يستغرق بالنوم حتى يوجد منه الحدث، وهذا قريب من الذي قبله. قال ابن دقيق العيد: كأن قائل هذا أراد تخصيص يقظة القلب بإدراك حالة الانتقاض، وذلك بعيد، وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم: "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي " خرج جوابا عن قول عائشة: "أتنام قبل أن توتر؟" وهذا كلام لا تعلق له بانتقاض الطهارة الذي تكلموا فيه، وإنما هو جواب يتعلق بأمر الوتر فتحمل يقظته على تعلق القلب باليقظة للوتر، وفرق بين من شرع في النوم مطمئن القلب به وبين من شرع فيه متعلقا باليقظة. قال: فعلى هذا فلا تعارض ولا إشكال في حديث النوم حتى طلعت الشمس، لأنه يحمل على أنه اطمأن في نومه لما أوجبه تعب السير معتمدا على من وكله بكلاءة الفجر. اهـ، والله أعلم.ومحصله تخصيص اليقظة المفهومة من قوله: "ولا ينام قلبي " بإدراكه وقت الوتر إدراكا معنويا لتعلقه به، وأن نومه في حديث الباب كان نوما مستغرقا، ويؤيده قول بلال له " أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك " كما في حديث أبي هريرة عند مسلم ولم ينكر عليه، ومعلوم أن نوم بلال كان مستغرقا. وقد اعترض عليه بأن ما قاله يقتضي اعتبار خصوص السبب، وأجاب بأنه يعتبر إذا قامت عليه قرينة وأرشد إليه السياق، وهو هنا كذلك. ومن الأجوبة
(1/450)

الضعيفة أيضا قول من قال: كان قلبه يقظانا وعلم بخروج الوقت لكن ترك إعلامهم بذلك عمدا لمصلحة التشريع. وقول من قال: المراد بنفي النوم عن قلبه أنه لا يطرأ عليه أضغاث أحلام كما يطرأ على غيره، بل كل ما يراه في نومه حق ووحي. فهذه عدة أجوبة أقربها إلى الصواب الأول على الوجه الذي قررناه، والله المستعان. "فائدة": قال القرطبي: أخذ بهذا بعض العلماء فقال: من انتبه من نوم عن صلاة فاتته في سفر فليتحول عن موضعه، وإن كان واديا فيخرج عنه. وقيل إنما يلزم في ذلك الوادي بعينه، وقيل: هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم من حال ذلك الوادي ولا غيره ذلك إلا هو. وقال غيره: يؤخذ منه أن من حصلت له غفلة في مكان عن عبادة استحب له التحول منه، ومنه أمر الناعس في سماع الخطبة يوم الجمعة بالتحول من مكانه إلى مكان آخر. قوله: "فسار غير بعيد" يدل على أن الارتحال المذكور وقع على خلاف سيرهم المعتاد. قوله: "ونودي بالصلاة" استدل به على الأذان للفوائت، وتعقب بأن النداء أعم من الأذان فيحتمل أن يراد به هنا الإقامة. وأجيب بأن في رواية مسلم من حديث أبي قتادة التصريح بالتأذين، وكذا هو عند المصنف في أواخر المواقيت. وترجم له خاصة بذلك كما سيأتي. قوله: "فصلى بالناس" فيه مشروعية الجماعة في الفوائت. قوله: "إذا هو برجل" لم أقف على تسميته، ووقع في شرح العمدة للشيخ سراج الدين بن الملقن ما نصه: هذا الرجل هو خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة، شهد بدرا، قال ابن الكلبي: وقتل يومئذ. وقال غيره: له رواية. وهذا يدل على أنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: أما على قول ابن الكلبي فيستحيل أن يكون هو صاحب هذه القصة لتقدم وقعة بدر على هذه القصة بمدة طويلة بلا خلاف، فكيف يحضر هذه القصة بعد قتله؟ وأما على قول غير ابن الكلبي فيحتمل أن يكون هو، لكن لا يلزم من كونه له رواية أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن تكون الرواية عنه منقطعة، أو متصلة لكن نقلها عنه صحابي آخر ونحوه. وعلى هذا فلا منافاة بين هذا وبين من قال إنه قتل ببدر إلا أن تجيء رواية عن تابعي غير مخضرم وصرح فيها بسماعه منه فحينئذ يلزم أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا يلزم أن يكون هو صاحب هذه القصة، إلا إن وردت رواية مخصوصة بذلك، ولم أقف عليها إلى الآن. قوله: "أصابتني جنابة ولا ماء" بفتح الهمزة، أي معي أو موجود، وهو أبلغ في إقامة عذره. وفي هذه القصة مشروعية تيمم الجنب، وسيأتي القول فيه في الباب الذي بعده.وفيها جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لأن سياق القصة يدل على أن التيمم كان معلوما عندهم، لكنه صريح في الآية عن الحدث الأصغر، بناء على أن المراد بالملامسة ما دون الجماع، وأما الحدث الأكبر فليست صريحة فيه، فكأنه كان يعتقد أن الجنب لا يتيمم، فعمل بذلك مع قدرته على أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الحكم، ويحتمل أنه كان لا يعلم مشروعية التيمم أصلا فكان حكمه حكم فاقد الطهورين. ويؤخذ من هذه القصة أن للعالم إذا رأى فعلا محتملا أن يسأل فاعله عن الحال فيه ليوضح له وجه الصواب. وفيه التحريض على الصلاة في الجماعة، وأن ترك الشخص الصلاة بحضرة المصلين معيب على فاعله بغير عذر. وفيه حسن الملاطفة، والرفق في الإنكار. قوله: "عليك بالصعيد" وفي رواية سلم بن زرير " فأمره أن يتيمم بالصعيد " واللام فيه للعهد المذكور في الآية الكريمة، ويؤخذ منه الاكتفاء في البيان بما يحصل به المقصود من الإفهام، لأنه أحاله على الكيفية المعلومة من الآية، ولم يصرح له بها. ودل قوله يكفيك على أن المتيمم في مثل هذه الحالة لا يلزمه القضاء، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "يكفيك " أي للأداء، فلا يدل على ترك القضاء. قوله: "فدعا فلانا" هو عمران بن حصين، ويدل على ذلك قوله في رواية سلم بن
(1/451)

زرير عند مسلم: "ثم عجلني النبي صلى الله عليه وسلم في ركب بين يديه نطلب الماء " ودلت هذه الرواية على أنه كان هو وعلي فقط لأنهما خوطبا بلفظ التثنية، ويحتمل أنه كان معهما غيرهما على سبيل التبعية لهما فيتجه إطلاق لفظ ركب في رواية مسلم، وخصا بالخطاب لأنهما المقصودان بالإرسال. قوله: "فابتغيا" للأصيلي: "فابغيا " ولأحمد " فأبغيانا " والمراد الطلب يقال ابتغ الشيء أي تطلبه، وابغ الشيء أي اطلبه، وأبغني أي اطلب لي. وفيه الجري على العادة في طلب الماء وغيره دون الوقوف عند خرقها، وأن التسبب في ذلك غير قادح في التوكل. قوله: "بين مزادتين" لمزادة بفتح الميم والزاي قربة كبيرة يزاد فيها جلد من غيرها، وتسمى أيضا: "السطيحة"، و " أو " هنا شك من عوف لخلو رواية مسلم عن أبي رجاء عنها. وفي رواية مسلم: "فإذا نحن بامرأة سادلة - أي مدلية - رجليها بين مزادتين " والمراد بهما الراوية. قوله: "أمس" خبر لمبتدأ، وهو مبني على الكسر، و " هذه الساعة " بالنصب على الظرفية. وقال ابن مالك: أصله في مثل هذه الساعة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أي بعد حذف " في". قوله: "ونفرنا" قال ابن سيدة النفر ما دون العشرة، وقيل النفر الناس عن كراع. قلت: وهو اللائق هنا، لأنها أرادت أن رجالها تخلفوا لطلب الماء. و " خلوف " بضم الخاء المعجمة واللام جمع خالف، قال ابن فارس: الخالف المستقي، ويقال أيضا لمن غاب، ولعله المراد هنا، أي أن رجالها غابوا عن الحي، ويكون قولها " ونفرنا خلوف " جملة مستقلة زائدة على جواب السؤال. وفي رواية المستملي والحموي " ونفرنا خلوفا " بالنصب على الحال السادة مسد الخبر. قوله: "الصابي" بلا همز أي المائل، ويروى بالهمز من صبأ صبوءا، أي خرج من دين إلى دين. وسيأتي تفسيره للمصنف في آخر الحديث. قوله: "هو الذي تعنين" فيه أدب حسن، ولو قالا لها " لا " لفات المقصود، أو " نعم " لم يحسن بهما إذ فيه تقرير ذلك، فتخلصا أحسن تخلص. وفيه جواز الخلوة بالأجنبية في مثل هذه الحالة(1) عند أمن الفتنة. قوله: "فاستنزلوها عن بعيرها" قال بعض الشراح المتقدمين: إنما أخذوها واستجازوا أخذ مائها لأنها كانت كافرة حربية، وعلى تقدير أن يكون لها عهد فضرورة العطش تبيح للمسلم الماء المملوك لغيره على عوض، وإلا فنفس الشارع تفدي بكل شيء على سبيل الوجوب. قوله: "ففرغ" وللكشميهني: "فأفرغ فيه من أفواه المزادتين " زاد الطبراني والبيهقي من هذا الوجه " فتمضمض في الماء وأعاده في أفواه المزادتين " وبهذه الزيادة تتضح الحكمة في ربط الأفواه بعد فتحها، وإطلاق الأفواه هنا كقوله تعالى :{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} إذ ليس لكل مزادة سوى فم واحد، وعرف منها أن البركة إنما حصلت بمشاركة ريقه الطاهر المبارك للماء. قوله: "وأوكأ" أي ربط، و قوله: "وأطلق" أي فتح " والعزالى " بفتح المهملة والزاي وكسر اللام ويجوز فتحها جمع عزلاء بإسكان الزاي. قال الخليل: هي مصب الماء من الراوية، ولكل مزادة عزلا وإن من أسفلها. قوله: "أسقوا" بهمزة قطع مفتوحة من أسقى، أو بهمزة وصل مكسورة من سقي، والمراد أنهم سقوا غيرهم كالدواب ونحوها واستقوا هم. قوله: "وكان آخر ذلك أن أعطى" بنصب آخر على أنه خبر مقدم، وأن أعطى اسم كان، ويجوز رفعه على أن أعطى الخبر لأن كليهما معرفة. قال أبو البقاء: والأول أقوى، ومثله قوله تعالى :{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} الآية. واستدل بهذه القصة على تقديم مصلحة شرب الآدمي والحيوان على غيره كمصلحة الطهارة بالماء لتأخير المحتاج إليها عمن سقى واستقى، ولا يقال قد وقع في رواية سلم بن زرير " غير أنا لم نسق بعيرا " لأنا نقول: هو محمول على أن الإبل لم تكن
ـــــــ
(1) قال مصحح طبعة بولاق: إنهما اثنان, ولاتحصل معهما الخلوة المحرمة. وتأمل بقية سياق الحديث
(1/452)

محتاجة إذ ذاك إلى السقي، فيحمل قوله فسقى على غيرها. قوله: "وأيم الله" بفتح الهمزة وكسرها والميم مضمومة أصله " أيمن الله " وهو اسم وضع للقسم هكذا ثم حذفت منه النون تخفيفا وألفه ألف وصل مفتوحة ولم يجيء كذلك غيرها، وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف والتقدير أيم الله قسمي، وفيها لغات جمع منها النووي في تهذيبه سبع عشرة وبلغ بها غيره عشرين، وسيكون لنا إليها عودة لبيانها في كتاب الأيمان إن شاء الله تعالى. ويستفاد منه جواز التوكيد باليمين وإن لم يتعين. قوله: "أشد ملأة" بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة. وفي رواية للبيهقي " أملأ منها"، والمراد أنهم يظنون أن ما بقي فيها من الماء أكثر مما كان أولا. قوله: "اجمعوا لها" فيه جواز الأخذ للمحتاج برضا المطلوب منه، أو بغير رضاه إن تعين، وفيه جواز المعاطاة في مثل هذا من الهبات والإباحات من غير لفظ من المعطى والآخذ. قوله: "من بين عجوة وسويقة" العجوة معروفة، والسويقة بفتح أوله وكذا الدقيقة. وفي رواية كريمة بضمها مصغرا مثقلا. قوله: "حتى جمعوا لها طعاما" زاد أحمد في روايته: "كثيرا " وفيه إطلاق لفظ الطعام على غير الحنطة والذرة خلافا لمن أبى ذلك، ويحتمل أن يكون قوله: "حتى جمعوا لها طعاما " أي غير ما ذكر من العجوة وغيرها. قوله: "قال لها تعلمين" بفتح أوله وثانيه وتشديد اللام أي اعلمي، وللأصيلي: "قالوا " وللإسماعيلي: "قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتحمل رواية الأصيلي على أنهم قالوا لها ذلك بأمره. وقد اشتمل ذلك على علم عظيم من أعلام النبوة. قوله: "ما رزئنا" فتح الراء وكسر الزاي - ويجوز فتحها - وبعدها همزة ساكنة أي نقصنا، وظاهره أن جميع ما أخذوه من الماء مما زاده الله تعالى وأوجده، وأنه لم يختلط فيه شيء من مائها في الحقيقة وإن كان في الظاهر مختلطا، وهذا أبدع وأغرب في المعجزة، وهو ظاهر قوله: "ولكن الله هو الذي أسقانا" ويحتمل أن يكون المراد ما نقصنا من مقدار مائك شيئا. واستدل بهذا على جواز استعمال أواني المشركين ما لم يتيقن فيها النجاسة، وفيه إشارة إلى أن الذي أعطاها ليس على سبيل العوض عن مائها بل على سبيل التكرم والتفضل. قوله: "وقالت بإصبعيها" أي أشارت، وهو من إطلاق القول على الفعل. قوله: "يغيرون" الضم من أغار أي دفع الخيل في الحرب. قوله: "الصرم" بكسر المهملة، أي أبياتا مجتمعة من الناس. قوله: "فقالت يوما لقومها: ما أرى هؤلاء القوم يدعونكم عمدا" هذه رواية الأكثر، قال ابن مالك: ما موصولة، وأرى بفتح الهمزة بمعنى أعلم، والمعنى الذي اعتقده أن هؤلاء يتركونكم عمدا لا غفلة ولا نسيانا بل مراعاة لما سبق بيني وبينهم، وهذه الغاية في مراعاة الصحبة اليسيرة، وكان هذا القول سببا لرغبتهم في الإسلام. وفي رواية أبي ذر " ما أرى أن هؤلاء القوم " وقال ابن مالك أيضا: وقع في بعض النسخ " ما أدري " يعني رواية الأصيلي.قال: وما موصولة وأن بفتح الهمزة وقال غيره: ما نافية وأن بمعنى لعل.وقيل: ما نافية وإن بالكسر، ومعناه لا أعلم حالكم في تخلفكم عن الإسلام مع أنهم يدعونكم عمدا.ومحصل القصة أن المسلمين صاروا يراعون قومها على سبيل الاستئلاف لهم حتى كان ذلك سببا لإسلامهم. وبهذا يحصل الجواب عن الإشكال الذي ذكره بعضهم، وهو أن الاستيلاء على الكفار بمجرده يوجب رق النساء والصبيان، وإذا كان كذلك فقد دخلت المرأة في الرق باستيلائهم عليها فكيف وقع إطلاقها وتزويدها كما تقدم؟ لأنا نقول: أطلقت لمصلحة الاستئلاف الذي جر دخول قومها أجمعين في الإسلام، ويحتمل أنها كان لها أمان قبل ذلك، أو كانت من قوم لهم عهد. واستدل به بعضهم على جواز أخذ أموال الناس عند الضرورة بثمن إن كان له ثمن، وفيه نظر لأنه بناه على أن الماء كان مملوكا للمرأة وأنها كانت معصومة النفس والمال، ويحتاج
(1/453)

إلى ثبوت ذلك. وإنما قدمناه احتمالا. وأما قوله: "بثمن " فكأنه أخذه من إعطائها ما ذكر، وليس بمستقيم، لأن العطية المذكورة متقومة، والماء مثلى، وضمان المثلى إنما يكون بالمثل. وينعكس ما قاله من جهة أخرى وهو أن المأخوذ من فضل الماء للضرورة لا يجب العوض عنه. وقال بعضهم: فيه جواز طعام المخارجة، لأنهم تخارجوا في عوض الماء، وهو مبني على ما تقدم. وفيه أن الخوارق لا تغير الأحكام الشرعية. قوله: "قال أبو عبد الله: صبأ.إلخ" هذا في رواية المستملي وحده، ووقع في نسخة الصغاني: صبأ فلان: انخلع. وأصبأ، أي كذلك. وكذا قوله: "وقال أبو العالية. إلخ " وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عنه. وقال غيره: هم منسوبون إلى صابئ بن متوشلح عم نوح عليه السلام. وروى ابن مردوية بإسناد حسن عن ابن عباس قال: "الصابئون ليس لهم كتاب". انتهى. ووقع في نسخة الصغاني " أصب أمل " وهذا سيأتي في تفسير سورة يوسف إن شاء الله تعالى. وإنما أورد البخاري هذا هنا ليبين الفرق بين الصابئ المراد في هذا الحديث والصابئ المنسوب للطائفة المذكورة. والله أعلم.
(1/454)

7 - باب إِذَا خَافَ الْجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَرَضَ أَوْ الْمَوْتَ أَوْ خَافَ الْعَطَشَ تَيَمَّمَ
وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَتَلاَ [29 النساء] {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ
قوله: "باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض.إلخ" مراده إلحاق خوف المرض، وفيه اختلاف بين الفقهاء بخوف العطش ولا اختلاف فيه. قوله: "ويذكر أن عمرو بن العاص" هذا التعليق وصله أبو داود والحاكم من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص قال: "احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت أن أغتسل فأهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح. فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا". وروياه أيضا من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب، لكن زاد عبد الرحمن بن جبير وعبد الله بن عمرو رجلا وهو أبو قيس مولى عمرو بن العاص وقال في القصة " فغسل مغابنه وتوضأ " ولم يقل تيمم. وقال فيه: "لو اغتسلت مت " وذكر أبو داود أن الأوزاعي روى عن حسان بن عطية هذه القصة فقال فيها " فتيمم". انتهى. ورواها عبد الرزاق من وجه آخر عن عبد الله ابن عمرو بن العاص ولم يذكر التيمم، والسياق الأول أليق بمراد المصنف وإسناده قوي، لكنه علقه بصيغة التمريض لكونه اختصره، وقد أوهم ظاهر سياقه أن عمرو بن العاص تلا الآية لأصحابه وهو جنب، وليس كذلك، وإنما تلاها بعد أن رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمره على غزوة ذات السلاسل كما سيأتي في المغازي. ووجه استدلاله بالآية ظاهر من سياق الرواية الثانية. وقال البيهقي يمكن الجمع بين الروايات بأنه توضأ ثم تيمم عن الباقي. وقال النووي: وهو متعين. قوله: "فلم يعنف" حذف المفعول للعلم به، أي لم يلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا، فكان ذلك تقريرا دالا على الجواز. ووقع في رواية الكشميهني: "فلم يعنفه " بزيادة هاء الضمير، وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك، سواء كان لأجل برد أو غيره. وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين، وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1/454)

345- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ غُنْدَرٌ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "إِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لاَ يُصَلِّي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ رَخَّصْتُ لَهُمْ فِي هَذَا كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمْ الْبَرْدَ قَالَ هَكَذَا يَعْنِي تَيَمَّمَ وَصَلَّى قَالَ قُلْتُ فَأَيْنَ قَوْلُ عَمَّارٍ لِعُمَرَ قَالَ إِنِّي لَمْ أَرَ عُمَرَ قَنِعَ بِقَوْلِ عَمَّارٍ".
قوله: "حدثنا محمد هو غندر" لم يقل الأصيلي: "هو غندر " فكأنها مقول من دون البخاري. قوله: "عن شعبة" للأصيلي: "حدثنا شعبة"، وسليمان هو الأعمش. قوله: "فإذا لم تجد الماء لا تصلي" كذا في روايتنا بتاء الخطاب، ويؤيده رواية الإسماعيلي من هذا الوجه ولفظ: "فقال عبد الله نعم إن لم أجد الماء شهرا لا أصلي " وفي رواية كريمة بالياء التحتانية في الموضعين أي إذا لم يجد الجنب. قوله: "قال عبد الله" زاد ابن عساكر: "نعم". قوله: "أحدهم" كذا للأكثر، وللحموي " أحدكم". قوله: "قال هكذا" فيه إطلاق القول على العمل، وقوله: "يعني تيمم وصلى " شرح لقوله: "هكذا " والظاهر أنه مقول أبي موسى. قوله: "فأين قول عمار لعمر" هكذا وقع في رواية شعبة مختصرا، وبيانه في رواية حفص الآتية ثم رواية أبي معاوية وهي أتم.
346- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً كَيْفَ يَصْنَعُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كَانَ يَكْفِيكَ" قَالَ أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَمَا دَرَى عَبْدُ اللَّهِ مَا يَقُولُ فَقَالَ إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا لاَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمْ الْمَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ فَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ لِهَذَا قَالَ نَعَمْ".
قوله "حدثنا عمر بن حفص" أي بن غياث. قوله"حدثنا الأعمش: في رواية أبي ذر وأبي الوقت "عن الأعمش"وأفادت رواية حفص التصريح بسماع الأعمش من شقيق قوله "أرأيت" أي أخبرني "يا أبا عبد الرحمن" وهي كنية ابن مسعود .قوله"إذا أجنب" أي الرجل قوله"حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم "كان يكفيك " كذا اختصر المتن وأبهم الآية وسيأتى المراد من ذلك في الباب الذي بعده. قوله"فدعنا من قول عمار" فيه جواز الإنتقال من دليل الى دليل أوضح منه, ومما فيه الإختلاف إلى مافيه الاتفاق. وفيه جواز التيمم للجنب بخلاف مانقل عن عمر وابن مسعود وفيه اشارة إلى ثبوت حجة أبي موسى لقوله"فما درى عبد الله ما يقول" وسيأتي الكلام على ذلك وعلى السبب في كون عمر لم يقنع بقول عمار
(1/455)

8 - باب التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ
347- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: "كُنْتُ جَالِسًا مَعَ
(1/455)

عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: "لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لاَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمْ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ قُلْتُ وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا قَالَ نَعَمْ فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِد الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ وَزَادَ يَعْلَى عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي أَنَا وَأَنْتَ فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ بِالصَّعِيدِ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا" وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَاحِدَةً".
قوله: "باب التيمم ضربة" رواية الأكثر بتنوين باب، وقوله التيمم ضربة بالرفع لأنه مبتدأ وخبر. وفي رواية الكشميهني بغير تنوين وضربة بالنصب. قوله: "حدثنا محمد بن سلام" وللأصيلي محمد هو ابن سلام. قوله: "ما كان يتيمم ويصلي" ولكريمة والأصيلي: "أما كان " بزيادة همزة الاستفهام، ولمسلم كيف يصنع بالصلاة؟ قال عبد الله " لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا " ونحوه لأبي داود " قال فقال أبو موسى فكيف تصنعون بهذه الآية". قوله: "فكيف تصنعون في سورة المائدة" وللكشميهني: "فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة " وسقط لفظ الآية من رواية الأصيلي. قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} هو بيان للمراد من الآية، ووقع في رواية الأصيلي: "فإن لم تجدوا " وهو مغاير للتلاوة وقيل إنه كان كذلك في رواية أبي ذر ثم أصلحها على وفق الآية، وإنما عين سورة المائدة لكونها أظهر في مشروعية تيمم الجنب من آية النساء لتقدم حكم الوضوء في المائدة، قال الخطابي وغيره: فيه دليل على أن عبد الله كان يرى أن المراد بالملامسة الجماع فلهذا لم يدفع دليل أبي موسى وإلا لكان يقول له المراد من الملامسة التقاء البشرتين فيما دون الجماع، وجعل التيمم بدلا من الوضوء لا يستلزم جعله بدلا جعله بدلا من الغسل. قوله: "إذا برد" بفتح الراء على المشهور، وحكى الجوهري ضمها. قوله: "قلت وإنما كرهتم هذا لذا" قائل ذلك هو شقيق قاله الكرماني، وليس كما قال بل هو الأعمش والمقول له شقيق كما صرح بذلك في رواية حفص التي قبل هذه. قوله: "فقال أبو موسى ألم تسمع" ظاهره أن ذكر أبي موسى لقصة عمار متأخر عن احتجاجه بالآية. وفي رواية حفص الماضية احتجاجه بالآية متأخر عن احتجاجه بحديث عمار، ورواية حفص أرجح لأن فيها زيادة تدل على ضبط ذلك وهي قوله: فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية. قوله: "كما تمرغ الدابة" بفتح المثناة وضم الغين المعجمة وأصله تتمرغ فحذفت إحدى التاءين. قوله: "إنما كان يكفيك" فيه أن الكيفية المذكورة مجزئة فيحمل ما ورد زائدا عليها على الأكمل. قوله: "ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه" كذا في جميع الروايات بالشك. وفي رواية أبي داود تحرير ذلك من طريق أبي معاوية أيضا ولفظه: "ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين ثم مسح وجهه. وفيه الاكتفاء بضربة واحدة في التيمم، ونقله ابن المنذر عن
(1/456)

جمهور العلماء واختاره. وفيه أن الترتيب غير مشترط في التيمم، قال ابن دقيق العيد: "اختلف في لفظ هذا الحديث فوقع عند البخاري بلفظ ثم وفي سياقه اختصار ولمسلم بالواو" ولفظه: "ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه " وللإسماعيلي ما هو أصرح من ذلك. قلت: ولفظه من طريق هرون الحمال عن أبي معاوية " إنما يكفيك أن تضرب بيديك على الأرض ثم تنفضهما ثم تمسح بيمينك على شمالك وشمالك على يمينك ثم تمسح على وجهك " قال الكرماني: في هذه الرواية إشكال من خمسة أوجه: أحدها الضربة الواحدة، وفي الطرق الأخرى(1) ضربتان، وقد قال النووي الأصح المنصوص ضربتان. قلت: مراد النووي ما يتعلق بنقل المذهب. قوله: "ألم تر عمر" في رواية الأصيلي وكريمة: "أفلم " بزيادة فاء، وإنما لم يقنع عمر بقول عمار لكونه أخبره أنه كان معه في تلك الحال وحضر معه تلك القصة كما سيأتي في رواية يعلى بن عبيد، ولم يتذكر ذلك عمر أصلا، ولهذا قال لعمار فيما رواه مسلم من طريق عبد الرحمن بن أبزي: اتق الله يا عمار، قال: إن شئت لم أحدث به فقال عمر: نوليك ما توليت. قال النووي: معنى قول عمر " اتق الله يا عمار " أي فيما ترويه ونثبت فيه، فلعلك نسيت أو اشتبه عليك، فإني كنت معك ولا أتذكر شيئا من هذا، ومعنى قول عمار: إن رأيت المصلحة في الإمساك عن التحديث به راجحة على التحديث به وافقتك وأمسكت فإني قد بلغته فلم يبق علي فيه حرج. فقال له عمر: نوليك ما توليت، أي لا يلزم من كوني لا أتذكره أن لا يكون حقا في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحديث به. قوله: "زاد يعلى" هو ابن عبيد، والذي زاده يعلى في هذه القصة قول عمار لعمر " بعثني أنا وأنت " وبه يتضح عذر عمر كما قدمناه، وأما ابن مسعود فلا عذر له في التوقف عن قبول حديث عمار، فلهذا جاء عنه أنه رجع عن الفتيا بذلك كما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد فيه انقطاع عنه، ورواية يعلى بن عبيد لهذا الحديث وصلها أحمد في مسنده عنه. قوله: "إنما كان يكفيك هكذا" للكشميهني: "هذا". قوله: "واحدة" أي مسحة واحدة.
(1/457)

9 – باب 348
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيُّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ يَا فُلاَنُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ قَالَ "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ"
قوله: "باب". كذا للأكثر بلا ترجمة، وسقط من رواية الأصيلي أصلا، فعلى روايته هو من جملة الترجمة الماضية، وعلى الأول هو بمنزلة الفصل من الباب كنظائره. قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك، وحديثه هذا مختصر من الحديث الطويل الماضي في " باب الصعيد الطيب " وليس فيه التصريح بكون الضربة في التيمم مرة واحدة، فيحتمل أن يكون المصنف أخذه من عدم التقييد، لأن المرة الواحدة أقل ما يحصل به الامتثال، ووجوبها متيقن. والله أعلم.
"خاتمة" اشتمل كتاب التيمم من الأحاديث المرفوعة على سبعة عشر حديثا، المكرر منها عشرة، منها اثنان معلقان والخالص سبعة منها واحد معلق والبقية موصولة، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عمرو بن العاص المعلق، وفيه من الموقوفات على الصحابة والتابعين عشرة آثار، منها ثلاثة موصولة وهي فتوى عمر وأبي موسى
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض"الطريق الأخرى"
(1/457)

وابن مسعود، ومن براعة الختام الواقعة للمصنف في هذا الكتاب ختمه كتاب التيمم بقوله: "فإنه يكفيك " إشارة إلى أن الكفاية بما أورده تحصل لمن تدبر وتفهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1/458)

كتاب الصلاة
مدخل
...
8- كِتَاب الصَّلاَةِ
"بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الصلاة" تقدم في مقدمة هذا الشرح ذكر مناسبة كتب هذا الصحيح في الترتيب ملخصا من كلام شيخنا شيخ الإسلام، وفي أوائلها مناسبة تعقيب الطهارة بالصلاة لتقدم الشرط على المشروط والوسيلة على المقصود، وقد تأملت كتاب الصلاة منه فوجدته مشتملا على أنواع تزيد على العشرين، فرأيت أن أذكر مناسبتها في ترتيبها قبل الشروع في شرحها، فأقول: بدأ أولا بالشروط السابقة على الدخول في الصلاة وهي الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة ودخول الوقت، ولما كانت الطهارة تشتمل على أنواع أفردها بكتاب، واستفتح كتاب الصلاة بذكر فرضيتها لتعين وقته دون غيره من أركان الإسلام، وكان ستر العورة لا يختص بالصلاة فبدأ به لعمومه ثم ثنى بالاستقبال للزومه في الفريضة والنافلة إلا ما استثنى كشدة الخوف ونافلة السفر، وكان الاستقبال يستدعي مكانا فذكر المساجد، ومن توابع الاستقبال سترة المصلي فذكرها، ثم ذكر الشرط الباقي وهو دخول الوقت وهو خاص بالفريضة، وكان الوقت يشرع الإعلام به فذكر الأذان، وفيه إشارة إلى أنه حق الوقت، وكان الأذان إعلاما بالاجتماع إلى الصلاة فذكر الجماعة، وكان أقلها إماما ومأموما فذكر الإمامة. ولما انقضت الشروط وتوابعها ذكر صفة الصلاة ولما كانت الفرائض في الجماعة قد تختص بهيئة مخصوصة ذكر الجمعة والخوف، وقدم الجمعة لأكثريتها. ثم تلا ذلك بما يشرع فيه الجماعة من النوافل فذكر العيدين والوتر والاستسقاء والكسوف وأخره لاختصاصه بهيئة مخصوصة وهي زيادة الركوع، ثم تلاه بما فيه زيادة سجود فذكر سجود التلاوة لأنه قد يقع في الصلاة، وكان إذا وقع اشتملت الصلاة على زيادة مخصوصة فتلاه بما يقع فيه نقص من عددها وهو قصر الصلاة، ولما انقضى ما يشرع فيه الجماعة ذكر ما لا يستحب فيه وهو سائر التطوعات، ثم للصلاة بعد الشروع فيها شروط ثلاثة وهي ترك الكلام وترك الأفعال الزائدة وترك المفطر فترجم لذلك، ثم بطلانها يختص بما وقع على وجه العمد فاقتضى ذلك ذكر أحكام السهو، ثم جميع ما تقدم متعلق بالصلاة ذات الركوع والسجود فعقب ذلك بصلاة لا ركوع فيها ولا سجود وهي الجنازة. هذا آخر ما ظهر من مناسبة ترتيب كتاب الصلاة من هذا الجامع الصحيح، ولم يتعرض أحد من الشراح لذلك. فلله الحمد على ما ألهم وعلم.
(1/458)

باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء
...
1 - باب كَيْفَ فُرِضَتْ الصَّلاَةُ فِي الإِسْرَاءِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ فَقَالَ يَأْمُرُنَا يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ
349- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَجَ صَدْرِي
(1/458)

2 - باب وُجُوبِ الصَّلاَةِ فِي الثِّيَابِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}
وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ
وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ ". فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ
وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ أَذًى "وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ".
قوله: "باب وجوب الصلاة في الثياب، وقول الله تعالى :{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} يشير بذلك إلى ما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس قال: "كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة " الحديث وفيه: "فنزلت {خُذُوا زِينَتَكُمْ} " ووقع في تفسير طاوس قال في قوله تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ} قال: الثياب، وصله البيهقي، ونحوه عن مجاهد، ونقل ابن حزم الاتفاق على أن المراد ستر العورة. قوله: "ومن صلى ملتحفا في ثوب واحد" هكذا ثبت للمستملي وحده هنا، وسيأتي قريبا في باب مفرد، وعلى تقدير ثبوته هنا فله تعلق بحديث سلمة المعلق بعده كما سيظهر من سياقه. قوله: "ويذكر عن سلمة" قد بين السبب في ترك جزمه به بقوله: "وفي إسناده نظر". وقد وصله المصنف في تاريخه وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان واللفظ له من طريق الدراوردي عن موسى بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عن سلمة بن الأكوع قال: "قلت يا رسول الله إني رجل أتصيد، أفأصلي في القميص الواحد؟ قال: "نعم، زره ولو بشوكة " ورواه البخاري أيضا عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة، زاد في الإسناد رجلا، ورواه أيضا عن مالك بن إسماعيل عن عطاف بن خالد قال حدثنا موسى بن إبراهيم قال حدثنا سلمة. فصرح بالتحديث بين موسى وسلمة، فاحتمل أن يكون رواية أبي أويس من المزيد في متصل الأسانيد، أو
(1/465)

يكون التصريح في رواية عطاف وهما. فهذا وجه النظر في إسناده. وأما من صححه فاعتمد رواية الدراوردي وجعل رواية عطاف شاهدة لاتصالها، وطريق عطاف أخرجها أيضا أحمد والنسائي، وأما قول ابن القطان: إن موسى هو ابن محمد بن إبراهيم التيمي المضعف عند البخاري وأبي حاتم وأبي داود وأنه نسب هنا إلى جده فليس بمستقيم، لأنه نسب في رواية البخاري وغيره مخزوميا وهو غير التيمي بلا تردد. نعم وقع عند الطحاوي موسى بن محمد بن إبراهيم، فإن كان محفوظا فيحتمل على بعد أن يكونا جميعا رويا الحديث وحمله عنهما الدراوردي وإلا فذكر محمد فيه شاذ، والله أعلم. قوله: "يزره" بضم الزاي وتشديد الراء، أي يشد إزاره ويجمع بين طرفيه لئلا تبدو عورته، ولو لم يمكنه ذلك إلا بأن يغرز في طرفيه شوكة يستمسك بها. وذكر المؤلف حديث سلمة هذا إشارة إلى أن المراد بأخذ الزينة في الآية السابقة لبس الثياب لا تحسينها. قوله: "ومن صلى في الثوب" يشير إلى ما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق معاوية بن أبي سفيان أنه " سأل أخته أم حبيبة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه؟ قالت نعم، إذا لم ير فيه أذى". وهذا من الأحاديث التي تضمنتها تراجم هذا الكتاب بغير صيغة رواية حتى ولا التعليق. قوله: "ما لم ير فيه أذى" سقط لفظ: "فيه: "من رواية المستملي والحموي. قوله: "وأمر النبي صلى الله عليه وسلم" أشار بذلك إلى حديث أبي هريرة في بعث علي في حجة أبي بكر بذلك، وقد وصله بعد قليل لكن ليس فيه التصريح بالأمر، وروى أحمد بإسناد حسن من حديث أبي بكر الصديق نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه " لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان " الحديث. ووجه الاستدلال به للباب أن الطواف إذا منع فيه التعري فالصلاة أولى، إذ يشترط فيها ما يشترط في الطواف وزيادة، وقد ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة، وعن بعض المالكية التفرقة بين الذاكر والناسي، ومنهم من أطلق كونه سنة لا يبطل تركها الصلاة. واحتج بأنه لو كان شرطا في الصلاة لاختص بها ولافتقر إلى النية، ولكان العاجز العريان ينتقل إلى بدل كالعاجز عن القيام ينتقل إلى القعود. والجواب عن الأول النقض بالإيمان فهو شرط في الصلاة ولا يختص بها، وعن الثاني باستقبال القبلة فإنه لا يفتقر للنية، وعن الثالث على ما فيه بالعاجز عن القراءة ثم عن التسبيح فإنه يصلي ساكتا.
351- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: "أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلاَهُنَّ قَالَتْ امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ قَالَ: "لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا".
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا
قوله: "حدثنا يزيد بن إبراهيم" هو التستري، ومحمد هو ابن سيرين، والإسناد كله بصريون، وكذا المعلق بعده. قوله: "أمرنا" بضم الهمزة، ولمسلم من طريق هشام عن حفصة عن أم عطية قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وقد تقدم هذا الحديث في الطهارة بأتم من هذا السياق في باب شهود الحائض العيدين، وتقدم الكلام عليه ثم. قوله: "يوم العيدين" وفي رواية المستملي والكشميهني: "يوم العيد " بالإفراد. قوله: "ويعتزل الحيض عن مصلاهن" أي النساء اللاتي لسن بحيض، وللمستملي: "عن مصلاهم " على التغليب، وللكشميهني: "عن المصلى " والمراد به موضع
(1/466)

الصلاة. ودلالته على الترجمة من جهة تأكيد الأمر باللبس حتى بالعارية للخروج إلى صلاة العيد فيكون ذلك للفريضة أولى. قوله: "وقال عبد الله بن رجاء" و الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة وبعد الألف نون، هكذا في أكثر الروايات، ووقع عند الأصيلي في عرضه على أبي زيد بمكة " حدثنا عبد الله بن رجاء قال: "وفي بعض النسخ عن أبي زيد " وقال عبد الله بن رجاء " كما قال الباقون. قلت: وهذا هو الذي اعتمده أصحاب الأطراف والكلام على رجال هذا الكتاب، وعمران المذكور هو القطان، وفائدة التعليق عنه تصريح محمد ابن سيرين بتحديث أم عطية له، فبطل ما تخيله بعضهم من أن محمدا إنما سمعه من أخته حفصة عن أم عطية. وقد رويناه موصولا في الطبراني الكبير " حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا عبد الله بن رجاء " والله أعلم.
(1/467)

3 - باب عَقْدِ الإِزَارِ عَلَى الْقَفَا فِي الصَّلاَةِ
وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ
352- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: "صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمِشْجَبِ قَالَ لَهُ قَائِلٌ تُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ فَقَالَ إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟".
[الحديث352- أطرافه في:370,361,353]
قوله: "باب عقد الإزار على القفا" هو بالقصر. قوله: "وقال أبو حازم" هو ابن دينار، وقد ذكره بتمامه موصولا بعد قليل. قوله: "صلوا" بلفظ الماضي أي الصحابة و "عاقدي" جمع عاقد وحذفت النون للإضافة وهو في موضع الحال. وفي رواية الكشميهني: "عاقدو " وهو خبر مبتدأ محذوف أي وهم عاقدو، وإنما كانوا يفعلون ذلك لأنهم لم يكن لهم سراويلات فكان أحدهم يعقد إزاره في قفاه ليكون مستورا إذا ركع وسجد، وهذه الصفة صفة أهل الصفة كما سيأتي في " باب نوم الرجال في المسجد". قوله: "حدثني واقد" هو أخو عاصم بن محمد الراوي عنه، ومحمد أبوهما هو ابن زيد بن عبد الله ابن عمر، وواقد ومحمد بن المنكدر مدنيان تابعيان من طبقة واحدة. قوله: "من قبل" بكسر القاف وفتح الموحدة، أي من جهة قفاه. قوله: "المشجب" بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الجيم بعدها موحدة، هو عيدان تضم رءوسها ويفرج بين قوائمها توضع عليها الثياب وغيرها. وقال ابن سيده: المشجب والشجاب خشبات ثلاث يعلق عليها الراعي دلوه وسقاءه، ويقال في المثل " فلان كالمشجب من حيث قصدته وجدته". قوله: "فقال له قائل" وقع في رواية مسلم أنه عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، وسيأتي قريبا أن سعيد بن الحارث سأله عن هذه المسألة، ولعلهما جميعا سألاه، وسيأتي عند المصنف في " باب الصلاة بغير رداء " من طريق ابن المنكدر أيضا: "فقلنا يا أبا عبد الله " فلعل السؤال تعدد. وقال في جواب ابن المنكدر " فأحببت أن يراني الجهال مثلكم " وعرف به أن المراد بقوله هنا " أحمق " أي جاهل. والحمق وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه، قاله في النهاية. والغرض بيان جواز الصلاة في الثوب الواحد ولو كانت الصلاة في الثوبين أفضل، فكأنه قال: صنعته عمدا لبيان الجواز إما ليقتدي بي الجاهل ابتداء أو ينكر علي فأعلمه أن ذلك جائز. وإنما أغلظ لهم في
(1/467)

الخطاب زجرا عن الإنكار على العلماء، وليحثهم على البحث عن الأمور الشرعية. قوله: "وأينا كان له" أي كان أكثرنا في عهده صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا الثوب الواحد، ومع ذلك فلم يكلف تحصيل ثوب ثان ليصلي فيه، فدل على الجواز. وعقب المصنف حديثه هذا بالرواية الأخرى المصرحة بأن ذلك وقع من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليكون بيان الجواز به أوقع في النفس، لكونه أصرح في الرفع من الذي قبله. وخفي ذلك على الكرماني فقال: دلالته - أي الحديث الأخير - على الترجمة وهي عقد الإزار على القفا إما لأنه مخروم من الحديث السابق - أي هو طرف من الذي قبله - وإما لأنه يدل عليه بحسب الغالب إذ لولا عقده على القفا لما ستر العورة غالبا، اهـ. ولو تأمل لفظه وسياقه بعد ثمانية أبواب لعرف اندفاع احتماليه فإنه طرف من الحديث المذكور هناك لا من السابق، ولا ضرورة إلى ما ادعاه من الغلبة، فإن لفظه: "وهو يصلي في ثوب ملتحفا به " وهي قصة أخرى فيما يظهر كان الثوب فيها واسعا فالتحف به، وكان في الأولى ضيقا فعقده، وسيأتي ما يؤيد هذا التفصيل قريبا. "فائدة": كان الخلاف في منع جواز الصلاة في الثوب الواحد قديما، روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: "لا تصلين في ثوب واحد وإن كان أوسع ما بين السماء والأرض " ونسب ابن بطال ذلك لابن عمر ثم قال: لم يتابع عليه، ثم استقر الأمر على الجواز.
353- حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: "رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَقَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ"
قوله: "حدثنا مطرف" هو ابن عبد الله بن سليمان الأصم صاحب مالك، مدني هو وباقي رجال إسناده وقد شارك أبا مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري في صحبة مالك. وفي رواية الموطأ عنه، وفي كنيته. لكن أحمد مشهور بكنيته أكثر من اسمه، ومطرف بالعكس.
(1/468)

4 - باب الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مُلْتَحِفًا بِهِ
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: "الْمُلْتَحِفُ الْمُتَوَشِّحُ وَهُوَ الْمُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَهُوَ الِاشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ" قَالَ: قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ "الْتَحَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبٍ وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ".
قوله: "باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به" لما كانت الأحاديث الماضية في الاقتصار على الثوب الواحد مطلقة أردفها بما يدل على أن ذلك يختص بحال الضيق، أو بحال بيان الجواز. قوله: "قال الزهري في حديثه" أي الذي رواه في الالتحاف، والمراد إما حديثه عن سالم بن عبد الله عن أبيه وهو عند ابن أبي شيبة وغيره، أو عن سعيد عن أبي هريرة وهو عند أحمد وغيره، والذي يظهر أن قوله: "وهو المخالف. إلخ" من كلام المصنف. قوله: "وقالت أم هانئ" سيأتي حديثها موصولا في أواخر الباب، لكن ليس فيه: "وخالف بين طرفيه: "وهو عند مسلم من وجه آخر عن أبي مرة عنها، ورواه أحمد من ذلك الوجه بلفظ المعلق.
354- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ
[الحديث 354- طرفاه في: 356,355]
(1/468)

اخت مسلمة
06-09-2009, 04:55 AM
355- - حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى قال حدثنا هشام قال حدثنى أبى عن عمر بن أبي سلمة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة وقد ألقى طرفيه على عاتقيه
356- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ".
قوله: "حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا هشام بن عروة" هذا الإسناد له حكم الثلاثيات وإن لم تكن له صورتها، لأن أعلى ما يقع للبخاري ما بينه وبين الصحابي فيه اثنان، فإن كان الصحابي يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم فحينئذ توجد فيه صورة الثلاثي، وإن كان يرويه عن صحابي آخر فلا، لكن الحكم من حيث العلو واحد لصدق أن بينه وبين الصحابي اثنين. وهكذا تقول بالنسبة إلى التابعي إذا لم يقع بينه وبينه إلا واحد، فإن رواه التابعي عن صحابي فعلى ما تقدم، وإن رواه عن تابعي آخر فله حكم العلو لا صورة الثلاثي كهذا الحديث، فإن هشام بن عروة من التابعين، لكنه حدث هنا عن تابعي آخر وهو أبوه، فلو رواه عن صحابي ورواه ذلك الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان ثلاثيا. والحاصل أن هذا من العلو النسبي لا المطلق والله أعلم. ثم أورد المصنف الحديث المذكور بنزول درجة من رواية يحيى القطان عن هشام وهو ابن عروة المذكور، وفائدته ما وقع فيه من التصريح بأن الصحابي شاهد النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ما نقل عنه أولا بالصورة المحتملة، وفيه تعيين المكان وهو بيت أم سلمة وهي والدة الصحابي المذكور عمر ابن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه زيادة كون طرفي الثوب على عاتقي النبي صلى الله عليه وسلم على أن الإسماعيلي قد أخرج الحديث المذكور من طريق عبيد الله بن موسى وفيه جميع الزيادة فكأن عبيد الله حدث به البخاري مختصرا. وفائدة إيراد المصنف الحديث المذكور ثالثا بالنزول أيضا من رواية أبي أسامة عن هشام تصريح هشام عن أبيه بأن عمر أخبره. ووقع في الروايتين الماضيتين بالعنعنة. وفيه أيضا ذكر الاشتمال وهو مطابق لما تقدم من التفسير. قوله: "مشتملا به" بالنصب للأكثر على الحال. وفي رواية المستملي والحموي بالجر على المجاورة أو الرفع على الحذف. قال ابن بطال: فائدة الالتحاف المذكور أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع، ولئلا يسقط الثوب عند الركوع والسجود.
357- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: "ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنَ ابْنَ هُبَيْرَةَفَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ" وَذَاكَ ضُحًى".
قوله: "عن أبي النضر" هو المدني، وأبو مرة تقدم ذكره في العلم، وعرف هنا بأنه مولى أم هانئ وهناك بأنه مولى عقيل، وهو مولى أم هانئ حقيقة، وأما عقيل فلكونه أخاها فنسب إلى ولائه مجازا بأدنى ملابسة، أو
(1/469)

لكونه كان يكثر ملازمة عقيل كما وقع لمقسم مع ابن عباس. وقد تقدم الكلام على أوائل هذا الحديث في الغسل في باب التستر، ويأتي الكلام عليه أيضا في صلاة الضحى: وموضع الحاجة منه هنا أن أم هانئ وصفت الالتحاف المذكور في هذه الطريق الموصولة بأنه المخالفة بين طرفي الثوب على العاتقين في الرواية المعلقة قبل، فطابق التفسير المتقدم في الترجمة. قوله: "زعم ابن أمي" هو علي بن أبي طالب. وفي رواية الحموي " ابن أبي " وهو صحيح في المعنى فإنه شقيقها، و " زعم " هنا بمعنى ادعى، وقولها "قاتل رجلا" فيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعلة. قوله: "فلان بن هبيرة" بالنصب على البدل أو الرفع على الحذف، وعند أحمد والطبراني من طريق أخرى عن أبي مرة عن أم هانئ " إني أجرت حموين لي " قال أبو العباس بن سريج وغيره: هما جعدة بن هبيرة ورجل آخر من بني مخزوم كانا فيمن قاتل خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان، فأجارتهما أم هانئ وكانا من أحمائها. وقال ابن الجوزي: إن كان ابن هبيرة منهما فهو جعدة كذا قال، وجعدة معدود فيمن له رؤية ولم تصح له صحبة، وقد ذكره من حيث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما، فكيف يتهيأ لمن هذه سبيله في صغر السن أن يكون عام الفتح مقاتلا حتى يحتاج إلى الأمان؟ ثم لو كان ولد أم هانئ لم يهتم علي بقتله لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها، وجوز ابن عبد البر أن يكون ابنا لهبيرة من غيرها، مع نقله عن أهل النسب أنهم لم يذكروا لهبيرة ولدا من غير أم هانئ، وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن اللذين أجارتهما أم هانئ هما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان. وروى الأزرق بسند فيه الواقدي في حديث أم هانئ هذا أنهما الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة، وحكى بعضهم أنهما الحارث بن هشام وهبيرة بن أبي وهب، وليس بشيء لأن هبيرة هرب عند فتح مكة إلى نجران فلم يزل بها مشركا حتى مات، كذا جزم به ابن إسحاق وغيره فلا يصح ذكره فيمن أجارته أم هانئ. وقال الكرماني قال الزبير بن بكار: فلان ابن هبيرة هو الحارث بن هشام. انتهى. وقد تصرف في كلام الزبير وإنما وقع عند الزبير في هذه القصة موضع فلان ابن هبيرة " الحارث بن هشام"، والذي يظهر لي أن في رواية الباب حذفا، كأنه كان فيه: "فلان ابن عم هبيرة " فسقط لفظ عم أو كان فيه: "فلان قريب هبيرة " فتغير لفظ قريب بلفظ ابن، وكل من الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هبيرة وقريبه، لكون الجميع من بني مخزوم. وسيأتي الكلام على ما يتعلق بأمان المرأة في آخر كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى.
358- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاَةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ"
[الحديث358- طرفه في:365]
قوله: "أن سائلا سأل" لم أقف على اسمه، لكن ذكر شمس الأئمة السرخسي الحنفي في كتابه " المبسوط " أن السائل ثوبان. قوله: "أو لكلكم" قال الخطابي لفظه استخبار ومعناه الإخبار عما هم عليه من قلة الثياب، ووقع في ضمنه الفتوى من طريق الفحوي، كأنه يقول: إذا علمتم أن ستر العورة فرض والصلاة لازمة وليس لكل أحد منكم ثوبان فكيف لم تعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة؟ أي مع مراعاة ستر العورة به. وقال الطحاوي: معناه لو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد لكرهت لمن لا يجد إلا ثوبا واحدا. انتهى. وهذه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره، والسؤال إنما كان عن الجواز وعدمه لا عن الكراهة.
(1/470)

"فائدة": روى ابن حبان هذا الحديث من طريق الأوزاعي عن ابن شهاب، لكن قال في الجواب " ليتوشح به ثم ليصل فيه: "فيحتمل أن يكونا حديثين، أو حديثا واحدا فرقه الرواة وهو الأظهر، وكأن المصنف أشار إلى هذا لذكره التوشح في الترجمة. والله أعلم.
(1/471)

5 - باب إِذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَلْيَجْعَلْ عَلَى عَاتِقَيْهِ
359- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ".
[الحديث 359- طرفه في: 360]
قوله: "باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه" أي بعضه، في رواية: "عاتقه " بالإفراد. والعاتق هو ما بين المنكبين إلى أصل العنق، وهو مذكر وحكى تأنيثه. قوله: "لا يصلي" قال ابن الأثير: كذا هو في الصحيحين بإثبات الياء، ووجهه أن " لا " نافية، وهو خبر بمعنى النهي. قلت: ورواه الدارقطني في " غرائب مالك " من طريق الشافعي عن مالك بلفظ: "لا يصل " بغير ياء، ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء عن مالك بلفظ: "لا يصلين " بزيادة نون التأكيد، ورواه الإسماعيلي من طريق الثوري عن أبي الزناد بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم". قوله: "ليس على عاتقيه شيء" زاد مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد " منه شيء " والمراد أنه لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه بل يتوشح بهما على عاتقيه ليحصل الستر لجزء من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة، أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة.
360- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ سَمِعْتُهُ أَوْ كُنْتُ سَأَلْتُهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ".
قوله: "حدثنا شيبان" هو ابن عبد الرحمن. قوله: "سمعته" أي قال يحيى سمعت عكرمة، ثم تردد هل سمعه ابتداء أو جواب سؤال منه. هذا ظاهر هذه الرواية. وأخرجه الإسماعيلي عن مكي بن عبدان عن حمدان السلمي عن أبي نعيم بلفظ: "سمعته أو كتب به إلى " فحصل التردد بين السماع والكتابة، قال الإسماعيلي: ولا أعلم أحدا ذكر فيه سماع يحيى من عكرمة، يعني بالجزم. قال: وقد رويناه من طريق حسين بن محمد عن شيبان بالتردد في السماع أو الكتابة أيضا. قلت: قد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن يزيد بن هرون عن شيبان نحو رواية البخاري قال: "سمعته " أو " كنت سألته فسمعته " أخرجه أبو نعيم في المستخرج. قوله: "أشهد" كره تأكيدا لحفظه واستحضاره. قوله: "من صلى في ثوب" زاد الكشميهني: "واحد". ودلالته على الترجمة من جهة أن المخالفة بين الطرفين لا تتيسر إلا بجعل شيء من الثوب على العاتق، كذا قال الكرماني. وأولى من ذلك أن في بعض طرق هذا الحديث التصريح بالمراد فأشار إليه المصنف كعادته، فعند أحمد من طريق معمر عن يحيى فيه: "فليخالف بين طرفيه على عاتقيه "
(1/471)

وكذا للإسماعيلي وأبي نعيم من طريق حسين عن شيبان، وقد حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب، والنهي في الذي قبله على التنزيه. وعن أحمد " لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه " جعله من الشرائط، وعنه " تصح ويأثم " جعله واجبا مستقبلا. وقال الكرماني: ظاهر النهي يقتضي التحريم لكن الإجماع منعقد على جواز تركه. كذا قال وغفل عما ذكره بعد قليل عن النووي من حكاية ما نقلناه عن أحمد، وقد نقل ابن المنذر عن محمد بن علي عدم الجواز، وكلام الترمذي يدل على ثبوت الخلاف أيضا، وقد تقدم ذلك قبل بباب، وعقد الطحاوي له بابا في شرح المعاني ونقل المنع عن ابن عمر ثم عن طاوس والنخعي، ونقله غيره عن ابن وهب وابن جرير، وجمع الطحاوي بين أحاديث الباب بأن الأصل أن يصلي مشتملا فإن ضاق اتزر. ونقل الشيخ تقي الدين السبكي وجوب ذلك عن نص الشافعي واختاره، لكن المعروف في كتب الشافعية خلافه. واستدل الخطابي على عدم الوجوب بأنه صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي نائمة، قال: ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متسع لأن يتزر به ويفضل منه ما كان لعاتقه، وفيما قاله نظر لا يخفى، والظاهر من تصرف المصنف التفصيل بين ما إذا كان الثوب واسعا فيجب، وبين ما إذا كان ضيقا فلا يجب وضع شيء منه على العاتق، وهو اختيار ابن المنذر، وبذلك تظهر مناسبة تعقيبه بباب إذا كان الثوب ضيقا.
(1/472)

3 - بَاب إِذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا
361- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ: "خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَاشْتَمَلْتُ بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ "مَا السُّرَى يَا جَابِرُ" فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ "مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ" قُلْتُ كَانَ ثَوْبٌ يَعْنِي ضَاقَ قَالَ "فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ".
قوله: "في بعض أسفاره" عينه مسلم في روايته من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة عن جابر " غزوة بواط " وهو بضم الموحدة وتخفيف الواو وهي من أوائل مغازيه صلى الله عليه وسلم. قوله: "لبعض أمري" أي حاجتي. وفي رواية مسلم: "أنه صلى الله عليه وسلم كان أرسله هو وجبار ابن صخر لتهيئة الماء في المنزل". قوله: "ما السرى" أي ما سبب سراك أي سيرك في الليل. قوله: "ما هذا الاشتمال " كأنه استفهام إنكار، قال الخطابي: الاشتمال الذي أنكره هو أن يدير الثوب على بدنه كله لا يخرج منه يده. قلت: كأنه أخذه من تفسير الصماء على أحد الأوجه، لكن بين مسلم في روايته أن الإنكار كان بسبب أن الثوب كان ضيقا وأنه خالف بين طرفيه وتواقص - أي انحنى - عليه، كأنه عند المخالفة بين طرفي الثوب لم يصر ساترا فانحنى ليستتر، فأعلمه صلى الله عليه وسلم بأن محل ذلك ما إذا كان الثوب واسعا، فأما إذا كان ضيقا فإنه يجزئه أن يتزر به، لأن القصد الأصلي ستر العورة وهو يحصل بالائتزار ولا يحتاج إلى التواقص المغاير للاعتدال المأمور به. قوله: "كان ثوب" كذا لأبي ذر وكريمة بالرفع على أن كان تامة، ولغيرهما بالنصب أي كان المشتمل به ثوبا، زاد الإسماعيلي: ضيقا.
(1/472)

362- حَدَّثَنَا مُسَدَّد قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ وَيُقَالُ لِلنِّسَاءِ لاَ تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا".
[الحديث362- طرفاه في:1215,814]
قوله: "حدثنا يحيى" هو ابن سعيد القطان، وسفيان هو الثوري، وأبو حازم هو ابن دينار، وسهل هو ابن سعد. قوله: "كان رجال" التنكير فيه للتنويع وهو يقتضي أن بعضهم كان بخلاف ذلك وهو كذلك، ووقع في رواية أبي داود " رأيت الرجال " واللام فيه للجنس فهو في حكم النكرة. قوله: "عاقدي أزرهم على أعناقهم" في رواية أبي داود من طريق وكيع عن الثوري: عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر. ويؤخذ منه أن الثوب إذا أمكن الالتحاف به كان أولى من الائتزار لأنه أبلغ في التستر. قوله: "وقال للنساء" قال الكرماني: فاعل قال هو النبي صلى الله عليه وسلم كذا جزم به، وقد وقع في رواية الكشميهني: "ويقال للنساء " وفي رواية وكيع " فقال قائل يا معشر النساء " فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من يقول لهن ذلك، ويغلب على الظن أنه بلال، وإنما نهى النساء عن ذلك لئلا يلمحن عند رفع رءوسهن من السجود شيئا من عورات الرجال بسبب ذلك عند نهوضهم. وعند أحمد وأبي داود التصريح بذلك من حديث أسماء بنت أبي بكر ولفظه: "فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم كراهية أن يرين عورات الرجال " ويؤخذ منه أنه لا يجب التستر من أسفل.
(1/473)

3 - باب الصَّلاَةِ فِي الْجُبَّةِ الشَّامِيَّةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الثِّيَابِ يَنْسُجُهَا الْمَجُوسِيُّ لَمْ يَرَ بِهَا بَأْسًا وَقَالَ مَعْمَرٌ رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ يَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ مَا صُبِغَ بِالْبَوْلِ وَصَلَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ مَقْصُورٍ
363- حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ "يَا مُغِيرَةُ خُذْ الإِدَاوَةَ" فَأَخَذْتُهَا فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهَا فَضَاقَتْ فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أَسْفَلِهَا فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى".
قوله: "باب الصلاة في الجبة الشامية" هذه الترجمة معقودة لجواز الصلاة في ثياب الكفار ما لم يتحقق نجاستها، وإنما عبر بالشامية مراعاة للفظ الحديث، وكانت الشام إذ ذاك دار كفر، وقد تقدم في باب المسح على الخفين أن في بعض طرق حديث المغيرة أن الجبة كانت صوفا وكانت من ثياب الروم. ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لبسها ولم يستفصل وروى عن أبي حنيفة كراهية الصلاة فيها إلا بعد الغسل، وعن مالك إن فعل يعيد في الوقت. قوله: "وقال الحسن" أي البصري، و " ينسجها " بكسر السين المهملة وضمها وبضم الجيم.قوله: "المجوسي" كذا للحموي والكشميهني بلفظ المفرد، والمراد الجنس. وللباقين " المجوس " بصيغة الجمع. قوله: "لم ير" أي الحسن، وهو من باب التجريد، أو هو مقول الراوي، وهذا الأثر وصله أبو نعيم بن حماد في نسخته المشهورة عن معتمر عن هشام عنه ولفظه: "لا بأس
(1/473)

بالصلاة في الثوب الذي ينسجه المجوسي قبل أن يغسل " ولأبي نعيم في كتاب الصلاة عن الربيع عن الحسن " لا بأس بالصلاة في رداء اليهودي والنصراني، وكره ذلك ابن سيرين " رواه ابن أبي شيبة: قوله: "وقال معمر" وصله عبد الرزاق في مصنفه عنه. وقوله: "بالبول " إن كان للجنس فمحمول على أنه كان يغسله قبل لبسه، وإن كان للعهد فالمراد بول ما يؤكل لحمه لأنه كان يقول بطهارته. قوله: "وصلى علي في ثوب غير مقصور" أي خام، والمراد أنه كان جديدا لم يغسل، روى ابن سعد من طريق عطاء بن محمد قال: رأيت عليا صلى وعليه قميص كرابيس غير مغسول. قوله: "حدثنا يحيى" هو ابن موسى البلخي، قال أبو علي الجياني: روى البخاري في " باب الجبة الشامية " وفي الجنائز وفي تفسير الدخان عن يحيى - غير منسوب - عن أبي معاوية فنسب ابن السكن الذي في الجنائز يحيى بن موسى قال: ولم أجد الآخرين منسوبين لأحد. قلت: فينبغي حمل ما أهمل على ما بين، قد جزم أبو نعيم بأن الذي في الجنائز هو يحيى بن جعفر البيكندي، وذكر الكرماني أنه رأى في بعض النسخ هنا مثله. قلت: والأول أرجح لأن أبا علي بن شبوية وافق ابن السكن عن الفربري على ذلك في الجنائز وهنا أيضا، ورأيت بخط بعض المتأخرين: يحيى هو ابن بكير، وأبو معاوية هو شيبان النحوي. وليس كما قال فليس ليحيى بن بكير عن شيبان رواية. وبعد أن ردد الكرماني يحيى بين ابن موسى أو ابن جعفر أو ابن معين قال: وأبو معاوية يحتمل أن يكون شيبان النحوي. وهو عجيب فإن كلا من الثلاثة لم يسمع من شيبان المذكور، وجزم أبو مسعود وكذا خلف في الأطراف وتبعهما المزي بأن الذي في الجنائز هو يحيى بن يحيى، وما قدمناه عن ابن السكن يرد عليهم وهو المعتمد، ولا سيما وقد وافقه ابن شبوية، ولم يختلفوا في أن أبا معاوية هنا هو الضرير. قوله: "عن مسلم" هو أبو الضحى. وقد تقدم الكلام على فوائد حديث المغيرة في " باب المسح على الخفين".
(1/474)

8 - باب كَرَاهِيَةِ التَّعَرِّي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا
364- حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ "سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ يَا ابْنَ أَخِي لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ قَالَ فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قوله: "باب كراهية التعري في الصلاة" زاد الكشميهني والحموي " وغيرها". قوله: "حدثنا روح" هو ابن عبادة. قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم" أي مع قريش لما بنوا الكعبة، وكان ذلك قبل البعثة، فرواية جابر لذلك من مراسيل الصحابة، فأما أن يكون سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أو من بعض من حضر ذلك من الصحابة. والذي يظهر أنه العباس، وقد حدث به عن العباس أيضا ابنه عبد الله وسياقه أتم أخرجه الطبراني وفيه: "فقام فأخذ إزاره وقال نهيت أن أمشي عريانا " وسيأتي ذكره في كتاب الحج مع بقية فوائده في باب بنيان الكعبة إن شاء الله تعالى. قوله: "فجعلت" أي الإزار، وللكشميهني: "فجعلته " وجواب لو محذوف إن كانت
(1/474)

شرطية وتقديره: لكان أسهل عليك، وإن كانت للتمني فلا حذف. قوله: "قال فحله" يحتمل أن يكون مقول جابر أو مقول من حدثه به. قوله: "فما رؤى" بضم الراء بعدها همزة مكسورة، ويجوز كسر الراء بعدها مدة ثم همزة مفتوحة. وفي رواية الإسماعيلي: "فلم يتعر بعد ذلك " ومطابقة للحديث للترجمة من هذه الجملة الأخيرة لأنها تتناول ما بعد النبوة فيتم بذلك الاستدلال. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان مصونا عما يستقبح قبل البعثة وبعدها. وفيه النهي عن التعري بحضرة الناس، وسيأتي ما يتعلق بالخلوة بعد قليل. وقد ذكر ابن إسحاق في السيرة أنه صلى الله عليه وسلم تعرى وهو صغير عند حليمة فلكمه لاكم فلم يعد يتعرى.
وهذا إن ثبت حمل على نفي التعري بغير ضرورة عادية، والذي في حديث الباب على الضرورة العادية، والنفي فيها على الإطلاق، أو يتقيد بالضرورة الشرعية كحالة النوم مع الأهل أحيانا.
(1/475)

9 - باب الصَّلاَةِ فِي الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالتُّبَّانِ وَالْقَبَاءِ
365- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ "أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ" ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ
قوله: "باب الصلاة في القميص والسراويل" قال ابن سيده: السراويل فارسي معرب يذكر ويؤنث. ولم يعرف أبو حاتم السجستاني التذكير، والأشهر عدم صرفه. قوله: "والتبان" ضم المثناة وتشديد الموحدة، وهو على هيئة السراويل إلا أنه ليس له رجلان. وقد يتخذ من جلد. قوله: "والقباء" بالقصر وبالمد قيل هو فارسي معرب، وقيل عربي مشتق من قبوت الشيء إذا ضممت أصابعك عليه، سمي بذلك لانضمام أطرافه. وروى عن كعب أن أول من لبسه سليمان بن داود عليهما السلام. قوله: "عن محمد" هو ابن سيرين. قوله: "قام رجل" تقدم أنه لم يسم وتقدم الكلام على المرفوع منه. قوله: "ثم سأل رجل عمر" أي عن ذلك، ولم يسم أيضا، ويحتمل أن يكون ابن مسعود لأنه اختلف هو وأبي بن كعب في ذلك فقال أبى الصلاة في الثوب الواحد يعني لا تكره. وقال ابن مسعود إنما كان ذلك وفي الثياب قلة، فقام عمر على المنبر فقال: القول ما قال أبي، ولم يأل ابن مسعود. أي لم يقصر. أخرجه عبد الرزاق. قوله: "جمع رجل" هو بقية قول عمر، وأورده بصيغة الخبر ومراده الأمر، قال ابن بطال: يعني ليجمع وليصل. وقال ابن المنير: الصحيح أنه كلام في معنى الشرط كأنه قال: إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن. ثم فصل الجمع بصور على معنى البدلية. وقال ابن مالك: تضمن هذا الحديث فائدتين إحداهما ورود الفعل الماضي بمعنى الأمر وهو قوله: "صلى " والمعنى ليصل، ومثله قولهم اتقى الله عبد والمعنى ليتق. ثانيهما حذف حرف العطف، فإن الأصل صلى رجل في إزار ورداء وفي إزار وقميص، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: "تصدق امرؤ من ديناره، من درهمه، من صاع تمره". انتهى، فحصل في كل من المسألتين توجيهان. قوله: "قال: وأحسبه" قائل ذلك أبو هريرة، والضمير في " أحسبه " راجع إلى عمر، وإنما لم يحصل الجزم بذلك لإمكان أن عمر أهمل ذلك، لأن التبان لا يستر العورة كلها
(1/475)

بناء على أن الفخذ من العورة فالستر به حاصل مع القباء ومع القميص، وأما مع الرداء فقد لا يحصل. ورأى أبو هريرة أن انحصار القسمة يقتضي ذكر هذه الصورة وأن الستر قد يحصل بها إذا كان الرداء سابغا، ومجموع ما ذكر عمر من الملابس ستة، ثلاثة للوسط وثلاثة لغيره، فقدم ملابس الوسط لأنها محل ستر العورة، وقدم أسترها أو أكثرها استعمالا لهم، وضم إلى كل واحد واحدا، فخرج من ذلك تسع صور من ضرب ثلاثة في ثلاثة، ولم يقصد الحصر في ذلك، بل يلحق بذلك ما يقوم مقامه. وفي هذا الحديث دليل على وجوب الصلاة في الثياب لما فيه من أن الاقتصار على الثوب الواحد كان لضيق الحال. وفيه أن الصلاة في الثوبين أفضل من الثوب الواحد وصرح القاضي عياض بنفي الخلاف في ذلك، لكن عبارة ابن المنذر قد تفهم إثباته لأنه لما حكى عن الأئمة جواز الصلاة في الثوب الواحد قال: وقد استحب بعضهم الصلاة في ثوبين. وعن أشهب فيمن اقتصر على الصلاة في السراويل مع القدرة: يعيد في الوقت، إلا إن كان صفيقا. وعن بعض الحنفية يكره
"فائدة": روى ابن حبان حديث الباب من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب فأدرج الموقوف في المرفوع ولم يذكر عمر، ورواية حماد بن زيد هذه المفصلة أصح، وقد وافقه على ذلك حماد بن سلمة فرواه عن أيوب وهشام وحبيب وعاصم كلهم عن ابن سيرين، أخرجه ابن حبان أيضا. وأخرج مسلم حديث ابن علية فاقتصر على المتفق على رفعه وحذف الباقي، وذلك من حسن تصرفه. والله أعلم.
366- حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ "لاَ يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلاَ السَّرَاوِيلَ وَلاَ الْبُرْنُسَ وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلاَ وَرْسٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ"
وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
قوله: "حدثنا عاصم بن علي" هو الواسطي. قوله: "سأل رجل" تقدم في آخر كتاب العلم أنه لم يسم، وأخرنا الكلام عليه إلى موضعه في الحج. وموضع الحاجة منه هنا أن الصلاة تجوز بدون القميص والسراويل وغيرهما من المخيط لأمر المحرم باجتناب ذلك، وهو مأمور بالصلاة. قوله: "حتى يكونا" في رواية الحموي والمستملي: "حتى يكون " بالإفراد أي كل واحد منهما. قوله: "وعن نافع" معطوف على قوله: "عن الزهري " وذلك بين في الرواية الماضية في آخر كتاب العلم، فإنه أخرجه هناك عن آدم عن ابن أبي ذئب، فقدم طريق نافع وعطف عليها طريق الزهري، عكس ما هنا. وزعم الكرماني أن قوله: "وعن نافع " تعليق من البخاري، وقد قدمنا أن التجويزات العقلية لا يليق استعمالها في الأمور النقلية. والله الموفق.
(1/476)

10 - باب مَا يَسْتُرُ مِنْ الْعَوْرَةِ
367- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى
(1/476)

فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ"
[الحديث367- أطرافه في: 6284,5822,5820,2147,2144,1991,]
قوله: "باب ما يستر من العورة" أي خارج الصلاة. والظاهر من تصرف المصنف أنه يرى أن الواجب ستر السوأتين فقط، وأما في الصلاة فعلى ما تقدم من التفصيل، وأول أحاديث الباب يشهد له فإنه قيد النهي بما إذا لم يكن على الفرج شيء أي يستره، ومقتضاه أن الفرج إذا كان مستورا فلا نهي. قوله: "عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة" أي ابن مسعود. عن "أبي سعيد" هكذا رواه الليث عن ابن شهاب ووافقه ابن جريج كما أخرجه المصنف في اللباس، ورواه في اللباس أيضا من طريق أخرى عن الليث أيضا عن يونس عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبي سعيد وسياقه أتم. وفيه النهي عن الملامسة والمنابذة أيضا، وفيه تفسير جميع ذلك. ورواه في الاستئذان من طريق سفيان عن ابن شهاب عن عطاء ابن يزيد عن أبي سعيد بنحو رواية يونس لكن بدون التفسير، والطرق الثلاثة صحيحة، وابن شهاب سمع حديث أبي سعيد من ثلاثة من أصحابه فحدث به عن كل منهم بمفرده. قوله: "عن اشتمال الصماء" و بالصاد المهملة والمد، قال أهل اللغة: هو أن يخلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبا ولا يبقى ما يخرج منه يده. قال ابن قتيبة: سميت صماء لأنه يسد المنافذ كلها فتصير كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق. وقال الفقهاء: هو أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديا. قال النووي فعلى تفسير أهل اللغة يكون مكروها لئلا يعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر، وعلى تفسير الفقهاء يحرم لأجل انكشاف العورة. قلت: ظاهر سياق المصنف من رواية يونس في اللباس أن التفسير المذكور فيها مرفوع، وهو موافق لما قال الفقهاء. ولفظه: والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه. وعلى تقدير أن يكون موقوفا فهو حجة على الصحيح، لأنه تفسير من الراوي لا يخالف ظاهر الخبر. قوله: "وأن يحتبي" الاحتباء أن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ويلف عليه ثوبا، ويقال له الحبوة، وكانت من شأن العرب. وفسرها في رواية يونس المذكورة بنحو ذلك.
368- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ "نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ عَنْ اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ"
[الحديث368- أطرافه في:5821,5819,2146,2145,1992,588,584]
قوله: "حدثنا سفيان" هو الثوري. قوله: "عن بيعتين" بفتح الموحدة، ويجوز كسرها على إرادة الهيئة. و "اللماس" بكسر أوله وكذا "النباذ" وأوله نون ثم موحدة خفيفة وآخره معجمة، وسيأتي تفسيرهما في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى. والمطلق في الاحتباء هنا محمول على المقيد في الحديث الذي قبله.
369- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ نُؤَذِّنُ بِمِنًى أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ
(1/477)

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةٌ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْل مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ"
[الحديث 369- أطرافه في:4657,4656,4655,4363,3177,1622]
قوله: "حدثنا إسحاق" كذا للأكثر غير منسوب، وردده الحفاظ بين ابن منصور وبين ابن راهويه. ووقع في نسختي من طريق أبي ذر إسحاق بن إبراهيم فتعين أنه ابن راهويه، إذ لم يرو البخاري عن إسحاق ابن أبي إسرائيل. واسمه إبراهيم شيئا ولا عن الصواف وهو دونهما في الطبقة. قوله: "حدثنا يعقوب بن إبراهيم" أي ابن سعد ورواة هذا الإسناد سوى صحابيه وشيخ المصنف زهريون وهم أربعة. قوله: "أن لا يحج" كذا للأكثر، وللكشميهني: "ألا لا يحج " بأداة الاستفتاح قبل حرف النهي، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا الحديث في " باب وجوب الصلاة في الثياب " وسيأتي الكلام على بقية مباحثه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
(1/478)

11 - بَاب الصَّلاَةِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ
370- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُصَلِّي وَرِدَاؤُكَ مَوْضُوعٌ قَالَ نَعَمْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الْجُهَّالُ مِثْلُكُمْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي هَكَذَا
قوله"باب الصلاة بغير رداء" تقدم الكلام على حديث جابر في " باب عقد الإزار على القفا " وقوله هنا "ملتحفا به" كذا للأكثر بالنصب على الحال، وللمستملي والحموي " ملتحف " بالرفع على الحذف، وفي نسختي عنهما بالجر على المجاورة، وقوله في آخره: "يصلي كذا " في رواية الكشميهني: "يصلي هكذا " وقوله: "الجهال مثلكم" لفظ المثل مفرد لكنه اسم جنس فلذلك طابق لفظ الجهال وهو جمع، أو اكتسب الجمعية من الإضافة.
(1/478)

باب مايذكر في الفخذ
...
3 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الْفَخِذِ
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَخِذُ عَوْرَةٌ وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ حَسَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَخِذِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنْ اخْتِلاَفِهِمْ وَقَالَ أَبُو مُوسَى غَطَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي
قوله: "باب ما يذكر في الفخذ" أي في حكم الفخذ، وللكشميهني: "من الفخذ". قوله: "قال أبو عبد الله" هو المصنف، وسقط من رواية الأكثر. قوله: "ويروى عن ابن عباس" وصله الترمذي، وفي إسناده أبو يحيى القتات بقاف ومثناتين وهو ضعيف مشهور بكنيته، واختلف في اسمه على ستة أقوال أو سبعة أشهرها دينار. قوله: "وجرهد" بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء، وحديثه موصول عند مالك في الموطأ والترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وضعفه المصنف في التاريخ للاضطراب في إسناده، وقد ذكرت كثيرا من طرقه في تعليق التعليق.
(1/478)

13 - باب فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي الثِّيَابِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ لَوْ وَارَتْ جَسَدَهَا فِي ثَوْبٍ لاَجَزْتُهُ
372- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ "أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْفَجْرَ فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ فِي مُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ"
[الحديث372- أطرافه في:872,867,578]
قوله: "باب" بالتنوين "في كم" بحذف المميز أي كم ثوبا "تصلي المرأة" من الثياب، قال ابن المنذر بعد أن حكى عن الجمهور أن الواجب على المرأة أن تصلي في درع وخمار: المراد بذلك تغطية بدنها ورأسها، فلو كان الثوب واسعا فغطت رأسها بفضله جاز. قال: وما رويناه عن عطاء أنه قال: "تصلي في درع وخمار وإزار " وعن ابن سيرين مثله وزاد: "وملحفة " فإني أظنه محمولا على الاستحباب. قوله: "وقال عكرمة" يعني مولى ابن عباس. قوله: "جاز" وفي رواية الكشميهني: "لأجزته " بفتح الجيم وسكون الزاي، وأثره هذا وصله عبد الرزاق ولفظه: "لو أخذت المرأة ثوبا فتقنعت به حتى لا يرى من شعرها شيء أجزأ عنها". قوله: "أن عائشة قالت: لقد" اللام في لقد جواب قسم محذوف. قوله: "متلفعات" قال الأصمعي: التلفع أن تشتمل بالثوب حتى تجلل به جسدك، وفي شرح الموطأ لابن حبيب: التلفع لا يكون إلا بتغطية الرأس، والتلفف يكون بتغطية الرأس وكشفه، و "المروط" جمع مرط بكسر أوله، كساء من خز أو صوف أو غيره. وعن النضر بن شميل ما يقتضى أنه خاص بلبس النساء. وقد اعترض على استدلال المصنف به على جواز صلاة المرأة في الثوب الواحد بأن الالتفاع المذكور يحتمل أن يكون فوق ثياب أخرى. والجواب عنه أنه تمسك بأن الأصل عدم الزيادة على ما ذكر، على أنه لم يصرح بشيء إلا أن اختياره يؤخذ في العادة من الآثار التي يودعها في الترجمة. قوله: "ما يعرفهن أحد" زاد في المواقيت " من الغلس " وهو يعين أحد الاحتمالين: هل عدم المعرفة بهن لبقاء الظلمة أو لمبالغتهن في التغطية؟ وسيأتي الكلام على بقية مباحثه في المواقيت إن شاء الله تعالى.
(1/482)

14 - باب إِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلاَمٌ وَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا
373- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قال
(1/482)

باب إذا صلى في ثوب مصلب أوتصاوير هل تفسده صلاته ؟ وماينهى عن ذلك
...
15 - باب إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ تَصَاوِيرَ هَلْ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ؟ وَمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ
374- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاَتِي"
[الحديث 374- طرفه في:5959]
قوله: "باب إن صلى في ثوب مصلب" بفتح اللام المشددة، أي فيه صلبان منسوجة أو منقوشة أو تصاوير، أي في ثوب ذي تصاوير، كأنه حذف المضاف لدلالة المعنى عليه. وقال الكرماني: هو عطف على ثوب لا على مصلب، والتقدير أو صلى في تصاوير. ووقع عند الإسماعيلي: "أو بتصاوير " وهو يرجح الاحتمال الأول، وعند أبي نعيم " في ثوب مصلب أو مصور". قوله: "هل تفسد صلاته" جرى المصنف على قاعدته في ترك الجزم فيما فيه اختلاف، وهذا من المختلف فيه. وهذا مبني على أن النهي هل يقتضي الفساد أم لا؟ والجمهور إن كان لمعنى في نفسه اقتضاه، وإلا فلا. قوله: "وما ينهى من ذلك" أي وما ينهى عنه من ذلك. وفي رواية غير أبي ذر " وما ينهى عن ذلك " وظاهر حديث الباب لا يوفى بجميع ما تضمنته الترجمة إلا بعد التأمل، لأن الستر وإن كان ذا تصاوير لكنه لم يلبسه ولم يكن مصلبا ولا نهي عن الصلاة فيه صريحا. والجواب أما أو لا فإن منع لبسه بطريق الأولى، وأما ثانيا فبإلحاق المصلب بالمصور لاشتراكهما في أن كلا منهما قد عبد من دون الله تعالى. وأما ثالثا فالأمر بالإزالة مستلزم للنهي عن الاستعمال. ثم ظهر لي أن المصنف أراد بقوله مصلب الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق هذا الحديث كعادته، وذلك فيما أخرجه في اللباس من طريق عمران عن عائشة قالت: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا نقضه". وللإسماعيلي: "سترا أو ثوبا". قوله: "عبد الوارث" هو ابن سعيد، والإسناد كله بصريون. قوله: "قرام" بكسر القاف وتخفيف الراء: ستر رقيق من صوف ذو ألوان. قوله: "أميطي" أي أزيلي وزنا ومعنى. قوله: "لا تزال تصاوير" كذا في روايتنا، وللباقين بإثبات الضمير، والهاء في روايتنا في " فإنه " ضمير الشأن، وعلى الأخرى يحتمل أن تعود على الثوب. قوله: "تعرض" بفتح أوله وكسر الراء أي تلوح، وللإسماعيلي: "تعرض " بفتح العين وتشديد الراء، أصله تتعرض. ودل الحديث على أن الصلاة لا تفسد بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقطعها ولم يعدها، وسيأتي في كتاب اللباس بقية الكلام على طرق حديث عائشة في هذا، والتوفيق بين ما ظاهره الاختلاف منها إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
(1/484)

16 - باب مَنْ صَلَّى فِي فَرُّوجِ حَرِيرٍ ثُمَّ نَزَعَهُ
375- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ
(1/484)

17 - باب الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الأَحْمَرِ
376- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ وَرَأَيْتُ بِلاَلًا أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ بِلاَلًا أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ الْعَنَزَةِ"
قوله: "باب الصلاة في الثوب الأحمر" يشير إلى الجواز، والخلاف في ذلك مع الحنفية فإنهم قالوا يكره، وتأولوا حديث الباب بأنها كانت حلة من برود فها خطوط حمر، ومن أدلتهم ما أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال: "مر بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل وعليه ثوبان أحمران، فسلم عليه فلم يرد عليه " وهو حديث ضعيف الإسناد، وإن وقع في بعض نسخ الترمذي أنه قال حديث حسن لأن في سنده كذا، وعلى تقدير أن يكون مما يحتج به فقد عارضه ما هو أقوى منه وهو واقعة عين، فيحتمل أن يكون ترك الرد عليه بسبب آخر. وحمله البيهقي على ما صبغ بعد النسخ. وأما ما صبغ غزله ثم نسج فلا كراهية فيه. وقال ابن التين: زعم بعضهم أن لبس النبي صلى الله عليه وسلم لتلك الحلة كان من أجل الغزو، وفيه نظر لأنه كان عقب حجة الوداع ولم يكن له إذ ذاك غزو. قوله: "أخذ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم" بفتح الواو، أي الماء الذي توضأ به، وقد تقدم استدلال المصنف به على طهارة الماء المستعمل، ويأتي باقي مباحثه في أبواب السترة إن شاء الله تعالى.
(1/485)

18- باب الصَّلاَةِ فِي السُّطُوحِ وَالْمِنْبَرِ وَالْخَشَبِ
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجُمْدِ وَالْقَنَاطِرِ وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ أَمَامَهَا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ. وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى سَقْفِ الْمَسْجِدِ بِصَلاَةِ الإِمَامِ وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى الثَّلْجِ
377- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ قَالَ: "سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ الْمِنْبَرُ فَقَالَ مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ أَعْلَمُ مِنِّي هُوَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ عَمِلَهُ فُلاَنٌ مَوْلَى فُلاَنَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عُمِلَ وَوُضِعَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ كَبَّرَ وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالأَرْضِ فَهَذَا شَأْنُهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ سَأَلَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَعْلَى مِنْ النَّاسِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ أَعْلَى مِنْ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَقُلْتُ إِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذَا كَثِيرًا فَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْهُ؟ قَالَ لاَ"
[الحديث377- أطرافه في:2569,2094,917,448]
قوله: "باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب" يشير بذلك إلى الجواز، والخلاف في ذلك عن بعض التابعين وعن المالكية في المكان المرتفع لمن كان إماما. قوله: "قال أبو عبد الله" هو المصنف، والحسن هو البصري، والجمد بفتح الجيم وسكون الميم بعدها دال مهملة: الماء إذا جمد، وهو مناسب لأثر ابن عمر الآتي أنه صلى على الثلج، وحكى ابن قرقول أن رواية الأصيلي وأبي ذر بفتح الميم، قال القزاز: الجمد محرك الميم هو الثلج، نقل ابن التين عن الصحاح: الجمد بضم الجيم والميم وبسكون الميم أيضا مثل عسر وعسر المكان الصلب المرتفع. قلت: وليس ذلك مرادا هنا، بل صوب ابن قرقول وغيره الأول لأنه المناسب للقناطر لاشتراكهما في أن كلا منهما قد يكون تحته ما ذكر من البول وغيره، والغرض أن إزالة النجاسة يختص بما لاقى المصلي، أما مع الحائل فلا. قوله: "وصلى أبو هريرة على ظهر المسجد"، وللمستملي: "على سقف". وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة من طريق صالح مولى التوأمة قال: "صليت مع أبي هريرة فوق المسجد بصلاة الإمام " وصالح فيه ضعف، لكن رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن أبي هريرة فاعتضد. قوله: "حدثنا علي بن عبد الله" هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وأبو حازم هو ابن دينار. قوله: "ما بقي بالناس" وللكشميهني في الناس "أعلم مني" أي بذلك. قوله: "من أثل" بفتح الهمزة وسكون المثلثة شجر معروف، والغابة بالمعجمة والموحدة موضع معروف من عوالي المدينة. قوله: "عمله فلان مولى فلانة" اختلف في اسم النجار المذكور كما سيأتي في الجمعة، وأقربها ما رواه أبو سعيد في " شرف المصطفى " من طريق ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عباس بن سهل عن أبيه قال: كان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون فذكر قصة المنبر. وأما المرأة فلا يعرف اسمها لكنها أنصارية. ونقل ابن التين عن مالك: أن النجار كان مولى لسعد بن عبادة، فيحتمل أن يكون في الأصل مولى امرأته ونسب إليه مجازا، واسم امرأته فكيهة بنت عبيد بن دليم،
(1/486)

وهي ابنة عمه، أسلمت وبايعت، فيحتمل أن تكون هي المرادة. لكن رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن ابن عيينة فقال: مولى لبني بياضة. وأما ما وقع في الدلائل لأبي موسى المديني نقلا عن جعفر المستغفري أنه قال: في أسماء النساء من الصحابة علاثة بالعين المهملة وبالمثلثة، ثم ساق هذا الحديث من طريق يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال: وفيه أرسل إلى علاثة امرأة قد سماها سهل، فقد قال أبو موسى: صحف فيه جعفر أو شيخه، وإنما هو " فلانة"، انتهى. ووقع عند الكرماني قيل: اسمها عائشة، وأظنه صحف المصحف، ولو ذكر مستنده في ذلك لكان أولى. ثم وجدت في الأوسط للطبراني من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن يصلي إلى سارية في المسجد ويخطب إليها ويعتمد عليها، فأمرت عائشة فصنعت له منبره هذا، فذكر الحديث وإسناده ضعيف. ولو صح لما دل على أن عائشة هي المرادة في حديث سهل هذا إلا بتعسف، والله أعلم. والغرض من إيراد هذا الحديث في هذا الباب جواز الصلاة على المنبر، وفيه جواز اختلاف موقف الإمام والمأموم في العلو والسفل، وقد صرح بذلك المصنف في حكايته عن شيخه علي بن المديني عن أحمد بن حنبل. ولابن دقيق العيد في ذلك بحث، فإنه قال: من أراد أن يستدل به على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم، لأن اللفظ لا يتناوله، ولانفراد الأصل بوصف معتبر تقتضي المناسبة اعتباره فلا بد منه، وفيه دليل على جواز العمل اليسير في الصلاة كما سيأتي في موضعه. قوله: "قال فقلت" أي قال علي لأحمد بن حنبل. قوله: "فلم تسمعه منه؟ قال: لا" صريح في أن أحمد بن حنبل لم يسمع هذا الحديث من ابن عيينة. وقد راجعت مسنده فوجدته قد أخرج فيه عن ابن عيينة بهذا الإسناد من هذا الحديث قول سهل " كان المنبر من أثل الغابة " فقط، فتبين أن المنفي في قوله: "فلم تسمعه منه؟ قال: لا " جميع الحديث لا بعضه، والغرض منه هنا وهو صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر داخل في ذلك البعض، فلذلك سأل عنه عليا، وله عنده طريق أخرى من رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه. وفي الحديث جواز الصلاة على الخشب، وكره ذلك الحسن وابن سيرين، أخرجه ابن أبي شيبة عنهما. وأخرج أيضا عن ابن مسعود وابن عمر نحوه وعن مسروق أنه كان يحمل لبنة ليسجد عليها إذا ركب السفينة، وعن ابن سيرين نحوه. والقول بالجواز هو المعتمد.
378- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ أَوْ كَتِفُهُ وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ" فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ" إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ"
[الحديث378- أطرافه في: 6684,5289,5201,2469,1911,1114,805,733,732,689]
قوله: "حدثنا محمد بن عبد الرحيم" هو الحافظ المعروف بصاعقة. قوله: "عن أنس" في رواية سعيد بن منصور عن هشيم عن حميد " حدثنا أنس". قوله: "فجحشت" بضم الجيم وكسر المهملة بعدها شين معجمة، والجحش الخدش أو أشد منه قليلا. قوله: "ساقه أو كتفه" شك من الراوي. وفي رواية بشر بن المفضل عن حميد عند
(1/487)

الإسماعيلي: "انفكت قدمه " وفي رواية الزهري عن أنس في الصحيحين " فجحش شقه الأيمن " وهي أشمل مما قبلها. قوله: "وآلى من نسائه" أي حلف لا يدخل عليهن شهرا، وليس المراد به الإيلاء المتعارف بين الفقهاء. قوله: "مشربة" بفتح أوله وسكون المعجمة وبضم الراء ويجوز فتحها، هي الغرفة المرتفعة. قوله: "من جذوع" كذا للأكثر بالتنوين بغير إضافة، وللكشميهني من جذوع النخل، والغرض من هذا الحديث هنا صلاته صلى الله عليه وسلم في المشربة، وهي معمولة من الخشب، قاله ابن بطال. وتعقب بأنه لا يلزم من كون درجها من خشب أن تكون كلها خشبا، فيحتمل أن يكون الغرض منه بيان جواز الصلاة على السطح إذ هي سقف في الجملة. وسيأتي الكلام على بقية فوائده في أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى.
(1/488)

19 - باب إِذَا أَصَابَ ثَوْبُ الْمُصَلِّي امْرَأَتَهُ إِذَا سَجَدَ
379- حدثنا مسدد عن خالد قال حدثنا سليمان الشيباني عن عبد الله بن شداد عن ميمونة قالت "كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأناحذاءه وأنا حائض, وربما أصابني ثوبه إذا سجد "قالت "وكان يصلي على الخمرة"
قوله: "باب إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد" أي هل تفسد صلاته أم لا؟ والحديث دال على الصحة. قوله: "عن خالد" هو ابن عبد الله الواسطي، وسليمان الشيباني هو أبو إسحاق مشهور بكنيته. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في الطهارة، واستدل به هناك على أن عين الحائض طاهرة، وهنا على أن ملاقاة بدن الطاهر وثيابه لا تفسد الصلاة ولو كان متلبسا بنجاسة حكمية. وفيه إشارة إلى أن النجاسة إذا كانت عينية قد تضر، وفيه أن محاذاة المرأة لا تفسد الصلاة. قوله: "وكان يصلي على الخمرة" وقد تقدم ضبطها في آخر كتاب الحيض. قال ابن بطال: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة عليها إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتي بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه، ولعله كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض، وكذا روى عن غير عروة، ويحتمل أن يحمل على كراهة التنزيه، والله أعلم.
(1/488)

20 - باب الصَّلاَةِ عَلَى الْحَصِيرِ
وَصَلَّى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سَعِيدٍ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا وَقَالَ الْحَسَنُ قَائِمًا مَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ تَدُورُ مَعَهَا وَإِلاَ فَقَاعِدًا
380- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ "قُومُوا" فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ"
[الحديث 380- أطرافه في: 1164,874,871,860,727]
قوله: "باب الصلاة على الحصير" قال ابن بطال: إن كان ما يصلى عليه كبيرا قدر طول الرجل فأكثر فإنه يقال له
(1/488)

3 - باب الصَّلاَةِ عَلَى الْخُمْرَةِ
381- حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة قال حدثنا سليمان الشيباني عن عبد الله بن شداد عن ميمونة قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة"
قوله: "باب الصلاة على الخمرة" تقدم الكلام عليها قريبا وأن ضبطها تقدم في أواخر الحيض، وكأنه أفردها بترجمة لكون شيخه أبي الوليد حدثه بالحديث مختصرا. والله أعلم.
(1/491)

22 - باب الصَّلاَةِ عَلَى الْفِرَاشِ وَصَلَّى أَنَسٌ عَلَى فِرَاشِهِ
وَقَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْجُدُ أَحَدُنَا عَلَى ثَوْبِهِ
382- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ "كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلاَيَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا قَالَتْ وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ"
[الحديث382- أطرافه في:6276,1209,997,519,515,514,513,512,511,508,384,3 83]
قوله: "باب الصلاة على الفراش" أي سواء كان ينام عليه مع امرأته أم لا، وكأنه يشير إلى الحديث الذي رواه أبو داود وغيره من طريق الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي في لحفنا " وكأنه أيضا لم يثبت عنده، أو رآه شاذا مردودا، وقد بين أبو داود علته. قوله: "وصلى أنس" وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور كلاهما عن ابن المبارك عن حميد قال: "كان أنس يصلي على فراشه". قوله: "وقال أنس: كنا نصلي" كذا للأكثر، وسقط " أنس " من رواية الأصيلي فأوهم أنه بقية من الذي قبله، وليس كذلك بل هو حديث آخر كما سيأتي موصولا في الباب الذي بعده بمعناه. ورواه مسلم من الوجه المذكور وفيه اللفظ المعلق هنا
(1/491)

باب السجود على الثوب من شدة الحر
...
3 - باب السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ
وَقَالَ الْحَسَنُ كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنِي غَالِبٌ الْقَطَّانُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ"
[الحديث385- طرفاه في:1208,542]
(1/492)

قوله: "باب السجود على الثوب في شدة الحر" التقييد بشدة الحر للمحافظة على لفظ الحديث، وإلا فهو في البرد كذلك، بل القائل بالجواز لا يقيده بالحاجة. قوله: "وقال الحسن: كان القوم" أي الصحابة كما سيأتي بيانه. قوله: "والقلنسوة" بفتح القاف واللام وسكون النون وضم المهملة وفتح الواو، وقد تبدل ياء مثناة من تحت، وقد تبدل ألفا وتفتح السين فيقال قلنساة، وقد تحذف النون من هذه بعدها هاء تأنيث: غشاء مبطن يستر به الرأس قاله القزاز في شرح الفصيح. وقال ابن هشام: هي التي يقال لها العمامة الشاشية، وفي المحكم: هي من ملابس الرأس معروفة. وقال أبو هلال العسكري: هي التي تغطى بها العمائم وتستر من الشمس والمطر، كأنها عنده رأس البرنس. قوله: "ويداه" أي يد كل واحد منهم، وكأنه أراد بتغيير الأسلوب بيان أن كل واحد منهم ما كان يجمع بين السجود على العمامة والقلنسوة معا، لكن في كل حالة كان يسجد ويداه في كمه. ووقع في رواية الكشميهني: "ويديه في كمه " وهو منصوب بفعل مقدر، أي ويجعل يديه. وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن الحسن " أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته " وهكذا رواه ابن أبي شيبة من طريق هشام.
قوله: "حدثنا غالب القطان"، وللأكثر " حدثني " بالإفراد، والإسناد كله بصريون. قوله: "طرف الثوب" ولمسلم بسط ثوبه [وكذا] للمصنف في أبواب العمل في الصلاة، وله من طريق خالد بن عبد الرحمن عن غالب " سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر " والثوب في الأصل يطلق على غير المخيط. وقد يطلق على المخيط مجازا. وفي الحديث جواز استعمال الثياب وكذا غيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض لاتقاء حرها وكذا بردها. وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هو الأصلي لأنه علق بسط الثوب بعدم الاستطاعة. واستدل به على إجازة السجود على الثوب المتصل بالمصلي، قال النووي: وبه قال أبو حنيفة والجمهور، وحمله الشافعي على الثوب المنفصل. انتهى. وأيد البيهقي هذا الحمل بما رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ: "فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه " قال: فلو جاز السجود على شيء متصل به لما احتاجوا إلى تبريد الحصى مع طول الأمر فيه. وتعقب باحتمال أن يكون الذي كان يبرد الحصى لم يكن في ثوبه فضلة يسجد عليها مع بقاء سترته له. وقال ابن دقيق العيد: يحتاج من استدل به على الجواز إلى أمرين: أحدهما أن لفظ: "ثوبه " دال على المتصل به، إما من حيث اللفظ وهو تعقيب السجود بالبسط يعني كما في رواية مسلم، وإما من خارج اللفظ وهو قلة الثياب عندهم. وعلى تقدير أن يكون كذلك - وهو الأمر الثاني - يحتاج إلى ثبوت كونه متناولا لمحل النزاع، وهو أن يكون مما يتحرك بحركة المصلي، وليس في الحديث ما يدل عليه. والله أعلم. وفيه جواز العمل القليل في الصلاة، ومراعاة الخشوع فيها، لأن الظاهر أن صنيعهم ذلك لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض. وفيه تقديم الظهر في أول الوقت، وظاهر الأحاديث الوارد في الأمر بالإبراد كما سيأتي في المواقيت يعارضه، فمن قال الإبراد رخصة فلا إشكال، ومن قال سنة فإما أن يقول التقديم المذكور رخصة، وإما أن يقول منسوخ بالأمر بالإبراد. وأحسن منهما أن يقال: إن شدة الحر قد توجد مع الإبراد فيحتاج إلى السجود على الثوب أو إلى تبريد الحصى لأنه قد يستمر حره بعد الإبراد، وتكون فائدة الإبراد وجود ظل يمشي فيه إلى المسجد أو يصلي فيه في المسجد، أشار إلى هذا الجمع القرطبي ثم ابن دقيق العيد، وهو أولى من دعوى تعارض الحديثين. وفيه أن قول الصحابي " كنا نفعل كذا " من قبيل المرفوع لاتفاق الشيخين
(1/493)

على تخريج هذا الحديث في صحيحيهما بل ومعظم المصنفين، لكن قد يقال إن في هذا زيادة على مجرد الصيغة لكونه في الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان يرى فيها من خلفه كما يرى من أمامه فيكون تقريره فيه مأخوذا من هذه الطريق لا من مجرد صيغة " كنا نفعل"
(1/494)

24 - باب الصَّلاَةِ فِي النِّعَالِ
386- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الأَزْدِيُّ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ قَالَ "نَعَمْ"
[الحديث386- طرفه في: 5850]
قوله: "باب الصلاة في النعال" بكسر النون جمع نعل، وهي معروفة. ومناسبته لما قبله من جهة جواز تغطية بعض أعضاء السجود. قوله: "يصلي في نعليه" قال ابن بطال: هو محمول على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة، ثم هي من الرخص كما قال ابن دقيق العيد لا من المستحبات، لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة، وهو وإن كان من ملابس الزينة إلا أن ملامسته الأرض التي تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة، وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية لأنها من باب دفع المفاسد، والأخرى من باب جلب المصالح. قال: إلا أن يرد دليل بإلحاقة بما يتجمل به فيرجع إليه ويترك هذا النظر. قلت: قد روى أبو داود والحاكم من حديث شداد بن أوس مرفوعا: "خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم " فيكون استحباب ذلك من جهة قصد المخالفة المذكورة. وورد في كون الصلاة في النعال من الزينة المأمور بأخذها في الآية حديث ضعيف جدا أورده ابن عدي في الكامل وابن مردوية في تفسيره من حديث أبي هريرة والعقيلي من حديث أنس.
(1/494)

25 - باب الصَّلاَةِ فِي الْخِفَافِ
387- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ "رَأَيْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فَسُئِلَ فَقَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ مِثْلَ هَذَا" قَالَ إِبْرَاهِيمُ "فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ لِأَنَّ جَرِيرًا كَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ"
قوله: "باب الصلاة في الخفاف" يحتمل أنه أراد الإشارة بإيراد هذه الترجمة هنا إلى حديث شداد ابن أوس المذكور لجمعه بين الأمرين. قوله: "سمعت إبراهيم" هو النخعي، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين كوفيون إبراهيم وشيخه والراوي عنه. قوله: "ثم قام فصلى"، ظاهر في أنه صلى في خفيه لأنه لو نزعهما بعد المسح لوجب غسل رجليه، ولو غسلهما لنقل. قوله: "فسئل"، وللطبراني من طريق جعفر بن الحارث عن الأعمش أن السائل له عن ذلك هو همام المذكور، وله من طريق زائدة عن الأعمش " فعاب عليه ذلك رجل من القوم". قوله: "قال إبراهيم فكان يعجبهم" زاد مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش " كان يعجبهم هذا الحديث: "ومن طريق عيسى بن يونس عنه " فكان أصحاب عبد الله بن مسعود يعجبهم". قوله: "من آخر من أسلم" ولمسلم: "لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة "
(1/494)

اخت مسلمة
06-09-2009, 11:06 PM
- باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ398- أخبرنا الصلت بن محمد أخبرنا مهدي عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة رأى رجلا لايتم ركوعه ولاسجوده, فلما قضى صلاته قال له حذيفة: "ماصليت. قال:وأحسبه قال لو مت مت على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم"
[الحديث 389- طرفاه في: 808,7914]
قوله: "باب إذا لم يتم للسجود" كذا وقع عند أكثر الرواة هذه الترجمة وحديث حذيفة فيها والترجمة التي بعدها وحديث ابن بحينة فيها موصولا ومعلقا، ووقعتا عند الأصيلي قبل " باب الصلاة في النعال " ولم يقع عند المستملي شيء من ذلك وهو الصواب، لأن جميع ذلك سيأتي في مكانه اللائق به، وهو أبواب صفة الصلاة. ولولا أنه ليس من عادة المصنف إعادة الترجمة وحديثها معا لكان يمكن أن يقال مناسبة الترجمة الأولى لأبواب ستر العورة الإشارة إلى أن من ترك شرطا لا تصح صلاته كمن ترك ركنا. ومناسبة الترجمة الثانية الإشارة إلى أن المجافاة في السجود لا تستلزم عدم ستر العورة فلا تكون مبطلة للصلاة، وفي الجملة إعادة هاتين الترجمتين هنا وفي أبواب السجود الحمل فيه عندي على النساخ بدليل سلامة رواية المستملي من ذلك وهو أحفظهم.

27 - باب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ
390- أخبرنا يحيى بن بكير حدثنا بكر بن مضر عن جعفر عن بن هرمز عن عبد الله بن مالك بن حبينة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه"
وقال الليث: "حدثني خعفر بن ربيعة نحوه"
[الحديث 390- طرفاه في:3564,807]
قوله: "باب يبدي ضبعيه الخ" تقدم القول فيه قبل كما ترى.
"خاتمة" اشتملت أبواب ستر العورة وما قبلها من ذكر ابتداء فرض الصلاة من الأحاديث المرفوعة على تسعة وثلاثين حديثا، فإن أضفت إليها حديثي الترجمتين المذكورتين صارت أحدا وأربعين حديثا، المكرر منها فيها وفيما تقدم خمسة عشر حديثا، وفيها من المعلقات أربعة عشر حديثا، وإن أضفت إليها المعلق في الترجمة الثانية صارت خمسة عشر حديثا، عشرة منها أو أحد عشر مكررة، وأربعة لا توجد فيه إلا معلقة وهي حديث سلمة بن الأكوع يزره ولو بشوكة، وأحاديث ابن عباس وجرهد وابن جحش في الفخذ، وافقه مسلم على جميعها سوى هذه الأربعة وسوى حديث أنس في قرام لعائشة وحديث عكرمة عن أبي هريرة في الأمر بمخالفة طرفي الثوب، وفيه من الآثار الموقوفة أحد عشر أثرا كلها معلقة إلا أثر عمر " إذا وسع الله عليكم فوسعوا على أنفسكم " فإنه موصول.
28 - باب فَضْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "باب فضل استقبال القبلة.
391- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمَهْدِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ"
[الحديث 391- طرفاه في:393,392]
يستقبل بأطراف رجليه القبلة - قاله أبو حميد" يعني الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني في صفة صلاته كما سيأتي بعد موصولا من حديثه، والمراد بأطراف رجليه رءوس أصابعها، وأراد بذكره هنا بيان مشروعية الاستقبال بجميع ما يمكن من الأعضاء. قوله: "حدثنا عمرو بن عباس" بالموحدة ثم المهملة، وميمون بن سياه بكسر المهملة وتخفيف التحتانية ثم هاء منونة ويجوز ترك صرفه، وهو فارسي معرب معناه الأسود، وقيل عربي. قوله: "ذمة الله" أي أمانته وعهده. قوله: "فلا تخفروا" بالضم من الرباعي، أي لا تغدروا، يقال أخفرت إذا غدرت، وخفرت إذا حميت، ويقال إن الهمزة في أخفرت للإزالة، أي تركت حمايته. قوله: "فلا تخفروا الله في ذمته" أي ولا رسوله، وحذف لدلالة السياق عليه، أو لاستلزام المذكور المحذوف، وقد أخذ بمفهومه من ذهب إلى قتل تارك الصلاة، وله موضع غير هذا. وفي الحديث تعظيم شأن القبلة، وذكر الاستقبال بعد الصلاة للتنويه به، وإلا فهو داخل في الصلاة لكونه من شروطها. وفيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك.
392- حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ" قوله: "حدثنا نعيم" هو ابن حماد الخزاعي، ووقع في رواية حماد بن شاكر عن البخاري " قال نعيم ابن حماد " وفي رواية كريمة والأصيلي: "قال ابن المبارك " بغير ذكر نعيم، وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج، وقد وقع لنا من طريق نعيم موصولا في سنن الدارقطني، وتابعه حماد بن موسى وسعيد بن يعقوب وغيرهما عن ابن المبارك. قوله: "حتى يقولوا لا إله إلا الله" اقتصر عليها ولم يذكر الرسالة وهي مرادة كما تقول قرأت الحمد وتريد السورة كلها، وقيل أول الحديث ورد في حق من جحد التوحيد فإذا أقر به صار كالموحد من أهل الكتاب يحتاج إلى الإيمان بما جاء به الرسول، فلهذا عطف الأفعال المذكورة عليها فقال: "وصلوا صلاتنا الخ " والصلاة الشرعية متضمنة للشهادة بالرسالة، وحكمة الاقتصار على ما ذكر من الأفعال أن من يقر بالتوحيد من أهل الكتاب وإن صلوا واستقبلوا وذبحوا لكنهم لا يصلون مثل صلاتنا ولا يستقبلون قبلتنا، ومنهم من يذبح لغير الله، ومنهم من لا يأكل ذبيحتنا، ولهذا قال في الرواية الأخرى " وأكل ذبيحتنا " والاطلاع على حال المرء في صلاته وأكله يمكن بسرعة في أول يوم، بخلاف غير ذلك من أمور الدين. قوله: "فقد حرمت" فتح أوله وضم الراء، ولم أره في شيء من الروايات بالتشديد، وقد تقدمت سائر مباحثه في " باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة " من كتاب الإيمان.
393- قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ سَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا يُحَرِّمُ دَمَ الْعَبْدِ وَمَالَهُ فَقَالَ "مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلاَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ"
قوله: "وقال علي بن عبد الله" و ابن المديني، وفائدة إيراد هذا الإسناد تقوية رواية ميمون بن سياه لمتابعة حميد له. قوله: "وما يحرم" بالتشديد هو معطوف على شيء محذوف، كأنه سأل عن شيء قبل هذا وعن هذا، والواو استئنافية وسقطت من رواية الأصيلي وكريمة، ولما لم يكن في قول حميد " سأل ميمون أنسا " التصريح بكونه حضر ذلك عقبه بطريق يحيى بن أيوب التي فيها تصريح حميد بأن أنسا حدثهم لئلا يظن أنه دلسه، ولتصريحه أيضا بالرفع، وإن كان للأخرى حكمة. وقد روينا طريق يحيى بن أيوب موصولة في الإيمان لمحمد بن نصر ولابن منده وغيرهما من طريق ابن أبي مريم المذكور. وأعل الإسماعيلي طريق حميد المذكورة فقال: الحديث حديث ميمون، وحميد إنما سمعه منه، واستدل على ذلك برواية معاذ بن معاذ عن حميد عن ميمون قال: سألت أنسا، قال وحديث يحيى بن أيوب لا يحتج به - يعني في التصريح بالتحديث - قال: لأن عادة المصريين والشاميين ذكر الخبر فيما يروونه. قلت هذا التعليل مردود، ولو فتح هذا الباب، لم يوثق برواية مدلس أصلا ولو صرح بالسماع، والعمل على خلافه. ورواية معاذ لا دليل فيها على أن حميدا لم يسمعه من أنس لأنه لا مانع أن يسمعه من أنس ثم يستثبت فيه من ميمون - لعلمه بأنه كان السائل عن ذلك - فكان حقيقا بضبطه فكان حميد تارة يحدث به عن أنس لأجل العلو، وتارة عن ميمون لكونه ثبته فيه، وقد جرت عادة حميد بهذا يقول: "حدثني أنس وثبتني فيه ثابت " وكذا وقع لغير حميد.
29 - باب قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّأْمِ وَالْمَشْرِقِ لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلاَ فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا"
394- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا " قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَدِمْنَا الشَّأْمَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
قوله: "باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق" نقل عياض أن رواية الأكثر ضم قاف المشرق فيكون معطوفا على باب، ويحتاج إلى تقدير محذوف، والذي في روايتنا بالخفض، ووجه السهيلي رواية الضم بأن الحامل على ذلك كون حكم المشرق في القبلة مخالفا لحكم المدينة، بخلاف الشام فإنه موافق. وأجاب ابن رشيد بأن المراد بيان حكم القبلة من حيث هو سواء توافقت البلاد أم اختلفت. قوله: "ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة" هذه جملة مستأنفة من تفقه المصنف، وقد نوزع في ذلك لأنه يحمل الأمر في قوله: "شرقوا أو غربوا " على عمومه، وإنما هو مخصوص بالمخاطبين وهم أهل المدينة، ويلحق بهم من كان على مثل سمتهم ممن إذا استقبل المشرق أو المغرب لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها، أما من كان في المشرق فقبلته في جهة المغرب وكذلك عكسه، وهذا معقول لا يخفى مثله على البخاري فيتعين تأويل كلامه بأن يكون مراده: ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة، أي لأهل المدينة والشام، ولعل هذا هو السر في تخصيصه المدينة والشام بالذكر. وقال ابن بطال: لم يذكر البخاري مغرب الأرض اكتفاء بذكر المشرق، إذ العلة مشتركة، ولأن المشرق أكثر الأرض المعمورة، ولأن بلاد الإسلام في جهة مغرب الشمس قليلة. انتهى. قوله: "وعن الزهري" يعني بالإسناد المذكور، والمراد أن سفيان حدث به عليا مرتين: مرة صرح بتحديث الزهري له وفيه عنعنة عطاء، ومرة أتى بالعنعنة عن الزهري وبتصريح عطاء بالسماع. وادعى بعضهم أن الرواية الثانية معلقة، وليس كذلك على ما قررته. وقال الكرماني: قال في الأول عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الثاني سمعت أبا أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الثاني أقوى لأن السماع أقوى من العنعنة والعنعنة أقوى من " أن " لكن فيه ضعف من جهة التعليق حيث قال: "وعن الزهري " انتهى، وفي دعواه ضعف " أن " بالنسبة إلي " عن " نظر، فكأنه قلد في ذلك نقل ابن الصلاح عن أحمد ويعقوب بن شيبة، وقد بين شيخنا في شرحه منظومته وهم ابن الصلاح في ذلك وأن حكمهما واحد، إلا أنه يستثنى من التعبير بأن ما إذا أضاف إليها قصة ما أدركها الراوي، وأما جزمه بكون السند الثاني معلقا فهو بحسب الظاهر وإلا فحمله على ما قبله ممكن، وقد رويناها في مسند إسحاق بن راهويه قال: حدثنا سفيان. فذكر مثل سياقها سواء، فعلى هذا فلا ضعف فيه أصلا. والله أعلم. وقد تقدمت فوائد المتن في أوائل كتاب الطهارة.
30 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [125 البقرة]
395- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ الْعُمْرَةَ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
[الحديث495- أطرافه في: 1793,1647,1645,1627,1623]
396- وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لاَ يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
[الحدبث أطرافه في:1794,1646,1624]
قوله: "باب قوله تعالى :{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} وقع في روايتنا " واتخذوا " بكسر الخاء على الأمر وهي إحدى القراءتين، والأخرى بالفتح على الخبر، والأمر دال على الوجوب، لكن انعقد الإجماع على جواز الصلاة إلى جميع جهات الكعبة فدل على عدم التخصيص، وهذا بناء على أن المراد بمقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه وهو موجود إلى الآن. وقال مجاهد: المراد بمقام إبراهيم الحرم كله، والأول أصح، وقد ثبت دليله عند مسلم من حديث جابر، وسيأتي عند المصنف أيضا. قوله: "مصلى" أي قبلة قاله الحسن البصري وغيره، وبه يتم الاستدلال. وقال مجاهد: أي مدعى يدعي عنده، ولا يصح حمله على مكان الصلاة لأنه لا يصلي فيه بل عنده، ويترجح قول الحسن بأنه جار على المعنى الشرعي، واستدل المصنف على عدم التخصيص أيضا بصلاته صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة، فلو تعين استقبال المقام لما صحت هناك لأنه كان حينئذ غير مستقبله، وهذا هو السر في إيراد حديث ابن عمر عن بلال في هذا الباب، وقد روى الأزرقي في " أخبار مكة " بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن، حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله حتى وجد بأسفل مكة، فأتى به فربط إلى أستار الكعبة حتى قدم عمر فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول فأعاده إليه وبنى حوله فاستقر ثم إلى الآن. قوله: "طاف بالبيت للعمرة" كذا للأكثر، وللمستملي والحموي " طاف بالبيت لعمرة " بحذف اللام من قوله: "للعمرة " ولا بد من تقديرها ليصح الكلام. قوله: "أيأتي امرأته" أي هل حل من إحرامه حتى يجوز له الجماع وغيره من محرمات الإحرام؟ وخص إتيان المرأة بالذكر لأنه أعظم المحرمات في الإحرام، وأجابهم ابن عمر بالإشارة إلى وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما في أمر المناسك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم " وأجابهم جابر بصريح النهي، وعليه أكثر الفقهاء، وخالف فيه ابن عباس فأجاز للمعتمر التحلل بعد الطواف وقبل السعي، وسيأتي بسط ذلك في موضعه من كتاب الحج إن شاء الله تعالى. والمناسب للترجمة من هذا الحديث قوله: "وصلى خلف المقام ركعتين " وقد يشعر بحمل الأمر في قوله: "واتخذوا " على تخصيص ذلك بركعتي الطواف، وقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك خلف المقام كما سيأتي في مكانه في الحج إن شاء الله تعالى.
397- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَيْفٍ يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا قَالَ: "أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ وَأَجِدُ بِلاَلًا قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَسَأَلْتُ بِلاَلًا فَقُلْتُ أَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ قَالَ "نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إِذَا دَخَلْتَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ"
[الحديث397- أطرافه في: 4400,4289,2988,1599,1598,1167,506,505,504,468]
قوله: "عن سيف" هو ابن سليمان أو ابن أبي سليمان المكي. قوله: "أتى ابن عمر" لم أقف على اسم الذي أخبره بذلك. قوله: "وأجد" بعد قوله: "فأقبلت" وكان المناسب للسياق أن يقول ووجدت، وكأنه عدل عن الماضي إلى المضارع استحضارا لتلك الصورة حتى كأن المخاطب يشاهدها. قوله: "قائما بين البابين" أي المصراعين وحمله الكرماني تجويزا على حقيقة التثنية وقال: أراد بالباب الثاني الذي لم تفتحه قريش حين بنت الكعبة باعتبار ما كان، أو كان إخبار الراوي بذلك بعد أن فتحه ابن الزبير، وهذا يلزم منه أن يكون ابن عمر وجد بلالا في وسط الكعبة، وفيه بعد. وفي رواية الحموي " بين الناس " بنون وسين مهملة وهي أوضح. قوله: "قال نعم ركعتين" أي صلى ركعتين، وقد استشكل الإسماعيلي وغيره هذا مع أن المشهور عن ابن عمر من طريق نافع وغيره عنه أنه قال: "ونسيت أن أسأله كم صلى " قال فدل على أنه أخبره بالكيفية وهي تعيين الموقف في الكعبة، ولم يخبره بالكمية، ونسى هو أن يسأله عنها، والجواب عن ذلك أن يقال: يحتمل أن ابن عمر اعتمد في قوله في هذه الرواية ركعتين على القدر المتحقق له، وذلك أن بلالا أثبت له أنه صلى ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل في النهار بأقل من ركعتين، فكانت الركعتان متحققا وقوعهما لما عرف بالاستقراء من عادته. فعلى هذا فقوله: "ركعتين " من كلام ابن عمر لا من كلام بلال. وقد وجدت ما يؤيد هذا ويستفاد منه جمعا آخر بين الحديثين، وهو ما أخرجه عمر بن شبة في " كتاب مكة " من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث: "فاستقبلني بلال فقلت: ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم هاهنا؟ فأشار بيده أي صلى ركعتين بالسبابة والوسطى؛ فعلى هذا فيحمل قوله: "نسيت أن أسأله كم صلى " على أنه لم يسأله لفظا ولم يجبه لفظا، وإنما استفاد منه صلاة الركعتين بإشارته لا بنطقه. وأما قوله في الرواية الأخرى " ونسيت أن أسأله كم صلى " فيحمل على أن مراده أنه لم يتحقق هل زاد على ركعتين أو لا. وأما قول بعض المتأخرين: يجمع بين الحديثين بأن ابن عمر نسى أن يسأل بلالا ثم لقيه مرة أخرى فسأله، ففيه نظر من وجهين: أحدهما أن الذي يظهر أن القصة - وهي سؤال ابن عمر عن صلاته في الكعبة - لم تتعدد، لأنه أتى في السؤال بالفاء المعقبة في الروايتين معا، فقال في هذه فأقبلت ثم قال فسألت بلالا. وقال في الأخرى فبدرت فسألت بلالا، فدل على أن السؤال عن ذلك كان واحدا في وقت واحد. ثانيهما أن راوي قول ابن عمر " ونسيت " هو نافع مولاه ويبعد مع طول ملازمته له إلى وقت موته أن يستمر على حكاية النسيان ولا يتعرض لحكاية الذكر أصلا. والله أعلم. وأما ما نقله عياض أن قوله: "ركعتين " غلط من يحيى بن سعيد القطان لأن ابن عمر قد قال: "نسيت أن أسأله
كم صلى " قال: وإنما دخل الوهم عليه من ذكر الركعتين بعد، فهو كلام مردود، والمغلط هو الغالط، فإنه ذكر الركعتين قبل وبعد فلم يهم من موضع إلى موضع، ولم ينفرد يحيى بن سعيد بذلك حتى يغلط، فقد تابعه أبو نعيم عند البخاري والنسائي، وأبو عاصم عند ابن خزيمة، وعمر بن علي عند الإسماعيلي، وعبد الله بن نمير عند أحمد كلهم عن سيف، ولم ينفرد به سيف أيضا فقد تابعه عليه خصيف عن مجاهد عند أحمد، ولم ينفرد به مجاهد عن ابن عمر فقد تابعه عليه ابن أبي مليكة عند أحمد والنسائي، وعمرو بن دينار عند أحمد أيضا باختصار، ومن حديث عثمان ابن أبي طلحة عند أحمد والطبراني بإسناد قوي، ومن حديث أبي هريرة عند البزار، ومن حديث عبد الرحمن ابن صفوان قال: "فلما خرج سألت من كان معه فقالوا: صلى ركعتين عند السارية الوسطى " أخرجه الطبراني بإسناد صحيح، ومن حديث شيبة بن عثمان قال: "لقد صلى ركعتين عند العمودين " أخرجه الطبراني بإسناد جيد، فالعجب من الإقدام على تغليط جبل من جبال الحفظ بقول من خفي عليه وجه الجمع بين الحديثين فقال بغير علم، ولو سكت لسلم. والله الموفق. قوله: "في وجه الكعبة" أي مواجه باب الكعبة. قال الكرماني: الظاهر من الترجمة أنه مقام إبراهيم - أي أنه كان عند الباب - قلت: قدمنا أنه خلاف المنقول عن أهل العلم بذلك، وقدمنا أيضا مناسبة الحديث للترجمة من غير هذه الحيثية، وهي أن استقبال المقام غير واجب، ونقل عن ابن عباس كما رواه الطبراني وغيره أنه قال: ما أحب أن أصلي في الكعبة، من صلى فيها فقد ترك شيئا منها خلفه، وهذا هو السر أيضا في إيراد حديث ابن عباس في هذا الباب.
398- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ "لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ"
[الحديث398- اطرافه في:4288,3352,3351,1601]
قوله: "إسحاق بن نصر" كذا وقع منسوبا في جميع الروايات التي وقفت عليها، وبذلك جزم الإسماعيلي وأبو نعيم وابن مسعود وغيرهم، وذكر أبو العباس الطرقي في الأطراف له أن البخاري أخرجه عن إسحاق غير منسوب، وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق شيخ إسحاق بن نصر فيه بإسناده هذا فجعله من رواية ابن عباس عن أسامة بن زيد، وكذلك رواه مسلم من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج وهو الأرجح، وسيأتي وجه التوفيق بين رواية بلال المثبتة لصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة وبين هذه الرواية النافية في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. قوله: "في قبل الكعبة" بضم القاف والموحدة وقد تسكن أي مقابلها أو ما استقبلك منها وهو وجهها، وهذا موافق لرواية ابن عمر السالفة. قوله: "هذه القبلة" الإشارة إلى الكعبة، قيل المراد بذلك تقرير حكم الانتقال عن بيت المقدس، وقيل المراد أن حكم من شاهد البيت وجوب مواجهة عينه جزما بخلاف الغائب، وقيل المراد أن الذي أمرتم باستقباله ليس هو الحرم كله ولا مكة ولا المسجد الذي حول الكعبة بل الكعبة نفسها، أو الإشارة إلى وجه الكعبة أي هذا موقف الإمام، ويؤيده ما رواه البزار من حديث عبد الله بن حبشي الخثعمي قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى باب الكعبة وهو يقول: أيها الناس، إن الباب قبلة البيت "(1) وهو محمول على الندب لقيام الإجماع على جواز استقبال البيت من جميع جهاته.والله أعلم.


- باب التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَكَبِّرْ".
قوله: "باب التوجه نحو القبلة حيث كان" أي حيث وجد الشخص في سفر أو حضر، والمراد بذلك في صلاة الفريضة كما يتبين ذلك في الحديث الثاني في الباب وهو حديث جابر. قوله: "وقال أبو هريرة" هذا طرف من حديثه في قصة المسيء صلاته، وقد ساقه المصنف بهذا اللفظ في كتاب الاستئذان.
399- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ وَهُمْ الْيَهُودُ {مَا وَلاَهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الأَنْصَارِ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فَتَحَرَّفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ"
قوله: "عن البراء" تقدم في " باب الصلاة من الإيمان " من كتاب الإيمان بيان من رواه عن أبي إسحاق مصرحا بتحديث البراء له. قوله: "وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة" جاء بيان ذلك فيما أخرجه الطبري وغيره من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة - واليهود أكثر أهلها - يستقبلون بيت المقدس أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فنزلت. ومن طريق مجاهد قال: إنما كان يحب أن يتحول إلى الكعبة لأن اليهود قالوا: يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا، فنزلت. وظاهر حديث ابن عباس هذا أن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد الهجرة إلى المدينة، لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه " والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر صلى الله عليه وسلم لما هاجر أن يستمر على الصلاة لبيت المقدس. وأخرج الطبراني(2) من طريق ابن جريج قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج، ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا، ثم وجهه الله إلى الكعبة. فقوله في حديث ابن عباس الأول " أمره الله " يرد قول من قال إنه صلى إلى بيت المقدس باجتهاد. وقد أخرجه الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف، وعن أبي العالية أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس يتألف أهل الكتاب، وهذا لا ينفي أن يكون بتوقيف. قوله: "نحو بيت المقدس" أي بالمدينة قد تقدم في " باب الصلاة
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: في نسخة "قبلة ابراهيم"
(2) في مخطوطة الرياض "الطبري"
من الإيمان " في كتاب الإيمان تحرير المدة المذكورة وأنها ستة عشر شهرا وأيام. قوله: "يوجه" بفتح الجيم أي يؤمر بالتوجه. قوله: "فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجال" كذا في رواية المستملي والحموي. وفي رواية غيرهما: "رجل " وهو المشهور، وقد تقدم في الإيمان أن اسمه عباد بن بشر، وتحتاج رواية المستملي إلى تقدير محذوف في قوله: "ثم خرج " أي بعض أولئك الرجال. قوله: "في صلاة العصر نحو بيت المقدس" وللكشميهني: "في صلاة العصر يصلون نحو بيت المقدس " وفيه إفصاح بالمراد. ووقع في تفسير ابن أبي حاتم من طريق ثويلة بنت أسلم " صليت الظهر - أو العصر - في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيليا فصلينا سجدتين - أي ركعتين - ثم جاءنا من يخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام". واختلفت الرواية في الصلاة التي تحولت القبلة عندها، وكذا في المسجد فظاهر حديث البراء هذا أنها الظهر، وذكر محمد بن سعد في الطبقات قال: يقال إنه صلى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين، ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام، فاستدار إليه ودار معه المسلمون. ويقال زار النبي صلى الله عليه وسلم أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة فصنعت له طعاما وحانت الطهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ركعتين، ثم أمر فاستدار إلى الكعبة واستقبل الميزاب فسمي " مسجد القبلتين"، قال ابن سعد قال الواقدي: هذا أثبت عندنا. وأخرج ابن أبي داود بسند ضعيف عن عمارة بن روبية قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي حين صرفت القبلة، فدار ودرنا معه في ركعتين". وأخرج البزار من حيث أنس " انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيت المقدس وهو يصلي الظهر بوجهه إلى الكعبة"، وللطبراني نحوه من وجه آخر عن أنس، وفي كل منهما ضعف. قوله: "فقال" أي الرجل "هو يشهد" يعني بذلك نفسه، وهو على سبيل التجريد، ويحتمل أن يكون الراوي نقل كلامه بالمعنى، ويؤيده الرواية المتقدمة في الإيمان بلفظ: "أشهد " وقد تقدمت مباحثه هناك
400- حدثنا مسلم قال حدثنا هشام قال حدثنا يحيى بن كثير عن محمد بن عبد الحمن عن جابر قال"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت . فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة"
[الحديث400- أطرافه في: 4140,1099,1094
قوله "حدثنا مسلم" زاد الأصيلي بن إبراهيم "قال حدثنا هشام" زاد الأصيلي بن أبي عبد الله وهو الدستوائي "عن محمد بن عبد الرحمن" أي بن ثوبان العامري المدني وليس له في الصحيح عن هذا الحديث وفي طبقته محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ولم يخرج له البخاري عن جابر شيئا قوله "حيث توجهت" زاد الكشميهني "به" والحديث دال على عدم ترك استقبال القبلة في الفريضة وهو إجماع لكن رخص في شدة الخوف
401- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاَ أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ "أَحَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ" قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ "إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي
وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ"
[الحديث401- أطرافه في7249,6671,1226,404]
قوله: "عن منصور" هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي، وأخطأ من قال إنه غيره. وهذه الترجمة من أصح الأسانيد. قوله: "قال إبراهيم" أي الراوي المذكور "لا أدري زاد أو نقص" أي النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد أن إبراهيم شك في سبب سجود السهو المذكور هل كان لأجل الزيادة أو النقصان، لكن سيأتي في الباب الذي بعده من رواية الحكم عن إبراهيم بإسناده هذا أنه صلى خمسا، وهو يقتضي الجزم بالزيادة، فلعله شك لما حدث منصورا وتيقن لما حدث الحكم. وقد تابع الحكم على ذلك حماد بن أبي سليمان وطلحة ابن مصرف وغيرهما، وعين في رواية الحكم أيضا وحماد أنها الظهر، ووقع للطبراني من رواية طلحة بن مصرف عن إبراهيم أنها العصر، وما في الصحيح أصح. قوله: "أحدث" بفتحات ومعناه السؤال عن حدوث شيء من الوحي يوجب تغيير حكم الصلاة عما عهدوه، ودل استفهامهم عن ذلك على جواز النسخ عندهم وأنهم كانوا يتوقعونه. قوله: "قال وما ذاك" فيه إشعار بأنه لم يكن عنده شعور مما وقع منه من الزيادة، وفيه دليل على جواز وقوع السهو من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأفعال. قال ابن دقيق العيد: وهو قول عامة العلماء والنظار، وشذت طائفة فقالوا: لا يجوز على النبي السهو، وهذا الحديث يرد عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم فيه: "أنسى كما تنسون " ولقوله: "فإذا نسيت فذكروني " أي بالتسبيح ونحوه. وفي قوله: "لو حدث شيء في الصلاة لنبأتكم به" دليل على عدم تأخير البيان عن وقت الحاجة. ومناسبة الحديث للترجمة من قوله: "فثنى رجله" وللكشميهني والأصيلي: "رجليه " بالتثنية، "واستقبل القبلة" فدل على عدم ترك الاستقبال في كل حال من أحوال الصلاة، واستدل به على رجوع الإمام إلى قول المأمومين، لكن يحتمل أن يكون تذكر عند ذلك أو علم بالوحي أو أن سؤالهم أحدث عنده شكا فسجد لوجود الشك الذي طرأ لا لمجرد قولهم. قوله: "فليتحر الصواب" بالحاء المهملة والراء المشددة أي فليقصد، والمراد البناء على اليقين كما سيأتي واضحا مع بقية مباحثه في أبواب السهو إن شاء الله تعالى.

باب ماجاء في القبلة...
32 - باب مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ وَمَنْ لَمْ يَرَ الإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ
وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ ثُمَّ أَتَمَّ مَا بَقِيَ
402- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ "
[الحديث402- أطرافه في:4916,4790,4483]

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا بِهَذَا
قوله: "باب ما جاء في القبلة" أي غير ما تقدم "ومن لم ير الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة" وأصل هذه المسألة في المجتهد في القبلة إذا تبين خطؤه، فروى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي وغيرهم أنهم قالوا: لا تجب الإعادة، وهو قول الكوفيين. وعن الزهري ومالك وغيرهما تجب في الوقت لا بعده، وعن الشافعي يعيد إذا تيقن الخطأ مطلقا. وفي الترمذي من حديث عامر بن ربيعة ما يوافق قول الأولين، لكن قال: ليس إسناده بذاك. قوله: "وقد سلم النبي صلى الله عليه وسلم الخ" هو طرف من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وهو موصول في الصحيحين من طرق، لكن قوله: "وأقبل على الناس " ليس هو في الصحيحين بهذا اللفظ موصولا، لكنه في الموطأ من طريق أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة. ووهم ابن التين تبعا لابن بطال حيث جزم بأنه طرف من حديث ابن مسعود الماضي، لأن حديث ابن مسعود ليس في شيء من طرقه أنه سلم من ركعتين. ومناسبة هذا التعليق للترجمة من جهة أن بناءه على الصلاة دال على أنه في حال استدباره القبلة كان في حكم المصلى، ويؤخذ منه أن من ترك الاستقبال ساهيا لا تبطل صلاته. قوله: "عن أنس قال: قال عمر" هو من رواية صحابي عن صحابي، لكنه صغير عن كبير. قوله: "وافقت ربي في ثلاث" أي وقائع، والمعنى وافقني ربي فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه، أو أشار به إلى حدوث رأيه وقدم الحكم، وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها، لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه من مشهورها قصة أسارى بدر وقصة الصلاة على المنافقين، وهما في الصحيح، وصحح الترمذي من حديث ابن عمر أنه قال: "ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر " وهذا دال على كثرة موافقته، وأكثر ما وقفنا منها بالتعيين على خمسة عشر لكن ذلك بحسب المنقول، وقد تقدم الكلام على مقام إبراهيم، وسيأتي الكلام على مسألة الحجاب في تفسير سورة الأحزاب، وعلى مسألة التخيير في تفسير سورة التحريم، وقوله في هذه الرواية: "واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن: عسى ربه الخ " وذكر فيه من وجه آخر عن حميد في تفسير سورة البقرة زيادة يأتي التنبيه عليها في باب عشرة النساء في أواخر النكاح. وقال بعضهم: كان اللائق إيراد هذا الحديث في الباب الماضي وهو قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} والجواب أنه عدل عنه إلى حديث ابن عمر للتنصيص فيه على وقوع ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف حديث عمر هذا فليس فيه التصريح بذلك، وأما مناسبته للترجمة فأجاب الكرماني بأن المراد من الترجمة ما جاء في القبلة وما يتعلق بها، فأما على قول من فسر مقام إبراهيم بالكعبة فظاهر، أو بالحرم كله فمن في قوله: "من مقام إبراهيم" للتبعيض، ومصلى أي قبلة، أو بالحجر الذي وقف عليه إبراهيم وهو الأظهر فيكون تعلقه بالمتعلق بالقبلة لا بنفس القبلة. وقال ابن رشيد: الذي يظهر لي أن تعلق الحديث بالترجمة الإشارة إلى موضع الاجتهاد في القبلة، لأن عمر اجتهد في أن اختار أن يكون المصلى إلى مقام إبراهيم الذي هو في وجه الكعبة فاختار إحدى جهات القبلة بالاجتهاد، وحصلت موافقته على ذلك فدل على تصويب اجتهاد المجتهد إذا بذل وسعه ولا يخفى ما فيه. قوله: "وقال ابن أبي مريم" في رواية كريمة: "حدثنا ابن أبي مريم"، وفائدة إيراد هذا الإسناد ما فيه من التصريح بسماع حميد من أنس فأمن من تدليسه، و قوله: "بهذا" أي إسنادا ومتنا، فهو من رواية أنس عن عمر لا من رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفائدة التعليق المذكور تصريح حميد بسماعه له من أنس، وقد تعقبه بعضهم بأن يحيى بن أيوب لم يحتج به البخاري وإن خرج له في المتابعات. وأقول: وهذا من جملة المتابعات، ولم ينفرد يحيى بن أيوب بالتصريح المذكور فقد أخرجه الإسماعيلي من رواية يوسف القاضي عن أبي الربيع الزهراني عن هشيم أخبرنا حميد حدثنا أنس. والله أعلم.
403- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ "بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ"
[الحديث403- أطرافه في: 7251,4494,4491,4490,4488]
قوله: "بينا الناس بقباء" بالمد والصرف وهو الأشهر، ويجوز فيه القصر وعدم الصرف وهو يذكر ويؤنث: موضع معروف ظاهر المدينة، والمراد هنا مسجد أهل قباء ففيه مجاز الحذف، واللام في الناس للعهد الذهني والمراد أهل قباء ومن حضر معهم. قوله: "في صلاة الصبح" ولمسلم: "في صلاة الغداة " وهو أحد أسمائها، وقد نقل بعضهم كراهية تسميتها بذلك. وهذا فيه مغايرة لحديث البراء المتقدم فإن فيه أنهم كانوا في صلاة العصر، والجواب أن لا منافاة بين الخبرين. لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة وذلك في حديث البراء، والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر أو ابن نهيك كما تقدم، ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء وذلك في حديث ابن عمر، ولم يسم الآتي بذلك إليهم، وإن كان ابن طاهر وغيره نقلوا أنه عباد بن بشر ففيه نظر، لأن ذلك إنما ورد في حق بني حارثة في صلاة العصر، فإن كان ما نقلوا محفوظا فيحتمل أن يكون عباد أتى بني حارثة أولا في وقت العصر ثم توجه إلى أهل قباء فأعلمهم بذلك في وقت الصبح. ومما يدل على تعددهما أن مسلما روى من حديث أنس " أن رجلا من بني سلمة مر وهم ركوع في صلاة الفجر " فهذا موافق لرواية ابن عمر في تعيين الصلاة، وبنو سلمة غير بني حارثة. قوله: "قد أنزل عليه الليلة قرآن" فيه إطلاق الليلة على بعض اليوم الماضي والليلة التي تليه مجازا، والتنكير في قوله: "قرآن " لإرادة البعضية، والمراد قوله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} الآيات. قوله: "وقد أمر" فيه أن ما يؤمر به النبي صلى الله عليه وسلم يلزم أمته، وأن أفعاله يتأسى بها كأقواله حتى يقوم دليل الخصوص. قوله: "فاستقبلوها" بفتح الموحدة للأكثر أي فتحولوا إلى جهة الكعبة، وفاعل " استقبلوها " المخاطبون بذلك وهم أهل قباء. وقوله: "وكانت وجوههم الخ" تفسير من الراوي للتحول المذكور، ويحتمل أن يكون فاعل استقبلوها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وضمير " وجوههم " لهم أو لأهل قباء على الاحتمالين. وفي رواية الأصيلي فاستقبلوها بكسر الموحدة بصيغة الأمر، ويأتي في ضمير وجوههم الاحتمالان المذكوران، وعوده إلى أهل قباء أظهر، ويرجح رواية الكسر أنه عند المصنف في التفسير من رواية سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار في هذا الحديث بلفظ: "وقد أمر أن يستقبل الكعبة، ألا فاستقبلوها " فدخول حرف الاستفتاح يشعر بأن الذي بعده أمر لا أنه بقية الخبر الذي قبله، والله أعلم. ووقع بيان كيفية التحول في حديث ثويلة بنت أسلم عند ابن أبي حاتم وقد ذكرت بعضه قريبا وقالت فيه: "فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام". قلت: وتصويره أن الإمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد، لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس، وهو لو دار كما هو في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف، ولما تحول الإمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال، وهذا يستدعي عملا كثيرا في الصلاة فيحتمل أن يكون ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام، ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة، أو لم تتوال الخطا عند التحويل بل وقعت مفرقة. والله أعلم. وفي هذا الحديث أن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه، لأن أهل قباء لم يؤمروا بالإعادة مع كون الأمر باستقبال الكعبة وقع قبل صلاتهم تلك بصلوات. واستنبط منه الطحاوي أن من لم تبلغه الدعوة ولم يمكنه استعلام ذلك فالفرض غير لازم له. وفيه جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لما تمادوا في الصلاة ولم يقطعوها دل على أنه رجح عندهم التمادي والتحول على القطع والاستئناف، ولا يكون ذلك إلا عن اجتهاد، كذا قيل، وفيه نظر لاحتمال أن يكون عندهم في ذلك نص سابق. لأنه صلى الله عليه وسلم كان مترقبا التحول المذكور فلا مانع أن يعلمهم ما صنعوا من التمادي والتحول. وفيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ونسخ ما تقرر بطريق العلم به، لأن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت عندهم بطريق القطع لمشاهدتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهته، ووقع تحولهم عنها إلى جهة الكعبة بخبر هذا الواحد، وأجيب بأن الخبر المذكور احتفت به قرائن ومقدمات أفادت القطع عندهم بصدق ذلك المخبر فلم ينسخ عندهم ما يفيد العلم إلا بما يفيد العلم، وقيل: كان النسخ بخبر الواحد جائزا في زمنه صلى الله عليه وسلم مطلقا وإنما منع بعده، ويحتاج إلى دليل. وفيه جواز تعليم من ليس في الصلاة من هو فيها، وأن استماع المصلي لكلام من ليس في الصلاة لا يفسد صلاته. وقد تقدم الكلام على تعيين الوقت الذي حولت فيه القبلة في الكلام على حديث البراء في كتاب الإيمان، ووجه تعلق حديث ابن عمر بترجمة الباب أن دلالته على الجزء الأول منها من قوله: "أمر أن يستقبل الكعبة " وعلى الجزء الثاني من حيث أنهم صلوا في أول تلك الصلاة إلى القبلة المنسوخة جاهلين بوجوب التحول عنها وأجزأت عنهم مع ذلك ولم يؤمروا بالإعادة فيكون حكم الساهي كذلك، لكن يمكن أن يفرق بينهما بأن الجاهل مستصحب للحكم الأول مغتفر في حقه ما لا يغتفر في حق الساهي لأنه إنما يكون عن حكم استقر عنده وعرفه.
404- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ "صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ خَمْسًا فَقَالُوا أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ قَالَ "وَمَا ذَاكَ" قَالُوا صَلَّيْتَ خَمْسًا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ"
قوله: "عن عبد الله" يعني ابن مسعود. "قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمسا" تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله، وتعلقه بالترجمة من قوله: "قال وما ذاك" أي ما سبب هذا السؤال؟ وكان في تلك الحالة غير مستقبل القبلة سهوا كما يظهر في الرواية الماضية من قوله: "فثنى رجله واستقبل القبلة".

33 - باب حَكِّ الْبُزَاقِ بِالْيَدِ مِنْ الْمَسْجِدِ405- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلاَ يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ" ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ "أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا"
قوله: "باب حك البزاق باليد من المسجد" أي سواء كان بآلة أم لا. ونازع الإسماعيلي في ذلك فقال: قوله: "فحكه بيده " أي تولى ذلك بنفسه لا أنه باشر بيده النخامة، ويؤيد ذلك الحديث الآخر أنه " حكها بعرجون " ا هـ. والمصنف مشى على ما يحتمله اللفظ، مع أنه لا مانع في القصة من التعدد، وحديث العرجون رواه أبو داود من حديث جابر. قوله: "عن حميد عن أنس" كذا في جميع ما وقفت عليه من الطرق بالعنعنة، ولكن أخرجه عبد الرزاق فصرح بسماع حميد من أنس فأمن تدليسه. قوله: "نخامة" قيل هي ما يخرج من الصدر، وقيل النخاعة بالعين من الصدر، وبالميم من الرأس. قوله: "في القبلة" أي الحائط الذي من جهة القبلة. قوله: "حتى رؤي" أي شوهد في وجهه أثر المشقة، وللنسائي: "فغضب حتى أحمر وجهه " وللمصنف في الأدب من حديث ابن عمر " فتغيظ على أهل المسجد". قوله: "إذا قام في صلاته" أي بعد شروعه فيها. قوله: "أو أن ربه" كذا للأكثر بالشك كما سيأتي في الرواية الأخرى بعد خمسة أبواب. وللمستملي والحموي " وأن ربه " بواو العطف، والمراد بالمناجاة من قبل العبد حقيقة النجوى ومن قبل الرب لازم ذلك فيكون مجازا، والمعنى إقباله عليه بالرحمة والرضوان، وأما قوله: "أو إن ربه بينه وبين القبلة" وكذا في الحديث الذي بعده " فإن الله قبل وجهه " فقال الخطابي: معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه فصار في التقدير: فإن مقصوده بينه وبين قبلته. وقيل هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله. وقال ابن عبد البر: هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة. وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بأن الله في كل مكان، وهو جهل واضح، لأن في الحديث أنه يبزق تحت قدمه، وفيه نقض ما أصلوه، وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته(1) ومهما تؤول به هذا جاز أن يتأول به ذاك والله أعلم. وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أم لا ولا سيما من المصلى فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم. وفي صحيحي ابن خزيمة وابن حبان من حديث حذيفة مرفوعا: "من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه " وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعا: "يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه " ولأبي داود وابن حبان من حديث السائب بن خلاد " أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة، فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي لكم " الحديث، وفيه أنه قال له " إنك آذيت الله ورسوله". قوله: "قبل قبلته" بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة قبلته. قوله: "أو تحت قدمه" أي اليسرى كما
ـــــــ
(1) ليس في الحديث المذكور رد على من أثبت استواء الرب سبحانه على العرش بذاته,لأن النصوص من الآيات والأحاديث في إثبات استواء الرب سبحانه على العرش بذاته محكمة قطعية واضحة لاتحتمل أدنى تأويل. وقد أجمع أهل السنة على الأخذ بها والإيمان بما دلت عليه على الوجه الذى يليق بالله سبحانه من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته.وأما قوله في هذا الحديث"فإن الله قبل وجهه إذا صلى" وفي لفظ"فإن ربه بينه وبين القبلة " فهذالفظ محتمل يجب أن يفسر بما يوافق النصوص المحكمة كما قد أشار الإمام ابن عبد البر إلى ذلك ,ولايجوز حمل هذا اللفظ وأشباهه على مايناقض نصوص الاستواء الذي أثبتته النصوص القطعية المحكمة الصريحة. والله أعلم

في حديث أبي هريرة في الباب الذي بعده، وزاد أيضا من طريق همام عن أبي هريرة " فيدفنها " كما سيأتي ذلك بعد أربعة أبواب. قوله: "ثم أخذ طرف ردائه الخ" فيه البيان بالفعل ليكون أوقع في نفس السامع، وظاهر قوله: "أو يفعل هكذا" نه مخير بين ما ذكر، لكن سيأتي بعد أربعة أبواب أن المصنف حمل هذا الأخير على ما إذا بدره البزاق، فأو - على هذا - في الحديث للتنويع. والله أعلم.
406- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلاَ يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى"
[الحديث406- أطرافه في:6111,1213,753]
قوله في حديث ابن عمر "رأى بصاقا في جدار القبلة" وفي رواية المستملي: "في جدار المسجد " وللمصنف في أواخر الصلاة من طريق أيوب عن نافع " في قبلة المسجد " وزاد فيه: "ثم نزل فحكها بيده " وهو مطابق للترجمة وفيه إشعار بأنه كان في حال الخطبة. وصرح الإسماعيلي بذلك في روايته من طريق شيخ البخاري فيه وزاد فيه أيضا: "قال وأحسبه دعا بزعفران فلطخه به " زاد عبد الرزاق عن معمر عن أيوب " فلذلك صنع الزعفران في المساجد".
407- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ مُخَاطًا أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ"
قوله في حديث عائشة "رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكه" كذا هو في الموطأ بالشك، وللإسماعيلي من طريق معن عن مالك " أو نخاعا " بدل مخاطا وهو أشبه، وقد تقدم الفرق بين النخاعة والنخامة.

3 - باب حَكِّ الْمُخَاطِ بِالْحَصَى مِنْ الْمَسْجِدِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنْ وَطِئْتَ عَلَى قَذَرٍ رَطْبٍ فَاغْسِلْهُ وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَلاَ
409,408- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا فَقَالَ "إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى"
[الحديث408- طرفاه في: 416,410]
[الحديث409- طرفاه في:414,411]
قوله: "باب حك المخاط بالحصى من المسجد" وجه المغايرة بين هذه الترجمة والتي قبلها من طريق الغالب، وذلك أن المخاط غالبا يكون له جرم لزج فيحتاج في نزعه إلى معالجة، والبصاق لا يكون له ذلك فيمكن نزعه بغير آلة إلا إن خالطه بلغم فيلتحق بالمخاط، هذا الذي يظهر من مراده. قوله: "وقال ابن عباس" هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح وقال في آخره: "وإن كان ناسيا لم يضره " ومطابقته للترجمة الإشارة إلى أن العلة العظمى في النهي احترام القبلة، لا مجرد التأذي بالبزاق ونحوه، فإنه وإن كان علة فيه أيضا لكن احترام القبلة فيه آكد، فلهذا لم يفرق فيه بين رطب ويابس، بخلاف ما علة النهي فيه مجرد الاستقذار فلا يضر وطئ اليابس منه. والله أعلم. قوله: "فتناول حصاة" هذا موضع الترجمة، ولا فرق في المعنى بين النخامة والمخاط، فلذلك استدل بأحدهما على الآخر. قول "فحكها" وللكشميهني: "فحتها " بمثناة من فوق، وهما بمعنى. قوله: "ولا عن يمينه" يأتي الكلام عليه قريبا.

35 - باب لاَ يَبْصُقْ عَنْ يَمِينِهِ فِي الصَّلاَةِ411,410- حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة وأبا سعيد أخبراه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة المسجد فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم حصاة فحتها ثم قال "إذا تنخم أحدكم فلا يتنخم قبل وجهه ولا عن يمينة وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى"
412- حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة قال أخبرني قتادة قال سمعت أنسا قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يتفلن أحدكم بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت رجله"
قوله: "باب لا يبصق عن يمينه في الصلاة" أورد فيه الحديث الذي قبله من طريق أخرى عن ابن شهاب، ثم حديث أنس من طريق قتادة عنه مختصرا من روايته عن حفص بن عمر، وليس فيهما تقييد ذلك بحالة الصلاة. نعم هو مقيد بذلك في رواية آدم الآتية في الباب الذي يليه، وكذا في حديث أبي هريرة التقييد بذلك في رواية همام الآتية بعد، فجرى المصنف في ذلك على عادته في التمسك بما ورد في بعض طرق الحديث الذي يستدل به وإن لم يكن ذلك في سياق حديث الباب، وكأنه جنح إلى أن المطلق في الروايتين محمول على المقيد فيهما، وهو ساكت عن حكم ذلك خارج الصلاة. وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها سواء كان في المسجد أم غيره، وقد نقل عن مالك أنه قال: لا بأس به، يعني خارج الصلاة. ويشهد للمنع ما رواه عبد الرزاق وغيره عن ابن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة. وعن معاذ بن جبل قال: ما بصقت عن يميني منذ أسلمت. وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقا. وكأن الذي خصه بحالة الصلاة أخذه من علة النهي المذكورة في رواية همام عن أبي هريرة حيث قال: "فإن عن يمينه ملكا " هذا إذا قلنا إن المراد بالملك غير الكاتب والحافظ، فيظهر حينئذ اختصاصه بحالة الصلاة. وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى. وقال القاضي عياض: النهي عن البصاق عن اليمين في الصلاة إنما هو مع إمكان غيره، فإن تعذر فله ذلك، قلت: لا يظهر وجود التعذر مع وجود الثوب الذي هو لابسه، وقد أرشده الشارع إلى التفل فيه كما تقدم. وقال الخطابي: إن كان عن يساره أحد فلا يبزق في واحد من الجهتين، لكن تحت قدمة أو ثوبه. قلت: وفي حديث طارق المحاربي عند أبي داود ما يرشد لذلك، فإنه قال فيه: أو تلقاء شمالك إن كان فارغا. وإلا فهكذا، وبزق تحت رجله ودلك. ولعبد الرزاق من طريق عطاء عن أبي
هريرة نحوه، ولو كان تحت رجله مثلا شيء مبسوط أو نحوه تعين الثوب، ولو فقد الثوب مثلا فلعل بلعه أولى من ارتكاب المنهى عنه. والله أعلم. "تنبيه": أخذ المصنف كون حكم النخامة والبصاق واحدا من أنه صلى الله عليه وسلم رأى النخامة فقال: "لا يبزقن " فدل على تساويهما. والله أعلم.


باب ليبزق عن يساره أوتحت أقدامه
...
36 - بَاب لِيَبْزُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى
413-حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ فَلاَ يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ".
414- حَدَّثَنَا عَلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ ثُمَّ نَهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَعَنْ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ حُمَيْدًا عَنْ أَبِي سَعِيد... نَحْوَهُ
قوله: "باب ليبصق عن يساره .حدثنا علي" زاد الأصيلي: "ابن عبد الله " وهو ابن المديني، والمتن هو الذي مضى من وجهين آخرين عن ابن شهاب وهو الزهري، ولم يذكر سفيان - وهو ابن عيينة - فيه أبا هريرة، كذا في الروايات كلها، لكن وقع في رواية ابن عساكر: "عن أبي هريرة " بدل أبي سعيد، وهو وهم، وكأن الحامل له على ذلك أنه رأى في آخره: "وعن الزهري سمع حميدا عن أبي سعيد " فظن أنه عنده عن أبي هريرة وأبي سعيد معا، لكنه فرقهما. وليس كذلك، وإنما أراد المصنف أن يبين أن سفيان رواه مرة بالعنعنة ومرة صرح بسماع الزهري من حميد، ووهم بعض الشراح في زعمه أن قوله: "وعن الزهري " معلق بل هو موصول وقد تقدمت له نظائر. قوله: "ولكن عن يساره أو تحت قدمه" كذا للأكثر، وهو المطابق للترجمة. وفي رواية أبي الوقت " وتحت قدمه " بالواو. ووقع عند مسلم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة " ولكن عن يساره تحت قدمه " بحذف " أو"، وكذا للمصنف من حديث أنس في أواخر الصلاة، والرواية التي فيها " أو " أعم لكونها تشمل ما تحت القدم وغير ذلك.

37 - باب كَفَّارَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ415- حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا قتادة قال سمعت أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم "البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها"
قوله: "باب كفارة البزاق في المسجد" أورد فيه حديث البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها من حديث أنس بإسناده الماضي في الباب قبله سواء، ولمسلم: "التفل " بدل البزاق، والتفل بالمثناة من فوق أخف من البزاق، والنفث بمثلثة آخره أخف منه، قال القاضي عياض: إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه، وأما من أراد دفنه فلا. ورده النووي فقال: هو خلاف صريح الحديث. قلت: وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا، وهما قوله: "البزاق في المسجد خطيئة " وقوله: "وليبصق عن يساره أو تحت قدمه " فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في

38 - باب دَفْنِ النُّخَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ416- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَلاَ يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلاَهُ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا"
قوله: "باب دفن النخامة في المسجد" أي جواز ذلك، وأورد فيه حديث أبي هريرة من طريق همام عنه بلفظ: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة " ثم قال في آخره: "فيدفنها " فأشعر قوله في الترجمة في المسجد بأنه فهم من قوله: "إلى الصلاة " أن ذلك يختص بالمسجد، لكن اللفظ أعم من ذلك. وقيل: إنما ترجم الذي قبله بالكفارة وهذا بالدفن إشعارا بالتفرقة بين المتعمد بلا حاجة - وهو الذي أثبت عليه الخطيئة - وبين من غلبته النخامة وهو الذي أذن له في الدفن أو ما يقوم مقامه. قوله: "فإنما يناجي" للكشميهني: "فإنه". قوله: "ما دام في مصلاه" يقتضى تخصيص المنع بما إذا كان في الصلاة، لكن التعليل المتقدم بأذى المسلم يقتضي المنع في جدار المسجد مطلقا ولو لم يكن في صلاة، فيجمع بأن يقال: كونه في الصلاة أشد إثما مطلقا، وكونه في جدار القبلة أشد إثما من كونه في غيرها من جدر المسجد، فهي مراتب متفاوتة مع الاشتراك في المنع. قوله: "فإن عن يمينه ملكا" تقدم أن ظاهره اختصاصه بحالة الصلاة، فإن قلنا: المراد بالملك الكاتب فقد استشكل اختصاصه بالمنع مع أن عن يساره ملكا آخر، وأجيب باحتمال اختصاص ذلك بملك اليمين تشريفا له وتكريما، هكذا قاله جماعة من القدماء ولا يخفى ما فيه. وأجاب بعض المتأخرين بأن الصلاة أم الحسنات البدنية فلا دخل لكاتب السيئات فيها، ويشهد له ما رواه ابن أبي شيبة من حديث حذيفة موقوفا في هذا الحديث قال: "ولا عن يمينه، فإن عن يمينه كاتب الحسنات". وفي الطبراني من حديث أبي أمامة في هذا الحديث: "فإنه يقوم بين يدي الله وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره " ا هـ. فالتفل حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان، ولعل ملك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه شيء من ذلك، أو أنه يتحول في الصلاة إلى اليمين. والله أعلم. قوله: "فيدفنها" قال ابن أبي جمرة: لم يقل يغطيها لأن التغطية يستمر الضرر بها إذ لا يأمن أن يجلس غيره عليها فتؤذيه، بخلاف الدفن فإنه يفهم منه التعميق في باطن الأرض. وقال النووي في الرياض: المراد بدفنها ما إذا كان المسجد ترابيا أو رمليا، فأما إذا كان مبلطا مثلا فدلكها عليه بشيء مثلا فليس ذلك بدفن بل زيادة في التقذير. قلت: لكن إذا لم يبق لها أثر البتة فلا مانع، وعليه يحمل قوله في حديث عبد الله ابن الشخير المتقدم " ثم دلكه بنعله " وكذا قوله في حديث طارق عند أبي داود " وبزق تحت رجله ودلك". "فائدة": قال القفال في فتاويه: هذا الحديث محمول على ما يخرج من الفم أو ينزل من الرأس، أما ما يخرج من الصدر فهو نجس فلا يدفن في المسجد ا هـ. وهذا على اختياره، لكن يظهر التفصيل فيما إذا كان طرفا من قيء، وكذا إذا خالط البزاق دم. والله أعلم.


39 - باب إِذَا بَدَرَهُ الْبُزَاقُ فَلْيَأْخُذْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ417- حدثنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا زهير قال حدثنا حميد عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فحكها بيده ورؤي منه كراهية أو رؤي كراهيته لذلك وشدته عليه وقال "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه أو ربه بينه وبين قبلته فلا يبزقن في قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه" ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ورد بعضه على بعض قال "أو يفعل هكذا"
قوله: "باب إذا بدره البزاق" أنكر السروجي قوله: "بدره " وقال: المعروف في اللغة بدرت إليه وبادرته، وأجيب بأنه يستعمل في المغالبة فيقال: بادرت كذا فبدرني أي سبقني، واستشكل آخرون التقييد في الترجمة بالمبادرة، مع أنه لا ذكر لها في الحديث الذي ساقه، وكأنه أشار إلى ما في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما رواه مسلم من حديث جابر بلفظ: "وليبصق عن يساره وتحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا ثم طوى بعضه على بعض " ولابن أبي شيبة وأبي داود من حديث أبي سعيد نحوه وفسره في رواية أبي داود " بأن يتفل في ثوبه ثم يرد بعضه على بعض " والحديثان صحيحان لكنهما ليسا على شرط البخاري، فأشار إليهما بأن حمل الأحاديث التي لا تفصيل فيها على ما فصل فيهما. والله أعلم. وقد تقدم الكلام على حديث أنس قبل خمسة أبواب، وقوله هنا " ورؤي منه " بضم الراء بعدها واو مهموزة، أي من النبي صلى الله عليه وسلم و " كراهيته " بالرفع أي ذلك الفعل، وقوله: "أو رؤي " شك من الراوي وقوله: "وشدته " بالرفع عطفا على كراهيته ويجوز الجر عطفا على قوله: "لذلك". وفي الأحاديث المذكورة من الفوائد - غير ما تقدم - الندب إلى إزالة ما يستقذر أو يتنزه عنه من المسجد، وتفقد الإمام أحوال المساجد وتعظيمها وصيانتها، وأن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة ولا تفسد صلاته، وأن النفخ والتنحنح في الصلاة جائزان لأن النخامة لا بد أن يقع معها شيء من نفخ أو تنحنح، ومحله ما إذا لم يفحش ولم يقصد صاحبه العبث ولم يبن منه مسمى كلام وأقله حرفان أو حرف ممدود، واستدل به المصنف على جواز النفخ في الصلاة كما سيأتي في أواخر كتاب الصلاة، والجمهور على ذلك، لكن بالشرط المذكور قبل. وقال أبو حنيفة: إن كان النفخ يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة، واستدلوا له بحديث عن أم سلمة عند النسائي وبأثر عن ابن عباس عند ابن أبي شيبة. وفيها أن البصاق طاهر، وكذا النخامة والمخاط خلافا لمن يقول: كل ما تستقذره النفس حرام، ويستفاد منه أن التحسين والتقبيح إنما هو بالشرع، فإن جهة اليمين مفضلة على اليسار، وأن اليد مفضلة على القدم. وفيها الحث على الاستكثار من الحسنات وإن كان صاحبها مليا لكونه صلى الله عليه وسلم باشر الحك بنفسه، وهو دال على عظم تواضعه، زاده الله تشريفا وتعظيما صلى الله عليه وسلم.

40 - باب عِظَةِ الإِمَامِ النَّاسَ فِي إِتْمَامِ الصَّلاَةِ وَذِكْرِ الْقِبْلَةِ
418- حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "هل ترون قبلتي ههنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم إني لأراكم من وراء ظهري"
[الحديث418- طرفه في:741]
قوله: "باب عظة الإمام الناس" بالنصب على المفعولية، وقوله: "في إتمام الصلاة " أي بسبب ترك إتمام الصلاة.قوله: "وذكر القبلة" بالجر عطفا على عظة، وأورده للإشعار بمناسبة هذا الباب لما قبله."هل ترون قبلتي" هو استفهام إنكار لما يلزم منه، أي أنتم تظنون أني لا أرى فعلكم لكون قبلتي في هذه الجهة لأن من استقبل شيئا استدبر ما وراءه، لكن بين النبي صلى الله عليه وسلم أن رؤيته لا تختص بجهة واحدة.وقد اختلف في معنى ذلك فقيل: المراد بها العلم إما بأن يوحى إليه كيفية فعلهم وإما أن يلهم، وفيه نظر، لأن العلم لو كان مرادا لم يقيده بقوله من وراء ظهري. وقيل المراد أنه يرى من عن يمينه ومن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفات يسير في النادر، ويوصف من هو هناك بأنه وراء ظهره، وهذا ظاهر التكلف، وفيه عدول عن الظاهر بلا موجب. والصواب المختار أنه محمول على ظاهره، وأن هذا الإبصار إدراك حقيقي خاص به صلى الله عليه وسلم انخرقت له فيه العادة، وعلى هذا عمل المصنف فأخرج هذا الحديث في علامات النبوة، وكذا نقل عن الإمام أحمد وغيره. ثم ذلك الإدراك يجوز أن يكون برؤية عينه انخرقت له العادة فيه أيضا فكان يرى بها من غير مقابلة، لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضو مخصوص ولا مقابلة ولا قرب، وإنما تلك أمور عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلا، ولذلك حكموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة خلافا لأهل البدع لوقوفهم مع العادة. وقيل كانت له عين خلف ظهره يرى بها من وراءه دائما، وقيل كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط يبصر بهما لا يحجبهما ثوب ولا غيره، وقيل: بل كانت صورهم تنطبع في حائط قبلته كما تنطبع في المرآة فيرى أمثلتهم فيها فيشاهد أفعالهم. قوله: "ولا خشوعكم" أي في جميع الأركان، ويحتمل أن يريد به السجود لأن فيه غاية الخشوع، وقد صرح بالسجود في رواية لمسلم. قوله: "إني لأراكم" بفتح الهمزة.
419- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ "صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةً ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ فِي الصَّلاَةِ وَفِي الرُّكُوعِ إِنِّي لاَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي كَمَا أَرَاكُمْ"
[الحديث419- طرفاه في: 6644,742]
قوله في حديث أنس "صلى لنا" أي لأجلنا. و قوله: "صلاة" بالتنكير للإبهام. و قوله: "ثم رقي" بكسر القاف. قوله: "فقال في الصلاة" أي في شأن الصلاة، أو هو متعلق بقوله بعد "إني لأراكم" عند من يجيز تقدم الظرف. و قوله: "وفي الركوع" فرده بالذكر وإن كان داخلا في الصلاة اهتماما به إما لكون التقصير فيه كان أكثر، أو لأنه أعظم الأركان بدليل أن المسبوق يدرك الركعة بتمامها بإدراك الركوع. قوله: "كما أراكم" يعني من أمامي. وصرح به في رواية أخرى كما سيأتي. ولمسلم: "إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي " وفيه دليل على المختار أن المراد بالرؤية الإبصار، وظاهر الحديث أن ذلك يختص بحالة الصلاة، ويحتمل أن يكون ذلك واقعا في جميع أحواله، وقد نقل ذلك عن مجاهد. وحكى بقي بن مخلد أنه صلى الله عليه وسلم كان يبصر في الظلمة كما يبصر في الضوء. وفي الحديث الحث على الخشوع في الصلاة والمحافظة على إتمام أركانها وأبعاضها، وأنه ينبغي للإمام أن ينبه الناس على ما يتعلق بأحوال الصلاة، ولا سيما إن رأى منهم ما يخالف الأولى. وسأذكر حكم الخشوع في أبواب صفة الصلاة حيث ترجم به المصنف مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

باب هل يقال مسجد فلان؟...
3 - باب هَلْ يُقَالُ مَسْجِدُ بَنِي فُلاَنٍ
420- حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء وأمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وأن عبد الله بن عمر كان فيمن سابق بها"
[الحديث420- أطرافه في: 7336,2870,2869,2868]
قوله: "باب هل يقال مسجد بني فلان" أورد فيه حديث ابن عمر في المسابقة، وفيه قول ابن عمر " إلى مسجد بني زريق " وزريق بتقديم الزاي مصغرا، ويستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المصلى فيها، ويلتحق به جواز إضافة أعمال البر إلى أربابها، وإنما أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالا إذ يحتمل أن يكون ذلك قد علمه النبي صلى الله عليه وسلم بأن تكون هذه الإضافة وقعت في زمنه، ويحتمل أن يكون ذلك مما حدث بعده، والأول أظهر والجمهور على الجواز، والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي فيما رواه ابن أبي شيبة عنه أنه كان يكره أن يقول مسجد بني فلان ويقول مصلى بني فلان لقوله تعالى :{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ}، وجوابه أن الإضافة في مثل هذا إضافة تمييز لا ملك. وسيأتي الكلام على فوائد المتن في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى. "تنبيه": الحفياء بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها ياء أخيرة ممدودة، والأمد الغاية. واللام في قوله: "الثنية " للعهد من ثنية الوداع.
42 - باب الْقِسْمَةِ وَتَعْلِيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِدِ
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الْقِنْوُ الْعِذْقُ وَالِاثْنَانِ قِنْوَانِ وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا قِنْوَانٌ مِثْلَ صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ
421- وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَالٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ "انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ" وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلاَةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "خُذْ" فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ قَالَ لاَ قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ قَالَ لاَ فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ قَالَ لاَ قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ قَالَ لاَ فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ"
[الحديث421-طرفاه في:3165,3049]
قوله: "باب القسمة" أي جوازها، والقنو بكسر القاف وسكون النون فسره في الأصل في روايتنا بالعذق، وهو بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة، وهو العرجون بما فيه. وقوله: "الاثنان قنوان" أي بكسر النون و قوله: "مثل صنو وصنوان" أهمل الثالثة اكتفاء بظهورها. قوله: "وقال إبراهيم يعني ابن طهمان" كذا في روايتنا وهو صواب، وأهمل في غيرها. وقال الإسماعيلي: ذكره البخاري عن إبراهيم وهو ابن طهمان فيما أحسب بغير إسناد. يعني تعليقا. قلت: وقد وصله أبو نعيم في مستخرجه والحاكم في مستدركه من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان، وقد أخرج البخاري بهذا الإسناد إلى إبراهيم بن طهمان عدة أحاديث. قوله: "عن عبد العزيز بن صهيب" كذا في روايتنا، وفي غيرها " عن عبد العزيز " غير منسوب، فقال المزي في الأطراف: قيل إنه عبد العزيز بن رفيع، وليس بشيء، ولم يذكر البخاري في الباب حديثا في تعليق القنو، فقال ابن بطال: أغفله. وقال ابن التين: أنسيه. وليس كما قالا، بل أخذه من جواز وضع المال في المسجد بجامع أن كلا منهما وضع لأخذ المحتاجين منه. وأشار بذلك إلى ما رواه النسائي من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصا وقد علق رجل قنا حشف فجعل يطعن في ذلك القنو ويقول: لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا " وليس هو على شرطه وإن كان إسناده قويا، فكيف يقال إنه أغفله؟ وفي الباب أيضا حديث آخر أخرجه ثابت في الدلائل بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل حائط بقنو يعلق في المسجد " يعني للمساكين. وفي رواية له " وكان عليها معاذ بن جبل " أي على حفظها أو على قسمتها. قوله: "بمال من البحرين"
روى ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلا أنه كان مائة ألف، وأنه أرسل به العلاء بن الحضرمي من خراج البحرين، قال: وهو أول خراج حمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وعند المصنف في المغازي من حديث عمرو بن عوف " أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم، فقدم أبو عبيدة بمال فسمعت الأنصار بقدومه " الحديث. فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال، لكن في الردة للواقدي أن رسول العلاء بن الحضرمي بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي، فلعله كان رفيق أبي عبيدة. وأما حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لو قد جاء مال البحرين أعطيتك " وفيه: "فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم: "الحديث، فهو صحيح كما سيأتي عند المصنف، وليس معارضا لما تقدم بل المراد أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مال خراج أو جزية فكان يقدم من سنة إلى سنة. قوله: "فقال انثروه" أي صبوه. قوله: "وفاديت عقيلا" أي ابن أبي طالب وكان أسر مع عمه العباس في غزوة بدر، و قوله: "فحثا" بمهملة ثم مثلثة مفتوحة، والضمير في ثوبه يعود على العباس. قوله: "يقله" بضم أوله من الإقلال وهو الرفع والحمل. قوله: "مر بعضهم" بضم الميم وسكون الراء. وفي رواية: "اؤمر " بالهمزة، و قوله: "يرفعه" الجزم لأنه جواب الأمر، ويجوز الرفع أي فهو يرفعه. قوله: "على كاهله" أي بين كتفيه. و قوله: "يتبعه" بضم أوله من الاتباع، و "عجبا" بالفتح. و قوله: "وثم منها درهم" بفتح المثلثة أي هناك. وفي هذا الحديث بيان كرم النبي صلى الله عليه وسلم وعدم التفاته إلى المال قل أو كثر، وأن الإمام ينبغي له أن يفرق مال المصالح في مستحقيها ولا يؤخره، وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب الجهاد في باب فداء المشركين حيث ذكره المصنف فيه مختصرا إن شاء الله تعالى. وموضع الحاجة منه هنا جواز وضع ما يشترك المسلمون فيه من صدقة ونحوها في المسجد، ومحله ما إذا لم يمنع مما وضع له المسجد من الصلاة وغيرها مما بني المسجد لأجله، ونحو وضع هذا المال وضع مال زكاة الفطر، ويستفاد منه جواز وضع ما يعم نفعه في المسجد كالماء لشرب من يعطش، ويحتمل التفرقة بين ما يوضع للتفرقة وبين ما يوضع للخزن فيمنع الثاني دون الأول، وبالله التوفيق.

باب من دعا لطعام في المسجد ، ومن أجاب عنه
...
3 - باب مَنْ دَعَا لِطَعَامٍ فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْ أَجَابَ منه
422- حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله سمع أنسا قال "وجدت النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد معه ناس فقمت فقال لي أرسلك أبو طلحة قلت نعم فقال لطعام قلت نعم فقال لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم"
[الحديث 422- أطرافه في:6688,5450,5381,3578]
قوله: "باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب منه" وفي رواية الكشميهني: "ومن أجاب إليه". أورد فيه حديث أنس مختصرا، وأورد عليه أنه مناسب لأحد شقي الترجمة وهو الثاني، ويجاب بأن قوله: "في المسجد " متعلق بقوله: "دعا " لا بقوله: "طعام " فالمناسبة ظاهرة، والغرض منه أن مثل ذلك من الأمور المباحة ليس من اللغو الذي يمنع في المساجد. و " من " في قوله: "منه " ابتدائية والضمير يعود على المسجد، وعلى رواية الكشميهني يعود على الطعام، وللكشميهني: "قال لمن معه " بدل لمن حوله. وفي الحديث جواز الدعاء إلى الطعام وإن لم يكن وليمة، واستدعاء الكثير إلى الطعام القليل، وأن المدعو إذا علم من الداعي أنه لا يكره أن يحضر معه غيره فلا بأس بإحضاره معه. وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث إن شاء الله تعالى حيث أورده المصنف تاما في علامات النبوة.
44 - باب الْقَضَاءِ وَاللِّعَانِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
423- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ "أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَلاَعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ"
[الحديث423- أطرافه في: 7304,7166,7165,6854,5308,5259,4746,4745]
قوله: "باب القضاء واللعان في المسجد" هو من عطف الخاص على العام. وسقط قوله: "بين الرجال والنساء " من رواية المستملي. قوله: "حدثنا يحيى" زاد الكشميهني: "ابن موسى " وكذا نسبه ابن السكن، وأخطأ من قال هو ابن جعفر، وسيأتي الكلام على ما يتعلق بحديث سهل بن سعد المذكور وتسمية من أبهم فيه في كتاب اللعان إن شاء الله تعالى. ويأتي ذكر الاختلاف في جواز القضاء في المسجد في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى.


45- باب إِذَا دَخَلَ بَيْتًا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ أَوْ حَيْثُ أُمِرَ وَلاَ يَتَجَسَّسُ
424- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ" قَالَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ"
[الحديث424- أطرافه في:6938,6423,5401,4010,4009,1186,840,838,686,667,4 25]
قوله: "باب إذا دخل بيتا" أي لغيره "يصلي حيث شاء أو حيث أمر؟" قيل مراده الاستفهام، لكن حذفت أداته، أي هل يتوقف على إذن صاحب المنزل أو يكفيه الإذن العام في الدخول؟ فأو على هذا ليست للشك. و قوله: "ولا يتجسس" بطناه بالجيم، وقيل إنه روي بالحاء المهملة، وهو متعلق بالشق الثاني قال المهلب: دل حديث الباب على إلغاء حكم الشق الأول لاستئذانه صلى الله عليه وسلم صاحب المنزل أين يصلي؟ وقال المازري: معنى قوله: "حيث شاء " أي من الموضع الذي أذن له فيه. وقال ابن المنير: إنما أراد البخاري أن المسألة موضع نظر، فهل يصلي من دعي حيث شاء لأن الإذن في الدخول عام في أجزاء المكان، فأينما جلس أو صلى تناوله الإذن؟ أو يحتاج إلى أن يستأذن في تعيين مكان صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك؟ الظاهر الأول. وإنما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه دعي ليتبرك صاحب البيت بمكان صلاته فسأله ليصلي في البقعة التي يحب تخصيصها بذلك. وأما من صلى لنفسه فهو على عموم الإذن. قلت: إلا أن يخص صاحب المنزل ذلك العموم فيختص. والله أعلم. قوله: "عن ابن شهاب" صرح أبو داود الطيالسي في مسنده بسماع إبراهيم بن سعد له من ابن شهاب قوله: "عن محمود بن الربيع" وللصنف في " باب النوافل جماعة " كما سيأتي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن شهاب قال: "أخبرني محمود". قوله: "عن عتبان" زاد يعقوب المذكور في روايته قصة محمود في عقله المحبة كما تقدم من وجه آخر في كتاب العلم،


46 - باب الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ وَصَلَّى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فِي مَسْجِدِهِ فِي دَارِهِ جَمَاعَةً
425- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ "أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي فَإِذَا كَانَتْ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ عِتْبَانُ فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ قَالَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ فَقُمْنَا فَصَفَّنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ قَالَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ قَالَ فَآبَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَقُلْ ذَلِكَ أَلاَ تَرَاهُ قَدْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ" يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ
قوله: "باب المساجد" أي اتخاذ المساجد "في البيوت". قوله: "وصلى البراء بن عازب في مسجد في داره جماعة" وللكشميهني: "في جماعة " وهذا الأثر أورد ابن أبي شيبة معناه في قصة. قوله: "أن عتبان بن مالك" أي الخزرجي السالمي من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، هو بكسر العين ويجوز ضمها. قوله: "أنه أتى" في رواية ثابت عن أنس عن عتبان عند مسلم أنه بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه ذلك، فيحتمل أن يكون نسب إتيان رسوله إلى نفسه مجازا، ويحتمل أن يكون أتاه مرة وبعث إليه أخرى إما متقاضيا وإما مذكرا. وفي الطبراني من طريق أبي أويس عن ابن شهاب بسنده أنه " قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم جمعة: لو أتيتني يا رسول الله " وفيه أنه أتاه يوم السبت، وظاهره أن مخاطبة عتبان بذلك كانت حقيقية لا مجازا. قوله: "قد أنكرت بصري" كذا ذكره جمهور أصحاب ابن شهاب كما للمصنف من طريق إبراهيم ابن سعد ومعمر، ولمسلم من طريق يونس، وللطبراني من طريق الزبيدي والأوزاعي، وله من طريق أبي أويس " لما ساء بصري " وللإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن نمر " جعل بصري يكل " ولمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت " أصابني في بصري بعض الشيء " وكل ذلك ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك، لكن أخرجه المصنف في باب الرخصة في المطر من طريق مالك عن ابن شهاب فقال فيه: "إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر " الحديث. وقد قيل: إن رواية مالك هذه معارضة لغيره، وليست عندي كذلك، بل قول محمود " إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى " أي حين لقيه محمود وسمع منه الحديث، لا حين سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم. ويبينه قوله في رواية يعقوب " فجئت إلى عتبان وهو شيخ أعمى يؤم قومه". وأما قوله: "وأنا رجل ضرير البصر " أي أصابني فيه ضر كقوله: "أنكرت بصري". ويؤيد هذا الحمل قوله في رواية ابن ماجه من طريق إبراهيم بن سعد أيضا: "لما أنكرت من بصري " وقوله في رواية مسلم: "أصابني في بصري بعض الشيء " فإنه ظاهر في أنه لم يكمل عماه، لكن رواية مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت بلفظ: "أنه عمي فأرسل " وقد جمع ابن خزيمة بين رواية مالك وغيره من أصحاب ابن شهاب فقال: قوله. " أنكرت بصري " هذا اللفظ يطلق على من في بصره سوء وإن كان يبصر بصرا ما، وعلى من صار أعمى لا يبصر شيئا. انتهى. والأولى أن يقال: أطلق عليه عمى لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال الصحة، وبهذا تأتلف الروايات. والله أعلم. قوله: "أصلي لقومي" أي لأجلهم، والمراد أنه كان يؤمهم، وصرح بذلك أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد. قوله: "سال الوادي" أي سال الماء في الوادي، فهو من إطلاق المحل على الحال، وللطبراني من طريق الزبيدي " وأن الأمطار حين تكون يمنعني سيل الوادي". قوله: "بيني وبينهم" وفي رواية الإسماعيلي: "يسيل الوادي الذي بين مسكني وبين مسجد قومي فيحول بيني وبين الصلاة معهم". قوله: "فأصلي بهم" بالنصب عطفا على " آتي". قوله: "وددت" بكسر الدال الأولى أي تمنيت. وحكى القزاز جواز فتح الدال في الماضي والواو في المصدر، والمشهور في المصدر الضم وحكي فيه أيضا الفتح فهو مثلث. قوله: "فتصلي" بسكون الياء ويجوز النصب لوقوع الفاء بعد التمني، وكذا قوله: "فأتخذه" بالرفع ويجوز النصب. قوله: "سأفعل إن شاء الله" هو هنا للتعليق لا لمحض التبرك، كذا قيل ويجوز أن يكون للتبرك لاحتمال اطلاعه صلى الله عليه وسلم بالوحي على الجزم بأن ذلك سيقع. قوله: "قال عتبان" ظاهر هذا السياق أن الحديث من أوله إلى هنا من رواية محمود بن الربيع بغير واسطة، ومن هنا إلى آخره من روايته عن عتبان صاحب القصة. وقد يقال: القدر الأول مرسل لأن محمودا يصغر عن حضور ذلك، لكن وقع التصريح في أوله بالتحديث بين عتبان ومحمود من رواية الأوزاعي عن ابن شهاب عند أبي عوانة، وكذا وقع تصريحه بالسماع عند المصنف من طريق معمر ومن طريق إبراهيم بن سعد كما ذكرناه في الباب الماضي، فيحمل قوله: "قال عتبان " على أن محمودا أعاد اسم شيخه اهتماما بذلك لطول الحديث. قوله: "فغدا على" زاد الإسماعيلي: "بالغد"، وللطبراني من طريق أبي أويس أن السؤال وقع يوم الجمعة، والتوجه إليه وقع يوم السبت كما تقدم. قوله: "وأبو بكر" لم يذكر جمهور الرواة عن ابن شهاب غيره، حتى أن في رواية الأوزاعي " فاستأذنا فأذنت لهما " لكن في رواية أبي أويس " ومعه أبو بكر وعمر " ولمسلم من طريق أنس عن عتبان " فأتاني ومن شاء الله من أصحابه " وللطبراني من وجه آخر عن أنس " في نفر من أصحابه " فيحتمل الجمع بأن أبا بكر صحبه وحده في ابتداء التوجه ثم عند الدخول أو قبله اجتمع عمر وغيره من الصحابة فدخلوا معه. قوله: "فلم يجلس حين دخل"، وللكشميهني: "حتى دخل " قال عياض: "زعم بعضهم أنها غلط، وليس كذلك، بل المعنى فلم يجلس في الدار ولا غيرها حتى دخل البيت مبادرا إلى ما جاء بسببه". وفي رواية يعقوب عند المصنف وكذا عند الطيالسي " فلما دخل لم يجلس حتى قال أين تحب " وكذا للإسماعيلي من وجه آخر، وهي أبين في المراد، لأن جلوسه إنما وقع بعد صلاته بخلاف ما وقع منه في بيت مليكة حيث جلس فأكل ثم صلى، لأنه هناك دعي إلى الطعام فبدأ به، وهنا دعي إلى الصلاة فبدأ بها. قوله: "أن أصلي من بيتك" كذا للأكثر والجمهور من رواة الزهري، ووقع عند الكشميهني وحده " في بيتك". قوله: "وحبسناه" أي منعناه من الرجوع. قوله: "خزيرة" بخاء معجمة مفتوحة بعدها زاي مكسورة ثم ياء تحتانية ثم راء ثم هاء نوع من الأطعمة قال ابن قتيبة: تصنع من لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق، وإن لم يكن فيه لحم فهو عصيدة. وكذا ذكر يعقوب نحوه وزاد: "من لحم بات ليلة " قال: وقيل هي حساء من دقيق فيه دسم، وحكي في الجمهرة نحوه، وحكى الأزهري عن أبي الهيثم أن الخزيرة من النخالة، وكذا حكاه المصنف في كتاب الأطعمة عن النضر بن شميل، قال عياض: المراد بالنخالة دقيق لم يغربل. قلت: ويؤيد هذا التفسير قوله في رواية الأوزاعي عند مسلم: "على جشيشة " بجيم ومعجمتين، قال أهل اللغة: هي أن تطحن الحنطة قليلا ثم يلقى فيها شحم أو غيره، وفي المطالع: أنها رويت في الصحيحين بحاء وراءين مهملات. وحكى المصنف في الأطعمة عن النضر أيضا أنها - أي التي بمهملات - تصنع من اللبن. قوله: "فثاب في البيت رجال" بمثلثة وبعد الألف موحدة، أي اجتمعوا بعد أن تفرقوا. قال الخليل: المثابة مجتمع الناس بعد افتراقهم، ومنه قيل للبيت مثابة. وقال صاحب المحكم: يقال ثاب إذا رجع وثاب إذا أقبل. قوله: "من أهل الدار" أي المحلة، كقوله: "خير دور الأنصار دار بني النجار " أي محلتهم، والمراد أهلها. قوله: "فقال قائل منهم" لم يسم هذا المبتدئ. قوله: "مالك بن الدخيشن" بضم الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة وسكون الياء التحتانية بعدها شين معجمة مكسورة ثم نون قوله: "أو ابن الدخشن" بضم الدال والشين وسكون الخاء بينهما وحكي كسر أوله، والشك فيه من الراوي هل هو مصغر أو مكبر. وفي رواية المستملي هنا في الثانية بالميم بدل النون، وعند المصنف في المحاربين من رواية معمر " الدخشن " بالنون مكبرا من غير شك، وكذا لمسلم من طريق يونس، وله من طريق معمر بالشك، ونقل الطبراني عن أحمد بن صالح أن الصواب " الدخشم " بالميم وهي رواية الطيالسي، وكذا لمسلم من طريق ثابت عن أنس عن عتبان، والطبراني من طريق النضر بن أنس عن أبيه. قوله: "فقال بعضهم" قيل هو عتبان راوي الحديث، قال ابن عبد البر في التمهيد: الرجل الذي سار النبي صلى الله عليه وسلم في قتل رجل من المنافقين هو عتبان، والمنافق المشار إليه هو مالك بن الدخشم. ثم ساق حديث عتبان المذكور في هذا الباب، وليس فيه دليل على ما ادعاه من أن الذي ساره هو عتبان. وأغرب بعض المتأخرين فنقل عن ابن عبد البر أن الذي قال في هذا الحديث: "ذلك منافق " هو عتبان أخذا من كلامه هذا، وليس فيه تصريح بذلك. وقال ابن عبد البر: لم يختلف في شهود مالك بدرا وهو الذي أسر سهيل بن عمرو، ثم ساق بإسناد حسن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن تكلم فيه: "أليس قد شهد بدرا" . قلت: وفي المغازي لابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مالكا هذا ومعن ابن عدي فحرقا مسجد الضرار، فدل على أنه بريء مما اتهم به من النفاق، أو كان قد أقلع عن ذلك، أو النفاق الذي اتهم به ليس نفاق الكفر إنما أنكر الصحابة عليه تودده للمنافقين، ولعل له عذرا في ذلك كما وقع لحاطب. قوله: "ألا تراه قد قال لا إله إلا الله" وللطيالسي " أما يقول: "ولمسلم: "أليس يشهد " وكأنهم فهموا من هذا الاستفهام أن لا جزم بذلك. ولولا ذلك لم يقولوا في جوابه " إنه ليقول ذلك وما هو في قلبه " كما وقع عند مسلم من طريق أنس عن عتبان. قوله: "فإنا نرى وجهه" أي توجهه. قوله: "ونصيحته إلى المنافقين" قال الكرماني: يقال نصحت له لا إليه ثم قال: قد ضمن معنى الانتهاء، كذا قال، والظاهر أن قوله: "إلى المنافقين " متعلق بقوله: "وجهه " فهو الذي يتعدى بإلى، وأما متعلق نصيحته فمحذوف للعلم به. قوله: "قال ابن شهاب" أي بالإسناد الماضي، ووهم من قال إنه معلق. قوله: "ثم سألت" زاد الكشميهني: "بعد ذلك " والحصين بمهملتين لجميعهم إلا للقابسي فضبطه بالضاد المعجمة وغلطوه. قوله: "من سراتهم" بفتح المهملة أي خيارهم، وهو جمع سري، قال أبو عبيد: هو المرتفع القدر من سرو الرجل يسرو إذا كان رفيع القدر، وأصله من السراة وهو أرفع المواضع من ظهر الدابة، وقيل هو رأسها. قوله: "فصدقه بذلك" يحتمل أن يكون الحصين سمعه أيضا من عتبان، ويحتمل أن يكون حمله عن صحابي آخر، وليس للحصين ولا لعتبان في الصحيحين سوى هذا الحديث. وقد أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع مطولا ومختصرا، وقد سمعه من عتبان أيضا أنس بن مالك كما أخرجه مسلم، وسمعه أبو بكر بن أنس مع أبيه من عتبان أخرجه الطبراني، وسيأتي في " باب النوافل جماعة " أن أبا أيوب الأنصاري سمع محمود بن الربيع يحدث به عن عتبان فأنكره لما يقتضيه ظاهره من أن النار محرمة على جميع الموحدين، وأحاديث الشفاعة دالة على أن بعضهم يعذب، لكن للعلماء أجوبه عن ذلك: منها ما رواه مسلم عن ابن شهاب أنه قال عقب حديث الباب: "ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نرى أن الأمر قد انتهى إليها، فمن استطاع أن لا يغتر فلا يغتر " وفي كلامه نظر لأن الصلوات الخمس نزل فرضها قبل هذه الواقعة قطعا، وظاهره يقتضي أن تاركها لا يعذب إذا كان موحدا. وقيل المراد أن من قالها مخلصا لا يترك الفرائض لأن الإخلاص يحمل على أداء اللازم. وتعقب بمنع الملازمة. وقيل المراد تحريم التخليد أو تحريم دخول النار المعدة للكافرين لا الطبقة المعدة للعصاة، وقيل المراد تحريم دخول النار بشرط حصول قبول العمل الصالح والتجاوز عن السيئ والله أعلم. وفي هذا الحديث من الفوائد: إمامة الأعمى، وإخبار المرء عن نفسه بما فيه من عاهة ولا يكون من الشكوى، وأنه كان في المدينة مساجد للجماعة سوى مسجده صلى الله عليه وسلم والتخلف عن الجماعة في المطر والظلمة ونحو ذلك، واتخاذ موضع معين للصلاة. وأما النهي عن إيطان موضع معين من المسجد ففيه حديث رواه أبو داود، وهو محمول على ما إذا استلزم رياء ونحوه. وفيه تسوية الصفوف وأن عموم النهي عن إمامة الزائر من زاره مخصوص بما إذا كان الزائر هو الإمام الأعظم فلا يكره، وكذا من أذن له صاحب المنزل. وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو وطئها، ويستفاد منه أن من دعي من الصالحين ليتبرك به أنه يجيب(1) إذا أمن الفتنة. ويحتمل أن يكون عتبان إنما طلب بذلك الوقوف على جهة القبلة بالقطع، وفيه إجابة الفاضل دعوة المفضول، والتبرك بالمشيئة والوفاء بالوعد، واستصحاب الزائر بعض أصحابه إذا علم أن المستدعي لا يكره ذلك، والاستئذان على الداعي في بيته وإن تقدم منه طلب الحضور، وأن اتخاذ مكان في البيت للصلاة لا يستلزم وقفيته ولو أطلق عليه اسم المسجد، وفيه اجتماع أهل
ـــــــ
(1) هذا فيه نظر,والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لما جعل الله فيه البركة, وغيره لايقاس عليه,لما بينهما من الفرق العظيم, ولأن فتح هذا الباب قد يفضي إلى الغلو والشرك كما قد وقع من بعض الناس.نسأل الله العافية

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 11:13 PM
المحلة على الإمام أو العالم إذا ورد منزل بعضهم ليستفيدوا منه ويتبركوا به(1) والتنبيه على من يظن به الفساد في الدين عند الإمام على جهة النصيحة ولا يعد ذلك غيبة، وأن على الإمام أن يتثبت في ذلك ويحمل الأمر فيه على الوجه الجميل، وفيه افتقاد من غاب عن الجماعة بلا عذر، وأنه لا يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد، وأنه لا يخلد في النار من مات على التوحيد وترجم عليه البخاري غير ترجمة الباب والذي قبله الرخصة في الصلاة في الرحال عند المطر وصلاة النوافل جماعة وسلام المأموم حين يسلم الإمام وأن رد السلام على الإمام لا يجب، وأن الإمام إذا زار قوما أمهم، وشهود عتبان بدرا وأكل الخزيرة، وأن العمل الذي يبتغى به وجه الله تعالى ينجي صاحبه إذا قبله الله تعالى، وأن من نسب من يظهر الإسلام إلى النفاق ونحوه بقرينة تقوم عنده لا يكفر بذلك ولا يفسق بل يعذر بالتأويل.


47 - باب التَّيَمُّنِ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى
426- حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله: في طهوره,وترجله وتنعله"
قوله: "باب التيمن" أي البداءة باليمين "في دخول المسجد وغيره" بالخفض عطفا على الدخول، ويجوز أن يعطف على المسجد لكن الأول أفيد. قوله: "وكان ابن عمر" أي في دخول المسجد، ولم أره موصولا عنه، لكن في المستدرك للحاكم من طريق معاوية بن قرة عن أنس أنه كان يقول: "من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى " والصحيح أن قول الصحابي " من السنة كذا " محمول على الرفع، لكن لما لم يكن حديث أنس على شرط المصنف أشار إليه بأثر ابن عمر، وعموم حديث عائشة يدل على البداءة باليمين في الخروج من المسجد أيضا، ويحتمل أن يقال: في قولها " ما استطاع " احتراز عما لا يستطاع فيه التيمن شرعا كدخول الخلاء والخروج من المسجد، وكذا تعاطي الأشياء المستقذرة باليمين كالاستنجاء والتمخط. وعلمت عائشة رضي الله عنها حبه صلى الله عليه وسلم لما ذكرت إما بإخباره لها بذلك، وإما بالقرائن. وقد تقدمت بقية مباحث حديثها هذا في " باب التيمن في الوضوء والغسل".


48 - باب هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ وَيُتَّخَذُ مَكَانُهَا مَسَاجِدَ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وَمَا يُكْرَهُ مِنْ الصَّلاَةِ فِي الْقُبُورِ وَرَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ الْقَبْرَ الْقَبْرَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ
427- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ
ـــــــ
(1) هذا غلط. والصواب منع ذلك كما تقدم في غير النبي صلى الله عليه وسلم سدا للذريعة المفضية إلى الشرك


49 - باب الصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ
429- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدُ يَقُولُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ"
قوله: "باب الصلاة في مرابض الغنم" أي أماكنها، وهو بالموحدة والضاد المعجمة جمع مربض بكسر الميم.حديث أنس طرف من الحديث الذي قبله، لكن بين هناك أنه كان يحب الصلاة حيث أدركته - أي حيث دخل وقتها - سواء كان في مرابض الغنم أو غيرها، وبين هناك أن ذلك كان قبل أن يبنى المسجد، ثم بعد بناء المسجد صار لا يحب الصلاة في غيره إلا لضرورة. قال ابن بطال: هذا الحديث حجة على الشافعي في قوله بنجاسة أبوال الغنم وأبعارها، لأن مرابض الغنم لا تسلم من ذلك. وتعقب بأن الأصل الطهارة وعدم السلامة منها غالب، وإذا تعارض الأصل والغالب قدم الأصل. وقد تقدم مزيد بحث فيه في كتاب الطهارة في باب أبوال الإبل. "تنبيه": القائل " ثم سمعته بعد يقول: "هو شعبة يعني أنه سمع شيخه يزيد فيه القيد المذكور بعد أن سمعه منه بدونه، ومفهوم الزيادة أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في مرابض الغنم بعد بناء المسجد، لكن قد ثبت إذنه في ذلك كما تقدم في كتاب الطهارة.


50 - باب الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِ الإِبِلِ430- حدثنا صدقة بن الفضل قال أخبرنا سليمان بن حيان قال حدثنا عبيد الله بن نافع قال:"رأيت ابن عمر يصلي إلى بعيره وقال:رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله"
[الحديث430- طرفه في: 507]
قوله: "باب الصلاة في مواضع الإبل" كأنه يشير إلى أن الأحاديث الواردة في التفرقة بين الإبل والغنم ليست على شرطه، لكن لها طرق قوية: منها حديث جابر بن سمرة عند مسلم، وحديث البراء بن عازب عند أبي داود، وحديث أبي هريرة عند الترمذي، وحديث عبد الله بن مغفل عند النسائي، وحديث سبرة بن معبد عن ابن ماجه، وفي معظمها التعبير " بمعاطن الإبل". ووقع في حديث جابر بن سمرة والبراء " مبارك الإبل"، ومثله في حديث سليك عند الطبراني، وفي حديث سبرة وكذا في حديث أبي هريرة عند الترمذي " أعطان الإبل " وفي حديث أسيد بن حضير عند الطبراني " مناخ الإبل " وفي حديث عبد الله ابن عمرو عند أحمد " مرابد الإبل"، فعبر المصنف بالمواضع لأنها أشمل، والمعاطن أخص من المواضع لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء خاصة. وقد ذهب بعضهم إلى أن النهي خاص بالمعاطن دون غيرها من الأماكن التي تكون فيها الإبل، وقيل هو مأواها مطلقا نقله صاحب المغني عن أحمد، وقد نازع الإسماعيلي المصنف في استدلاله بحديث ابن عمر المذكور بأنه لا يلزم من الصلاة إلى البعير وجعله سترة عدم كراهية الصلاة في مبركه، وأجيب بأن مراده الإشارة إلى ما ذكر من علة النهي عن ذلك وهي كونها من الشياطين كما في حديث عبد الله بن مغفل فإنها خلقت من الشياطين، ونحوه في حديث البراء، كأنه يقول: لو كان ذلك مانعا من صحة الصلاة لامتنع مثله في جعلها أمام المصلي، وكذلك صلاة راكبها، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة وهو على بعيره كما سيأتي في أبواب الوتر، وفرق بعضهم بين الواحد منها وبين كونها مجتمعة لما طبعت عليه من النفار المفضي إلى تشويش قلب المصلي، بخلاف الصلاة على المركوب منها أو إلى جهة واحد معقول، وسيأتي بقية الكلام على حديث ابن عمر في أبواب سترة المصلي إن شاء الله تعالى. وقيل علة النهي في التفرقة بين الإبل والغنم بأن عادة أصحاب الإبل التغوط بقربها فتنجس أعطانها وعادة أصحاب الغنم تركه، حكاه الطحاوي عن شريك واستبعده، وغلط أيضا من قال إن ذلك بسبب ما يكون في معاطنها من أبوالها وأرواثها لأن مرابض الغنم تشركها في ذلك. وقال: إن النظر يقتضي عدم التفرقة بين الإبل والغنم في الصلاة وغيرها كما هو مذهب أصحابه. وتعقب بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة المصرحة بالتفرقة فهو قياس فاسد الاعتبار، وإذا ثبت الخبر بطلت معارضته بالقياس اتفاقا، لكن جمع بعض الأئمة بين عموم قوله: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " وبين أحاديث الباب بحملها على كراهة التنزيه وهذا أولى. والله أعلم. "تكملة": وقع في مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم ولا يصلي في مرابض الإبل والبقر، وسنده ضعيف، فلو ثبت لأفاد أن حكم البقر حكم الإبل، بخلاف ما ذكره ابن المنذر أن البقر في ذلك كالغنم.


باب من صلى وقدامه تنور أو نار أوشيء مما يعبد فأراد به الله
...
3 - باب مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يُعْبَدُ فَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ وَأَنَا أُصَلِّي"
431- حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس قال "انخسفت الشمس,فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال "أريت النار فلم أرمنظرا كاليوم قط أفظع"
قوله: "باب من صلى وقدامه تنور" النصب على الظرف، "التنور" بفتح المثناة وتشديد النون المضمومة: ما توقد فيه النار للخبز وغيره، وهو في الأكثر يكون حفيرة في الأرض، وربما كان على وجه الأرض، ووهم من خصه بالأول. قيل هو معرب، وقيل هو عربي توافقت عليه الألسنة، وإنما خصه بالذكر مع كونه ذكر النار بعده اهتماما به لأن عبدة النار من المجوس لا يعبدونها إلا إذا كانت متوقدة بالجمر كالتي في التنور، وأشار به إلى ما ورد عن ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور وقال: هو بيت نار، أخرجه ابن أبي شيبة. و قوله: "أو شيء" من العام بعد الخاص، فتدخل فيه الشمس مثلا والأصنام والتماثيل، والمراد أن يكون ذلك بين المصلي وبين القبلة. قوله: "وقال الزهري" هو طرف من حديث طويل يأتي موصولا في " باب وقت الظهر " وقد تقدم طرف منه في كتاب العلم وسيأتي باللفظ الذي ذكره هنا في كتاب التوحيد، وحديث ابن عباس يأتي الكلام عليه بتمامه في صلاة الكسوف، فقد ذكره بتمامه هناك بهذا الإسناد، وتقدم أيضا طرف منه في كتاب الإيمان، وقد نازعه الإسماعيلي في الترجمة فقال: ليس ما أرى الله نبيه من النار بمنزلة نار معبودة لقوم يتوجه المصلي إليها. وقال ابن التين: لا حجة فيه على الترجمة لأنه لم يفعل ذلك مختارا، وإنما عرض عليه ذلك للمعنى الذي أراده الله من تنبيه العباد. وتعقب بأن الاختيار وعدمه في ذلك سواء منه، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل، فدل على أن مثله جائز. وتفرقة الإسماعيلي بين القصد وعدمه وإن كانت ظاهرة لكن الجامع بين الترجمة والحديث وجود نار بين المصلي وبين قبلته في الجملة. وأحسن من هذا عندي أن يقال: لم يفصح المصنف في الترجمة بكراهة ولا غيرها، فيحتمل أن يكون مراده التفرقة بين من بقي ذلك بينه وبين قبلته وهو قادر على إزالته أو انحرافه عنه، وبين من لا يقدر على ذلك فلا يكره في حق الثاني، وهو المطابق لحديثي الباب، ويكره في حق الأول كما سيأتي التصريح بذلك عن ابن عباس في التماثيل، وكما روى ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور أو إلى بيت نار، ونازعه أيضا من المتأخرين القاضي السروجي في شرح الهداية فقال: لا دلالة في هذا الحديث على عدم الكراهة لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "أريت النار " ولا يلزم أن تكون أمامه متوجها إليها، بل يجوز أن تكون عن يمينه أو عن يساره أو غير ذلك. قال: ويحتمل أن يكون ذلك وقع له قبل شروعه في الصلاة. انتهى. وكأن البخاري رحمه الله كوشف بهذا الاعتراض فعجل بالجواب عنه حيث صدر الباب بالمعلق عن أنس، ففيه: "عرضت على النار وأنا أصلي " وأما كونه رآها أمامه فسياق حديث ابن عباس يقتضيه، ففيه أنهم قالوا له بعد أن انصرف " يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت " أي تأخرت إلى خلف، وفي جوابه أن ذلك بسبب كونه أري النار. وفي حديث أنس المعلق هنا عنده في كتاب التوحيد موصولا " لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي " وهذا يدفع جواب من فرق بين القريب من المصلي والبعيد.


52 - باب كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ فِي الْمَقَابِرِ
432- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:


"اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا"
[الحديث 432- طرفه في:1187]
قوله: "باب كراهية الصلاة في المقابر" استنبط من قوله في الحديث: "ولا تتخذوها قبورا " أن القبور ليست بمحل للعبادة فتكون الصلاة فيها مكروهة، وكأنه أشار إلى أن ما رواه أبو داود والترمذي في ذلك ليس على شرطه، وهو حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" رجاله ثقات، لكن اختلف في وصله وإرساله، وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وابن حبان. قوله: "حدثنا يحيى" هو القطان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري. قوله: "من صلاتكم" قال القرطبي " من " للتبعيض، والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا: "إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته" ، قلت: وليس فيه ما ينفي الاحتمال. وقد حكى عياض عن بعضهم أن معناه: اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن. وهذا وإن كان محتملا لكن الأول هو الراجح. وقد بالغ الشيخ محيي الدين فقال: لا يجوز حمله على الفريضة، وقد نازع الإسماعيلي المصنف أيضا في هذه الترجمة فقال: الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر. قلت: قد ورد بلفظ: "المقابر " كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر " وقال ابن التين: تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر، وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون، كأنه قال: "لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم، وهي القبور". قال: فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك. قلت: إن أراد أنه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فمسلم، وإن أراد نفي ذلك مطلقا فلا، فقد قدمنا وجه استنباطه. وقال في النهاية تبعا للمطالع: إن تأويل البخاري مرجوح، والأولى قول من قال: معناه إن الميت لا يصلى في قبره. وقد نقل ابن المنذر عن أكثر أهل العلم أنهم استدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليست بموضع الصلاة، وكذا قال البغوي في شرح السنة والخطابي. وقال أيضا: يحتمل أن المراد لا تجعلوا بيوتكم وطنا للنوم فقط لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت والميت لا يصلي. وقال التوربشتي: حاصل ما يحتمله أربعة معان، فذكر الثلاثة الماضية ورابعها: يحتمل أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر. قلت: ويؤيده ما رواه مسلم: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت". قال الخطابي: وأما من تأوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت فليس بشيء، فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته، قلت: ما ادعى أنه تأويل هو ظاهر لفظ الحديث ولا سيما أن جعل النهي حكما منفصلا عن الأمر. وما استدل به على رده تعقبه الكرماني فقال: لعل ذلك من خصائصه. وقد روي أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون. قلت: هذا الحديث رواه ابن ماجه مع حديث ابن عباس عن أبي بكر مرفوعا: "ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض " وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف، وله طريق أخرى مرسلة ذكرها البيهقي في الدلائل، وروى الترمذي في الشمائل والنسائي في الكبرى من طريق سالم بن عبيد الأشجعي الصحابي عن أبي بكر الصديق أنه قيل له " فأين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: في المكان الذي قبض الله فيه روحه، فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب " إسناده صحيح لكنه موقوف. والذي قبله أصرح في المقصود. وإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك، بل هو متجه، لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر فتصير الصلاة فيها مكروهة، ولفظ حديث أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب وهو قوله: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر " فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا. والله أعلم.


3 - باب الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِ الْخَسْفِ وَالْعَذَابِ
وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِهَ الصَّلاَةَ بِخَسْفِ بَابِلَ
433- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لاَ يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ"
[الحديث433- أطرافه في:4702,4420,4419,3381,3380]
قوله: "باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب" أي ما حكمها؟ وذكر العذاب بعد الخسف من العام بعد الخاص لأن الخسف من جملة العذاب. قوله: "ويذكر أن عليا" هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن أبي المحل وهو بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام قال: "كنا مع علي فمررنا على الخسف الذي ببابل، فلم يصل حتى أجازه " أي تعداه. ومن طريق أخرى عن علي قال: "ما كنت لأصلي في أرض خسف الله بها ثلاث مرار " والظاهر أن قوله: "ثلاث مرار " ليس متعلقا بالخسف لأنه ليس فيها إلا خسف واحد، وإنما أراد أن عليا قال ذلك ثلاثا، ورواه أبو داود مرفوعا من وجه آخر عن علي ولفظه: "نهاني حبيبي صلى الله عليه وسلم أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة " في إسناده ضعف، واللائق بتعليق المصنف ما تقدم، والمراد بالخسف هنا ما ذكر الله تعالى في قوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} الآية، ذكر أهل التفسير والأخبار أن المراد بذلك أن النمرود بن كنعان بنى ببابل بنيانا عظيما يقال إن ارتفاعه كان خمسة آلاف ذراع، فخسف الله بهم، قال الخطابي: لا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل، فإن كان حديث علي ثابتا فلعله نهاه أن يتخذها وطنا لأنه إذا أقام بها كانت صلاته فيها، يعني أطلق الملزوم وأراد اللازم. قال: فيحتمل أن النهي خاص بعلي إنذارا له بما لقي من الفتنة بالعراق. قلت: وسياق قصة علي الأولى يبعد هذا التأويل. والله أعلم. قوله: "حدثنا إسماعيل بن عبد الله" هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك. قوله: "لا تدخلوا" كان هذا النهي لما مروا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك، وقد صرح المصنف في أحاديث الأنبياء من وجه آخر عن ابن عمر ببعض ذلك. قوله: "هؤلاء المعذبين" بفتح الذال المعجمة. وله في أحاديث الأنبياء " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم". قوله: "إلا أن تكونوا باكين" ليس المراد الاقتصار في ذلك على ابتداء الدخول، بل دائما عند كل جزء من الدخول، وأما الاستقرار فالكيفية المذكورة مطلوبة فيه بالأولوية، وسيأتي أنه صلى الله عليه وسلم لم ينزل فيه البتة. قال ابن بطال: هذا يدل على إباحة الصلاة هناك، لأن الصلاة موضع بكاء وتضرع، كأنه يشير إلى عدم مطابقة الحديث لأثر علي. قلت: والحديث مطابق له من جهة أن كلا منهما فيه ترك النزول كما وقع عند المصنف في المغازي في آخر الحديث: "ثم قنع صلى الله عليه وسلم رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي " فدل على أنه لم ينزل ولم يصل هناك كما صنع علي في خسف بابل. وروى
الحاكم في " الإكليل " عن أبي سعيد الخدري قال: "رأيت رجلا جاء بخاتم وجده بالحجر في بيوت المعذبين فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم واستتر بيده أن ينظر إليه وقال: "ألقه". فألقاه " لكن إسناده ضعيف، وسيأتي نهيه صلى الله عليه وسلم أن يستقى من مياههم في كتاب أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى. قوله: "لا يصيبكم" بالرفع على أن " لا " نافية والمعنى لئلا يصيبكم. ويجوز الجزم على أنها ناهية وهو أوجه، وهو نهي بمعنى الخبر. وللمصنف في أحاديث الأنبياء " أن يصيبكم " أي خشية أن يصيبكم، ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك. والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له، فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال، ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم، وبهذا يندفع اعتراض من قال: كيف يصيب عذاب الظالمين من ليس بظالم؟ لأنه بهذا التقرير لا يأمن أن يصير ظالما فيعذب بظلمه. وفي الحديث الحث على المراقبة، والزجر عن السكنى في ديار المعذبين، والإسراع عند المرور بها، وقد أشير إلى ذلك في قوله تعالى :{وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ}.


54 - باب الصَّلاَةِ فِي الْبِيعَةِ
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّا لاَ نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلاَّ بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ
434- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنْ الصُّوَرِ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ"
قوله: "باب الصلاة في البيعة" بكسر الموحدة بعدها مثناة تحتانية: معبد للنصارى. قال صاحب المحكم، البيعة صومعة الراهب. وقيل كنيسة النصارى والثاني هو المعتمد. ويدخل في حكم البيعة الكنيسة وبيت المدراس والصومعة وبيت الصنم وبيت النار ونحو ذلك. قوله: "وقال عمر: إنا لا ندخل كنائسكم" وفي رواية الأصيلي: "كنائسهم". قوله: "من أجل التماثيل" هو جمع تمثال بمثناة ثم مثلثة بينهما ميم، وبينه وبين الصورة عموم وخصوص مطلق فالصورة أعم. قوله: "التي فيها" الضمير يعود على الكنيسة، والصور بالجر على أنها بدل من التماثيل أو بيان لها، أو بالنصب على الاختصاص، أو بالرفع أي أن التماثيل مصورة والضمير على هذا للتماثيل. وفي رواية الأصيلي: "والصور " بزيادة الواو العاطفة. وهذا الأثر وصله عبد الرزاق من طريق أسلم مولى عمر قال: لما قدم عمر الشام صنع له رجل من النصارى طعاما وكان من عظمائهم وقال: أحب أن تجيئني وتكرمني. فقال له عمر: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها، يعني التماثيل. وتبين بهذا أن روايتي النصب والجر أوجه من غيرهما، والرجل المذكور من عظمائهم اسمه قسطنطين سماه مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مسجعة بن ربعي عن عمر في قصة طويلة أخرجها. قوله: "وكان ابن عباس" وصله البغوي في " الجعديات " وزاد فيه: "فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر " وقد تقدم في " باب من صلى وقدامه تنور " أن لا معارضة بين هذين البابين، وأن الكراهة في حال الاختيار. قوله: "حدثنا محمد" هو ابن سلام كما صرح به ابن السكن في روايته. وعبده هو ابن سليمان، وقد تقدم الكلام على المتن قبل خمسة أبواب، ومطابقته للترجمة من قوله: "بنوا على قبره مسجدا " فإن فيه إشارة إلى نهي المسلم عن أن يصلي في الكنيسة فيتخذها بصلاته مسجدا. والله أعلم.


55- باب436,435- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالاَ لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ "لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا
[الحديث435- اطرافه في:5815,4443,4441,3453,1390,1330]
[الحديث436- أطرافه في:5816,4444,3454]
437- حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
قوله "باب" كذا في أكثر الروايات بغير ترجمة وسقط من بعض الروايات,وقد قررنا أن ذلك كالفصل من الباب,فله تعلق بالباب الذي قبله, والجامع بينهما الزجر عن اتخاذ القبور مساجد,وكأنه أراد أن يبين أن فعل ذلك مذموم سواء كان مع تصوير أم لا. قوله: "لما نزل" كذا لأبي ذر بفتحتين والفاعل محذوف أي الموت، ولغيره بضم النون وكسر الزاي، وطفق أي جعل. والخميصة كساء له أعلام كما تقدم. قوله: "فقال وهو كذلك" أي في تلك الحال، ويحتمل أن يكون ذلك في الوقت الذي ذكرت فيه أم سلمة وأم حبيبة أمر الكنيسة التي رأتاها بأرض الحبشة، وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم، و قوله: "اتخذوا" جملة مستأنفة على سبيل البيان لموجب اللعن، كأنه قيل ما سبب لعنهم؟ فأجيب بقوله: "اتخذوا". وقوله: "يحذر ما صنعوا" جملة أخرى مستأنفة من كلام الراوي، كأنه سئل عن حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت فأجيب بذلك. وقد استشكل ذكر النصارى فيه لأن اليهود لهم أنبياء بخلاف النصارى فليس بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي غيره وليس له قبر، والجواب أنه كان فيهم أنبياء أيضا لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول، أو الجمع في قوله: "أنبيائهم " بإزاء المجموع من اليهود والنصارى، والمراد الأنبياء وكبار أتباعهم فاكتفي بذكر الأنبياء، ويؤيده قوله في رواية مسلم من طريق جندب " كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد " ولهذا لما أفرد النصارى في الحديث الذي قبله قال: "إذا مات فيهم الرجل الصالح "


ولما أفرد اليهود في الحديث الذي بعده قال: "قبور أنبيائهم"، أو المراد بالاتخاذ أعم من أن يكون ابتداعا أو اتباعا، فاليهود ابتدعت والنصارى اتبعت، ولا ريب أن النصارى تعظم قبور كثير من الأنبياء الذين تعظمهم اليهود.


3 - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا"
438- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ هُوَ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ"
قوله "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض" تقدم الكلام على حديث جابر في أوائل كتاب التيمم، وأخرجه هناك عن محمد بن سنان أيضا وسعيد بن النضر لكنه ساقه هناك على لفظ سعيد وهنا على لفظ ابن سنان وليس بينهما تفاوت من حيث المعنى لا في السند ولا في المتن، وإيراده له هنا يحتمل أن يكون أراد أن الكراهة في الأبواب المتقدمة ليست للتحريم لعموم قوله: "جعلت لي الأرض مسجدا " أي كل جزء منها يصلح أن يكون مكانا للسجود، أو يصلح أن يبنى فيه مكان للصلاة، ويحتمل أن يكون أراد أن الكراهة فيها للتحريم، وعموم حديث جابر مخصوص بها، والأول أولى(1) لأن الحديث سيق في مقام الامتنان فلا ينبغي تخصيصه، ولا يرد عليه أن الصلاة في الأرض المتنجسة لا تصح، لأن التنجس وصف طارئ، والاعتبار بما قبل ذلك.


3 - باب نَوْمِ الْمَرْأَةِ فِي الْمَسْجِدِ439- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَكَانَتْ مَعَهُمْ قَالَتْ فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ قَالَتْ فَوَضَعَتْهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ وَهُوَ مُلْقًى فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ قَالَتْ فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ قَالَتْ فَاتَّهَمُونِي بِهِ قَالَتْ فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا قَالَتْ وَاللَّهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ إِذْ مَرَّتْ الْحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ قَالَتْ فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قَالَتْ فَقُلْتُ هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ زَعَمْتُمْ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ وَهُوَ ذَا هُوَ قَالَتْ فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ حِفْشٌ قَالَتْ فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي قَالَتْ فَلاَ تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلاَّ قَالَتْ:
وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ تعَاجِيبِ رَبِّنَا ... أَلاَ إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي
ـــــــ
(1) في كون الأول أولى نظر. والأصح الثاني. وعليه تكون المقبرة ونحوها مما صح النهي عن الصلاة فيه مخصوصة من عموم حديث جابر المذكور. والله أعلم


3 - باب نَوْمِ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ
وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا فِي الصُّفَّةِ" وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ "كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الْفُقَرَاءَ"
440- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ "أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لاَ أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
[الحديث440- أطرافه في:7030,7028,7015,3740,3738,1156,1121]]
441- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ "أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ" قَالَتْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِإِنْسَانٍ " انْظُرْ أَيْنَ هُوَ" فَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ "قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ".
[الحديث441- أطرافه في:6280,6204,3703]
قوله: "باب نوم الرجال في المسجد" أي جواز ذلك، وهو قول الجمهور، وروي عن ابن عباس كراهيته إلا لمن يريد الصلاة، وعن ابن مسعود مطلقا، وعن مالك التفصيل بين من له مسكن فيكره وبين من لا مسكن له فيباح. قوله: "وقال أبو قلابة عن أنس" هذا طرف من قصة العرنيين، وقد تقدم حديثهم في الطهارة. وهذا اللفظ أورده في المحاربين موصولا من طريق وهيب عن أيوب عن أبي قلابة. قوله: "وقال عبد الرحمن بن أبي بكر" هو أيضا طرف من حديث طويل يأتي في علامات النبوة. والصفة موضع مظلل في المسجد النبوي كانت تأوي إليه المساكين، وقد سبق البخاري إلى الاستدلال بذلك سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار رواه ابن أبي شيبة عنهما. قوله: "حدثنا يحيى" و القطان "عن عبيد الله" هو العمري، وحديث عبد الله بن عمر هذا مختصر أيضا من حديث له طويل يأتي في باب فضل قيام الليل، وأورده ابن ماجه مختصرا أيضا بلفظ: "كنا ننام". قوله: "أعزب" المهملة والزاي أي غير متزوج. والمشهور فيه عزب بفتح العين وكسر الزاي، والأول لغة قليلة مع أن القزاز
أنكرها. و قوله: "لا أهل له" هو تفسير لقوله أعزب، ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص فيدخل فيه الأقارب ونحوهم. و قوله: "في مسجد" متعلق بقوله ينام. قوله: "عن أبي حازم" هو سلمة بن دينار والد عبد العزيز المذكور. قوله: "أين ابن عمك" فيه إطلاق ابن العم على أقارب الأب لأنه ابن عم أبيها لا ابن عمها، وفيه إرشادها إلى أن تخاطبه بذلك لما فيه من الاستعطاف بذكر القرابة، وكأنه صلى الله عليه وسلم فهم ما وقع بينهما فأراد استعطافها عليه بذكر القرابة القريبة التي بينهما. قوله: "فلم يقل عندي" بفتح الياء التحتانية وكسر القاف، من القيلولة وهو نوم نصف النهار. قوله: "فقال لإنسان" يظهر لي أنه سهل راوي الحديث لأنه لم يذكر أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم غيره. وللمصنف في الأدب " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لفاطمة أين ابن عمك؟ قالت في المسجد " وليس بينه وبين الذي هنا مخالفة لاحتمال أن يكون المراد من قوله: "انظر أين هو" المكان المخصوص من المسجد. وعند الطبراني " فأمر إنسانا معه فوجده مضطجعا في فيء الجدار". قوله: "هو راقد في المسجد" فيه مراد الترجمة، لأن حديث ابن عمر يدل على إباحته لمن لا مسكن له، وكذا بقية أحاديث الباب، إلا قصة علي فإنها تقتضي التعميم، لكن يمكن أن يفرق بين نوم الليل وبين قيلولة النهار. وفي حديث سهل هذا من الفوائد أيضا جواز القائلة في المسجد، وممازحة المغضب بما لا يغضب منه بل يحصل به تأنيسه، وفيه التكنية بغير الولد وتكنية من له كنية، والتلقيب بالكنية لمن لا يغضب، وسيأتي في الأدب أنه كان يفرح إذا دعي بذلك. وفيه مدارة الصهر وتسكينه من غضبه، ودخول الوالد بيت ابنته بغير إذن زوجها حيث يعلم رضاه، وأنه لا بأس بإبداء المنكبين في غير الصلاة. وسيأتي بقية ما يتعلق به في فضائل علي إن شاء الله تعالى.
442- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ "لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ".
قوله: "حدثنا ابن فضيل" هو محمد بن فضيل بن غزوان، وأبو حازم هو سلمان الأشجعي، وهو أكبر من أبي حازم الذي قبله في السن واللقاء، وإن كانا جميعا مدنيين تابعيين ثقتين. قوله: "لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة" يشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين، وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة، وكانوا من أهل الصفة أيضا لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة، وقد اعتنى بجمع أصحاب الصفة ابن الأعرابي والسلمي والحاكم وأبو نعيم، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر، وفي بعض ما ذكروه اعتراض ومناقشة، لكن لا يسع هذا المختصر تفصيل ذلك. قوله: "رداء" هو ما يستر أعالي البدن فقط. وقوله: "إما إزار" أي فقط "وإما كساء" أي على الهيئة المشروحة في المتن. وقوله: "قد ربطوا" أي الأكسية فحذف المفعول للعلم به. وقوله: "فمنها" أي من الأكسية.قوله: "فيجمعه بيده" أي الواحد منهم، زاد الإسماعيلي أن ذلك في حال كونهم في الصلاة. ومحصل ذلك أنه لم يكن لأحد منهم ثوبان. وقد تقدم نحو هذه الصفة في " باب إذا كان الثوب ضيقا".



وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ"
443- حَدَّثَنَا خَلاَدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ قَالَ ضُحًى فَقَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي".
[الحديث 443- أطرافه في:6387,5367,5247,5246,5245,5244,5243,5080,5079,40 52,
3090,3089,3087,2967,2861,2718,2604,2603,2470,240,2 394,2385,2309,2097,1801]
قوله: "باب الصلاة إذا قدم من سفر" أي في المسجد.
قوله: "وقال كعب" هو طرف من حديثه الطويل في قصة تخلفه وتوبته، وسيأتي في أواخر المغازي، وهو ظاهر فيما ترجم له، وذكر بعده حديث جابر ليجمع بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره فلا يظن أن ذلك من خصائصه. قوله: "قال مسعر أراه" بالضم أي أظنه، والضمير لمحارب. قوله: "وكان لي عليه دين" كذا للأكثر، وللحموي وكان " له " أي لجابر " عليه " أي على النبي صلى الله عليه وسلم. وفي قوله بعد ذلك "فقضاني" التفات. وهذا الدين هو ثمن جمل جابر. وسيأتي مطولا في كتاب الشروط، ونذكر هناك فوائده إن شاء الله تعالى. وقد أخرجه المصنف أيضا في نحو من عشرين موضعا مطولا ومختصرا وموصولا ومعلقا. ومطابقته للترجمة من جهة أن تقاضيه لثمن الجمل كان عند قدومه من السفر كما سيأتي واضحا. وغفل مغلطاي حيث قال: ليس فيه ما بوب عليه. لأن لقائل أن يقول إن جابرا لم يقدم من سفر لأنه ليس فيه ما يشعر بذلك، قال النووي: هذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر ينوي بها صلاة القدوم، لا أنها تحية المسجد التي أمر الداخل بها قبل أن يجلس، لكن تحصل التحية بها. وتمسك بعض من منع الصلاة في الأوقات المنهية ولو كانت ذات سبب بقوله: "ضحى " ولا حجة فيه لأنها واقعة عين.


باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين
...
3 - باب إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ444- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ"
[الحديث444- طرفه في: 1163]
قوله: "باب إذا دخل المسجد" حذف الفاعل للعلم به، وذكر في رواية الأصيلي وكريمة كلفظ المتن. قوله: "عن أبي قتادة" بفتحتين، هكذا اتفق عليه الرواة عن مالك، ورواه سهيل بن أبي صالح عن عامر بن عبد الله بن الزبير فقال: "عن جابر " بدل أبي قتادة، وخطأه الترمذي والدارقطني وغيرهما. قوله: "السلمي" بفتحتين لأنه من الأنصار، والإسناد كله مدني كالذي بعده. قوله: "فليركع" أي فليصل، من إطلاق الجزء وإرادة الكل. قوله: "ركعتين" هذا العدد لا مفهوم لأكثره باتفاق، واختلف في أقله، والصحيح اعتباره فلا تتأدى هذه السنة بأقل من ركعتين. واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب، ونقل ابن بطال عن أهل الظاهر الوجوب، والذي صرح به ابن حزم عدمه، ومن أدلة عدم الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم الذي رآه يتخطى " اجلس فقد آذيت " ولم يأمره بصلاة، كذا استدل به الطحاوي وغيره وفيه نظر. وقال الطحاوي أيضا: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخل فيها.قلت: هما عمومان تعارضا، الأمر بالصلاة لكن داخل من غير تفصيل، والنهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة، فلا بد من تخصيص أحد العمومين، فذهب جمع إلى تخصيص النهي وتعميم الأمر - وهو الأصح عند الشافعية - وذهب جمع إلى عكسه وهو قول الحنفية والمالكية. قوله: "قبل أن يجلس" صرح جماعة بأنه إذا خالف وجلس لا يشرع له التدارك، وفيه نظر لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر أنه " دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أركعت ركعتين؟ قال لا، قال: قم فاركعهما " ترجم عليه ابن حبان أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس. قلت: ومثله قصة سليك كما سيأتي في الجمعة. وقال المحب الطبري: يحتمل أن يقال وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة وبعده وقت جواز، أو يقال وقتهما قبله أداء وبعده قضاء، ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل. "فائدة": حديث أبي قتادة هذا ورد على سبب، وهو " أن أبا قتادة دخل المسجد فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بين أصحابه فجلس معهم، فقال له: ما منعك أن تركع؟ قال: رأيتك جالسا والناس جلوس. قال: "فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين " أخرجه مسلم. وعند ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي قتادة " أعطوا المساجد حقها، قيل له: وما حقها؟ قال ركعتين قبل أن تجلس".


61 - باب الْحَدَثِ فِي الْمَسْجِدِ445- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ"
قوله: "باب الحدث في المسجد" قال المازري: أشار البخاري إلى الرد على من منع المحدث أن يدخل المسجد أو يجلس فيه وجعله كالجنب، وهو مبني على أن الحدث هنا الريح ونحوه، وبذلك فسره أبو هريرة كما تقدم في الطهارة. وقد قيل المراد بالحدث هنا أعم من ذلك، أي ما لم يحدث سوءا.ويؤيده رواية مسلم: "ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه: " وفي أخرى للبخاري " ما لم يؤذ فيه بحدث فيه" ، وسيأتي قريبا بناء على أن الثانية تفسير للأولى. قوله: "الملائكة تصلي" للكشميهني: "إن الملائكة تصلي " بزيادة إن، والمراد بالملائكة الحفظة أو السيارة أو أعم من ذلك. قوله: "تقول الخ" هو بيان لقوله تصلي. قوله: "ما دام في مصلاه" مفهومه أنه إذا انصرف عنه انقضى ذلك، وسيأتي في " باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة " بيان فضيلة من انتظر الصلاة مطلقا سواء ثبت في مجلسه ذلك من المسجد أم تحول إلى غيره، ولفظه: "ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة " فأثبت للمنتظر حكم المصلي، فيمكن أن يحمل قوله: "في مصلاه " على المكان المعد للصلاة، لا الموضع الخاص بالسجود، فلا يكون بين الحديثين تخالف. و قوله: "ما لم يحدث" يدل على أن الحدث يبطل ذلك ولو استمر جالسا. وفيه دليل على أن الحدث في المسجد أشد من النخامة(1) لما تقدم من أن لها كفارة، ولم يذكر لهذا كفارة، بل عومل صاحبه بحرمان استغفار الملائكة، ودعاء الملائكة مرجو الإجابة لقوله تعالى :{وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وسيأتي بقية فوائد هذا الحديث في " باب من جلس ينتظر " إن شاء الله تعالى.


3 - باب بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ "كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ المسْجِدِ وَقَالَ أَكِنَّ النَّاسَ مِنْ الْمَطَرِ وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ"
وَقَالَ أَنَسٌ "يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ثُمَّ لاَ يَعْمُرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى".
قوله: "باب بنيان المسجد" أي النبوي. قوله: "وقال أبو سعيد" هو الخدري، والقدر المذكور هنا طرف من حديثه في ذكر ليلة القدر، وقد وصله المؤلف في الاعتكاف وغيره من طريق أبي سلمة عنه، وسيأتي قريبا في أبواب صلاة الجماعة. قوله: "وأمر عمر" هو طرف من قصة في ذكر تجديد المسجد النبوي. قوله: "وقال أكن الناس" وقع في روايتنا أكن بضم الهمزة وكسر الكاف وتشديد النون المضمومة بلفظ الفعل المضارع من أكن الرباعي يقال: أكننت الشيء إكنانا أي صنته وسترته، وحكى أبو زيد كننته من الثلاثي بمعنى أكننته، وفرق الكسائي بينهما فقال كننته أي سترته وأكننته في نفسي أي أسررته، ووقع في رواية الأصيلي: "أكن " بفتح الهمزة والنون فعل أمر من الإكنان أيضا ويرجحه قوله قبله " وأمر عمر " وقوله بعده " وإياك " وتوجه الأولى بأنه خاطب القوم بما أراد ثم التفت إلى الصانع فقال له " وإياك"، أو يحمل قوله وإياك على التجريد كأنه خاطب نفسه بذلك، قال عياض: وفي رواية غير الأصيلي والقابسي - أي وأبي ذر - " كن الناس " بحذف الهمزة وكسر الكاف وهو صحيح أيضا. وجوز ابن مالك ضم الكاف على أنه من كن فهو مكنون. انتهى. وهو متجه، لكن الرواية لا تساعده. قوله: "فتفتن الناس" بفتح المثناة من فتن، وضبطه ابن التين بالضم من أفتن، وذكر أن الأصمعي أنكره وأن أبا عبيدة أجازه فقال فتن وأفتن بمعنى، قال ابن بطال: كان عمر فهم ذلك من رد الشارع الخميصة إلى أبي جهم من أجل الأعلام التي فيها وقال: "إنها ألهتني عن صلاتي". قلت: ويحتمل أن يكون عند عمر من ذلك علم خاص بهذه المسألة فقد روى ابن ماجه من طريق عمرو بن ميمون عن عمر مرفوعا: "ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم " رجاله ثقات إلا شيخه جبارة بن المغلس فقيه مقال. قوله: "وقال أنس: يتباهون بها" بفتح الهاء أي يتفاخرون، وهذا التعليق رويناه موصولا في مسند أبي يعلى وصحيح ابن خزيمة من طريق أبي قلابة أن أنسا قال: "سمعته يقول: يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها إلا قليلا " وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان مختصرا من طريق أخرى عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد " والطريق الأولى أليق بمراد البخاري. وعند أبي نعيم في كتاب المساجد من الوجه الذي عند ابن خزيمة: "يتباهون
ـــــــ
(1) هذا فيه تفصيل: فان قصد بالحدث المعصية أو البدعة فما قاله الشارح متوجه, وإن أريد بالحدث الريح ونحوها مما ينقض الطهارة سوى البول ونحوه فليس ماقاله الشارح واضحا, والصواب إباحة ذلك أو كراهته من غير تحريم, وإن فاتته به صلاة الملائكة وبؤيد الثانى ما ذكره الشارح في شرح الحديث477فتنبه

بكثرة المساجد". "تنبيه": قوله: "ثم لا يعمرونها " المراد به عمارتها بالصلاة وذكر الله، وليس المراد به بنيانها، بخلاف ما يأتي في ترجمة الباب الذي بعده. قوله: "وقال ابن عباس: لتزخرفنها" بفتح اللام وهي لام القسم وضم المثناة وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء وضم الفاء وتشديد النون وهي نون التأكيد، والزخرفة الزينة، وأصل الزخرف الذهب ثم استعمل في كل ما يتزين به. وهذا التعليق وصله أبو داود وابن حبان من طريق يزيد بن الأصم عن ابن عباس هكذا موقوفا، وقبله حديث مرفوع ولفظه: "ما أمرت بتشييد المساجد " وظن الطيبي في شرح المشكاة أنهما حديث واحد فشرحه على أن اللام في " لتزخرفنها " مكسورة وهي لام التعليل للمنفي قبله، والمعنى: ما أمرت بالتشييد ليجعل ذريعة إلى الزخرفة، قال: والنون فيه لمجرد التأكيد، وفيه نوع توبيخ وتأنيب، ثم قال: ويجوز فتح اللام على أنها جواب القسم. قلت: وهذا هو المعتمد، والأول لم تثبت به الرواية أصلا فلا يغتر به، وكلام ابن عباس فيه مفصول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المشهورة وغيرها، وإنما لم يذكر البخاري المرفوع منه للاختلاف على يزيد بن الأصم في وصله وإرساله، قال البغوي: التشييد رفع البناء وتطويله، وإنما زخرفت اليهود والنصارى معابدها حين حرفوا كتبهم وبدلوها.
446- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ"
قوله: "حدثنا يعقوب بن إبراهيم" زاد الأصيلي ابن سعد. ورواية صالح بن كيسان عن نافع من رواية الأقران لأنهما مدنيان ثقتان تابعيان من طبقة واحدة، وعبد الله " هو ابن عمر". قوله: "باللبن" بفتح اللام وكسر الموحدة. قوله: "وعمده" بفتح أوله وثانيه ويجوز ضمهما، وكذا قوله: "خشب". قوله: "وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه" أي بجنس الآلات المذكورة ولم يغير شيئا من هيئته إلا توسيعه. قوله: "ثم غيره عثمان"، أي من الوجهين: التوسيع، وتغيير الآلات. قوله: "بالحجارة المنقوشة" أي بدل اللبن، وللحموي والمستملي: "بحجارة منقوشة". قوله: "والقصة" بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة وهي الجص بلغة أهل الحجاز. وقال الخطابي: تشبه الجص وليست به. قوله: "وسقفه" بلفظ الماضي عطفا على جعل، وبإسكان القاف على عمده، والساج نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند. وقال ابن بطال وغيره: هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلو في تحسينه، فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه، ثم كان عثمان والمال في زمانه أكثر فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة، ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه كما سيأتي بعد قليل. وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك بن مروان، وذلك في أواخر عصر الصحابة، وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفا من الفتنة، ورخص في ذلك بعضهم - وهو قول أبي حنيفة - إذا وقع على سبيل التعظيم للمساجد، ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال. وقال ابن المنير: "لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة". وتعقب بأن المنع إن كان للحث على اتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال، وإن كان لخشية شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلة. وفي حديث أنس علم من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وسلم بما سيقع، فوقع كما قال.


63 - باب التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ}[التوبة17-18]
447- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلِابْنِهِ عَلِيٍّ انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ يُصْلِحُهُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ "وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ قَالَ يَقُولُ عَمَّارٌ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ"
[الحديث447- طرفه في:2812]
قوله: "باب التعاون في بناء المسجد، ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله" كذا في رواية أبي ذر. وزاد غيره قبل قوله ما كان " وقول الله عز وجل " وفي آخره: إلى قوله:{الْمُهْتَدِينَ} وذكره لهذه الآية مصير منه إلى ترجيح أحد الاحتمالين من أحد الاحتمالين في الآية، وذلك أن قوله تعالى :{مَسَاجِدَ اللَّهِ} يحتمل أن يراد بها مواضع السجود، ويحتمل أن يراد بها الأماكن المتخذة لإقامة الصلاة، وعلى الثاني يحتمل أن يراد بعمارتها بنيانها، ويحتمل أن يراد بها الإقامة لذكر الله فيها. قوله: "حدثنا مسدد" هذا الإسناد كله بصري، لأن ابن عباس أقام على البصرة أميرا مدة ومعه مولاه عكرمة. قوله: "انطلقا إلى أبي سعيد" أي الخدري. قوله: "فإذا هو" زاد المصنف في الجهاد " فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما". قوله: "يصلحه" قال في الجهاد " يسقيانه " والحائط البستان، وهذا الأخ زعم بعض الشراح أنه قتادة بن النعمان وهو أخو أبي سعيد لأمه، ولا يصح أن يكون هو، فإن علي بن عبد الله بن عباس ولد في أواخر خلافة علي ومات قتادة بن النعمان قبل ذلك في أواخر خلافة عمر بن الخطاب، وليس لأبي سعيد أخ شقيق ولا أخ من أبيه ولا من أمه إلا قتادة، فيحتمل أن يكون المذكور أخاه من الرضاعة ولم أقف إلى الآن على اسمه. وفي الحديث إشارة إلى أن العلم لا يحوى جميعه أحد، لأن ابن عباس مع سعة علمه أمر ابنه بالأخذ عن أبي سعيد، فيحتمل أن يكون علم أن عنده ما ليس عنده، ويحتمل أن يكون إرساله إليه لطلب علو الإسناد، لأن أبا سعيد أقدم صحبة وأكثر سماعا من النبي صلى الله عليه وسلم من ابن عباس، وفيه ما كان السلف عليه من التواضع وعدم التكبر وتعاهد أحوال المعاش بأنفسهم والاعتراف لأهل الفضل بفضلهم وإكرام طلبة العلم وتقديم حوائجهم على حوائج أنفسهم. قوله: "فأخذ رداءه فاحتبى" فيه التأهب لإلقاء العلم وترك التحديث في حالة المهنة إعظاما للحديث. قوله: "حتى أتى على ذكر بناء المسجد" أي النبوي. وفي رواية كريمة: "حتى إذا أتى". قوله: "وعمار لبنتين" زاد معمر في جامعه " لبنة عنه ولبنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وفيه جواز ارتكاب المشقة في عمل البر، وتوقير الرئيس والقيام عنه بما يتعاطاه من المصالح، وفضل بنيان المساجد. قوله: "فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فبنفض" فيه التعبير بصيغة المضارع في موضع الماضي مبالغة لاستحضار ذلك في نفس السامع كأنه يشاهد. وفي رواية الكشميهني: "فجعل ينفض". قوله: "التراب عنه" زاد في الجهاد " عن رأسه " وكذا لمسلم، وفيه إكرام العامل في سبيل الله والإحسان إليه بالفعل والقول. قوله: "ويقول" أي في تلك الحال "ويح عمار" هي كلمة رحمة، وهي بفتح الحاء إذا أضيفت، فإن لم تضف جاز الرفع والنصب مع التنوين فيهما. قوله: "يدعوهم" أعاد الضمير على غير مذكور والمراد قتلته كما ثبت من وجه آخر " تقتله الفئة الباغية يدعوهم الخ " وسيأتي التنبيه عليه. فإن قيل كان قتله بصفين وهو مع علي والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار؟ فالجواب أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة، وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم، فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام، وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة علي وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك، وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم. وقال ابن بطال تبعا للمهلب: إنما يصح هذا في الخوارج الذين بعث إليهم علي عمارا يدعوهم إلى الجماعة، ولا يصح في أحد من الصحابة. وتابعه على هذا الكلام جماعة من الشراح. وفيه نظر من أوجه: أحدها: أن الخوارج إنما خرجوا على علي بعد قتل عمار بلا خلاف بين أهل العلم لذلك، فإن ابتداء أمر الخوارج كان عقب التحكيم، وكان التحكيم عقب انتهاء القتال بصفين وكان قتل عمار قبل ذلك قطعا، فكيف يبعثه إليهم علي بعد موته. ثانيها: أن الذين بعث إليهم علي عمارا إنما هم أهل الكوفة بعثه يستنفرهم على قتال عائشة ومن معها قبل وقعة الجمل، وكان فيهم من الصحابة جماعة كمن كان مع معاوية وأفضل، وسيأتي التصريح بذلك عند المصنف في كتاب الفتن، فما فر منه المهلب وقع في مثله مع زيادة إطلاقه عليهم تسمية الخوارج وحاشاهم من ذلك. ثالثها: أنه شرح على ظاهر ما وقع في هذه الرواية الناقصة، ويمكن حمله على أن المراد بالذين يدعونه إلى النار كفار قريش كما صرح به بعض الشراح، لكن وقع في رواية ابن السكن وكريمة وغيرهما وكذا ثبت في نسخة الصغاني التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري التي بخطه زيادة توضح المراد وتفصح بأن الضمير يعود على قتلته وهم أهل الشام ولفظه: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم " الحديث، واعلم أن هذه الزيادة لم يذكرها الحميدي في الجمع وقال: إن البخاري لم يذكرها أصلا، وكذا قال أبو مسعود. قال الحميدي: ولعلها لم تقع للبخاري، أو وقعت فحذفها عمدا. قال: وقد أخرجها الإسماعيلي والبرقاني في هذا الحديث. قلت: ويظهر لي أن البخاري حذفها عمدا وذلك لنكتة خفية، وهي أن أبا سعيد الخدري اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة، والرواية التي بينت ذلك ليست على شرط البخاري، وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد " فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية " ا هـ. وابن سمية هو عمار وسمية اسم أمه. وهذا الإسناد على شرط مسلم، وقد عين أبو سعيد من حدثه بذلك، ففي مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: "حدثني من هو خير مني أبو قتادة، فذكره " فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الاطلاع على علل الأحاديث. وفي هذا الحديث زيادة أيضا لم تقع في رواية البخاري، وهي عند الإسماعيلي وأبي نعيم في المستخرج من طريق خالد الواسطي عن خالد الحذاء وهي: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك؟ قال: إني أريد من الله الأجر " وقد تقدمت زيادة معمر فيه أيضا. "فائدة": روى حديث: "تقتل عمارا الفئة الباغية " جماعة من الصحابة: منهم قتادة بن النعمان كما تقدم، وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان ابن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه، وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه. قوله في آخر الحديث "يقول عمار أعوذ بالله من الفتن" فيه دليل على استحباب الاستعاذة من الفتن، ولو علم المرء أنه متمسك فيها بالحق، لأنها قد تفضي إلى وقوع من لا يرى وقوعه. قال ابن بطال وفيه رد للحديث الشائع: لا تستعيذوا بالله من الفتن فإن فيها حصاد المنافقين. قلت: وقد سئل ابن وهب قديما عنه فقال: إنه باطل، وسيأتي في كتاب الفتن ذكر كثير من أحكامها وما ينبغي من العمل عند وقوعها. أعاذنا الله تعالى مما ظهر منها وما بطن.

3 - باب الِاسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ وَالصُّنَّاعِ فِي أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ وَالْمَسْجِدِ448- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى امْرَأَةٍ مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ"
قوله: "باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد" الصناع بضم المهملة جمع صانع، وذكره بعد النجار من العام بعد الخاص، أو في الترجمة لف ونشر فقوله في أعواد المنبر ليتعلق بالنجار وقوله والمسجد يتعلق بالصناع، أي والاستعانة بالصناع في المسجد أي في بناء المسجد. وحديث الباب من رواية سهل وجابر جميعا يتعلق بالنجار فقط، ومنه تؤخذ مشروعية الاستعانة بغيره من الصناع لعدم الفرق، وكأنه أشار بذلك إلى حديث طلق بن علي قال: "بنيت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول: "قربوا اليمامي من الطين، فإنه أحسنكم له مسا وأشدكم له سبكا " رواه أحمد. وفي لفظ له " فأخذت المسحاة فخلطت الطين فكأنه أعجبه فقال: "دعوا الحنفي والطين، فإنه أضبطكم للطين " ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه: "فقلت يا رسول الله أأنقل كما ينقلون؟ فقال: "لا ولكن اخلط لهم الطين فأنت أعلم به". قوله: "حدثنا عبد العزيز" هو ابن أبي حازم. قوله: "إلى امرأة" تقدم ذكرها في باب الصلاة على المنبر والسطوح، والتنبيه على غلط من سماها علاثة، وكذا التنبيه على اسم غلامها. وساق المتن هنا مختصرا، وساقه بتمامه في البيوع بهذا الإسناد. وسنذكر فوائده في كتاب الجمعة إن شاء الله تعالى.
449- حَدَّثَنَا خَلاَدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ لِي غُلاَمًا نَجَّارًا قَالَ "إِنْ شِئْتِ" فَعَمِلَتْ الْمِنْبَرَ"
[الحديث449- أطرافه في: 3585,3584,2095,918]
قوله: "حدثنا خلاد" هو ابن يحيى، وأيمن بوزن أفعل وهو الحبشي مولى بني مخزوم. قوله: "أن امرأة" هي التي ذكرت في حديث سهل، فإن قيل ظاهر سياق حديث جابر مخالف لسياق حديث سهل لأن في هذا أنها ابتدأت بالعرض، وفي حديث سهل أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أرسل إليها يطلب ذلك، أجاب ابن بطال باحتمال أن تكون المراة ابتدأت بالسؤال متبرعة بذلك، فلما حصل لها القبول أمكن أن يبطئ الغلام بعمله فأرسل يستنجزها إتمامه لعلمه بطيب نفسها بما بذلته. قال: ويمكن إرساله إليها ليعرفها بصفة ما يصنعه الغلام من الأعواد وأن يكون ذلك منبرا. قلت: قد أخرجه المصنف في علامات النبوة من هذا الوجه بلفظ: "ألا أجعل لك منيرا " فلعل التعريف وقع بصفة للمنبر مخصوصة. أو يحتمل أنه لما فوض إليها الأمر بقوله لها " إن شئت " كان ذلك سبب البطء، لا أن الغلام كان شرع وأبطأ، ولا أنه جهل الصفة، وهذا أوجه الأوجه في نظري. قوله: "ألا أجعل لك" أضافت الجعل إلى نفسها مجازا. قوله: "فإن لي غلاما نجارا" في رواية الكشميهني: "فإني لي غلام نجار " وقد اختصر المؤلف هذا المتن أيضا، ويأتي بتمامه في علامات النبوة. وفي الحديث قبول البذل إذا كان بغير سؤال، واستنجاز الوعد ممن يعلم منه الإجابة، والتقرب إلى أهل الفضل بعمل الخير، وسيأتي بقية فوائده في علامات النبوة إن شاء الله تعالى.


65 - باب مَنْ بَنَى مَسْجِدًا450- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ الْخَوْلاَنِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ"
قوله: "باب من بنى مسجدا" أي ما له من الفضل. قوله: "أخبرني عمرو" هو ابن الحارث، وبكير بالتصغير هو ابن عبد الله بن الأشج، وعبيد الله هو ابن الأسود. وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق: بكير وعاصم وعبيد الله، وثلاثة من أوله مصريون، وثلاثة من آخره مدنيون، وفي وسطه مدني سكن مصر وهو بكير، فانقسم الإسناد إلى مصري ومدني. قوله: "عند قول الناس فيه" وقع بيان ذلك عند مسلم حيث أخرجه من طريق محمود بن لبيد الأنصاري - وهو من صغار الصحابة - قال: "لما أراد عثمان بناء المسجد كره الناس ذلك وأحبوا أن يدعوه على هيئته " أي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وظهر بهذا أن قوله في حديث الباب: "حين بنى " أي حين أراد أن يبني. وقال البغوي في شرح السنة: لعل الذي كره الصحابة من عثمان بناؤه بالحجارة المنقوشة لا مجرد توسيعه. انتهى. ولم يبن عثمان المسجد إنشاء، وإنما وسعه وشيده كما تقدم في باب بنيان المسجد، فيؤخذ منه إطلاق البناء في حق من جدد كما يطلق في حق من أنشأ. أو المراد بالمسجد هنا بعض المسجد من إطلاق الكل على البعض. قوله: "مسجد الرسول" كذا للأكثر، وللحموي والكشميهني: "مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوله: "إنكم أكثرتم" حذف المفعول للعلم به، والمراد الكلام بالإنكار ونحوه. "تنبيه": كان بناء عثمان للمسجد النبوي سنة ثلاثين على المشهور، وقيل في آخر سنة من خلافته. ففي كتاب السير عن الحارث بن مسكين عن ابن وهب أخبرني مالك أن كعب الأحبار كان يقول عند بنيان عثمان المسجد: لوددت أن هذا المسجد لا ينجز، فإنه إذا فرغ من بنيانه قتل عثمان. قال مالك: فكان كذلك. قلت: ويمكن الجمع بين القولين بأن الأول كان تاريخ ابتدائه والثاني تاريخ انتهائه. قوله: "من بنى مسجدا" التنكير فيه للشيوع فيدخل فيه الكبير والصغير، ووقع في رواية أنس عند الترمذي صغيرا أو كبيرا، وزاد ابن أبي شيبة في حديث الباب من وجه آخر عن عثمان " ولو كمفحص قطاة " وهذه الزيادة أيضا عند ابن حبان والبزار من حديث أبي ذر. وعند أبي مسلم الكجي من حديث ابن عباس، وعند الطبراني في الأوسط من حديث أنس وابن عمر، وعند أبي نعيم في الحلية من حديث أبي بكر الصديق، ورواه ابن خزيمة من حديث جابر بلفظ: "كمفحص قطاة أو أصغر" ، وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه لتضع فيه بيضها وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة فيه. ويؤيده رواية جابر هذه. وقيل بل هو على ظاهره، والمعنى أن يزيد في مسجد قدرا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر، أو يشترك جماعة في بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر، وهذا كله بناء على أن المراد بالمسجد ما يتبادر إلى الذهن، وهو المكان الذي يتخذ للصلاة فيه، فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع الجبهة فلا يحتاج إلى شيء مما ذكر، لكن قوله: "بنى " يشعر بوجود بناء على الحقيقة. ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة " من بنى لله بيتا " أخرجه سمويه في فوائده بإسناد حسن، وقوله في رواية عمر " من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله " أخرجه ابن ماجه وابن حبان. وأخرج النسائي نحوه من حديث عمرو بن عبسة، فكل ذلك مشعر بأن المراد بالمسجد المكان المتخذ لا موضع السجود فقط، لكن لا يمتنع إرادة الآخر مجازا، إذ بناء كل شيء بحسبه، وقد شاهدنا كثيرا من المساجد في طرق المسافرين يحوطونها إلى جهة القبلة وهي في غاية الصغر، وبعضها لا تكون أكثر من قدر موضع السجود. وروى البيهقي في الشعب من حديث عائشة نحو حديث عثمان وزاد: قلت وهذه المساجد التي في الطرق؟ قال نعم. وللطبراني نحوه من حديث أبي قرصافة وإسنادهما حسن. قوله: "قال بكير حسبت أنه" أي شيخه عاصما بالإسناد المذكور. قوله: "يبتغي به وجه الله" أي يطلب به رضا الله، والمعنى بذلك الإخلاص. وهذه الجملة لم يجزم بها بكير في الحديث، ولم أرها إلا من طريقه هكذا، وكأنها ليست في الحديث بلفظها، فإن كل من روى حديث عثمان من جميع الطرق إليه لفظهم " من بنى لله مسجدا " فكأن بكيرا نسيها فذكرها بالمعنى مترددا في اللفظ الذي ظنه، فإن قوله: "لله " بمعنى قوله يبتغي به وجه الله، لاشتراكهما في المعنى المراد وهو الإخلاص. فائدة: قال ابن الجوزي من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدا من الإخلاص. انتهى. ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الإخلاص وإن كان يؤجر في الجملة. وروى أصحاب السنن وابن خزيمة والحاكم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا: "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة: صانعه المحتسب في صنعته، والرامي به، والممد به " فقوله: "المحتسب في صنعته " أي من يقصد بذلك إعانة المجاهد، وهو أعم من أن يكون متطوعا بذلك أو بأجرة، لكن الإخلاص لا يحصل إلا من المتطوع، وهل يحصل الثواب المذكور لمن جعل بقعة من الأرض مسجدا بأن يكتفي بتحويطها من غير بناء، وكذا من عمد إلى بناء كان يملكه فوقفه مسجدا؟ إن وقفنا مع ظاهر اللفظ فلا، وإن نظرنا إلى المعنى فنعم وهو المتجه، وكذا قوله: "بنى " حقيقة في المباشر بشرطها،

يتبع

اخت مسلمة
06-09-2009, 11:25 PM
لكن المعنى يقتضي دخول الآمر بذلك أيضا، وهو المنطبق على استدلال عثمان رضي الله عنه، لأنه استدل بهذا الحديث على ما وقع منه، ومن المعلوم أنه لم يباشر ذلك بنفسه. قوله: "بنى الله" إسناد البناء إلى الله مجاز، وإبراز الفاعل فيه لتعظيم ذكره جل اسمه، أو لئلا تتنافر الضمائر، أو يتوهم عوده على باني المسجد. قوله: "مثله" صفة لمصدر محذوف أي بنى بناء مثله، ولفظ: "المثل " له استعمالان: أحدهما الإفراد مطلقا كقوله تعالى: {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} والآخر المطابقة كقوله تعالى :{أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنية متعددة، فيحصل جواب من استشكل التقييد بقوله: "مثله " مع أن الحسنة بعشرة أمثالها، لاحتمال أن يكون المراد بنى الله له عشرة أبنية مثله، والأصل أن ثواب الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل، والزيادة عليه بحكم الفضل. وأما من أجاب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل نزول قوله تعالى :{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ففيه بعد، وكذا من أجاب بأن التقييد بالواحد لا ينفي الزيادة عليه. ومن الأجوبة المرضية أيضا أن المثلية هنا بحسب الكمية، والزيادة حاصلة بحسب الكيفية، فكم من بيت خير من عشرة بل من مائة. أو أن المقصود من المثلية أن جزاء هذه الحسنة من جنس البناء لا من غيره مع قطع النظر عن غير ذلك، مع أن التفاوت حاصل قطعا بالنسبة إلى ضيق الدنيا وسعة الجنة، إذ موضع شبر فيها خير من الدنيا وما فيها كما ثبت في الصحيح، وقد روى أحمد من حديث واثلة بلفظ: "بنى الله له في الجنة أفضل منه " وللطبراني من حديث أبي أمامة بلفظ: "أوسع منه " وهذا يشعر بأن المثلية لم يقصد بها المساواة من كل وجه. وقال النووي: يحتمل أن يكون المراد أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا. قوله: "في الجنة" يتعلق ببنى، أو هو حال من قوله: "مثله"، وفيه إشارة إلى دخول فاعل ذلك الجنة، إذ المقصود بالبناء له أن يسكنه، وهو لا يسكنه إلا بعد الدخول. والله أعلم.


باب يأخذ بأصول النبل إذا مر في المسجد...
3 - باب يَأْخُذُ بِنُصُولِ النَّبْلِ إِذَا مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ451- حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان قال: قلت لعمرو: أسمعت جابربن عبد الله يقول"مر رجل في المسجد ومعه سهام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أمسك بنصالها" ؟
[الحديث451- طرفاه في:7074,7072]
قوله: "باب يأخذ" أي الشخص "بنصول" جمع نصل، ويجمع أيضا على نصال كما سيأتي في حديث الباب الذي بعده. "والنبل" بفتح النون وسكون الموحدة وبعدها لام: السهام العربية، وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها. وجواب الشرط في قوله: "إذا مر" محذوف ويفسره قوله: "يأخذ"، أو التقدير يستحب لمن معه نبل أنه يأخذ إلخ. وسفيان المذكور في الإسناد هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار. ولم يذكر قتيبة في هذا السياق جواب عمرو عن استفهام سفيان، كذا في أكثر الروايات، وحكي عن رواية الأصيلي أنه ذكره في آخره: "فقال نعم " ولم أره فيها. وقد ذكره غير قتيبة أخرجه المصنف في الفتن عن علي بن عبد الله عن سفيان مثله وقال في آخره: "فقال نعم " ورواه مسلم من وجه آخر عن سفيان عن عمرو بغير سؤال ولا جواب، لكن سياق المصنف يفيد تحقق الاتصال فيه، وقد أخرجه الشيخان من غير طريق سفيان أيضا أخرجاه من طريق حماد بن زيد عن عمرو ولفظه: "أن رجلا مر في المسجد بأسهم قد أبدى نصولها، فأمر أن يأخذ بنصولها كي لا تخدش مسلما " وليس في سياق المصنف

" كي". وأفادت رواية سفيان تعيين الآمر المبهم في رواية حماد، وأفادت رواية حماد بيان علة الأمر بذلك. ولمسلم أيضا من طريق أبي الزبير عن جابر أن المار المذكور كان يتصدق بالنبل في المسجد، ولم أقف على اسمه إلى الآن. "فائدة": قال ابن بطال: حديث جابر لا يظهر فيه الإسناد لأن سفيان لم يقل إن عمرا قال له نعم. قال: ولكن ذكره البخاري في غير كتاب الصلاة وزاد في آخره: "فقال نعم " فبان بقوله نعم إسناد الحديث. قلت: هذا مبني على المذهب المرجوح في اشتراط قول الشيخ " نعم " إذا قال له القارئ مثلا: أحدثك فلان؟ والمذهب الراجح الذي عليه أكثر المحققين - ومنهم البخاري - أن ذلك لا يشترط، بل يكتفى بسكوت الشيخ إذا كان متيقظا، وعلى هذا فالإسناد في حديث جابر ظاهر والله أعلم. وفي الحديث إشارة إلى تعظيم قليل الدم كثيرة، وتأكيد حرمة المسلم، وجواز إدخال السلاح المسجد. وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي سعيد قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقليب السلاح في المسجد " والمعنى فيه ما تقدم.


67 - باب الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ
452- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا لاَ يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا"
[الحديث452- طرفه في:7075
قوله: "باب المرور في المسجد" أي جوازه، وهو مستنبط من حديث الباب من جهة الأولوية، فإن قيل: ما وجه تخصيص حديث أبي موسى بترجمة المرور، وحديث جابر بترجمة الأخذ بالنصال، مع أن كلا من الحديثين يدل على كل من الترجمتين؟ أجيب باحتمال أن يكون ذلك بالنظر إلى لفظ المتن، فإن حديث جابر ليس فيه ذكر المرور من لفظ الشارع، بخلاف حديث أبي موسى فإن فيه لفظ المرور مقصودا حيث جعل شرطا ورتب عليه الحكم، وهذا بالنظر إلى اللفظ الذي وقع للمصنف على شرطه وإلا فقد رواه النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: "إذا مر أحدكم " الحديث. وعبد الواحد المذكور في الإسناد هو ابن زياد، وأبو بردة بن عبد الله اسمه بريد، وشيخه هو جده أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وقد أخرجه المصنف في الفتن من طريق أبي أسامة عن بريد نحوه، وكذا أخرجه مسلم من طريقه. قوله: "أو أسواقنا" هو تنويع من الشارع وليس شكا من الراوي، والباء في قوله: "بنبل " للمصاحبة. قوله: "على نصالها" ضمن الأخذ معنى الاستعلاء للمبالغة، أو " على " بمعنى الباء كما تقدم في طريق حماد عن عمرو، وسيأتي من طريق ثابت عن أبي بردة. قوله: "لا يعقر" أي لا يجرح، وهو مجزوم نظرا إلى أنه جواب الأمر، ويجوز الرفع. قوله: "بكفه" متعلق بقوله: "فليأخذ " وكذا رواية الأصيلي: "لا يعقر مسلما بكفه " ليس قوله بكفه متعلقا بيعقر، والتقدير: فليأخذ بكفه على نصالها لا يعقر مسلما. ويؤيده رواية أبي أسامة " فليمسك على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين " لفظ مسلم، وله من طريق ثابت عن أبي بردة " فليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها ثم ليأخذ بنصالها".


453- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ "أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَا حَسَّانُ أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَعَمْ"
[الحديث453- طرفاه في6152,3212]
قوله: "باب الشعر في المسجد" أي ما حكمه؟ قوله: "عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة" كذا رواه شعيب، وتابعه إسحاق بن راشد عن الزهري أخرجه النسائي، ورواه سفيان بن عيينة عن الزهري فقال: "عن سعيد بن المسيب " بدل أبي سلمة، أخرجه المؤلف في بدء الخلق، وتابعه معمر عند مسلم وإبراهيم بن سعد وإسماعيل بن أمية عند النسائي، وهذا من الاختلاف الذي لا يضر، لأن الزهري من أصحاب الحديث. فالراجح أنه عنده عنهما معا فكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وهذا من جنس الأحاديث التي يتعقبها الدارقطني على الشيخين لكنه لم يذكره فليستدرك عليه. وفي الإسناد نظر من وجه آخر، وهو على شرط التتبع أيضا، وذلك أن لفظ رواية سعيد بن المسيب " مر عمر في المسجد وحسان ينشد فقال: كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك. ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله " الحديث. ورواية سعيد لهذه القصة عندهم مرسلة، لأنه لم يدرك زمن المرور، ولكن يحمل على أن سعيدا سمع ذلك من أبي هريرة بعد أو من حسان، أو وقع لحسان استشهاد أبي هريرة مرة أخرى فحضر ذلك سعيد، ويقويه سياق حديث الباب فإن فيه أن أبا سلمة سمع حسان يستشهد أبا هريرة، وأبو سلمة لم يدرك زمن مرور عمر أيضا فإنه أصغر من سعيد، فدل على تعدد الاستشهاد، ويجوز أن يكون التفات حسان إلى أبي هريرة واستشهاده به إنما وقع متأخرا لأن " ثم " لا تدل على الفورية، والأصل عدم التعدد، وغايته أن يكون سعيد أرسل قصة المرور ثم سمع بعد ذلك استشهاد حسان لأبي هريرة وهو المقصود لأنه المرفوع، وهو موصولا بلا تردد. والله أعلم. قوله: "يستشهد" أي يطلب الشهادة، والمراد الإخبار بالحكم الشرعي وأطلق عليه الشهادة مبالغة في تقوية الخبر. قوله: "أنشدك" بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة، أي سألتك الله، والنشد بفتح النون وسكون المعجمة التذكر. قوله: "أجب عن رسول الله" في رواية سعيد " أجب عني " فيحتمل أن يكون الذي هنا بالمعنى. قوله: "أيده" أي قوه، وروح القدس المراد هنا جبريل، بدليل حديث البراء عند المصنف أيضا بلفظ: "وجبريل معك " والمراد بالإجابة الرد على الكفار الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفي الترمذي من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب لحسان منبرا في المسجد فيقوم عليه يهجو الكفار، وذكر المزي في " الأطراف " أن البخاري أخرجه تعليقا نحوه، وأتم منه، لكني لم أره فيه، قال ابن بطال: ليس في حديث الباب أن حسان أنشد شعرا في المسجد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن رواية البخاري في بدء الخلق من طريق سعيد تدل على أن قوله صلى الله عليه وسلم لحسان " أجب عني " كان في المسجد، وأنه أنشد فيه ما أجاب به المشركين. وقال غيره: يحتمل أن البخاري أراد أن الشعر المشتمل على الحق حق، بدليل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لحسان على شعره، وإذا كان حقا جاز في المسجد كسائر الكلام الحق، ولا يمنع منه كما يمنع من غيره من الكلام الخبيث واللغو الساقط. قلت: والأول أليق بتصرف البخاري، وبذلك جزم المازري وقال: "إنما اختصر البخاري القصة لاشتهارها ولكونه ذكرها في موضع آخر". انتهى. وأما ما رواه ابن خزيمة في صحيحه والترمذي وحسنه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الأشعار في المساجد " وإسناده صحيح إلى عمرو - فمن يصحح نسخته يصححه - وفي المعنى عدة أحاديث لكن في أسانيدها مقال، فالجمع بينها وبين حديث الباب أن يحمل النهي على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين، والمأذون فيه ما سلم من ذلك. وقيل: المنهي عنه ما إذا كان التناشد غالبا على المسجد حتى يتشاغل به من فيه. وأبعد أبو عبد الملك البوني فأعمل أحاديث النهي وادعى النسخ في حديث الإذن ولم يوافق على ذلك حكاه ابن التين عنه، وذكر أيضا أنه طرد هذه الدعوى فيما سيأتي من دخول أصحاب الحراب المسجد وكذا دخول المشرك.


69 - باب أَصْحَابِ الْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ454- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ "لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ "
[الحديث545- أطرافه في:5236,5190,3931,3529,2906,988,950,455]
455- زَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ"
قوله: "باب أصحاب الحراب في المسجد" الحراب بكسر المهملة جمع حربة، والمراد جواز دخولهم فيه ونصال حرابهم مشهورة، وأظن المصنف أشار إلى تخصيص الحديث السابق في النهي عن المرور في المسجد بالنصل غير مغمود، والفرق بينهما أن التحفظ في هذه الصورة وهي صورة اللعب بالحراب سهل، بخلاف مجرد المرور فإنه قد يقع بغتة فلا يتحفظ منه. قوله في الإسناد "عن صالح" هو ابن كيسان.
قوله: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما في باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد" فيه جواز ذلك في المسجد، وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقرآن والسنة: أما القرآن فقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} وأما السنة فحديث: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم". وتعقب بأن الحديث ضعيف، وليس فيه ولا في الآية تصريح بما ادعاه، ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ. وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد، وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث، وفي بعضها أن عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "دعهم" . واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو. وقال المهلب: المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه. وفي الحديث جواز النظر إلى اللهو المباح، وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله، وكرم معاشرته، وفضل عائشة وعظيم محلها عنده. وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب العيدين إن شاء الله تعالى.


قوله: "في باب حجرتي" عند الأصيلي وكريمة على باب حجرتي. قوله: "يسترني بردائه" يدل على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب، ويدل على جواز نظر المرأة إلى الرجل. وأجاب بعض من منع بأن عائشة كانت إذ ذاك صغيرة، وفيه نظر لما ذكرنا. وادعى بعضهم النسخ بحديث: "أفعمياوان أنتما؟ " وهو حديث مختلف في صحته. وسيأتي للمسألة مزيد بسط في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: "وزاد إبراهيم المنذر" يريد أن إبراهيم رواه من رواية يونس - وهو ابن يزيد - عن ابن شهاب كرواية صالح، لكن عين أن لعبهم كان بحرابهم وهو المطابق للترجمة، وفي ذلك إشارة إلى أن البخاري يقصد بالترجمة أصل الحديث لا خصوص السياق الذي يورده، ولم أقف على طريق يونس من رواية إبراهيم بن المنذر موصولة، نعم وصلها مسلم عن أبي طاهر بن السرح عن ابن وهب، ووصلها الإسماعيلي أيضا من طريق عثمان بن عمر عن يونس وفيه الزيادة.


70 - باب ذِكْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْمَسْجِدِ456- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "أَتَتْهَا بَرِيرَةُ تَسْأَلُهَا فِي كِتَابَتِهَا فَقَالَتْ إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتُ أَهْلَكِ وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لِي وَقَالَ أَهْلُهَا إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتِهَا مَا بَقِيَ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً إِنْ شِئْتِ أَعْتَقْتِهَا وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لَنَا فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَّرَتْهُ ذَلِكَ َقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ" ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ" قَالَ عَلِيٌّ قَالَ يَحْيَى وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ نَحْوَهُ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ صَعِدَ الْمِنْبَرَ
[الحديث456- أطرافه في:
6760,6758,6754,6751,6717,5430,5284,5279,5097,2735,
2729,27262717,2578,2565,2564,2563,2561,2536,2155,1 493]
قوله: "باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد" مطابقة هذه الترجمة لحديث الباب من قوله: "ما بال أقوام يشترطون " فإن فيه إشارة إلى القصة المذكورة، وقد اشتملت على بيع وشراء وعتق وولاء. ووهم بعض من تكلم على هذا الكتاب فقال: ليس فيه أن البيع والشراء وقعا في المسجد، ظنا منه أن الترجمة معقودة لبيان جواز ذلك، وليس كما ظن، للفرق بين جريان ذكر الشيء والإخبار عن حكمه فإن ذلك حق وخير، وبين مباشرة العقد فإن ذلك يفضي إلى اللغط المنهي عنه، قال المازري: واختلفوا في جواز ذلك في المسجد مع اتفاقهم على صحة العقد لو وقع. ووقع لابن المنير في تراجمه وهم آخر، فإنه زعم أن حديث هذه الترجمة هو حديث أبي هريرة في قصة ثمامة بن أثال، وشرع يتكلف لمطابقته لترجمة البيع والشراء في المسجد، وإنما الذي في النسخ كلها في ترجمة البيع والشراء حديث عائشة، وأما حديث أبي هريرة المذكور فسيأتي بعد أربعة أبواب بترجمة أخرى، وكأنه انتقل بصره من موضع لموضع، أو تصفح ورقة فانقلبت ثنتان. قوله: "حدثنا سفيان" هو ابن عيينة "عن يحيى" هو ابن سعيد. وللحميدي في مسنده " عن سفيان حدثنا يحيى". قوله: "قالت أتتها" فيه التفات إن كان فاعل قالت عائشة، ويحتمل أن يكون الفاعل عمرة فلا التفات. قوله: "تسألها في كتابتها" ضمن " تسأل " معنى تستعين، وثبت كذلك في رواية أخرى، والمراد بقولها " أهلك " مواليك، وحذف مفعول " أعطيت " الثاني لدلالة الكلام عليه، والمراد بقية ما عليها، وسيأتي تعيينه في كتاب العتق إن شاء الله تعالى. قوله: "وقال سفيان مرة" أي أن سفيان حدث به على وجهين، وهو موصول غير معلق. قوله: "ذكرته ذلك" كذا وقع هنا بتشديد الكاف، فقيل: الصواب ما وقع في رواية مالك وغيره بلفظ: "ذكرت له ذلك " لأن التذكير يستدعي سبق علم بذلك، ولا يتجه تخطئة هذه الرواية لاحتمال السبق أولا على وجه الإجمال. قوله: "يشترطون شروطا ليس في كتاب الله" كأنه ذكر باعتبار جنس الشرط ولفظ: "مائة " للمبالغة فلا مفهوم له. قوله: "في كتاب الله" قال الخطابي: ليس المراد أن ما لم ينص عليه في كتاب الله فهو باطل، فإن لفظ: "الولاء لمن أعتق " من قوله صلى الله عليه وسلم، لكن الأمر بطاعته في كتاب الله فجاز إضافة ذلك إلى الكتاب. وتعقب بأن ذلك لو جاز لجازت إضافة ما اقتضاه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم إليه، والجواب عنه أن تلك الإضافة إنما هي بطريق العموم لا بخصوص المسألة المعينة، وهذا مصير من الخطابي إلى أن المراد بكتاب الله هنا القرآن، ونظير ما جنح إليه ما قاله ابن مسعود لأم يعقوب في قصة الواشمة: مالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله. ثم استدل على كونه في كتاب الله بقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}. ويحتمل أن يكون المراد بقوله هنا " في كتاب الله " أي في حكم الله، سواء ذكر في القرآن أم في السنة. أو المراد بالكتاب المكتوب أي في اللوح المحفوظ. وحديث عائشة هذا في قصة بريرة قد أخرجه البخاري في مواضع أخرى من البيوع والعتق وغيرهما، واعتنى به جماعة من الأئمة فأفردوه بالتصنيف. وسنذكر فوائده ملخصة مجموعة في كتاب العتق إن شاء الله تعالى. قوله: "ورواه مالك" وصله في باب المكاتب عن عبد الله بن يوسف عنه، وصورة سياقه الإرسال، وسيأتي الكلام عليه هناك. قوله: "قال علي" يعني ابن عبد الله المذكور أول الباب، ويحيى هو ابن سعيد القطان، وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي. والحاصل أن علي بن عبد الله حدث البخاري عن أربعة أنفس حدثه كل منهم به عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وإنما أفرد رواية سفيان لمطابقتها الترجمة بذكر المنير فيها، ويؤيد ذلك أن التعليق عن مالك متأخر في رواية كريمة عن طريق جعفر بن عون. قوله: "عن عمرة نحوه" يعني نحو رواية مالك، وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار عن يحيى القطان وعبد الوهاب كلاهما عن يحيى بن سعيد قال: "أخبرتني عمرة أن بريرة " فذكره، وليس فيه ذكر المنبر أيضا، وصورته أيضا الإرسال، لكن قال في آخره: "فزعمت عائشة أنها ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم: "فذكر الحديث، فظهر بذلك اتصاله.
وأفادت رواية جعفر بن عون التصريح بسماع يحيى من عمرة وبسماع عمرة من عائشة فأمن بذلك ما يخشى فيه من الإرسال المذكور وغيره. وقد وصله النسائي والإسماعيلي أيضا من رواية جعفر بن عون وفيه عن عائشة قالت: "أتتني بريرة " فذكر الحديث وليس فيه ذكر المنبر أيضا.


71 - باب التَّقَاضِي وَالْمُلاَزَمَةِ فِي الْمَسْجِدِ457- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى "يَا كَعْبُ" قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا" وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَيْ الشَّطْرَ قَالَ لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "قُمْ فَاقْضِهِ"
[الحديث457- أطرافه في:2710,2706,2424,2418,471]
قوله: "باب التقاضي" أي مطالبة الغريم قضاء الدين. "والملازمة" أي ملازمة الغريم، و "في المسجد" يتعلق بالأمرين. فإن قيل: التقاضي ظاهر من حديث الباب دون الملازمة، أجاب بعض المتأخرين فقال: كأنه أخذه من كون ابن أبي حدرد لزمه خصمه في وقت التقاضي، وكأنهما كانا ينتظران النبي صلى الله عليه وسلم ليفصل بينهما. قال: فإذا جازت الملازمة في حال الخصومة فجوازها بعد ثبوت الحق عند الحاكم أولى. انتهى. قلت: والذي يظهر لي من عادة تصرف البخاري أنه أشار بالملازمة إلى ما ثبت في بعض طرقه، وهو ما أخرجه هو في باب الصلح وغيره من طريق الأعرج عن عبد الله بن كعب عن أبيه أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي مال، فلقيه فلزمه، فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما. ويستفاد من هذه الرواية أيضا تسمية ابن أبي حدرد وذكر نسبته. "فائدة": قال الجوهري وغيره: لم يأت من الأسماء على " فعلع " بتكرير العين غير حدرد، وهو بفتح المهملة بعدها دال مهملة ساكنة ثم راء مفتوحة ثم دال مهملة أيضا. قوله: "عن كعب" هو ابن مالك، أبوه. قوله: "دينا" وقع في رواية زمعة بن صالح عن الزهري أنه كان أوقيتين أخرجه الطبراني. قوله: "في المسجد" متعلق بتقاضي. قوله: "فخرج إليهما" في رواية الأعرج " فمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم: "فظاهر الروايتين التخالف، وجمع بعضهم بينهما باحتمال أن يكون مر بهما أو لا ثم إن كعبا أشخص خصمه للمحاكمة فسمعهما النبي صلى الله عليه وسلم أيضا وهو في بيته. قلت: وفيه بعد، لأن في الطريقين أنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى كعب بالوضيعة وأمر غريمه بالقضاء، فلو كان أمره صلى الله عليه وسلم بذلك تقدم لهما لما احتاج إلى الإعادة. والأولى فيما يظهر لي أن يحمل المرور على أمر معنوي لا حسي. قوله: "سجف" بكسر المهملة وسكون الجيم وحكى فتح أوله وهو الستر، وقيل أحد طرفي الستر المفرج. قوله: "أي الشطر" بالنصب أي ضع الشطر، لأنه تفسير لقوله: "هذا " والمراد بالشطر النصف وصرح به في رواية الأعرج. قوله: "لقد فعلت" مبالغة في امتثال الأمر. وقوله: "قم " خطاب لابن أبي حدرد، وفيه إشارة إلى أنه لا يجتمع الوضيعة والتأجيل. وفي الحديث جواز رفع الصوت في المسجد، وهو كذلك ما لم يتفاحش، وقد أفرد له المصنف بابا يأتي قريبا، والمنقول عن مالك منعه في المسجد مطلقا، وعنه التفرقة بين رفع الصوت بالعلم والخير وما لا بد منه فيجوز، وبين رفعه باللغط ونحوه فلا. قال المهلب: لو كان رفع الصوت في المسجد لا يجوز لما تركهما النبي صلى الله عليه وسلم ولبين لهما ذلك. قلت: ولمن منع أن يقول: لعله تقدم نهيه عن ذلك فاكتفى به، واقتصر على التوصل بالطريق المؤدية إلى ترك ذلك بالصلح المقتضى لترك المخاصمة الموجبة لرفع الصوت. وفيه الاعتماد على الإشارة إذا فهمت، والشفاعة إلى صاحب الحق، وإشارة الحاكم بالصلح وقبول الشفاعة، وجواز إرخاء الستر على الباب.


72 - باب كَنْسِ الْمَسْجِدِ وَالْتِقَاطِ الْخِرَقِ وَالْقَذَى وَالْعِيدَانِ458- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا "مَاتَ" قَالَ "أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ" أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا"
[الحديث458- طرفاه في: 1337,460]
قوله: "باب كنس المسجد، والتقاط الخرق والقذى والعيدان" أي منه. قوله: "عن أبي رافع" هو الصائغ تابعي كبير، ووهم بعض الشراح فقال: إنه أبو رافع الصحابي. وقال: هو من رواية صحابي عن صحابي. وليس كما قال فإن ثابتا البناني لم يدرك أبا رافع الصحابي. قوله: "أن رجلا أسود أو امرأة سوداء" الشك فيه من ثابت لأنه رواه عنه جماعة هكذا، أو من أبي رافع. وسيأتي بعد باب من وجه آخر عن حماد بهذا الإسناد قال: ولا أراه إلا امرأة ورواه ابن خزيمة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقال امرأة سوداء ولم يشك. ورواه البيهقي بإسناد حسن من حديث ابن بريدة عن أبيه فسماها " أم محجن " وأفاد أن الذي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله عنها أبو بكر الصديق. وذكر ابن منده في الصحابة " خرقاء امرأة سوداء كانت تقم المسجد " ووقع ذكرها في حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس، وذكرها ابن حبان في الصحابة بذلك بدون ذكر السند، فإن كان محفوظا فهذا اسمها وكنيتها " أم محجن". قوله: "كان يقم المسجد" بقاف مضمومة أي يجمع القمامة وهي الكناسة. فإن قيل: دل الحديث على كنس المسجد فمن أين يؤخذ التقاط الخرق وما معه؟ أجاب بعض المتأخرين بأنه يؤخذ بالقياس عليه، والجامع التنظيف. قلت: والذي يظهر لي من تصرف البخاري أنه أشار بكل ذلك إلى ما ورد في بعض طرقه صريحا، ففي طريق العلاء المتقدمة " كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد " وفي حديث بريدة المتقدم " كانت مولعة بلقط القذى من المسجد " والقذى بالقاف والذال المعجمة مقصور: جمع قذاة، وجمع الجمع أقذية قال أهل اللغة القذى في العين والشراب ما يسقط فيه، ثم استعمل في كل شيء يقع في البيت وغيره إذا كان يسيرا. وتكلف من لم يطلع على ذلك فزعم أن حكم الترجمة يؤخذ من إتيان النبي صلى الله عليه وسلم القبر حتى صلى عليه، قال: فيؤخذ من ذلك الترغيب في تنظيف المسجد. قوله: "عنه" أي عن حاله، ومفعوله محذوف أي الناس. قوله: "آذنتموني" بالمد أي أعلمتموني، زاد المصنف في الجنائز " قال فحقروا شأنه " وزاد ابن خزيمة في طريق العلاء " قالوا مات من الليل فكرهنا أن نوقظك " وكذا في حديث بريدة، زاد مسلم عن أبي كامل الجحدري عن حماد بهذا الإسناد في آخره ثم قال: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " وإنما لم يخرج البخاري هذه الزيادة لأنها مدرجة في هذا الإسناد، وهي من مراسيل ثابت، بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد، وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب " بيان المدرج"، قال البيهقي: يغلب على الظن أن هذه الزيادة من مراسيل ثابت كما قال أحمد بن عبدة، أو من رواية ثابت عن أنس يعني كما رواه ابن منده. ووقع في مسند أبي داود الطيالسي عن حماد بن زيد وأبي عامر الخزاز كلاهما عن ثابت بهذه الزيادة، وزاد بعدها " فقال رجل من الأنصار: إن أبي - أو أخي - مات أو دفن فصل عليه. قال فانطلق معه رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي الحديث فضل تنظيف المسجد، والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب. وفيه المكافأة بالدعاء، والترغيب في شهود جنائز أهل الخير، وندب الصلاة على الميت الحاضر عند قبره لمن لم يصل عليه، والإعلام بالموت.


3 7- باب تَحْرِيمِ تِجَارَةِ الْخَمْرِ فِي الْمَسْجِدِ459- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "لَمَّا أُنْزِلَتْ الْآيَاتُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ حَرَّمَ تِجَارَةَ الْخَمْرِ"
[الحديث459- أطرافه في: 4543,4542,4541,4540,2226,2084]
قوله: "باب تحريم تجارة الخمر في المسجد" أي جواز ذكر ذلك وتبيين أحكامه، وليس مراده ما يقتضيه مفهومه من أن تحريمها مختص بالمسجد، وإنما هو على حذف مضاف، أي باب ذكر تحريم، كما تقدم نظيره في " باب ذكر البيع والشراء". وموقع الترجمة أن المسجد منزه عن الفواحش فعلا وقولا، لكن يجوز ذكرها فيه للتحذير مها ونحو ذلك لها دل عليه هذا الحديث. قوله: "عن أبي حمزة" هو السكري، ومسلم هو ابن صبيح أبو الضحى. وسيأتي الكلام على حديث الباب في تفسير سورة البقرة إن شاء الله تعالى. قال القاضي عياض: كان تحريم الخمر قبل نزول آية الربا بمدة طويلة، فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بتحريمها مرة بعد أخرى تأكيدا. قلت: ويحتمل أن يكون تحريم التجارة فيها تأخر عن وقت تحريم عينها. والله أعلم.


74 - باب الْخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} لِلْمَسْجِدِ يَخْدُمُهَا460- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "أَنَّ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ امْرَأَةً فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرِهَ".
قوله: "باب الخدم للمسجد" في رواية كريمة: "الخدم في المسجد". قوله: "وقال ابن عباس" هذا التعليق وصله ابن أبي حاتم بمعناه. قوله: "محررا" أي معتقا، والظاهر أنه كان في شرعهم صحة النذر في أولادهم، وكأن غرض البخاري الإشارة بإيراد هذا إلى أن تعظيم المسجد بالخدمة كان مشروعا عند الأمم السالفة حتى أن بعضهم وقع منه نذر ولده لخدمته. ومناسبة ذلك لحديث الباب من جهة صحة تبرع تلك المرأة بإقامة نفسها لخدمة المسجد لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لها على ذلك. قوله: "حدثنا أحمد بن واقد" واقد جده، واسم أبيه عبد الملك، وشيخه حماد هو ابن زيد، ورجاله إلى أبي هريرة بصريون. قوله: "ولا أراه" بضم الهمزة، أي أظنه. قوله: "فذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم" أي الذي تقدم قبل بباب.


75 - باب الأَسِيرِ أَوْ الْغَرِيمِ يُرْبَطُ فِي الْمَسْجِدِ461- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ {رَبِّ اغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} " قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا
[الحديث461- أطرافه في: 4808,3423,3284,1210]
قوله: "باب الأسير أو الغريم" كذا للأكثر بأو، وهي للتنويع.وفي رواية ابن السكن وغيره: "والغريم " بواو العطف. قوله: "حدثنا روح" هو ابن عبادة. قوله: "تفلت" بالفاء وتشديد اللام أي تعرض لي فلتة، أي باب الإغتسال إذا أسلم ، وربط أيضا في المسجد


...
3 - باب الِاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ وَرَبْطِ الأَسِيرِ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ
وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الْغَرِيمَ أَنْ يُحْبَسَ إِلَى سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ
462- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ" فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"
[الحديث462- أطرافه في:4372,2423,2422,469]
قوله: "باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد" هكذا في أكثر الروايات، وسقط للأصيلي وكريمة قوله: "وربط الأسير الخ"، وعند بعضهم " باب " بلا ترجمة، وكأنه فصل من الباب الذي قبله، ويحتمل أن يكون بيض للترجمة فسد بعضهم البياض بما ظهر له، ويدل عليه أن الإسماعيلي ترجم عليه " باب دخول المشرك المسجد " وأيضا فالبخاري لم تجر عادته بإعادة لفظ الترجمة عقب الأخرى، والاغتسال إذا أسلم لا تعلق له بأحكام المساجد إلا على بعد، وهو أن يقال: الكافر جنب غالبا والجنب ممنوع من المسجد إلا لضرورة، فلما أسلم لم تبق ضرورة للبثه في المسجد جنبا فاغتسل لتسوغ له الإقامة في المسجد. وادعى ابن المنير أن ترجمة هذا الباب ذكر البيع والشراء في المسجد. قال: ومطابقتها لقصة ثمامة أن من تخيل منع ذلك أخذه من عموم قوله: "إنما بنيت المساجد لذكر الله " فأراد البخاري أن هذا العموم مخصوص بأشياء غير ذلك منها ربط الأسير في المسجد، فإذا جاز ذلك للمصلحة فكذلك يجوز البيع والشراء للمصلحة في المسجد. قلت: ولا يخفى ما فيه من التكلف، وليس ما ذكره من الترجمة مع ذلك في شيء من نسخ البخاري هنا، وإنما تقدمت قبل خمسه أبواب لحديث عائشة في قصة بريرة، ثم قال: فإن قيل إيراد قصة ثمامة في الترجمة التي قبل هذه وهي " باب الأسير يربط في المسجد " أليق فالجواب أنه يحتمل أن البخاري آثر الاستدلال بقصة العفريت على قصة ثمامة، لأن الذي هم بربط العفريت هو النبي صلى الله عليه وسلم، والذي تولى ربط ثمامة غيره، وحيث رآه مربوطا قال: "أطلقوا ثمامة " قال فهو بأن يكون إنكارا لربطه أولى من أن يكون تقريرا. انتهى. وكأنه لم ينظر سياق هذا الحديث تاما لا في البخاري ولا في غيره، فقد أخرجه البخاري في أواخر المغازي من هذا الوجه بعينه مطولا وفيه أنه صلى الله عليه وسلم مر على ثمامة ثلاث مرات وهو مربوط في المسجد، وإنما أمر بإطلاقه في اليوم الثالث، وكذا أخرجه مسلم غيره، وصرح ابن إسحاق في المغازي من هذا الوجه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بربطه، فبطل ما تخيله ابن المنير، وإني لأتعجب منه كيف جوز أن الصحابة يفعلون في المسجد أمرا لا يرضاه رسول صلى الله عليه وسلم؟ فهو كلام فاسد، مبني على فاسد، فالحمد لله على التوفيق. قوله: "وكان شريح يأمر الغريم أن يحبس" قال ابن مالك: فيه وجهان، أحدهما أن يكون الأصل يأمر بالغريم، وأن يحبس بدل اشتمال، ثم حذفت الباء. ثانيهما أن معنى قوله: "أن يحبس " أي ينحبس، فجعل المطاوع موضع المطاوع لاستلزامه إياه. انتهى. والتعليق المذكور في رواية الحموي دون رفقته، وقد وصله معمر عن أيوب عن ابن سيربن قال: "كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم بما عليه، فإن أعطى الحق وإلا أمر به إلى السجن. قوله: "خيلا" أي فرسانا، والأصل أنهم كانوا رجالا على خيل، وثمامة بمثلثة مضمومة وأثال بضم الهمزة بعدها مثلثة خفيفة. قوله: "إلى نخل" في أكثر الروايات بالخاء المعجمة، وفي النسخة المقروءة على أبي الوقت بالجيم، وصوبها بعضهم. وقال: والنجل الماء القليل النابع وقيل الجاري. قلت: ويؤيد الرواية الأولى أن لفظ ابن خزيمة في صحيحه في هذا الحديث: "فانطلق إلى حائط أبي طلحة " سيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث حيث أورده المصنف تاما إن شاء الله تعالى.

77- باب الْخَيْمَةِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَرْضَى وَغَيْرِهِمْ463- حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلاَّ الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ فِيهَا"
[الحديث 463- أطرافه في: 4122,4117,3901,2813]
قوله: "باب الخيمة في المسجد" أي جواز ذلك قوله: "حدثنا زكريا بن يحيى" هو البلخي اللؤلؤي وكان حافظا، وفي شيوخ البخاري زكريا بن يحيى أبو السكين، وقد شارك البلخي في بعض شيوخه. قوله: "أصيب سعد" أي ابن معاذ. قوله: "في الأكحل" هو عرق في اليد. قوله: "خيمة في المسجد" أي لسعد. قوله: "فلم يرعهم" أي يفزعهم، قال الخطابي: المعنى أنهم بينما هم في حال طمأنينة حتى أفزعتهم روية الدم فارتاعوا له. وقال غيره: المراد بهذا اللفظ السرعة لا نفس الفزع. قوله: "وفي المسجد خيمة" هذه الجملة معترضة بين الفعل والفاعل، والتقدير: فلم يرعهم إلا الدم، والمعنى فراعهم الدم. قوله: "من قبلكم" بكسر القاف، أي من جهتكم. قوله: "يغذو" غين وذال معجمتين، أي يسيل. قوله: "فمات فيها" أي في الخيمة، أو في تلك المرضة. وفي رواية المستملي والكشميهني: "فمات منها " أي الجراحة. وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب المغازي حيث أورده المؤلف هناك بأتم من هذا السياق.


78 - باب إِدْخَالِ الْبَعِيرِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْعِلَّةِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ "طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ"
464- حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي قال "طوفي من وراء الناس وأنت راكبة" فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت يقرأ بالطور وكتاب مسطور"
[الحديث464- أطرافه في: 4853,1633,1636,1619]
قوله: "باب إدخال البعير في المسجد للعلة" أي للحاجة ، وفهم منه بعضهم أن المراد بالعلة الضعف فقال هو ظاهر في حديث أم سلمة دون حديث ابن عباس، ويحتمل أن يكون المصنف أشار بالتعليق المذكور إلى ما أخرجه أبو داود من حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي، فطاف على راحلته، وأما اللفظ المعلق فهو موصول عند المصنف كما سيأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. ويأتي أيضا قول جابر " أنه إنما طاف على بعيره ليراه الناس وليسألوه " ويأتي الكلام على حديث أم سلمة أيضا في الحج، وهو ظاهر فيما ترجم له، ورجال إسناده مدنيون، وفيه تابعيان محمد وعروة، وصحابيتان زينب وأمها أم سلمة. قال ابن بطال: في هذا الحديث جواز دخول الدواب التي يؤكل لحمها المسجد إذا احتيج إلى ذلك لأن بولها لا ينجسه، بخلاف غيرها من الدواب. وتعقب بأنه ليس في الحديث دلالة على عدم الجواز مع [عدم] الحاجة، بل ذلك دائر على التلويث وعدمه، فحيث يخشى التلويث يمتنع الدخول. وقد قيل إن ناقته صلى الله عليه وسلم كانت منوقة، أي مدربة معلمة فيؤمن منها ما يحذر من التلويث وهي سائرة(1) فيحتمل أن يكون بعير أم سلمة كان كذلك. والله أعلم


79- باب
465- حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال حدثنا أنس أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصباحين
ـــــــ
(1) هذا الكلام ليس بشيء, والصواب طهارة أبوال الإبل ونحوها مما يؤكل لحمه,فلا يضر المسجد وجود شيء من ذلك كما أشار إليه ابن بطال .فتنبه, وانظر حاشية ص 339


80 - باب الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرِّ فِي الْمَسْجِدِ466- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ "إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ" فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ إِنْ يَكُنْ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْعَبْدَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ تَبْكِ إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ إِلاَّ بَابُ أَبِي بَكْرٍ"
[الحديث466- طرفاه في: 3904,3654]
467- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ النَّاسِ خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ"
[الحديث467- طرفاه في:6738,3657,3656]
قوله "باب الخوخة والممر في المسجد" الخوخة باب صغير قد بكون بمصراع وقد لايكون,وإنما أصلها فتح في حائط, قاله ابن قرقول قوله: "عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد" هكذا في أكثر الروايات، وسقط في رواية الأصيلي عن أبي زيد ذكر بسر بن سعيد فصار عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد، وهو صحيح في نفس الأمر لكن محمد بن سنان إنما حدث به كالذي وقع في بقية الروايات، فقد نقل ابن السكن عن الفربري عن البخاري أنه قال: هكذا حدث به محمد بن سنان، وهو خطأ، وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد يعني بواو العطف، فعلى هذا يكون أبو النضر سمعه من شيخين حدثه كل منهما به عن أبي سعيد، وقد رواه مسلم كذلك عن سعيد بن منصور عن فليح عن أبي النضر عن عبيد وبسر جميعا عن أبي سعيد وتابعه يونس ابن محمد عن فليح أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عنه، ورواه أبو عامر العقدي عن فليح عن أبي النضر عن بسر وحده، أخرجه المصنف في مناقب أبي بكر، فكأن فليحا كان يجمعهما مرة ويقتصر مرة على أحدهما. وقد رواه مالك عن أبي النضر عن عبيد وحده عن أبي سعيد أخرجه المصنف أيضا في الهجرة، وهذا مما يقوى أن الحديث عند أبي النضر عن شيخين، ولم يبق إلا أن محمد بن سنان أخطأ في حذف الواو العاطفة مع احتمال أن يكون الخطأ من فليح حال تحديثه له به، ويؤيد هذا الاحتمال أن المعافي بن سليمان الحراني رواه عن فليح كرواية محمد بن سنان، وقد نبه المصنف على أن حذف الواو خطأ فلم يبق للاعتراض عليه سبيل، قال الدارقطني: رواية من رواه عن أبي النضر عن عبيد عن بسر غير محفوظة. قوله: "إن يكن الله خير عبدا" كذا للأكثر، وللكشميهني: "إن يكن لله عبد خير " والهمزة في " إن " مكسورة على أنها شرطية، وجوز ابن التين فتحها على أنها تعليلية وفيه نظر. قوله: "إن أمن الناس" قال النووي: قال العلماء معناه أكثرهم جودا لنا بنفسه وماله، وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة، لأن المنة لله ولرسوله في قبول ذلك. وقال القرطبي: هو من الامتنان، والمراد أن أبا بكر له من الحقوق ما لو كان لغيره نظيرها لامتن بها، يؤيده قوله في رواية ابن عباس " ليس أحد أمن على"، والله أعلم. قوله: "ولكن أخوة الإسلام" كذا للأكثر وللأصيلي: "ولكن خوة الإسلام " بحذف الألف كأنه نقل حركة الهمزة إلى النون وحذف الهمزة، فعلى هذا يجوز ضم نون لكن كما قاله ابن مالك، وخبر هذه الجملة محذوف، والتقدير أفضل كما وقع في حديث ابن عباس الذي بعده " ولكن فيه خلة الإسلام " ويأتي ما في ذلك من الإشكال وبيانه في كتاب المناقب إن شاء الله تعالى. وبين حديث ابن عباس أيضا أن ذلك كان في مرض موته صلى الله عليه وسلم، وذلك لما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فلذلك استثنى خوخته بخلاف غيره، وقد قيل: إن ذلك من جملة الإشارات إلى استخلافه كما سيأتي أيضا. قوله: "غير خوخة أبي بكر" كذا للأكثر، وللكشميهني: "إلا " بدل غير.

81 - باب الأَبْوَابِ وَالْغَلَقِ لِلْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ "قَالَ لِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَا عَبْدَ الْمَلِكِ لَوْ رَأَيْتَ مَسَاجِدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبْوَابَهَا"
468- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالاَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ فَدَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِلاَلٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ ثُمَّ أَغْلَقَ الْبَابَ فَلَبِثَ فِيهِ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجُوا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَبَدَرْتُ فَسَأَلْتُ بِلاَلًا فَقَالَ صَلَّى فِيهِ فَقُلْتُ فِي أَيٍّ قَالَ بَيْنَ الأُسْطُوَانَتَيْنِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَذَهَبَ عَلَيَّ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى؟".
قوله: "باب الأبواب والغلق" بفتح المعجمة واللام، أي ما يغلق به الباب. قوله: "قال لي عبد الله بن محمد" هو الجعفي، وسفيان هو ابن عيينة، وعبد الملك هو اسم ابن جريج. و قوله: "لو رأيت" محذوف الجواب وتقديره: لرأيت عجبا أو حسنا، لإتقانها أو نظافتها ونحو ذلك. وهذا السياق يدل على أنها في ذلك الوقت كانت قد اندرست. قوله: "قالا حدثنا حماد بن زيد" لم يقل الأصيلي: "ابن زيد"، وسيأتي الكلام على حديث ابن عمر هذا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. قال ابن بطال: الحكمة في غلق الباب حينئذ لئلا يظن الناس أن الصلاة فيه سنة فيلتزمون ذلك، كذا قال. ولا يخفى ما فيه. وقال غيره: يحتمل أن يكون ذلك لئلا يزدحموا عليه، لتوفر دواعيهم على مراعاة أفعاله ليأخذوها عنه، أو ليكون ذلك أسكن لقلبه وأجمع لخشوعه. وإنما أدخل معه عثمان لئلا يظن أنه عزل عن ولاية الكعبة، وبلالا وأسامة لملازمتهما خدمته. وقيل: فائدة ذلك التمكن من الصلاة في جميع جهاتها، لأن الصلاة إلى جهة الباب وهو مفتوح لا تصح.


82 - باب دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ469- حدثنا قتيبة قال حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول"بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد"
قوله: "باب دخول المشرك المسجد" هذه الترجمة ترد على الإسماعيلي حيث ترجم بها فيما مضى بدل ترجمة الاغتسال إذا أسلم، وقد يقال إن في هذه الترجمة بالنسبة إلى ترجمة " الأسير يربط في المسجد " تكرارا، لأن ربطه فيه يستلزم إدخاله. لكن يجاب عن ذلك بأن هذا أعم من ذاك، وقد اختصر المصنف الحديث مقتصرا على المقصود منه، وسيأتي تاما في المغازي. وفي دخول المشرك المسجد مذاهب: فعن الحنفية الجواز مطلقا، وعن المالكية والمزني المنع مطلقا، وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره للآية. وقيل: يؤذن للكتابي خاصة، وحديث الباب يرد عليه، فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب.


3 - باب رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ
470- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا قَالَ مَنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا قَالاَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لاَوْجَعْتُكُمَا تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
قوله: "باب رفع الصوت في المسجد" أشار بالترجمة إلى الخلاف في ذلك، فقد كرهه مالك مطلقا سواء كان في العلم أم في غيره، وفرق غيره بين ما يتعلق بغرض ديني أو نفع دنيوي وبين ما لا فائدة فيه، وساق البخاري في


3 - باب الْحِلَقِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ472- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا تَرَى فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ قَالَ "مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى" وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ وِتْرًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ
[الحديث 472- أطرافه في: 1137,995,993,990,473]
473- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ فَقَالَ "مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ" قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَجُلًا نَادَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ
474- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ".
قوله: "باب الحلق" بفتح المهملة ويجوز كسرها واللام مفتوحة على كل حال: جمع حلقة بإسكان اللام على غير قياس وحكى فتحها أيضا. قوله: "عن عبيد الله" هو ابن عمر العمري. قوله: "سأل رجل" لم أقف على اسمه. قوله: "ما ترى" أي ما رأيك؟ من الرأي، ومن الرؤية بمعنى العلم، و "مثنى مثنى" بغير تنوين أي اثنتين اثنتين، وكرر تأكيدا. قوله: "فأوترت" بفتح الراء، أي تلك الواحدة. قوله: "وأنه كان يقول" بكسر الهمزة على الاستئناف، وقائل ذلك هو نافع، والضمير لابن عمر. قوله: "بالليل" هي في رواية الكشميهني والأصيلي فقط. قوله في طريق أيوب عن نافع "توتر" بالجزم جوابا للأمر، وبالرفع على الاستئناف، وزاد الكشميهني والأصيلي: "لك". قوله: "قال الوليد بن كثير" هذا التعليق وصله مسلم من طريق أبي أسامة عن الوليد، وهو بمعنى حديث نافع عن ابن عمر، وسيأتي الكلام على ذلك مفصلا في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى. وأراد البخاري بهذا التعليق بيان أن ذلك كان في المسجد ليتم له الاستدلال لما ترجم له. وقد اعترضه الإسماعيلي فقال: ليس فيما ذكر دلالة على الحلق ولا على الجلوس في المسجد بحال. وأجيب بأن كونه كان في المسجد صريح من هذا المعلق، وأما التحلق فقال المهلب: شبه البخاري جلوس الرجال في المسجد حول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بالتحلق حول العالم، لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لا يكون في المسجد وهو على المنبر إلا وعنده جمع جلوس محدقين به كالمتحلقين، والله أعلم. وقال غيره: حديث ابن عمر يتعلق بأحد ركني الترجمة وهو الجلوس، وحديث أبي واقد يتعلق بالركن الآخر وهو التحلق. وأما ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال: " مالي أراكم عزين " فلا معارضة بينه وبين هذا، لأنه إنما كره تحلقهم على ما لا فائدة فيه ولا منفعة(1) بخلاف تحلقهم حوله فإنه كان
ـــــــ
(1) هذا فيه نظر. والظاهر أنه أنكر عليهم تفرقهم, ودل بذلك على استحباب اجتماعهم حال مذاكرة العلم, وأن يكونو حلقة واحدة لاحقا, لأن ذلك أجمع للقلوب وأكمل للفائدة. والله أعلم


لسماع العلم والتعلم منه. قوله: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد" زاد في العلم " والناس معه " وهو أصرح فيما ترجم له. قوله: "فرأي فرجة" زاد في العلم " في الحلقة " وزادها الأصيلي والكشميهني أيضا في هذه الرواية، وقد تقدم الكلام على فوائده في كتاب العلم.


85 - باب الِاسْتِلْقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَدِّ الرِّجْلِ
475- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ "أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى"
وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ "كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلاَنِ ذَلِكَ"
[الحديث475- طرفاه في6287,5969]
قوله: "باب الاستلقاء في المسجد" زاد في نسخة الصغاني " ومد الرجل". قوله: "حدثنا عبد الله بن مسلمة" هو القعنبي. قوله: "عن عمه" هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني. قوله: "واضعا إحدى رجليه على الأخرى" قال الخطابي: فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ، أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة، والجواز حيث يؤمن ذلك. قلت: الثاني أولى من ادعاء النسخ لأنه لا يثبت بالاحتمال، وممن جزم به البيهقي والبغوي وغيرهما من المحدثين، وجزم ابن بطال ومن تبعه بأنه منسوخ. وقال المازري: إنما بوب على ذلك لأنه وقع في كتاب أبي داود وغيره، لا في الكتب الصحاح، النهي عن أن يضع إحدى رجليه على الأخرى، لكنه عام لأنه قول يتناول الجميع، واستلقاؤه في المسجد فعل قد يدعي قصره عليه فلا يؤخذ منه الجواز، لكن لما صح أن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك دل على أنه ليس خاصا به صلى الله عليه وسلم، بل هو جائز مطلقا، فإذا تقرر هذا صار بين الحديثين تعارض، فيجمع بينهما، فذكر نحو ما ذكره الخطابي. وفي قوله عن حديث النهي " ليس في الكتب الصحاح " إغفال، فإن الحديث عند مسلم في اللباس من حديث جابر. وفي قوله: "فلا يؤخذ منه الجواز " نظر لأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، والظاهر أن فعله صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز، وكان ذلك في وقت الاستراحة لا عند مجتمع الناس لما عرف من عادته من الجلوس بينهم بالوقار التام صلى الله عليه وسلم. قال الخطابي: وفيه جواز الاتكاء في المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحة. وقال الداودي: فيه أن الأجر الوارد للابث في المسجد لا يختص بالجالس بل يحصل للمستلقي أيضا. قوله: "وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب" هو معطوف على الإسناد المذكور، وقد صرح بذلك أبو داود في روايته عن القعنبي، وهو كذلك في الموطأ، وقد غفل عن ذلك من زعم أنه معلق.


86 - باب الْمَسْجِدِ يَكُونُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِالنَّاسِ
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَأَيُّوبُ وَمَالِكٌ
476- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ


87 - باب الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ
وَصَلَّى ابْنُ عَوْنٍ فِي مَسْجِدٍ فِي دَارٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِمْ الْبَابُ
477- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "صَلاَةُ الْجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ وَتُصَلِّي يَعْنِي عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يؤذ يُحْدِثْ فِيهِ"
قوله: "باب الصلاة في مسجد السوق" ولغير أبي ذر " مساجد". موقع الترجمة الإشارة إلى أن الحديث الوارد في أن الأسواق شر البقاع وأن المساجد خير البقاع كما أخرجه البزار وغيره لا يصح إسناده، ولو صح لم يمنع وضع المسجد في السوق لأن بقعة المسجد حينئذ تكون بقعة خير. وقيل: المراد بالمساجد في الترجمة مواضع إيقاع الصلاة لا الأبنية الموضوعة لذلك، فكأنه قال: باب الصلاة في مواضع الأسواق ولا يخفى بعده. قوله: "وصلى ابن عون" كذا في جميع الأصول، وصحفه ابن المنير فقال: وجه مطابقة الترجمة لحديث ابن عمر - مع كونه لم يصل في سوق - أن المصنف أراد أن يبين جواز بناء المسجد داخل السوق لئلا يتخيل متخيل من كونه محجورا منع الصلاة فيه لأن صلاة ابن عمر كانت في دار تغلق عليهم فلم يمنع التحجير اتخاذ المسجد. وقال الكرماني: لعل غرض البخاري منه الرد على الحنفية حيث قالوا بامتناع اتخاذ المسجد في الدار المحجوبة عن الناس اهـ. والذي في كتب الحنفية الكراهة لا التحريم، وظهر بحديث أبي هريرة أن الصلاة في السوق مشروعة، وإذا جازت الصلاة فيه فرادى كان أولى أن يتخذ فيه مسجد للجماعة، أشار إليه ابن بطال. حديث أبي هريرة الذي ساقه المصنف هنا أخرجه بعد في " باب فضل صلاة الجماعة " ويأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى. وزاد في هذه الرواية: "وتصلي الملائكة. إلخ " وقد تقدمت في " باب الحدث في المسجد " من وجه آخر عن أبي هريرة. قوله في هذه الرواية "صلاة الجميع" أي الجماعة، وتكلف من قال التقدير في الجميع، و قوله: "على صلاته" أي الشخص. قوله: "فإن أحدكم" كذا للأكثر بالفاء، وللكشميهني بالموحدة وهي سببية أو للمصاحبة. قوله: "فأحسن" أي أسبغ الوضوء. قوله: "ما لم يؤذ يحدث" كذا للأكثر بالفعل المجزوم على البدلية ويجوز بالرفع على الاستئناف، وللكشميهني: "ما لم يؤذ يحدث فيه: "بلفظ الجار والمجرور متعلقا بيؤذ، والمراد بالحدث الناقض للوضوء. ويحتمل أن يكون أعم من ذلك، لكن صرح في رواية أبي داود من طريق أبي رافع عن أبي هريرة بالأول.


3 - باب تَشْبِيكِ الأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ
479,478- حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ بِشْرٍ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ حَدَّثَنَا وَاقِدٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَوْ ابْنِ عَمْرٍو شَبَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ "
[الحديث479- طرفه في:480]
480- وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي فَلَمْ أَحْفَظْهُ فَقَوَّمَهُ لِي وَاقِدٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ يَقُولُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنْ النَّاسِ بِهَذَا"
481- حَدَّثَنَا خَلاَدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ"
[الحديث 481- طرفاه في: 6026,2446]
482- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاَتَيْ الْعَشِيِّ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا قَالَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّه غَضْبَانُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَخَرَجَتْ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا قَصُرَتْ الصَّلاَةُ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ الصَّلاَةُ قَالَ "لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ" فَقَالَ أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا نَعَمْ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ ثُمَّ سَلَّمَ فَيَقُولُ نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ
[الحديث482- اطرافه في:7250,6051,1229,1228,1227,715,714]
قوله: "باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره" أورد فيه حديث أبي موسى، وهو دال على جواز التشبيك مطلقا، وحديث أبي هريرة وهو دال على جوازه في المسجد، وإذا جاز في المسجد فهو في غيره أجوز. ووقع في بعض الروايات قبل هذين الحديثين حديث آخر، وليس هو في أكثر الروايات ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم، بل ذكره أبو مسعود في الأطراف عن رواية ابن رميح عن الفربري وحماد ابن شاكر جميعا عن البخاري قال: "حدثنا حامد بن عمر حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عاصم بن محمد حدثنا واقد يعني أخاه، عن أبيه يعني محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر أو ابن عمرو قال: شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه". قال البخاري " وقال عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد قال سمعت هذا الحديث من أبي فلم أحفظه فقومه لي واقد عن أبيه قال: سمعت أبي وهو يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس " وقد ساقه الحميدي في الجمع بين الصحيحين نقلا عن أبي مسعود، وزاد هو " قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا وشبك بين أصابعه " الحديث. وحديث عاصم بن علي الذي علقه البخاري وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له قال: "حدثنا عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد عن واقد سمعت أبي يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فذكره. قال ابن بطال: وجه إدخال هذه الترجمة في الفقه معارضة ما ورد في النهي عن التشبيك في المسجد، وقد وردت فيه مراسيل مسندة من طرق غير ثابتة اهـ. وكأنه يشير بالمسند إلى حديث كعب بن عجرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة " أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وفي إسناده اختلاف ضعفه بعضهم بسببه. وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر بلفظ: "إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه فإن التشبيك من الشيطان. وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه " وفي إسناده ضعيف ومجهول. وقال ابن المنير: التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض، إذ المنهي عنه فعله على وجه العبث، والذي في الحديث إنما هو لمقصود التمثيل، وتصوير المعنى في النفس بصورة الحس. قلت: هو في حديث أبي موسى وابن عمر كما قال، بخلاف حديث أبي هريرة. وجمع الإسماعيلي بأن النهي مقيد بما إذا كان في الصلاة أو قاصدا لها، إذ منتظر الصلاة في حكم المصلي، وأحاديث الباب الدالة على الجواز خالية عن ذلك، أما الأولان فظاهران، وأما حديث أبي هريرة فلأن تشبيكه إنما وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه، فهو في حكم المنصرف من الصلاة. والرواية التي فيها النهي عن ذلك ما دام في المسجد ضعيفة كما قدمنا، فهي غير معارضة لحديث أبي هريرة كما قال ابن بطال. واختلف في حكمة النهي عن التشبيك فقيل: لكونه من الشيطان كما تقدم في رواية ابن أبي شيبة. وقيل لأن التشبيك يجلب النوم وهو "من" مظان الحدث، وقيل لأن صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف كما نبه عليه في حديث ابن عمر فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في المنهي عنه وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين " ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم " وسيأتي الكلام عليه في موضعه، ويأتي الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الفتن، وعلى حديث أبي موسى في كتاب الأدب، وعلى حديث أبي هريرة في سجود السهو. وسفيان هو الثوري وأبو بردة هو ابن عبد الله. ووقع للكشميهني: "عن بريد " وهو اسمه و قوله: "يشد بعضه" في رواية المستملي: "شد " بلفظ الماضي. قوله: "حدثنا إسحاق" هو ابن منصور كما جزم به أبو نعيم. قوله: "إحدى صلاتي العشي" كذا للأكثر وللمستملي والحموي العشاء بالمد وهو وهم، فقد صح أنها الظهر أو العصر كما سيأتي، وابتداء العشي من أول الزوال. قوله: "ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى" عند الكشميهني: "خده الأيمن " بدل يده اليمنى وهو أشبه لئلا يلزم التكرار. قوله: "فربما سألوه: ثم سلم؟" أي ربما سألوا ابن سيرين هل في الحديث: "ثم سلم فيقول نبئت الخ " وهذا يدل على أنه لم يسمع ذلك من عمران. وقد بين أشعث في روايته عن ابن سيرين الواسطة بينه وبين عمران فقال: "قال ابن سيرين حدثني خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمه أبي المهلب عن عمران بن حصين " أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، ووقع لنا عاليا في جزء الذهلي، فظهر أن ابن سيرين أبهل ثلاثة. وروايته عن خالد من رواية الأكابر عن الأصاغر.


باب المساجد التي على الطرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم...
89 - باب الْمَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "باب المساجد التي على طرق المدينة" أي في الطرق التي بين المدينة النبوية ومكة، وقوله: "والمواضع" أي الأماكن التي تجعل مساجد.
483- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ "رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنْ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ وَسَأَلْتُ سَالِمًا فَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ وَافَقَ نَافِعًا فِي الأَمْكِنَةِ كُلِّهَا إِلاَّ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مَسْجِدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ"
[الحديث483- أطرافه في: 7345,2336,1535]
484- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ يَعْتَمِرُ وَفِي حَجَّتِهِ حِينَ حَجَّ تَحْتَ سَمُرَةٍ فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَكَانَ إِذَا رَجَعَ مِنْ غَزْوٍ كَانَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ هَبَطَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي الشَّرْقِيَّةِ فَعَرَّسَ ثَمَّ حَتَّى يُصْبِحَ لَيْسَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِحِجَارَةٍ وَلاَ عَلَى الأَكَمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَسْجِدُ كَانَ ثَمَّ خَلِيجٌ يُصَلِّي عَبْدُ اللَّهِ عِنْدَهُ فِي بَطْنِهِ كُثُبٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَّ يُصَلِّي فَدَحَا السَّيْلُ فِيهِ بِالْبَطْحَاءِ حَتَّى دَفَنَ ذَلِكَ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي فِيهِ".
[الحديث 484- أطرافه في:1532,1533,1799]


485- وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَيْثُ الْمَسْجِدُ الصَّغِيرُ الَّذِي دُونَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْلَمُ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ثَمَّ عَنْ يَمِينِكَ حِينَ تَقُومُ فِي الْمَسْجِدِ تُصَلِّي وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ الْيُمْنَى وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الأَكْبَرِ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ"
486- وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ "كَانَ يُصَلِّي إِلَى الْعِرْقِ الَّذِي عِنْدَ مُنْصَرَفِ الرَّوْحَاءِ وَذَلِكَ الْعِرْقُ انْتِهَاءُ طَرَفِهِ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ دُونَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنْصَرَفِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ وَقَدْ ابْتُنِيَ ثَمَّ مَسْجِدٌ فَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ كَانَ يَتْرُكُهُ عَنْ يَسَارِهِ وَوَرَاءَهُ وَيُصَلِّي أَمَامَهُ إِلَى الْعِرْقِ نَفْسِهِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَرُوحُ مِنْ الرَّوْحَاءِ فَلاَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَإِذَا أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ مَرَّ بِهِ قَبْلَ الصُّبْحِ بِسَاعَةٍ أَوْ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ عَرَّسَ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا الصُّبْحَ"
487- وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ تَحْتَ سَرْحَةٍ ضَخْمَةٍ دُونَ الرُّوَيْثَةِ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ وَوِجَاهَ الطَّرِيقِ فِي مَكَانٍ بَطْحٍ سَهْلٍ حَتَّى يُفْضِيَ مِنْ أَكَمَةٍ دُوَيْنَ بَرِيدِ الرُّوَيْثَةِ بِمِيلَيْنِ وَقَدْ انْكَسَرَ أَعْلاَهَا فَانْثَنَى فِي جَوْفِهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ وَفِي سَاقِهَا كُثُبٌ كَثِيرَةٌ"
488- وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "صَلَّى فِي طَرَفِ تَلْعَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْعَرْجِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى هَضْبَةٍ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ قَبْرَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ عَلَى الْقُبُورِ رَضَمٌ مِنْ حِجَارَةٍ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ عِنْدَ سَلَمَاتِ الطَّرِيقِ بَيْنَ أُولَئِكَ السَّلَمَاتِ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَرُوحُ مِنْ الْعَرْجِ بَعْدَ أَنْ تَمِيلَ الشَّمْسُ بِالْهَاجِرَةِ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ"
489- وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عِنْدَ سَرَحَاتٍ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ فِي مَسِيلٍ دُونَ هَرْشَى ذَلِكَ الْمَسِيلُ لاَصِقٌ بِكُرَاعِ هَرْشَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ قَرِيبٌ مِنْ غَلْوَةٍ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي إِلَى سَرْحَةٍ هِيَ أَقْرَبُ السَّرَحَاتِ إِلَى الطَّرِيقِ وَهِيَ أَطْوَلُهُنَّ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ فِي الْمَسِيلِ الَّذِي فِي أَدْنَى مَرِّ الظَّهْرَانِ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ يَهْبِطُ مِنْ الصَّفْرَاوَاتِ يَنْزِلُ فِي بَطْنِ ذَلِكَ الْمَسِيلِ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ لَيْسَ بَيْنَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ إِلاَّ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ"
491- وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طُوًى وَيَبِيتُ حَتَّى يُصْبِحَ يُصَلِّي الصُّبْحَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ وَمُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ لَيْسَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ وَلَكِنْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ".
[الحديث491- طرفاه في:1769,1767]
492- وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيْ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَبَلِ الطَّوِيلِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ يَسَارَ الْمَسْجِدِ بِطَرَفِ الأَكَمَةِ وَمُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْفَلَ مِنْهُ عَلَى الأَكَمَةِ السَّوْدَاءِ تَدَعُ مِنْ الأَكَمَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا ثُمَّ تُصَلِّي مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَيْنِ مِنْ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ"
قوله: "وحدثني نافع" القائل ذلك هو موسى بن عقبة، ولم يسق البخاري لفظ فضيل بن سليمان، بل ساق لفظ أنس بن عياض، وليس في روايته ذكر، بل ذكر نافع فقط، وقد دلت رواية فضيل على أن رواية سالم ونافع متفقتان إلا في الموضع الواحد الذي أشار إليه، وكأنه اعتمد رواية أنس بن عياض لكونه أتقن من فضيل. ومحصل ذلك أن ابن عمر كأن يتبرك بتلك الأماكن، وتشدده في الاتباع مشهور، ولا يعارض ذلك ما ثبت عن أبيه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان فسأل عن ذلك فقالوا: قد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض، فإنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا، لأن ذلك من عمر محمول على أنه كره زيارتهم لمثل ذلك بغير صلاة أو خشي أن يشكل ذلك على من لا يعرف حقيقة الأمر فيظنه واجبا، وكلا الأمرين مأمون من ابن عمر، وقد تقدم حديث عتبان وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين(1). قوله: "تحت سمرة" أي شجرة ذات شوك، وهي التي تعرف بأم غيلان. قوله: "وكان في تلك الطريق" أي طريق ذي الحليفة. قوله: "بطن واد" أي وادي العقيق. قوله: "فعرس" بمهملات والراء مشددة، قال الخطابي: التعريس نزول استراحة لغير إقامة، وأكثر ما يكون في آخر الليل، وخصه بذلك الأصمعي وأطلق أبو زيد. قوله: "على الأكمة" هو الموضع المرتفع على ما حوله، وقيل هو تل من حجر واحد. قوله: "كان ثم خليج" كرر لفظ: "ثم " في هذه القصة، وهو بفتح المثلثة والمراد به الجهة، والخليج واد له عمق، والكثب بضم الكاف والمثلثة جمع كثيب وهو رمل مجتمع. قوله: "فدحا" بالحاء المهملة أي دفع. وفي رواية الإسماعيلي: "فدخل " بالخاء المعجمة واللام، ونقل بعض المتأخرين عن بعض الروايات " قد جاء " بالقاف والجيم على أنهما كلمتان حرف التحقيق والفعل الماضي من المجيء. قوله: "وأن عبد الله بن عمر حدثه" أي بالإسناد المذكور إليه. قوله: "بشرف الروحاء" هي قوية جامعة على ليلتين من المدينة، وهي آخر السيالة للمتوجه إلى مكة، والمسجد الأوسط هو في الوادي المعروف الآن بوادي بني سالم. وفي الآذان من صحيح مسلم أن بينهما ستة وثلاثين ميلا. قوله: "يعلم المكان" بضم أوله من
(1) هذا خطأ, والصواب ما تقدم في حاشية ص522, وغير النبي صلى الله عليه وسلم لايقاس عليه في مثل هذا. والحق أن عمر رضي الله عنه أراد بالنهي عن تتبع آثار الأنبياء, سد الذريعة إلى الشرك, وهو أعلم بهذا الشأن من ابنه رضي الله عنهما. وقد أخذ الجمهور بما رآه عمر وليس في قصة عتبان ما يخالف ذلك, لأنه في حديث عتبان قد قصد أن يتأسى به صلى الله عليه وسلم في ذلك,بخلاف آثاره في الطرق ونحوها فإن التأسي به فيها وتتبعها لذلك غير مشروع. كما دل عليه فعل عمر,وربما أفضى ذلك بمن فعله إلى الغلو والشرك كما فعل أهل الكتاب. والله أعلم

أعلم يعلم من العلامة. قوله: "يقول ثم عن يمينك" قال القاضي عياض: هو تصحيف، والصواب " بعواسج عن يمينك". قلت: توجيه الأول ظاهر، وما ذكره إن ثبتت به رواية فهو أولى، وقد وقع التوقف في هذا الموضع قديما فأخرجه الإسماعيلي بلفظ: "يعلم المكان الذي صلى " قال فيه هنا لفظة لم أضبطها " عن يمينك " الحديث. قوله: "يصلي إلى العرق" أي عرق الظبية، وهو واد معروف قاله أبو عبيد البكري، "ومنصرف الروحاء" بفتح الراء، أي آخرها. قوله: "وقد ابتنى" بضم المثناة مبني للمفعول. قوله: "سرحة ضخمة" أي شجرة عظيمة و "الرويثة" بالراء والمثلثة مصغرا، قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخا. "ووجاه الطريق" بكسر الواو، أي مقابلة. قوله: "بطح" بفتح الموحدة وسكون الطاء وبكسرها أيضا، أي واسع. قوله: "حتى يفضي" كذا للأكثر، وللمستملي والحموي " حين يفضي". قوله: "دوين بريد الرويثة بميلين" أي بينه وبين المكان الذي ينزل فيه البريد بالرويثة ميلان، قيل المراد بالبريد سكة الطريق. قوله: "فانثنى" بفتح المثلثة مبني للفاعل. قوله: "تلعة" بفتح المثناة وسكون اللام بعدها مهملة وهي مسيل الماء من فوق إلى أسفل، ويقال أيضا لما ارتفع من الأرض ولما انهبط، و "العرج" بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم: قرية جامعة بينها وبين الرويثة ثلاثة عشر أو أربعة عشر ميلا و "الهضبة" بسكون الضاد المعجمة فوق الكثيب في الارتفاع ودون الجبل، وقيل الجبل المنبسط على الأرض، وقيل الأكمة الملساء و " الرضم " الحجارة الكبار واحدها رضمة بسكون الضاد المعجمة في الواحد والجمع، ووقع عند الأصيلي بالتحريك. قوله: "عند سلمات الطريق" أي ما يتفرع عن جوانبه، والسلمات بفتح المهملة وكسر اللام في رواية أبي ذر والأصيلي. وفي رواية الباقين بفتح اللام، وقيل: هي بالكسر الصخرات، وبالفتح الشجرات و " السرحات " بالتحريك جمع سرحة وهي الشجرة الضخمة كما تقدم. قوله: "في مسيل دون هرشي" المسيل المكان المنحدر، وهرشي بفتح أوله وسكون الراء بعدها شين معجمة مقصور، قال البكري هو جبل على ملتقى طريق المدينة والشام قريب من الجحفة، وكراع هرشي طرفها، و " الغلوة " بالمعجمة المفتوحة غاية بلوغ السهم، وقيل قدر ثلثي ميل. قوله: "مر الظهران" بفتح الميم وتشديد الراء وبفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء هو الوادي الذي تسميه العامة بطن مرو بإسكان الراء بعدها واو. قال البكري: بينه وبين مكة ستة عشر ميلا. وقال أبو غسان سمي بذلك لأن في بطن الوادي كتابة بعرق من الأرض أبيض هجاء " م ر ا " الميم منفصلة عن الراء، وقيل سمي بذلك لمرارة مائه. قوله: "قبل المدينة" بكسر القاف وبفتح الموحدة، أي مقابلها. و "الصفراوات" بفتح المهملة وسكون الفاء جمع صفراء وهو مكان بعد مر الظهران. قوله: "ينزل بذي طوى" بضم الطاء للأكثر وبه جزم الجوهري. وفي رواية الحموي والمستملي: "بذي الطوى " بزيادة ألف ولام قيده الأصيلي بالكسر وحكى عياض وغيره الفتح أيضا. قوله: "استقبل فرضتي الجبل" الفرضة بضم الفاء وسكون الراء بعدها ضاد معجمة: مدخل الطريق إلى الجبل، وقيل الشق المرتفع كالشرافة، ويقال أيضا لمدخل النهر. "تنبيهات": الأول اشتمل هذا السياق على تسعة أحاديث أخرجها الحسن بن سفيان في مسنده مفرقة من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أنس بن عياض يعيد الإسناد في كل حديث، إلا أنه لم يذكر الثالث. وأخرج مسلم منها الحديثين الأخيرين في كتاب الحج. الثاني: هذه المساجد لا يعرف اليوم منها غير مسجدي ذي الحليفة، والمساجد التي بالروحاء يعرفها أهل تلك الناحية. وقد وقع في رواية الزبير بن بكار في " أخبار المدينة " له من طريق أخرى عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث زيادة بسط في صفة تلك المساجد.
وفي الترمذي من حديث عمرو بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم في وادي الروحاء وقال: "لقد صلى في هذا المسجد سبعون نبيا". الثالث: عرف من صنيع ابن عمر استحباب تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك بها، وقد قال البغوي من الشافعية: إن المساجد - التي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها - لو نذر أحد الصلاة في شيء منها تعين كما تتعين المساجد الثلاثة(1). الرابع: ذكر البخاري المساجد التي في طرق المدينة، ولم يذكر المساجد التي كانت بالمدينة لأنه لم يقع له إسناد في ذلك على شرطه. وقد ذكر عمر بن شبة في " أخبار المدينة " المساجد والأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مستوعبا، وروى عن أبي غسان عن غير واحد من أهل العلم أن كل مسجد بالمدينة ونواحيها مبني بالحجارة المنقوشة المطابقة، فقد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عمر بن عبد العزيز حين بنى مسجد المدينة سأل الناس - وهم يومئذ متوافرون - عن ذلك ثم بناها بالحجارة المنقوشة المطابقة اهـ. وقد عين عمر بن شبة منها شيئا كثيرا، لكن أكثره في هذا الوقت قد اندثر، وبقي من المشهورة الآن مسجد قباء، ومسجد الفضيخ وهو شرقي مسجد قباء، ومسجد بني قريظة، ومشربة أم إبراهيم وهي شمالي مسجد بني قريظة، ومسجد بني ظفر شرقي البقيع ويعرف بمسجد البغلة، ومسجد بني معاوية ويعرف بمسجد الإجابة، ومسجد الفتح قريب من جبل سلع، ومسجد القبلتين في بني سلمة، هكذا أثبته بعض شيوخنا، وفائدة معرفة ذلك ما تقدم عن البغوي، والله أعلم.


90 - باب سُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ493- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلاَمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ"
قوله: "باب سترة الإمام سترة من خلفه" أورد فيه ثلاثة أحاديث، الثاني والثالث منها مطابقان للترجمة لكونه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أصحابه أن يتخذوا سترة غير سترته، وأما الأول وهو حديث ابن عباس ففي الاستدلال به نظر لأنه ليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى سترة، وقد بوب عليه البيهقي " باب من صلى إلى غير سترة " وقد تقدم في كتاب العلم في الكلام على هذا الحديث في " باب متى يصح سماع الصغير " قول الشافعي: إن المراد بقول ابن عباس " إلى غير جدار " أي إلى غير سترة، وذكرنا تأييد ذلك من رواية البزار. وقال بعض المتأخرين: قوله: "إلى غير جدار " لا ينفي غير الجدار، إلا أن إخبار ابن عباس عن مروره بهم وعدم إنكارهم لذلك مشعر بحدوث أمر لم يعهدوه، فلو فرض هناك سترة أخرى غير الجدار لم يكن لهذا الإخبار فائدة، إذ مروره حينئذ لا ينكره أحد أصلا. وكأن البخاري حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته صلى الله عليه وسلم أنه
ـــــــ
(1) هذا ضعيف, والصواب أنه لايتعين شيء من المساجد بالنذر سوى المساجد الثلاثة إذا احتاج إلى شد رحل, فإن لم يحتج لذلك فهو موضع نظر واختلاف. وأما هذه المساجد التي أشار اليها البغوي فالصواب أنه لايجوز قصدها للعبادة ولا ينبغي الوفاء لمن نذرها سدا لذريعة الشرك, ويكفيه أن يصلي في غيرها من المساجد الشرعية. والله أعلم


كان لا يصلي في الفضاء إلا والعنزة أمامه، ثم أيد ذلك بحديثي ابن عمر وأبي جحيفة، وفي حديث ابن عمر ما يدل على المداومة وهو قوله بعد ذكر الحربة " وكان يفعل ذلك في السفر " وقد تبعه النووي فقال في شرح مسلم في كلامه على فوائد هذا الحديث: فيه أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، والله أعلم. قوله: "ناهزت الاحتلام" أي قاربته، وقد ذكرت الاختلاف في قدر عمره في " باب تعليم الصبيان " من كتاب فضيلة القرآن وفي " باب الاختتان بعد الكبر " من كتاب الاستئذان. وتوجيه الجمع بين المختلف من ذلك وبيان الراجح من الأقوال ولله الحمد. قوله: "يصلي بالناس بمنى" كذا قال مالك وأكثر أصحاب الزهري، ووقع عند مسلم من رواية ابن عيينة " بعرفة " قال النووي: يحمل ذلك على أنهما قضيتان، وتعقب بأن الأصل عدم التعدد ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث، فالحق أن قول ابن عيينة " بعرفة " شاذ. ووقع عند مسلم أيضا من رواية معمر عن الزهري " وذلك في حجة الوداع أو الفتح " وهذا الشك من معمر لا يعول عليه، والحق أن ذلك كان في حجة الوداع. قوله: "بعض الصف" زاد المصنف في الحج من رواية ابن أخي ابن شهاب عن عمه " حتى سرت بين يدي بعض الصف الأول". انتهى. وهو يعين أحد الاحتمالين اللذين ذكرناهما في كتاب العلم. قوله: "فلم ينكر ذلك على أحد" قال ابن دقيق العيد: استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز، ولم يستدل بترك إعادتهم للصلاة لأن ترك الإنكار أكثر فائدة. قلت: وتوجيهه أن ترك الإعادة يدل على صحتها فقط لا على جواز المرور، وترك الإنكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معا. ويستفاد منه أن ترك الإنكار حجة على الجواز بشرطه وهو انتفاء الموانع من الإنكار وثبوت العلم بالاطلاع على الفعل، ولا يقال لا يلزم مما ذكر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لاحتمال أن يكون الصف حائلا دون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له لأنا نقول قد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى في الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه، وتقدم أن في رواية المصنف في الحج أنه مر بين يدي بعض الصف الأول، فلم يكن هناك حائل دون الرؤية، ولو لم يرد شيء من ذلك لكان توفر دواعيهم على سؤاله صلى الله عليه وسلم عما يحدث لهم كافيا في الدلالة على اطلاعه على ذلك والله أعلم. واستدل به على مرور الحمار لا يقطع الصلاة، فيكون ناسخا لحديث أبي ذر الذي رواه مسلم في كون مرور الحمار يقطع الصلاة، وكذا مرور المرأة والكلب الأسود. وتعقب بأن مرور الحمار متحقق في حال مرور ابن عباس وهو راكبه، وقد تقدم أن ذلك لا يضر لكون الإمام سترة لمن خلفه، وأما مروره بعد أن نزل عنه فيحتاج إلى نقل. وقال ابن عبد البر: حديث ابن عباس هذا يخص حديث أبي سعيد " إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه " فإن ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد، فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه لحديث ابن عباس هذا، قال: وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء. وكذا نقل عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى سترة، لكن اختلفوا هل سترتهم سترة الإمام أم سترتهم الإمام نفسه اهـ. فيه نظر، لما رواه عبد الرزاق عن الحكم بن عمرو الغفاري الصحابي " أنه صلى بأصحابه في سفر وبين يديه سترة، فمرت حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم الصلاة". وفي رواية له أنه قال لهم " إنها لم تقطع صلاتي ولكن قطعت صلاتكم، فهذا يعكر على ما نقل من الاتفاق. ولفظ ترجمة الباب ورد في حديث مرفوع رواه الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن عبد العزيز عن عاصم عن أنس مرفوعا: "سترة الإمام سترة لمن خلفه " وقال: تفرد به سويد عن عاصم ا ه. وسويد ضعيف عندهم. ووردت أيضا في حديث موقوف على ابن عمر أخرجه عبد الرزاق، ويظهر أثر الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مر بين يدي الإمام أحد، فعلى قول من يقول إن سترة الإمام سترة من خلفه يضر صلاته وصلاتهم معا، وعلى قول من يقول إن الإمام نفسه سترة من خلفه يضر صلاته ولا يضر صلاتهم، وقد تقدمت بقية مباحث حديث ابن عباس في كتاب العلم.
494- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ"
[الحديث494- أطرافه في:973,972,498]
قوله: "حدثنا إسحاق" قال أبو علي الجياني: لم أجد إسحاق هذا منسوبا لأحد من الرواة: قلت: وقد جزم أبو نعيم وخلف وغيرها بأنه إسحاق بن منصور. قوله: "أمر بالحربة" أي أمر خادمه بحمل الحربة، وللمصنف في العيدين من طريق الأوزاعي عن نافع " كان يغدو إلى المصلي والعنزة تحمل وتنصب بين يديه فيصلي إليها " زاد ابن ماجه وابن خزيمة والإسماعيلي: "وذلك أن المصلي كان فضاء ليس فيه شيء يستره". قوله: "والناس" بالرفع عطفا على فاعل فيصلي. قوله: "وكان يفعل ذلك" أي نصب الحربة بين يديه حيث لا يكون جدار. قوله: "فمن ثم" أي فمن تلك الجهة اتخذ الأمراء الحربة يخرج بها بين أيديهم في العيد ونحوه، وهذه الجملة الأخيرة فصلها علي ابن مسهر من حديث ابن عمر فجعلها من كلام نافع كما أخرجه ابن ماجه، وأوضحته في كتاب " المدرج". وفي الحديث الاحتياط للصلاة وأخذ آلة دفع الأعداء لا سيما في السفر، وجواز الاستخدام وغير ذلك. والضمير في " اتخذها " يحتمل عوده إلى الحربة نفسها أو إلى جنس الحربة، وقد روى عمر بن شبة في " أخبار المدينة " من حديث سعد القرظ " إن النجاشي أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حربة فأمسكها لنفسه، فهي التي يمشي بها مع الإمام يوم العيد". ومن طريق الليث أنه بلغه أن العنزة التي كانت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كانت لرجل من المشركين، فقتله الزبير بن العوام يوم أحد فأخذها منه النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينضبها بين يديه إذا صلى. ويحتمل الجمع بأن عنزة الزبير كانت أولا قبل حربة النجاشي. "فائدة" حديث أبي جحيفة أخرجه المصنف مطولا ومختصرا، وقد تقدم في الطهارة في " باب استعمال فضل وضوء الناس " وفي حديث ستر العورة من الصلاة في " باب الصلاة في الثوب الأحمر " وذكره أيضا هنا وبعد بابين أيضا وفي الأذان وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم في موضعين وفي اللباس في موضعين، ومداره عنده على الحكم بن عتيبة وعلى عون بن أبي جحيفة كلاهما عن أبي جحيفة وعند أحدهما ما ليس عند الآخر، وقد سمعه شعبة منهما كما سيأتي واضحا.
495- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ
قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى" بهم بالبطحاء يعني بطحاء مكة، وهو موضع خارج مكة، وهو الذي يقال له الأبطح، وكذا ذكره من رواية أبي العميس عن عون، وزاد من رواية آدم عن شعبة عن عون أن ذلك كان بالهاجرة، فيستفاد منه - كما ذكره النووي - أنه صلى الله عليه وسلم جمع حينئذ بين الصلاتين في وقت الأولى منهما، ويحتمل أن يكون قوله: "والعصر ركعتين " أي بعد دخول وقتها. قوله: "وبين يديه عنزة" تقدم ضبطها وتفسيرها في الطهارة

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 12:49 AM
في حديث أنس. وفي رواية أبي العميس " جاء بلال فآذنه بالصلاة، ثم خرج بالعنزة حتى ركزها بين يديه وأقام الصلاة " وأول رواية عمر بن أبي زائدة عن عون عن أبيه " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء من أدم، ورأيت بلالا أخذ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء، فمن أصاب منه شيئا تمسح به، ومن لم يصب منه شيئا أخذ من بلل يد صاحبه " وفيها أيضا: "وخرج في حلة حمراء مشمرا " وفي رواية مالك بن مغول عن عون " كأني أنظر إلى وبيص ساقيه " وبين فيها أيضا أن الوضوء الذي ابتدره الناس كان فضل الماء الذي توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا هو في رواية شعبة عن الحكم. وفي رواية مسلم من طريق الثوري عن عون ما يشعر بأن ذلك كان بعد خروجه من مكة بقوله: "ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة". قوله: "يمر بين يديه" أي بين العنزة والقبلة لا بينه وبين العنزة، ففي رواية عمر بن أبي زائدة في باب الصلاة في الثوب الأحمر " ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة". وفي الحديث من الفوائد التماس البركة مما لامسه الصالحون(1)، ووضع السترة للمصلي حيث يخشى المرور بين يديه والاكتفاء فيها بمثل غلظ العنزة، وأن قصر الصلاة في السفر أفضل من الإتمام لما يشعر به الخبر من مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه، وأن ابتداء القصر من حين مفارقة البلد الذي يخرج منه، وفيه تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه استحباب تشمير الثياب لا سيما في السفر، وكذا استصحاب العنزة ونحوها، ومشروعية الأذان في السفر كما سيأتي في الأذان، وجواز النظر إلى الساق وهو إجماع في الرجل حيث لا فتنة، وجواز لبس الثوب الأحمر، وفيه خلاف يأتي ذكره في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى.


91 - باب قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ
496- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ "كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ"
[الحديث 496- طرفه في: 7334]
497- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ "كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا كَادَتْ الشَّاةُ تَجُوزُهَا"
قوله: "باب قدركم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة" أي من ذراع ونحوه. "والمصلي" بكسر اللام على أنه اسم فاعل، ويحتمل أن يكون بفتح اللام، أي المكان الذي يصلي فيه. قوله: "عن أبيه" في رواية أبي داود والإسماعيلي: "أخبرني أبي". قوله: "عن سهل" زاد الأصيلي: "ابن سعد". قوله: "كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي مقامه في صلاته، وكذا هو في رواية أبي داود. قوله: "وبين الجدار"، أي جدار المسجد مما يلي القبلة، وصرح بذلك من طريق أبي غسان عن أبي حازم في الاعتصام. قوله: "ممر الشاة" بالرفع، وكان تامة، أو ممر اسم كان بتقدير قدر أو نحوه، والظرف الخبر. وأعربه الكرماني بالنصب على أن ممر خير كان واسمها نحو قدر المسافة، قال: والسياق يدل عليه. قوله: "عن سلمة" يعني ابن الأكوع وهذا ثاني ثلاثيات البخاري. قوله: "كان جدار المسجد"
ـــــــ
(1) انظر حاشية ص522 و ص 569


كذا وقع في رواية مكي، ورواه الإسماعيلي من طريق أبي عاصم عن يزيد بلفظ: "كان المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بينه وبين حائط القبلة إلا قدر ما تمر العنزة، فتبين بهذا السياق أن الحديث مرفوع. قوله: "تجوزها" ولبعضهم " أن تجوزها " أي المسافة، وهي ما بين المنبر والجدار. فإن قيل: من أين يطابق الترجمة؟ أجاب الكرماني فقال: من حيث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم بجنب المنبر، أي ولم يكن لمسجده محراب، فتكون مسافة ما بينه وبين الجدار نظير ما بين المنبر والجدار، فكأنه قال: والذي ينبغي أن يكون بين المصلي وسترته قدر ما كان بين منبره صلى الله عليه وسلم وجدار القبلة. وأوضح من ذلك ما ذكره ابن رشيد أن البخاري أشار بهذه الترجمة إلى حديث سهل بن سعد الذي تقدم في " باب الصلاة على المنبر والخشب " فإن فيه أنه صلى الله عليه وسلم قام على المنبر حين عمل فصلى عليه فاقتضى ذلك أن ذكر المنبر يؤخذ منه موضع قيام المصلي. فإن قيل: إن في ذلك الحديث أنه لم يسجد على المنبر، وإنما نزل فسجد في أصله، وبين أصل المنبر وبين الجدار أكثر من ممر الشاة، أجيب بأن أكثر أجزاء الصلاة قد حصل في أعلى المنبر، وإنما نزل عن المنبر لأن الدرجة لم تتسع لقدر سجوده فحصل به المقصود. وأيضا فإنه لما سجد في أصل المنبر صارت الدرجة التي فوقه سترة له وهو قدر ما تقدم. قال ابن بطال: هذا أقل ما يكون بين المصلي وسترته، يعني قدر ممر الشاة، وقيل أقل ذلك ثلاثة أذرع لحديث بلال " إن النبي صلى صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع، كما سيأتي قريبا بعد خمسة أبواب. وجمع الداودي بأن أقله ممر الشاة. وأكثره ثلاثة أذرع. وجمع بعضهم بأن الأول في حال القيام والقعود، والثاني في حال الركوع والسجود. وقال ابن الصلاح: قدروا ممر الشاة بثلاثة أذرع. قلت: ولا يخفى ما فيه. وقال البغوي: استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود، وكذلك بين الصفوف. وقد ورد الأمر بالدنو منها، وفيه بيان الحكمة في ذلك، وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث سهل ابن أبي حثمة مرفوعا: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن مها لا يقطع الشيطان عليه صلاته".


باب الصلاة إلى الحرابة
...
92 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الْحَرْبَةِ
498- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرْكَزُ لَهُ الْحَرْبَةُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا"
قوله: "باب الصلاة إلى الحربة" ساق فيه حديث ابن عمر مختصرا، وقد تقدم قبل بباب. قوله: "تركز" أي تغرز في الأرض.


93 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الْعَنَزَةِ
499- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا"
500- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ سَمِعْتُ


94 - باب السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا501- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ فَصَلَّى بِالْبَطْحَاءِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَنَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةً وَتَوَضَّأَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَمَسَّحُونَ بِوَضُوئِهِ
قوله: "باب السترة بمكة وغيرها" ساق فيه حديث أبي جحيفة عن سليمان بن حرب عن شعبة عن الحكم، والمراد منه هنا قوله: "بالبطحاء " فقد قدمنا أنها بطحاء مكة. وقال ابن المنير: إنما خص مكة بالذكر دفعا لتوهم من يتوهم أن السترة قبلة، ولا ينبغي أن يكون لمكة قبلة إلا الكعبة، فلا يحتاج فيها إلى سترة. انتهى. والذي أظنه أنه أراد أن ينكت على ما ترجم به عبد ا الرزاق حيث قال في " باب لا يقطع الصلاة بمكة شيء " ثم أخرج عن ابن جريج عن كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جده قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في المسجد الحرام ليس بينه وبينهم - أي الناس - سترة " وأخرجه من هذا الوجه أيضا أصحاب السنن، ورجاله موثقون إلا أنه معلول، فقد رواه أبو داود عن أحمد عن ابن عيينة قال: كان ابن جريج أخبرنا به هكذا، فلقيت كثيرا فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن عن بعض أهلي عن جدي. فأراد البخاري التنبيه على ضعف هذا الحديث وأن لا فرق بين مكة وغيرها في مشروعية السترة، واستدل على ذلك بحديث أبي جحيفة، وقد قدمنا وجه الدلالة منه. وهذا هو المعروف عند الشافعية وأن لا فرق في منع المرور بين يدي المصلي بين مكة وغيرها. واغتفر بعض الفقهاء ذلك للطائفين دون غيرهم للضرورة، وعن بعض الحنابلة جواز ذلك في جميع مكة. قوله: "باب السترة بمكة وغيرها" ساق فيه حديث أبي جحيفة عن سليمان بن حرب عن شعبة عن الحكم، والمراد منه هنا قوله: "بالبطحاء " فقد قدمنا أنها بطحاء مكة. وقال ابن المنير: إنما خص مكة بالذكر دفعا لتوهم من يتوهم أن السترة قبلة، ولا ينبغي أن يكون لمكة قبلة إلا الكعبة، فلا يحتاج فيها إلى سترة. انتهى. والذي أظنه أنه أراد أن ينكت على ما ترجم به عبد ا الرزاق حيث قال في " باب لا يقطع الصلاة بمكة شيء " ثم أخرج عن ابن جريج عن كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جده قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في المسجد الحرام ليس بينه وبينهم - أي الناس - سترة " وأخرجه من هذا الوجه أيضا أصحاب السنن، ورجاله موثقون إلا أنه معلول، فقد رواه أبو داود عن أحمد عن ابن عيينة قال: كان ابن جريج أخبرنا به هكذا، فلقيت كثيرا فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن عن بعض أهلي عن جدي. فأراد البخاري التنبيه على ضعف هذا الحديث وأن لا فرق بين مكة وغيرها في مشروعية السترة، واستدل على ذلك بحديث أبي جحيفة، وقد قدمنا وجه الدلالة منه. وهذا هو المعروف عند الشافعية وأن لا فرق في منع المرور بين يدي المصلي بين مكة وغيرها. واغتفر بعض الفقهاء ذلك للطائفين دون غيرهم للضرورة، وعن بعض الحنابلة جواز ذلك في جميع مكة.


95- باب الصَّلاَةِ إِلَى الأُسْطُوَانَةِ
وَقَالَ عُمَرُ: "الْمُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنْ الْمُتَحَدِّثِينَ إِلَيْهَا"
وَرَأَى عُمَرُ رَجُلًا يُصَلِّي بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ فَأَدْنَاهُ إِلَى سَارِيَةٍ فَقَالَ صَلِّ إِلَيْهَا
502- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ "كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ فَقُلْتُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطُوَانَةِ قَالَ فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَهَا"
قوله: "باب الصلاة إلى الأسطوانة" أي السارية، وهي بضم الهمزة وسكون السين المهملة وضم الطاء بوزن أفعوانة على المشهور، وقيل بوزن فعلوانة، والغالب أنها تكون من بناء، بخلاف العمود فإنه من حجر واحد. قال ابن بطال: لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى الحربة، كانت الصلاة إلى الأسطوانة أولى لأنها أشد سترة. قلت: لكن أفاد ذكر ذلك التنصيص على وقوعه، والنص أعلى من الفحوي. قوله: "وقال عمر" هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة والحميدي من طريق همدان - وهو بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة، وكان بريد عمر، أي رسوله إلى أهل اليمن - عن عمر به. ووجه الأحقية أنهما مشتركان في الحاجة إلى السارية المتخذة إلى الاستناد والمصلي لجعلها سترة، لكن المصلي في عبادة محققة فكان أحق. قوله: "ورأي ابن عمر" كذا ثبت في رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما، وعند بعض الرواة " ورأى عمر " بحذف ابن وهو أشبه بالصواب، فقد رواه ابن أبي شيبة من طريق معاوية بن قرة بن إياس المزني عن أبيه وله صحبة قال: "رآني عمر وأنا أصلي " فذكر مثله سواء لكن زاد: "فأخذ بقفاي". وعرف بذلك تسمية المبهم المذكور في التعليق. وأراد عمر بذلك أن تكون صلاته إلى سترة، وأراد البخاري بإيراد أثر عمر هذا أن المراد بقول سلمة " يتحرى الصلاة عندها " أي إليها، وكذا قول أنس " يبتدرون السواري " أي يصلون إليها. قوله: "حدثنا المكي" هو ابن إبراهيم كما ثبت عند الأصيلي وغيره، وهذا ثالث ثلاثيات البخاري. وقد ساوى فيه البخاري شيخه أحمد بن حنبل، فإنه أخرجه في مسنده عن مكي بن إبراهيم. قوله: "التي عند المصحف" هذا دال على أنه كان للمصحف موضع خاص به، ووقع عند مسلم بلفظ: "يصلي وراء الصندوق " وكأنه كان للمصحف صندوق يوضع فيه، والأسطوانة المذكورة حقق لنا بعض مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة المكرمة، وأنها تعرف بأسطوانة المهاجرين. قال: وروى عن عائشة أنها كانت تقول " لو عرفها الناس لاضطربوا عليها بالسهام " وأنها أسرتها إلى ابن الزبير فكان يكثر الصلاة عندها. ثم وجدت ذلك في تاريخ المدينة لابن النجار وزاد: "أن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها " وذكره قبله محمد بن الحسن في أخبار المدينة. قوله: "يا أبا مسلم" هي كنية سلمة، و " يتحرى " أي يقصد.
503- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ "لَقَدْ رَأَيْتُ كِبَارَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ وَزَادَ شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[الحديث503- طرفه في: 625]
(1/577)

قوله: "حدثنا سفيان" هو الثوري، وعمرو بن عامر هو الكوفي الأنصاري، لا والد أسد فإنه يجلي، ولا عمرو بن عامر البصري فإنه سلمى. قوله: "لقد رأيت" في رواية المستملي والحموي "لقد أدركت". قوله: "عند المغرب" أي عند أذان المغرب، وصرح بذلك الإسماعيلي من طريق ابن مهدي عن سفيان، ولمسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس نحوه. قوله: "وزاد شعبة عن عمرو" هو ابن عامر المذكور، قد وصله المصنف في كتاب الأذان من طريق غندر عن شعبة فقال: "عن عمرو بن عامر الأنصاري " وزاد فيه أيضا: "يصلون الركعتين قبل المغرب " وسيأتي الكلام عليه هناك مع بقية مباحثه وتعيين من وقفنا عليه من كبار الصحابة المشار إليهم فيه إن شاء الله تعالى.


96 - باب الصَّلاَةِ بَيْنَ السَّوَارِي فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ
504- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ "دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ وَبِلاَلٌ فَأَطَالَ ثُمَّ خَرَجَ وَكُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ دَخَلَ عَلَى أَثَرِهِ فَسَأَلْتُ بِلاَلًا أَيْنَ صَلَّى قَالَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ".
505- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا فَسَأَلْتُ بِلاَلًا حِينَ خَرَجَ مَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَثَلاَثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى". وَقَالَ لَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ وَقَالَ: عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ
قوله: "باب الصلاة بين السواري في غير جماعة" إنما قيدها بغير الجماعة لأن ذلك يقطع الصفوف، وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب. وقال الرافعي في شرح المسند: احتج البخاري بهذا الحديث - أي حديث ابن عمر عن بلال - على أنه لا بأس بالصلاة بين الساريتين إذا لم يكن في جماعة، وأشار أن الأولى للمنفرد أن يصلي إلى السارية، ومع هذه الأولوية فلا كراهة في الوقوف بينهما - أي للمنفرد - وأما في الجماعة فالوقوف بين الساريتين كالصلاة إلى السارية. انتهى كلامه.وفيه نظر لورود النهي الخاص عن الصلاة بين السواري كما رواه الحاكم من حديث أنس بإسناد صحيح، وهو في السنن الثلاثة، وحسنه الترمذي. قال المحب الطبري: كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك، ومحل الكراهة عند عدم الضيق، الحكمة فيه إما لانقطاع الصف أو لأنه موضع النعال. انتهى. وقال القرطبي: روى في سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين. قوله: "حدثنا جويرية" هو بالجيم بصيغة التصغير وهو ابن أسماء الضبعي، واتفق أن اسمه واسم أبيه من الأعلام المشتركة بين الرجال والنساء. وقد سمع جويرية المذكور من نافع، وروى أيضا عن مالك عنه. قوله: "كنت أول الناس" كذا في رواية أبي ذر وكريمة. وفي رواية الأصيلي وابن عساكر: "وكنت " بزيادة واو في أوله وهي أشبه، ورواه الإسماعيلي من هذا الوجه فقال بعد قوله ثم خرج " ودخل عبد الله على أثره أول الناس". قوله: "بين العمودين المقدمين" في رواية الكشميهني: "المتقدمين " كذا في هذه الرواية. وفي رواية مالك التي تليها " جعل عمودا عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه"، وليس بين الروايتين مخالفة، لكن قوله في رواية مالك " وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة " مشكل لأنه يشعر بكون ما عن يمينه أو يساره كان اثنين، ولهذا عقبه البخاري برواية إسماعيل التي قال فيها " عمودين عن يمينه"، ويمكن الجمع بين الروايتين بأنه حيث ثنى أشار إلى ما كان عليه البيت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وحيث أفرد أشار إلى ما صار إليه بعد ذلك ويرشد إلى ذلك قوله: "وكان البيت يومئذ " لأن فيه إشعارا بأنه تغير عن هيئته الأولى. وقال الكرماني: لفظ العمود جنس يحتمل الواحد والاثنين، فهو مجمل بينته رواية: "وعمودين"، ويحتمل أن يقال: لم تكن الأعمدة الثلاثة على سمت واحد بل اثنان على سمت والثالث على غير سمتهما، ولفظ: "المقدمين " في الحديث السابق مشعر به، والله أعلم. قلت: ويؤيده أيضا رواية مجاهد عن ابن عمر التي تقدمت في " باب: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " فإن فيها " بين الساريتين اللتين على يسار الداخل " وهو صريح في أنه كان هناك عمودان على اليسار وأنه صلى بينهما، فيحتمل أنه كان ثم عمود آخر عن اليمين لكنه بعيد أو على غير سمت العمودين فيصح قول من قال: "جعل عن يمينه عمودين " وقول من قال: "جعل عمودا عن يمينه". وجوز الكرماني احتمالا آخر وهو أن يكون هناك ثلاثة أعمدة مصطفة فصلى إلى جنب الأوسط، فمن قال جعل عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره لم يعتبر الذي صلى إلى جنبه ومن قال عمودين اعتبره. ثم وجدته مسبوقا بهذا الاحتمال، وأبعد منه قول من قال: انتقل في الركعتين من مكان إلى مكان، ولا تبطل الصلاة بذلك لقلته، والله أعلم. قوله: "وقال إسماعيل" أي ابن أبي أويس، كذا في رواية أبي ذر والأصيلي: "قال: "مجردة. وفي رواية كريمة: "قال لنا " فوضح وصله. وقد ذكر الدارقطني الاختلاف على مالك فيه، فوافق الجمهور عبد الله بن يوسف في قوله: "عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره " ووافق إسماعيل في قوله: "عمودين عن يمينه " ابن القاسم والقعنبي وأبو مصعب ومحمد بن الحسن وأبو حذافة وكذا الشافعي وابن مهدي في إحدى الروايتين عنهما. وقال يحيى بن يحيى النيسابوري فيما رواه عنه مسلم: "جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه " عكس رواية إسماعيل، وكذلك قال الشافعي وبشر بن عمر في إحدى الروايتين عنهما، وجمع بعض المتأخرين بين هاتين الروايتين باحتمال تعدد الواقعة، وهو بعيد لاتحاد مخرج الحديث، وقد جزم البيهقي بترجيح رواية إسماعيل ومن وافقه، وفيه اختلاف رابع. قال عثمان بن عمر عن مالك " جعل عمودين عن يمينه وعمودين عن يساره " ويمكن توجيهه بأن يكون هناك أربعة أعمدة اثنان مجتمعان واثنان منفردان فوقف عند المجتمعين، لكن يعكر عليه قوله: "وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة " بعد قوله: "وثلاثة أعمدة وراءه " وقد قال الدارقطني، لم يتابع عثمان بن عمر على ذلك.


97- باب
506- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثَةِ أَذْرُعٍ صَلَّى يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ بِلاَلٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ قَالَ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِنَا بَأْسٌ إِنْ صَلَّى فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ".
قوله"باب" كذا للأكثر بلا ترجمة,وهو كالفصل من الباب الذي قبله,وكأنه فصله عنه لأنه ليس فيه تصريح بكون الصلاة وقعت بين السواري, لكن فيه بيان مقدار ما كان بينه وبين الجدار من المسافة. وسقط لفظ "باب "من رواية الأصيلي. قوله: "حتى يكون بينه وبين الجدار قريبا" كذا وقع بالنصب على أنه خبر كان واسمها محذوف. قوله: "من ثلاث أذرع" كذا لأبي ذر، ولغيره ثلاثة بالتأنيث والذراع يذكر ويؤنث. قوله: "يتوخى" المعجمة، أي يقصد. قوله: "قال" أي ابن عمر. قوله: "أن يصلي" كذا للكشميهني ولغيره أن صلى بلفظ الماضي، ومراد ابن عمر أنه لا يشترط في صحة الصلاة في البيت موافقة المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، بل موافقة ذلك أولى وإن كان يحصل الغرض بغيره.


3 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ وَالْبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ
507- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا قُلْتُ أَفَرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتْ الرِّكَابُ قَالَ كَانَ يَأْخُذُ هَذَا الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ فَيُصَلِّي إِلَى آخِرَتِهِ أَوْ قَالَ مُؤَخَّرِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَفْعَلُهُ".
قوله: "باب الصلاة إلى الراحلة والبعير" قال الجوهري: الراحلة الناقة التي تصلح لأن يوضع الرحل عليها.
وقال الأزهري: الراحلة المركوب النجيب ذكرا كان أو أنثى. والهاء فيها للمبالغة، والبعير يقال لما دخل في الخامسة. قوله: "والشجر والرحل" المذكور في حديث الباب الراحلة والرحل، فكأنه ألحق البعير بالراحلة بالمعنى الجامع بينهما، ويحتمل أن يكون أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، فقد رواه أبو خالد الأحمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ: "كان يصلي إلى بعيره". انتهى. فإن كان هذا حديثا آخر حصل المقصود، وإن كان مختصرا من الأول - أن يكون المراد يصلي إلى مؤخرة رحل بعيره - اتجه الاحتمال الأول. ويؤيد الاحتمال الثاني ما أخرجه عبد الرزاق أن ابن عمر كان يكره أن يصلي إلى بعير إلا وعليه رحل، وسأذكره بعد. وألحق الشجر بالرحل بطريق الأولوية، ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث على قال: "لقد رأيتنا يوم بدر وما فينا إنسان إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلي إلى شجرة يدعو حتى أصبح " رواه النسائي بإسناد حسن. قوله: "يعوض" بتشديد الراء، أي يجعلها عرضا. قوله: "قلت أفرأيت" ظاهره أنه كلام نافع والمسئول ابن عمر، لكن بين الإسماعيلي من طريق عبيدة ابن حميد عن عبيد الله بن عمر أنه كلام عبيد الله والمسئول نافع، فعلى هذا هو مرسل لأن فاعل يأخذ هو النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدركه نافع. قوله: "هبت الركاب" أي هاجت الإبل، يقال هب الفحل إذا هاج، وهب البعير في السير إذا نشط. والركاب الإبل التي يسار عليها ولا واحد لها من لفظها، والمعنى أن الإبل إذا هاجت شوشت على المصلي لعدم استقرارها، فيعدل عنها إلى الرحل فيجعله سترة. وقوله: "فيعدله" بفتح أوله وسكون العين وكسر الدال، أي يقيمه تلقاء وجهه. ويجوز التشديد. وقوله: "إلى أخرته" بفتحات بلا مد ويجوز المد، "ومؤخرته" بضم أوله ثم همزة ساكنة، وأما الخاء فجزم أبو عبيد بكسرها وجوز الفتح، وأنكر ابن قتيبة الفتح، وعكس ذلك ابن مكي فقال: لا يقال مقدم ومؤخر بالكسر إلا في العين خاصة، وأما في غيرها فيقال بالفتح فقط. ورواه بعضهم بفتح الهمزة وتشديد الخاء. والمراد بها العود الذي في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب. قال القرطبي: في هذا الحديث دليل على جواز التستر بما يستقر من الحيوان، ولا يعارضه النهي في معاطن الإبل لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء، وكراهة الصلاة حينئذ عندها إما لشدة نتنها وإما لأنهم كانوا يتخلون بينها مستترين بها.


انتهى. وقال غيره: علة النهي عن ذلك كون الإبل خلقت من الشياطين، وقد تقدم ذلك، فيحمل ما وقع منه في السفر من الصلاة إليها على حالة الضرورة ونظيره صلاته إلى السرير الذي عليه المرأة لكون البيت كان ضيقا. وعلى هذا فقول الشافعي في البويطي: لا يستتر بامرأة ولا دابة، أي في حال الاختيار. وروى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر كان يكره أن يصلي إلى بعير إلا وعليه رحل، وكأن الحكمة في ذلك أنها في حال شد الرحل عليها أقرب إلى السكون من حال تجريدها. "تكملة" اعتبر الفقهاء مؤخرة الرحل في مقدار أقل السترة، واختلفوا في تقديرها بفعل ذلك. فقيل ذراع، وقيل ثلثا ذراع وهو أشهر، لكن في مصنف عبد الرزاق عن نافع أن مؤخرة رحل ابن عمر كانت قدر ذراع.


3 - باب الصَّلاَةِ إِلَى السَّرِيرِ
508- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ "أَعَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ فَيَجِيءُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيرَ فَيُصَلِّي فَأَكْرَهُ أَنْ أُسَنِّحَهُ فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْ السَّرِيرِ حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي"
قوله: "باب الصلاة إلى السرير" أورد فيه حديث الأسود عن عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسط السرير الذي هي مضطجعة عليه. واعترضه الإسماعيلي بأنه دال على الصلاة على السرير لا إلى السرير. ثم أشار إلى أن رواية مسروق عن عائشة دالة على المراد، لأن لفظه: "كان يصلي والسرير بينه وبين القبلة " كما سيأتي، فكان ينبغي له ذكرها في هذا الباب. وأجاب الكرماني عن أصل الاعتراض بأن حروف الجر تتناوب، فمعنى قوله في الترجمة " إلى السرير " أي على السرير، وادعى قبل ذلك أنه وقع في بعض الروايات بلفظ على السرير. قلت: ولا حاجة إلى الحمل المذكور، فإن قولها " فيتوسط السرير " يشمل ما إذا كان فوقه أو أسفل منه، وقد بان من رواية مسروق عنها أن المراد الثاني. قوله: "أعدلتمونا" هو استفهام إنكار من عائشة، قالته لمن قال بحضرتها " يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة " كما سيأتي من رواية مسروق عنها بعد خمسة أبواب، وهناك نذكر مباحث هذا المتن إن شاء الله تعالى. وقولها " رأيتني " بضم المثناة وقولها " أن أسنحه " بفتح النون والحاء المهملة أي أظهر له من قدامه. وقال الخطابي: هو من قولك سنح لي الشيء إذا عرض لي، تريد أنها كانت تخشى أن تستقبله وهو يصلي ببدنها، أي منتصبة. وقولها " أنسل " بفتح السين المهملة وتشديد اللام، أي أخرج بخفية أو برفق.


باب يرد المصلى من مر به بين يديه
...
100 - باب يَرُدُّ الْمُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ
وَرَدَّ ابْنُ عُمَرَ فِي التَّشَهُّدِ وَفِي الْكَعْبَةِ وَقَالَ إِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ تُقَاتِلَهُ فَقَاتِلْهُ
509- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ح و حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ الْعَدَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ


باب إثم المارين بين يدي المصلي
...
3 - باب إِثْمِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي
510- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أَبُو النَّضْرِ لاَ أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً
قوله: "باب إثم المار بين يدي المصلي" أورد فيه حديث بسر بن سعيد أن زيد بن خالد - أي الجهني الصحابي - أرسله إلى أبي جهيم، أي ابن الحارث الصمة الأنصاري الصحابي الذي تقدم حديثة في " باب التيمم في الحضر " هكذا روى مالك هذا الحديث في الموطأ لم يختلف عليه فيه أن المرسل هو زيد، وأن المرسل إليه هو أبو جهيم، وتابعه سفيان الثوري عن أبي النضر عند مسلم وابن ماجه وغيرهما، وخالفهما ابن عيينة عن أبي النضر فقال: "عن بسر بن سعيد قال: أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله " فذكر هذا الحديث. قال ابن عبد البر. هكذا رواه ابن عيينة مقلوبا، أخرجه ابن أبي خثيمة عن أبيه عن ابن عيينة. ثم قال ابن أبي خيثمة: سئل عنه يحيى بن معين فقال: هو خطأ، إنما هو " أرسلني زيد إلى أبي جهيم " كما قال مالك. وتعقب ذلك ابن القطان فقال: ليس خطأ ابن عيينة فيه بمتعين، لاحتمال أن يكون أبو جهيم بعث بسرا إلى زيد، وبعثه زيد إلى أبي جهيم يستثبت كل واحد منهما ما عند الآخر. قلت: تعليل الأئمة للأحاديث مبني على غلبة الظن، فإذا قالوا أخطأ فلان في كذا لم يتعين خطؤه في نفس الأمر، بل هو راجح الاحتمال فيعتمد. ولولا ذلك لما اشترطوا انتفاء الشاذ، وهو ما يخالف الثقة من هو أرجح منه في حد الصحيح قوله: "بين يدي المصلي" أي أمامه بالقرب منه، وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما، واختلف في تحديد ذلك فقيل: إذا مر بينه وبين مقدار سجوده، وقيل بينه وبين قدر ثلاثة أذرع، وقيل بينه وبين قدر رمية بحجر. قوله: "ماذا عليه" زاد الكشميهني: "من الإثم " وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات عند غيره، والحديث في الموطأ بدونها. وقال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك في شيء منه، وكذا رواه باقي الستة وأصحاب المسانيد والمستخرجات بدونها، ولم أرها في شيء من الروايات مطلقا. لكن في مصنف ابن أبي شيبة: "يعني من الإثم " فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية فظنها الكشميهني أصلا لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ بل كان راوية. وقد عزاها المحب الطبري في الأحكام للبخاري وأطلق، فعيب ذلك عليه وعلى صاحب العمدة في إبهامه أنها في الصحيحين، وأنكر ابن الصلاح في مشكل الوسيط على من أثبتها في الخير فقال: لفظ الإثم ليس في الحديث صريحا. ولما ذكره النووي في شرح المهذب دونها قال: وفي رواية رويناها في الأربعين لعبد القادر الهروي " ماذا عليه من الإثم". قوله: "لكان أن يقف أربعين" يعني أن المار لو علم مقدار الإثم الذي يلحقه من مروره بين يدي المصلي لاختار أن يقف المدة المذكورة حتى لا يلحقه ذلك الإثم. وقال الكرماني: جواب " لو " ليس هو المذكور، بل التقدير: لو يعلم ما عليه لوقف أربعين ولو وقف أربعين لكان خيرا له. وليس ما قاله متعينا، قال: وأبهم المعدود تفخيما للأمر وتعظيما. قلت: ظاهر السياق أنه عين المعدود، ولكن شك الراوي فيه، ثم أبدى الكرماني لتخصيص الأربعين بالذكر حكمتين، إحداهما كون الأربعة أصل جميع الأعداد، فلما أريد التكثير ضربت في عشرة. ثانيتهما كون كمال أطوار الإنسان بأربعين كالنطفة والمضغة والعلقة، وكذا بلوغ الأشد. ويحتمل غير ذلك ا ه. وفي ابن ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة " لكان أن يقف مائة عام خيرا له من الخطوة التي خطاها". وهذا يشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر لا لخصوص عدد معين. وجنح الطحاوي إلى أن التقييد بالمائة وقع بعد التقييد بالأربعين زيادة في تعظيم الأمر على المار، لأنهما لم يقعا معا إذ المائة أكثر من الأربعين والمقام مقام زجر وتخويف فلا يناسب أن يتقدم ذكر المائة على الأربعين، بل المناسب أن يتأخر. ومميز الأربعين إن كان هو السنة ثبت المدعي، وأما دونها فمن باب الأولى، وقد وقع في مسند البزار من طريق ابن عيينة التي ذكرها ابن القطان " لكان أن يقف أربعين خريفا " أخرجه عن أحمد بن عبدة الضبي عن ابن عيينة. وقد جعل ابن القطان الجزم في طريق ابن عيينة والشك في طريق غيره دالا على التعدد، لكن رواه أحمد وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وغيرهم من الحفاظ عن ابن عيينة عن أبي النضر على الشك أيضا وزاد فيه: "أو ساعة " فيبعد أن يكون الجزم والشك وقعا معا من راو واحد في حالة واحدة، إلا أن يقال: لعله تذكر في الحال فجزم، وفيه ما فيه. قوله: "خيرا له" كذا في روايتنا بالنصب على أنه خبر كان، ولبعضهم " خير " بالرفع وهي رواية الترمذي، وأعربها ابن العربي على أنها اسم كان، وأشار إلى تسويغ الابتداء بالنكرة لكونها موصوفة ويحتمل أن يقال: اسمها ضمير الشأن والجملة خبرها. قوله: "قال أبو النضر" هو كلام مالك وليس من تعليق البخاري، لأنه ثابت في الموطأ من جميع الطرق. وكذا ثبت في رواية الثوري وابن عيينة كما ذكرنا. قال النووي: فيه دليل على تحريم المرور، فإن معنى الحديث النهي الأكيد والوعيد الشديد على ذلك. انتهى. ومقتضى ذلك أن يعد في الكبائر وفيه أخذ القرين عن قرينه ما فاته أو استثباته فيما سمع معه. وفيه الاعتماد على خبر الواحد لأن زيدا اقتصر على النزول مع القدرة على العلو اكتفاء برسوله المذكور. وفيه استعمال " لو " في باب الوعيد، ولا يدخل ذلك في النهي، لأن محل النهي أن يشعر بما يعاند المقدور كما سيأتي في كتاب القدر حيث أورده المصنف إن شاء الله تعالى. "تنبيهات": أحدها استنبط ابن بطال من قوله: "لو يعلم " أن الإثم يختص بمن يعلم بالنهي وارتكبه. انتهى. وأخذه من ذلك فيه بعد، لكن هو معروف من أدلة أخرى. ثانيها: ظاهر الحديث أن الوعيد المذكور يختص بمن مر لا بمن وقف عامدا مثلا بين يدي المصلي أو قعد أو رقد، لكن إن كانت العلة فيه التشويش على المصلي فهو في معنى المار. ثالثها: ظاهره عموم النهي في كل مصل، وخصه بعض المالكية بالإمام والمنفرد لأن المأموم لا يضره من مر بين يديه لأن سترة إمامه سترة له أو إمامه سترة له اهـ. والتعليل المذكور لا يطابق المدعي، لأن السترة تفيد رفع الحرج عن المصلي لا عن المار، فاستوى الإمام والمأموم والمنفرد في ذلك. رابعها: ذكر ابن دقيق العيد أن بعض الفقهاء أي المالكية قسم أحوال المار والمصلي في الإثم وعدمه إلى أربعة أقسام: يأثم المار دون المصلي، وعكسه، يأثمان جميعا، وعكسه. فالصورة الأولى أن يصلي إلى سترة في غير مشرع وللمار مندوحة فيأثم المار دون المصلي. الثانية أن يصلي في مشرع مسلوك بغير سترة أو متباعدا عن السترة ولا يجد المار مندوحة فيأثم المصلي دون المار. الثالثة مثل الثانية لكن يجد المار مندوحة فيأثمان جميعا. الرابعة مثل الأولى لكن لم يجد المار مندوحة فلا يأثمان جميعا. انتهى. وظاهر الحديث يدل على منع المرور مطلقا ولو لم يجد مسلكا بل يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته. ويؤيده قصة أبي سعيد السابقة فإن فيها " فنظر الشاب لم يجد مساغا " وقد تقدمت الإشارة إلى قول إمام الحرمين: إن الدفع لا يشرع للمصلي في هذه الصور، وتبعه الغزالي، ونازعه الرافعي، وتعقبه ابن الرفعة بما حاصله أن الشاب إنما استوجب من أبي سعيد الدفع لكونه قصر في التأخر عن الحضور إلى الصلاة حتى وقع الزحام. انتهى. وما قاله محتمل، لكن لا يدفع الاستدلال، لأن أبا سعيد لم يعتذر بذلك، ولأنه متوقف على أن ذلك وقع قبل صلاة الجمعة أو فيها مع احتمال أن يكون ذلك وقع بعدها فلا يتجه ما قاله من التقصير بعدم التبكير، بلى كثرة الزحام حينئذ أوجه، والله أعلم. خامسها وقع في رواية أبي العباس السراج من طريق الضحاك ابن عثمان عن أبي النضر " لو يعلم المار بين يدي المصلي والمصلى " فحمله بعضهم على ما إذا قصر المصلي في دفع المار أو بأن صلى في الشارع، ويحتمل أن يكون قوله: "والمصلى " بفتح اللام أي بين يدي المصلى من داخل سترته، وهذا أظهر، والله أعلم.


باب استقبال الرجل صاحبه أوغيره في صلاته وهو يصلي...
3 - باب اسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فِي صَلاَتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي
وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلِّي وَإِنَّمَا هَذَا إِذَا اشْتَغَلَ بِهِ


فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ فَقَدْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا بَالَيْتُ إِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُلِ
511- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ يَعْنِي ابْنَ صُبَيْحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ فَقَالُوا يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ قَالَتْ لَقَدْ جَعَلْتُمُونَا كِلاَبًا لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَإِنِّي لَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ عَلَى السَّرِيرِ فَتَكُونُ لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُ فَأَنْسَلُّ انْسِلاَلًا وَعَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ
قوله: "باب استقبال الرجل الرجل وهو يصلي" في نسخة الصغاني " استقبال الرجل صاحبه أو غيره في صلاته " أي هل يكره أو لا، أو يفرق بين ما إذا ألهاه أو لا؟ وإلى هذا التفصيل جنح المصنف وجمع بين ما ظاهره الاختلاف من الأثرين اللذين ذكرهما عن عثمان وزيد بن ثابت، ولم أره عن عثمان إلى الآن، وإنما رأيته في مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة وغيرهما من طريق هلال بن يساف عن عمر أنه زجر عن ذلك، وفيهما أيضا عن عثمان ما يدل على عدم كراهية ذلك، فليتأمل لاحتمال أن يكون فيما وقع في الأصل تصحيف من عمر إلى عثمان. وقول زيد بن ثابت " ما باليت " يريد أنه لا حرج في ذلك. قوله: "فتكون لي الحاجة وأكره أن استقبله"، كذا للأكثر بالواو، وهي حالية. وللكشميهني فأكره بالفاء. قوله: "وعن الأعمش عن إبراهيم" هو معطوف على الإسناد الذي قبله، يعني أن علي بن مسهر روى هذا الحديث عن الأعمش بإسنادين إلى عائشة عن مسلم - وهو أبو الضحى - عن مسروق عنها باللفظ المذكور، وعن إبراهيم عن الأسود عنها بالمعنى، وقد تقدم لفظه في " باب الصلاة على السرير " وأما ظن الكرماني أن مسلما هذا هو البطين فلم يصب في ظنه ذلك، قال ابن المنير: الترجمة لا تطابق حديث عائشة، لكنه يدل على المقصود بالأولى، لكن ليس فيه تصريح بأنها كانت مستقبلته، فلعلها كانت منحرفة أو مستدبرة. وقال ابن رشيد قصد البخاري أن شغل المصلي بالمرأة إذا كانت في قبلته على أي حالة كانت أشد من شغله بالرجل، ومع ذلك فلم تضر صلاته صلى الله عليه وسلم لأنه غير مشتغل بها، فكذلك لا تضر صلاة من لم يشتغل بها، والرجل من باب الأولى. واقتنع الكرماني بأن حكم الرجل والمرأة واحد في الأحكام الشرعية، ولا يخفى ما فيه.


13 - باب الصَّلاَةِ خَلْفَ النَّائِمِ0512- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ
قوله: "باب الصلاة خلف النائم" أورد فيه حديث عائشة أيضا من وجه آخر بلفظ آخر للإشارة إلى أنه قد يفرق مفرق بين كونها نائمة أو يقظى، وكأنه أشار أيضا إلى تضعيف الحديث الوارد في النهي عن الصلاة إلى النائم، فقد أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس. وقال أبو داود: طرقه كلها واهية، يعني حديث ابن عباس. انتهى. وفي الباب عن ابن عمر أخرجه ابن عدي، وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في الأوسط وهما واهيان أيضا. وكره مجاهد وطاوس ومالك الصلاة إلى النائم خشية أن يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته. وظاهر تصرف المصنف أن عدم الكراهية حيث يحصل الأمن من ذلك. حديث عائشة ورد أيضا من وجه آخر بلفظ آخر للإشارة إلى أنه قد يفرق مفرق بين كونها نائمة أو يقظى، وكأنه أشار أيضا إلى تضعيف الحديث الوارد في النهي عن الصلاة إلى النائم، فقد أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس. وقال أبو داود: طرقه كلها واهية، يعني حديث ابن عباس. انتهى. وفي الباب عن ابن عمر أخرجه ابن عدي، وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في الأوسط وهما واهيان أيضا. وكره مجاهد وطاوس ومالك الصلاة إلى النائم خشية أن يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته. وظاهر


تصرف المصنف أن عدم الكراهية حيث يحصل الأمن من ذلك. "تنبيه": يحيى المذكور في الإسناد هو القطان، وهشام هو ابن عروة.


104 - باب التَّطَوُّعِ خَلْفَ الْمَرْأَةِ513- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ "كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلاَيَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا قَالَتْ وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ"
قوله: "باب التطوع خلف المرأة" أورد فيه حديث عائشة أيضا بلفظ آخر، وقد تقدم في " باب الصلاة على الفراش " من هذا الوجه. ودلالة الحديث على التطوع من جهة أن صلاته هذه في بيته بالليل، وكانت صلاته الفرائض بالجماعة في المسجد. وقال الكرماني: لفظ الترجمة يقتضي أن يكون ظهر المرأة إليه، ولفظ الحديث لا تخصيص فيه بالظهر. ثم أجاب بأن السنة للنائم أن يتوجه إلى القبلة والغالب من حال عائشة ذلك. انتهى. ولا يخفى تكلفه. وسنة ذلك للنائم في ابتداء النوم لا في دوامه، لأنه ينقلب وهو لا يشعر. والذي يظهر أن معنى " خلف المرأة " وراءها، فتكون هي نفسها أمام المصلي لا خصوص ظهرها، ولو أراده لقال: خلف ظهر المرأة، والأصل عدم التقدير. وفي قولها " والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح " إشارة إلى عدم الاشتغال بها. ولا يعكر على ذلك كونه يغمزها عند السجود ليسجد مكان رجليها كما وقع صريحا في رواية لأبي داود، لأن الشغل بها مأمون في حقه صلى الله عليه وسلم، فمن أمن ذلك لم يكره في حقه. "تنبيه": الظاهر أن هذه الحالة غير الحالة التي تقدمت في صلاته صلى الله عليه وسلم إلى جهة السرير الذي كانت عليه، لأنه في تلك الحالة غير محتاج لأن يسجد مكان رجليها، ويمكن أن يوجه بين الحالتين بأن يقال: كانت صلاته فوق السرير لا أسفل منه كما جنح إليه الإسماعيلي فيما سبق، لكن حمله على حالتين أولى، والله أعلم.


105 - باب مَنْ قَالَ لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَيْءٌ514- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ ح قَالَ الأَعْمَشُ وَحَدَّثَنِي مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ فَقَالَتْ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلاَبِ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ
قوله: "باب من قال لا يقطع الصلاة شيء" أي من فعل غير المصلي. والجملة المترجم بها أوردها في الباب صريحا من قول الزهري، ورواها مالك في الموطأ عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه من قوله، وأخرجها الدارقطني مرفوعة من وجه آخر عن سالم لكن إسنادها ضعيف، ووردت أيضا مرفوعة من حديث أبي سعيد عند أبي داود، ومن حديث أنس وأبي أمامة عند الدارقطني، ومن حديث جابر عند الطبراني في الأوسط وفي إسناد كل منهما ضعف، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن علي وعثمان وغيرهما نحو ذلك موقوفا.


106 - باب إِذَا حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً عَلَى عُنُقِهِ فِي الصَّلاَةِ516- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا"
[الحديث516- طرفه في: 5996]
قوله: "باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه" قال ابن بطال: أراد البخاري أن حمل المصلي الجارية إذا كان لا يضر الصلاة فمرورها بين يديه لا يضر لأن حملها أشد من مرورها. وأشار إلى نحو هذا الاستنباط الشافعي، لكن تقييد المصنف بكونها صغيرة قد يشعر بأن الكبيرة ليست كذلك. قوله: "عن أبي قتادة" في رواية عبد الرزاق عن مالك " سمعت أبا قتادة " وكذا في رواية أحمد من طريق ابن جريج عن عامر عن عمرو بن سليم أنه " سمع أبا قتادة". قوله: "وهو حامل أمامة" المشهور في الروايات بالتنوين ونصب أمامة، وروى بالإضافة كما قرئ في قوله تعالى :{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} بالوجهين، وتخصيص الحمل في الترجمة بكونه على العنق - مع أن السياق يشمل ما هو أعم من ذلك - مأخوذ من طريق أخرى مصرحة بذلك وهي لمسلم من طريق بكير بن الأشج عن عمرو بن سليم، ورواه عبد الرزاق عن مالك بإسناد حديث الباب فزاد فيه: "على عاتقه " وكذا لمسلم وغيره من طرق أخرى، ولأحمد من طريق ابن جريج " على رقبته". وأمامة بضم الهمزة تخفيف الميمين كانت صغيرة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجها علي بعد وفاة فاطمة بوصية منها ولم تعقب. قوله: "ولأبي العاص" قال الكرماني: الإضافة في قوله: "بنت زينب " بمعنى اللام، فأظهر في المعطوف وهو قوله: "ولأبي العاص " ما هو مقدر في المعطوف عليه. انتهى. وأشار ابن العطار إلى أن الحكمة في ذلك كون والد أمامة كان إذ ذاك مشركا فنسبت إلى أمها تنبيها على أن الولد ينسب إلى أشرف أبويه دينا ونسبا. ثم بين أنها من أبي العاص تبيينا لحقيقة نسبها. انتهى. وهذا السياق لمالك وحده، وقد رواه غيره عن عامر بن عبد الله فنسبوها إلى أبيها، ثم بينوا أنها بنت زينب كما هو عند مسلم وغيره، ولأحمد من طريق المقبري عن عمرو بن سليم " يحمل أمامة بنت أبي العاص - وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - على عاتقه". قوله: "ابن ربيعة بن عبد شمس" كذا رواه الجمهور عن مالك، ورواه يحيى بن بكير ومعن بن عيسى وأبو مصعب وغيرهم عن مالك فقالوا " ابن الربيع " وهو الصواب. وغفل الكرماني فقال خالف القوم البخاري فقال: ربيعة، وعندهم الربيع، والواقع أن من أخرجه من القوم من طريق مالك كالبخاري فالمخالفة فيه إنما هي من مالك، وادعى الأصيلي أنه ابن الربيع بن ربيعة فنسبه مالك مرة إلى جده، ورده عياض والقرطبي وغيرهما لإطباق النسابين على خلافه. نعم قد نسبه مالك إلى جده في قوله: "ابن عبد الشمس " وإنما هو ابن عبد العزى بن عبد شمس، أطبق على ذلك النسابون أيضا، واسم أبي العاص لقيط وقيل مقسم وقيل القاسم وقيل مهشم وقيل هشيم وقيل ياسر وهو مشهور بكنيته. أسلم قبل الفتح وهاجر، ورد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب وماتت معه وأثنى عليه في مصاهرته، وكانت وفاته في خلافة أبي بكر الصديق. قوله: "فإذا سجد وضعها" كذا لمالك أيضا، ورواه مسلم أيضا من طريق عثمان بن أبي سليمان ومحمد ابن عجلان، والنسائي من طريق الزبيدي، وأحمد من طريق ابن جريج، وابن حبان من طريق أبي العميس كلهم عن عامر بن عبد الله شيخ مالك فقالوا " إذا ركع وضعها " ولأبي داود من طريق المقبري عن عمرو ابن سليم " حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده قام وأخذها فردها في مكانها"، وهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه لا منها، بخلاف ما أوله الخطابي حيث قال: يشبه أن تكون الصبية كانت قد ألفته، فإذا سجد تعلقت بأطرافه والتزمته فينهض من سجوده فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها. قال: هذا وجهه عندي. وقال ابن دقيق العيد: من المعلوم أن لفظ حمل لا يساوي لفظ وضع في اقتضاء فعل الفاعل لأنا نقول: فلان حمل كذا ولو كان غيره حمله، بخلاف وضع، فعلى هذا فالفعل الصادر منه هو الوضع لا الرفع فيقل العمل. قال: وقد كنت أحسب هذا حسنا إلى أن رأيت في بعض طرقه الصحيحة " فإذا قام أعادها". قلت: وهي رواية لمسلم. ورواية أبي داود التي قدمناها أصرح في ذلك وهي " ثأخذها فردها في مكانها " ولأحمد من طريق ابن جريج " وإذا قام حملها فوضعها على رقبته". قال القرطبي: اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، والذي أحوجهم إلى ذلك أنه عمل كثير، فروى ابن القاسم عن مالك أنه كان في النافلة، وهو تأويل بعيد، فإن ظاهر الأحاديث أنه كان في فريضة. وسبقه إلى استبعاد ذلك المازري وعياض، لما ثبت في مسلم: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة على عاتقه". قال المازري: إمامته بالناس في النافلة ليست بمعهودة. ولأبي داود " بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر - أو العصر - وقد دعاه بلال إلى الصلاة إذ خرج علينا وأمامة على عاتقه فقام في مصلاه فقمنا خلفه فكبر فكبرنا وهي في مكانها"، وعند الزبير بن بكار وتبعه السهيلي الصبح، ووهم من عزاه للصحيحين. قال القرطبي: وروى أشهب وعبد الله بن نافع عن مالك أن ذلك للضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها. انتهى. وقال بعض أصحابه: لأنه لو تركها لبكت وشغلت سره في صلاته أكثر من شغله بحملها. وفرق بعض أصحابه بين الفريضة والنافلة. وقال الباجي: إن وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة دون الفريضة، وإن لم يجد جاز فيهما. قال القرطبي: وروى عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك أن الحديث منسوخ. قلت: روى ذلك الإسماعيلي عقب روايته للحديث من طريقه، لكنه غير صريح، ولفظه: قال التنيسي قال مالك: من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ناسخ ومنسوخ، وليس العمل على هذا. وقال ابن عبد البر: لعله نسخ بتحريم العمل في الصلاة. وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وبأن هذه القصة كانت بعد قوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الصلاة لشغلا " لأن ذلك كان قبل الهجرة، وهذه القصة كانت بعد الهجرة قطعا بمدة مديدة. وذكر عياض عن بعضهم أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم لكونه كان معصوما من أن تبول وهو حاملها، ورد بأن الأصل عدم الاختصاص وبأنه لا يلزم من ثبوت الاختصاص في أمر ثبوته في غيره بغير دليل، ولا مدخل للقياس في مثل ذلك. وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال لوجد الطمأنينة في أركان صلاته. وقال النووي: ادعى بعض المالكية أن هذا الحديث منسوخ، وبعضهم أنه من الخصائص، وبعضهم أنه كان لضرورة، وكل ذلك دعاوى باطلة مردودة لا دليل عليها، وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر، وما في جوفه معفو عنه، وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة، والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت، ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك، وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لبيان الجواز. وقال الفاكهاني: وكأن السر في حمله أمامة في الصلاة دفعا لما كانت العرب تألفه من كراهة البنات وحملهن، فخالفهم في ذلك حتى في الصلاة للمبالغة في ردعهم، والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول. واستدل به على ترجيح العمل بالأصل على الغالب كما أشار إليه الشافعي. ولابن دقيق العيد هنا بحث من جهة أن حكايات الأحوال لا عموم لها، وعلى جواز إدخال الصبيان في المساجد، وعلى أن لمس الصغار الصبايا غير مؤثر في الطهارة، ويحتمل أن يفرق بين ذوات المحارم وغيرهن، وعلى صحة صلاة من حمل آدميا، وكذا من حمل حيوانا طاهرا، وللشافعية تفصيل بين المستجمر وغيره، وقد يجاب عن هذه القصة بأنها واقعة حال فيحتمل أن تكون أمامة كانت حينئذ قد غسلت، كما يحتمل أنه كان صلى الله عليه وسلم يمسها بحائل. وفيه تواضعه صلى الله عليه وسلم، وشفقته على الأطفال، وإكرامه لهم جبرا لهم ولوالديهم.


107 - باب إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ
517- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ أَخْبَرَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ قَالَتْ "كَانَ فِرَاشِي حِيَالَ مُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُبَّمَا وَقَعَ ثَوْبُهُ عَلَيَّ وَأَنَا عَلَى فِرَاشِي"
518- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ تَقُولُ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ نَائِمَةٌ فَإِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي ثَوْبُهُ وَأَنَا حَائِضٌ وَزَادَ مُسَدَّدٌ عَنْ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ "وَأَنَا حَائِضٌ"
قوله: "باب إذا صلى إلى فراش فيه حائض" أي هل يكره أو لا؟ وحديث الباب يدل على أن لا كراهة. وقال الكرماني: جواب إذا محذوف تقديره صحت صلاته، أو معناه باب حكم المسألة الفلانية، وقد تقدم الكلام عليه في أبواب ستر العورة في " باب إذا أصاب ثوب المصلي امرأته " وهذه الترجمة أخص من تلك، وتقدمت له طريق أخرى في آخر كتاب الحيض. قوله: "حيال" بكسر المهملة بعدها ياء تحتانية أي بجنبه كما ذكره في الطريق الثانية. قوله: "فإذا سجد أصابني ثوبه" كذا للأكثر، وللمستملي والكشميهني: "ثيابه " وللأصيلي: "أصابتني ثيابه". قال ابن بطال: هذا الحديث وشبهه من الأحاديث التي فيها اعتراض المرأة بين المصلي وقبلته يدل على جواز القعود لا على جواز المرور. انتهى. وتعقب بأن ترجمة الباب ليست معقودة للاعتراض بل مسألة الاعتراض تقدمت، والظاهر أن المصنف قصد بيان صحة الصلاة ولو كانت الحائض بجنب المصلي ولو أصابتها ثيابه، لا كون الحائض بين المصلي وبين القبلة. وتعبيره بقوله: "إلى " أعم من أن تكون بينه وبين القبلة، فإن الانتهاء يصدق على ما إذا كانت أمامه أو عن يمينه أو عن شماله، وقد صرح في الحديث بكونها كانت إلى جنبه. قوله: "وأنا حائض" كذا لأبي ذر وسقطت هذه الجملة لغيره، لكن في رواية كريمة بعد قوله: "أصابني ثوبه " زاد مسدد عن خالد عن الشيباني " وأنا حائض"، ورواية مسدد هذه ساقها المصنف في " باب إذا أصاب ثوب المصلي " وفيها هذه الزيادة، وهي أصرح بمراد الترجمة والله أعلم.


108 - باب هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ السُّجُودِ لِكَيْ يَسْجُدَ؟
519- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ "بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَيَّ فَقَبَضْتُهُمَا"
قوله: "باب هل يغمز الرجل امرأته الخ" في الترجمة التي قبلها بيان صحة الصلاة ولو أصابت المرأة بعض ثياب المصلي، وفي هذه الترجمة بيان صحتها ولو أصابها بعض جسده. قوله: "حدثنا عمرو بن علي" هو الفلاس، ويحيى هو القطان، وعبيد الله هو العمري، والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر. قوله: "بئسما عدلتمونا" تخفيف الدال، و " ما "نكرة مفسرة لفاعل بئس، والمخصوص بالذم محذوف تقديره عدلكم، أي تسويتكم إيانا بما ذكر. وقد تقدم الكلام على مباحث الحديث في " باب التطوع خلف المراة".


109 - باب الْمَرْأَةِ تَطْرَحُ عَنْ الْمُصَلِّي شَيْئًا مِنْ الأَذَى
520- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّورَمَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلاَنٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاَهَا فَيَجِيءُ بِهِ ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَثَبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنْ الضَّحِكِ فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَم وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَثَبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاَةَ قَالَ " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ" ثُمَّ سَمَّى اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً"
قوله: "باب المرأة تطرح عن المصلي شيئا من الأذى" قال ابن بطال: هذه الترجمة قريبة من التراجم التي قبلها، وذلك أن المرأة إذا تناولت ما على ظهر المصلي فإنها تقصد إلى أخذه من أي جهة أمكنها تناوله، فإن لم يكن هذا المعنى أشد من مرورها بين يديه فليس بدونه. قوله: "حدثنا أحمد بن إسحاق" هو من صغار شيوخ البخاري، وقد شاركه في الرواية عن شيخه عبيد الله بن موسى المذكور، وعبيد الله ومن فوقه كلهم كوفيون. قوله: "ألا تنظرون إلى هذا المرائي" مأخوذ من الرياء وهو التعبد في الملأ دون الخلوة ليرى. قوله: "جزور آل فلان" لم أقف على تعيينهم لكن يشبه أن يكونوا آل أبي معيط لمبادرة عقبة بن أبي معيط إلى إحضار ما طلبوه منه، وهو المعنى بقوله أشقاهم. قوله: "فانطلق منطلق" لم أقف على تسميته، ويحتمل أن يكون هو ابن مسعود الراوي، وقد تقدم الكلام على فوائد هذا الحديث في الطهارة قبل الغسل بقليل. "خاتمة": اشتملت أبواب استقبال القبلة - وما معها من أحكام المساجد وسترة المصلى - من الأحاديث المرفوعة على ستة وثمانين حديثا، المكرر منها ستة وثلاثون حديثا عشرة تقدمت وستة وعشرون فيها الخالص منها خمسون حديثا، وافقه مسلم على تخريج أصولها سوى حديث أنس " من استقبل قبلتنا " وحديث ابن عباس في الصلاة في قبل الكعبة، لكن أوضحنا أن مسلما أخرجه عن ابن عباس عن أسامة، وحديث جابر في الصلاة على الراحلة، وحديث عائشة في قصة الوليدة صاحبة الوشاح، وحديث أبي هريرة " رأيت سبعين من أصحاب الصفة"، وحديث
ابن عمر " كان المسجد مبنيا باللبن"، وحديث ابن عباس في قصة عمار في بناء المسجد، وحديثه في الخطبة في خوخة أبي بكر، وحديث عمر في رفع الصوت في المسجد، وحديث ابن عمر في المساجد التي على طرق المدينة وهو مشتمل على عشرة أحاديث، وحديث عائشة " لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين". وفيها من المعلقات ثمانية عشر حديثا كلها مكررة إلا حديث أنس في قصة العباس ومال البحرين وهو من أفراده أيضا عن مسلم، فجملة ما فيها من الأحاديث بالمكرر مائة وأربعة أحاديث، وفيها من الآثار ثلاثة وعشرون كلها معلقات، إلا أثر مساجد ابن عباس، وأثر عمر وعثمان أنهما كانا يستلقيان في المسجد، وأثرهما أنهما زادا في المسجد، فإن هذه موصولة. والله سبحانه وتعالى أعلم.


المجلد الثاني
كتاب مواقيت الصلاةباب مواقيت الصلاة وفضلها...
1 - المجلد الثاني2 - كتاب مواقيت الصلاة
3 - باب مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ وَفَضْلِهَا
وَقَوْلِهِ [النساء 103] إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا مُوَقَّتًا وَقَّتَهُ عَلَيْهِمْ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْعِرَاقِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ بِهَذَا أُمِرْتُ فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ اعْلَمْ مَا تُحَدِّثُ أو أن جِبْرِيلَ هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الصَّلاَةِ قَالَ عُرْوَةُ كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ
[الحديث 521-طرفاه في: 3221، 4007]
"باب مواقيت الصلاة - بسم الله الرحمن الرحيم" كذا للمستملي وبعده البسملة، ولرفيقيه البسملة مقدمة وبعدها " باب مواقيت الصلاة وفضلها " وكذا في نسخة الصغاني، وكذا لكريمة لكن بلا بسملة، وكذا للأصيلي لكن بلا باب.و " المواقيت " جمع ميقات وهو مفعال من الوقت وهو القدر المحدد للفعل من الزمان أو المكان.قوله: "كتابا موقوتا موقتا وقته عليهم" كذا وقع في أكثر الروايات، وسقط في بعضها لفظ: "موقتا فاستشكل ابن التبن تشديد القاف من وقته.وقال: المعروف في اللغة التخفيف ا هـ.والظاهر أن المصنف أراد بقوله: "موقتا " بيان أن قوله: "موقوتا " من التوقيت، فقد جاء عن مجاهد في معنى قوله موقوتا قال: مفروضا، وعن غيره محدودا.وقال صاحب المنتهى: كل شيء جعل له حين وغاية فهو موقت، يقال وقته ليوم كذا، أي أجله. قوله: "حدثنا عبد الله بن مسلمة" هو القعنبي، وهذا الحديث أول شيء في الموطأ، ورجاله كلهم مدنيون.قوله: "أخر الصلاة يوما" وللمصنف في بدء الخلق من طريق الليث عن ابن شهاب بيان الصلاة المذكورة ولفظه: "أخر العصر شيئا " قال ابن عبد البر: ظاهر سياقه أنه فعل ذلك يوما ما، لا أن ذلك كان عادة له وإن كان أهل بيته معروفين بذلك ا هـ.
وسيأتي بيان ذلك قريبا في " باب تضييع الصلاة عن وقتها " وكذا في نسخة الصغاني.وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب " أخر الصلاة مرة " يعني العصر، وللطبراني من طريق أبي بكر بن حزم أن عروة حدث عمر بن عبد العزيز - وهو يومئذ أمير المدينة في زمان الوليد بن عبد الملك - وكان ذلك زمان يؤخرون فيه الصلاة، يعني بني أمية.قال ابن عبد البر: المراد أنه أخرها حتى خرج الوقت المستحب، لا أنه أخرها حتى غربت الشمس ا هـ.ويؤيده سياق رواية الليث المتقدمة.وأما ما رواه الطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أسامة بن زيد الليثي عن ابن شهاب في هذا الحديث قال: "دعا المؤذن لصلاة العصر فأمسى عمر بن عبد العزيز قيل أن يصليها " فمحمول على أنه
قارب المساء لا أنه دخل فيه.وقد رجع عمر بن عبد العزيز عن ذلك، فروى الأوزاعي عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز - يعني في خلافته - كان يصلي الظهر في الساعة الثامنة والعصر في الساعة العاشرة حين تدخل.قوله: "أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوما" بين عبد الرزاق في روايته عن ابن جريج عن ابن شهاب أن الصلاة المذكورة العصر أيضا، ولفظه: "أمسى المغيرة بن شعبة بصلاة العصر".قوله: "وهو بالعراق" في الموطأ رواية القعنبي وغيره عن مالك " وهو بالكوفة"، وكذا أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي.والكوفة من جملة العراق، فالتعبير بها أخص من التعبير بالعراق، وكان المغيرة إذ ذاك أميرا عليها من قبل معاوية بن أبي سفيان.قوله: "أبو مسعود" أي عقبة بن عمرو البدري.قوله: "ما هذا" أي التأخير.قوله: "أليس" كذا الرواية، وهو استعمال صحيح، لكن الأكثر في الاستعمال في مخاطبة الحاضر " ألست " وفي مخاطبة الغائب " أليس".قوله: "قد علمت" قال عياض يدل ظاهره على علم المغيرة بذلك، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل الظن من أبي مسعود لعلمه بصحبة المغيرة.قلت: ويؤيد الأول رواية شعيب عن ابن شهاب عند المصنف في غزوة بدر بلفظ: "فقال لقد علمت " بغير أداة استفهام، ونحوه لعبد الرزاق عن معمر وابن جريج جميعا.قوله: "أن جبريل نزل" بين ابن إسحاق في المغازي أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة وهي ليلة الإسراء، قال ابن إسحاق " حدثني عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير " وقال عبد الرزاق " عن ابن جريج قال: قال نافع بن جبير وغيره: لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسرى به لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس، ولذلك سميت " الأولى " أي صلاة الظهر، فأمر فصيح بأصحابه: "الصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصلى به جبريل وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس " فذكر الحديث، وفيه رد على من زعم أن بيان الأوقات إنما وقع بعد الهجرة، والحق أن ذلك وقع قبلها ببيان جبريل، وبعدها ببيان النبي صلى الله عليه وسلم.قوله: "نزل فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال عياض: ظاهره أن صلاته كانت بعد فراغ صلاة جبريل، لكن المنصوص في غيره أن جبريل أم النبي صلى الله عليه وسلم، فيحمل قوله: "صلى فصلى " على أن جبريل كان كلما فعل جزءا من الصلاة تابعه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله ا هـ.وبهذا جزم النووي.وقال غيره: الفاء بمعنى الواو، واعترض بأنه يلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقدم في بعض الأركان على جبريل على ما يقتضيه مطلق الجمع.وأجيب بمراعاة الحيثية وهي التبيين، فكان لأجل ذلك يتراخى عنه.وقيل: الفاء للسببية كقوله تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} وفي رواية الليث عند المصنف وغيره: "نزل جبريل فأمنى فصليت معه".وفي رواية عبد الرزاق عن معمر " نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الناس معه " وهذا يؤيد رواية نافع بن جبير المتقدمة، وإنما دعاهم إلى الصلاة بقوله: "الصلاة جامعة " لأن الأذان لم يكن شرع حينئذ، واستدل بهذا الحديث على جواز الائتمام بمن يأتم بغيره، ويجاب عنه بما يجاب به عن قصة أبي بكر في صلاته خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصلاة الناس خلفه، فإنه محمول على أنه كان مبلغا فقط كما سيأتي تقريره في أبواب الإمامة.واستدل به أيضا على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل من جهة أن الملائكة ليسوا مكلفين بمثل ما كلف به الإنس.قاله ابن العربي وغيره.وأجاب عياض باحتمال أن لا تكون تلك الصلاة كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ.وتعقبه بما تقدم من أنها كانت صبيحة ليلة فرض الصلاة، وأجاب باحتمال أن الوجوب عليه كان معلقا بالبيان، فلم يتحقق الوجوب إلا بعد تلك الصلاة.قال: وأيضا لا نسلم أن جبريل كان متنفلا بل كانت تلك الصلاة واجبة عليه لأنه مكلف بتبليغها، فهي صلاة مفترض

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 12:52 AM
خلف مفترض ا هـ.وقال ابن المنير: قد يتعلق به من يجوز صلاة مفترض بفرض خلف مفترض بفرض آخر، كذا قال، وهو مسلم له في صورة المؤداة مثلا خلف المقضية لا في صورة الظهر خلف العصر مثلا.
قوله: "بهذا أمرت" بفتح المثناة على المشهور، والمعنى هذا الذي أمرت به أن تصليه كل يوم وليلة، وروى بالضم، أي هذا الذي أمرت بتبليغه لك.قوله: "اعلم" بصيغة الأمر.قوله: "أو إن جبريل" بفتح الهمزة وهي للاستفهام والواو هي العاطفة والعطف على شيء مقدر وبكسر همزة إن ويجوز الفتح.قوله: "وقوت الصلاة" كذا للمستملي بصيغة الجمع، وللباقين " وقت الصلاة " بالإفراد وهو للجنس.قوله: "كذلك كان بشير" هو بفتح الموحدة بعدها معجمة بوزن فعيل.وهو تابعي جليل ذكر في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ورآه.قال ابن عبد البر: هذا السياق منقطع عند جماعة من العلماء لأن ابن شهاب لم يقل حضرت مراجعة عروة لعمر، وعروة لم يقل حدثني بشير، لكن الاعتبار عند الجمهور بثبوت اللقاء والمجالسة لا بالصيغ ا هـ.وقال الكرماني: أعلم أن الحديث بهذا الطريق ليس متصل الإسناد إذ لم يقل أبو مسعود: شاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.قلت: هذا لا يسمى منقطعا اصطلاحا، وإنما هو مرسل صحابي لأنه لم يدرك القصة، فاحتمل أن يكون سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه عنه بتبليغ من شاهده أو سمعه كصحابي آخر.على أن رواية الليث عند المصنف تزيل الإشكال كله، ولفظه: "فقال عروة: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فذكر الحديث.
وكذا سياق ابن شهاب، وليس فيه التصريح بسماعه له من عروة، وابن شهاب قد جرب عليه التدليس، لكن وقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب قال: "كنا مع عمر بن عبد العزيز"؛ فذكره.
وفي رواية شعيب عن الزهري " سمعت عروة يحدث عمر بن عبد العزيز " الحديث.قال القرطبي: قول عروة إن جبريل نزل ليس فيه حجة واضحة على عمر بن عبد العزيز إذ لم يعين له الأوقات.قال: وغاية ما يتوهم عليه أنه نبهه وذكره بما كان يعرفه من تفاصيل الأوقات.قال: وفيه بعد، لإنكار عمر على عروة حيث قال له " اعلم ما تحدث يا عروة " قال: وظاهر هذا الإنكار أنه لم يكن عنده علم من إمامة جبريل.قلت: لا يلزم من كونه لم يكن عنده علم منها أن لا يكون عنده علم بتفاصيل الأوقات المذكورة من جهة العمل المستمر، لكن لم يكن يعرف أن أصله بتبيين جبريل بالفعل، فلهذا استثبت فيه، وكأنه كان يرى أن لا مفاضلة بين أجزاء الوقت الواحد، وكذا يحمل عمل المغيرة وغيره من الصحابة، ولم أقف في شيء من الروايات على جواب المغيرة لأبي مسعود، والظاهر أنه رجع إليه والله أعلم.وأما ما زاده عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري في هذه القصة قال: فلم يزل عمر يعلم الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا، ورواه أبو الشيخ في " كتاب المواقيت " له من طريق الوليد عن الأوزاعي عن الزهري قال: "ما زال عمر بن عبد العزيز يتعلم مواقيت الصلاة حتى مات".ومن طريق إسماعيل بن حكيم " أن عمر بن عبد العزيز جعل ساعات ينقضين مع غروب الشمس " زاد من طريق ابن إسحاق عن الزهري " فما أخرها حتى مات " فكله يدل على أن عمر لم يكن يحتاط في الأوقات كثير احتياط إلا بعد أن حدثه عروة بالحديث المذكور."تنبيه": ورد في هذه القصة من وجه آخر عن الزهري بيان أبي مسعود للأوقات، وفي ذلك ما يرفع الإشكال، ويوضح توجيه احتجاج عروة به، فروى أبو داود وغيره، وصححه ابن خزيمة وغيره من طريق ابن وهب، والطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب كلاهما عن أسامة بن زيد عن الزهري هذا الحديث بإسناده وزاد في آخره: "قال أبو مسعود: فرأيت رسول
(2/5)

الله صلى الله عليه وسلم يصلي الطهر حين تزول الشمس " فذكر الحديث.وذكر أبو داود أن أسامة بن زيد تفرد بتفسير الأوقات فيه، وأن أصحاب الزهري لم يذكروا ذلك.قال: وكذا رواه هشام بن عروة وحبيب بن أبي مرزوق عن عروة لم يذكرا تفسيرا ا هـ.ورواية هشام أخرجها سعيد بن منصور في سننه، ورواية حبيب أخرجها الحارث بن أبي أسامة في مسنده. وقد وجدت ما يعضد رواية أسامة ويزيد عليها أن البيان من فعل جبريل، وذلك فيما رواه الباغندي في " مسند عمر بن عبد العزيز " والبيهقي في " السنن الكبرى " من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي بكر بن حزم أنه بلغه عن أبي مسعود، فذكره منقطعا، لكن رواه الطبراني من وجه آخر عن أبي بكر عن عروة، فرجع الحديث إلى عروة، ووضح أن له أصلا، وأن في رواية مالك ومن تابعه اختصارا، وبذلك جزم ابن عبد البر، وليس في رواية مالك ومن تابعه ما ينفي الزيادة المذكورة فلا توصف والحالة هذه بالشذوذ. وفي الحديث من الفوائد: دخول العلماء على الأمراء، وإنكارهم عليهم ما يخالف السنة، واستثبات العالم فيما يستغربه السامع، والرجوع عند التنازع إلى السنة. وفيه فضيلة عمر بن عبد العزيز. وفيه فضيلة المبادرة بالصلاة في الوقت الفاضل. وقبول خبر الواحد الثبت. واستدل به ابن بطال وغيره على أن الحجة بالمتصل دون المنقطع لأن عروة أجاب عن استفهام عمر له لما أن أرسل الحديث بذكر من حدثه به فرجع إليه، فكأن عمر قال له: تأمل ما تقول، فلعله بلغك عن غير ثبت. فكأن عروة قال له: بل قد سمعته ممن قد سمع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصاحب قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. واستدل به عياض على جواز الاحتجاج بمرسل الثقة كصنيع عروة حين احتج على عمر قال: وإنما راجعه عمر لتثبته فيه لا لكونه لم يرض به مرسلا. كذا قال، وظاهر السياق يشهد لما قال ابن بطال. وقال ابن بطال أيضا: في هذا الحديث دليل على ضعف الحديث الوارد في أن جبريل أم بالنبي صلى الله عليه وسلم في يومين لوقتين مختلفين لكل صلاة، قال: لأنه لو كان صحيحا لم ينكر عروة على عمر صلاته في آخر الوقت محتجا بصلاة جبريل، مع أن جبريل قد صلى في اليوم الثاني في آخر الوقت وقال: "الوقت ما بين هذين " وأجيب باحتمال أن تكون صلاة عمر كانت خرجت عن وقت الاختيار وهو مصير ظل الشيء مثليه، لا عن وقت الجواز وهو مغيب الشمس، فيتجه إنكار عروة، ولا يلزم منه ضعف الحديث. أو يكون عروة أنكر مخالفة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصلاة في أول الوقت ورأى أن الصلاة بعد ذلك إنما هي لبيان الجواز، فلا يلزم منه ضعف الحديث أيضا. وقد روى سعيد بن منصور من طريق طلق بن حبيب مرسلا قال: "إن الرجل ليصلي الصلاة وما فاتته، ولما فاته من وقتها خير له من أهله وماله " ورواه أيضا عن ابن عمر من قوله، ويؤيد ذلك احتجاج عروة بحديث عائشة في كونه صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها، وهي الصلاة التي وقع الإنكار بسببها، وبذلك تظهر مناسبة ذكره لحديث عائشة بعد حديث أبي مسعود، لأن حديث عائشة يشعر بمواظبته على صلاة العصر في أول الوقت، وحديث أبي مسعود يشعر بأن أصل بيان الأوقات كان بتعليم جبريل.
522- قال عروة: ولقدحدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر
[الحديث 522 – أطرافه في: 3103,546,545,544]
(2/6)

قوله: "قال عروة: ولقد حدثتني عائشة" قال الكرماني: هو إما مقول ابن شهاب أو تعليق من البخاري. قلت: الاحتمال الثاني - على بعده - مغاير للواقع كما سيظهر في " باب وقت العصر " قريبا. فقد ذكره مسندا عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، فهو مقوله وليس بتعليق، وسنذكر الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى.
(2/7)

باب (منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ... الآية)
...
2 - باب: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [الروم 31]
523- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ هُوَ ابْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُذْهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا فَقَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الإِيمَانِ بِاللَّهِ ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَيَّ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ وَأَنْهَى عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُقَيَّرِ وَالنَّقِيرِ "
[انظر الحديث 53 وأطرافه ]
قوله: "باب منيبين إليه" كذا عند أبي ذر بتنوين باب، ولغيره: "باب قوله تعالى " بالإضافة.
والمنيب التائب، من الإنابة وهي الرجوع. وهذه الآية مما استدل به من يرى تكفير تارك الصلاة لما يقتضيه مفهومها، وأجيب بأن المراد أن ترك الصلاة من أفعال المشركين فورد النهي عن التشبه بهم، لا أن من وافقهم في الترك صار مشركا. وهي من أعظم ما ورد في القرآن في فضل الصلاة. ومناسبتها لحديث وفد عبد القيس أن في الآية اقتران نفي الشرك بإقامة الصلاة، وفي الحديث اقتران إثبات التوحيد بإقامتها، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الإيمان. وقوله في هذه الرواية: "حدثنا عباد وهو ابن عباد " كذا لأبي ذر، وسقطت الواو لغيره، وهو ممن وافق اسمه اسم أبيه، واسم جده حبيب بن المهلب بن أبي صفرة. وقوله: "إنا من هذا الحي " هو بالنصب على الاختصاص، والله أعلم.
(2/7)

باب البيعة على إقامة الصلاة
...
3 - باب الْبَيْعَةِ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ
524- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ
[انظر الحديث 57 وأطرافه]
قوله: "باب البيعة على إقام الصلاة" وفي رواية كريمة: "إقامة"، والمراد بالبيعة المبايعة على الإسلام.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يشترط بعد التوحيد إقامة الصلاة لأنها رأس العبادات البدنية، ثم أداء الزكاة لأنها رأس العبادات المالية، ثم يعلم كل قوم ما حاجتهم إليه أمس، فبايع جريرا على النصيحة لأنه كان سيد قومه فأرشده إلى تعليمهم بأمره بالنصيحة لهم، وبايع وفد عبد القيس على أداء الخمس لكونهم كانوا أهل محاربة من يليهم من كفار مضر، وقد تقدم الكلام على حديث جرير أيضا مستوفى في آخر كتاب الإيمان. و " يحيى " في الإسناد أيضا هو القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم.
(2/7)

4 - باب الصَّلاَةُ كَفَّارَةٌ
525- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ الأَعْمَشِ قَالَ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ قَالَ: " كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ قُلْتُ أَنَا كَمَا قَالَهُ قَالَ إِنَّكَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا لَجَرِيءٌ قُلْتُ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ قَالَ لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ وَلَكِنْ الْفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ قَالَ لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا قَالَ أَيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ قَالَ يُكْسَرُ قَالَ إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا قُلْنَا أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ قَالَ نَعَمْ كَمَا أَنَّ دُونَ الْغَدِ اللَّيْلَةَ إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ الْبَابُ عُمَرُ"
[الحديث 525 – أطرافه في: 7096,3586,1895,1435]
قوله: "باب الصلاة كفارة" كذا للأكثر، وللمستملي: "باب تكفير الصلاة". قوله: "حدثنا يحيى" هو القطان، وشقيق هو ابن سلمة أبو وائل. قوله: "في الفتنة" للمستملي: "حدثني حذيفة". قوله: "في الفتنة" فيه دليل على جواز إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص. إذ تبين أنه لم يسأل إلا عن فتنة مخصوصة. ومعنى الفتنة في الأصل الاختبار والامتحان، ثم استعملت في كل أمر يكشفه الامتحان عن سوء. وتطلق على الكفر، والغلو في التأويل البعيد، وعلى الفضيحة والبلية والعذاب والقتال والتحول من الحسن إلى القبيح والميل إلى الشيء والإعجاب به، وتكون في الخير والشر كقوله تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} . قوله: "أنا كما قاله" أي أنا أحفظ ما قاله، والكاف زائدة للتأكيد، أو هي بمعنى على. ويحتمل أن يراد بها المثلية، أي أقول مثل ما قاله. قوله: "عليه" أي على النبي صلى الله عليه وسلم "أو عليها" أي على المقالة، والشك من أحد رواته. قوله: "الأمر والنهي" أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما صرح به في الزكاة. قوله: "قلنا" هو مقول شقيق. و قوله: "إني حدثته" هو مقول حذيفة. و "الأغاليط" جمع أغلوطة. و قوله: "فهبنا" أي خفنا، وهو مقول شقيق أيضا. و قوله: "الباب عمر" لا يغاير قوله قبل ذلك "إن بينه وبين الفتنة بابا" لأن المراد بقوله بينك وبينها، أي بين زمانك وبين زمان الفتنة وجود حياتك، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في علامات النبوة إن شاء الله تعالى.
526- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنْ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَقِمْ الصَّلاَةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِي هَذَا قَالَ لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ قوله: "أن رجلا" هو أبو اليسر بفتح التحتانية والمهملة الأنصاري، رواه الترمذي وقيل غيره، ولم أقف على اسم المرأة المذكورة، ولكن جاء في بعض الأحاديث أنها من الأنصار. قوله: "لجميع أمتي كلهم" فيه مبالغة في التأكيد وسقط " كلهم " من رواية المستملي، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في آخر تفسير سورة
(2/8)

هود إن شاء الله تعالى. واحتج المرجئة بظاهره وظاهر الذي قبله على أن أفعال الخير مكفرة للكبائر والصغائر، وحمله جمهور أهل السنة على الصغائر عملا بحمل المطلق على المقيد كما سيأتي بسطه هناك إن شاء الله تعالى.
(2/9)

5 - باب فَضْلِ الصَّلاَةِ لِوَقْتِهَا
527- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ أَخْبَرَنِي قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي "
[الحديث 527- أطرافه في : 7534,5970,2782]
قوله: "باب فضل الصلاة لوقتها" كذا ترجم، وأورده بلفظ: "على وقتها " وهي رواية شعبة وأكثر الرواة، نعم أخرجه في التوحيد من وجه آخر بلفظ الترجمة، وكذا أخرجه مسلم باللفظين. قوله: "قال الوليد بن العيزار أخبرني" هو على التقديم والتأخير. قوله: "حدثنا صاحب هذه الدار" كذا رواه شعبة مبهما، ورواه مالك بن مغول عند المصنف في الجهاد وأبو إسحاق الشيباني في التوحيد عن الوليد فصرحا باسم عبد الله، وكذا رواه النسائي من طريق أبي معاوية النخعي عن أبي عمرو الشيباني وأحمد من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه. قوله: "وأشار بيده" فيه الاكتفاء بالإشارة المفهمة عن التصريح، وعبد الله هو ابن مسعود. قوله: "أي العمل أحب إلى الله" في رواية مالك بن مغول " أي العمل أفضل " وكذا لأكثر الرواة، فإن كان هذا اللفظ هو المسئول به فلفظ حديث الباب ملزوم عنه.
ومحصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال أن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه، أو بما لهم فيه رغبة، أو بما هو لائق بهم، أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره، فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن من أدائها، وقد تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة، ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل، أو أن " أفضل " ليست على بابها بل المراد بها الفضل المطلق، أو المراد من أفضل الأعمال فحذفت من وهي مرادة. وقال ابن دقيق العيد: الأعمال في هذا الحديث محمولة على البدنية، وأراد بذلك الاحتراز عن الإيمان لأنه من أعمال القلوب، فلا تعارض حينئذ بينه وبين حديث أبي هريرة " أفضل الأعمال إيمان بالله " الحديث. وقال غيره: المراد بالجهاد هنا ما ليس بفرض عين، لأنه يتوقف على إذن الوالدين فيكون برهما مقدما عليه. قوله: "الصلاة على وقتها" قال ابن بطال فيه أن البدار إلى الصلاة في أول أوقاتها أفضل من التراخي فيها لأنه إنما شرط فيها أن تكون أحب الأعمال إذا أقيمت لوقتها المستحب. قلت: وفي أخذ ذلك من اللفظ المذكور نظر، قال ابن دقيق العيد: ليس في هذا اللفظ ما يقتضي أولا ولا آخرا، وكأن المقصود به الاحتراز عما إذا وقعت قضاء. وتعقب بأن إخراجها عن وقتها محرم، ولفظ: "أحب " يقتضي المشاركة في الاستحباب فيكون المراد الاحتراز عن إيقاعها آخر الوقت.
وأجيب بأن المشاركة إنما هي بالنسبة إلى الصلاة وغيرها من الأعمال، فإن وقعت الصلاة في وقتها كانت
(2/9)

أحب إلى الله من غيرها من الأعمال؛ فوقع الاحتراز عما إذا وقعت خارج وقتها من معذور كالنائم والناسي فإن إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بالتحريم ولا يوصف بكونه أفضل الأعمال مع كونه محبوبا، لكن إيقاعها في الوقت أحب. "تنبيه": اتفق أصحاب شعبة على اللفظ المذكور في الباب وهو قوله: "عن وقتها " وخالفهم علي ابن حفص وهو شيخ صدوق من رجال مسلم فقال: "الصلاة في أول وقتها " أخرجه الحاكم والدار قطني والبيهقي من طريقه. قال الدار قطني: ما أحسبه حفظه، لأنه كير وتغير حفظه. قلت: ورواه الحسن بن علي المعمري في " اليوم والليلة " عن أبي موسى محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة كذلك , قال الدار قطني: تفرد به المعمري، فقد رواه أصحاب أبي موسى عنه بلفظ: "على وقتها " ثم أخرجه الدار قطني عن المحاملي عن أبي موسى كرواية الجماعة، وهكذا رواه أصحاب غندر عنه، والظاهر أن المعمري وهم فيه لأنه كان يحدث من حفظه، وقد أطلق النووي في " شرح المهذب " أن رواية: "في أول وقتها " ضعيفة ا هـ، لكن لها طريق أخرى أخرجها ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وغيرهما من طريق عثمان عن عمر عن مالك بن مغول عن الوليد، وتفرد عثمان بذلك، والمعروف عن مالك بن مغول كرواية الجماعة، كذا أخرجه المصنف وغيره، وكأن من رواها كذلك ظن أن المعنى واحد، ويمكن أن يكون أخذه من لفظة " على " لأنها تقتضي الاستعلاء على جميع الوقت فيتعين أوله، قال القرطبي وغيره: قوله: "لوقتها " اللام للاستقبال مثل قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أي مستقبلات عدتهن، وقيل للابتداء كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وقيل بمعنى في، أي في وقتها. وقوله: "على وقتها " قيل على بمعنى اللام ففيه ما تقدم، وقيل لإرادة الاستعلاء على الوقت، وفائدته تحقق دخول الوقت ليقع الأداء فيه. قوله: "ثم أي" قيل: الصواب أنه غير منون لأنه غير موقوف عليه في الكلام، والسائل ينتظر الجواب، والتنوين لا يوقف عليه فتنوينه ووصله بما بعده خطأ، فيوقف عليه وقفة لطيفة ثم يؤتي بما بعده قاله الفاكهاني. وحكى ابن الجوزي عن ابن الخشاب الجزم بتنوينه لأنه معرب غير مضاف، وتعقب بأنه مضاف تقديرا والمضاف إليه محذوف لفظا، والتقدير: ثم أي العمل أحب؟ فيوقف عليه بلا تنوين. وقد نص سيبوبه على أنها تعرب ولكنها تبنى إذا أضيفت، واستشكله الزجاج. قوله: "قال بر الوالدين" كذا للأكثر، وللمستملي: "قال ثم بر الوالدين " بزيادة ثم، قال بعضهم: هذا الحديث موافق لقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} وكأنه أخذه من تفسير ابن عيينة حيث قال: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله، ومن دعا لوالديه عقبها فقد شكر لهما.
قوله: "حدثني بهن" هو مقول عبد الله بن مسعود، وفيه تقرير وتأكيد لما تقدم من أنه باشر السؤال وسمع الجواب. قوله: "ولو استزدته" يحتمل أن يريد من هذا النوع وهو مراتب أفضل الأعمال، ويحتمل أن يريد من مطلق المسائل المحتاج إليها، وزاد الترمذي من طريق المسعودي عن الوليد " فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني " فكأنه استشعر منه مشقة، ويؤيده ما في رواية لمسلم: "فما تركت أن أستزيده إلا إرعاء عليه " أي شفقة عليه لئلا يسأم. وفي الحديث فضل تعظيم الوالدين، وأن أعمال البر يفضل بعضها على بعض. وفيه السؤال عن مسائل شتى في وقت واحد، والرفق بالعالم، والتوقف عن الإكثار عليه خشية ملاله، وما كان عليه الصحابة من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والشفقة عليه، وما كان هو عليه من إرشاد المسترشدين ولو شق عليه. وفيه أن الإشارة تتنزل منزلة التصريح إذا كانت معينة للمشار إليه مميز له عن غيره. قال ابن بزيزة: الذي يقتضيه النظر تقديم الجهاد على جميع أعمال البدن. لأن
(2/10)

فيه بذل النفس، إلا أن الصبر على المحافظة على الصلوات وأدائها في أوقاتها والمحافظة على بر الوالدين أمر لازم متكرر دائم لا يصبر على مراقبة أمر الله فيه إلا الصديقون، والله أعلم.
(2/11)

6 - باب الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَةٌ
528- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا"
قوله: "باب" بالتنوين "الصلوات الخمس كفارة" كذا ثبت في أكثر الروايات، وهي أخص من الترجمة السابقة على التي قبلها. وسقطت الترجمة من بعض الروايات، وعليه مشى ابن بطال ومن تبعه، وزاد الكشميهني بعد قوله: "كفارة للخطايا إذا صلاهن لوقتهن في الجماعة وغيرها". قوله: "ابن أبي حازم والدراوردي" كل منهما يسمى عبد العزيز، وهما مدنيان، وكذا بقية رجال الإسناد. قوله: "عن يزيد بن عبد الله" أي ابن أبي أسامة بن الهاد الليثي، وهو تابعي صغير، ولم أر هذا الحديث بهذا الإسناد إلا من طريقه. وأخرجه مسلم أيضا من طريق الليث بن سعد وبكر بن مضر كلاهما عنه. نعم روى من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، أخرجه البيهقي في الشعب من طريق محمد بن عبيد عنه، لكنه شاذ لأن أصحاب الأعمش إنما رووه عنه عن أبي سفيان عن جابر، وهو عند مسلم أيضا من هذا الوجه.
قوله: "عن محمد بن إبراهيم" هو التيمي راوي حديث الأعمال، وهو من التابعين أيضا، ففي الإسناد ثلاثة تابعيون على نسق، قوله: "أرأيتم" هو استفهام تقرير متعلق بالاستخبار، أي أخبروني هل يبقى.
قوله: "لو أن نهرا" قال الطيبي: لفظ: "لو " يقتضي أن يدخل على الفعل وأن يجاب، لكنه وضع الاستفهام موضعه تأكيدا وتقريرا، والتقدير لو ثبت نهر صفته كذا لما بقي كذا، والنهر بفتح الهاء وسكونها ما بين جنبي الوادي، سمي بذلك لسعته، وكذلك سمي النهار لسعة ضوئه. قوله: "ما تقول" كذا في النسخ المعتمدة بإفراد المخاطب، والمعنى ما تقول يا أيها السامع؟ ولأبي نعيم في المستخرج على مسلم وكذا للإسماعيلي والجوزقي " ما تقولون " بصيغة الجمع، والإشارة في ذلك إلى الاغتسال، قال ابن مالك: فيه شاهد على إجراء فعل القول مجرى فعل الظن، وشرطه أن يكون مضارعا مسندا إلى المخاطب متصلا باستفهام. قوله: "يبقى" بضم أوله على الفاعلية. قوله: "من درنه" زاد مسلم: "شيئا " والدرن الوسخ، وقد يطلق الدرن على الحب الصغار التي تحصل في بعض الأجساد، ويأتي البحث في ذلك.
قوله: "قالوا لا يبقى" بضم أوله أيضا، و "شيئا" منصوب على المفعولية. ولمسلم: "لا يبقى " بفتح أوله و " شيء " بالرفع، والفاء في قوله: "فذلك " جواب شيء محذوف، أي إذا تقرر ذلك عندكم فهو مثل الصلوات الخ. وفائدة التمثيل التأكيد، وجعل المعقول كالمحسوس. قال الطيبي: في هذا الحديث مبالغة في نفي الذنوب لأنهم لم يقتصروا في الجواب على " لا " أعادوا اللفظ تأكيدا. وقال ابن العربي: وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهره الماء الكثير فكذلك الصلوات تطهر العبد عن أقذار
(2/11)

الذنوب حتى لا تبقى له ذنبا إلا أسقطته، انتهى. وظاهره أن المراد بالخطايا في الحديث ما هو أعم من الصغيرة والكبيرة، لكن قال ابن بطال: يؤخذ من الحديث أن المراد الصغائر خاصة، لأنه شبه الخطايا بالدرن والدرن صغير بالنسبة إلى ما هو أكبر منه من القروح والخراجات، انتهى. وهو مبني على أن المراد بالدرن في الحديث الحب، والظاهر أن المراد به الوسخ، لأنه هو الذي يناسبه الاغتسال والتنظف. وقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري التصريح بذلك، وهو فيما أخرجه البرار والطبراني بإسناد لا بأس به من طريق عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أرأيت لو أن رجلا كان له معتمل، وبين منزله ومعتمله خمسة أنهار، فإذا انطلق إلى معتمله عمل ما شاء الله فأصابه وسخ أو عرق، فكلما مر بنهر اغتسل منه " الحديث. ولهذا قال القرطبي: ظاهر الحديث أن الصلوات الخمس تستقل بتكفير جميع الذنوب، وهو مشكل، لكن روى مسلم قبله حديث العلاء عن أبي هريرة مرفوعا: "الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر " فعلى هذا المقيد يحمل ما أطلق في غيره. "فائدة": قال ابن بزيزة في " شرح الأحكام ": يتوجه على حديث العلاء إشكال يصعب التخلص منه، وذلك أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر، وإذا كان كذلك فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ انتهى. وقد أجاب عنه شيخنا الإمام البلقيني بأن السؤال غير وارد، لأن مراد الله "أن تجتنبوا" أي في جميع العمر، ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو التكليف إلى الموت، والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها - أي في يومها - إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم، فعلى هذا لا تعارض بين الآية والحديث، انتهى. وعلى تقدير ورود السؤال فالتخلص منه بحمد الله سهل، وذلك أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس، فمن لم يفعلها لم يعد مجتنبا للكبائر، لأن تركها من الكبائر فوقف التكفير على فعلها، والله أعلم. وقد فصل شيخنا الإمام البلقيني أحوال الإنسان بالنسبة إلى ما يصدر منه من صغيرة وكبيرة، فقال: تنحصر في خمسة، أحدها: أن لا يصدر منه شيء البتة، فهذا يعاوض برفع الدرجات. ثانيها: يأتي بصغائر بلا إصرار، فهذا تكفر عنه جزما.
ثالثها: مثله لكن مع الإصرار فلا تكفر إذا قلنا إن الإصرار على الصغائر كبيرة. رابعها: أن يأتي بكبيرة واحدة وصغائر. خامسها: أن يأتي بكبائر وصغائر، وهذا فيه نظر يحتمل إذا لم يجتنب الكبائر أن لا تكفر الكبائر بل تكفر الصغائر، ويحتمل أن لا تكفر شيئا أصلا، والثاني أرجح لأن مفهوم المخالفة إذا لم تتعين جهته لا يعمل به، فهنا لا تكفر شيئا إما لاختلاط الكبائر والصغائر أو لتمحض الكبائر أو تكفر الصغائر فلم تتعين جهة مفهوم المخالفة لدورانه بين الفصلين فلا يعمل به، ويؤيده أن مقتضى تجنب الكبائر أن هناك كبائر، ومقتضى " ما اجتنبت الكبائر " أن لا كبائر فيصان الحديث عنه. "تنبيه": لم أر في شيء من طرقه عند أحد من الأئمة الستة وأحمد بلفظ: "ما تقول " إلا عند البخاري وليس هو عند أبي داود أصلا وهو عند ابن ماجه من حديث عثمان لا من حديث أبي هريرة، ولفظ مسلم: "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل كان يبقى من درنه شيء " وعلى لفظه اقتصر عبد الحق في الجمع بين الصحيحين وكذا الحميدي، ووقع في كلام بعض المتأخرين بعد أن ساقه بلفظ: "ما تقولون " أنه في الصحيحين والسنن الأربعة، وكأنه أراد أصل الحديث، لكن يرد عليه أنه ليس عند أبي داود أصلا ولا ابن ماجه من حديث أبي هريرة. ووقع في بعض النسخ المتأخرة من البخاري بالياء التحتانية آخر الحروف " من يقول: "فزعم بعض أهل العصر أنه غلط وأنه لا
(2/12)

يصح من حيث المعنى، واعتمد على ما ذكره ابن مالك مما قدمته وأخطأ في ذلك، بل له وجه وجيه، والتقدير ما يقول أحدكم في ذلك. والشرط الذي ذكره ابن مالك وغيره من النحاة إنما هو لإجراء فعل القول مجرى فعل الظن كما تقدم، وأما إذا ترك القول على حقيقته فلا، وهذا ظاهر، وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به.
(2/13)

باب تصييع الصلاة عن وقتها
...
7 - باب تَضْيِيعِ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا
529- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ عَنْ غَيْلاَنَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ الصَّلاَةُ قَالَ أَلَيْسَ صنعتم مَا صنعتم فِيهَا؟
530- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ أَخِي عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكَ فَقَالَ لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ
وَقَالَ بَكْرُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ نَحْوَهُ
قوله: "باب في تضييع الصلاة عن وقتها" ثبتت هذه الترجمة في رواية الحموي والكشميهني وسقطت للباقين.
قوله: "مهدي" هو ابن ميمون، وغيلان هو ابن جرير، والإسناد كله بصريون. قوله: "قيل الصلاة" أي قيل له الصلاة هي شيء مما كان على عهده صلى الله عليه وسلم وهي باقية فكيف يصح هذا السلب العام؟ فأجاب بأنهم غيروها أيضا بأن أخرجوها عن الوقت، وهذا الذي قال لأنس ذلل يقال له أبو رافع، بينه أحمد بن حنبل في روايته لهذا الحديث عن روح عن عثمان بن سعد عن أنس فذكر نحوه، " فقال أبو رافع: يا أبا حمزة ولا الصلاة؟ فقال له أنس: قد علمتم ما صنع الحجاج في الصلاة". قوله: "صنعتم" بالمهملتين والنون للأكثر، وللكشميهني بالمعجمة وتشديد الياء، وهو أوضح في مطابقة الترجمة، ويؤيد الأول ما ذكرته آنفا من رواية عثمان بن سعد وما رواه الترمذي من طريق أبي عمران الجوني عن أنس فذكر نحو هذا الحديث وقال في آخره: "أو لم يصنعوا في الصلاة ما قد علمتم "؟ وروى ابن سعد في الطبقات سبب قول أنس هذا القول، فأخرج في ترجمة أنس من طريق عبد الرحمن بن العريان الحارثي سمعت ثابتا البناني قال: كنا مع أنس بن مالك، فأخر الحجاج الصلاة، فقام أنس يريد أن يكلمه، فنهاه إخوانه شفقة عليه منه، فخرج فركب دابته فقال في مسيره ذلك " والله ما أعرف شيئا مما كنا عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا شهادة أن لا إله إلا الله " فقال رجل: فالصلاة يا أبا حمزة؟ قال: "قد جعلتم الظهر عند المغرب، أفتلك كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " وأخرجه ابن أبي عمر في مسنده من طريق حماد عن ثابت مختصرا. قوله: "عن عثمان بن أبي رواد" هو خراساني سكن البصرة واسم أبيه ميمون. قوله: "أخو عبد العزيز" أي هو أخو عبد العزيز، وللكشميهني أخي عبد العزيز وهو بدل من قوله عثمان. قوله: "بدمشق" كان قدوم أنس دمشق في إمارة الحجاج على العراق، قدمها شاكيا من الحجاج للخليفة، وهو إذ ذاك الوليد بن عبد الملك. قوله: "مما أدركت" أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: "إلا هذه الصلاة" بالنصب، والمراد أنه لا يعرف شيئا موجودا من الطاعات معمولا به
(2/13)

على وجهه غير الصلاة. قوله: "وهذه الصلاة قد ضيعت" قال المهلب: والمراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب لا أنهم أخرجوها عن الوقت، كذا قال، وتبعه جماعة، وهو مع عدم مطابقته للترجمة مخالف للواقع، فقد صح أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، والآثار في ذلك مشهورة، منها ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: أخر الوليد الجمعة حتى أمسى " فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس ثم صليت العصر وأنا جالس إيماء وهو يخطب. وإنما فعل ذلك عطاء خوفا على نفسه من القتل. ومنها ما رواه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة من طريق أبي بكر عتبة قال: صليت إلى جنب أبي جحيفة فمسى الحجاج بالصلاة، فقام أبو جحيفة فصلى. ومن طريق ابن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج، فلما أخر الصلاة ترك أن يشهدها معه. ومن طريق محمد بن أبي إسماعيل قال: كنت بمنى وصحف تقرأ للوليد فأخروا الصلاة، فنظرت إلى سعيد بن جبير وعطاء يومئان إيماء وهما قاعدان. قوله: "وقال بكر بن خلف" هو البصري نزيل مكة، وليس له في الجامع إلا هذا الموضع. وقد وصله الإسماعيلي قال: أخبرنا محمود بن محمد الواسطي قال أخبرنا أبو بشر بكر بن خلف.
قوله: "نحوه" سياقه عند الإسماعيلي موافق للذي قبله، إلا أنه زاد فيه: "وهو وحده " وقال فيه: "لا أعرف شيئا مما كنا عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والباقي سواء.
"تنبيه": إطلاق أنس محمول على ما شاهده من أمراء الشام والبصرة خاصة، وإلا فسيأتي في هذا الكتاب أنه قدم المدينة فقال: "ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف " والسبب فيه أنه قدم المدينة وعمر عبد العزيز أميرها حينئذ، وكان على طريقة هل بيته حتى أخبره عروة عن بشير بن أبي مسعود عن أبيه بالنص على الأوقات، فكان يحافظ بعد ذلك على عدم إخراج الصلاة عن وقتها كما تقدم بيانه في أوائل الصلاة. ومع ذلك فكان يراعى الأمر معهم فيؤخر الظهر إلى آخر وقتها. وقد أنكر ذلك أنس أيضا كما في حديث أبي أمامة بن سهل عنه.
(2/14)

8 - باب الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
531- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ قَالَ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى يُنَاجِي رَبَّهُ فَلاَ يَتْفِلَنَّ عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى
وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ لاَ يَتْفِلُ قُدَّامَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ
وَقَالَ شُعْبَةُ لاَ يَبْزُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ
وَقَالَ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَبْزُقْ فِي الْقِبْلَةِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ
قوله: "باب المصلي يناجي ربه" تقدم الكلام على حديث هذا الباب في أبواب المساجد، ومناسبة هذه الترجمة لما قبلها من جهة أن الأحاديث السابقة دلت على مدح من أوقع الصلاة في وقتها وذم من أخرجها عن وقتها، ومناجاة الرب جل جلاله أرفع درجات العبد، فأشار المصنف بإيراد ذلك إلى الترغيب في المحافظة على الفرائض في أوقاتها لتحصيل هذه المنزلة السنية التي يخشى فواتها على من قصر في ذلك. قوله: "حدثنا هشام" هو ابن أبي عبد الله
(2/14)

9 - باب الإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ
534,533- حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ حَدَّثَنَا الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
[الحديث533- طرفه في:536] " إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ"
قوله: "باب الإبراد بالظهر في شدة الحر" قدم المصنف باب الإبراد على باب وقت الظهر لأن لفظ الإبراد يستلزم أن يكون بعد الزوال لا قبله، إذ وقت الإبراد هو ما إذا انحطت قوة الوهج من حر الظهيرة، فكأنه أشار إلى أول وقت الظهر. أو أشار إلى حديث جابر بن سمرة قال: "كان بلال يؤذن الظهر إذا دحضت الشمس " أي مالت. قوله: "حدثنا أيوب" هو ابن سليمان بن بلال كما في رواية أبي ذر، وأبو بكر هو ابن أبي أويس وهو من أقران أيوب، وسليمان هو ابن بلال والد أيوب، روى أيوب عنه تارة بواسطة وتارة بلا واسطة. قوله: "حدثنا الأعرج عبد الرحمن وغيره" هو أبو سلمة بن عبد الرحمن فيما أظن، وقد رواه أبو نعيم في المستخرج من وجه
(2/15)

آخر عن أيوب بن سليمان فلم يقل فيه: "وغيره". والإسناد كله مدنيون. قوله: "ونافع" هو بالرفع عطفا على الأعرج، وهو من رواية صالح بن كيسان عن نافع، وقد روى ابن ماجه من طريق عبد الرحمن الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بعضه " أبردوا بالظهر " وروى السراج من هذا الوجه بعضه " شدة الحر من فيح جهنم". قوله: "أنهما" أي أبا هريرة وابن عمر "حدثاه" أي حدثا من حدث صالح بن كيسان، ويحتمل أن يكون ضمير أنهما يعود على الأعرج ونافع، أي أن الأعرج ونافعا حدثاه أي صالح بن كيسان عن شيخيهما بذلك. ووقع في رواية الإسماعيلي: "أنهما حدثا " بغير ضمير فلا يحتاج إلى التقدير المذكور. قوله: "إذا اشتد" أصله اشتدد بوزن افتعل من الشدة ثم أدغمت إحدى الدالين في الأخرى، ومفهومه أن الحر إذا لم يشتد لم يشرع الإبراد، وكذا لا يشرع في البرد من باب الأولى. قوله: "فأبردوا" بقطع الهمزة وكسر الراء، أي أخروا إلى أن يبرد الوقت. يقال أبرد إذا دخل في البرد كأظهر إذا دخل في الظهيرة، ومثله في المكان أنجد إذا دخل نجدا، وأتهم إذا دخل تهامة. والأمر بالإبراد أمر استحباب، وقيل أمر إرشاد، وقيل بل هو للوجوب. حكاه عياض وغيره، وغفل الكرماني فنقل الإجماع على عدم الوجوب، نعم قال جمهور أهل العلم يستحب تأخير الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج، وخصه بعضهم بالجماعة، فأما المنفرد فالتعجيل في حقه أفضل، وهذا قول أكثر المالكية، والشافعي أيضا لكن خصه بالبلد الحار، وقيد الجماعة بما إذا كانوا ينتابون مسجدا من بعد، فلو كانوا مجتمعين أو كانوا يمشون في كن فالأفضل في حقهم التعجيل، والمشهور عن أحمد التسوية من غير تخصيص ولا قيد، وهو قول إسحاق والكوفيين وابن المنذر، واستدل له الترمذي بحديث أبي ذر الآتي بعد هذا لأن في روايته أنهم كانوا في سفر، وهي رواية للمصنف أيضا ستأتي قريبا، قال: فلو كان على ما ذهب إليه الشافعي لم يأمر بالإبراد لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون إلى أن ينتابوا من البعد. قال الترمذي والأول أولى للاتباع. وتعقبه الكرماني بأن العادة في العسكر الكثير تفرقتهم في أطراف المنزل للتخفيف وطلب الرعي فلا نسلم اجتماعهم في تلك الحالة. انتهى. وأيضا فلم تجر عادتهم باتخاذ خباء كبير يجمعهم، بل كانوا يتفرقون في ظلال الشجر، وليس هناك كن يمشون فيه، فليس في سياق الحديث ما يخالف ما قاله الشافعي، وغايته أنه استنبط من النص العام - وهو الأمر بالإبراد - معنى يخصصه، وذلك جائز على الأصح في الأصول، لكنه مبني على أن العلة في. ذلك تأذيهم بالحر في طريقهم، وللمتمسك بعمومه أن يقول: العلة فيه تأذيهم بحر الرمضاء في جباههم حالة السجود، ويؤيده حديث أنس " كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر " رواه أبو عوانة في صحيحه بهذا اللفظ، وأصله في مسلم، وفي حديث أنس أيضا في الصحيحين نحوه وسيأتي قريبا. والجواب عن ذلك أن العلة الأولى أظهر، فإن الإبراد لا يزيل الحر عن الأرض، وذهب بعضهم إلى أن تعجيل الظهر أفضل مطلقا. وقالوا: معنى أبردوا صلوا في أول الوقت أخذا من برد النهار وهو أوله، وهو تأويل بعيد، ويرده قوله: "فإن شدة الحر من فيح جهنم " إذ التعليل بذلك يدل على أن المطلوب التأخير، وحديث أبي ذر الآتي صريح في ذلك حيث قال: "انتظر. انتظر " والحامل لهم على ذلك حديث خباب " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا " أي فلم يزل شكوانا، وهو حديث صحيح رواه مسلم. وتمسكوا أيضا بالأحاديث الدالة على فضيلة أول الوقت، وبأن الصلاة حينئذ أكثر مشقة فتكون أفضل، والجواب عن حديث خباب أنه محمول على أنهم طلبوا تأخيرا
(2/16)

زائدا عن وقت الإبراد وهو زوال حر الرمضاء ، وذلك قد يستلزم خروج الوقت، فلذلك لم يجبهم، أو هو منسوخ بأحاديث الإبراد فإنها متأخرة عنه، واستدل له الطحاوي بحديث المغيرة بن شعبة قال: "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالهاجرة، ثم قال لنا أبردوا بالصلاة " الحديث، وهو حديث رجاله ثقات رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان. ونقل الخلال عن أحمد أنه قال: هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجمع بعضهم بين الحديثين بأن الإبراد رخصة والتعجيل أفضل، وهو قول من قال إنه أمر إرشاد، وعكسه بعضهم فقال: الإبراد أفضل. وحديث خباب يدل على الجواز وهو الصارف للأمر عن الوجوب. كذا قيل وفيه نظر، لأن ظاهره المنع من التأخير. وقيل معنى قول خباب " فلم يشكنا " أي فلم يحوجنا إلى شكوى بل أذن لنا في الإبراد، حكي عن ثعلب، ويرده أن في الخبر زيادة رواها ابن المنذر بعد قوله: "فلم يشكنا " وقال: "إذا زالت الشمس فصلوا " وأحسن الأجوبة كما قال المازري الأول، والجواب عن أحاديث أول الوقت أنها عامة أو مطلقة، والأمر بالإبراد خاص فهو مقدم، ولا التفات إلى من قال التعجيل أكثر مشقة فيكون أفضل، لأن الأفضلية لم تنحصر في الأشق، بل قد يكون الأخف أفضل كما في قصر الصلاة في السفر. قوله: "بالصلاة" كذا للأكثر، والباء للتعدية، وقيل زائدة. ومعنى أبردوا أخروا على سبيل التضمين أي أخروا الصلاة. وفي رواية الكشميهني: "عن الصلاة " فقيل زائدة أيضا أو عن بمعنى الباء، أو هي للمجاوزة أي تجاوزوا وقتها المعتاد إلى أن تنكسر شدة الحر، والمراد بالصلاة الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبا في أول وقتها، وقد جاء صريحا في حديث أبي سعيد كما سيأتي آخر الباب، فلهذا حمل المصنف في الترجمة المطلق على المقيد والله أعلم.
وقد حمل بعضهم الصلاة على عمومها بناء على أن المفرد المعرف يعم، فقال به أشهب في العصر. وقال به أحمد في رواية عنه في الشتاء حيث قال: تؤخر في الصيف دون الشتاء، ولم يقل أحد به في المغرب ولا في الصبح لضيق وقتهما. قوله: "فإن شدة الحر" تعليل لمشروعية التأخير المذكور، وهل الحكمة فيه دفع المشقة لكونها قد تسلب الخشوع؟ وهذا أظهر، أو كونها الحالة التي ينتشر فيها العذاب؟ ويؤيده حديث عمرو بن عبسة عند مسلم حيث قال له " أقصر عن الصلاة عند استواء الشمس فإنها ساعة تسجر فيها جهنم " وقد استشكل هذا بأن الصلاة سبب الرحمة ففعلها مظنة لطرد العذاب. فكيف أمر بتركها؟ وأجاب عنه أبو الفتح اليعمري بأن التعليل إذا جاء من جهة الشارع وجب قبوله وإن لم يفهم معناه، واستنبط له الزين بن المنير معنى يناسبه فقال: وقت ظهور أثر الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا ممن أذن له فيه، والصلاة لا تنفك عن كونها طلبا ودعاء فناسب الاقتصار عنها حينئذ. واستدل بحديث الشفاعة حيث اعتذر الأنبياء كلهم للأمم بأن الله تعالى غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، سوى نبينا صلى الله عليه وسلم فلم يعتذر بل طلب لكونه أذن له في ذلك. ويمكن أن يقال سجر جهنم سبب فيحها وفيحها سبب وجود شدة الحر وهو مظنة المشقة التي هي مظنة سلب الخشوع فناسب أن لا يصلي فيها. لكن يرد عليه أن سجرها مستمر في جميع السنة والإبراد مختص بشدة الحر فهما متغايران، فحكمة الإبراد دفع المشقة، وحكمة الترك وقت سجرها لكونه وقت ظهور أثر الغضب والله أعلم.
قوله: "من فيح جهنم" أي من سعة انتشارها وتنفسها، ومنه مكان أفيح أي متسع، وهذا كناية عن شدة استعارها، وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة، وقيل هو من مجاز التشبيه، أي كأنه نار جهنم في الحر، والأول أولى. ويؤيده الحديث الآتي: "اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين " وسيأتي البحث فيه.
(2/17)

535- حَدَّثَنَا بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فَقَالَ أَبْرِدْ أَبْرِدْ أَوْ قَالَ انْتَظِرْ انْتَظِرْ وَقَالَ شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلاَةِ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ
[الحديث535- أطرافه في 3258,629,539]"
قوله: "عن المهاجر أبي الحسن" المهاجر اسم وليس بوصف والألف واللام فيه للمح الصفة كما في العباس، وسيأتي في الباب الذي بعده بغير ألف ولام. قوله: "عن أبي ذر" في رواية المصنف في صفة النار من طريق أخرى عن شعبة بهذا الإسناد " سمعت أبا ذر". قوله: "أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم" هو بلال كما سيأتي قريبا. قوله: "الظهر" بالنصب، أي أذن وقت الظهر، ورواه الإسماعيلي بلفظ: "أراد أن يؤذن بالظهر " وسيأتي بلفظ للظهر وهما واضحان. قوله: "فقال أبرد" ظاهره أن الأمر بالإبراد وقع بعد تقدم الأذان منه، وسيأتي في الباب الذي بعده بلفظ فأراد أن يؤذن للظهر، وظاهره أن ذلك وقع قبل الأذان فيجمع بينهما على أنه شرع في الأذان فقيل له أبرد فترك، فمعنى أذن: شرع في الأذان، ومعنى أراد أن يؤذن: أي يتم الأذان، والله أعلم. قوله: "حتى رأينا فيء التلول" كذا وقع هنا مؤخرا عن قوله: "شدة الحر الخ"، وفي غير هذه الرواية وقع ذلك عقب قوله: "أبردوا " وهو أوضح في السياق لأن الغاية متعلقة بالإبراد، وسيأتي في الباب الذي بعده بقية مباحثه إن شاء الله تعالى
536- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَفِظْنَاهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ"
537- "وَاشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ"
[الحديث537- طرفه في: 3260]
538- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ" تَابَعَهُ سُفْيَانُ وَيَحْيَى وَأَبُو عَوَانَةَ عَنْ الأَعْمَشِ
[الحديث 538 – طرفه في 3259]
قوله: "حفظناه من الزهري" في رواية الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن علي بن المديني شيخ المصنف فيه بلفظ: "حدثنا الزهري". قوله: "عن سعيد بن المسيب" كذا رواه أكثر أصحاب سفيان عنه، ورواه أبو العباس السراج عن أبي قدامة عن سفيان عن الزهري عن سعيد أو أبي سلمة أحدهما أو كلاهما، ورواه أيضا من طريق شعيب ابن أبي حمزة عن الزهري عن سلمة وحده، والطريقان محفوظان، فقد رواه الليث وعمرو بن الحارث عند مسلم، ومعمر وابن جريج عند أحمد، وابن أخي الزهري وأسامة بن زيد عند السراج، ستتهم عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة. قوله: "واشتكت النار" في رواية الإسماعيلي: "قال واشتكت النار "
(2/18)

وفاعل قال هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالإسناد المذكور قبل، ووهم من جعله موقوفا أو معلقا. وقد أفرده أحمد في مسنده عن سفيان، وكذلك السراج من طريق سفيان وغيره، وقد اختلف في هذه الشكوى هل هي بلسان المقال أو بلسان الحال؟ واختار كلا طائفة. وقال ابن عبد البر: لكلا القولين وجه ونظائر، والأول أرجح. وقال عياض: إنه الأظهر. وقال القرطبي: لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته. قال: وإذا أخبر الصادق بأمر جائز لم يحتج إلى تأويله فحمله على حقيقته أولى. وقال النووي نحو ذلك ثم قال: حمله على حقيقته هو الصواب. وقال نحو ذلك التوربشتي، ورجح البيضاوي حمله على المجاز فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكلها بعضها بعضا مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها. وقال الزين بن المنير: المختار حمله على الحقيقة لصلاحية القدرة لذلك، ولأن استعارة الكلام للحال وإن عهدت وسمعت، لكن الشكوى وتفسيرها والتعليل له والإذن والقبول والتنفس وقصره على اثنين فقط بعيد من المجاز خارج عما ألف من استعماله. قوله: "بنفسين" بفتح الفاء، والنفس معروف وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء. قوله: "نفس في الشتاء ونفس في الصيف" بالجر فيهما على البدل أو البيان، ويجوز الرفع والنصب. قوله: "أشد" يجوز الكسر فيه على البدل، لكنه في روايتنا بالرفع. قال البيضاوي: هو خبر مبتدأ محذوف تقديره فذلك أشد. وقال الطيبي: جعل أشد مبتدأ محذوف الخبر أولى، والتقدير أشد ما تجدون من الحر من ذلك النفس. قلت: يؤيد الأول رواية الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ فهو أشد، ويؤيد الثاني رواية النسائي من وجه آخر بلفظ فأشد ما تجدون من الحر من حر جهنم، وفي سياق المصنف لف ونشر غير مرتب، وهو مرتب في رواية النسائي. والمراد بالزمهرير شدة البرد، واستشكل وجوده في النار، ولا إشكال لأن المراد بالنار محلها وفيها طبقة زمهريرية: وفي الحديث رد على من زعم من المعتزلة وغيرهم أن النار لا تخلق إلا يوم القيامة. "تنبيهان" الأول: قضية التعليل المذكور قد يتوهم منها مشروعية تأخير الصلاة في وقت شدة البرد، ولم يقل به أحد، لأنها تكون غالبا في وقت الصبح فلا تزول إلا بطلوع الشمس، فلو أخرت لخرج الوقت. الثاني: النفس المذكور ينشأ عنه أشد الحر في الصيف، وإنما لم يقتصر في الأمر بالإبراد على أشده لوجود المشقة عند شديده أيضا، فالأشدية تحصل عند التنفس، والشدة مستمرة بعد ذلك فيستمر الإبراد إلى أن تذهب الشدة، والله أعلم. قوله: "بالظهر" قد يحتج به على مشروعية الإبراد للجمعة. وقال به بعض الشافعية، وهو مقتضى صنيع المصنف كما سيأتي في بابه، لكن الجمهور على خلافه كما سيأتي توجيهه إن شاء الله تعالى. قوله: "تابعه سفيان" هو الثوري. قد وصله المؤلف في صفة النار من بدء الخلق ولفظه: "بالصلاة " ولم أره من طريق سفيان بلفظ: "بالظهر " وفي إسناده اختلاف على الثوري رواه عبد الرزاق عنه بهذا الإسناد فقال: "عن أبي هريرة " بدل أبي سعيد أخرجه أحمد عنه، والجوزقي من طريق عبد الرزاق أيضا، ثم روى عن الذهلي قال: هذا الحديث رواه أصحاب الأعمش عنه عن أبي صالح عن أبي سعيد، وهذه الطريق أشهر. ورواه زائدة وهو متقن عنه، فقال: عن أبي هريرة، قال: والطريقان عندي محفوظان، لأن الثوري رواه عن الأعمش بالوجهين. قوله: "ويحيى" هو ابن سعيد القطان. وقد وصله أحمد عنه بلفظ: "بالصلاة " ورواه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن المقدمي عن يحيى بلفظ: "بالظهر" . قوله: "وأبو عوانة" لم أقف على من وصله عنه، وقد أخرجه السراج من طريق محمد بن عبيد، والبيهقي من طريق وكيع، كلاهما عن الأعمش أيضا بلفظ: "بالظهر" .
(2/19)

"فائدة": رتب المصنف أحاديث هذا الباب ترتيبا حسنا، فبدأ بالحديث المطلق، وثنى بالحديث الذي فيه الإرشاد إلى غاية الوقت التي ينتهي إليها الإبراد وهو ظهور فيء التلول، وثلث بالحديث الذي فيه بيان العلة في كون ذلك المطلق محمولا على المقيد، وربع بالحديث المفصح بالتقييد. والله الموفق.
(2/20)

3 - باب الإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ
539- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا مُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ مَوْلَى لِبَنِي تَيْمِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَتَفَيَّأُ يتَمَيَّلُ
قوله: "باب الإبراد بالظهر في السفر" أراد بهذه الترجمة أن الإبراد لا يختص بالحضر، لكن محل ذلك ما إذا كان المسافر نازلا، أما إذا كان سائرا أو على سير ففيه جمع التقديم أو التأخير كما سيأتي في بابه. وأورد فيه حديث أبي ذر الماضي مقيدا بالسفر، مشيرا به إلى أن تلك الرواية المطلقة محمولة على هذه المقيدة. قوله: "فأراد المؤذن" في رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن شبابة، ومسدد عن أمية بن خالد، والترمذي من طريق أبي داود الطيالسي وأبي عوانة من طريق حفص بن عمر، ووهب بن جرير والطحاوي والجوزقي من طريق وهب أيضا، كلهم عن شعبة التصريح بأنه بلال. قوله: "ثم أراد أن يؤذن فقال له أبرد " زاد أبو داود في روايته عن أبي الوليد عن شعبة " مرتين أو ثلاثا " وجزم مسلم بن إبراهيم عن شعبة بذكر الثالثة، وهو عند المصنف في " باب الأذان للمسافرين " فإن قيل: الإبراد للصلاة فكيف أمر المؤذن به للأذان؟ فالجواب أن ذلك مبني على أن الأذان هل هو للوقت أو للصلاة؟ وفيه خلاف مشهور، والأمر المذكور يقوي القول بأنه للصلاة. وأجاب الكرماني بأن عادتهم جرت بأنهم لا يتخلفون عند سماع الأذان عن الحضور إلى الجماعة، فالإبراد بالأذان لغرض الإبراد بالعبادة، قال: ويحتمل أن المراد بالتأذن هنا الإقامة. قلت: ويشهد له رواية الترمذي من طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ: "فأراد بلال أن يقيم " لكن رواه أبو عوانة من طريق حفص بن عمر عن شعبة بلفظ: "فأراد بلال أن يؤذن " وفيه: "ثم أمره فأذن وأقام " ويجمع بينهما بأن إقامته كانت لا تتخلف عن الأذان لمحافظته صلى الله عليه وسلم على الصلاة في أول الوقت، فرواية: "فأراد بلال أن يقيم " أي أن يؤذن ثم يقيم، ورواية: "فأراد أن يؤذن " أي ثم يقيم. قوله: "حتى رأينا فيء التلول" هذه الغاية متعلقة بقوله: "فقال له أبرد " أي كان يقول له في الزمان الذي قبل الرؤية أبرد، أو متعلقة بأبرد أي قال له أبرد إلى أن ترى، أو متعلقة بمقدر أي قال له أبرد فأبرد إلى أن رأينا، والفيء بفتح الفاء وسكون الياء بعدها همزة هو ما بعد الزوال من الظل، والتلول جمع تل بفتح المثناة وتشديد اللام: كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل أو نحو ذلك، وهي في الغالب منبطحة غير شاخصة فلا يظهر لها ظل إلا إذا ذهب أكثر وقت الظهر، وقد اختلف العلماء في غاية الإبراد، فقيل: حتى يصير الظل ذراعا بعد ظل الزوال، وقيل ربع قامة، وقيل ثلثها، وقيل نصفها، وقيل غير ذلك. ونزلها المازري على اختلاف الأوقات، والجاري على
(2/20)

11- باب وَقْتُ الظُّهْرِ عِنْدَ الزَّوَالِ وَقَالَ جَابِرٌ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالْهَاجِرَةِ
540- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا ثُمَّ قَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ فَلاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْبُكَاءِ وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ سَلُونِي فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ مَنْ أَبِي قَالَ أَبُوكَ حُذَافَةُ ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ سَلُونِي فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ"
قوله: "باب" بالتنوين "وقت الظهر" أي ابتداؤه "عند الزوال" أي زوال الشمس، وهو ميلها إلى جهة المغرب.
وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من زعم من الكوفيين أن الصلاة لا تجب بأول الوقت كما سيأتي.
ونقل ابن بطال أن الفقهاء بأسرهم على خلاف ما نقل عن الكرخي عن أبي حنيفة أن الصلاة في أول الوقت تقع نفلا، انتهى.
والمعروف عند الحنفية تضعيف هذا القول.
ونقل بعضهم أن أول الظهر إذا صار الفيء قدر الشراك.
قوله: "وقال جابر" هو طرف من حديث وصله المصنف في " باب وقت المغرب " بلفظ: "كان يصلي الظهر بالهاجرة " والهاجرة اشتداد الحر في نصف النهار، قيل سميت بذلك من الهجر وهو الترك لأن الناس يتركون التصرف حينئذ لشدة الحر ويقيلون. وحديث أنس تقدم في العلم في " باب من برك على ركبتيه " بهذا الإسناد لكن باختصار، وسيأتي الكلام على فوائده مستوعبا إن شاء الله تعالى في كتاب الاعتصام. قوله: "زاغت" أي مالت، وقد رواه الترمذي بلفظ: "زالت " والغرض منه هنا صدر الحديث وهو قوله: "خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر " فإنه يقتضي أن زوال الشمس أول وقت الظهر، إذ لم ينقل أنه صلى قبله، وهذا هو الذي استقر عليه الإجماع، وكان فيه خلاف قديم عن بعض الصحابة أنه جوز صلاة الظهر قبل الزوال. وعن أحمد وإسحاق مثله في الجمعة كما سيأتي في بابه. قوله: "في عرض هذا الحائط" بضم العين، أي جانبه أو وسطه. قوله: "فلم أر كالخير والشر" أي المرئي في ذلك المقام.
(2/21)

541- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَأَحَدُنَا يَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجَعَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ وَلاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ثُمَّ قَالَ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ وَقَالَ مُعَاذٌ قَالَ شُعْبَةُ لَقِيتُهُ مَرَّةً فَقَالَ: "أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ"
[الحديث 541 – أطرافه في 771,599,568,547]
قوله: "عن أبي المنهال" في رواية الكشميهني: "حدثنا أبو المنهال " وهو سيار بن سلامة الآتي ذكره في " باب وقت العصر " من رواية عوف عنه. قوله: "يعرف جليسه" أي الذي بجنبه، ففي رواية الجوزقي من طريق وهب بن جرير عن شعبة " فينظر الرجل إلى جليسه إلى جنبه فيعرف وجهه " ولأحمد " فينصرف الرجل فيعرف وجه جليسه " وفي رواية لمسلم: "فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرف فيعرفه". وله في أخرى " وننصرف حين يعرف بعضنا وجه بعض". قوله: "والعصر" بالنصب أي ويصلي العصر. قوله: "وأحدنا يذهب إلى أقصى المدينة رجع والشمس حية" كذا وقع هنا في رواية أبي ذر والأصيلي. وفي رواية غيرهما: "ويرجع " بزيادة واو وبصيغة المضارعة عليها شرح الخطابي، وظاهره حصول الذهاب إلى أقصى المدينة والرجوع من ثم إلى المسجد، لكن في رواية عوف الآتية قريبا " ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية " فليس فيه إلا الذهاب فقط دون الرجوع، وطريق الجمع بينها وبين رواية الباب أن يقال: يحتمل أن الواو في قوله: "وأحدنا " بمعنى " ثم " على قول من قال إنها ترد للترتيب مثل ثم، وفيه تقديم وتأخير، والتقدير ثم يذهب أحدنا أي ممن صلى معه. وأما قوله: "رجع " فيحتمل أن يكون بمعنى يرجع ويكون بيانا لقوله يذهب، ويحتمل أن يكون رجع في موضع الحال أي يذهب راجعا، ويحتمل أن أداة الشرط سقطت إما لو أو إذا، والتقدير ولو يذهب أحدنا الخ، وجوز الكرماني أن يكون رجع خبرا للمبتدأ الذي هو أحدنا ويذهب جملة حالية، وهو وإن كان محتملا من جهة اللفظ لكنه يغاير رواية عوف، وقد رواه أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة بلفظ: "والعصر يرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية " ولمسلم والنسائي من طريق خالد بن الحارث عن شعبة مثله لكن بلفظ: "يذهب " بدل يرجع. وقال الكرماني أيضا بعد أن حكى احتمالا آخر وهو أي قوله رجع عطف على يذهب والواو مقدرة ورجع بمعنى يرجع. انتهى. وهذا الاحتمال الأخير جزم به ابن بطال، وهو موافق للرواية التي حكيناها. ويؤيد ذلك رواية أبي داود عن حفص بن عمر شيخ المصنف فيه بلفظ: "وإن أحدنا ليذهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشمس حية " وقد قدمنا ما يرد عليها وأن رواية عوف أوضحت أن المراد بالرجوع الذهاب أي من المسجد، وإنما سمي رجوعا لأن ابتداء المجيء كان من المنزل إلى المسجد فكان الذهاب منه إلى المنزل رجوعا، وسيأتي الكلام على بقية مباحث هذا الحديث في " باب وقت العصر " قريبا. قوله: "وقال معاذ" هو ابن معاذ البصري "عن شعبة" أي بإسناده المذكور. وهذا التعليق وصله مسلم عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه به، والإسناد كله بصريون، وكذا الذي قبله. وجزم حماد بن سلمة عن أبي المنهال عند مسلم بقوله: "إلى ثلث الليل " وكذا لأحمد عن حجاج عن شعبة. الحديث: 542- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي
(2/22)

غَالِبٌ الْقَطَّانُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظَّهَائِرِ فَسَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ
قوله: "حدثنا محمد" كذا للأصيلي وغيره، ولأبي ذر " ابن مقاتل". قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك. قوله: "أخبرنا خالد بن عبد الرحمن" كدا وقع هنا مهملا، وهو السلمي واسم جده بكير، وثبت الأمران في مستخرج الإسماعيلي، وليس له عند البخاري غير هذا الحديث الواحد، وفي طبقته خالد بن عبد الرحمن الخراساني نزيل دمشق وخالد بن عبد الرحمن الكوفي العبدي ولم يخرج لهما البخاري شيئا. قوله: "بالظهائر" جمع ظهيرة وهي الهاجرة، والمراد صلاة الظهر. قوله: "سجدنا على ثيابنا" كذا في رواية أبي ذر والأكثرين. وفي رواية كريمة: "فسجدنا " بزيادة فاء وهي عاطفة على شيء مقدر. قوله: "اتقاء الحر" أي للوقاية من الحر، وقد روى هذا الحديث بشر بن المفضل عن غالب كما مضى، ولفظه مغاير للفظه، لكن المعنى متقارب، وقد تقدم الكلام عليه في " باب السجود على الثوب في شدة الحر " وفيه الجواب عن استدلال من استدل به على جواز السجود على الثوب ولو كان يتحرك بحركته، وفيه المبادرة لصلاة الظهر ولو كان في شدة الحر. ولا يخالف ذلك الأمر بالإبراد، بل هو لبيان الجواز وإن كان الإبراد أفضل، والله أعلم.
(2/23)

12 - باب تَأْخِيرِ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ
543- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فَقَالَ أَيُّوبُ لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ قَالَ عَسَى
[الحديث 543- طرفاه في :51174,562]
قوله: "باب تأخير الظهر إلى العصر" أي إلى أول وقت العصر. والمراد أنه عند فراغه منها دخل وقت صلاة العصر كما سيأتي عن أبي الشعثاء راوي الحديث. وقال الزين بن المنير: أشار البخاري إلى إثبات القول باشتراك الوقتين، لكن لم يصرح بذلك على عادته في الأمور المحتملة لأن لفظ الحديث يحتمل ذلك ويحتمل غيره، قال: والترجمة مشعرة بانتفاء الفاصلة بين الوقتين، وقد نقل ابن بطال عن الشافعي وتبعه غيره فقالوا: قال الشافعي بين وقت الظهر وبين وقت العصر فاصلة لا تكون وقتا للظهر ولا للعصر ا ه. ولا يعرف ذلك في كتب المذهب عن الشافعي، وإنما المنقول عنه أنه كان يذهب إلى أن آخر وقت الظهر ينفصل من أول وقت العصر، ومراده نفي القول بالاشتراك. ويدل عليه أنه احتج بقول ابن عباس " وقت الظهر إلى العصر والعصر إلى المغرب " فكما أنه لا اشتراك بين العصر والمغرب فكذلك لا اشتراك بين الظهر والعصر. قوله: "عن جابر بن زيد" هو أبو الشعثاء، والإسناد كله بصريون. قوله: "سبعا وثمانيا" أي سبعا جميعا وثمانيا جميعا كما صرح به في " باب وقت المغرب " من طريق شعبة عن عمرو بن دينار. قوله: "فقال أيوب" هو السختياني، والمقول له هو أبو الشعثاء. قوله: "عسى" أي أن يكون كما قلت، واحتمال المطر قال به أيضا مالك عقب إخراجه لهذا الحديث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
(2/23)

نحوه. وقال بدل قوله بالمدينة " من غير خوف ولا سفر " قال مالك: لعله كان في مطر، لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ: "من غير خوف ولا مطر " فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر، وجوز بعض العلماء أن يكون الجمع المذكور للمرض، وقواه النووي، وفيه نظر، لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من به نحو ذلك العذر، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه، وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته، قال النووي: ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم مثلا فبان أن وقت العصر دخل فصلاها، قال وهو باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء ا هـ. وكأن نفيه الاحتمال مبني على أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد، والمختار عنده خلافه، وهو أن وقتها يمتد إلى العشاء، فعلى هذا فالاحتمال قائم. قال: ومنهم من تأوله على أن الجمع المذكور صوري، بأن يكون أخر الظهر إلى آخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها. قال: وهو احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل ا هـ. وهذا الذي ضعفه استحسنه القرطبي ورجحه قبله إمام الحرمين وجزم به من القدماء ابن الماجشون والطحاوي وقواه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به، وذلك فيما رواه الشيخان من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار، فذكر هذا الحديث وزاد: قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء. قال: وأنا أظنه. قال ابن سيد الناس: وراوي الحديث أدري بالمراد من غيره. قلت: لكن لم يجزم بذلك، بل لم يستمر عليه، فقد تقدم كلامه لأيوب وتجويزه لأن يكون الجمع بعذر المطر، لكن يقوي ما ذكره من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع. فإما أن تحمل على مطلقها فيستلزم إخراح الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر، وإما أن تحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج ويجمع بها بين مفترق الأحاديث، والجمع الصوري أولى والله أعلم صلى الله عليه وسلم. وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث، فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة، وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث، واستدل لهم بما وقع عند مسلم في هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير قال: فقلت لابن عباس لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته. وللنسائي من طريق عمرو ابن هرم عن أبي الشعثاء أن ابن عباس صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء، فعل ذلك من شغل، وفيه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية لمسلم من طريق عبد الله بن شقيق أن شغل ابن عباس المذكور كان بالخطبة وأنه خطب بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم، ثم جمع بين المغرب والعشاء. وفيه تصديق أبي هريرة لابن عباس في رفعه. وما ذكره ابن عباس من التعليل بنفي الحرج ظاهر في مطلق الجمع، وقد جاء مثله عن ابن مسعود مرفوعا أخرجه الطبراني ولفظه: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك فقال: صنعت هذا لئلا تحرج أمتي " وإرادة نفي الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري، لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج.
(2/24)

13 - بَاب وَقْتُ الْعَصْرِ "وقال أبو أسامة عن هشام من قعر حجرتها"
544- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ مِنْ قَعْرِ حُجْرَتِهَا"
545- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا لَمْ يَظْهَرْ الْفَيْءُ مِنْ حُجْرَتِهَا
546- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلاَةَ الْعَصْرِ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِي حُجْرَتِي لَمْ يَظْهَرْ الْفَيْءُ بَعْدُ"
وَقَالَ مَالِكٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَشُعَيْبٌ وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ "وَالشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ"
قوله (باب وقت العصر . وقال أبو أسامة عن هشام من قعر حجرتها) كذا وقع هذا التعليق في رواية أبي ذر والأصيلي وكريمة. والصواب تأخيره عن الإسناد الموصول كما جرت به عادة المصنف. والحاصل أن أنس بن عياض وهو أبو ضمرة الليثي وأبا أسامة رويا الحديث عن هشام وهو ابن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة وزاد أبو أسامة التقييد بقعر الحجرة، وهو أوضح في تعجيل العصر من الرواية المطلقة، وقد وصل الإسماعيلي طريق أبي أسامة في مستخرجه لكن بلفظ: "والشمس واقعة في حجرتي " وعرف بذلك أن الضمير في قوله: "حجرتها " لعائشة، وفيه نوع التفات.وإسناد أبي ضمرة كلهم مدنيون، والمراد بالحجرة - وهي بضم المهملة وسكون الجيم - البيت، والمراد بالشمس ضوؤها.وقوله في رواية الزهري "والشمس في حجرتها" أي باقية، وقوله: "لم يظهر الفيء " أي في الموضع الذي كانت الشمس فيه.وقد تقدم في أول المواقيت من طريق مالك عن الزهري بلفظ: "والشمس في حجرتها قبل أن تظهر " أي ترتفع، فهذا الظهور غير ذلك الظهور.ومحصله أن المراد بظهور الشمس خروجها من الحجرة، وبظهور الفيء انبساطه في الحجرة.وليس بين الروايتين اختلاف، لأن انبساط الفيء لا يكون إلا بعد خروج الشمس. قوله: "ابن عيينة عن الزهري" في رواية الحميدي في مسنده " عن ابن عيينة حدثنا الزهري " وفي رواية محمد بن منصور عند الإسماعيلي: "عن سفيان سمعته أذناي ووعاه قلبي من الزهري". قوله: "والشمس طالعة"، أي ظاهرة. قوله: "بعد" بالضم بلا تنوين. قوله: "وقال مالك الخ" يعني أن الأربعة المذكورين رووه عن الزهري بهذا الإسناد فجعلوا الظهور للشمس، وابن عيينة جعله الفيء. وقد قدمنا توجيه ذلك وطريق الجمع بينهما، وأن طريق مالك وصلها المؤلف في أول المواقيت، وأما طريق يحيى بن سعيد وهو الأنصاري فوصلها الذهلي في الزهريات، وأما طريق شعيب، وهو ابن أبي حمزة فوصلها الطبراني في مسند الشاميين، وأما طريق ابن أبي حفصة وهو محمد بن ميسرة فرويناها من طريق ابن عدي في نسخة إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي حفصة. والمستفاد من هذا الحديث تعجيل صلاة العصر في أول وقتها، وهذا هو الذي فهمته عائشة، وكذا الراوي عنها عروة واحتج به على عمر بن عبد العزيز في تأخيره صلاة العصر كما تقدم. وشذ الطحاوي فقال:
(2/25)

لا دلالة فيه على التعجيل لاحتمال أن الحجرة كانت قصيرة الجدار فلم تكن الشمس تحتجب عنها إلا بقرب غروبها فيدل على التأخير لا على التعجيل، وتعقب بأن الذي ذكره من الاحتمال إنما يتصور مع اتساع الحجرة، وقد عرف بالاستفاضة والمشاهدة أن حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن متسعة، ولا يكون ضوء الشمس باقيا في قعر الحجرة الصغيرة إلا والشمس قائمة مرتفعة، وإلا متى مالت جدا ارتفع ضوؤها عن قاع الحجرة، ولو كانت الجدر قصيرة. قال النووي: كانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث كان طول جدارها أقل من مسافة العرصة بشيء يسير، فإذا صار ظل الجدار مثله كانت الشمس بعد في أواخر العرصة ا هـ. وكأن المؤلف لما لم يقع له حديث على شرطه في تعيين أول وقت العصر - وهو مصير ظل كل شيء مثله - استغنى بهذا الحديث الدال على ذلك بطريق الاستنباط، وقد أخرج مسلم عدة أحاديث مصرحة بالمقصود. ولم ينقل عن أحد من أهل العلم مخالفة في ذلك، إلا عن أبي حنيفة، فالمشهور عنه أنه قال: أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثليه بالتثنية، قال القرطبي: خالفه الناس كلهم في ذلك حتى أصحابه - يعني الآخذين عنه - وإلا فقد انتصر له جماعة ممن جاء بعدهم فقالوا ثبت الأمر بالإبراد ولا يحصل إلا بعد ذهاب اشتداد الحر، ولا يذهب في تلك البلاد إلا بعد أن يصير ظل الشيء مثليه، فيكون أول وقت العصر مصير الظل مثليه، وحكاية مثل هذا تغني عن رده.
547- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلاَمَةَ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ فَقَالَ لَهُ أَبِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فَقَالَ كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ وَيُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ
548- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَخْرُجُ الإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَنَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ
[الحديث548- أطرافه في :7329,551,550]
549- حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ يَقُولُ صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَقُلْتُ يَا عَمِّ مَا هَذِهِ الصَّلاَةُ الَّتِي صَلَّيْتَ قَالَ الْعَصْرُ وَهَذِهِ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك وعوف هو الأعرابي. قوله: "دخلت أنا وأبي" زاد الإسماعيلي: "زمن أخرج ابن زياد من البصرة " قلت: وكان ذلك في سنة أربع وستين كما سيأتي في كتاب الفتن، وسلامة والد سيار حكى عنه ولده هنا ولم أجد من ترجمه، وقد وقعت لابنه عنه رواية في الطبراني الكبير في ذكر الحوض. قوله: "المكتوبة" أي المفروضة، واستدل به على أن الوتر ليس من المكتوبة لكون أبي برزة لم يذكره وفيه
(2/26)

بحث. قوله: "كان يصلي الهجير" أي صلاة الهجير، والهجير والهاجرة بمعنى، وهو وقت شدة الحر، وسميت الظهر بذلك لأن وقتها يدخل حينئذ. قوله: "تدعونها الأولى" قيل سميت الأولى لأنها أول صلاة النهار وقيل لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم حين بين له الصلوات الخمس. قوله: "حين تدحض الشمس" أي تزول عن وسط السماء مأخوذ من الدحض وهو الزلق. وفي رواية لمسلم: "حين تزول الشمس " ومقتضى ذلك أنه كان يصلي الظهر في أول وقتها، ولا يخالف ذلك الأمر بالإبراد لاحتمال أن يكون ذلك في زمن البرد أو قبل الأمر بالإبراد أو عند فقد شروط الإبراد لأنه يختص بشدة الحر، أو لبيان الجواز. وقد يتمسك بظاهره من قال إن فضيلة أول الوقت لا تحصل إلا بتقديم ما يمكن تقديمه من طهارة وستر وغيرهما قبل دخول الوقت، ولكن الذي يظهر أن المراد بالحديث التقريب. فتحصل الفضيلة لمن لم يتشاغل عند دخول الوقت بغير أسباب الصلاة. قوله: "إلى رحله" بفتح الراء وسكون المهملة، أي مسكنه. قوله: "في أقصى المدينة" صفة للرحل. قوله: "والشمس حية" أي بيضاء نقية. قال الزين بن المنير: المراد بحياتها قوة أثرها حرارة ولونا وشعاعا وإنارة، وذلك لا يكون بعد مصير الظل مثلي الشيء ا هـ. وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن خيثمة أحد التابعين قال: حياتها أن تجد حرها. قوله: "ونسيت ما قال في المغرب" قائل ذلك هو سيار، بينه أحمد في روايته عن حجاج عن شعبة عنه. قوله: "أن يؤخر من العشاء" أي من وقت العشاء، قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على استحباب التأخير قليلا لأن التبعيض يدل عليه، وتعقب بأنه بعض مطلق لا دلالة فيه على قلة ولا كثرة، وسيأتي في " باب وقت العشاء " من حديث جابر أن التأخير إنما كان لانتظار من يجيء لشهود الجماعة. قوله: "التي تدعونها العتمة" فيه إشارة إلى ترك تسميتها بذلك، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد. وقال الطيبي: لعل تقييده الظهر والعشاء دون غيرهما للاهتمام بأمرهما، فتسمية الظهر بالأولى يشعر بتقديمها، وتسمية العشاء بالعتمة يشعر بتأخيرها، وسيأتي الكلام على كراهة النوم قبلها في باب مفرد. قوله: "وكان ينفتل" أي ينصرف من الصلاة، أو يلتفت إلى المأمومين. قوله: "من صلاة الغداة" أي الصبح، وفيه أنه لا كراهة في تسمية الصبح بذلك. قوله: "حين يعرف الرجل جليسه" تقدم الكلام على اختلاف ألفاظ الرواية فيه، واستدل بذلك على التعجيل بصلاة الصبح لأن ابتداء معرفة الإنسان وجه جليسه يكون في أواخر الغلس، وقد صح بأن ذلك كان عند فراغ الصلاة. ومن المعلوم من عادته صلى الله عليه وسلم ترتيل القراءة وتعديل الأركان، فمقتضى ذلك أنه كان يدخل فيها مغلسا، وادعى الزين بن المنير أنه مخالف لحديث عائشة الآتي حيث قالت فيه: "لا يعرفن من الغلس"، وتعقب بأن الفرق بينهما ظاهر، وهو أن حديث أبي برزة متعلق بمعرفة من هو مسفر جالس إلى جنب المصلي فهو ممكن، وحديث عائشة متعلق بمن هو متلفف مع أنه على بعد فهو بعيد. قوله: "ويقرأ" أي في الصبح "بالستين إلى المائة" يعني من الآي. وقدرها في رواية الطبراني بسورة الحاقة ونحوها، وتقدم في " باب وقت الظهر " بلفظ: "ما بين الستين إلى المائة " وأشار الكرماني أن القياس أن يقول ما بين الستين والمائة لأن لفظ: "بين " يقتضي الدخول على متعدد. قال: ويحتمل أن يكون التقدير: ويقرأ ما بين الستين وفوقها إلى المائة، فحذف لفظ فوقها لدلالة الكلام عليه. وفي السياق تأدب الصغير مع الكبير، ومسارعة المسئول بالجواب إذا كان عارفا به. الحديث قوله: "إلى بني عمرو بن عوف" أي بقباء لأنها كانت منازلهم. وإخراج المصنف لهذا الحديث مشعر بأنه كان يرى أن قول الصحابي " كنا نفعل كذا " مسند ولو لم يصرح بإضافته إلى زمن
(2/27)

النبي صلى الله عليه وسلم وهو اختيار الحاكم. وقال الدار قطني والخطيب وغيرهما: هو موقوف. والحق أنه موقوف لفظا مرفوع حكما، لأن الصحابي أورده في مقام الاحتجاج، فيحمل على أنه أراد كونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روى ابن المبارك هذا الحديث عن مالك فقال فيه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر " الحديث، أخرجه النسائي. قال النووي: قال العلماء كانت منازل بني عمرو بن عوف على ميلين من المدينة، وكانوا يصلون العصر في وسط الوقت لأنهم كانوا يشتغلون بأعمالهم وحروثهم، فدل هذا الحديث على تعجيل النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة العصر في أول وقتها، وسيأتي في طريق الزهري عن أنس أن الرجل كان يأتيهم والشمس مرتفعة. قوله: "سمعت أبا أمامة" هو أسعد بن سهل بن حنيف، وهو عم الراوي عنه. وفي القصة دليل على أن عمر بن عبد العزيز كان يصلي الصلاة في آخر وقتها تبعا لسفله، إلى أن أنكر عليه عروة فرجع إليه كما تقدم، وإنما أنكر عليه عروة في العصر دون الظهر لأن وقت الظهر لا كراهة فيه بخلاف وقت العصر. وفيه دليل على صلاة العصر في أول وقتها أيضا، وهو عند انتهاء وقت الظهر، ولهذا تشكك أبو أمامة في صلاة أنس أهي الظهر أو العصر، فيدل أيضا على عدم الفاصلة بين الوقتين. وقوله له " يا عم " هو على سبيل التوقير ولكونه أكبر سنا منه مع أن نسبهما مجتمع في الأنصار، لكنه ليس عمه على الحقيقة، والله أعلم.
550- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ
551- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءٍ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ
قوله: "باب وقت العصر" كذا وقع وفي رواية المستملي دون غيرة، وهو خطأ لأنه تكرار بلا فائدة.
قوله: "والشمس مرتفعة حية" فيه إشارة إلى بقاء حرها وضوئها كما تقدم. وقوله بعد ذلك "فيأتيهم والشمس مرتفعة" أي دون ذلك الارتفاع. لكنها لم تصل إلى الحد الذي توصف به بأنها منخفضة، وفي ذلك دليل على تعجيله صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر لوصف الشمس بالارتفاع بعد أن تمضي مسافة أربعة أميال، وروى النسائي والطحاوي واللفظ له من طريق أبي الأبيض عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا العصر والشمس بيضاء محلقة، ثم أرجع إلى قومي في ناحية المدينة فأقول لهم قوموا فصلوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى " قال الطحاوي: نحن نعلم أن أولئك - يعني قوم أنس - لم يكونوا يصلونها إلا قبل اصفرار الشمس، فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجلها. قوله: "وبعض العوالي" كذا وقع هنا أي بين بعض العوالي والمدينة المسافة المذكورة، وروى البيهقي حديث الباب من طريق أبي بكر الصغاني عن أبي اليماني شيخ البخاري فيه وقال في آخره: "وبعد العوالي " بضم الموحدة وبالدال المهملة، وكذلك أخرجه المصنف في الاعتصام تعليقا، ووصله البيهقي من طريق الليث عن يونس عن الزهري لكن قال: "أربعة أميال أو ثلاثة"، وروى هذا الحديث أبو عوانة في صحيحه وأبو العباس السراج جميعا عن أحمد بن الفرج أبي عتبة
(2/28)

عن محمد بن حمير عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري ولفظه: "والعوالي من المدينة على ثلاثة أميال"، أخرجه الدار قطني عن المحاملي عن أبي عتبة المذكور بسنده فوقع عنده " على ستة أميال " ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال فيه: "على ميلين أو ثلاثة " فتحصل من ذلك أن أقرب العوالي من المدينة مسافة ميلين وأبعدها مسافة ستة أميال إن كانت رواية المحاملي محفوظة. ووقع في المدونة عن مالك " أبعد العوالي مسافة ثلاثة أميال " قال عياض: كأنه أراد معظم عمارتها وإلا فأبعدها ثمانية أميال. انتهى. وبذلك جزم ابن عبد البر وغير واحد آخرهم صاحب النهاية. ويحتمل أن يكون أراد أنه أبعد الأمكنة التي كان يذهب إليها الذاهب في هذه الوقعة، والعوالي عبارة عن القرى المجتمعة حول المدينة من جهة نجدها، وأما ما كان من جهة تهامتها فيقال لها السافلة. "تنبيه": قوله: "وبعض العوالي الخ" مدرج من كلام الزهري في حديث أنس، بينه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في هذا الحديث فقال فيه - بعد قوله والشمس حية - قال الزهري: والعوالي من المدينة على ميلين أو ثلاثة، ولم يقف الكرماني على هذا فقال: هو إما كلام البخاري أو أنس أو الزهري كما هو عادته. قوله في الطريق الأخرى "كنا نصلي العصر" أي مع النبي صلى الله عليه وسلم كما يظهر ذلك من الطرق الأخرى، وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك كذلك مصرحا به أخرجه الدار قطني في غرائبه. قوله: "ثم يذهب الذاهب منا إلى قباء" كأن أنسا أراد بالذاهب نفسه كما تشعر بذلك رواية أبي الأبيض المتقدمة. قال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك أنه قال في هذا الحديث: "إلى قباء " ولم يتابعه أحد من أصحاب الزهري بل كلهم يقولون " إلى العوالي " وهو الصواب عند أهل الحديث. قال: وقول مالك إلى قباء وهم لا شك فيه. وتعقب بأنه روى عن ابن أبي ذئب عن الزهري " إلى قباء " كما قال مالك، نقله الباجي عن الدار قطني فنسبة الوهم فيه إلى مالك منتقد، فإنه إن كان وهما احتمل أن يكون منه وأن يكون من الزهري حين حدث به مالكا، وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك فقال فيه: "إلى العوالي " كما قال الجماعة، فقد اختلف فيه على مالك وتوبع عن الزهري بخلاف ما جزم به ابن عبد البر. وأما قوله: الصواب عند أهل الحديث العوالي، فصحيح من حيث اللفظ. ومع ذلك فالمعنى متقارب، لكن رواية مالك أخص لأن قباء من العوالي وليست العوالي كل قباء، ولعل مالكا لما رأى أن في رواية الزهري إجمالا حملها على الرواية المفسرة وهي روايته المتقدمة عن إسحاق حيث قال فيها " ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف " وقد تقدم أنهم أهل قباء، فبنى مالك على أن القصة واحدة لأنهما جميعا حدثاه عن أنس والمعنى متقارب، فهذا الجمع أولى من الجزم بأن مالكا وهم فيه. وأما استدلال ابن بطال على أن الوهم فيه ممن دون مالك برواية خالد بن مخلد المتقدمة الموافقة لرواية الجماعة عن الزهري ففيه نظر، لأن مالكا أثبته في الموطأ باللفظ الذي رواه عنه كافة أصحابه، فرواية خالد بن مخلد عنه شاذة. فكيف تكون دالة على أن رواية الجماعة وهم؟ بل إن سلمنا أنها وهم فهو من مالك كما جزم به البزار والدار قطني ومن تبعهما؟ أو من الزهري حين حدثه به؟ والأولى سلوك طريق الجمع التي أوضحناها والله الموفق. قال ابن رشيد: قضى البخاري بالصواب لمالك بأحسن إشارة وأوجز عبارة، لأنه قدم أولا المجمل ثم أتبعه بحديث مالك المفسر المعين. "تنبيه": قباء تقدم ضبطها في باب ما جاء في القبلة. قوله: "إلى قباء فيأتيهم" أي أهل قباء وهو على حد قوله تعالى: {واسأل القرية} والله أعلم. قال النووي: في الحديث المبادرة بصلاة العصر في أول وقتها، لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين أو أكثر والشمس لم تتغير، ففيه دليل للجمهور في أن أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثله خلافا لأبي حنيفة. وقد
(2/29)

مضى ذلك في الباب الذي قبله.
(2/30)

باب إثم من قاتته العصر
...
14 - باب إِثْمُ مَنْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ
552- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ"
قوله: "باب إثم من فاتته صلاة العصر" أشار المصنف بذكر الإثم إلى أن المراد بالفوات تأخيرها عن وقت الجواز بغير عذر، لأن الإثم إنما يترتب على ذلك، وسيأتي البحث في ذلك. قوله: "الذي تفوته" قال ابن بزيزة: فيه رد على من كره أن يقول فاتتنا الصلاة. قلت: وسيأتي الكلام على ذلك في باب مفرد في صلاة الجماعة. قوله: "صلاة العصر فكأنما" كذا للكشميهني، وسقط للأكثر لفظ صلاة والفاء من قوله فكأنما. قوله: "وتر أهله" هو بالنصب عند الجمهور على أنه مفعول ثان لوتر، وأضمر في وتر مفعول لم يسم فاعله وهو عائد على الذي فاتته، فالمعنى أصيب بأهله وماله. وهو متعد إلى مفعولين. ومثله قوله تعالى:{ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }، وإلى هذا أشار المصنف فيما وقع في رواية المستملي قال: قال أبو عبد الله يتركم. انتهى. وقيل وتر هنا بمعنى نقص، فعلى هذا يجوز نصبه ورفعه، لأن من رد النقص إلى الرجل نصب وأضمر ما يقوم مقام الفاعل، ومن رده إلى الأهل رفع. وقال القرطبي: يروى بالنصب على أن وتر بمعنى سلب وهو يتعدى إلى مفعولين، وبالرفع على أن وتر بمعنى أخذ فيكون أهله هو المفعول الذي لم يسم فاعله. ووقع في رواية المستملي أيضا وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا أو أخذت ماله، وحقيقة الوتر كما قال الخليل هو الظلم في الدم، فعلى هذا فاستعماله في المال مجاز، لكن قال الجوهري: الموتور هو الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه، تقول منه وتر وتقول أيضا وتره حقه أي نقصه. وقيل الموتور من أخذ أهله أو ماله وهو ينظر إليه وذلك أشد لغمه، فوقع التشبيه بذلك لمن فاتته الصلاة لأنه يجتمع عليه غمان: غم الإثم وغم فقد الثواب. كما يجتمع على الموتور غمان: غم السلب، وغم الطلب بالثأر. وقيل: معنى وتر أخذ أهله وماله فصار وترا أي فردا، ويؤيد الذي قبله رواية أبي مسلم الكجي من طريق حماد بن سلمة عن أيوب نافع فذكر نحو هذا الحديث وزاد في آخره: "وهو قاعد"، وظاهر الحديث التغليظ على من تفوته العصر، وأن ذلك مختص بها. وقال ابن عبد البر: يحتمل أن يكون هذا الحديث خرج جوابا لسائل سأل عن صلاة العصر فأجيب، فلا يمنع ذلك إلحاق غيرها من الصلوات بها. وتعقبه النووي بأنه إنما يلحق غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفت العلة واشتركا فيها. قال: والعلة في هذا الحكم لم تتحقق فلا يلتحق غير العصر بها. انتهى. وهذا لا يدفع الاحتمال. وقد احتج ابن عبد البر بما رواه ابن أبي شيبة وغيره من طريق أبي قلابة عن أبي الدرداء مرفوعا: "من ترك صلاة مكتوبة حتى تفوته " الحديث. قلت: وفي إسناده انقطاع لأن أبا قلابة لم يسمع من أبي الدرداء. وقد رواه أحمد من حديث أبي الدرداء بلفظ: "من ترك العصر " فرجع حديث أبي الدرداء إلى تعيين العصر. وروى ابن حبان وغيره من حديث نوفل بن معاوية مرفوعا: "من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله " وهذا ظاهره العموم في الصلوات المكتوبات. وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن نوفل بلفظ: "لأن يوتر أحدكم أهله وماله خير له
(2/30)

من أن يفوته وقت صلاة " وهذا أيضا ظاهره العموم. ويستفاد منه أيضا ترجيح توجيه رواية النصب المصدر بها، لكن المحفوظ من حديث نوفل بلفظ: "من الصلوات صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله " أخرجه المصنف في علامات النبوة ومسلم أيضا والطبراني وغيرهم، ورواه الطبراني من وجه آخر وزاد فيه عن الزهري: قلت لأبي بكر - يعني ابن عبد الرحمن وهو الذي حدثه به - ما هذه الصلاة؟ قال: العصر. ورواه ابن أبي خيثمة من وجه آخر فصرح بكونها العصر في نفس الخبر، والمحفوظ أن كونها العصر من تفسير أبي بكر بن عبد الرحمن، ورواه الطحاوي والبيهقي من وجه آخر وفيه أن التفسير من قول ابن عمر، فالظاهر اختصاص العصر بذلك، وسيأتي تقريره في الكلام على الحديث الذي بعده. ومما يدل على أن المراد بتفويتها إخراجها عن وقتها ما وقع في رواية عبد الرزاق فإنه أخرج هذا الحديث عن ابن جريج عن نافع فذكر نحوه وزاد: "قلت لنافع: حين تغيب الشمس؟ قال: نعم " وتفسير الراوي إذا كان فقيها أولى من غيره، لكن روى أبو داود عن الأوزاعي أنه قال في هذا الحديث: "وفواتها أن تدخل الشمس صفرة " ولعله مبني على مذهبه في خروج وقت العصر. ونقل عن ابن وهب أن المراد إخراجها عن الوقت المختار. وقال المهلب ومن تبعه من الشراح: إنما أراد فواتها في الجماعة لا فواتها باصفرار الشمس أو بمغيبها. قال: ولو كان لفوات وقتها كله لبطل اختصاص العصر، لأن ذهاب الوقت موجود في كل صلاة ونوقض بعين ما ادعاه، لأن فوات الجماعة موجود في كل صلاة لكن في صدر كلامه أن العصر اختصت بذلك لاجتماع المتعاقبين من الملائكة فيها، وتعقبه ابن المنير بأن الفجر أيضا فيها اجتماع المتعاقبين فلا يختص العصر بذلك، قال: والحق أن الله تعالى يختص ما شاء من الصلوات بما شاء من الفضيلة. انتهى. وبوب الترمذي على حديث الباب: "ما جاء في السهو عن وقت العصر " فحمله على الساهي، وعلى هذا فالمراد بالحديث أنه يلحقه من الأسف عند معاينة الثواب لمن صلى ما يلحق من ذهب منه أهله وماله، وقد روى بمعنى ذلك عن سالم بن عبد الله بن عمر، ويؤخذ منه التنبيه على أن أسف العامد أشد، لاجتماع فقد الثواب وحصول الإثم. قال ابن عبد البر: في هذا الحديث إشارة إلى تحقير الدنيا وأن قليل العمل خير من كثير منها. وقال ابن بطال: لا يوجد حديث يقوم مقام هذا الحديث، لأن الله تعالى قال: "حافظوا على الصلوات" وقال: ولا يوجد حديث فيه تكييف المحافظة غير هذا الحديث.


15 - باب مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ553- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ فَقَالَ بَكِّرُوا بِصَلاَةِ الْعَصْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ"
[الحديث 553 – طرفه في :594]
قوله: "باب من ترك العصر" أي ما يكون حكمه؟ قال ابن رشيد: أجاد البخاري حيث اقتصر على صدر الحديث فأبقى فيه محلا للتأويل. وقال غيره: كان ينبغي أن يذكر حديث الباب في الباب الذي قبله ولا يحتاج إلى هذه الترجمة. وتعقب بأن الترك أصرح بإرادة التعمد من الفوات. قوله: "حدثنا مسلم بن إبراهيم" سقط عند الأصيلي: "ابن إبراهيم". قوله: "حدثنا هشام" وقع عند غير أبي ذر " أنبأنا هشام " وهو ابن أبي عبد الله
(2/31)

اخت مسلمة
06-10-2009, 12:55 AM
الدستوائي. قوله: "أخبرنا يحيى" عند غير أبي ذر " حدثنا". قوله: "عن أبي قلابة" عند ابن خزيمة من طريق أبي داود الطيالسي عن هشام عن يحيى أن أبا قلابة حدثه. قوله: "عن أبي المليح" عند المصنف في " باب التبكير بالصلاة في يوم الغيم " عن معاذ بن فضالة عن هشام في هذا الإسناد أن أبا المليح حدثه، وأبو المليح هو ابن أسامة بن عمير الهذلي، وقد تقدم أن اسمه عامر وأبوه صحابي، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على نسق. وتابع هشاما على هذا الإسناد عن يحيى بن أبي كثير شيبان ومعمر وحديثهما عند أحمد، وخالفهم الأوزاعي فرواه عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهاجر عن بريدة، والأول هو المحفوظ، وخالفهم أيضا في سياق المتن كما سيأتي التنبيه عليه في " باب التبكير " المذكور إن شاء الله تعالى. قوله: "كنا مع بريدة" هو ابن الحصيب الأسلمي. قوله: "ذي غيم" قيل خص يوم الغيم بذلك لأنه مظنة التأخير إما لمتنطع يحتاط لدخول الوقت فيبالغ في التأخير حتى يخرج الوقت، أو لمتشاغل بأمر آخر فيظن بقاء الوقت فيسترسل في شغله إلى أن يخرج الوقت. قوله: "بكروا" أي عجلوا، والتبكير يطلق لكل من بادر بأي شيء كان في أي وقت كان، وأصله المبادرة بالشيء أول النهار. قوله: "فإن النبي صلى الله عليه وسلم" الفاء للتعليل، وقد استشكل معرفة تيقن دخول أول الوقت مع وجود الغيم لأنهم لم يكونوا يعتمدون فيه إلا على الشمس، وأجيب باحتمال أن بريدة قال ذلك عند معرفة دخول الوقت، لأنه لا مانع في يوم الغيم من أن تظهر الشمس أحيانا. ثم إنه لا يشترط - إذا احتجبت الشمس - اليقين بل يكفي الاجتهاد. قوله: "من ترك صلاة العصر" زاد معمر في روايته: "متعمدا " وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي الدرداء. قوله: "فقد حبط" سقط " فقد " من رواية المستملي. وفي رواية معمر " أحبط الله عمله". وقد استدل بهذا الحديث من يقول بتكفير أهل المعاصي من الخوارج وغيرهم وقالوا: هو نظير قوله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} وقال ابن عبد البر: مفهوم الآية أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله فيتعارض مفهومها ومنطوق الحديث فيتعين تأويل الحديث، لأن الجمع إذا أمكن كان أولى من الترجيح. وتمسك بظاهر الحديث أيضا الحنابلة ومن قال بقولهم من أن تارك الصلاة يكفر، وجوابهم ما تقدم. وأيضا فلو كان على ما ذهبوا إليه لما اختصت العصر بذلك. وأما الجمهور فتأولوا الحديث، فافترقوا في تأويله فرقا. فمنهم من أول سبب الترك، ومنهم من أول الحبط، ومنهم من أول العمل فقيل: المراد من تركها جاحدا لوجوبها، أو معترفا لكن مستخفا مستهزئا بمن أقامها. وتعقب بأن الذي فهمه الصحابي إنما هو التفريط، ولهذا أمر بالمبادرة إليها، وفهمه أولى من فهم غيره كما تقدم. وقيل المراد من تركها متكاسلا لكن خرج الوعيد مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد كقوله: "لا يزني الزاني وهو مؤمن " وقيل هو من مجاز التشبيه كأن المعنى: فقد أشبه من حبط عمله، وقيل معناه كاد أن يحبط، وقيل المراد بالحبط نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله، فكأن المراد بالعمل الصلاة خاصة، أي لا يحصل على أجر من صلى العصر ولا يرتفع له عملها حينئذ، وقيل المراد بالحبط الإبطال أي يبطل انتفاعه بعمله في وقت ما ثم ينتفع به، كمن رجحت سيئاته على حسناته فإنه موقوف في المشيئة فإن غفر له فمجرد الوقوف إبطال لنفع الحسنة إذ ذاك وإن عذب ثم غفر له فكذلك. قال معنى ذلك القاضي أبو بكر بن العربي، وقد تقدم مبسوطا في كتاب الإيمان في " باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله " ومحصل ما قال أن المراد بالحبط في الآية غير المراد بالحبط في الحديث. وقال في شرح الترمذي: الحبط على قسمين، حبط إسقاط وهو إحباط الكفر للإيمان وجميع الحسنات، وحبط موازنة
(2/32)

وهو إحباط المعاصي للانتفاع بالحسنات عند رجحانها عليها إلى أن تحصل النجاة فيرجع إليه جزاء حسناته. وقيل المراد بالعمل في الحديث عمل الدنيا الذي يسبب الاشتغال به ترك الصلاة، بمعنى أنه لا ينتفع به ولا يتمتع، وأقرب هذه التأويلات قول من قال: إن ذلك خرج مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد، والله أعلم.
(2/33)

16 - باب فَضْلُ صَلاَةِ الْعَصْرِ
554- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً يَعْنِي الْبَدْرَ فَقَالَ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ افْعَلُوا لاَ تَفُوتَنَّكُمْ
[الحديث 554-أطرافه في: 7486,7429,3223]
قوله: "باب فضل صلاة العصر" أي على جميع الصلوات إلا الصبح، وإنما حملته على ذلك لأن حديثي الباب لا يظهر منهما رجحان العصر عليها، ويحتمل أن يكون المراد أن العصر ذات فضيلة لا ذات أفضلية . قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، ووقع عند ابن مردويه من طريق شعبة عن إسماعيل التصريح بسماع إسماعيل من قيس وسماع قيس من جرير. قوله: "فنظر إلى القمر ليلة" زاد مسلم: "ليلة البدر " وكذا للمصنف من وجه آخر، وهو خال من العنعنة أيضا كما سيأتي في " باب فضل صلاة الفجر". قوله: "لا تضامون" بضم أوله مخففا، أي لا يحصل لكم ضيم حينئذ، وروى بفتح أوله والتشديد من الضم، والمراد نفي الازدحام، وسيأتي بسط ذلك في كتاب التوحيد. قوله: "فإن استطعتم أن لا تغلبوا" فيه إشارة إلى قطع أسباب الغلبة المنافية للاستطاعة كالنوم والشغل ومقاومة ذلك بالاستعداد له. و قوله: "فافعلوا" أي عدم الغلبة، وهو كناية عما ذكر من الاستعداد. ووقع في رواية شعبة المذكورة " فلا تغفلوا عن صلاة " الحديث. قوله: "قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" زاد مسلم: "يعني العصر والفجر " ولابن مردويه من وجه آخر عن إسماعيل " قبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل غروبها صلاة العصر " وقال ابن بطال قال المهلب: قوله: "فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة " أي في الجماعة. قال: وخص هذين الوقتين لاجتماع الملائكة فيهما ورفعهم أعمال العباد لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم. قلت: وعرف بهذا مناسبة إيراد حديث: "يتعاقبون " عقب هذا الحديث، لكن لم يظهر لي وجه تقييد ذلك بكونه
(2/33)

في جماعة، وإن كان فضل الجماعة معلوما من أحاديث أخر، بل ظاهر الحديث يتناول من صلاهما ولو منفردا، إذ مقتضاه التحريض على فعلهما أعم من كونه جماعة أو لا. قوله: "فافعلوا" قال الخطابي: هذا يدل على أن الرؤية قد يرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الصلاتين ا ه. وقد يستشهد لذلك بما أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر رفعه، قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة " فذكر الحديث وفيه: "وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية " وفي سنده ضعف. قوله: "ثم قرأ" كذا في جميع روايات الجامع، وأكثر الروايات في غيره بإبهام فاعل قرأ، وظاهره أنه النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لم أر ذلك صريحا، وحمله عليه جماعة من الشراح، ووقع عند مسلم عن زهير بن حرب عن مروان بن معاوية بإسناد حديث الباب: "ثم قرأ جرير " أي الصحابي، وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق يعلى بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد، فظهر أنه وقع في سياق حديث الباب وما وافقه إدراج. قال العلماء: ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية أن الصلاة أفضل الطاعات، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من اجتماع الملائكة فيهما ورفع الأعمال وغير ذلك، فهما أفضل الصلوات، فناسب أن يجازي المحافظ عليهما بأفضل العطايا وهو النظر إلى الله تعالى. وقيل لما حقق رؤية الله تعالى برؤية القمر والشمس - وهما آيتان عظيمتان شرعت لخسوفهما الصلاة والذكر - ناسب من يحب رؤية الله تعالى أن يحافظ على الصلاة عند غروبها ا هـ. ولا يخفى بعده وتكلفه، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ قوله: "يتعاقبون" أي تأتي طائفة عقب طائفة، ثم تعود الأولى عقب الثانية. قال ابن عبد البر: وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو رجلين بأن يأتي هذا مرة ويعقبه هذا، ومنه تعقيب الجيوش أن يجهز الأمير بعثا إلى مدة ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز غيرهم إلى مدة، ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز الأولين. قال القرطبي: الواو في قوله: "يتعاقبون " علامة الفاعل المذكر المجموع على لغة بلحارث وهم القائلون أكلوني البراغيث، ومنه قول الشاعر بحوران يعصرن السليط أقاربه وهي لغة فاشية وعليها حمل الأخفش قوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} قال: وقد تعسف بعض النحاة في تأويلها وردها للبدل، وهو تكلف مستغنى عنه، فإن تلك اللغة مشهورة ولها وجه من القياس واضح. وقال غيره في تأويل الآية: قوله: "وأسروا" عائد على الناس المذكورين أولا. و "الذين ظلموا" بدل من الضمير. وقيل التقدير أنه لما قيل "وأسروا النجوى" قيل: من هم؟ قال: "الذين ظلموا" حكاه الشيخ محيي الدين، والأول أقرب إذ الأصل عدم التقدير. وتوارد جماعة من الشراح على أن حديث الباب من هذا القبيل، ووافقهم ابن مالك وناقشه أبو حيان زاعما أن هذه الطريق اختصرها الراوي، واحتج لذلك بما رواه البزار من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ: "إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم: ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار " الحديث، وقد سومح في العزو إلى مسند البزار مع أن هذا الحديث بهذا اللفظ في الصحيحين فالعزو إليهما أولى، وذلك أن هذا الحديث رواه عن أبي الزناد مالك في الموطأ ولم يختلف عليه باللفظ المذكور وهو قوله: "يتعاقبون فيكم " وتابعه على ذلك عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أخرجه سعيد بن منصور عنه، وقد أخرجه البخاري في بدء الخلق من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد بلفظ: "الملائكة يتعاقبون: ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار" ، وأخرجه النسائي أيضا من طريق موسى بن عقبة عن أبي الزناد بلفظ: "إن الملائكة يتعاقبون فيكم " فاختلف فيه علي أبي الزناد، فالظاهر أنه كان تارة يذكره هكذا وتارة هكذا، فيقوي بحث أبي حيان، ويؤيد ذلك أن غير الأعرج من أصحاب أبي هريرة قد رووه
(2/34)

تاما فأخرجه أحمد ومسلم من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة مثل رواية موسى بن عقبة لكن بحذف " إن " من أوله، وأخرجه ابن خزيمة والسراج من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: "إن لله ملائكة يتعاقبون " وهذه هي الطريقة التي أخرجها البزار، وأخرجه أبو نعيم في الحلية بإسناد صحيح من طريق أبي موسى عن أبي هريرة بلفظ: "إن الملائكة فيكم يتعقبون " وإذا عرف ذلك فالعزو إلى الطريق التي تتحد مع الطريق التي وقع القول فيها أولى من طريق مغايرة لها، فليعز ذلك إلى تخريج البخاري والنسائي من طريق أبي الزناد لما أوضحته. والله الموفق. قوله: "فيكم" أي المصلين أو مطلق المؤمنين. قوله: "ملائكة" قيل هم الحفظة نقله عياض وغيره عن الجمهور، وتردد ابن بزيزة. وقال القرطبي: الأظهر عندي أنهم غيرهم، ويقويه أنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد، ولا أن حفظة الليل غير حفظة النهار، وبأنهم لو كانوا هم الحفظة لم يقع الاكتفاء في السؤال منهم عن حالة الترك دون غيرها في قوله: "كيف تركتم عبادي". قوله: "ويجتمعون" قال الزين بن المنير: التعاقب مغاير للاجتماع، لكن ذلك منزل على حالين. قلت: وهو ظاهر. وقال ابن عبد البر: الأظهر أنهم يشهدون معهم الصلاة في الجماعة، واللفظ محتمل للجماعة وغيرها، كما يحتمل أن التعاقب يقع بين طائفتين دون غيرهم، وأن يقع التعاقب بينهم في النوع لا في الشخص. قال عياض: والحكمة في اجتماعهم في هاتين الصلاتين من لطف الله تعالى بعباده وإكرامه لهم بأن جعل اجتماع ملائكته في حال طاعة عباده لتكون شهادتهم لهم بأحسن الشهادة. قلت: وفيه شيء، لأنه رجح أنهم الحفظة، ولا شك أن الذين يصعدون كانوا مقيمين عندهم مشاهدين لأعمالهم في جميع الأوقات، فالأولى أن يقال: الحكمة في كونه تعالى لا يسألهم إلا عن الحالة التي تركوهم عليها ما ذكر، ويحتمل أن يقال إن الله تعالى يستر عنهم ما يعملونه فيما بين الوقتين، لكنه بناء على أنهم غير الحفظة. وفيه إشارة إلى الحديث الآخر " إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما " فمن ثم وقع السؤال من كل طائفة عن آخر شيء فارقوهم عليه. قوله: "ثم يعرج الذين باتوا فيكم" استدل به بعض الحنفية على استحباب تأخير صلاة العصر ليقع عروج الملائكة إذا فرغ منها آخر النهار، وتعقب بأن ذلك غير لازم، إذ ليس في الحديث ما يقتضي أنهم لا يصعدون إلا ساعة الفراغ من الصلاة بل جائز أن تفرغ الصلاة ويتأخروا بعد ذلك إلى آخر النهار، ولا مانع أيضا من أن تصعد ملائكة النهار وبعض النهار باق وتقيم ملائكة الليل، ولا يرد على ذلك وصفهم بالمبيت بقوله: "باتوا فيكم " لأن اسم المبيت صادق عليهم ولو تقدمت إقامتهم بالليل قطعة من النهار. قوله: "الذين باتوا فيكم" اختلف في سبب الاقتصار على سؤال الذين باتوا دون الذين ظلوا، فقيل: هو من باب الاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر كقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} أي وإن لم تنفع، وقوله تعالى: { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } أي والبرد، وإلى هذا أشار ابن التين وغيره، ثم قيل: الحكمة في الاقتصار على ذلك أن حكم طرفي النهار يعلم من حكم طرفي الليل، فلو ذكره لكان تكرارا. ثم قيل: الحكمة في الاقتصار على هذا الشق دون الآخر أن الليل مظنة المعصية فلما لم يقع منهم عصيان - مع إمكان دواعي الفعل من إمكان الإخفاء ونحوه - واشتغلوا بالطاعة كان النهار أولى بذلك، فكان السؤال عن الليل أبلغ من السؤال عن النهار لكون النهار محل الاشتهار. وقيل: الحكمة في ذلك أن ملائكة الليل إذا صلوا الفجر عرجوا في الحال، وملائكة النهار إذا صلوا العصر لبثوا إلى آخر النهار لضبط بقية عمل النهار، وهذا ضعيف، لأنه يقتضي أن ملائكة النهار لا يسألون عن وقت العصر، وهو
(2/35)

خلاف ظاهر الحديث كما سيأتي. ثم هو مبني على أنهم الحفظة وفيه نظر لما سنبينه، وقيل بناه أيضا على أنهم الحفظة أنهم ملائكة النهار فقط وهم لا يبرحون عن ملازمة بني آدم، وملائكة الليل هم الذين يعرجون ويتعاقبون، ويؤيده ما رواه أبو نعيم في " كتاب الصلاة " له من طريق الأسود بن يزيد النخعي قال: يلتقي الحارسان - أي ملائكة الليل وملائكة النهار - عند صلاة الصبح فيسلم بعضهم على بعض فتصعد ملائكة الليل وتلبث ملائكة النهار. وقيل: يحتمل أن يكون العروج إنما يقع عند صلاة الفجر خاصة، وأما النزول فيقع في الصلاتين معا، وفيه التعاقب، وصورته أن تنزل طائفة عند العصر وتبيت، ثم تنزل طائفة ثانية عند الفجر، فيجتمع الطائفتان في صلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فقط ويستمر الذين نزلوا وقت الفجر إلى العصر فتنزل الطائفة الأخرى حصل اجتماعهم عند العصر أيضا ولا يصعد منهم أحد بل تبيت الطائفتان أيضا ثم تعرج إحدى الطائفتين ويستمر ذلك فتصح صورة التعاقب مع اختصاص النزول بالعصر والعروج بالفجر، فلهذا خص السؤال بالذين باتوا، والله أعلم. وقيل: إن قوله في هذا الحديث: "ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر " وهم لأنه ثبت في طرق كثيرة أن الاجتماع في صلاة الفجر من غير ذكر صلاة العصر كما في الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في أثناء حديث قال فيه: "وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر " قال أبو هريرة: وأقرؤوا إن شئتم "وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" وفي الترمذي والنسائي من وجه آخر بإسناد صحيح عن أبي هريرة في قوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} قال: "تشهده ملائكة الليل والنهار " وروى ابن مردويه من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه، قال ابن عبد البر: ليس في هذا دفع للرواية التي فيها ذكر العصر، إذ لا يلزم من عدم ذكر العصر في الآية والحديث الآخر عدم اجتماعهم في العصر لأن المسكوت عنه قد يكون في حكم المذكور بدليل آخر، قال: ويحتمل أن يكون الاقتصار وقع في الفجر لكونها جهرية، وبحثه الأول متجه لأنه لا سبيل إلى ادعاء توهيم الراوي الثقة مع إمكان التوفيق بين الروايات، ولا سيما أن الزيادة من العدل الضابط مقبولة. ولم لا يقال: إن رواية من لم يذكر سؤال الذين أقاموا في النهار واقع من تقصير بعض الرواة، أو يحمل قوله: "ثم يعرج الذين باتوا " على ما هو أعم من المبيت بالليل والإقامة بالنهار، فلا يختص ذلك بليل دون نهار ولا عكسه، بل كل طائفة منهم إذا صعدت سئلت، وغاية ما فيه أنه استعمل لفظ: "بات " في أقام مجازا، ويكون قوله: "فيسألهم " أي كلا من الطائفتين في الوقت الذي يصعد فيه، ويدل على هذا الحمل رواية موسى بن عقبة عن أبي الزناد عند النسائي ولفظه: "ثم يعرج الذين كانوا فيكم " فعلى هذا لم يقع في المتن اختصار ولا اقتصار، وهذا أقرب الأجوبة. وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق أخرى واضحا وفيه التصريح بسؤال كل من الطائفتين، وذلك فيما رواه ابن خزيمة في صحيحه وأبو العباس السراج جميعا عن يوسف بن موسى عن جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر، فيجتمعون في صلاة الفجر، فتصعد ملائكة الليل وتبيت ملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتبيت ملائكة الليل، فيسألهم ربهم: كيف تركتم عبادي" الحديث. وهذه الرواية تزيل الإشكال وتغني عن كثير من الاحتمالات المتقدمة، فهي المعتمدة، ويحمل ما نقص منها على تقصير بعض الرواة. قوله: "فيسألهم" قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير، واستنطاقهم بما يقتضي
(2/36)

التعطف عليهم، وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة {َتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} أي وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم. وقال عياض: هذا السؤال على سبيل التعبد للملائكة كما أمروا أن يكتبوا أعمال بني آدم، وهو سبحانه وتعالى أعلم من الجميع بالجميع. قوله: "كيف تركتم عبادي" قال ابن أبي جمرة. وقع السؤال عن آخر الأعمال لأن الأعمال بخواتيمها. قال والعباد المسئول عنهم هم المذكورون في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} . قوله: "تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون" لم يراعوا الترتيب الوجودي، لأنهم بدؤوا بالترك قبل الإتيان، والحكمة فيه أنهم طابقوا السؤال لأنه قال: كيف تركتم؟ ولأن المخبر به صلاة العباد والأعمال بخواتيمها فناسب ذلك إخبارهم عن آخر عملهم قبل أوله، وقوله: "تركناهم وهم " ظاهره أنهم فارقوهم عند شروعهم في العصر سواء تمت أم منع مانع من إتمامها وسواء شرع الجميع فيها أم لا لأن المنتظر في حكم المصلي، ويحتمل أن يكون المراد بقولهم " وهم يصلون " أي ينتظرون صلاة المغرب. وقال ابن التين: الواو في قوله: "وهم يصلون " واو الحال أي تركناهم على هذه الحال، ولا يقال يلزم منه أنهم فارقوهم قبل انقضاء الصلاة فلم يشهدوها معهم، والخبر ناطق بأنهم يشهدونها لأنا نقول: هو محمول على أنهم شهدوا الصلاة مع من صلاها في أول وقتها، وشهدوا من دخل فيها بعد ذلك، ومن شرع في أسباب ذلك. "تنبيه": استنبط منه بعض الصوفية أنه يستحب أن لا يفارق الشخص شيئا من أموره إلا وهو على طهارة كشعره إذا حلقه وظفره إذا قلمه وثوبه إذا أبدله ونحو ذلك. وقال ابن أبي جمرة: أجابت الملائكة بأكثر مما سئلوا عنه، لأنهم علموا أنه سؤال يستدعى التعطف على بني آدم فزادوا في موجب ذلك. قلت: ووقع في صحيح ابن خزيمة من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث: "فاغفر لهم يوم الدين " قال: ويستفاد منه أن الصلاة أعلى العبادات لأنه عنها وقع السؤال والجواب، وفيه الإشارة إلى عظم هاتين الصلاتين لكونهما تجتمع فيهما الطائفتان وفي غيرهما طائفة واحدة والإشارة إلى شرف الوقتين المذكورين، وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح، وأن الأعمال ترفع آخر النهار، فمن كان حينئذ في طاعة بورك في رزقه وفي عمله، والله أعلم. ويترتب عليه حكمة الأمر بالمحافظة عليهما والاهتمام بهما، وفيه تشريف هذه الأمة على غيرها، ويستلزم تشريف نبيها على غيره. وفيه الإخبار بالغيوب، ويترتب عليه زيادة الإيمان. وفيه الإخبار بما نحن فيه من ضبط أحوالنا حتى نتيقظ ونتحفظ في الأوامر والنواهي ونفرح في هذه الأوقات بقدوم رسل ربنا وسؤال ربنا عنا. وفيه إعلامنا بحب ملائكة الله لنا لنزداد فيهم حبا ونتقرب إلى الله بذلك. وفيه كلام الله تعالى مع ملائكته. وغير ذلك من الفوائد والله أعلم. وسيأتي الكلام على ذلك في " باب قوله ثم يعرج " في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى.
(2/37)

17 - باب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ
556- حدثنا أبو نعيم قال شيبان عن يحي عن أبس سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته , وإذا أدرك سجدة من
(2/37)

صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته"
[ الحديث 556 – طرفاه في :580,579 ]
557- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنْ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ أَيْ رَبَّنَا أَعْطَيْتَ هَؤُلاَءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لاَ قَالَ فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ"
[الحديث 557- أطرافه في : 7533,7467,5021,3459,2269,2268]
558- حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم " مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا الى الليل فعملوا إلى نصف النهار, فقالوا لاحاجة لنا إلى أجرك , فأستأجر آخرين فقال أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت . فعملوا بقية يومهم حتى غربت الشمس , واستكملوا أجر الفريقين"
[ الحديث 558- طرفه في : 2271]
قوله: "باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب" أورد فيه حديث أبي سلمة عن أبي هريرة " إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته " فكأنه أراد تفسير الحديث، وأن المراد بقوله: "فيه سجدة " أي ركعة. وقد رواه الإسماعيلي من طريق حسين بن محمد عن شيبان بلفظ: "من أدرك منكم ركعة " فدل على أن الاختلاف في الألفاظ وقع الرواة، وستأتي رواية مالك في أبواب وقت الصبح بلفظ: "من أدرك ركعة " ولم يختلف على راويها في ذلك فكان عليها الاعتماد. وقال الخطابي: المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها، والركعة إنما يكون تمامها بسجودها فسميت على هذا المعنى سجدة. انتهى. وقد روى البيهقي هذا الحديث من طريق محمد بن الحسين بن أبي الحسين عن الفضل بن دكين وهو أبو نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ: "إذا أدرك أحدكم أول سجدة من صلاة العصر " وإنما لم يأت المصنف في الترجمة بجواب الشرط لما في لفظ المتن الذي أورده من الاحتمال وهو قوله: "فليتم صلاته " لأن الأمر بالإتمام أعم من أن يكون ما يتمه أداء أو قضاء، فحذف جواب الشرط لذلك. ويحتمل أن تكون " من " في الترجمة موصوله، وفي الكلام حذف تقديره: باب حكم من أدرك الخ، لكن سيأتي من حديث مالك بلفظ: "فقد أدرك الصلاة " وهو يقتضي أن تكون أداء، وستأتي مباحثه هناك إن شاء الله تعالى. قوله
(2/38)

"إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس" ظاهره أن بقاء هذه الأمة وقع في زمان الأمم السالفة، وليس ذلك المراد قطعا، وإنما معناه أن نسبة مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من الأمم مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار، فكأنه قال: إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما سلف الخ، وحاصله أن " في " بمعنى إلى، وحذف المضاف وهو لفظ: "نسبة" . وقد أخرج المصنف هذا الحديث وكذا حديث أبي موسى الآتي بعده في أبواب الإجارة، ويقع استيفاء الكلام عليهما هناك إن شاء الله تعالى، والغرض هنا بيان مطابقتهما للترجمة والتوفيق بين ما ظاهره الاختلاف منهما. قوله: "أوتي أهل التوراة التوراة" ظاهره أن هذا كالشرح والبيان لما تقدم من تقدير مدة الزمانين، وقد زاد المصنف من رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر في فضائل القرآن هنا " وأن مثلكم ومثل اليهود والنصارى الخ " وهو يشعر بأنهما قضيتان. قوله: "قيراطا قيراطا" كرر قيراطا ليدل على تقسيم القراريط على العمال، لأن العرب إذا أرادت تقسيم الشيء على متعدد كررته كما يقال: اقسم هذا المال على بني فلان درهما درهما، لكل واحد درهم. قوله في حديث ابن عمر "عجزوا" قال الداودي: هذا مشكل، لأنه إن كان المراد من مات منهم مسلما فلا يوصف بالعجز لأنه عمل ما أمر به، وإن كان من مات بعد التغيير والتبديل فكيف يعطى القيراط من حبط عمله بكفره؟ وأورده ابن التين قائلا: قال بعضهم ولم ينفصل عنه وأجيب بأن المراد من مات منهم مسلما قبل التغيير والتبديل، وعبر بالعجز لكونهم لم يستوفوا عمل النهار كله وإن كانوا قد استوفوا عمل ما قدر لهم، فقوله عجزوا أي عن إحراز الأجر الثاني دون الأول، لكن من أدرك منهم النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به أعطى الأجر مرتين كما سبق مصرحا به في كتاب الإيمان. قال المهلب ما معناه: أورد البخاري حديث ابن عمر وحديث أبي موسى في هذه الترجمة ليدل على أنه قد يستحق بعمل البعض أجر الكل، مثل الذي أعطى من العصر إلى الليل أجر النهار كله، فهو نظير من يعطى أجر الصلاة كلها ولو لم يدرك إلا ركعة، وبهذا تظهر مطابقة الحديثين للترجمة. قلت: وتكملة ذلك أن يقال إن فضل الله الذي أقام به عمل ربع النهار مقام عمل النهار كله هو الذي اقتضى أن يقوم إدراك الركعة الواحدة من الصلاة الرباعية التي هي العصر مقام إدراك الأربع في الوقت، فاشتركا في كون كل منهما ربع العمل، وحصل بهذا التقرير الجواب عمن استشكل وقوع الجميع أداء مع أن الأكثر إنما وقع خارج الوقت، فيقال في هذا ما أجيب به أهل الكتابين "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". وقد استبعد بعض الشراح كلام المهلب ثم قال: هو منفك عن محل الاستدلال، لأن الأمة عملت آخر النهار فكان أفضل من عمل المتقدمين قبلها، ولا خلاف أن تقديم الصلاة أفضل من تأخيرها. ثم هو من الخصوصيات التي لا يقاس عليها، لأن صيام آخر النهار لا يجزئ عن جملته، فكذلك سائر العبادات. قلت: فاستبعد غير مستبعد، وليس في كلام المهلب ما يقتضي أن إيقاع العبادة في آخر وقتها أفضل من إيقاعها في أوله. وأما إجزاء عمل البعض عن الكل فمن قبيل الفضل، فهو كالخصوصية سواء. وقال ابن المنير: يستنبط من هذا الحديث أن وقت العمل ممتد إلى غروب الشمس، وأقرب الأعمال المشهورة بهذا الوقت صلاة العصر، قال: فهو من قبيل الإشارة لا من صريح العبارة، فإن الحديث مثال، وليس المراد العمل الخاص بهذا الوقت، بل هو شامل لسائر الأعمال من الطاعات في بقية الأمهال إلى قيام الساعة. وقد قال إمام الحرمين: أن الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التي تأتي لضرب الأمثال. قلت: وما أبداه مناسب لإدخال هذا الحديث في أبواب أوقات العصر لا لخصوص الترجمة وهي
(2/39)

" من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب " بخلاف ما أبداه المهلب وأكملناه، وأما ما وقع من المخالفة بين سياق حديث ابن عمر وحديث أبي موسى فظاهرهما أنهما قضيتان، وقد حاول بعضهم الجمع بينهما فتعسف. وقال ابن رشيد ما حاصله: إن حديث ابن عمر ذكر مثالا لأهل الأعذار لقوله: "فعجزوا " فأشار إلى أن من عجز عن استيفاء العمل من غير أن يكون له صنيع في ذلك أن الأجر يحصل له تاما فضلا من الله. قال: وذكر حديث أبي موسى مثالا لمن أخر بغير عذر، وإلى ذلك الإشارة بقوله عنهم "لا حاجة لنا إلى أجرك" فأشار بذلك إلى أن من أخر عامدا لا يحصل له ما حصل لأهل الأعذار. قوله في حديث أبي موسى "فقال أكملوا" كذا للأكثر بهمزة قطع وبالكاف وكذا وقع في الإجازة. ووقع هنا للكشميهني: "اعملوا " بهمزة وصل وبالعين. قوله في حديث ابن عمر "ونحن كنا أكثر عملا" تمسك به بعض الحنفية كأبي زيد في كتاب الأسرار إلى أن وقت العصر من مصير ظل كل شيء مثليه، لأنه لو كان من مصير ظل كل شيء مثله لكان مساويا لوقت الظهر، وقد قالوا "كنا أكثر عملا" فدل على أنه دون وقت الظهر، وأجيب بمنع المساواة، وذلك معروف عند أهل العلم بهذا الفن، وهو أن المدة التي بين الظهر والعصر أطول من المدة التي بين العصر والمغرب، وأما ما نقله بعض الحنابلة من الإجماع على أن وقت العصر ربع النهار فمحمول على التقريب إذا فرغنا على أن أول وقت العصر مصير الظل مثله كما قال الجمهور، وأما على قول الحنفية فالذي من الظهر إلى العصر أطول قطعا، وعلى التنزل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة، وبأن الخبر إذا ورد في معنى مقصود لا تؤخذ منه المعارضة لما ورد في ذلك المعنى بعينه مقصودا في أمر آخر، وبأنه ليس في الخبر نص على أن كلا من الطائفتين أكثر عملا لصدق أن كلهم مجتمعين أكثر عملا من المسلمين، وباحتمال أن يكون أطلق ذلك تغليبا، وباحتمال أن يكون ذلك قول اليهود خاصة فيندفع الاعتراض من أصله كما جزم به بعضهم، وتكون نسبة ذلك للجميع في الظاهر غير مرادة بل هو عموم أريد به الخصوص أطلق ذلك تغليبا، وبأنه لا يلزم من كونهم أكثر عملا أن يكونوا أكثر زمانا لاحتمال كون العمل في زمنهم كان أشق، ويؤيده قوله تعالى: {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} . ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته لا بالنسبة إلى طول الزمان وقصره كون أهل الأخبار متفقين على أن المدة التي بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم دون المدة التي بين نبينا صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا أن مدة الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سليمان، وقيل إنها دون ذلك حتى جاء عن بعضهم أنها مائة وخمس وعشرون سنة وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر ولا قائل به، فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
18 - باب وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَقَالَ عَطَاءٌ يَجْمَعُ الْمَرِيضُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
559- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ صُهَيْبٌ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ "كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ"
(2/40)

18 - باب وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَقَالَ عَطَاءٌ يَجْمَعُ الْمَرِيضُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
559- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ صُهَيْبٌ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ "كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ"
(2/40)

560- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ قَدِمَ الْحَجَّاجُ فَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا إِذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَوْا أَخَّرَ وَالصُّبْحَ كَانُوا أَوْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ
[ الحديث 560- طرفه في 565 ]
561- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ"
562- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعًا جَمِيعًا وَثَمَانِيًا جَمِيعًا"
قوله: "باب وقت المغرب. وقال عطاء: يجمع المريض بين المغرب والعشاء" أشار بهذا الأثر في هذه الترجمة إلى أن وقت المغرب يمتد إلى العشاء، وذلك أنه لو كان مضيقا لانفصل عن وقت العشاء، ولو كان منفصلا لم يجمع بينهما كما في الصبح والظهر. ولهذه النكتة ختم الباب بحديث ابن عباس الدال على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، وأما الأحاديث التي أوردها في الباب فليس فيها ما يدل على أن الوقت مضيق، لأنه ليس فيها إلا مجرد المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها، وكانت تلك عادته صلى الله عليه وسلم في جميع الصلوات إلا فيما ثبت فيه خلاف ذلك كالإبراد وكتأخير العشاء إذا أبطئوا كما في حديث جابر والله أعلم. وأما أثر عطاء فوصله عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عنه، واختلف العلماء في المريض هل يحوز له أن يجمع بين الصلاتين كالمسافر لما فيه من الرفق به أو لا؟ فجوزه أحمد وإسحاق مطلقا، واختاره بعض الشافعية، وجوزه مالك بشرطه، والمشهور عن الشافعي وأصحابه المنع، ولم أر في المسألة نقلا عن أحد من الصحابة. قوله: "الوليد" هو ابن مسلم. قوله: "هو عطاء بن صهيب" هو مولى رافع بن خديج شيخه، قال ابن حبان: صحبه ست سنين. قوله: "وأنه ليبصر مواقع نبله" بفتح النون وسكون الموحدة، أي المواضع التي تصل إليها سهامه إذا رمى بها. وروى أحمد في مسنده من طريق علي بن بلال عن ناس من الأنصار قالوا " كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثم نرجع فنترامى حتى نأتي ديارنا، فما يخفى علينا مواقع سهامنا " إسناده حسن، والنبل هي السهام العربية، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، قاله ابن سيده، وقيل واحدها نبلة مثل تمر وتمرة، ومقتضاه المبادرة بالمغرب في أول وقتها بحيث أن الفراغ منها يقع والضوء باق. قوله: "محمد بن جعفر" هو غندر. قوله: "عن محمد بن عمرو" في مسلم من طريق معاذ عن شعبة عن سعد " سمع محمد بن عمرو بن الحسن". قوله: "قدم الحجاج" بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم وآخره جيم هو ابن يوسف الثقفي، وزعم الكرماني أن الرواية بضم أوله قال: وهو جمع حاج. انتهى. وهو تحريف بلا خلاف، فقد وقع في رواية أبي عوانة في صحيحه من طرق أبي النضر عن شعبة: سألنا جابر بن عبد الله
(2/41)

في زمن الحجاج وكان يؤخر الصلاة عن وقت الصلاة. وفي رواية مسلم من طريق معاذ عن شعبة " كان الحجاج يؤخر الصلاة". "فائدة": كان قدوم الحجاج المدينة أميرا عليها من قبل عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين وذلك عقب قتل ابن الزبير، فأمره عبد الملك على الحرمين وما معهما، ثم نقله بعد هذا إلى العراق. قوله: "بالهاجرة" ظاهره يعارض حديث الإبراد، لأن قوله كان يفعل يشعر بالكثرة والدوام عرفا قاله ابن دقيق العيد، ويجمع بين الحديثين بأن يكون أطلق الهاجرة على الوقت بعد الزوال مطلقا لأن الإبراد كما تقدم مقيد بحال شدة الحر وغير ذلك كما تقدم، فإن وجدت شروط الإبراد أبرد وإلا عجل، فالمعنى كان يصلي الظهر بالهاجرة إلا إن احتاج إلى الإبراد. وتعقب بأنه لو كان ذلك مراده لفصل كما فصل في العشاء، والله أعلم. قوله: "نقية" بالنون أوله، أي خالصة صافية لم تدخلها صفرة ولا تغير. قوله: "إذا وجبت" أي غابت، وأصل الوجوب السقوط، والمراد سقوط قرص الشمس، وفاعل وحبت مستتر وهو الشمس. وفي رواية أبي داود عن مسلم بن إبراهيم " والمغرب إذا غربت الشمس " ولأبي عوانة من طريق أبي النضر عن شعبة " والمغرب حين تجب الشمس " وفيه دليل على أن سقوط قرص الشمس يدخل به وقت المغرب، ولا يخفى أن محله ما إذا كان لا يحول بين رؤيتها غاربة وبين الرائي حائل، والله أعلم. قوله: "والعشاء أحيانا وأحيانا" ولمسلم أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل، كان إذا رآهم قد اجتمعوا الخ " وللمصنف في " باب وقت العشاء " عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة " إذا كثر الناس عجل، وإذا قلوا أخر " ونحوه لأبي عوانة في رواية. والأحيان جمع حين، وهو اسم مبهم يقع على القليل والكثير من الزمان على المشهور، وقيل الحين ستة أشهر وقيل أربعون سنة وحديث الباب يقوي المشهور. وسيأتي الكلام على حكم وقت العشاء في بابه. وقال ابن دقيق العيد: إذا تعارض في شخص أمران أحدهما أن يقدم الصلاة في أول الوقت منفردا أو يؤخرها في الجماعة، أيهما أفضل؟ الأقرب عندي أن التأخير لصلاة الجماعة أفضل، وحديث الباب يدل عليه لقوله: "وإذا رآهم أبطئوا أخر " فيؤخر لأجل الجماعة مع إمكان التقديم. قلت: ورواية مسلم بن إبراهيم التي تقدمت تدل على أخص من ذلك، وهو أن انتظار من تكثر بهم الجماعة أولى من التقديم، ولا يخفى أن محل ذلك ما إذا لم يفحش التأخير ولم يشق على الحاضرين، والله أعلم. قوله: "كانوا أو كان" قال الكرماني: الشك من الراوي عن جابر، ومعناهما متلازمان لأن أيهما كان يدخل فيه الآخر، إن أراد النبي صلى الله عليه وسلم فالصحابة في ذلك كانوا معه، وإن أراد الصحابة فالنبي صلى الله عليه وسلم كان إمامهم، أي كان شأنه التعجيل لها دائما لا كما كان يصنع في العشاء من تعجيلها أو تأخيرها. وخبر كانوا محذوف يدل عليه قوله يصليها، أي كانوا يصلون. والغلس بفتح اللام ظلمة آخر الليل. وقال ابن بطال ما حاصله: فيه حذفان، حذف خبر كانوا وهو جائز كحذف خبر المبتدأ في قوله: "واللائي لم يحضن" أي فعدتهن مثل ذلك، والحذف الثاني حذف الجملة التي بعد " أو " تقديره: أو لم يكونوا مجتمعين. قال ابن التين: ويصح أن يكون كانوا هنا تامة غير ناقصة بمعنى الحضور والوقوع، فيكون المحذوف ما بعد " أو " خاصة. وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون شكا من الراوي هل قال كان النبي صلى الله عليه وسلم، أو كانوا. ويحتمل أن يكون تقديره: والصبح كانوا مجتمعين مع النبي، أو كان النبي صلى الله عليه وسلم وحده يصليها بالغلس . قلت: والتقدير المتقدم أولى. والحق أنه شك من الراوي، فقد وقعت في رواية مسلم: "والصبح كانوا أو قال كان النبي صلى الله عليه وسلم"، وفيه حذف واحد تقديره: والصبح كانوا يصلونها أو كان النبي صلى الله عليه وسلم - يصليها بغلس، فقوله: "بغلس " يتعلق بأي اللفظين كان هو الواقع، ولا يلزم من
(2/42)

قوله: "كانوا يصلونها " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن معهم، ولا من قوله: "كان النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان وحده، بل المراد بقوله: "كانوا يصلونها " أي النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وهكذا قوله: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها " أي بأصحابه، والله أعلم. "عن سلمة" هو ابن الأكوع، وهذا من ثلاثيات البخاري. قوله: "إذا توارت بالحجاب" أي استترت، والمراد الشس، قال الخطابي: لم يذكرها اعتمادا على أفهام السامعين، وهو كقوله في القرآن "حتى توارت بالحجاب". انتهى. وقد رواه مسلم من طريق حاتم ابن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد بلفظ: "إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب " فدل على أن الاختصار في المتن من شيخ البخاري، وقد صح بذلك الإسماعيلي، ورواه عبد بن حميد عن صفوان بن عيسى، وأبو عوانة والإسماعيلي من طريق صفوان أيضا عن يزيد بن أبي عبيد بلفظ: "كان يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس حين يغيب حاجبها " والمراد حاجبها الذي يبقى بعد أن يغيب أكثرها، والرواية التي فيها " توارت " أصرح في المراد. قد تقدم الكلام على حديث ابن عباس في الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر والله أعلم. واستدل بهذه الأحاديث على ضعف حديث أبي بصرة بالموحدة ثم المهملة رفعه في أثناء حديث: "ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد " والشاهد النجم.
(2/43)

19 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ
563- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاَ تَغْلِبَنَّكُمْ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاَتِكُمْ الْمَغْرِبِ قَالَ الأَعْرَابُ وَتَقُولُ هِيَ الْعِشَاءُ"
قوله: "باب من كره أن يقال للمغرب العشاء" قال الزين بن المنير: عدل المصنف عن الجزم كأن يقول باب كراهية كذا لأن لفظ الخبر لا يقتضي نهيا مطلقا، لكن فيه النهي عن غلبة الأعراب على ذلك، فكأن المصنف رأى أن هذا القدر لا يقتضي المنع من إطلاق العشاء عليه أحيانا، بل يجوز أن يطلق على وجه لا يترك له التسمية الأخرى كما ترك ذلك الأعراب وقوفا مع عادتهم، قال: وإنما شرع لها التسمية بالمغرب لأنه اسم يشعر بمسماها أو بابتداء وقتها، وكره إطلاق اسم العشاء عليها لئلا يقع الالتباس بالصلاة الأخرى، وعلى هذا لا يكره أيضا أن تسمى العشاء بقيد كأن يقول العشاء الأولى، ويؤيده قولهم العشاء الآخرة كما ثبت في الصحيح، وسيأتي من حديث أنس في الباب الذي يليه، ونقل ابن بطال عن غيره أنه لا يقال للمغرب العشاء الأولى ويحتاج إلى دليل خاص، أما من حديث الباب فلا حجة له. قوله: "عبد الوارث" هو ابن سعيد التنوري، و قوله: "عن الحسين" هو المعلم. قوله: "حدثني عبد الله المزني" كذا للأكثر لم يذكر اسم أبيه، زاد في رواية كريمة هو ابن مغفل بالغين المعجمة والفاء المشددة، وكذلك وقع منسوبا بذكر أبيه في رواية عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عند الإسماعيلي وغيره، والإسناد كله بصريون. قوله: "لا تغلبكم" قال الطيبي: يقال غلبه على كذا غصبه منه أو أخذه منه قهرا، والمعنى لا تتعرضوا لما هو من عادتهم من تسمية المغرب بالعشاء والعشاء بالعتمة فيغصب منكم الأعراب اسم العشاء التي سماها الله بها. قال: فالنهي على الظاهر للأعراب وعلى الحقيقة لهم. وقال غيره: معنى الغلبة أنكم تسمونها اسما
(2/43)

وهم يسمونها اسما، فإن سميتموها بالاسم الذي يسمونها به وافقتموهم، وإذا وافق الخصم خصمه صار كأنه انقطع له حتى غلبه، ولا يحتاج إلى تقدير غصب ولا أخذ. وقال التوربشتي: المعنى لا تطلقوا هذا الاسم على ما هو متداول بينهم فيغلب مصطلحهم على الاسم الذي شرعته لكم. وقال القرطبي: الأعراب من كان من أهل البادية وإن لم يكن عربيا، والعربي من ينتسب إلى العرب ولو لم يسكن البادية. قوله: "على اسم صلاتكم" التعبير بالاسم يبعد قول الأزهري أن المراد بالنهي عن ذلك أن لا تؤخر صلاتها عن وقت الغروب، وكذا قول ابن المنير: السر في النهي سد الذريعة لئلا تسمى عشاء فيظن امتداد وقتها عن غروب الشمس أخذا من لفظ العشاء ا هـ. وكأنه أراد تقوية مذهبه في أن وقت المغرب مضيق، وفيه نظر، إذ لا يلزم من تسميتها المغرب أن يكون وقتها مضيقا، فإن الظهر سميت بذلك لأن ابتداء وقتها عند الظهيرة وليس وقتها مضيقا بلا خلاف. قوله: "قال وتقول الأعراب هي العشاء" سر النهي عن موافقتهم على ذلك أن لفظ العشاء لغة هو أول ظلام الليل، وذلك من غيبوبة الشفق، فلو قيل للمغرب عشاء لأدى إلى أن أول وقتها غيبوبة الشفق، وقد جزم الكرماني بأن فاعل قال هو عبد الله المزني راوي الحديث، ويحتاج إلى نقل خاص لذلك وإلا فظاهر إيراد الإسماعيلي أنه من تتمة الحديث، فإنه أورده بلفظ: "فإن الأعراب تسميها " والأصل في مثل هذا أن يكون كلاما واحدا حتى يقوم دليل على إدراجه. "فائدة" لا يتناول النهي تسمية المغرب عشاء على سبيل التغليب كمن قال مثلا: صليت العشاءين، إذا قلنا إن حكمة النهي عن تسميتها عشاء خوف اللبس لزوال اللبس في الصيغة المذكورة، والله أعلم. "تنبيه" أورد الإسماعيلي حديث الباب من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه، واختلف عليه في لفظ المتن فقال هارون الحمال عنه كرواية البخاري. قلت: وكذلك رواه أحمد بن حنبل في مسنده وأبو خيثمة زهير بن حرب عند أبي نعيم في مستخرجه وغير واحد عن عبد الصمد، وكذلك رواه ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الوارث بن عبد الصمد عن أبيه ا هـ. وقال أبو مسعود الرازي عن عبد الصمد " لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإن الأعراب تسميها عتمة " قلت: وكذلك رواه علي بن عبد العزيز البغوي عن أبي معمر شيخ البخاري فيه أخرجه الطبراني عنه، وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه عن الطبراني كذلك، وجنح الإسماعيلي إلى ترجيح رواية أبي مسعود لموافقته حديث ابن عمر - يعني الذي رواه مسلم - كما سنذكره في صدر الباب الذي يليه. والذي يتبين لي أنهما حديثان: أحدهما في المغرب، والآخر في العشاء، كانا جميعا عند عبد الوارث بسند واحد، والله تعالى أعلم.
(2/44)

20 - باب ذِكْرِ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْقَلُ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ وَقَالَ لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالْفَجْرِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ الْعِشَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ} وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كُنَّا نَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ فَأَعْتَمَ بِهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِشَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَتَمَةِ وَقَالَ جَابِرٌ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ وَقَالَ أَنَسٌ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ" وَقَالَ ابْنُ
(2/44)

عُمَرَ وَأَبُو أَيُّوبَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ"
564- حدثنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس عن الزهري قال سالم أخبرني عبد الله قال " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء – وهي التي يدعو الناس العتمة – ثم انصرف فأقبل علينا فقال: أرأيتم ليلتكم هذه , فان رأس مائة سنة منها لايبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد "
قوله: "باب ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعا" غاير المصنف بين هذه الترجمة والتي قبلها مع أن سياق الحديثين الواردين فيهما واحد، وهو النهي عن غلبة الأعراب على التسميتين، وذلك لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق اسم العشاء على المغرب، وثبت عنه إطلاق اسم العتمة على العشاء، فتصرف المصنف في الترجمتين بحسب ذلك. والحديث الذي ورد في العشاء أخرجه مسلم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمر بلفظ: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنها في كتاب الله العشاء، وأنهم يعتمون بحلاب الإبل"، ولابن ماجه نحوه من حديث أبي هريرة وإسناده حسن، ولأبي يعلى والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف كذلك، زاد الشافعي في روايته في حديث ابن عمر " وكان ابن عمر إذا سمعهم يقولون العتمة صاح وغضب". وأخرج عبد الرزاق هذا الموقوف من وجه آخر عن ابن عمر، واختلف السلف في ذلك: فمنهم من كرهه كابن عمر راوي الحديث، ومنهم من أطلق جوازه، نقله ابن أبي شيبة عن أبي بكر الصديق وغيره، ومنهم من جعله خلاف الأولى وهو الراجح، وسيأتي للمصنف، وكذلك نقله ابن المنذر عن مالك والشافعي واختاره، ونقل القرطبي عن غيره: إنما نهى عن ذلك تنزيها لهذه العبادة الشرعية الدينية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلة دنيوية وهي الحلبة التي كانوا يجلبونها في ذلك الوقت ويسمونها العتمة. قلت: وذكر بعضهم أن تلك الحلبة إنما كانوا يعتمدونها في زمان الجدب خوفا من السؤال والصعاليك، فعلى هذا فهي فعلة دنيوية مكروهة لا تطلق على فعلة دينية محبوبة، ومعنى العتم في الأصل تأخير مخصوص. وقال الطبري: العتمة بقية اللبن تغبق بها الناقة بعد هوى من الليل، فسميت الصلاة بذلك لأنهم كانوا يصلونها في تلك الساعة. وروى ابن أبي شيبة من طريق ميمون بن مهران قال: قلت لابن عمر من أول من سمي صلاة العشاء العتمة؟ قال: الشيطان. قوله: "وقال أبو هريرة" شرع المصنف في إيراد أطراف أحاديث محذوفة الأسانيد كلها صحيحة مخرجة في أمكنة أخرى، حاصلها ثبوت تسمية هذه الصلاة تارة عتمة وتارة عشاء، وأما الأحاديث التي لا تسمية فيها بل فيها إطلاق الفعل كقوله: "أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ففائدة إيراده لها الإشارة إلى أن النهي عن ذلك إنما هو لإطلاق الاسم، لا لمنع تأخير هذه الصلاة عن أول الوقت. وحديث أبي هريرة المذكور وصله المصنف باللفظ الأول في " باب فضل العشاء جماعة"، وباللفظ الثاني وهو العتمة في " باب الاستهام في الأذان". قوله: "قال أبو عبد الله" هو المصنف. قوله: "والاختيار" قال الزين بن المنير: هذا لا يتناوله لفظ الترجمة فإن لفظ الترجمة يفهم التسوية وهذا ظاهر في الترجيح. قلت: لا تنافي بين الجواز والأولوية، فالشيئان إذا كانا جائزي الفعل قد يكون أحدهما أولى من الآخر، وإنما صار عنده أولى لموافقته لفظ القرآن، ويترجح أيضا بأنه أكثر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبأن تسميتها عشاء يشعر بأول وقتها بخلاف تسميتها عتمة لأنه يشعر بخلاف ذلك، وبأن لفظه في
(2/45)

الترجمة لا ينافي ما ذكر أنه الاختيار، وهو واضح لمن نظره، لأنه قال: "من كره " فأشار إلى الخلاف، ومن نقل الخلاف لا يمتنع عليه أن يختار. قوله: "ويذكر عن أبي موسى" سيأتي موصولا عند المصنف مطولا بعد باب واحد، وكأنه لم يجزم به لأنه اختصر لفظه، نبه على ذلك شيخنا الحافظ أبو الفضل، وأجاب به من اعترض على ابن الصلاح حيث فرق بين الصيغتين، وحاصل الجواب أن صيغة الجزم تدل على القوة، وصيغة التمريض لا تدل. ثم بين مناسبة العدول في حديث أبي موسى عن الجزم مع صحته إلى التمريض بأن البخاري قد يفعل ذلك لمعنى غير التضعيف، وهو ما ذكره من إيراد الحديث بالمعنى، وكذا الاقتصار على بعضه لوجود الاختلاف في جوازه وإن كان المصنف يرى الجواز. قوله: "وقال ابن عباس وعائشة" أما حديث ابن عباس فوصله المصنف في " باب النوم قبل العشاء " كما سيأتي قريبا، وأما حديث عائشة بلفظ: "أعتم بالعشاء " فوصله في " باب فضل العشاء " من طريق عقيل، وفي الباب الذي بعده من طريق صالح بن كيسان كلاهما عن الزهري عن عروة عنها، وأما حديثها بلفظ: "أعتم بالعتمة " فوصله المصنف أيضا في " باب خروج النساء إلى المساجد بالليل " بعد " باب وضوء الصبيان " من كتاب الصلاة أيضا من طريق شعيب عن الزهري بالسند المذكور، وأخرجه الإسماعيلي من طريق عقيل أيضا ويونس وابن أبي ذئب وغيرهم عن الزهري بلفظ: "أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة بالعشاء وهي التي يدعو الناس العتمة " وهذا يشعر بأن السياق المذكور من تصرف الراوي. "تنبيه": معنى أعتم دخل في وقت العتمة، ويطلق أعتم بمعنى أخر لكن الأول هنا أظهر. قوله: "وقال جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء" هو طرف من حديث وصله المؤلف في " باب وقت المغرب " وفي " باب وقت العشاء". قوله: "وقال أبو برزة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء" هو طرف من حديث وصله المؤلف في " باب وقت العصر". قوله: "وقال أنس: أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء" هو طرف من حديث وصله المؤلف في " باب وقت العشاء إلى نصف الليل". قوله: "وقال ابن عمر وأبو أيوب وابن عباس: صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء" أما حديث ابن عمر فأسنده المؤلف في الحج بلفظ: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا " أما حديث أبي أيوب فوصله أيضا بلفظ: "جمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بين المغرب والعشاء وأما حديث ابن عباس فوصله في " باب تأخير الظهر إلى العصر " كما تقدم. قوله: "قال سالم أخبرني عبد الله" هو سالم بن عبد الله بن عمر، وشيخه عبد الله هو أبوه. قوله: "صلى لنا" أي لأجلنا أو اللام بمعنى الباء. قوله: "وهي التي يدعونها الناس العتمة" تقدم نظير ذلك في حديث أبي برزة في قوله: "وكان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة " وتقدم أيضا من حديث عائشة عند الإسماعيلي، وفي كل ذلك إشعار بغلبة استعمالهم لها بهذا الاسم، فصار من عرف النهي عن ذلك يحتاج إلى ذكره لقصد التعريف، قال النووي وغيره: يجمع بين النهي عن تسميتها عتمة وبين ما جاء من تسميتها عتمة بأمرين: أحدهما أنه استعمل ذلك لبيان الجواز وأن النهي للتنزيه لا للتحريم، والثاني بأنه خاطب بالعتمة من لا يعرف العشاء لكونه أشهر عندهم من العشاء، فهو لقصد التعريف لا لقصد التسمية. ويحتمل أنه استعمل لفظ العتمة في العشاء لأنه كان مشتهرا عندهم استعمال لفظ العشاء للمغرب، فلو قال: لو يعلمون ما في الصبح والعشاء، لتوهموا أنها المغرب. قلت: وهذا ضعيف لأنه قد ثبت في نفس هذا الحديث: "لو يعلمون ما في الصبح والعشاء"، فالظاهر أن التعبير بالعشاء تارة وبالعتمة تارة من تصرف الرواة، وقيل إن النهي عن تسمية العشاء عتمة نسخ الجواز، وتعقب بأن نزول الآية كان قبل الحديث المذكور، وفي كل من
(2/46)

القولين نظر للاحتياج في مثل ذلك إلى التاريخ، ولا بعد في أن ذلك كان جائزا، فلما كثر إطلاقهم له نهوا عنه لئلا تغلب السنة الجاهلية على السنة الإسلامية، ومع ذلك فلا يحرم ذلك بدليل أن الصحابة الذين رووا النهي استعملوا التسمية المذكورة وأما استعمالها في مثل حديث أبي هريرة فلرفع الالتباس بالمغرب، والله أعلم. قوله: "وهي التي يدعو الناس العتمة" فيه إشعار بغلبة هذه التسمية عند الناس ممن لم يبلغهم النهي، وقد تقدم الكلام على متن الحديث في " باب السمر في العلم".
(2/47)

21 - باب وَقْتِ الْعِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَوْ تَأَخَّرُوا
565- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو هُوَ ابْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ صَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ وَالْعِشَاءَ إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ
قوله: "باب وقت العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا" أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال إنها تسمى العشاء إذا عجلت والعتمة إذا أخرت، أخذا من اللفظين.وأراد هذا القائل الجمع بوجه غير الأوجه المتقدمة فاحتج عليه المصنف بأنها قد سميت في حديث الباب في حال التقديم والتأخير باسم واحد. قد تقدم الكلام على حديث جابر في " باب وقت المغرب".
(2/47)

22 - باب فَضْلِ الْعِشَاءِ
566- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإِسْلاَمُ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرَكُمْ"
[الحديث 566 – أطرافه في : 864,862,569,]
(2/47)

23 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ
568- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا
قوله: "باب ما يكره من النوم قبل العشاء" قال الترمذي: كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء، ورخص بعضهم فيه في رمضان خاصة. انتهى. ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم، وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهي خشية خروج الوقت، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء، والكراهة على ما بعد دخوله. قوله: "حدثنا محمد بن سلام" كذا في رواية أبي ذر ووافقه ابن السكن. وفي أكثر الروايات " حدثنا محمد " غير منسوب، وقد تعين من رواية أبي ذر وابن السكن وحديث أبي برزة المذكور طرف من حديثه الآتي في السمر بعد العشاء. قوله: "والحديث بعدها" أي المحادثة. وسيأتي بعد أبواب أن هذه الكراهة مخصوصة بما إذا لم يكن في أمر مطلوب، وقيل: الحكمة فيه لئلا يكون سببا في ترك قيام الليل، أو للاستغراق في الحديث ثم يستغرق في النوم فيخرج وقت الصبح، وسيأتي الجمع بين هذا الحديث وبين حديثه صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العشاء في الباب المذكور.
(2/49)

24 - باب النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ
569- حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ بِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ بِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ الصَّلاَةَ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ قَالَ وَلاَ يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ" قوله: "باب النوم قبل العشاء لمن غلب" في الترجمة إشارة إلى أن الكراهة مختصة بمن تعاطى ذلك مختارا، وقيل ذلك مستفاد من ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من رقد من الذين كانوا ينتظرون خروجه لصلاة العشاء، ولو قيل بالفرق
(2/49)

باب وقت العشاء إلى نصف الليل . وقال ألو برزة كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب تأخيرها
...
25 - باب وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَهَا
572- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ قَالَ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ
[الحديث 572 أطرافه - : 5869,847,661,600]
قوله: "باب وقت العشاء إلى نصف الليل" في هذه الترجمة حديث صريح أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في بيان أول الأوقات وآخرها وفيه: "فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل". قال النووي: معناه وقت لأدائها اختيارا، وأما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع الفجر، لحديث أبي قتادة عند مسلم: "إنما التفريط
(2/51)

على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى". وقال الإصطخري إذا ذهب نصف الليل صارت قضاء. قال: ودليل الجمهور حيث أبي قتادة المذكور. قلت: وعموم حديث أبي قتادة مخصوص بالإجماع في الصبح، وعلى قول الشافعي الجديد في المغرب فللإصطخري أن يقول إنه مخصوص بالحديث المذكور وغيره من الأحاديث في العشاء والله أعلم. قوله: "وقال أبو برزة" هو طرف من حديثه المتقدم في " باب وقت العصر " وليس فيه تصريح بقيد نصف الليل، لكن أحاديث التأخير والتوقيت لما جاءت مرة مقيدة بالثلث وأخرى بالنصف كان النصف غاية التأخير، ولم أر في امتداد وقت العشاء إلى طلوع الفجر حديثا صريحا يثبت. قوله: "حدثنا عبد الرحيم المحاربي" كذا لأبي ذر، وقع لأبي الوقت وغيره عبد الرحيم بغير صيغة أداء، وهو عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد المحاربي الكوفي، يكنى أبا زياد، وهو من قدماء شيوخ البخاري، وليس له في الصحيح عنه غير هذا الحديث الواحد. قوله: "صلاة العشاء" زاد مسلم: "ليلة " وفيه إشعار بأنه لم يكن يواظب على ذلك. قوله: "قد صلى الناس" أي المعهودون ممن صلى من المسلمين إذ ذاك. قوله: "وزاد ابن أبي مريم" يعني سعيد بن الحكم المصري، ومراده بهذا التعليق بيان سماع حميد للحديث من أنس. قوله: "كأني أنظر الخ" الجملة في موضع المفعول لقوله: "زاد". وقد وقع لنا هذا التعليق موصولا عاليا من طريق أبي طاهر المخلص في الجزء الأول من فوائده، قال: حدثنا البغوي حدثنا أحمد بن منصور حدثنا ابن أبي مريم بسنده وأوله " سأل أنس: هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما؟ قال: نعم، أخر العشاء " فذكره، وفي آخره: "وكأني أنظر إلى وبيص خاتمه ليلتئذ " الوبيص بالموحدة والصاد المهملة: البريق، وسيأتي الكلام على فضل انتظار الصلاة في أبواب الجماعة، وعلى الخاتم ولبسه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى.
(2/52)

26 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ
573- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ لِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لاَ تُضَامُّونَ أَوْ لاَ تُضَاهُونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَالَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا
574- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ "
وَقَالَ ابْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرِ أَخْبَرَهُ بِهَذَا
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
(2/52)

قوله: "باب فضل صلاة الفجر" وقع في رواية أبي ذر بعد هذا " والحديث: "ولم يظهر لقوله: "والحديث: "توجيه في هذا الموضع، ووجهه الكرماني بأن الغرض منه باب كذا وباب الحديث الوارد في فضل صلاة الفجر. قلت: ولا يخفى بعده، ولم أر هذه الزيادة في شيء من المستخرجات، ولا عرج عليها أحد من الشراح، فالظاهر أنها وهم، ويدل لذلك أنه ترجم لحديث جرير أيضا: "باب فضل صلاة العصر " بغير زيادة، ويحتمل أنه كان فيه: "باب فضل صلاة الفجر والعصر " فتحرفت الكلمة الأخيرة، والله أعلم. قوله: "يحيى" هو القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم. وقد تقدم الكلام على حديث جرير في " باب فضل صلاة العصر".قوله: "أبو جمرة" بالجيم والراء وهو الضبعي، وشيخه أبو بكر هو ابن أبي موسى الأشعري بدليل الرواية التي بعده حيث وقع فيها " أن أبا بكر بن عبد الله بن قيس " وعبد الله بن قيس هو أبو موسى، وقد قيل إنه أبو بكر بن عمارة بن رويبة والأول أرجح كما سيأتي آخر الباب.قوله: "من صلى البردين" بفتح الموحدة وسكون الراء تثنية برد، والمراد صلاة الفجر والعصر، ويدل على ذلك قوله في حديث جرير " صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " زاد في رواية مسلم: "يعني العصر والفجر: سميتا بردين لأنهما تصليان في بردي النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر، ونقل عن أبي عبيد أن صلاة المغرب تدخل في ذلك أيضا.وقال البزار في توجيه اختصاص هاتين الصلاتين بدخول الجنة دون غيرهما من الصلوات ما محصله: إن من موصولة لا شرطية، والمراد الذين صلوهما أول ما فرضت الصلاة ثم ماتوا قبل فرض الصلوات الخمس، لأنها فرضت أولا ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، ثم فرضت الصلوات الخمس، فهو خبر عن ناس مخصوصين لا عموم فيه.قلت: ولا يخفى ما فيه من التكلف، والأوجه أن " من " في الحديث شرطية. وقوله: "دخل " جواب الشرط، وعدل عن الأصل وهو فعل المضارع كأن يقول يدخل الجنة إرادة للتأكيد في وقوعه بجعل ما سيقع كالواقع. قوله: "وقال ابن رجاء" هو عبد الله البصري الغداني، وهو أحد شيوخ البخاري، وقد وصله محمد بن يحيى الذهلي قال: "حدثنا عبد الله رجاء " ورويناه عاليا من طريقه في الجزء المشهور المروي عنه من طريق السلفي ولفظ المتن واحد. قوله: "حدثنا إسحاق" هو ابن منصور، ولم يقع منسوبا في شيء من الكتب والروايات، واستدل أبو علي الغساني على أنه ابن منصور بأن مسلما روي عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال حديثا غير هذا.قلت: رأيت في رواية أبي علي الشبوي عن الفربري في " باب البيعان بالخيار " حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال فذكر حديثا، فهذه القرينة أقوى من القرينة التي في رواية مسلم. قوله: "حدثنا حبان" هو ابن هلال وهو بفتح الحاء المهملة، فاجتمعت الروايات عن همام بأن شيخ أبي جمرة هو أبو بكر بن عبد الله، فهذا بخلاف من زعم أنه ابن عمارة بن رويبه، وحديث عمارة أخرجه مسلم وغيره من طرق عن أبي بكر بن عمارة عن أبيه لكن لفظه: "لن يلح النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " وهذا اللفظ مغاير للفظ حديث أبي موسى وإن كان معناهما واحدا، فالصواب أنهما حديثان.
(2/53)

27 - باب وَقْتِ الْفَجْرِ
575- حدثنا عمرو بن عاصم قال حدثنا همام عن قتادة عن أنس أن زيد بن ثابت حدثه أنهم تسحروا
(2/53)

مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قاموا إلى الصلاة . قلت : كم بينهما؟ قال : قدر خمسين أو ستين . يعني آية.
[الحديث 575- طرفه في 1921]
576- حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى قُلْنَا لِأَنَسٍ كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلاَةِ قَالَ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً
[ الحديث 576- طرفه في : 1134]
577- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أَنْ أُدْرِكَ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
578- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاَةَ لاَ يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ قوله: "باب وقت الفجر" ذكر فيه حديث: "تسحر زيد بن ثابت مع النبي صلى الله عليه وسلم: "من وجهين عن أنس، فأما رواية همام عن قتادة فهي عن أنس أن زيد بن ثابت حدثه، فجعله من مسند زيد ابن ثابت، ووافقه هشام عن قتادة كما سيأتي في الصيام. وأما رواية سعيد - وهو ابن أبي عروبة - عن قتادة فهي " عن أنس أن نبي الله وزيد بن ثابت تسحرا " وفي رواية السرخسي والمستملي: "تسحروا " فجعله من مسند أنس، وأما قوله: "تسحروا " بصيغة الجمع فشاذة وترجح عند مسلم رواية همام فإنه أخرجها وأعرض عن رواية سعيد، ويدل على رجحانها أيضا أن الإسماعيلي أخرج رواية سعيد من طريق خالد بن الحارث عن سعيد فقال: "عن أنس عن زيد بن ثابت " والذي يظهر لي في الجمع بين الروايتين أن أنسا حضر ذلك لكنه لم يتسحر معهما، ولأجل هذا سأل زيدا عن مقدار وقت السحور كما سيأتي بعد، ثم وجدت ذلك صريحا في رواية النسائي وابن حبان ولفظهما " عن أنس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس إني أريد الصيام، أطعمني شيئا. فجئته بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعدما أذن بلال. قال: يا أنس انظر رحلا يأكل معي، فدعوت زيد بن ثابت، فجاء فتسحر معه، ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الصلاة" . فعلى هذا فالمراد بقوله: "كم كان بين الأذان والسحور " أي أذان ابن أم مكتوم، لأن بلالا كان يؤذن قبل الفجر. والآخر يؤذن إذا طلع. قوله: "قلت كم كان بينهما؟" سقط لفظ: "كان " من رواية السرخسي والمستملي، ووقع عند الإسماعيلي من رواية عفان عن همام " قلنا لزيد"، ومن رواية خالد بن الحارث عن سعيد قال خالد: أنس القائل كم كان بينهما. ووقع عند المصنف من رواية روح عن سعيد: قلت لأنس، فهو مقول قتادة. قال الإسماعيلي: والروايتان صحيحتان بأن يكون أنس سأل زيدا، وقتادة سأل أنسا.
(2/54)

والله أعلم. قوله: "قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصليا" كذا للكشميهني بصيغة التثنية، ولغيره فصلينا بصيغة الجمع وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى. واستدل المصنف به على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر لأنه الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب، والمدة التي بين الفراغ من السحور والدخول في الصلاة - وهي قراءة الخمسين آية أو نحوها - قدر ثلث خمس ساعة، ولعلها مقدار ما يتوضأ. فأشعر ذلك بأن أول وقت الصبح أول ما يطلع الفجر. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل فيها بغلس، والله أعلم. قوله: "عن أخيه" هو أبو بكر عبد الحميد، وسليمان هو ابن بلال، وسيأتي الكلام على حديث سهل بن سعد في الصيام. والغرض منه هنا الإشارة إلى مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الصبح في أول الوقت، وحديث عائشة تقدم في أبواب ستر العورة ولفظه أصرح في مراده في هذا الباب من جهة التغليس بالصبح وأن سياقه يقتضي المواظبة على ذلك، وأصرح منه ما أخرجه أبو داود من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم أسفر بالصبح مرة ثم كانت صلاته بعد بالغلس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر وأما ما رواه أصحاب السنن وصححه غير واحد من حديث رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " فقد حمله الشافعي وغيره على أن المراد بذلك تحقق طلوع الفجر، وحمله الطحاوي على أن المراد الأمر بتطويل القراءة فيها حتى يخرج من الصلاة مسفرا، وأبعد من زعم أنه ناسخ للصلاة في الغلس. وأما حديث ابن مسعود الذي أخرجه المصنف وغيره أنه قال: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير وقتها ذلك اليوم " يعني في الفجر يوم المزدلفة، فمحمول على أنه دخل فيها مع طلوع الفجر من غير تأخير، فإن في حديث زيد بن ثابت وسهل بن سعد ما يشعر بتأخير يسير، لا أنه صلاها، قبل أن يطلع الفجر. والله سبحانه وتعالى أعلم. قوله في حديث عائشة "كن" قال الكرماني: هو مثل أكلوني البراغيث لأن قياسه الإفراد وقد جمع. قوله: "نساء المؤمنات" تقديره نساء الأنفس المؤمنات أو نحوها ذلك حتى لا يكون من إضافة الشيء إلى نفسه، وقيل إن " نساء " هنا بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات كما يقال رجال القوم أي فضلاؤهم. قوله: "يشهدن" أي يحضرن، و قوله: "لا يعرفهن أحد" قال الداودي: معناه لا يعرفن أنساء أم رجال، أي لا يظهر للرائي إلا الأشباح خاصة، وقيل لا يعرف أعيانهن فلا يفرق بين خديجة وزينب، وضعفه النووي بأن المتلفعة في النهار لا تعرف عينها فلا يبقى في الكلام فائدة، وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان، فلو كان المراد الأول لعبر بنفي العلم، وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا تعرف عينها فيه نظر، لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى. وقال الباجي: هذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن متنقبات لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس. قلت: وفيه ما فيه، لأنه مبني على الاشتباه الذي أشار إليه النووي، وأما إذا قلنا إن لكل واحدة منهن هيئة غالبا فلا يلزم ما ذكر. والله أعلم. قوله: "متلفعات" تقدم شرحه، "والمروط" جمع مرط بكسر الميم وهو كساء معلم من خز أو صوف أو غير ذلك، وقيل لا يسمى مرطا إلا إذا كان أخضر ولا يلبسه إلا النساء، وهو مردود بقوله مرط من شعر أسود. قوله: "ينقلبن" أي يرجعن. قوله: "من الغلس" من ابتدائية أو تعليلية، ولا معارضة بين هذا وبين حديث برزة السابق أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه، لأن هذا إخبار عن رؤية المتلفعة على بعد، وذاك إخبار عن رؤية الجليس. وفي الحديث استحباب المبادرة بصلاة الصبح في أول الوقت وجواز خروج النساء إلى المساجد لشهود الصلاة في الليل، ويؤخذ منه جوازه
(2/55)

في النهار من باب أولى لأن الليل مظنة الريبة أكثر من النهار، ومحل ذلك إذا لم يخش عليهن أو بهن فتنة، واستدل به بعضهم على جواز صلاة المرأة مختمرة الأنف والفم، فكأنه جعل التلفع صفة لشهود الصلاة. وتعقبه عياض بأنها إنما أخبرت عن هيئة الانصراف، والله أعلم.
(2/56)

28 - باب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً
579- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ الأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ"
قوله: "باب من أدرك من الفجر ركعة" تقدم الكلام على الحكمة في حذف جواب الشرط من الترجمة في " باب من أدرك من العصر ركعة". قوله: "يحدثونه" أي يحدثون زيد بن أسلم. ورجال الإسناد كلهم مدنيون. قوله: "فقد أدرك الصبح" الإدراك الوصول إلى الشيء، فظاهره أنه يكتفي بذلك، وليس ذلك مرادا بالإجماع، فقيل يحمل على أنه أدرك الوقت، فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته، وهذا قول الجمهور، وقد صرح بذلك في رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم أخرجه البيهقي من وجهين ولفظه: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعدما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة " وأصرح منه رواية أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء - وهو ابن يسار - عن أبي هريرة بلفظ: "من صلى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس فلم يفته العصر" . وقال مثل ذلك في الصبح، وقد تقدمت رواية المصنف في " باب من أدرك من العصر ركعة " من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وقال فيها " فليتم صلاته"، وللنسائي من وجه آخر " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها، إلا أنه يقضي ما فاته"، وللبيهقي من وجه آخر " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى" . ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحوها، وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة، وهو مبني على أن الكراهة تتناول الفرض والنفل وهي خلافية مشهورة، قال الترمذي: وبهذا يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، وخالف أبو حنيفة فقال: من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته، واحتج لذلك بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث، وهي دعوى تحتاج إلى دليل، فإنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال، والجمع بين الحديثين ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له من النوافل، ولا شك أن التخصيص، أولى من ادعاء النسخ، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت، وللفقهاء في ذلك تفاصيل بين أصحاب الأعذار وغيرهم، وبين مدرك الجماعة ومدرك الوقت، وكذا مدرك الجمعة، ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر للإحرام ويقرأ أم القرآن ويركع ويرفع ويسجد سجدتين بشروط كل ذلك. وقال الرافعي: المعتبر فيها أخف ما يقل عليه أحد، وهذا في حق غير أصحاب الأعذار، أما أصحاب الأعذار - كمن أفاق من إغماء، أو طهرت من حيض أو غير ذلك - فإن بقي من الوقت هذا القدر كانت الصلاة في حقهم أداء. وقد قال قوم: يكون ما أدرك
(2/56)

في الوقت أداء وبعده قضاء، وقيل يكون كذلك لكنه يلتحق بالأداء حكما، والمختار أن الكل أداء وذلك من فضل الله تعالى. ونقل بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر. والله أعلم. "لطيفة" أورد المصنف في " باب من أدرك من العصر " طريق أبي سلمة عن أبي هريرة، وفي هذا الباب طريق عطاء بن يسار ومن معه عن أبي هريرة، لأنه قدم في طريق أبي سلمة ذكر العصر، وقدم في هذا ذكر الصبح فناسب أن يذكر في كل منهما ما قدم لما يشعر به التقديم من اهتمام. والله الهادي للصواب.
(2/57)

29 - باب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ رَكْعَةً
580- حدثناعبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة "
قوله: "باب من أدرك من الصلاة ركعة" هكذا ترجم، وساق الحديث بلفظ: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " وقد رواه مسلم من رواية عبيد الله العمري عن الزهري، وأحال به على حديث مالك، وأخرجه البيهقي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه مسلم ولفظه كلفظ ترجمة هذا الباب، قدم قوله: "من الصلاة " على قوله: "ركعة " وقد وضح لنا بالاستقراء أن جميع ما يقع في تراجم البخاري مما يترجم بلفظ الحديث لا يقع فيه شيء مغاير للفظ الحديث الذي يورده إلا وقد ورد من وجه آخر بذلك اللفظ المغاير، فلله دره ما أكثر اطلاعه. والظاهر أن هذا أعم من حديث الباب الماضي قبل عشرة أبواب، ويحتمل أن تكون اللام عهدية فيتحدا، ويؤيده أن كلا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة، وهذا مطلق وذاك مقيد فيحمل المطلق على المقيد. وقال الكرماني: الفرق بينهما أن الأول فيمن أدرك من الوقت قدر ركعة، وهذا فيمن أدرك من الصلاة ركعة، كذا قال. وقال بعد ذلك: وفي الحديث أن من دخل في الصلاة فصلى ركعة وخرج الوقت كان مدركا لجميعها، وتكون كلها أداء، وهو الصحيح. انتهى. وهذا يدل على اتحاد الحديثين عنده لجعلهما متعلقين بالوقت، بخلاف مما قال أولا. وقال التيمي: معناه من أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك فضل الجماعة. وقيل: المراد بالصلاة الجمعة، وقيل غير ذلك. و قوله: "فقد أدرك الصلاة" ليس على ظاهره بالإجماع، لما قدمناه من أنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركا لجميع الصلاة بحيث تحصل براءة ذمته من الصلاة، فإذا فيه إضمار تقديره: فقد أدرك وقت الصلاة، أو حكم الصلاة، أو نحو ذلك، ويلزمه إتمام بقيتها. وقد تقدم بقية مباحثه في الباب الذي قبله. ومفهوم التقييد بالركعة أن من أدرك دون الركعة لا يكون مدركا لها، وهو الذي استقر عليه الاتفاق، وكان فيه شذوذ قديم منها إدراك الإمام راكعا يجزئ ولو لم يدرك معه الركوع، وقيل يدرك الركعة ولو رفع الإمام رأسه ما لم يرفع بقية من ائتم به رءوسهم ولو بقي واحد، وعن الثوري وزفر: إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه أدرك إن وضع يديه على ركبتيه قبل رفع الإمام، وقيل: من أدرك تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع أدرك الركعة، وعن أبي العالية: إذا أدرك السجود أكمل بقية الركعة معهم ثم يقوم فيركع فقط وتجزيه.
(2/57)

30 - باب الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ
581- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ "
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَاسٌ بِهَذَا
582- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَحَرَّوْا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا"
[الحديث 582- أطرافه في : 3272 ]
583- وَقَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَغِيبَ تَابَعَهُ عَبْدَةُ
[ الحديث583- طرفه في :3272]
584- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ صَلاَتَيْنِ نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَعَنْ الِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَعَنْ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلاَمَسَةِ
قوله: "باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس" يعني ما حكمها؟ قال الزين بن المنير: لم يثبت حكم النهي، لأن تعين المنهي عنه في هذا الباب مما كثر فيه الاختلاف، وخص الترجمة بالفجر من اشتمال الأحاديث على الفجر والعصر، لأن الصبح هي المذكورة أولا في سائر أحاديث الباب.
قلت: أو لأن العصر ورد فيها كونه صلى الله عليه وسلم صلى بعدها، بخلاف الفجر.قوله: "هشام" هو ابن أبي عبد الله الدستوائي. قوله: "عن أبي العالية" هو الرياحي بالياء التحتانية واسمه رفيع بالتصغير، ووقع مصرحا به عند الإسماعيلي من رواية غندر عن شعبة، وأورد المصنف طريق يحيى وهو القطان عن شعبة عن قتادة سمعت أبا العالية. والسر فيها التصريح بسماع قتادة له من أبي العالية وإن كانت طريق هشام أعلى منها. قوله: "شهد عندي" أي أعلمني أو أخبرني، ولم يرد شهادة الحكم. قوله: "مرضيون" أي لا شك في صدقهم ودينهم. وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن همام " شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر " وله من رواية شعبة " حدثني رجال أحبهم إلى عمر. قوله: "ناس بهذا" أي بهذا الحديث بمعناه، فإن مسددا رواه ومن طريقه البيهقي ولفظه: "حدثني ناس أعجبهم إلى عمر " وقال فيه: "حتى تطلع الشمس " ووقع في الترمذي عنه " سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وكان من أحبهم
(2/58)

إلي". قوله: "بعد الصبح" أي بعد صلاة الصبح لأنه لا جائز أن يكون الحكم فيه معلقا بالوقت، إذ لا بد من أداء الصبح، فتعين التقدير المذكور. قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث معمول به عند فقهاء الأمصار، وخالف بعض المتقدمين وبعض الظاهرية من بعض الوجوه. قوله: "حتى تشرق" بضم أوله من أشرق، يقال أشرقت الشمس ارتفعت وأضاءت، ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي في الباب بعده بلفظ: "حتى ترتفع الشمس " ويروى بفتح أوله وضم ثالثه بوزن تغرب يقال شرقت الشمس أي طلعت، ويؤيده رواية البيهقي من طريق أخرى عن ابن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ: "حتى تشرق الشمس أو تطلع " على الشك، وقد ذكرنا أن في رواية مسدد " حتى تطلع الشمس " بغير شك، وكذا هو في حديث أبي هريرة الآتي آخر الباب بلفظ: "حتى تطلع الشمس " بالجزم، ويجمع بين الحديثين بأن المراد بالطلوع طلوع مخصوص، أي حتى تطلع مرتفعة. قال النووي: أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها، واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة وقضاء الفائتة، فذهب الشافعي وطائفة إلى جواز ذلك كله بلا كراهة، وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى أن ذلك داخل في عموم النهي، واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر، وهو صريح في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى، ويلتحق ما له سبب. قلت: وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب، فقد حكى غيره عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخة، وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر، وبذلك جزم ابن حزم، وعن طائفة أخرى المنع مطلقا في جميع الصلوات، وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات، وحكى آخرون الإجماع على جواز صلاة الجنازة في الأوقات المكروهة، وهو متعقب بما سيأتي في بابه، وما ادعاه ابن حزم وغيره من النسخ مستندا إلى حديث: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى " فدل على إباحة الصلاة في الأوقات المنهية. انتهى. وقال غيرهم: ادعاء التخصيص أولى من ادعاء النسخ فيحمل النهي على ما لا سبب له، ويخص منه ما له سبب صلى الله عليه وسلم جمعا بين الأدلة، والله أعلم. وقال البيضاوي: اختلفوا في جواز الصلاة بعد الصبح والعصر وعند الطلوع والغروب وعند الاستواء، فذهب داود إلى الجواز مطلقا وكأنه حمل النهي على التنزيه. قلت: بل المحكي عنه أنه ادعى النسخ كما تقدم، قال: وقال الشافعي تجوز الفرائض وما له سبب من النوافل. وقال أبو حنيفة: يحرم الجميع سوى عصر يومه، وتحرم المنذورة أيضا. وقال مالك: تحرم النوافل دون الفرائض، ووافقه أحمد، لكنه استثنى ركعتي الطواف. "تنبيه": لم يقع لنا تسمية الرجال المرضيين الذين حدثوا ابن عباس بهذا الحديث، وبلغني أن بعض من تكلم على العمدة تجاسر وزعم أنهم المذكورون فيها عند قول مصنفها: وفي الباب عن فلان وفلان. ولقد أخطأ هذا المتجاسر خطأ بينا فلا حول ولا قوة إلا بالله. قوله: "عن هشام" هو ابن عروة بن الزبير. قوله: "لا تحروا" أصله لا تتحروا، فحذفت إحدى التاءين، والمعنى لا تقصدوا. واختلف أهل العلم في المراد بذلك، فمنهم من جعله تفسيرا للحديث السابق ومبينا للمراد به فقال: لا
ـــــــ
(1) هذا القول هو أصح الأقوال , وهو مذهب الشافعي وإحدى عن أحمد , واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم , وبه تجتمع الأخبار . والله أعلم
(2/59)

تكره الصلاة بعد الصبح ولا بعد العصر إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها، وإلى ذلك جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر واحتج له. وقد روى مسلم من طريق طاوس عن عائشة قالت: وهم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها. انتهى. وسيأتي من قول ابن عمر أيضا ما يدل على ذلك قريبا بعد بابين، وربما قوى ذلك بعضهم بحديث: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليضف إليها الأخرى " فأمر بالصلاة حينئذ، فدل على أن الكراهة مختصة بمن قصد الصلاة في ذلك الوقت لا من وقع له ذلك اتفاقا، وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر الباب الذي بعده، ومنهم من جعله نهيا مستقلا، وكره الصلاة في تلك الأوقات سواء قصد لها أم لم يقصد، وهو قول الأكثر. قال البيهقي: إنما قالت ذلك عائشة لأنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر، فحملت نهيه على من قصد ذلك لا على الإطلاق، وقد أجيب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء كما سيأتي، وأما النهي فهو ثابت من طريق جماعة من الصحابة غير عمر رضي الله عنه، فلا اختصاص له بالوهم والله أعلم. قوله: "وقال: حدثني ابن عمر" هو مقول عروة أيضا، وهو حديث آخر، وقد أفرده الإسماعيلي وذكر أنه وقع له الحديثان معا من رواية على بن مسهر وعيسى بن يونس ومحمد بن بشر ووكيع ومالك ابن سعير ومحاضر كلهم عن هشام، وأنه وقع له الحديث الثاني فقط من رواية عبد الله بن نمير عن هشام. قوله: "حتى ترتفع" جعل ارتفاعها غاية النهي، وهو يقوى رواية من روى الحديث الماضي بلفظ: "حتى تشرق " من الإشراق وهو الارتفاع كما تقدم. قوله: "تابعه عبدة" يعني ابن سليمان، والضمير يعود على يحيى بن سعيد وهو القطان، يعني تابع يحيى القطان على روايته لهذا الحديث عن هشام، ورواية عبدة هذه موصولة عند المصنف في بدء الخلق، وفيه الحديثان معا وقال فيه: "حتى تبرز " بدل ترتفع. وقال فيه: "لا تحينوا، بالياء التحتانية والنون وزاد فيه: "فإنها تطلع بين قرني شيطان " وفيه إشارة إلى علة النهي عن الصلاة في الوقتين المذكورين، وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة " وحينئذ يسجد لها الكفار " فالنهي حينئذ لترك مشابهة الكفار، وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال: إن النهي عن ذلك لا يدرك معناه، وجعله من قبيل التعبد الذي يجب الإيمان به، وسيأتي الكلام على المراد بقوله: "بين قرني الشيطان " في أوائل بدء الخلق إن شاء الله تعالى. قوله: "حاجب الشمس" أي طرف قرصها، قال الجوهري: حواجب الشمس نواحيها. قوله: "عن عبيد الله" هو ابن عمر العمري. قوله: "حفص بن عاصم" أي ابن عمر بن الخطاب، وهو جد عبيد الله بن عمر المذكور في هذا الإسناد. قوله: "وعن صلاتين" محصل ما في الباب أربعة أحاديث: الأول والأخير يتعلقان بالفعل، والثاني والثالث يتعلقان بالوقت، وقد تقدم نقل اختلاف العلماء في ذلك. وسيأتي الكلام على البيعتين في كتاب البيع، وعلى اللبستين في كتاب اللباس. قوله: "بعد الفجر" أي بعد صلاة الفجر كما تقدم.
(2/60)

باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس
...
31 - باب لاَ تُتَحَرَّى الصَّلاَةُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ
585- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلاَ عِنْدَ غُرُوبِهَا
(2/60)

586- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ"
[الحديث 586- أطرافه في 1995,1993,1864,1197,1188]
587- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاَةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ
[الحديث 587 – طرفه في :3766]
588- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ"
قوله: "باب لا تتحرى" بضم المثناة الفوقانية، والصلاة بالرفع لأنها في مقام الفاعل، أو بفتح المثناة التحتانية، والصلاة بالنصب والفاعل محذوف أي المصلي، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في الباب الذي قبله، ولا تنافي بين قوله في الترجمة " قبل الغروب " وبين قوله في الحديث: "عند الغروب " لما نذكره قريبا. قوله: "لا يتحرى" كذا وقع بلفظ الخبر، قال السهيلي: يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع، أي لا يكون إلا هذا. قوله: "فيصلي" بالنصب، والمراد نفي التحري والصلاة معا، ويجوز الرفع أي لا يتحرى أحدكم الصلاة في وقت كذا فهو يصلي فيه. وقال ابن خروف: يجوز في " فيصلي " ثلاثة أوجه: الجزم على العطف أي لا يتحرى ولا يصلي، والرفع على القطع أي لا يتحرى فهو يصلي، والنصب على جواب النهي والمعنى لا يتحرى مصليا. وقال الطيبي: قوله لا يتحرى نفي بمعنى النهي، ويصلي بالنصب لأنه جوابه، كأنه قيل: لا يتحرى، فقيل: لم؟ فأجيب: خيفة أن يصلي. ويحتمل أن يقدر غير ذلك. وقد وقع في رواية القعنبي في الموطأ " لا يتحرى أحدكم أن يصلي " ومعناه لا يتحرى الصلاة. قوله: "عن صالح" هو ابن كيسان ولم يخرج البخاري لصالح بن أبي الأخضر شيئا. قوله: "لا صلاة" قال ابن دقيق العيد: وصيغة النفي في ألفاظ الشارع إذا دخلت على فعل كان الأولى حملها على نفي الفعل الشرعي لا الحسي، لأنا لو حملناه على نفي الفعل الحسي لاحتجنا في تصحيحه إلى إضمار، والأصل عدمه. وإذا حملناه على الشرعي لم نحتج إلى إضمار، فهذا وجه الأولوية. وعلى هذا فهو نفي بمعنى النهي، والتقدير لا تصلوا. وحكى أبو الفتح اليعمري عن جماعة من السلف أنهم قالوا: إن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بأنهما لا يتطوع بعدهما، ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد به وقت الطلوع ووقت الغروب، ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا بعد الصبح ولا بعد العصر، إلا أن تكون الشمس نقية " وفي

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 12:57 AM
رواية: "مرتفعة"، فدل على أن المراد بالبعدية ليس على عمومه، وإنما المراد وقت الطلوع ووقت الغروب ما قاربهما والله أعلم. قوله: "حدثنا محمد بن أبان" هو البلخي، وقيل الواسطي، ولكل من القولين مرجح وكلاهما ثقة. قوله: "عن معاوية" في رواية الإسماعيلي من طريق معاذ وغيره عن شعبة " خطبنا معاوية " واتفق أصحاب شعبة على أنه من رواية أبي التياح عن حمران، وخالفهم عن بن عمر وأبو داود الطيالسي فقالا " عن أبي التياح عن معبد الجهني عن معاوية " والطريق التي أختارها البخاري أرجح، ويجوز أن يكون لأبي التياح فيه شيخان. قوله: "يصليهما" أي الركعتين، وللحموي " يصليها " أي الصلاة. وكذا وقع الخلاف بين الرواة في قوله عنها أو عنهما، وكلام معاوية مشعر بأن من خاطبهم كانوا يصلون بعد العصر ركعتين على سبيل التطوع الراتب لها كما يصلي بعد الظهر، وما نفاه من رؤية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لهما قد أثبته غيره، والمثبت مقدم على النافي. وسيأتي في الباب الذي بعده قول عائشة " كان لا يصليهما في المسجد " لكن ليس في رواية الإثبات معارضة للأحاديث الواردة في النهي، لأن رواية الإثبات لها سبب كما سيأتي في الباب الذي بعده، فألحق بها ما له سبب وبقي ما عدا ذلك على عمومه، والنهي فيه محمول على ما لا سبب له. وأما من يرى عموم النهي ولا يخصه بما له سبب فيحمل إنكار معاوية على من يتطوع ويحمل الفعل على الخصوصية، ولا يخفى رجحان الأول، والله أعلم. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الصلاة المنهية غير صحيحة، فلازمه أن لا يقصد لها المكلف، إذ العاقل لا يشتغل بما لا فائدة فيه. قوله: "لا صلاة بعد الصبح" أي بعد صلاة الصبح، وصرح به مسلم من هذا الوجه في الموضعين. قوله: "حدثنا عبدة" هو ابن سليمان، وبقية الإسناد والمتن تقدم بأتم سياق في الباب الذي قبله.
(2/62)

باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر وةاه عم وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة
...
3 - باب مَنْ لَمْ يَكْرَهْ الصَّلاَةَ إِلاَّ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ
رَوَاهُ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ
589- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أُصَلِّي كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يُصَلُّونَ لاَ أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّي بِلَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ مَا شَاءَ غَيْرَ أَنْ لاَ تَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا قوله: "باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر" قيل: آثر البخاري الترجمة بذكر المذاهب على ذكر الحكم للبراءة من عهدة بت القول في موضع كثر فيه الاختلاف، ومحصل ما ورد من الأخبار في تعيين الأوقات التي تكره فيها الصلاة أنها خمسة: عند طلوع الشمس. وعند غروبها، وبعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر، وعند الاستواء. وترجع بالتحقيق إلى ثلاثة: من بعد صلاة الصبح إلى أن ترتفع الشمس، فيدخل فيه الصلاة عند طلوع الشمس، وكذا من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس، ولا يعكر على ذلك أن من لم يصل الصبح مثلا حتى بزغت الشمس يكره له التنفل حينئذ لأن الكلام إنما هو جار على الغالب المعتاد، وأما هذه الصورة النادرة فليست مقصودة. وفي الجملة عدها أربعة أجود، وبقي خامس وهو الصلاة وقت استواء الشمس وكأنه لم يصح عند المؤلف على شرطه فترجم على نفيه، وفيه أربعة أحاديث: حديث عقبة بن عامر وهو عند مسلم ولفظه: "وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع" ، وحديث عمرو بن عبسة وهو عند مسلم أيضا ولفظه: "حتى يستقل الظل بالرمح، فإذا أقبل
(2/62)

الفيء فصل " وفي لفظ لأبي داود " حتى يعدل الرمح ظله" ، وحديث أبي هريرة وهو عند ابن ماجه والبيهقي ولفظه: "حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح، فإذا زالت فصل" ، وحديث الصنابحي وهو في الموطأ ولفظه: "ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها " وفي آخره: "ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات " وهو حديث مرسل مع قوة رجاله. وفي الباب أحاديث أخر ضعيفة، وبقضية هذه الزيادة قال عمر بن الخطاب فنهى عن الصلاة نصف النهار. وعن ابن مسعود قال: "كنا ننهى عن ذلك " وعن أبي سعيد المقبري قال: "أدركت الناس وهم يتقون ذلك " وهو مذهب الأئمة الثلاثة والجمهور، وخالف مالك فقال: ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار. وقال ابن عبد البر: وقد روى مالك حديث الصنابحي، فإما أنه لم يصح عنده وإما أنه رده بالعمل الذي ذكره. انتهى. وقد استثنى الشافعي ومن وافقه من ذلك يوم الجمعة، وحجتهم أنه صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى التبكير يوم الجمعة ورغب في الصلاة إلى خروج الإمام كما سيأتي في بابه، وجعل الغاية خروج الإمام، وهو لا يخرج إلا بعد الزوال، فدل على عدم الكراهة. وجاء فيه حديث عن أبي قتادة مرفوعا: "أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة " في إسناده انقطاع. وقد ذكر له البيهقي شواهد ضعيفة إذا ضمت قوى الخبر. والله أعلم. "فائدة": فرق بعضهم بين حكمة النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح والعصر، وعن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فقال: يكره في الحالتين الأوليين، ويحرم في الحالتين الآخريين. وممن قال بذلك محمد بن سيرين ومحمد بن جرير الطبري واحتج بما يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعد العصر، فدل على أنه لا يحرم، وكأنه يحمل فعله على بيان الجواز. وسيأتي ما فيه في الباب الذي بعده. وروى عن ابن عمر تحريم الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وإباحتها بعد العصر حتى تصفر، وبه قال ابن حزم واحتج بحديث على أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة، ورواه أبو داود بإسناد صحيح قوي، والمشهور إطلاق الكراهة في الجميع فقيل: هي كراهة تحريم وقيل كراهة تنزيه، والله أعلم. قوله: "رواه عمر الخ" يريد أن أحاديث هؤلاء الأربعة وهي التي تقدم إيرادها في البابين السابقين لبس فيها تعرض للاستواء، لكن لمن قال به أن يقول: إنه زيادة من حافظ ثقة فيجب قبولها. قوله: "حدثنا حماد" هو ابن زيد. قوله: "أصلي" زاد الإسماعيلي في أوله من وجهين عن حماد بن زيد " كان لا يصلي من أول النهار حتى تزول الشمس ويقول أصلي الخ". قوله: "أن لا تحروا" أصله تتحروا أي تقصدوا، وزاد عبد الرزاق في آخر هذا الحديث عن ابن جريج عن نافع " فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال: إنه يطلع قرن الشيطان مع طلوع الشمس" . "تنبيه": قال بعض العلماء: المراد بحصر الكراهة في الأوقات الخمسة إنما هو بالنسبة إلى الأوقات الأصلية وإلا فقد ذكروا أنه يكره التنفل وقت إقامة الصلاة، ووقت صعود الإمام لخطبة الجمعة، وفي حالة الصلاة المكتوبة جماعة لمن لم يصلها.وعند المالكية كراهة التنفل بعد الجمعة حتى ينصرف الناس، وعند الحنفية كراهة التنفل قبل صلاة المغرب، وسيأتي ثبوت الأمر به في هذا الجامع الصحيح.
(2/63)

33 - باب مَا يُصَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ الْفَوَائِتِ وَنَحْوِهَا
وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ"
(2/63)

590- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ قَالَتْ وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ وَمَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ عَنْ الصَّلاَةِ وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلاَتِهِ قَاعِدًا تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا وَلاَ يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ"
[الحديث 590 – أطرافه في : 1631,593,592,591]
591- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَتْ عَائِشَةُ "ابْنَ أُخْتِي مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ"
592- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلاَ عَلاَنِيَةً رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ"
593- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ رَأَيْتُ الأَسْوَدَ وَمَسْرُوقًا شَهِدَا عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ"
قوله: "باب ما يصلي بعد العصر من الفوائت ونحوها" قال الزين بن المنير: ظاهر الترجمة إخراج النافلة المحضة التي لا سبب لها. وقال أيضا: إن السر في قوله: "ونحوها " ليدخل فيه رواتب النوافل وغيرها. قوله: "وقال كريب" يعني مولى ابن عباس "عن أم سلمة الخ" وهو طرف من حديث أورده المؤلف مطولا في " باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده " قبيل كتاب الجنائز وقال في آخره: "أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان" . قوله في حديث عائشة "والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله" وقولها في الرواية الأخرى: "ما ترك السجدتين بعد العصر عندي قط" وفي الرواية الأخرى "لم يكن يدعهما سرا ولا علانية" وفي الرواية الأخيرة "ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين" تمسك بهذه الروايات من أجاز التنفل بعد العصر مطلقا ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس، وقد تقدم نقل المذاهب في ذلك، وأجاب عنه من أطلق الكراهة بأن فعله هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة، وأما مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فهو من خصائصه، والدليل عليه رواية ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أنه صلى الله عليه وسلم: "كان يصلي بعد العصر وينهي عنها، ويواصل وينهي عن الوصال " رواه أبو داود، ورواية أبي سلمة عن عائشة في نحو هذه القصة وفي آخره: "وكان إذا صلى صلاة أثبتها " رواه مسلم، قال البيهقي: الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء، وأما ما روى عن ذكوان عن أم سلمة في هذه القصة أنها قالت: "فقلت يا رسول الله أنقضيهما إذا فاتتا؟ فقال لا". فهي
(2/64)

رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة صلى الله عليه وسلم. قلت: أخرجها الطحاوي واحتج بها على أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم وفيه ما فيه. "فائدة": روى الترمذي من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "إنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعد " قال الترمذي حديث حسن.
قلت: وهو من رواية جرير عن عطاء، وقد سمع منه بعد اختلاطه، وإن صح فهو شاهد لحديث أم سلمة، لكن ظاهر قوله: "ثم لم يعد " معارض لحديث عائشة المذكور في هذا الباب، فيحمل النفي على علم الراوي فإنه لم يطلع على ذلك، والمثبت مقدم على النافي.
وكذا ما رواه النسائي من طريق أبي سلمة عن أم سلمة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة " الحديث.
وفي رواية له عنها " لم أره يصليهما قبل ولا بعد " فيجمع بين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليهما إلا في بيته، فلذلك لم يره ابن عباس ولا أم سلمة، ويشير إلى ذلك قول عائشة في رواية الأولى " وكان لا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته". قوله: "أنه سمع عائشة قالت: والذي ذهب به" في رواية البيهقي من طريق إسحاق بن الحسن، والإسماعيلي من طريق أبي زرعة كلاهما عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه أنه دخل عليها فسألها عن ركعتين بعد العصر فقالت: "والذي ذهب بنفسه " تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاد فيه أيضا: "فقال لها أيمن: إن عمر كان ينهي عنهما ويضرب عليهما " فقالت: "صدقت، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما " فذكره.
والخبر بذلك عن عمر أيضا ثابت في رواية كريب عن أم سلمة التي ذكرناها في " باب إذا كلم وهو يصلي ففي أول الخبر عن كريب أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر أرسلوه إلى عائشة فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر وقل لها إنا أخبرنا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنهما.
وقال ابن عباس: وقد كنت أضرب الناس مع عمر عليهما، الحديث.
"تنبيه" روى عبد الرزاق من حديث زيد بن خالد سبب ضرب عمر الناس على ذلك فقال عن زيد ابن خالد: إن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه، فذكر الحديث وفيه: "فقال عمر: يا زيد لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما " فلعل عمر كان يرى أن النهي عن الصلاة بعد العصر إنما هو خشية إيقاع الصلاة عند غروب الشمس، وهذا يوافق قول ابن عمر الماضي وما نقلناه عن ابن المنذر وغيره، وقد روى يحيى بن بكير عن الليث عن أبي الأسود عن عروة عن تميم الداري نحو رواية زيد بن خالد وجواب عمر له وفيه: "ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيها " وهذا أيضا يدل لما قلناه. والله أعلم. وله: "ما خفف عنهم" في رواية المستملي: "ما يخفف عنهم " وسيأتي الكلام على ذلك في أعلام النبوة إن شاء الله تعالى. قوله: "هشام" هو ابن عروة. قوله: "ابن أختي" بالنصب على النداء وحرف النداء محذوف وأثبته الإسماعيلي في روايته. قوله: "عبد الواحد" هو ابن زياد، والشيباني هو أبو إسحاق، وأبو إسحاق المذكور في الإسناد الذي بعده هو السبيعي. قوله: "يدعهما" زاد النسائي: "في بيتي". "فائدة" فهمت عائشة رضي الله عنها من مواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس مختص بمن قصد الصلاة عن غروب الشمس لا إطلاقه، فلهذا قالت
(2/65)

ما تقدم نقله عنها، وكانت تتنفل بعد العصر. وقد أخرجه المصنف في الحج من طريق عبد العزيز بن رفيع قال: رأيت ابن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيها إلا صلاهما. وكأن ابن الزبير فهم من ذلك ما فهمته خالته عائشة. والله أعلم. وقد روى النسائي أن معاوية سأل ابن الزبير عن ذلك فرد الحديث إلى أم سلمة، فذكرت أم سلمة قصة الركعتين حيث شغل عنهما فرجع الأمر إلى ما تقدم.
"تنبيه" قول عائشة " ما تركهما حتى لقي الله عز وجل " وقولها " لم يكن يدعهما " وقولها " ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين " مرادها من الوقت الذي شغل عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، ولم ترد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت الصلوات مثلا إلى آخر عمره، بل في حديث أم سلمة ما يدل على أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي ذكرت أنه قضاهما فيه.
(2/66)

34 - باب التَّبْكِيرِ بِالصَّلاَةِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ
594- حدثنا معاذ بن فضالة قال حدثنا هشام عن يحي – هو ابن أبي كثير – عن أبي قلابة أن أبا المليح حدثه قال " كنا مع بريدة في يوم ذي غيم فقال : بكروا بالصلاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من ترك صلاة العصر حبط عمله "
قوله: "باب التبكير بالصلاة في يوم غيم" أورد فيه حديث بريدة الذي تقدم في أوقات العصر في " باب من ترك العصر " قال الإسماعيلي: جعل البخاري الترجمة لقول بريدة لا للحديث، وكان حق هذه الترجمة أن يورد فيها الحديث المطابق لها، ثم أورده من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بلفظ: "بكروا بالصلاة في يوم الغيم، فإن من ترك صلاة العصر حبط عمله" . قلت: من عادة البخاري أن يترجم ببعض ما تشتمل عليه ألفاظ الحديث ولو لم يوردها بل ولو لم يكن على شرطه، فلا إيراد عليه. وروينا في سنن سعيد بن منصور عن عبد العزيز بن رفيع قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عجلوا صلاة العصر في قوم الغيم " إسناده قوي مع إرساله، وقد تقدم الكلام على المتن في " باب من ترك العصر". "فائدة": المراد بالتبكير المبادرة إلى الصلاة في أول الوقت، وأصل التبكير فعل الشيء بكرة والبكرة أول النهار، ثم استعمل في فعل الشيء في أول وقته. وقيل المراد تعجيل العصر وجمعها مع الظهر، وروى ذلك عن عمر قال: "إذا كان يوم غيم فأخروا الظهر وعجلوا العصر".
(2/66)

35 - باب الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ
595- حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنْ الصَّلاَةِ قَالَ بِلاَلٌ أَنَا أُوقِظُكُمْ فَاضْطَجَعُوا وَأَسْنَدَ بِلاَلٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ يَا بِلاَلُ أَيْنَ مَا قُلْتَ قَالَ مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ يَا بِلاَلُ قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلاَةِ فَتَوَضَّأَ فَلَمَّا
(2/66)

36 - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ
596- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ"
[الحديث596- أطرافه في : 4112,945,641,598]
قوله: "باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت" قال الزين بن المنير: إنما قال البخاري " بعد ذهاب الوقت " ولم يقل مثلا لمن صلى صلاة فائتة للإشعار بأن إيقاعها كان قرب خروج وقتها لا كالفوائت التي جهل يومها أو شهرها. قوله: "هشام" هو ابن أبي عبد الله الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن. قوله: "إن عمر بن الخطاب" قد اتفق الرواة على أن هذا الحديث من رواية جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حجاج بن نصير فإنه رواه عن علي بن المبارك عن يجيى بن أبي كثير فقال فيه: "عن جابر عن عمر " فجعله من مسند عمر، تفرد بذلك حجاج وهو ضعيف. قوله: "يوم الخندق" سيأتي شرح أمره في كتاب المغازي. قوله: "بعدما غربت الشمس"
(2/68)

في رواية شيبان عن يحيى عند المصنف " وذلك بعدما أفطر الصائم " والمعنى واحد. قوله: "يسب كفار قريش" لأنهم كانوا السبب في تأخيرهم الصلاة عن وقتها، إما المختار كما وقع لعمر، وإما مطلقا كما وقع لغيره. قوله: "ما كدت" قال اليعمري: لفظه: "كاد " من أفعال المقاربة، فإذا قلت كاد زيد يقوم فهم منها أنه قارب القيام ولم يقم، قال: والراجح فيها أن لا تقرن بأن، بخلاف عسى فإن الراجح فيها أن تقرن. قال: وقد وقع في مسلم في هذا الحديث: "حتى كادت الشمس أن تغرب". قلت: وفي البخاري في " باب غزوة الخندق " أيضا وهو من تصرف الرواة، وهل تسوغ الرواية بالمعنى في مثل هذا أو لا؟ الظاهر الجواز، لأن المقصود الإخبار عن صلاته العصر كيف وقعت، لا الإخبار عن عمر هل تكلم بالراجحة أو المرجوحة. قال: وإذا تقرر أن معنى " كاد " المقاربة فقول عمر " ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب " معناه أنه صلى العصر قرب غروب الشمس، لأن نفي الصلاة يقتضي إثباتها، وإثبات الغروب يقتضي نفيه، فتحصل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة ولم يثبت الغروب ا هـ.وقال الكرماني: لا يلزم من هذا السياق وقوع الصلاة في وقت العصر، بل يلزم منه أن لا تقع الصلاة لأنه يقتضي أن كيدودته كانت كيدودتها، قال: وحاصله عرفا ما صليت حتى غربت الشمس ا هـ.
ولا يخفى ما بين التقريرين من الفرق، وما ادعاه من العرف ممنوع وكذا العندية، للفرق الذي أوضحه اليعمري من الإثبات والنفي لأن كاد إذا أثبتت نفت وإذا نفت أثبتت كما قال فيها المعري ملغزا:
إذا نفيت والله أعلم أثبتت ... وإن أثبتت قامت مقام جحود
هذا إلى ما في تعبيره بلفظ كيدودة من الثقل والله الهادي إلى الصواب. فإن قيل: الظاهر أن عمر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فكيف اختص بأن أدرك صلاة العصر قبل غروب الشمس بخلاف بقية الصحابة، والنبي صلى الله عليه وسلم معهم؟ فالجواب أنه يحتمل أن يكون الشغل وقع بالمشركين إلى قرب غروب الشمس، وكان عمر حينئذ متوضئا فبادر فأوقع الصلاة، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه بذلك في الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها قد شرع يتهيأ للصلاة، ولهذا قام عند الإخبار هو وأصحابه إلى الوضوء. وقد اختلف في سبب تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ذلك اليوم، فقيل كان ذلك نسيانا، واستبعد أن يقع ذلك من الجميع. ويمكن أن يستدل له بما رواه أحمد من حديث أبي جمعة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب يوم الأحزاب، فلما سلم قال: هل علم رجل منكم أني صليت العصر؟ قالوا: لا يا رسول الله، فصلى العصر ثم صلى المغرب " ا هـ. وفي صحة هذا الحديث نظر، لأنه مخالف لما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر " والله ما صليتها " ويمكن الجمع بينهما بتكلف. وقيل كان عمدا لكونهم شغلوه فلم يمكنوه من ذلك، وهو أقرب، لا سيما وقد وقع عند أحمد والنسائي من حديث أبي سعيد أن ذلك كان قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف "فرجالا أو ركبانا" وقد اختلف في هذا الحكم هل نسخ أم لا كما سيأتي في كتاب صلاة الخوف إن شاء الله تعالى. قوله: "بطحان" بضم أوله وسكون ثانيه: واد بالمدينة، وقيل هو بفتح أوله وكسر ثانيه حكاه أبو عبيد البكري. قوله: "فصلى العصر" وقع في الموطأ من طريق أخرى أن الذي فاتهم الظهر والعصر، وفي حديث أبي سعيد الذي أشرنا إليه الظهر والعصر والمغرب، وأنهم صلوا بعد هوى من الليل وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي والنسائي: "أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله " وفي قوله: "أربع " تجوز لأن العشاء لم تكن فاتت. قال اليعمري: من الناس من رجح ما في الصحيحين، وصرح بذلك ابن العربي فقال:
(2/69)

إن الصحيح أن الصلاة التي شغل عنها واحدة وهي العصر. قلت: ويؤيده حديث علي في مسلم: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر " قال: ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أياما فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام، قال: وهذا أولى. قلت: ويقربه أن روايتي أبي سعيد وابن مسعود ليس فيهما تعرض لقصة عمر، بل فيهما أن قضاءه للصلاة وقع بعد خروج وقت المغرب. وأما رواية حديث الباب ففيها أن ذلك كان عقب غروب الشمس. قال الكرماني: فإن قلت كيف دل الحديث على الجماعة؟ قلت: إما أنه يحتمل أن في السياق اختصارا، وإما من إجراء الراوي الفائتة التي هي العصر والحاضرة التي هي المغرب مجرى واحدا. ولا شك أن المغرب كانت بالجماعة لما هو معلوم من عادته اهـ. وبالاحتمال الأول جزم ابن المنير زين الدين فقال: فإن قيل ليس فيه تصريح بأنه صلى في جماعة، أجيب بأن مقصود الترجمة مستفاد من قوله: "فقام وقمنا وتوضأ وتوضأنا". قلت: الاحتمال الأول هو الواقع في نفس الأمر، فقد وقع في رواية الإسماعيلي ما يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن هشام بلفظ: "فصلى بنا العصر"، وفي الحديث من الفوائد ترتيب الفوائت، والأكثر على وجوبه مع الذكر لا مع النسيان. وقال الشافعي: لا يجب الترتيب فيها، واختلفوا فيما تذكر فائتة في وقت حاضرة ضيق هل يبدأ بالفائتة - وإن خرج وقت الحاضرة - أو يبدأ بالحاضرة، أو يتخير؟ فقال بالأول مالك. وقال بالثاني الشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أصحاب الحديث. وقال بالثالث أشهب. وقال عياض: محل الخلاف إذا لم تكثر الصلوات الفوائت، فأما إذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة، واختلفوا في حد القليل، فقيل: صلاة يوم، وقيل أربع صلوات. وفيه جواز اليمين من غير استحلاف إذا اقتضت مصلحة من زيادة طمأنينة أو نفي توهم. وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من مكارم الأخلاق وحسن التأني مع أصحابه وتألفهم وما ينبغي الاقتداء به في ذلك، وفيه استحباب قضاء الفوائت في الجماعة وبه قال أكثر أهل العلم إلا الليث مع أنه أجاز صلاة الجمعة جماعة إذا فاتت والإقامة للصلاة الفائتة، واستدل به على عدم مشروعية الأذان للفائتة، وأجاب من اعتبره بأن المغرب كانت حاضرة ولم يذكر الراوي الأذان لها، وقد عرف من عادته صلى الله عليه وسلم الأذان للحاضرة، فدل على أن الراوي ترك ذكر ذلك لا أنه لم يقع في نفس الأمر، وتعقب باحتمال أن تكون المغرب لم يتهيأ إيقاعها إلا بعد خروج وقتها على رأي من يذهب إلى القول بتضييقه. وعكس ذلك بعضهم فاستدل بالحديث على أن وقت المغرب متسع، لأنه قدم العصر عليها فلو كان ضيقا لبدأ بالمغرب ولا سيما على قول الشافعي في قوله بتقدم الحاضرة وهو الذي قال بأن وقت المغرب ضيق فيحتاج إلى الجواب عن هذا الحديث، وهذا في حديث جابر، وأما حديث أبي سعيد فلا يتأتى فيه هذا لما تقدم أن فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد مضي هوى من الليل.
(2/70)

باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا بلك الصلاة
...
3 - باب مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَ وَلاَ يُعِيدُ إِلاَّ تِلْكَ الصَّلاَةَ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ مَنْ تَرَكَ صَلاَةً وَاحِدَةً عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يُعِدْ إِلاَّ تِلْكَ الصَّلاَةَ الْوَاحِدَةَ
597- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} قَالَ مُوسَى قَالَ هَمَّامٌ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} وَقَالَ حَبَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ
(2/70)

قوله: "باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر، ولا يعيد إلا تلك الصلاة" قال علي بن المنير: صرح البخاري بإثبات هذا الحكم مع كونه مما اختلف فيه لقوة دليله، ولكونه على وفق القياس، إذ الواجب خمس صلوات لا أكثر فمن قضى الفائتة كمل العدد المأمور به، ولكونه على مقتضى ظاهر الخطاب لقول الشارع " فليصلها " ولم يذكر زيادة. وقال أيضا: "لا كفارة لها إلا ذلك " فاستفيد من هذا الحصر أن لا يجب غير إعادتها. وذهب مالك إلى أن من ذكر بعد أن صلى صلاة أنه لم يصل التي قبلها فإنه يصلي التي ذكر ثم يصلي التي كان صلاها مراعاة للترتيب. انتهى. ويحتمل أن يكون البخاري أشار بقوله: "ولا يعيد إلا تلك الصلاة " إلى تضعيف ما وقع في بعض طرق حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن الصلاة حيث قال: "فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها " فإن بعضهم زعم أن ظاهره إعادة المقضية مرتين عند ذكرها وعند حضور مثلها من الوقت الآتي، ولكن اللفظ المذكور ليس نصا في ذلك لأنه يحتمل أن يريد بقوله: "فليصلها " عند وقتها أي الصلاة التي تحضر لا أنه يريد أن يعيد التي صلاها بعد خروج وقتها، لكن في رواية أبي داود من حديث عمران بن حصين في هذه القصة " من أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا فليقض معها مثلها " قال الخطابي: لا أعلم أحدا قال بظاهره وجوبا. قال: ويشبه أن يكون الأمر فيه للاستحباب ليحوز فضيلة الوقت في القضاء. انتهى. ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضا، بل غدوا الحديث غلطا من راويه. وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري. ويؤيد ذلك ما رواه النسائي من حديث عمران بن حصين أيضا: "أنهم قالوا: يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا ينهاكم الله عن الربا ويأخذه منكم" . قوله: "وقال إبراهيم" أي النخعي: وأثره هذا موصول عند الثوري في جامعه عن منصور وغيره عنه. قوله: "عن همام" هو ابن يحيى، والإسناد كله بصريون. قوله: "من نسي صلاة فليصل" كذا وقع في جميع الروايات يحذف المفعول، ورواه مسلم عن هداب بن خالد عن همام بلفظ: "فليصلها " وهو أبين للمراد. وزاد مسلم أيضا من رواية سعيد عن قتادة " أو نام عنها " وله من رواية المثنى بن سعيد الضبعي عن قتادة نحوه وسيأتي لفظه، وقد تمسك بدليل الخطاب منه القائل إن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي وقال من قال يقضي العامد بأن ذلك مستفاد من مفهوم الخطاب، فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا وجب القضاء على الناسي - مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه - فالعامد أولى. وادعى بعضهم أن وجوب القضاء على العامد يؤخذ من قوله: "نسي " لأن النسيان يطلق على الترك سواء كان عن ذهول أم لا، ومنه قوله تعالى: {نسوا الله فأنساهم أنفسهم - نسوا الله فنسيهم} . قال: ويقوي ذلك قوله: "لا كفارة لها " والنائم والناسي لا إثم عليه. قال: وهو بحث ضعيف، لأن الخبر بذكر النائم ثابت وقد قال فيه: "لا كفارة لها " والكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد، والقائل بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالا من الناسي، بل يقول إنه لو شرع له القضاء لكان هو والناسي سواء، والناسي غير مأثوم بخلاف العامد فالعامد أسوأ حالا من الناسي فكيف يستويان؟ ويمكن أن يقال إن إثم العامد بإخراجه الصلاة عن وقتها باق عليه ولو قضاها، بخلاف الناسي فإنه لا إثم عليه مطلقا، ووجوب القضاء على العامد بالخطاب الأول لأنه قد خوطب بالصلاة وترتبت في ذمته فصارت دينا عليه، والدين لا يسقط إلا بأدائه فيأثم بإخراجه لها عن الوقت المحدود لها ويسقط عنه الطلب بأدائها، فمن أفطر في رمضان عامدا فإنه يجب عليه أن يقضيه مع
(2/71)

بقاء إثم الإفطار عليه، والله أعلم. قوله: "قال موسى" أي دون أبي نعيم "قال همام سمعته" يعني قتادة "يقول بعد" أي في وقت آخر "للذكرى" يعني أن همام سمعه من قتادة مرة بلفظ "للذكرى" بلامين وفتح الراء بعدها ألف مقصورة - ووقع عند مسلم من طريق يونس أن الزهري كان يقرأها كذلك - ومرة كان يقولها قتادة بلفظ: "لذكرى " بلام واحدة وكسر الراء وهي القراءة المشهورة. وقد اختلف في ذكر الآية هل هي من كلام قتادة أو هي من قول النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية مسلم عن هداب قال قتادة {وأقم الصلاة لذكري} وفي روايته من طريق المثنى عن قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول: {أقم الصلاة لذكري} وهذا ظاهر أن الجميع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا، لأن المخاطب بالآية المذكورة موسى عليه الصلاة والسلام، وهو الصحيح في الأصول ما لم يرد ناسخ، واختلف في المراد بقوله: {لذكري} فقيل المعنى لتذكرني فيها. وقيل لأذكرك بالمدح، وقيل إذا ذكرتها، أي لتذكيري لك إياها، وهذا يعضد قراءة من قرأ: {للذكرى} . وقال النخعي. اللام للظرف، أي إذا ذكرتني أي إذا ذكرت أمري بعد ما نسيت، وقيل لا تذكر فيها غيري، وقيل شكرا لذكري، وقيل المراد بقوله ذكري ذكر أمري، وقيل المعنى إذا ذكرت الصلاة فقد ذكرتني فإن الصلاة عبادة لله فمتى ذكرها ذكر المعبود فكأنه أراد لذكر الصلاة. وقال التوربشتي: الأولى أن يقصد إلى وجه يوافق الآية والحديث، وكأن المعنى أقم الصلاة لذكرها، لأنه إذا ذكرها ذكر الله تعالى، أو يقصد مضاف أي لذكر صلاتي أو ذكر الضمير فيه موضع الصلاة لشرفها. قوله: "وقال حبان" هو بفتح أوله والموحدة وهو ابن هلال، وأراد بهذا التعليق بيان سماع قتادة له من أنس لتصريحه فيها بالتحديث، وقد وصله أبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء عن حبان بن هلال وفيه أن هماما سمعه من قتادة مرتين كما في رواية موسى.
(2/72)

باب قضاء الصلوات الأولى فالأولى
...
38 - باب قَضَاءِ الصَّلاَةِ الأُولَى فَالأُولَى
598- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ "جَعَلَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَسُبُّ كُفَّارَهُمْ وَقَالَ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتْ قَالَ فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ فَصَلَّى بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ"
قوله: "باب قضاء الصلاة" وللكشميهني الصلوات "الأولى فالأولى" وهذه الترجمة عبر عنها بعضهم بقوله: "باب ترتيب الفوائت " وقد تقدم نقل الخلاف في حكم هذه المسألة. يحيى المذكور فيه هو القطان، وبقية الإسناد تقدم قبل. وأورد المتن هنا مختصرا، ولا ينهض الاستدلال به لمن يقول بوجوب ترتيب الفوائت إلا إذا قلنا إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة للوجوب، اللهم إلا أن يستدل له بعموم قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي " فيقوى، وقد اعتبر ذلك الشافعية في أشياء غير هذه.
(2/72)

39 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
599- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْمِنْهَالِ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى
(2/72)

40 - باب السَّمَرِ فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
600- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ انْتَظَرْنَا الْحَسَنَ وَرَاثَ عَلَيْنَا حَتَّى قَرُبْنَا مِنْ وَقْتِ قِيَامِهِ فَجَاءَ فَقَالَ دَعَانَا جِيرَانُنَا هَؤُلاَءِ ثُمَّ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ انْتَظَرْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ فَجَاءَ فَصَلَّى لَنَا ثُمَّ خَطَبَنَا فَقَالَ أَلاَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمْ الصَّلاَةَ قَالَ الْحَسَنُ وَإِنَّ الْقَوْمَ لاَ يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا انْتَظَرُوا الْخَيْرَ قَالَ قُرَّةُ هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
601- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبُو بَكْر
(2/73)

ابْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةٍ لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَإِنَّمَا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ
قوله: "باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء" قال علي بن المنير: الفقه يدخل في عموم الخير، لكنه خصه بالذكر تنويها بذكره وتنبيها على قدره، وقد روى الترمذي من حديث عمر محسنا " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمر هو وأبو بكر في الأمر من أمور المسلمين وأنا معهما" قوله: "حدثنا عبد الله بن صباح" هو العطار وهو بصري وكذا بقية رجال هذا الإسناد. قوله: "انتظرنا الحسن" أي ابن أبي الحسن البصري. قوله: "وراث علينا" الواو للحال وراث بمثلثة غير مهموز أي أبطأ. قوله: "من وقت قيامه" أي الذي جرت عادته بالقعود معهم فيه كل ليلة في المسجد لأخذ العلم عنه. قوله: "دعانا جيراننا" بكسر الجيم، كأن الحسن أورد هذا مورد الاعتذار عن تخلفه عن القعود على عادته. قوله: "ثم قال" أي الحسن "قال أنس نظرنا" وفي رواية الكشميهني: "انتظرنا " وهما بمعنى. قوله: "حتى كان شطر الليل" برفع شطر، وكان تامة، و قوله: "يبلغه" أي يقرب منه. قوله: "ثم خطبنا" هو موضع الترجمة لما قررناه من أن المراد بقوله: "بعدها " أي بعد صلاتها. وأورد الحسن ذلك لأصحابه مؤنسا لهم ومعرفا أنهم وإن كان فاتهم الأجر على ما يتعلمونه منه في تلك الليلة على ظنهم فلم يفتهم الأجر مطلقا لأن منتظر الخير في خير فيحصل له الأجر بذلك، والمراد أنه يحصل لهم الخير في الجملة لا من جميع الجهات، وبهذا يجاب عمن استشكل قوله: "أنهم في صلاة " مع أنهم جائز لهم الأكل والحديث وغير ذلك. واستدل الحسن على ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه آنس أصحابه بمثل ذلك، ولهذا قال الحسن بعد: وأن القوم لا يزالون بخير ما انتظروا الخير. قوله: "قال قرة: هو من حديث أنس" يعني الكلام الأخير، وهذا هو الذي يظهر لي، لأن الكلام الأول ظاهر في كونه عن النبي صلى الله عليه وسلم والأخير هو الذي لم يصرح الحسن برفعه ولا بوصله فأراد قرة الذي اطلع على كونه في نفس الأمر موصولا مرفوعا أن يعلم من رواه عنه بذلك. "تنبيه": أخرج مسلم وابن خزيمة في صحيحيهما عن عبد الله بن الصباح شيخ البخاري بإسناده هذا حديثا خالفا البخاري فيه في بعض الإسناد والمتن فقالا " عن أبي علي الحنفي عن قرة بن خالد عن قتادة عن أنس قال: نظرنا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة حتى كان قريبا من نصف الليل، قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى. قال: فكأنما أنظر إذا وبيص خاتمه حلقة فضة". انتهى. وأخرجه الإسماعيلي في مستخرجه عن عمر بن سهل عن عبد الله بن الصباح كذلك من رواية قرة عن قتادة، ولم يصب في ذلك فإن الذي يظهر لي أنه حديث آخر كان عند أبي علي الحنفي عن قرة أيضا وسمعه منه عبد الله بن الصباح كما سمع منه الحديث الآخر عن قرة عن الحسن، ويدل على ذلك أن في كل من الحديثين ما ليس في الآخر، وقد أورد أبو نعيم في مستخرجه الحديثين من الطريقين:
(2/74)

فأورد حديث قرة عن قتادة من طرق منها عن يزيد بن عمر(1) صلى الله عليه وسلم عن أبي علي الحنفي، وحديث قرة عن الحسن من رواية حجاج بن نصير عن قرة، وهو في التحقيق حديث واحد عن أنس اشترك الحسن وقتادة في سماعه منه فاقتصر الحسن على موضع حاجته منه فلم يذكر قصة الخاتم وزاد مع ذلك على قتادة ما لم يذكره، والله أعلم. قوله: "وأبو بكر بن أبي حثمة" نسبة إلى جده، وهو أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وقد تقدم كذلك في " باب السمر بالعلم " من كتاب العلم، وتقدم الكلام على حديث ابن عمر هناك. قوله: "فوهل الناس" أي غلطوا أو توهموا أو فزعوا أو نسوا، والأول أقرب هنا، وقيل وهل بالفتح بمعنى وهم بالكسر ووهل بالكسر مثله، وقيل بالفتح غلط، وبالكسر فزع. قوله: "في مقالة" وفي رواية المستملي والكشميهني من مقالة. قوله: "إلى ما يتحدثون في هذه" وفي رواية الكشميهني: "من هذه". قوله: "عن مائة سنة" لأن بعضهم كان يقول إن الساعة تقوم عند تقضي مائة سنة كما روى ذلك الطبراني وغيره من حديث أبي مسعود البدري، ورد ذلك عليه علي بن أبي طالب، وقد بين ابن عمر في هذا الحديث مراد النبي صلى الله عليه وسلم وأن مراده أن عند انقضاء مائة سنة من مقالته تلك ينخزم ذلك القرن فلا يبقى أحد ممن كان موجودا حال تلك المقالة، وكذلك وقع بالاستقراء فكان آخر من ضبط أمره ممن كان موجودا حينئذ أبو الطفيل عامر بن واثلة، وقد أجمع أهل الحديث على أنه كان آخر الصحابة موتا، وغاية ما قيل فيه إنه بقي إلى سنة عشر ومائة وهي رأس مائة سنة من مقالة النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. قال النووي وغيره: احتج البخاري ومن قال بقوله بهذا الحديث على موت الخضر، والجمهور على خلافه، وأجابوا عنه بأن الخضر كان حينئذ من ساكني البحر فلم يدخل في الحديث، قالوا: ومعنى الحديث لا يبقى ممن ترونه أو تعرفونه، فهو عام أريد به الخصوص. وقيل احترز بالأرض عن الملائكة. وقالوا: خرج عيسى من ذلك وهو حي لأنه في السماء لا في الأرض، وخرج إبليس لأنه على الماء أو في الهواء، وأبعد من قال: إن اللام في الأرض عهدية والمراد أرض المدينة، والحق أنها للعموم وتتناول جمع بني آدم، وأما من قال: المراد أمة محمد سواء أمة الإجابة وأمة الدعوة، وخرج عيسى والخضر لأنهما ليسا من أمته، فهو قول ضعيف، لأن عيسى يحكم بشريعته فيكون من أمته، والقول في الخضر إن كان حيا كالقول في عيسى (2) والله أعلم.
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض " زيد بن عمر "
(2) الذي عليه أهل التحقيق أن الخضر قد مات قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لأدلة كثيرة معروفة في محلها , ولو كان حيا في حياة النبي عليه الصلاة والسلام لدخل في هذا الحديث وكان ممن أتى عليه الموت قبل رأس المائة كما أشار إليه الشارح هنا . فتنبه والله أعلم.
(2/75)

41 - باب السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالأَهْلِ
602- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ قَالَ فَهُوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي فَلاَ أَدْرِي قَالَ وَامْرَأَتِي وَخَادِمٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ
(2/75)

لَبِثَ حَيْثُ صُلِّيَتْ الْعِشَاءُ ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ وَمَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ أَوْ قَالَتْ ضَيْفِكَ قَالَ أو ما عَشَّيْتِيهِمْ قَالَتْ أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ قَدْ عُرِضُوا فَأَبَوْا قَالَ فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ فَقَالَ يَا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ وَقَالَ كُلُوا لاَ هَنِيئًا فَقَالَ وَاللَّهِ لاَ أَطْعَمُهُ أَبَدًا وَأيْمُ اللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلاَّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا قَالَ يَعْنِي حَتَّى شَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ مَا هَذَا قَالَتْ لاَ وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الْآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاَثِ مَرَّاتٍ فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ يَعْنِي يَمِينَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ فَمَضَى الأَجَلُ فَفَرَّقَنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ أَوْ كَمَا قَالَ
[ الحديث 602- أطرافه في : 6141,6140,3581]
قوله: "باب السمر مع الأهل والضيف" قال علي بن المنير ما محصله: اقتطع البخاري هذا الباب من " باب السمر في الفقه والخير " لانحطاط رتبته عن مسمى الخير، لأن الخير متمحض للطاعة لا يقع على غيرها، وهذا النوع من السمر خارج عن أصل الضيافة والصلة المأمور بهما، فقد يكون مستغنى عنه في حقهما فيلتحق بالسمر الجائز أو المتردد بين الإباحة والندب. ووجه الاستدلال من حديث عبد الرحمن ابن أبي بكر المذكور في الباب اشتغال أبي بكر بعد صلاة العشاء بمجيئه إلى بيته ومراجعته لخبر الأضياف واشتغاله بما دار بينهم، وذلك كله في معنى السمر، لأنه سمر مشتمل على مخاطبة وملاطفة ومعاتبة. انتهى. قوله: "كونوا أناسا" للكشميهني: "كانوا ناسا". قوله: "فهو أنا وأبي" زاد الكشميهني: "وأمي " وللمستملي: "فهو وأنا وأمي". قوله: "ثم لبث حيث صليت العشاء" في رواية الكشميهني: "حتى " بدل حيث. قوله: "ففرقنا" أي جعلنا فرقا، وسنذكر فوائد هذا الحديث وما اشتمل عليه من الأحكام وغيرها في " علامات النبوة " مفصلا إن شاء الله تعالى.
"خاتمة": اشتمل كتاب المواقيت على مائة حديث وسبعة عشر حديثا، المعلق من ذلك ستة وثلاثون حديثا والباقي موصول، الخالص منها ثمانية وأربعون حديثا والمكرر منها فيه وفيما تقدم تسعة وستون حديثا، وافقه مسلم على جميعها سوى ثلاثة عشر حديثا وهي حديث أنس في السجود على الظهائر وقد أخرج معناه، وحديثه " ما أعرف شيئا " وحديثه في المعنى " هذه الصلاة قد ضيعت " وحديث ابن عمر " أبردوا " وكذا حديث أبي سعيد وحديث ابن عمر " إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم " وحديث أبي موسى " مثل المسلمين واليهود " وحديث أنس " كنا نصلي العصر " وقد اتفقا على أصله، وحديث عبد الله بن مغفل " لا يغلبنكم الأعراب " وحديث ابن عباس " لولا أن أشق " وحديث سهل بن سعد " كنت أتسحر " وحديث معاوية في الركعتين بعد العصر، وحديث أبي قتادة في النوم عن الصبح، على أن مسلما أخرج أصل الحديث من وجه آخر لكن بينا في الشرح أنهما حديثان لقصتين، والله أعلم.
وفيه من الآثار الموقوفة ثلاثة آثار والله سبحانه وتعالى أعلم.
(2/76)

كتاب الأذان
مدخل
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
10 - كِتَاب الأَذَانِ
"بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب أبواب الأذان" الأذان لغة الإعلام، قال الله تعالى: {وأذان من الله ورسوله} . واشتقاقه من الأذن بفتحتين وهو الاستماع. وشرعا الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة. قال القرطبي وغيره: الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله، ثم ثنى بالتوحيد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول، ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيدا. ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت، والدعاء إلى الجماعة، وإظهار شعائر الإسلام. والحكمة في اختيار القول له دون الفعل سهولة القول وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان، واختلف أيما أفضل الأذان أو الإمامة؟ ثالثها إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل وإلا فالأذان، وفي كلام الشافعي ما يومئ إليه. واختلف أيضا في الجمع بينهما فقيل يكره، وفي البيهقي من حديث جابر مرفوعا النهي عن ذلك لكن سنده ضعيف، وصح عن عمر " لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت " رواه سعيد بن منصور وغيره. وقيل هو خلاف الأولى، وقيل يستحب وصححه النووي.
(2/77)

1 - باب بَدْءُ الأَذَانِ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُؤًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ وَقَوْلُهُ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [9 الجمعة]
603- حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ "ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ"
[الحديث603- أطرافه 3457,607,606,605]
604- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ فَقَالَ عُمَرُ أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلاَةِ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا بِلاَلُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ"
قوله: "باب بدء الأذان" أي ابتدائه.
وسقط لفظ: "باب " من رواية أبي ذر، وكذلك سقطت البسملة من رواية القابسي وغيره. قوله: "وقول الله عز وجل: {وإذا ناديتم إلى الصلاة} الآية" يشير بذلك إلى أن ابتداء الأذان كان بالمدينة، وقد ذكر بعض أهل التفسير أن اليهود لما سمعوا الأذان قالوا: لقد ابتدعت يا محمد شيئا لم
(2/77)

يكن فيما مضى، فنزلت: {وإذا ناديتم إلى الصلاة} الآية. قوله: "وقوله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} يشير بذلك أيضا إلى الابتداء، لأن ابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة كما سيأتي في بابه. واختلف في السنة التي فرض فيها: فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى، وقيل بل كان في السنة الثانية، وروي عن ابن عباس أن فرض الأذان نزل مع هذه الآية. أخرجه أبو الشيخ. "تنبيه": الفرق بين ما في الآيتين من التعدية بإلى واللام أن صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام، فقصد في الأولى معنى الانتهاء وفي الثانية معنى الاختصاص قاله الكرماني. ويحتمل أن تكون اللام بمعنى إلى أو العكس والله أعلم. وحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن الأذان إنما شرع بعد الهجرة، فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا. وقوله في آخره: "يا بلال قم فناد بالصلاة " كان ذلك قبل رؤيا عبد الله بن زيد، وسياق حديثه يدل على ذلك كما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال حدثني عبد الله بن زيد، فذكر نحو حديث ابن عمر، وفي آخره: "فبينما هم على ذلك أري عبد الله النداء " فذكر الرؤيا وفيها صفة الأذان لكن بغير ترجيع، وفيه تربيع التكبير وإفراد الإقامة وتثنية " قد قامت الصلاة " وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى، فقم مع بلال فألقها عليه فإنه أندى صوتا منك " وفيه مجيء عمر وقوله إنه رأى مثل ذلك، وقد أخرج الترمذي في ترجمة بدء الأذان حديث عبد الله بن زيد مع حديث عبد الله بن عمر، وإنما لم يخرجه البخاري لأنه على غير شرطه، وقد روي عن عبد الله بن زيد من طرق، وحكى ابن خزيمة عن الذهلي أنه ليس في طرقه أصح من هذه الطريق، وشاهده حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلا - ومنهم من وصله عن سعيد - عن عبد الله بن زيد، والمرسل أقوى إسنادا. ووقع في الأوسط للطبراني أن أبا بكر أيضا رأى الأذان، ووقع في الوسيط للغزالي أنه رآه بضعة عشر رجلا، وعبارة الجيلي في شرح التنبيه أربعة عشر رجلا، وأنكره ابن الصلاح ثم النووي، ونقل مغلطاي أن في بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة، ولا يثبت شيء من ذلك إلا لعبد الله بن زيد، وقصة عمر جاءت في بعض طرقه وفي مسند الحارث بن أبي أسامة بسند واه قال: أول من أذن بالصلاة جبريل في سماء الدنيا، فسمعه عمر وبلال، فسبق عمر بلالا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء بلال فقال له: سبقك بها عمر. "فائدتان" الأولى: وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة، منها للطبراني من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه بلالا. وفي إسناده طلحة بن زيد وهو متروك. وللدار قطني في " الأطراف " صلى الله عليه وسلم من حديث أنس أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة، وإسناده ضعيف أيضا. ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا: لما أسري بي أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت، وفيه من لا يعرف. وللبزار وغيره من حديث علي قال: لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها. فذكر الحديث وفيه: إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال: الله أكبر، الله أكبر، وفي آخره: ثم أخذ الملك بيده فأم بأهل السماء. وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا. ويمكن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض"الافراد"
(2/78)

الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة. وأما قول القرطبي: لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه، ففيه نظر لقوله في أوله: لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان، وكذا قول المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللغوي وهو الإعلام ففيه نظر أيضا لتصريحه بكيفيته المشروعة فيه. والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث. وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله بن زيد. انتهى. وقد حاول السهيلي صلى الله عليه وسلم الجمع بينهما فتكلف وتعسف، والأخذ بما صح أولى، فقال بانيا على صحة صلى الله عليه وسلم الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فوق سبع سموات وهو أقوى من الوحي، فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فقال: "إنها لرؤيا حق " وعلم حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض، وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطق على لسانه، والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه صلى الله عليه وسلم التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفحم لشأنه. انتهى ملخصا. والثاني: حسن بديع، ويؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد الله بن زيد حتى أضيف عمر للتقوية التي ذكرها. لكن قد يقال: فلم لا اقتصر على عمر؟ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة، وقد جاء في رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤوله فإن لفظها " سبقك بها بلال " فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين برؤيا عبد الله بن زيد. ومما كثر السؤال عنه هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه؟ وقد وقع عند السهيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى أبي هريرة ا هـ. وليس هو من حديث أبي هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة، وكذا جزم النووي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذي وقواه، ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه: "فأمر بلالا فأذن " فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا وأن معنى قوله: "أذن " أمر بلالا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا، وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به. ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد الله بن الزبير قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم: {وأذن في الناس بالحج} الآية. قال: فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة. "الفائدة الثانية": قال الزين بن المنير: أعرض البخاري عن التصريح بحكم الأذان لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين، فأثبت مشروعيته وسلم من الاعتراض. وقد اختلف في ذلك، ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه، ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه كان ذلك بالواجبات أشبه. انتهى. وسيأتي بقية الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى. قوله: "حدثنا عبد الوارث" هو ابن سعيد، وخالد هو الحذاء كما ثبت في رواية كريمة، والإسناد كله بصريون.
قوله: "ذكروا النار والناقوس
ـــــــ
(1) في الروض الانف 2 : 19
(2) كذا . وفيه سقط , ولعل الصواب " بانيا على صحة ماورد في ذلك .
(2/79)

فذكروا اليهود والنصارى" كذا ساقه عبد الوارث مختصرا، ورواية عبد الوهاب الآتية في الباب الذي بعده أوضح قليلا حيث قال: "لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا " وأوضح من ذلك رواية روح بن عطاء عن خالد عند أبي الشيخ ولفظه: "فقالوا لو اتخذنا ناقوسا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك للنصارى . فقالوا: لو اتخذنا بوقا، فقال: ذاك لليهود . فقالوا: لو رفعنا نارا، فقال: ذاك للمجوس " فعلى هذا ففي رواية عبد الوارث اختصار كأنه كان فيه: ذكروا النار والناقوس والبوق فذكروا اليهود والنصارى والمجوس واللف والنشر فيه معكوس، فالنار للمجوس والناقوس للنصارى والبوق لليهود. وسيأتي في حديث ابن عمر التنصيص على أن البوق لليهود. وقال الكرماني: يحتمل أن تكون النار والبوق جميعا لليهود جمعا بين حديثي أنس وابن عمر. انتهى. ورواية روح تغني عن هذا الاحتمال. قوله: "فأمر بلال" هكذا في معظم الروايات على البناء للمفعول، وقد اختلف أهل الحديث وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع، والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه، لأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم اتباعه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى أن التقرير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف فيقوى جانب الرفع جدا. وقد وقع في رواية روح بن عطاء المذكورة " فأمر بلالا " بالنصب وفاعل أمر هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بين في سياقه. وأصرح من ذلك رواية النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا " قال الحاكم: صرح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة قتيبة. قلت: ولم ينفرد به، فقد أخرجه أبو عوانة من طريق مروان المروزي عن قتيبة ويحيى بن معين كلاهما عن عبد الوهاب، وطريق يحيى عند الدار قطني أيضا، ولم ينفرد به عبد الوهاب. وقد رواه البلاذري من طريق ابن شهاب الحناط عن أبي قلابة: وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في أمر النداء إلى الصلاة ظاهر في أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم لا غيره كما استدل به ابن المنذر وابن حبان، واستدل بورود الأمر به من قال بوجوب الأذان. وتعقب بأن الأمر إذا ورد بصفة الأذان لا بنفسه، وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل مأمورا به، قاله ابن دقيق العيد. وممن قال بوجوبه مطلقا الأوزاعي وداود وابن المنذر وهو ظاهر قول مالك في الموطأ وحكى عن محمد بن الحسن، وقيل واجب في الجمعة فقط وقيل فرض كفاية، والجمهور على أنه من السنن المؤكدة، وقد تقدم ذكر منشأ الخلاف في ذلك، وأخطأ من استدل على عدم وجوبه بالإجماع لما ذكرناه والله أعلم. قوله: "إن ابن عمر كان يقول" في رواية مسلم: "عن عبد الله بن عمر أنه قال". قوله: "حين قدموا المدينة" أي من مكة في الهجرة. قوله: "فيتحينون" بحاء مهملة بعدها مثناة تحتانية ثم نون، أي يقدرون أحيانها ليأتوا إليها، والحين الوقت والزمان. قوله: "ليس ينادى لها" بفتح الدال على البناء للمفعول، قال ابن مالك: فيه جواز استعمال ليس حرفا لا اسم لها ولا خبر، وقد أشار إليه سيبويه. ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن والجملة بعدها خبر. قلت: ورواية مسلم تؤيد ذلك، فإن لفظه: "ليس ينادى بها أحد". قوله: "فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم اتخذوا" لم يقع لي تعين المتكلمين في ذلك، واختصر الجواب في هذه الرواية، ووقع لابن ماجه من وجه آخر عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس لما يجمعهم إلى الصلاة، فذكروا البوق، فكرهه من أجل اليهود. ثم ذكروا الناقوس، فكرهه من أجل النصارى " وقد تقدمت رواية روح بن عطاء نحوه. وفي الباب عن عبد الله بن زيد عند أبي الشيخ وعند أبي عمير بن أنس
(2/80)

عن عمومته عن سعيد بن منصور. قوله: "بل بوقا" أي بل اتخذوا بوقا، ووقع في بعض النسخ " بل قرنا " وهي رواية مسلم والنسائي. والبوق والقرن معروفان، والمراد أنه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته، وهو من شعار اليهود، ويسمى أيضا: "الشبور " بالشين المعجمة المفتوحة والموحدة المضمومة الثقيلة. قوله: "فقال عمر أو لا" الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر كما في نظائره. قال الطيبي: الهمزة إنكار للجملة الأولى، أي المقدرة وتقرير للجملة الثانية. قوله: "رجلا" زاد الكشميهني: "منكم". قوله: "ينادى" قال القرطبي: يحتمل أن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم بادر عمر فقال: أولا تبعثون رجلا ينادي - أي يؤذن - للرؤيا المذكورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قم يا بلال " فعلى هذا فالفاء في سياق حديث ابن عمر هي الفصيحة، والتقدير فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه فصدقه فقال عمر. قلت: وسياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك، فإن فيه أنه لما قص رؤياه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ألقها على بلال فليؤذن بها، قال فسمع عمر الصوت فخرج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لقد رأيت مثل الذي رأى، فدل على أن عمر لم يكن حاضرا لما قص عبد الله بن زيد رؤياه. والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي للصلاة كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه، وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك والله أعلم. وقد أخرج أبو داود بسند صحيح إلى أبي عمير بن أنس عن عمومته من الأنصار. قالوا: "اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقال: انصب راية عند حضور وقت الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا، فلم يعجبه " الحديث. وفيه: "ذكروا القنع - بضم القاف وسكون النون يعني البوق - وذكروا الناقوس، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم فأري الأذان، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكان عمر رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما منعك أن تخبرنا؟ قال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله " ترجم له أبو داود " بدء الأذان " وقال أبو عمر بن عبد البر: روى قصة عبد الله ابن زيد جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة وهي من وجوه حسان وهذا أحسنها. قلت: وهذا لا يخالفه ما تقدم أن عبد الله بن زيد لما قص منامه فسمع عمر الأذان فجاء فقال قد رأيت، لأنه يحمل على أنه لم يخبر بذلك عقب إخبار عبد الله بل متراخيا عنه لقوله: "ما منعك أن تخبرنا " أي عقب إخبار عبد الله فاعتذر بالاستحياء، فدل على أنه لم يخبر بذلك على الفور، وليس في حديث أبي عمير التصريح بأن عمر كان حاضرا عند قص عبد الله رؤياه، بخلاف ما وقع في روايته التي ذكر بها " فسمع عمر الصوت فخرج فقال: "فإنه صريح في أنه لم يكن حاضرا عند قص عبد الله، والله أعلم. قوله: "فناد بالصلاة" في رواية الإسماعيلي: "فأذن بالصلاة " قال عياض: المراد الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع. وأغرب القاضي أبو بكر بن العربي فحمل قوله: "أذن " على الأذان المشروع، وطعن في صحة حديث ابن عمر وقال: عجبا لأبي عيسى كيف صححه. والمعروف أن شرع الأذان إنما كان برؤيا عبد الله بن زيد. انتهى. ولا تدفع الأحاديث الصحيحة بمثل هذا مع إمكان الجمع كما قدمناه، وقد قال ابن مندة في حديث ابن عمر: إنه مجمع على صحته. قوله: "يا بلال قم" قال عياض وغيره: فيه حجة لشرع الأذان قائما. قلت: وكذا احتج ابن خزيمة وابن المنذر، وتعقبه النووي بأن المراد بقوله: "قم " أي اذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس، قال: وليس فيه تعرض للقيام في حال الأذان. انتهى. وما نفاه ليس ببعيد من ظاهر اللفظ، فإن الصيغة محتملة للأمرين، وإن كان ما قاله أرجح. ونقل عياض أن مذهب العلماء كافة أن الأذان قاعدا لا يجوز، إلا أبا ثور ووافقه أبو الفرج المالكي.

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:18 AM
وتعقب بأن الخلاف معروف عند الشافعية، وبأن المشهور عند الحنفية كلهم أن القيام سنة، وأنه لو أذن قاعدا صح، والصواب ما قال ابن المنذر أنهم اتفقوا على أن القيام من السنة. "فائدة": كان اللفظ الذي ينادي به بلال للصلاة قوله: "الصلاة جامعة " أخرجه ابن سعد في الطبقات من مراسيل سعيد بن المسيب. وظن بعضهم أن بلالا حينئذ إنما أمر بالأذان المعهود فذكر مناسبة اختصاص بلال بذاك دون غيره لكونه كان لما عذب ليرجع عن الإسلام فيقول: أحد أحد، فجوزي بولاية الأذان المشتملة على التوحيد في ابتدائه وانتهائه، وهي مناسبة حسنة في اختصاص بلال بالأذان، إلا أن هذا الموضع ليس هو محلها. وفي حديث ابن عمر دليل على مشروعية طلب الأحكام من المعاني المستنبطة دون الاقتصار على الظواهر. قاله ابن العربي، وعلى مراعاة المصالح والعمل بها، وذلك أنه لما شق عليهم التبكير إلى الصلاة فتفوتهم أشغالهم، أو التأخير فيفوتهم وقت الصلاة، نظروا في ذلك. وفيه مشروعية التشاور في الأمور المهمة وأنه لا حرج على أحد من المتشاورين إذا أخبر بما أدى إليه اجتهاده، وفيه منقبة ظاهرة لعمر. وقد استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد لأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي، وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك، أو لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمقتضاها لينظر أيقر على ذلك أم لا، ولا سيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه، وهذا ينبني على القول بجواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأحكام وهو المنصور في الأصول، ويؤيد الأول ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير الليثي أحد كبار التابعين أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "سبقك بذلك الوحي " وهذا أصح مما حكى الداودي عن ابن إسحاق أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام، وأشار السهيلي إلى أن الحكمة في ابتداء شرع الأذان على لسان غير النبي صلى الله عليه وسلم التنويه بعلو قدره على لسان غيره ليكون أفخم لشأنه، والله أعلم.
(2/82)

3 - باب الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إِلاَّ قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ
607- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أُمِرَ
(2/83)

بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ قَالَ إِسْمَاعِيلُ فَذَكَرْتُ لِأَيُّوبَ فَقَالَ إِلاَّ الإِقَامَةَ قوله: "باب الإقامة واحدة" قال الزين بن المنير: خالف البخاري لفظ الحديث في الترجمة فعدل عنه إلى قوله: "واحدة " لأن لفظ الوتر غير منحصر في المرة فعدل عن لفظ فيه الاشتراك إلى ما لا اشتراك فيه. قلت: وإنما لم يقل واحدة واحدة مراعاة للفظ الخبر الوارد في ذلك، وهو عند ابن حبان في حديث ابن عمر الذي أشرت إليه في الباب الماضي ولفظه: "الأذان مثنى والإقامة واحدة " وروى الدار قطني وحسنه في حديث لأبي محذورة " وأمره أن يقيم واحدة واحدة". قوله: "إلا قوله قد قامت الصلاة" هو لفظ معمر عن أيوب كما تقدم، قيل واعترضه الإسماعيلي بأن إيراد حديث سماك بن عطية في هذا الباب أولى من إيراد حديث ابن علية، والجواب أن المصنف قصد رفع توهم من يتوهم أنه موقوف على أيوب لأنه أورده في مقام الاحتجاج به، ولو كان عنده مقطوعا لم يحتج به. قوله: "حدثنا خالد" هو الحذاء كما تقدم، والإسناد كله بصريون. قوله: "قال إسماعيل" هو ابن إبراهيم المذكور في أول الإسناد وهو المعروف بابن علية، وليس هو معلقا. قوله: "فذكرت" كذا للأكثر بحذف المفعول، وللكشميهني والأصيلي: "فذكرته " أي حديث خالد، وهذا الحديث حجة على من زعم أن الإقامة مثنى مثل الأذان. وأجاب بعض الحنفية بدعوى النسخ، وأن إفراد الإقامة كان أولا ثم نسخ بحديث أبي محذورة، يعني الذي رواه أصحاب السنن وفيه تثنية الإقامة، وهو متأخر عن حديث أنس فيكون ناسخا. وعورض بأن في بعض طرق حديث أبي محذورة المحسنة التربيع والترجيع فكان يلزمهم القول به، وقد أنكر أحمد على من ادعى النسخ بحديث أبي محذورة واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع بعد الفتح إلى المدينة وأقر بلالا على إفراد الإقامة وعلمه سعد القرظ فأذن به بعده كما رواه الدار قطني والحاكم. وقال ابن عبد البر: ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن جرير إلى أن ذلك من الاختلاف المباح، فإن ربع التكبير الأول في الأذان، أو ثناه، أو رجع في التشهد أو لم يرجع، أو ثنى الإقامة أو أفردها كلها أو إلا " قد قامت الصلاة " فالجميع جائز. وعن ابن خزيمة إن ربع الأذان ورجع فيه ثنى الإقامة وإلا أفردها، وقيل لم يقل بهذا التفصيل أحد قبله والله أعلم. "فائدة": قيل الحكمة في تثنية الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان لإعلام الغائبين فيكرر ليكون أوصل إليهم، بخلاف الإقامة فإنها للحاضرين، ومن ثم استحب أن يكون الأذان في مكان عال بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة، وأن يكون الأذان مرتلا والإقامة مسرعة، وكرر " قد قامت الصلاة " لأنها المقصودة من الإقامة بالذات. قلت: توجيهه ظاهر، وأما قول الخطابي: لو سوى بينهما لاشتبه الأمر عند ذلك وصار لأن يفوت كثيرا من الناس صلاة الجماعة، ففيه نظر، لأن الأذان يستحب أن يكون على مكان عال لتشترك الأسماع كما تقدم، وقد تقدم الكلام على تثنية التكبير، وتؤخذ حكمة الترجيع مما تقدم، وإنما اختص بالتشهد لأنه أعظم ألفاظ الأذان، والله أعلم.
(2/84)

4 - باب فَضْلِ التَّأْذِينِ
608- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا
(2/84)

ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى
[الحديث 608 – أطرافه في : 3285,1233,1231,1222]
قوله: "باب فضل التأذين" راعى المصنف لفظ: "التأذين " لوروده في حديث الباب. وقال الزين ابن المنير: التأذين يتناول جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة، وحقيقة الأذان تعقل بدون ذلك، كذا قال. والظاهر أن التأذين هنا أطلق بمعنى الأذان لقوله في الحديث: "حتى لا يسمع التأذين " وفي رواية لمسلم: "حتى لا يسمع صوته " فالتقييد بالسماع لا يدل على فعل ولا على هيئة، مع أن ذلك هو الأصل في قوله: "إذا نودي للصلاة" وللنسائي عن قتيبة عن مالك " بالصلاة " وهي رواية لمسلم أيضا، ويمكن حملهما على معنى واحد. قوله: "له ضراط" جملة اسمية وقعت حالا بدون واو لحصول الارتباط بالضمير. وفي رواية الأصيلي: "وله ضراط " وهي للمصنف من وجه آخر في بدء الخلق، قال عياض: يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح، ويحتمل أنها عبارة عن شدة نفاره، ويقويه رواية لمسلم: "له حصاص " بمهملات مضموم الأول فقد فسره الأصمعي وغيره بشدة العدو. قال الطيبي: شبه شغل الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطا تقبيحا له. "تنبيه" الظاهر أن المراد بالشيطان إبليس، وعليه يدل كلام كثير من الشراح كما سيأتي، ويحتمل أن المراد جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن والإنس، لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة. قوله: "حتى لا يسمع التأذين" ظاهره أنه يتعمد إخراج ذلك إما ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن، أو يصنع ذلك استخفافا كما يفعله السفهاء، ويحتمل أن لا يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف يحدث له ذلك الصوت بسببها، ويحتمل أن يتعمد ذلك ليقابل ما يناسب الصلاة من الطهارة بالحدث، واستدل به على استحباب رفع الصوت بالأذان لأن قوله: "حتى لا يسمع " ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفي فيها سماعه للصوت، وقد وقع بيان الغاية في رواية لمسلم من حديث جابر فقال: "حتى يكون مكان الروحاء " وحكى الأعمش عن أبي سفيان راويه عن جابر أن بين المدينة والروحاء ستة وثلاثين ميلا، هذه رواية قتيبة عن جرير عند مسلم، وأخرجه عن إسحاق عن جرير ولم يسق لفظه، ولفظ إسحاق في مسنده " حتى يكون بالروحاء، وهي ثلاثون ميلا من المدينة " فأدرجه في الخبر، والمعتمد رواية قتيبة، وسيأتي حديث أبي سعيد في " فضل رفع الصوت بالأذان " بعده. قوله: "قضي" بضم أوله، والمراد بالقضاء الفراغ أو الانتهاء، ويروى بفتح أوله على حذف الفاعل، والمراد المنادى، واستدل به على أنه كان بين الأذان والإقامة فصل، خلافا لمن شرط في إدراك فضيلة أول الوقت أن ينطبق أول التكبير على أول الوقت. قوله: "إذا ثوب" بضم المثلثة وتشديد الواو المكسورة قيل هو من ثاب إذا رجع، وقيل من ثوب إذا أشار بثوبه عند الفراغ لإعلام غيره، قال الجمهور: المراد بالتثويب هنا الإقامة، وبذلك جزم أبو عوانة في صحيحه والخطابي والبيهقي وغيرهم، قال القرطبي: ثوب بالصلاة إذا أقيمت، وأصله أنه رجع إلى ما يشبه الأذان، وكل من ردد صوتا فهو مثوب، ويدل عليه رواية مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة " فإذا سمع الإقامة ذهب " وزعم بعض الكوفيين أن المراد بالتثويب قول المؤذن
(2/85)

بين الأذان والإقامة " حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة " وحكى ذلك ابن المنذر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وزعم أنه تفرد به، لكن في سنن أبي داود عن ابن عمر أنه كره التثويب بين الأذان والإقامة، فهذا يدل على أن له سلفا في الجملة، ويحتمل أن يكون الذي تفرد به القول الخاص. وقال الخطابي: لا يعرف العامة التثويب إلا قول المؤذن في الأذان " الصلاة خير من النوم " لكن المراد به في هذا الحديث الإقامة، والله أعلم. قوله: "أقبل" زاد مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة " فوسوس". قوله: "أقبل حتى يخطر" بضم الطاء، قال عياض: كذا سمعناه من أكثر الرواة، وضبطناه عن المتقنين بالكسر، وهو الوجه، ومعناه يوسوس، وأصله من خطر البعير بذنبه إذا حركه فضرب به فخذيه، وأما بالضم فمن المرور أي يدنو منه فيمر بينه وبين قلبه فيشغله، وضعف الحجري في نوادره الضم مطلقا وقال: هو يخطر بالكسر في كل شيء. قوله: "بين المرء ونفسه" أي قلبه، وكذا هو للمصنف من وجه آخر في بدء الخلق، قال الباجي: المعنى أنه يحول بين المرء وبين ما يريده من إقباله على صلاته وإخلاصه فيها. قوله: "يقول: اذكر كذا اذكر كذا" وقع في رواية كريمة بواو العطف " واذكر كذا " وهي لمسلم، وللمصنف في صلاة السهو " اذكر كذا وكذا " زاد مسلم من رواية عبد ربه عن الأعرج " فهناه ومناه وذكره من حاجاته ما لم يكن يذكر". قوله: "لما لم يكن يذكر" أي لشيء لم يكن على ذكره قبل دخوله في الصلاة. وفي رواية لمسلم: "لما لم يكن يذكر من قبل"، ومن ثم استنبط أبو حنيفة للذي شكا إليه أنه دفن مالا ثم لم يهتد لمكانه أن يصلي ويحرص أن لا يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا، ففعل، فذكر مكان المال في الحال. قيل: خصه بما يعلم دون ما لا يعلم لأنه يميل لما يعلم أكثر لتحقق وجوده، والذي يظهر أنه لأعم من ذلك فيذكره بما سبق له به علم ليشتغل باله به وبما لم يكن سبق له ليوقعه في الفكرة فيه، وهذا أعم من أن يكون في أمور الدنيا أو في أمور الدين كالعلم، لكن هل يشمل ذلك التفكر في معاني الآيات التي يتلوها؟ لا يبعد ذلك، لأن غرضه نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان. قوله: "حتى يظل الرجل" كذا للجمهور بالظاء المشالة المفتوحة، ومعنى يظل في الأصل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا لكنها هنا بمعنى يصير أو يبقى، ووقع عند الأصيلي: "يضل " بكسر الساقطة أي ينسى، ومنه قوله تعالى: {أن تضل إحداهما} أو بفتحها، أي يخطئ ومنه قوله تعالى: {لا يضل ربي ولا ينسى} والمشهور الأول. قوله: "لا يدرى" وفي رواية في صلاة السهو " إن يدري " بكسر همزة إن وهي نافية بمعنى لا، وحكى ابن عبد البر عن الأكثر في الموطأ فتح الهمزة ووجهه بما تعقبه عليه جماعة. وقال القرطبي: ليست رواية الفتح لشيء إلا مع رواية الضاد الساقطة فتكون أن مع الفعل بتأويل المصدر ومفعول ضل أن بإسقاط حرف الجر أي يضل عن درايته. قوله: "كم صلى" وللمصنف في بدء الخلق من وجه آخر عن أبي هريرة " حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا " وسيأتي الكلام عليه في أبواب السهو إن شاء الله تعالى. وقد اختلف العلماء في الحكمة في هروب الشيطان عند سماع الأذان والإقامة دون سماع القرآن والذكر في الصلاة، فقيل يهرب حتى لا يشهد للمؤذن يوم القيامة، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له كما يأتي بعد، ولعل البخاري أشار إلى ذلك بإيراده الحديث المذكور عقب هذا الحديث. ونقل عياض عن بعض أهل العلم أن اللفظ عام والمراد به خاص، وأن الذي يشهد من تصح منه الشهادة كما سيأتي القول فيه في الباب الذي بعده. وقيل إن ذلك خاص بالمؤمنين فأما الكفار فلا تقبل لهم شهادة، ورده لما جاء من الآثار بخلافه، وبالغ الزين بن المنير في تقرير الأول وهو مقام
(2/86)

احتمال، وقيل يهرب نفورا عن سماع الأذان ثم يرجع موسوسا ليفسد على المصلي صلاته، فصار رجوعه من جنس فراره، والجامع بينهما الاستخفاف. وقيل لأن الأذان دعاء إلى الصلاة المشتملة على السجود الذي أباه وعصى بسببه، واعترض بأنه يعود قبل السجود، فلو كان هربه لأجله لم يعد إلا عند فراغه، وأجيب بأنه يهرب عند سماع الدعاء بذلك ليغالط نفسه بأنه لم يخالف أمرا ثم يرجع ليفسد على المصلي سجده الذي أباه، وقيل إنما يهرب لاتفاق الجميع على الإعلان بشهادة الحق وإقامة الشريعة، واعترض بأن الاتفاق على ذلك حاصل قبل الأذان وبعده من جميع من يصلي، وأجيب بأن الإعلان أخص من الاتفاق فإن الإعلان المختص بالأذان لا يشاركه فيه غيره من الجهر بالتكبير والتلاوة مثلا، ولهذا قال لعبد الله بن زيد " ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك " أي أقعد في المد والإطالة والإسماع ليعم الصوت ويطول أمد التأذين فيكثر الجمع ويفوت على الشيطان مقصوده من إلهاء الآدمي عن إقامة الصلاة في جماعة أو إخراجها عن وقتها أو وقت فضيلتها فيفر حينئذ، وقد ييأس عن أن يردهم عما أعلنوا به ثم يرجع لما طبع عليه من الأذى والوسوسة. وقال ابن الجوزي: على الأذان هيبة يشتد انزعاج الشيطان بسببها، لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به، بخلاف الصلاة فإن النفس تحضر فيها فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة. وقد ترجم عليه أبو عوانة " الدليل على أن المؤذن في أذانه وإقامته منفي عنه الوسوسة والرياء لتباعد الشيطان منه " وقيل لأن الأذان إعلام بالصلاة التي هي أفضل الأعمال بألفاظ هي من أفضل الذكر لا يزاد فيها ولا ينقص منها، بل تقع على وفق الأمر، فيفر من سماعها. وأما الصلاة فلما يقع من كثير من الناس فيها من التفريط فيتمكن الخبيث من المفرط، فلو قدر أن المصلي وفى بجميع ما أمر به فيها لم يقر به إذا كان وحده وهو نادر، وكذا إذا انضم إليه من هو مثله فإنه يكون أندر، أشار إليه ابن أبي جمرة نفع الله ببركته. "فائدة": قال ابن بطال يشبه أن يكون الزجر عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذن المؤذن من هذا المعنى، لئلا يكون متشبها بالشيطان الذي يفر عند سماع الأذان والله أعلم. "تنبيهان": "الأول" فهم بعض السلف من الأذان في هذا الحديث الإتيان بصورة الأذان وإن لم توجد فيه شرائط الأذان من وقوعه في الوقت وغير ذلك، ففي صحيح مسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال: "إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة " واستدل بهذا الحديث، وروى مالك عن زيد بن أسلم نحوه. "الثاني" وردت في فضل الأذان أحاديث كثيرة ذكر المصنف بعضها في مواضع أخرى، واقتصر على هذا هنا، لأن هذا الخبر تضمن فضلا لا ينال بغير الأذان، بخلاف غيره من الأخبار فإن الثواب المذكور فيها يدرك بأنواع أخرى من العبادات، والله أعلم.
(2/87)

5 - باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالنِّدَاءِ
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلاَ فَاعْتَزِلْنَا
609- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ
(2/87)

جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[الحديث 609 – طرفاه في: 7548,3296]
قوله: "باب رفع الصوت بالنداء" قال الزين بن المنير: لم ينص على حكم رفع الصوت لأنه من صفة الأذان، وهو لم ينص في أصل الأذان على حكم كما تقدم، وقد ترجم عليه النسائي: "باب الثواب على رفع الصوت بالأذان". قوله: "وقال عمر بن عبد العزيز" وصله ابن أبي شيبة من طريق عمر عن سعيد بن أبي حسين أن مؤذنا أذن فطرب في أذانه فقال له عمر بن عبد العزيز. فذكره، ولم أقف على اسم هذا المؤذن وأظنه من بني سعد القرظ لأن ذلك وقع حيث كان عمر بن عبد العزيز أميرا على المدينة، والظاهر أنه خاف عليه من التطريب الخروج عن الخشوع، لا أنه نهاه عن رفع الصوت. وقد روي نحو هذا من حديث ابن عباس مرفوعا أخرجه الدار قطني وفيه إسحاق بن أبي يحيى الكعبي وهو ضعيف عند الدار قطني وابن عدي. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه، ثم غفل فذكره في الثقات. قوله: "عن أبيه" زاد ابن عيينة " وكان يتيما في حجر أبي سعيد وكانت أمه عند أبي سعيد " أخرجه ابن خزيمة من طريقه، لكن قلبه ابن عيينة فقال: عن عبد الرحمن بن عبد الله والصحيح قول مالك ووافقه عبد العزيز الماجشون. وزعم أبو مسعود في الأطراف أن البخاري أخرج روايته، لكن لم نجد ذلك ولا ذكرها خلف قاله ابن عساكر. واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبدول بن عمرو بن غنم بن مازن ابن النجار، مات أبو صعصعة في الجاهلية، وابنه عبد الرحمن صحابي، روى ابن شاهين في الصحابة من طريق قيس بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن جده حديثا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي سياقه أن جده كان بدريا، وفيه نظر لأن أصحاب المغازي لم يذكروه فيهم وإنما ذكروا أخاه قيس بن أبي صعصعة. قوله: "أن أبا سعيد الخدري قال له" أي لعبد الله بن عبد الرحمن. قوله: "تحب الغنم والبادية" أي لأجل الغنم لأن محبها يحتاج إلى إصلاحها بالمرعى، وهو في الغالب يكون في البادية وهي الصحراء التي لا عمارة فيها. قوله: "في غنمك أو باديتك" يحتمل أن تكون " أو " شكا من الراوي، ويحتمل أن تكون للتنويع لأن الغنم قد لا تكون في البادية، ولأنه قد يكون في البادية حيث لا غنم. قوله: "فأذنت للصلاة" أي لأجل الصلاة، وللمصنف في بدء الخلق " بالصلاة " أي أعلمت بوقتها. قوله: "فارفع" فيه إشعار بأن أذان من أراد الصلاة كان مقررا عندهم لاقتصاره على الأمر بالرفع دون أصل التأذين، واستدل به الرافعي للقول الصائر إلى استحباب أذان المنفرد، وهو الراجح عند الشافعية بناء على أن الأذان حق الوقت، وقيل لا يستحب بناء على أن الأذان لاستدعاء الجماعة للصلاة، ومنهم من فصل بين من يرجو جماعة أو لا. قوله: "بالنداء" أي بالأذان. قوله: "لا يسمع مدى صوت المؤذن" أي غاية صوته، قال البيضاوي: غاية الصوت تكون أخفى من ابتدائه، فإذا شهد له من بعد عنه ووصل إليه منتهى صوته فلأن يشهد له من دنا منه وسمع مبادي صوته أولى. قول "جن ولا إنس ولا شيء" ظاهره يشمل الحيوانات والجمادات، فهو من العام بعد الخاص، ويؤيده ما في رواية ابن خزيمة: "لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا إنس" ، ولأبي داود والنسائي من طريق أبي يحيى عن أبي هريرة بلفظ: "المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس " ونحوه للنسائي وغيره من حديث البراء وصححه ابن السكن، فهذه الأحاديث تبين المراد من قوله في حديث الباب: "ولا شيء " وقد تكلم بعض من لم يطلع عليها في تأويله على غير ما يقتضيه ظاهره، قال القرطبي: قوله: "ولا شيء "
(2/88)

المراد به الملائكة. وتعقب بأنهم دخلوا في قوله جن لأنهم يستخفون عن الأبصار. وقال غيره: المراد كل ما يسمع المؤذن من الحيوان حتى ما لا يعقل دون الجمادات. ومنهم من حمله على ظاهره، وذلك غير ممتنع عقلا ولا شرعا. قال ابن بزيزة، تقرر في العادة أن السماع والشهادة والتسبيح لا يكون إلا من حي، فهل ذلك حكاية عن لسان الحال لأن الموجودات ناطقة بلسان حالها بجلال باريها، أو هو على ظاهره؟ وغير ممتنع عقلا أن الله يخلق فيها الحياة والكلام. وقد تقدم البحث في ذلك في قول النار " أكل بعضي بعضا " وسيأتي في الحديث الذي فيه: "أن البقرة قالت إنما خلقت للحرث " وفي مسلم من حديث جابر ابن سمرة مرفوعا: "إني لأعرف حجرا كان يسلم علي " ا هـ. ونقل ابن التين عن أبي عبد الملك: إن قوله هنا " ولا شيء " نظير قوله تعالى:{وإن من شيء إلا يسبح بحمده" وتعقبه بأن الآية مختلف فيها، وما عرفت وجه هذا التعقب فإنهما سواء في الاحتمال ونقل الاختلاف، إلا أن يقول إن الآية لم يختلف في كونها على عمومها، وإنما اختلف في تسبيح بعض الأشياء هل هو على الحقيقة أو المجاز بخلاف الحديث. والله أعلم. "فائدة": السر في هذه الشهادة مع أنها تقع عند عالم الغيب والشهادة أن أحكام الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا من توجيه الدعوى والجواب والشهادة، قاله الزين بن المنير. وقال التوربشتي: المراد من هذه الشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلو الدرجة، وكما أن الله يفضح بالشهادة قوما فكذلك يكرم بالشهادة آخرين. قوله: "إلا شهد له" للكشميهني إلا يشهد له، وتوجيههما واضح. قوله: "قال أبو سعيد سمعته" قال الكرماني: أي هذا الكلام الأخير وهو قوله إنه لا يسمع الخ. قلت: وقد أورد الرافعي هذا الحديث في الشرح بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد إنك رجل تحب الغنم " وساقه إلى آخره، وسبقه إلى ذلك الغزالي وإمامه والقاضي حسين وابن داود شارح المختصر وغيرهم، وتعقبه النووي، وأجاب ابن الرفعة عنهم بأنهم فهموا أن قول أبي سعيد " سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عائد على كل ما ذكر ا ه. ولا يخفى بعده. وقد رواه ابن خزيمة من رواية ابن عيينة ولفظه: "قال أبو سعيد: إذا كنت في البوادي فارفع صوتك بالنداء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يسمع " فذكره، ورواه يحيى القطان أيضا عن مالك بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أذنت فارفع صوتك، فإنه لا يسمع " فذكره. فالظاهر أن ذكر الغنم والبادية موقوف، والله أعلم. وفي الحديث استحباب رفع الصوت بالأذان ليكثر من يشهد له ما لم يجهده أو يتأذى به، وفيه أن حب الغنم والبادية ولا سيما عند نزول الفتنة من عمل السلف الصالح، وفيه جواز التبدي ومساكنة الأعراب ومشاركتهم في الأسباب بشرط حظ من العلم وأمن من غلبة الجفاء. وفيه أن أذان الفذ مندوب إليه ولو كان في قفر ولو لم يرتج حضور من يصلي معه، لأنه إن فاته دعاء المصلين فلم يفته استشهاد من سمعه من غيرهم.
(2/89)

6 - باب مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنْ الدِّمَاءِ
610- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ قَالَ فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ
(2/89)

وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ قوله: "باب ما يحقن بالأذان من الدماء" قال الزين بن المنير: قصد البخاري بهذه الترجمة واللتين قبلها استيفاء ثمرات الأذان، فالأولى فيها فضل التأذين لقصد الاجتماع للصلاة، والثانية فيها فضل أذان المنفرد لإيداع الشهادة له بذلك، والثالثة فيها حقن الدماء عند وجود الأذان. قال: وإذا انتفت عن الأذان فائدة من هذه الفوائد لم يشرع إلا في حكايته عند سماعه، ولهذا عقبه بترجمة ما يقول إذا سمع المنادي ا هـ. كلامه ملخصا. ووجه الاستدلال للترجمة من حديث الباب ظاهر، وباقي المتن من متعلقات الجهاد. الحديث قد أورده المصنف في الجهاد بهذا الإسناد وسياقه هناك أتم مما هنا، وسيأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى. وقد روى مسلم طرفه المتعلق بالأذان وسياقه أوضح، أخرجه من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار" . قال الخطابي: فيه أن الأذان شعار الإسلام، وأنه لا يجوز تركه، ولو أن أهل بلد اجتمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه ا هـ. وهذا أحد أقوال العلماء كما تقدم، وهو أحد الأوجه في المذهب. وأغرب ابن عبد البر فقال: لا أعلم فيه خلافا، وأن قول أصحابنا من نطق بالتشهد في الأذان حكم بإسلامه إلا إذا كان عيسويا فلا يرد عليه مطلق حديث الباب، لأن العيسوية طائفة من اليهود حدثت في آخر دولة بني أمية فاعترفوا بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن إلى العرب فقط، وهم منسوبون إلى رجل يقال له أبو عيسى أحدث لهم ذلك. "تنبيه": وقع في سياق حديث الباب: "لم يكن يغر بنا " واختلف في ضبطه، ففي رواية المستملي: "يغر " من الإغارة مجزوم على أنه بدل من قوله يكن. وفي رواية الكشميهني: "يغد " بإسكان الغين وبالدال المهملة من الغدو. وفي رواية كريمة: "يغزو " بزاي بعدها واو من الغزو. وفي رواية الأصيلي: "يغير " كالأول لكن بإثبات الياء. وفي رواية غيرهم بضم أوله وإسكان الغين من الإغراء، ورواية مسلم تشهد لرواية من رواه من الإغارة، والله أعلم.
(2/90)

7 - باب مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الْمُنَادِي
611- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ"
612- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا فَقَالَ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى نَحْوَهُ
(2/90)

613- قَالَ يَحْيَى وَحَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ قَالَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَقَالَ هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ"
قوله ( بابمايقول إذا سمع المنادي ) هذا لفظ رواية أبي الطيالسي عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري في حديث الباب , وآثر المصنف عدم الجزم بحكم ذلك لقوة الخلاف فيه كما سيأتي . ثم ظاهر صنيعه يقتضي ترجيح ما عليه الجمهور وهو أن يقول مثل مايقول من الأذان إلا الحيعلتين , لان حديث أبي سعيد الذي بدأ به عام , وحديث معاوية الذي تلاه به يخصصه , والخاص مقدم على العام . قوله: "عن عطاء بن زيد" في رواية ابن وهب عن مالك ويونس عن الزهري أن عطاء بن يزيد أخبره، أخرجه أبو عوانة. "فائدة": اختلف على الزهري في إسناد هذا الحديث، وعلى مالك أيضا، لكنه اختلاف لا يقدح في صحته، فرواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن ماجه. وقال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود والترمذي: حديث مالك ومن تابعه أصح، ورواه يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أخرجه مسدد في مسنده عنه. وقال الدار قطني: إنه خطأ والصواب الرواية الأولى، وفيه اختلاف آخر دون ما ذكر لا نطيل به. قوله: "إذا سمعتم" ظاهره اختصاص الإجابة بمن يسمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة، قاله النووي في شرح المهذب. قوله: "فقولوا مثل ما يقول المؤذن" ادعى ابن وضاح أن قول " المؤذن " مدرج، وأن الحديث انتهى عند قوله: "مثل ما يقول". وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى، وقد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباتها، ولم يصب صاحب العمدة في حذفها. قوله: "ما يقول" قال الكرماني: قال: "ما يقول: "ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها. قلت: والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة " أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت " وأما أبو الفتح اليعمري فقال: ظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول عقب فراغ المؤذن، لكن الأحاديث التي تضمنت إجابة كل كلمة عقبها دلت على أن المراد المساوقة، يشير إلى حديث عمر بن الخطاب الذي عند مسلم وغيره، فلو لم يجاوبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل. قاله النووي في شرح المهذب بحثا. وقد قالوه فيما إذا كان له عذر كالصلاة، وظاهر قوله مثل أنه يقول مثل قوله في جميع الكلمات، لكن حديث عمر أيضا وحديث معاوية الآتي يدلان على أنه يستثنى من ذلك " حي على الصلاة وحي على الفلاح " فيقول بدلهما " لا حول ولا قوة إلا بالله " كذلك استدل به ابن خزيمة وهو المشهور عند الجمهور. وقال ابن المنذر يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا، وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما، قال: فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة، وهو وجه عند الحنابلة. أجيب عن المشهور من حيث المعنى بأن الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن في ثوابها، وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة، وذلك يحصل من المؤذن، فعوض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة. ولقائل أن يقول: يحصل للمجيب الثواب لامتثاله الأمر، ويمكن أن يزداد استيقاظا وإسراعا إلى القيام إلى الصلاة إذا تكرر على سمعه الدعاء إليها من المؤذن ومن
(2/91)

نفسه. ويقرب من ذلك الخلاف في قول المأموم " سمع الله لمن حمده " كما سيأتي في موضعه. وقال الطيبي: معنى الحيعلتين هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلا والفوز بالنعيم آجلا، فناسب أن يقول: هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته. ومما لوحظت فيه المناسبة ما نقل عيد الرزاق عن ابن جريج قال: حدثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتهم للقراءة فلا يقول شيئا إلا قالوا مثله، حتى إذا قال: "حي على الصلاة " قالوا " لا حول ولا قوة إلا بالله " وإذا قال: "حي على الفلاح " قالوا " ما شاء الله". انتهى. وإلى هذا صار بعض الحنفية. وروى ابن أبي شيبة مثله عن عثمان، وروى عن سعيد بن جبير قال: يقول في جواب الحيعلة: سمعنا وأطعنا. ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى، قيل لا يجيبه إلا في التشهدين فقط، وقيل هما والتكبير، وقيل يضيف إلى ذلك الحوقلة دون ما في آخره، وقيل مهما أتى به مما يدل على التوحيد والإخلاص كفاه وهو اختيار الطحاوي، وحكوا أيضا خلافا: هل يجيب في الترجيع أو لا، وفيما إذا أذن مؤذن آخر هل يجيبه بعد إجابته للأول أو لا. قال النووي: لم أر فيه شيئا لأصحابنا. وقال ابن عبد السلام: يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب، وإجابة الأول أفضل، إلا في الصبح والجمعة فإنهما سواء لأنهما مشروعان. وفي الحديث دليل على أن لفظ المثل لا يقتضي المساواة من كل جهة، لأن قوله مثل ما يقول لا يقصد به رفع الصوت المطلوب من المؤذن، كذا قيل وفيه بحث، لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته، والفرق بين المؤذن والمجيب في ذلك أن المؤذن مقصوده الإعلام فاحتاج إلى رفع الصوت، والسامع مقصوده ذكر الله فيكتفي بالسر أو الجهر لا مع الرفع. نعم لا يكفيه أن يجريه على خاطره من غير تلفظ لظاهر الأمر بالقول. وأغرب ابن المنير فقال: حقيقة الأذان جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة. وتعقب بأن الأذان معناه الإعلام لغة، وخصه الشرع بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة فإذا وجدت الأذان، وما زاد على ذلك من قول أو فعل أو هيئة يكون من مكملاته صلى الله عليه وسلم ويوجد الأذان من دونها. ولو كان على ما أطلق لكان ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الأذان، وليس كذلك لا لغة ولا شرعا. واستدل به على جواز إجابة المؤذن في الصلاة عملا بظاهر الأمر، ولأن المجيب لا يقصد المخاطبة، وقيل يؤخر الإجابة حتى يفرغ لأن في الصلاة شغلا، وقيل يجيب إلا في الحيعلتين لأنهما كالخطاب للآدميين والباقي من ذكر الله فلا يمنع. لكن قد يقال: من يبدل الحيعلة بالحوقلة لا يمنع، لأنها من ذكر الله، قاله ابن دقيق العيد. وفرق ابن عبد السلام في فتاويه بين ما إذا كان يقرأ الفاتحة فلا يجيب بناء على وجوب موالاتها وإلا فيجيب، وعلى هذا إن أجاب في الفاتحة استأنف، وهذا قاله بحثا، والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة بل يؤخرها حتى يفرغ، وكذا في حال الجماع والخلاء، لكن إن أجاب بالحيعلة بطلت كذا أطلقه كثير منهم، ونص الشافعي في الأم على عدم فساد الصلاة بذلك، واستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في الإقامة، قالوا: إلا في كلمتي الإقامة فيقول: "أقامها الله وأدامها " وقياس إبدال الحيعلة بالحوقلة في الأذان أن يجيء هنا، لكن قد يفرق بأن الأذان إعلام عام فيعسر على الجميع أن يكونوا دعاة إلى الصلاة، والإقامة إعلام
ـــــــ
(1) هذا فيه نظر : والصواب أن ما أحدثه الناس من رفع الصوت بالتسبيح قبل الأذان والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده – كما أشار إليه الشارح – بدعة يجب على ولاة الأمر إنكارها حتى لايدخل في الأذان ماليس منه , وفيما شرعه الله غنية وكفاية عن المحدثات,فتنبه
(2/92)

خاص وعدد من يسمعها محصور فلا يعسر أن يدعو بعضهم بعضا. واستدل به على وجوب إجابة المؤذن، حكاه الطحاوي عن قوم من السلف وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وابن وهب، واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره: "إنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال: على الفطرة، فلما تشهد قال: خرج من النار " قال: فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب. وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال، فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد، وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر، ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر لم يرد أن يدخل نفسه في عموم من خوطب بذلك، قيل ويحتمل أن يكون الرجل لم يقصد الأذان لكن يرد هذا الأخير أن في بعض طرقه أنه حضرته الصلاة قوله: "حدثنا هشام" هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير. قوله: "أنه سمع معاوية يوما فقال مثله - إلى قوله - وأشهد أن محمدا رسول الله" هكذا أورد المتن هنا مختصرا، وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن هشام ولفظه: "كنا عند معاوية فنادى المنادي بالصلاة فقال مثل ما قال، ثم قال: هكذا سمعت نبيكم " ثم قال البخاري: حدثنا إسحاق أنبأنا وهب بن جرير حدثنا هشام عن يحيى نحوه. قال يحيى: وحدثني بعض إخواننا " أنه لما قال حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وقال: هكذا سمعت نبيكم يقول". انتهى. فأحال بقوله نحوه على الذي قبله، وقد عرفت أنه لم يسق لفظه كله، وقد وقع لنا هذا الحديث من طرق عن هشام المذكور تاما، منها للإسماعيلي من طريق معاذ ابن هشام عن أبيه عن يحيى حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا عيسى بن طلحة قال: "دخلنا على معاوية، فنادى مناد بالصلاة، فقال: الله أكبر الله أكبر، فقال معاوية الله أكبر الله أكبر. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. فقال معاوية: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله. فقال: أشهد أن محمدا رسول الله، فقال معاوية: وأنا أشهد أن محمدا رسول الله" قال يحيى فحدثني صاحب لنا " أنه لما قال حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال هكذا سمعنا نبيكم". انتهى. فاشتمل هذا السياق على فوائد: أحدها تصريح يحيى بن أبي كثير بالسماع له من محمد بن إبراهيم فأمن ما يخشى من تدليسه، ثانيها بيان ما اختصر من روايتي البخاري، ثالثها أن قوله في الرواية الأولى " أنه سمع معاوية يوما فقال مثله " فيه حذف تقديره أنه سمع معاوية يسمع المؤذن يوما فقال مثله، رابعها أن الزيادة في رواية وهب بن جرير لم ينفرد بها لمتابعة معاذ بن هشام له، خامسها أن قوله: "قال يحيى " ليس تعليقا من البخاري كما زعمه بعضهم، بل هو عنده بإسناد إسحاق. وأبدى الحافظ قطب الدين احتمالا أنه عنده بإسنادين، ثم إن إسحاق هذا لم ينسب وهو ابن راهويه، كذلك صرح به أبو نعيم في مستخرجه، وأخرجه من طريق عبد الله بن شيرويه عنه. وأما المبهم الذي حدث يحيى به عن معاوية فلم أقف في شيء من الطرق على تعيينه، وحكى الكرماني عن غيره أن المراد به الأوزاعي، وفيه نظر، لأن الظاهر أن قائل ذلك ليحيى حدثه به عن معاوية، وأين عصر الأوزاعي من عصر معاوية؟ وقد غلب على ظني أنه علقمة ابن وقاص إن كان يحيى بن أبي كثير أدركه، وإلا فأحد ابنيه عبد الله بن علقمة أو عمرو بن علقمة، وإنما قلت ذلك لأنني جمعت طرقه عن معاوية فلم أجد هذه الزيادة في ذكر الحوقلة إلا من طريقين: أحدهما عن نهشل التميمي عن معاوية وهو في الطبراني بإسناد واه، والآخر عن علقمة بن وقاص عنه، وقد أخرجه النسائي واللفظ له، وابن خزيمة وغيرهما من طريق ابن جريج أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمرو أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال: "إني لعند معاوية إذ أذن مؤذن، فقال معاوية
(2/93)

كما قال، حتى إذا قال حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قال حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وقال بعد ذلك ما قال المؤذن، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك " ورواه ابن خزيمة أيضا من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده قال: كنت عند معاوية فذكر مثله، وأوضح سياقا منه، وتبين بهذه الرواية أن ذكر الحوقلة في جواب حي على الفلاح اختصر في حديث الباب، بخلاف ما تمسك به بعض من وقف مع ظاهره، وأن " إلى " في قوله في الطريق الأولى " فقال مثل قوله إلى أشهد أن محمدا رسول الله " بمعنى " مع " كقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" . "تنبيه": أخرج مسلم من حديث عمر بن الخطاب نحو حديث معاوية، وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في وصله وإرساله كما أشار إليه الدار قطني، ولم يخرج مسلم حديث معاوية لأن الزيادة المقصودة منه ليست على شرط الصحيح للمبهم الذي فيها، لكن إذا انضم أحد الحديثين إلى الآخر قوي جدا. وفي الباب أيضا عن الحارث بن نوفل الهاشمي وأبي رافع - وهما في الطبراني وغيره - وعن أنس في البزار وغيره، والله تعالى أعلم.
(2/94)

8 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ
614- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
[ الحديث 614- طرفه في :4719]
قوله: "باب الدعاء عند النداء" أي عند تمام النداء، وكأن المصنف لم يقيده بذلك اتباعا لإطلاق الحديث كما سيأتي البحث فيه. قوله: "حدثني علي بن عياش" بالياء الأخيرة والشين المعجمة وهو الحمصي من كبار شيوخ البخاري ولم يلقه من الأئمة الستة غيره، وقد حدث عنه القدماء بهذا الحديث، أخرجه أحمد في مسنده عنه، ورواه علي بن المديني شيخ البخاري مع تقدمه على أحمد عنه، أخرجه الإسماعيلي من طريقه. قوله: "عن محمد بن المنكدر" ذكر الترمذي أن شعيبا تفرد به عن ابن المنكدر فهو غريب مع صحته، وقد توبع ابن المنكدر عليه عن جابر أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبي الزبير عن جابر نحوه، ووقع في زوائد الإسماعيلي: أخبرني ابن المنكدر. قوله: "من قال حين يسمع النداء" أي الأذان، واللام للعهد، ويحتمل أن يكون التقدير: من قال حين يسمع نداء المؤذن. وظاهره أنه يقول الذكر المذكور حال سماع الأذان ولا يتقيد بفراغه، لكن يحتمل أن يكون المراد من النداء تمامه، إذ المطلق يحمل على الكامل، ويؤيده حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم بلفظ: "قولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، ثم سلوا الله لي الوسيلة " ففي هذا أن ذلك يقال عند فراغ الأذان. واستدل الطحاوي بظاهر حديث جابر على أنه لا يتعين إجابة المؤذن بمثل ما يقول، بل لو اقتصر على الذكر المذكور كفاه. وقد بين حديث عبد الله بن عمرو المراد، وأن الحين محمول على ما بعد الفراغ، واستدل به ابن بزيزة على عدم وجوب ذلك لظاهر إيراده، لكن لفظ الأمر في رواية مسلم قد يتمسك به من يدعي الوجوب، وبه
(2/94)

قال الحنفية وابن وهب من المالكية وخالف الطحاوي أصحابه فوافق الجمهور. قوله: "رب هذه الدعوة" بفتح الدال، زاد البيهقي من طريق محمد بن عون عن علي بن عياش " اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة " والمراد بها دعوة التوحيد كقوله تعالى: {له دعوة الحق} وقيل لدعوة التوحيد " تامة " لأن الشركة نقص. أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل، بل هي باقية إلى يوم النشور، أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام وما سواها فمعرض للفساد. وقال ابن التين: وصفت بالتامة لأن فيها أتم القول وهو " لا إله إلا الله". وقال الطيبي: من أوله إلى قوله: "محمد رسول الله " هي الدعوة التامة، والحيعلة هي الصلاة القائمة في قوله يقيمون الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاء وبالقائمة الدائمة من قام على الشيء إذا داوم عليه، وعلى هذا فقوله: "والصلاة القائمة " بيان للدعوة التامة، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ وهو أظهر. قوله: "الوسيلة" هي ما يتقرب به إلى الكبير، يقال توسلت أي تقربت، وتطلق على المنزلة العلية، ووقع ذلك في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم بلفظ: "فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله " الحديث، ونحوه للبزار عن أبي هريرة، ويمكن ردها إلى الأول بأن الواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله فتكون كالقربة التي يتوسل بها. قوله: "والفضيلة" أي المرتبة الزائدة على سائر الخلائق، ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا للوسيلة. قوله: "مقاما محمودا" أي يحمد القائم فيه، وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات، ونصب على الظرفية، أي ابعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محمودا، أو ضمن ابعثه معنى أقمه، أو على أنه مفعول به ومعنى ابعثه أعطه، ويجوز أن يكون حالا أي ابعثه ذا مقام محمود. قال النووي: ثبتت الرواية بالتنكير وكأنه حكاية للفظ القرآن. وقال الطيبي: إنما نكره لأنه أفخم وأجزل، كأنه قيل مقاما أي مقاما محمودا بكل لسان. قلت: وقد جاء في هذه الرواية بعينها من رواية علي بن عياش شيخ البخاري فيه بالتعريف عند النسائي، وهي في صحيح ابن خزيمة وابن حبان أيضا، وفي الطحاوي والطبراني في الدعاء والبيهقي، وفيه تعقب على من أنكر ذلك كالنووي. قوله: "الذي وعدته" زاد في رواية البيهقي " إنك لا تخلف الميعاد " وقال الطيبي: المراد بذلك قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وأطلق عليه الوعد لأن عسى من الله واقع كما صح عن ابن عيينة وغيره، والموصول إما بدل أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف وليس صفة للنكرة، ووقع في رواية النسائي وابن خزيمة وغيرهما: "المقام المحمود " بالألف واللام فيصح وصفه بالموصول والله أعلم. قال ابن الجوزي: والأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة، وقيل إجلاسه على العرش، وقيل على الكرسي، وحكى كلا من القولين عن جماعة، وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة الإذن في الشفاعة، ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو مشهور وأن يكون الإجلاس هي المنزلة المعبر عنها بالوسيلة أو الفضيلة. ووقع في صحيح ابن حبان من حديث كعب بن مالك مرفوعا: "يبعث الله الناس، فيكسوني ربي حلة خضراء، فأقول ما شاء الله أن أقول " فذلك المقام المحمود، ويظهر أن المراد بالقول المذكور هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة. ويظهر أن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة، ويشعر قوله في آخر الحديث: "حلت له شفاعتي " بأن الأمر المطلوب له الشفاعة، والله أعلم. قوله: "حلت له" أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه، يقال حل يحل بالضم إذا نزل، واللام بمعنى على، ويؤيده رواية مسلم: "حلت عليه". ووقع في الطحاوي حديث ابن مسعود " وجبت له " ولا يجوز أن يكون حلت من
(2/95)

الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة. قوله: "شفاعتي" استشكل بعضهم جعل ذلك ثوابا لقائل ذلك مع ما ثبت من أن الشفاعة للمذنبين، وأجيب بأن له صلى الله عليه وسلم شفاعات أخرى: كإدخال الجنة بغير حساب، وكرفع الدرجات فيعطى كل أحد ما يناسبه. ونقل عياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك بمن قاله مخلصا مستحضرا إجلال النبي صلى الله عليه وسلم، لا من قصد بذلك مجرد الثواب ونحو ذلك، وهو تحكم غير مرضي، ولو كان أخرج الغافل اللاهي لكان أشبه. وقال المهلب: في الحديث الحض على الدعاء في أوقات الصلوات لأنه حال رجاء الإجابة، والله أعلم.
(2/96)

باب الستهام في الأذان
...
9 - باب الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ
وَيُذْكَرُ أَنَّ أَقْوَامًا اخْتَلَفُوا فِي الأَذَانِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ
615- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لاَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا"
[ الحديث615- أطرافه في 2689,721,654]
قوله: "باب الاستهام في الأذان" أي الاقتراع، ومنه قوله تعالى: {فساهم فكان من المدحضين} قال الخطابي وغيره: قيل له الاستهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشيء فمن خرج سهمه غلب.قوله: "ويذكر أن قوما اختلفوا" أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريق أبي عبيد كلاهما عن هشيم عن عبد الله بن شبرمة قال: "تشاح الناس في الأذان بالقادسية فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص، فأقرع بينهم. وهذا منقطع. وقد وصله سيف بن عمر في الفتوح والطبري من طريقه عنه عن عبد الله ابن شبرمة عن شقيق - وهو أبو وائل - قال: "افتتحنا القادسية صدر النهار، فتراجعنا وقد أصيب المؤذن " فذكره وزاد: "فخرجت القرعة لرجل منهم فأذن". "فائدة": القادسية مكان بالعراق معروف، نسب إلى قادس رجل نزل به، وحكى الجوهري أن إبراهيم عليه السلام قدس على ذلك المكان فلذلك صار منزلا للحاج، وكانت به وقعة للمسلمين مشهورة مع الفرس وذلك في خلافة عمر سنة خمس عشرة، وكان سعد يومئذ الأمير على الناس. قوله: "عن سمي" بضم أوله بلفظ التصغير. قوله: "مولى أبي بكر" أي ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. قوله: "لو يعلم الناس" قال الطيبي: وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم. قوله: "ما في النداء" أي الأذان، وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند السراج. قوله: "والصف الأول" زاد أبو الشيخ في رواية له من طريق الأعرج عن أبي هريرة " من الخير والبركة " وقال الطيبي: أطلق مفعول يعلم وهو ما ولم يبين الفضيلة ما هي ليفيد ضربا من المبالغة وأنه مما لا يدخل تحت الوصف، والإطلاق إنما هو في قدر الفضيلة وإلا فقد بينت في الرواية الأخرى بالخير والبركة. قوله: "ثم لم يجدوا" في رواية المستملي والحموي " ثم لا يجدون " وحكى الكرماني أن في بعض الروايات " ثم لا يجدوا " ووجهه بجواز حذف النون تخفيفا، ولم أقف على هذه الرواية. قوله: "إلا أن يستهموا" أي لم يجدوا شيئا من وجوه الأولوية، أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الوقت وحسن الصوت ونحو ذلك من شرائط المؤذن
(2/96)

وتكملاته، وأما في الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة، ويستووا في الفضل فيقرع بينهم، إذا لم يتراضوا فيما بينهم في الحالين. واستدل به بعضهم لمن قال بالاقتصار على مؤذن واحد، وليس بظاهر لصحة استهام أكثر من واحد في مقابلة أكثر من واحد، ولأن الاستهام على الأذان يتوجه من جهة التولية من الإمام لما فيه من المزية، وزعم بعضهم أن المراد بالاستهام هنا الترامي بالسهام، وأنه أخرج مخرج المبالغة. واستأنس بحديث لفظه: "لتجالدوا عليه بالسيوف " لكن الذي فهمه البخاري منه أولى، ولذلك استشهد له بقصة سعد، ويدل عليه رواية لمسلم: "لكانت قرعة". قوله: "عليه" أي على ما ذكر ليشمل الأمرين الأذان والصف الأول، وبذلك يصح تبويب المصنف. وقال ابن عبد البر: الهاء عائدة على الصف الأول لا على النداء، وهو حق الكلام، لأن الضمير يعود لأقرب مذكور. ونازعه القرطبي وقال: إنه يلزم منه أن يبقى النداء ضائعا لا فائدة له، قال: والضمير يعود على معنى الكلام المتقدم، ومثله قوله تعالى: {ومن يفعل ذلك يلق أثاما} أي جميع ذلك. قلت: وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ: "لاستهموا عليهما " فهذا مفصح بالمراد من غير تكلف. قوله: "التهجير" أي التبكير إلى الصلاة، قال الهروي: وحمله الخليل وغيره على ظاهره فقالوا: المراد الإتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت، لأن التهجير مشتق من الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار وهو أول وقت الظهر، وإلى ذلك مال المصنف كمأ سيأتي، ولا يرد على ذلك مشروعية الإبراد لأنه أريد به الرفق، وأما من ترك قائلته وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة فلا يخفى ما له من الفضل. قوله: "لاستبقوا إليه" قال ابن أبي جمرة المراد بالاستباق معنى لا حسا، لأن المسابقة على الأقدام حسا تقتضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه. انتهى. وسيأتي الكلام على بقية الحديث في " باب فضل صلاة العشاء في الجماعة " قريبا، ويأتي الكلام على المراد بالصف الأول في أواخر أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى.
(2/97)

10 - باب الْكَلاَمِ فِي الأَذَانِ
وَتَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أَذَانِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ لاَ بَأْسَ أَنْ يَضْحَكَ وَهُوَ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ
616- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ رَدْغٍ فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ"
(2/97)

ذلك المحل. قوله: "وتكلم سليمان بن صرد في أذانه" وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له، وأخرجه البخاري في التاريخ عنه وإسناده صحيح ولفظه: "أنه كان يؤذن في العسكر فيأمر غلامه بالحاجة في أذانه". قوله: "وقال الحسن" لم أره موصولا، والذي أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طرق عنه جواز الكلام بغير قيد الضحك، قيل مطابقته للترجمة من جهة أن الضحك إذا كان بصوت قد يظهر منه حرف مفهم أو أكثر فتفسد الصلاة، ومن منع الكلام في الأذان أراد أن يساويه بالصلاة، وقد ذهب الأكثر إلى أن تعمد الضحك يبطل الصلاة ولو لم يظهر منه حرف، فاستوى مع الكلام في بطلان الصلاة بعمده. قوله: "حماد" هو ابن زيد، وعبد الحميد هو ابن دينار، وعبد الله بن الحارث هو البصري ابن عم ابن سيرين وزوج ابنته وهو تابعي صغير، ورواية الثلاثة عنه من باب رواية الأقران لأن الثلاثة من صغار التابعين، ورجال الإسناد كلهم بصريون، وقد جمعهم حماد كمسدد كما هنا، وكذلك رواه سليمان بن حرب عنه عند أبي عوانة وأبي نعيم في المستخرج، وكان حماد ربما اقتصر على بعضهم كما سيأتي قريبا في " باب هل يصلي الإمام بمن حضر " عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي عن حماد عن عبد الحميد وعن عاصم فرقهما، ورواه مسلم عن الربيع عن حماد عن أيوب وعاصم من طرق أخرى منها وهيب عن أيوب، وحكى عن وهيب أن أيوب لم يسمعه من عبد الله بن الحارث وفيه نظر، لأن في رواية سليمان بن حرب عن حماد عن أيوب وعبد الحميد قالا: سمعنا عبد الله بن الحارث كذلك أخرجه الإسماعيلي وغيره، ولمسدد فيه شيخ آخر وهو ابن علية كما سيأتي في كتاب الجمعة إن شاء الله. قوله: "خطبنا" استدل به ابن الجوزي على أن الصلاة المذكورة كانت الجمعة، وفيه نظر. نعم وقع التصريح بذلك في رواية ابن علية ولفظه: "أن الجمعة عزمة". قوله: "في يوم رزغ" بفتح الراء وسكون الزاي بعدها غين معجمة كذا للأكثر هنا، ولابن السكن والكشميهني وأبي الوقت بالدال المهملة بدل الزاي. وقال القرطبي، إنها أشهر. وقال: والصواب الفتح فإنه الاسم، وبالسكون المصدر. انتهى. وبالفتح رواية القابسي، قال صاحب المحكم: الرزغ الماء القليل في الثماد، وقيل إنه طين وحل، وفي العين: الردغة الوحل والرزغة أشد منها. وفي الجمهرة والردغة والرزغة الطين القليل من مطر أو غيره. "تنبيه": وقع هنا يوم رزغ بالإضافة. وفي رواية الحجبي الآتية في يوم ذي رزغ وهي أوضح. وفي رواية ابن علية في يوم مطير. قوله: "فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره" كذا فيه، وكأن هنا حذفا تقديره أراد أن يقولها فأمره، ويؤيده رواية ابن علية " إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة " وبوب عليه ابن خزيمة وتبعه ابن حبان ثم المحب الطبري حذف " حي على الصلاة في يوم المطر " وكأنه نظر إلى المعنى لأن حي على الصلاة والصلاة في الرحال وصلوا في بيوتكم يناقض ذلك، وعند الشافعية وجه أنه يقول ذلك بعد الأذان، وآخر أنه يقوله بعد الحيعلتين، والذي يقتضيه الحديث ما تقدم. وقوله: "الصلاة في الرحال " بنصب الصلاة والتقدير صلوا الصلاة، والرحال جمع رحل وهو مسكن الرجل وما فيه من أثاثه. قال النووي: فيه أن هذه الكلمة تقال في نفس الأذان. وفي حديث ابن عمر يعني الآتي في " باب الأذان للمسافر " أنها تقال بعده، قال: والأمران جائزان كما نص عليه الشافعي، لكن بعده أحسن ليتم نظم الأذان. قال: ومن أصحابنا من يقول لا يقوله إلا بعد الفراغ، وهو ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس. انتهى. وكلامه يدل على أنها تزاد مطلقا إما في أثنائه وإما بعده، لا أنها بدل من حي على الصلاة، وقد تقدم عن ابن خزيمة ما يخالفه، وقد ورد الجمع بينهما في حديث آخر أخرجه عبد الرزاق
(2/98)

وغيره بإسناد صحيح عن نعيم ابن النحام قال: "أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم للصبح في ليلة باردة، فتمنيت لو قال: ومن قعد فلا حرج. فلما قال الصلاة خير من النوم قالها". قوله: "فقال فعل هذا" كأنه فهم من نظرهم الإنكار. وفي رواية الحجبي " كأنهم أنكروا ذلك " وفي رواية ابن علية " فكأن الناس استنكروا ذلك". قوله: "من هو خير منه" وللكشميهني: "منهم " وللحجبي " مني " يعني النبي صلى الله عليه وسلم، كذا في أصل الرواية، ومعني رواية الباب من هو خير من المؤذن، يعني فعله مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير من هذا المؤذن، وأما رواية الكشميهني ففيها نظر، ولعل من أذن كانوا جماعة إن كانت محفوظة، أو أراد جنس المؤذنين، أو أراد خير من المنكرين. قوله: "وإنها" أي الجمعة كما تقدم "عزمة" بسكون الزاي ضد الرخصة، زاد ابن علية " وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين " وفي رواية الحجبي من طريق عاصم " إلى أؤثمكم " وهي ترجح رواية من روى " أحرجكم " بالحاء المهملة. وفي رواية جرير عن عاصم عند ابن خزيمة: "أن أخرج الناس وأكلفهم أن يحملوا الخبث من طرقهم إلى مسجدكم " وسيأتي الكلام على ما يتعلق بسقوط الجمعة بعذر المطر في كتاب الجمعة إن شاء الله تعالى. ومطابقة الحديث للترجمة أنكرها الداودي فقال: لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان، بل القول المذكور من جملة الأذان في ذلك المحل، وتعقب بأنه وإن ساغ ذكره في هذا المحل لكنه ليس من ألفاظ الأذان المعهود، وطريق بيان المطابقة أن هذا الكلام لما جازت زيادته في الأذان للحاجة إليه دل على جواز الكلام في الأذان لمن يحتاج إليه.
(2/99)

11 - باب أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ
617- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِنَّ بِلاَلًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ
[الحديث617- أطرافه في 7248,2656,1918,623,620]
قوله: "باب أذان الأعمى" أي جوازه. قوله: "إذا كان له من يخبره" أي بالوقت، لأن الوقت في الأصل مبني على المشاهدة، وعلى هذا القيد يحمل ما روى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن مسعود وابن الزبير وغيرهما أنهم كرهوا أن يكون المؤذن أعمى، وأما ما نقله النووي عن أبي حنيفة وداود أن أذان الأعمى لا يصح فقد تعقبه السروجي بأنه غلط على أبي حنيفة، نعم في المحيط للحنفية أنه يكره. قوله: "حدثنا عبد الله بن مسلمة" هو القعنبي، قال الدار قطني: تفرد القعنبي بروايته إياه في الموطأ موصولا عن مالك، ولم يذكر غيره من رواة الموطأ فيه ابن عمر، ووافقه على وصله عن مالك - خارج الموطأ - عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق وروح بن عبادة وأبو قرة وكامل بن طلحة وآخرون، ووصله عن الزهري جماعة من حفاظ أصحابه. قوله: "إن بلالا يؤذن بليل" فيه إشعار بأن ذلك كان من عادته المستمرة، وزعم بعضهم أن ابتداء ذلك باجتهاد منه، وعلى تقدير صحته فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فصار في حكم المأمور به، وسيأتي الكلام على تعيين الوقت الذي كان يؤذن فيه من الليل بعد باب. قوله: "فكلوا" فيه إشعار بأن الأذان كان علامة عندهم على دخول الوقت فبين لهم أن أذان بلال بخلاف ذلك. قوله: "ابن أم مكتوم" اسمه عمرو كما سيأتي موصولا في الصيام وفضائل القرآن، وقيل: كان اسمه الحصين فسماه
(2/99)

النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، ولا يمتنع أنه كان له اسمان، وهو قرشي عامري، أسلم قديما، والأشهر في اسم أبيه قيس بن زائدة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويستخلفه على المدينة، وشهد القادسية في خلافة عمر فاستشهد بها، وقيل رجع إلى المدينة فمات، وهو الأعمى المذكور في سورة عبس، واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية. وزعم بعضهم أنه ولد أعمى فكنيت أمه أم مكتوم لانكتام نور بصره، والمعروف أنه عمي بعد بدر بسنتين صلى الله عليه وسلم. قوله: "وكان رجلا أعمى" ظاهره أن فاعل قال هو ابن عمر، وبذلك جزم الشيخ الموفق في " المغني " لكن رواه الإسماعيلي عن أبي خليفة والطحاوي عن يزيد بن سنان كلاهما عن القعنبي فعينا أنه ابن شهاب، وكذلك رواه إسماعيل بن إسحاق ومعاذ بن المثنى وأبو مسلم الكجي الثلاثة عند الدار قطني، والخزاعي عند أبي الشيخ، وتمام عند أبي نعيم، وعتمان الدارمي عند البيهقي، كلهم عن القعنبي. وعلى هذا ففي رواية البخاري إدراج. ويجاب عن ذلك بأنه لا يمنع كون ابن شهاب قاله أن يكون شيخه قاله، وكذا شيخ شيخه، وقد رواه البيهقي من رواية الربيع بن سليمان عن ابن وهب عن يونس والليث جميعا عن ابن شهاب وفيه: "قال سالم: وكان رجلا ضرير البصر " ففي هذا أن شيخ ابن شهاب قاله أيضا، وسيأتي في كتاب الصيام عن المصنف من وجه آخر عن ابن عمر ما يؤدي معناه، وسنذكر لفظه قريبا، فثبتت صحة وصله. ولابن شهاب فيه شيخ آخر أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه عن سعيد بن المسيب وفيه الزيادة، قال ابن عبد البر: هو حديث آخر لابن شهاب، وقد وافق ابن إسحاق معمرا فيه عن ابن شهاب. قوله: "أصبحت أصبحت" أي دخلت في الصباح، هذا ظاهره، واستشكل لأنه جعل أذانه غاية للأكل، فلو لم يؤذن حتى يدخل في الصباح للزم منه جواز الأكل بعد طلوع الفجر، والإجماع على خلافه إلا من شذ كالأعمش. وأجاب ابن حبيب وابن عبد البر والأصيلي وجماعة من الشراح بأن المراد قاربت الصباح ويعكر على هذا الجواب أن في رواية الربيع التي قدمناها " ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر: أذن " وأبلغ من ذلك أن لفظ رواية المصنف التي في الصيام " حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر " وإنما قلت إنه أبلغ لكون جميعه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا فقوله: "إن بلالا يؤذن بليل " يشعر أن ابن أم مكتوم بخلافه، ولأنه لو كان قبل الصبح لم يكن بينه وبين بلال فرق لصدق أن كلا منهما أذن قبل الوقت، وهذا الموضع عندي في غاية الإشكال، وأقرب ما يقال فيه إن أذانه جعل علامة لتحريم الأكل والشرب، وكأنه كان له من يراعي الوقت بحيث يكون أذانه مقارنا لابتداء طلوع الفجر وهو المراد بالبزوغ، وعند أخذه في الأذان يعترض الفجر في الأفق، ثم ظهر لي أنه لا يلزم من كون المراد بقولهم " أصبحت " أي قاربت الصباح وقوع أذانه قبل الفجر لاحتمال أن يكون قولهم ذلك يقع في آخر جزء من الليل وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر، وهذا وإن كان مستبعدا في العادة فليس بمستبعد من مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالملائكة، فلا يشاركه فيه من لم يكن بتلك الصفة، وقد روى أبو قرة من وجه آخر عن ابن عمر حديثا فيه: "وكان ابن أم مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه". وفي هذا الحديث جواز الأذان قبل طلوع الفجر، وسيأتي بعد باب، واستحباب أذان واحد بعد واحد. وأما
ـــــــ
(1)هذا فيه نظر . لأن ظاهر القرآن يدل على أنه عمى قبل الهجرة , لأن سورة عبس , النازله فيه مكية , وقد وصفه الله بأنه أعمى . فتنبه
(2/100)

أذان اثنين معا فمنع منه قوم، ويقال إن أول من أحدثه بنو أمية. وقال الشافعية: لا يكره إلا إن حصل من ذلك تهويش، واستدل به على جواز اتخاذ مؤذنين في المسجد الواحد، قال ابن دقيق العيد: وأما الزيادة على الاثنين فليس في الحديث تعرض له. انتهى. ونص الشافعي على جوازه ولفظه: ولا يتضيق صلى الله عليه وسلم إن أذن أكثر من اثنين، وعلى جواز تقليد الأعمى للبصير في دخول الوقت وفيه أوجه، واختلف فيه الترجيح، وصحح النووي في كتبه أن للأعمى والبصير اعتماد المؤذن الثقة، وعلى جواز شهادة الأعمى، وسيأتي ما فيه في كتاب الشهادات. وعلى جواز العمل بخبر الواحد، وعلى أن ما بعد الفجر من حكم النهار، وعلى جواز الأكل مع الشك في طلوع الفجر لأن الأصل بقاء الليل، وخالف في ذلك مالك فقال: يجب القضاء. وعلى جواز الاعتماد على الصوت في الرواية إذا كان عارفا به وإن لم يشاهد الراوي، وخالف في ذلك شعبة لاحتمال الاشتباه. وعلى جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة إذا كان يقصد التعريف ونحوه، وجواز نسبة الرجل إلى أمه إذا اشتهر بذلك واحتيج إليه.
(2/101)

3 - باب الأَذَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ
618- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ "أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاَةُ"
[ الحديث 618- طرفاه في : 1181,1173]
619-حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ"
620-حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِنَّ بِلاَلًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ"
قوله: "باب الأذان في الفجر" قال الزين بن المنير: قدم المصنف ترجمة الأذان بعد الفجر على ترجمة الأذان قبل الفجر فخالف الترتيب الوجودي، لأن الأصل في الشرع أن لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت، فقدم ترجمة الأصل على ما ندر عنه. وأشار ابن بطال إلى الاعتراض على الترجمة بأنه لا خلاف فيه بين الأئمة، وإنما الخلاف في جوازه قبل الفجر. والذي يظهر لي أن مراد المصنف بالترجمتين أن يبين أن المعنى الذي كان يؤذن لأجله قبل الفجر غير المعنى الذي كان يؤذن لأجله بعد الفجر، وأن الأذان قبل الفجر لا يكتفى به عن الأذان بعده، وأن أذان ابن أم مكتوم لم يكن يقع قبل الفجر، والله أعلم. قوله: "كان إذا اعتكف المؤذن للصبح" هكذا وقع عند جمهور رواة البخاري وفيه نظر، وقد استشكله كثير من العلماء، ووجهه بعضهم كما سيأتي، والحديث في الموطأ عند جميع رواته بلفظ
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض " ولا يضر"
(2/101)

"كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح " وكذا رواه مسلم وغيره وهو الصواب، وقد أصلح في رواية ابن شبويه عن الفربري كذلك. وفي رواية الهمداني " كان إذا أذن " بدل اعتكف، وهي أشبه بالرواية المصوبة. ووقع في رواية النسفي عن البخاري بلفظ كان إذا اعتكف وأذن المؤذن وهو يقتضي أن صنيعه ذلك كان مختصا بحال اعتكافه، وليس كذلك، والظاهر أنه من إصلاحه. وقد أطلق جماعة من الحفاظ القول بأن الوهم فيه من عبد الله بن يوسف شيخ البخاري، ووجه ابن بطال وغيره بأن معنى " اعتكف المؤذن " أي لازم ارتقابه ونظره إلى أن يطلع الفجر ليؤذن عند أول إدراكه. قالوا: وأصل العكوف لزوم الإقامة بمكان واحد، وتعقب بأنه يلزم منه أنه كان لا يصليهما إلا إذا وقع ذلك من المؤذن لما يقتضيه مفهوم الشرط، وليس كذلك لمواظبته عليهما مطلقا، والحق أن لفظ: "اعتكف " محرف من لفظ: "سكت " وقد أخرجه المؤلف في باب الركعتين بعد الظهر من طريق أيوب عن نافع بلفظ: "كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر". قوله: "وبدا الصبح" بغير همز أي ظهر، وأغرب الكرماني فصحح أنه بالنون المكسورة والهمزة بعد المد، وكأنه ظن أنه معطوف على قوله: "للصبح " فيكون التقدير واعتكف لنداء الصبح، وليس كذلك فإن الحديث في جميع النسخ من الموطأ والبخاري ومسلم وغيرها بالباء الموحدة المفتوحة وبعد الدال ألف مقصورة والواو فيه واو الحال لا واو العطف، وبذلك تتم مطابقة الحديث للترجمة، وسيأتي بقية الكلام عليه في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى.قوله: "عن عبد الله بن دينار" هذا إسناد آخر لمالك في هذا الحديث، قال ابن عبد البر: لم يختلف عليه فيه، واعترض ابن التيمي فقال: هذا الحديث لا يدل على الترجمة، لجعله غاية الأكل ابتداء أذان ابن أم مكتوم، فدل على أن أذانه كان يقع قبل الفجر بقليل. وجوابه ما تقدم تقريره في الباب الذي قبله. وقال الزين بن المنير: الاستدلال بحديث ابن عمر أوجه من غيره، فإن قوله: "حتى ينادي ابن أم مكتوم " يقتضي أنه ينادي حين يطلع الفجر، لأنه لو كان ينادي قبله لكان كبلال ينادي بليل. "تنبيه": قال ابن منده حديث عبد الله بن دينار مجمع على صحته، رواه جماعة من أصحابه عنه، ورواه عنه شعبة فاختلف عليه فيه: رواه يزيد بن هارون عنه على الشك أن بلالا كما هو المشهور، أو " أن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال". قال: ولشعبة فيه إسناد آخر، فإنه رواه أيضا عن خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة فذكره على الشك أيضا، أخرجه أحمد عن غندر عنه، ورواه أبو داود الطيالسي عنه جازما بالأول، ورواه أبو الوليد عنه جازما بالثاني، وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة، وكذلك أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن زاذان عن خبيب بن عبد الرحمن، وادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأن الصواب
(2/102)

حديث الباب، وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة، وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله: "إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد " وأخرجه أحمد، وجاء عن عائشة أيضا أنها كانت تنكر حديث ابن عمر وتقول إنه غلط، أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها فذكر الحديث وزاد: "قالت عائشة: وكان بلال يبصر الفجر " قال: وكانت عائشة تقول: غلط ابن عمر. انتهى. وقد جمع خزيمة والضبعي بين الحديثين بما حاصله: أنه يحتمل أن يكون الأذان كان نوبا بين بلال وابن أم مكتوم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن أذان الأول منهما لا يحرم على الصائم شيئا ولا يدل على دخول وقت الصلاة بخلاف الثاني. وجزم ابن حبان بذلك ولم يبده احتمالا، وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره، وقيل: لم يكن نوبا، وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان: فإن بلالا كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر، وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت: "كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في المدينة، فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن " أخرجه أبو داود وإسناده حسن، ورواية حميد عن أنس " أن سائلا سأل عن وقت الصلاة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن حين طلع الفجر " الحديث أخرجه النسائي وإسناده صحيح، ثم أردف بابن أم مكتوم وكان يؤذن بليل واستمر بلال على حالته الأولى، وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها، ثم في آخر الأمر أخر ابن أم مكتوم لضعفه ووكل به من يراعي له الفجر، واستقر أدان بلال بليل، وكان سبب ذلك ما روي أنه ربما كان أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه، وأنه أخطأ مرة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول: "ألا إن العبد نام " يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبين الفجر، وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا مرفوعا ورجاله ثقات حفاظ، لكن اتفق أئمة الحديث على ابن المديني وأحمد ابن حنبل والبخاري والذهلي وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدار قطني على أن حمادا أخطأ في رفعه، وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب، وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه وأن حمادا انفرد برفعه، ومع ذلك فقد وجد له متابع، أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زربي وهو بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة ثم ياء كياء النسب فرواه عن أيوب موصولا لكن سعيد ضعيف. ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضا، لكنه أعضله فلم يذكر نافعا ولا ابن عمر. وله طريق أخرى عن نافع عند الدار قطني وغيره اختلف في رفعها ووقفها أيضا، وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حميد بن هلال وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلة ووصلها يونس عن سعيد بذكر أنس، وهذه طرق يقوي بعضها بعضا قوة ظاهرة، فلهذا والله أعلم استقر أن بلالا يؤذن الأذان الأول، وسنذكر اختلافهم في تعيين الوقت المراد من قوله: "يؤذن بليل " في الباب الذي بعد هذا
(2/103)

13 - باب الأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ
621- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوْ الصُّبْحُ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا
(2/103)

إِلَى فَوْقُ وَطَأْطَأَ إِلَى أَسْفَلُ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا" وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الأُخْرَى ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ
[الحديث621- طرفاه في : 7247,5298]
622و623- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ح و حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ بِلاَلًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ"
[الحديث622- طرفه في : 1919]
قوله: "باب الأذان قبل الفجر" أي ما حكمه؟ هل يشرع أو لا؟ وإذا شرع هل يكتفى به عن إعادة الأذان بعد الفجر أو لا؟ وإلى مشروعيته مطلقا ذهب الجمهور. وخالف الثوري وأبو حنيفة ومحمد، وإلى الاكتفاء مطلقا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم، وخالف ابن خزيمة وابن المنذر وطائفة من أهل الحديث وقال به الغزالي في الإحياء، وادعى بعضهم أنه لم يرد في شيء من الحديث ما يدل على الاكتفاء، وتعقب بحديث الباب، وأجيب بأنه مسكوت عنه فلا يدل، وعلى التنزل فمحله فيما إذا لم يرد نطق بخلافه، وهنا قد ورد حديث ابن عمر وعائشة بما يشعر بعدم الاكتفاء، وكأن هذا هو السر في إيراد البخاري لحديثهما في هذا الباب عقب حديث ابن مسعود، نعم حديث زياد بن الحارث عند أبي داود يدل على الاكتفاء، فإن فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه، إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام، لكن في إسناده ضعف. وأيضا فهي واقعة عين وكانت في سفر، ومن ثم قال القرطبي: إنه مذهب واضح، غير أن العمل المنقول بالمدينة على خلافه. انتهى. فلم يرده إلا بالعمل على قاعدة المالكية. وادعى بعض الحنفية - كما حكاه السروجي منهم - أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان، وإنما كان تذكيرا أو تسحيرا كما يقع للناس اليوم، وهذا مردود، لكن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعا، وقد تضافرت الطرق على التعبير بلفظ الأذان، فحمله على معناه الشرعي مقدم، ولأن الأذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين. وسياق الخبر يقتضي أنه خشي عليهم الالتباس. وادعى ابن القطان أن ذلك كان في رمضان خاصة وفيه نظر. قوله: "زهير" هو ابن معاوية الجعفي. قوله: "عن أبي عثمان" في رواية ابن خزيمة من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه " حدثنا أبو عثمان " ولم أر هذا الحديث من حديث ابن مسعود في شيء من الطرق إلا من رواية أبي عثمان عنه، ولا من رواية أبي عثمان إلا من رواية سليمان التيمي عنه. واشتهر عن سليمان، وله شاهد في صحيح مسلم من حديث سمرة بن جندب. قوله: "أحدكم أو أحد منكم" شك من الراوي وكلاهما يفيد العموم وإن اختلفت الحيثية. قوله: "من سحوره" بفتح أوله اسم لما يؤكل في السحر، ويجوز الضم وهو اسم الفعل. قوله: "ليرجع" بفتح الياء وكسر الجيم المخففة يستعمل هذا لازما ومتعديا، يقال رجع زيد ورجعت زيدا ولا يقال في المتعدي بالتثقيل. فعلى هذا من رواه بالضم والتثقيل أخطأ فإنه يصير من الترجيع وهو الترديد، وليس مرادنا هنا، وإنما معناه يرد القائم - أي المتهجد - إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطا، أو
(2/104)

يكون له حاجة إلى الصيام فيتسحر، ويوقظ النائم ليتأهب لها بالغسل ونحوه، وتمسك الطحاوي بحديث ابن مسعود هذا لمذهبه فقال: فقد أخبر أن ذلك النداء كان لما ذكر لا للصلاة. وتعقب بأن قوله: "لا للصلاة " زيادة في الخبر، وليس فيه حصر فيما ذكر، فإن قيل تقدم في تعريف الأذان الشرعي أنه إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة والأذان قبل الوقت، ليس إعلاما بالوقت، فالجواب أن الإعلام بالوقت أعم من أن يكون إعلاما بأنه دخل أو قارب أن يدخل، وإنما اختصت الصبح بذلك من بين الصلوات لأن الصلاة في أول وقتها مرغب فيه، والصبح يأتي غالبا عقب نوم فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها ليتأهبوا ويدركوا فضيلة أول الوقت، والله أعلم. قوله: "وليس أن يقول الفجر" فيه إطلاق القول على الفعل أي يظهر، وكذا قوله: "وقال بأصابعه ورفعها" أي أشار. وفي رواية الكشميهني. " بإصبعيه ورفعهما". قوله: "إلى فوق" بالضم على البناء، وكذا "أسفل" لنية المضاف إليه دون لفظه نحو "لله الأمر من قبل ومن بعد". قوله: "وقال زهير" أي الراوي، وهي أيضا بمعنى أشار، وكأنه جمع بين إصبعيه ثم فرقهما ليحكي صفة الفجر الصادق لأنه يطلع معترضا ثم يعم الأفق ذاهبا يمينا وشمالا، بخلاف الفجر الكاذب وهو الذي تسميه العرب " ذنب السرحان " فإنه يظهر في أعلى السماء ثم ينخفض، وإلى ذلك أشار بقوله رفع وطأطأ رأسه. وفي رواية الإسماعيلي من طريق عيسى بن يونس عن سليمان " فإن الفجر ليس هكذا ولا هكذا، ولكن الفجر هكذا " فكأن أصل الحديث كان بهذا اللفظ مقرونا بالإشارة الدالة على المراد، وبهذا اختلفت عبارة الرواة، وأخصر ما وقع فيها رواية جرير عن سليمان عند مسلم: "وليس الفجر المعترض ولكن المستطيل". قوله: "حدثني إسحاق" لم أره منسوبا، وتردد فيه الجياني، وهو عندي ابن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه كما جزم به المزي، ويدل عليه تعبيره بقوله: "أخبرنا " فإنه لا يقول قط حدثنا بخلاف إسحاق ابن منصور وإسحاق نن نصر، وأما ما وقع بخط الدمياطي أنه الواسطي ثم فسره بأنه ابن شاهين فليس بصواب لأنه لا يعرف له عن أبي أسامة شيء، لأن أبا أسامة كوفي وليس في شيوخ ابن شاهين أحد من أهل الكوفة. قوله: "قال عبيد الله حدثنا" فاعل قال أبو أسامة، وعبيد الله قائل حدثنا، فالتقدير حدثنا عبيد الله. قوله: "عن نافع" هو معطوف على " عن القاسم بن محمد". والحاصل أنه أخرج الحديث عن عبيد الله بن عمر من وجهين: الأول ذكر له فيه إسناد بن نافع عن ابن عمر والقاسم عن عائشة، وأما الثاني فاقتصر فيه على الإسناد الثاني. قوله: "حتى يؤذن" في رواية الكشميهني: "حتى ينادي"، وقد أورده في الصيام بلفظ: "يؤذن " وزاد في آخره: "فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر " قال القاسم: لم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا، وفي هذا تقييد لما أطلق في الروايات الآخرى من قوله: "إن بلالا يؤذن بليل"، ولا يقال إنه مرسل لأن القاسم تابعي فلم يدرك القصة المذكورة، لأنه ثبت عند النسائي من رواية حفص بن غياث، وعند الطحاوي من رواية يحيى القطان كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة فذكر الحديث قالت: "ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا " وعلى هذا فمعنى قوله في رواية البخاري " قال القاسم " أي في روايته عن عائشة. وقد وقع عند مسلم في رواية ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثل هذه الزيادة، وفيها نظر أوضحته في كتاب " المدرج " وثبتت الزيادة أيضا في حديث أنيسة الذي تقدمت الإشارة إليه، وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر هو وقت السحور، وهو أحد الأوجه في المذهب واختاره السبكي في شرح المنهاج وحكى تصحيحه عن
(2/105)

القاضي حسين والمتولي وقطع به البغوي، وكلام ابن دقيق العيد يشعر به، فإنه قال بعد أن حكاه: يرجح هذا بأن قوله: "إن بلالا ينادي بليل " خبر يتعلق به فائدة للسامعين قطعا، وذلك إذا كان وقت الأذان مشتبها محتملا لأن يكون عند طلوع الفجر فبين صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يمنع الأكل والشرب بل الذي يمنعه طلوع الفجر الصادق، قال: وهذا يدل على تقارب وقت أذان بلال من الفجر. انتهى. ويقويه أيضا ما تقدم من أن الحكمة في مشروعيته التأهب لإدراك الصبح في أول وقتها، وصحح النووي في أكثر كتبه أن مبدأه من نصف الليل الثاني، وأجاب عن الحديث في شرح مسلم فقال: قال العلماء معناه أن بلالا كان يؤذن ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه، فإذا قارب طلوع الفجر نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب بالطهارة وغيرها ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر. وهذا - مع وضوح مخالفته لسياق الحديث - يحتاج إلى دليل خاص لما صححه حتى يسوغ له التأويل. ووراء ذلك أقوال أخرى معروفة في الفقهيات. واحتج الطحاوي لعدم مشروعية الأذان قبل الفجر بقوله: لما كان بين أذانيهما من القرب ما ذكر في حديث عائشة ثبت أنهما كانا يقصدان وقتا واحدا وهو طلوع الفجر فيخطئه بلال ويصيبه ابن أم مكتوم. وتعقب بأنه لو كان كذلك لما أقره النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنا واعتمد عليه، ولو كان كما ادعى لكان وقوع ذلك منه نادرا. وظاهر حديث ابن عمر يدل على أن ذلك كان شأنه وعادته، والله أعلم.
(2/106)

14 - باب كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ
624- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ ثَلاَثًا لِمَنْ شَاءَ"
[الحديث624- طرفه في : 627]
625- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الأَنْصَارِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ شَيْءٌ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ قَلِيلٌ"
قوله: "باب كم بين الأذان والإقامة" أما " باب " فهو في روايتنا بلا تنوين و " كم " استفهامية ومميزها محذوف وتقديره ساعة أو صلاة أو نحو ذلك، ولعله أشار بذلك إلى ما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال " اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته " أخرجه الترمذي والحاكم لكن إسناده ضعيف، وله شاهد من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان أخرجهما أبو الشيخ ومن حديث أبي بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وكلها واهية، فكأنه أشار إلى أن التقدير بذلك لم يثبت. وقال ابن بطال: لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين، ولم يختلف العلماء في التطوع بين الأذان والإقامة إلا في المغرب كما سيأتي. ووقع هنا في رواية نسبت للكشميهني: "ومن انتظر الإقامة " وهو خطأ فإن هذا اللفظ ترجمة تلي هذه. قوله: "حدثنا إسحاق الواسطي" هو ابن شاهين، ويحتمل أن يكون هو الذي
(2/14)

15 - باب مَنْ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ
626- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ
[الحديث626-أطرافه في : 6310,1170,1160,1123,994]
قوله: "باب من انتظر الإقامة" موضع الترجمة من الحديث قوله: "ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن " وأوردها مورد الاحتمال تنبيها على اختصاص ذلك بالإمام لأن المأموم مندوب إلى إحراز الصف الأول، ويحتمل أن يشارك الإمام في ذلك من كان منزله قريبا من المسجد، وقيل يستفاد من حديث الباب أن الذي ورد من الحض على الاستباق إلى المسجد هو لمن كان على مسافة من المسجد، وأما من كان يسمع الإقامة من داره فانتظاره للصلاة إذا كان متهيئا لها كانتظاره إياها في المسجد، وفي مقصود الترجمة أيضا ما أخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال: "كان بلال يؤذن ثم لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم".قوله ( إذا سكت المؤذن ) أي فرغ من الأذان بالسكوت عنه , هذا في الروايات المعتمدة بالمثناة الفوقانية , وحكى ابن التين أنه روى بالموحدة , ومعناه صب الاذان وأفرغه في الآذان , ومنه أفرغ في أذني كلاما حسنا أهـ .والرواية المذكورة لم تثبت في شيء من الطرق , وانما ذكرها الخطابي من طريق الأوزاعي عن الزهري وقال: إن سويد بن نصر – راويها عن ابن المبارك عنه- ضبطها بالموحدة . وافرط الصغاني في العباب فجزم أنها بالموحدة , وكذا ضبطها في نسخته التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري , وأن المحدثين يقولونها بالمثناة , ثم أدعى أنها تصحيف وليس كما قال . قوله ( بالاولى ) أي عن الاولى , وهي متعلقه بسكت يقال سكت عن كذا إذا تركه , والمراد بالاولى الاذان الذي يؤذن به عند دخول الوقت , وهو أول باعتبار الاقامة وتان باعتبار الاذان الذي قبل الفجر , وجاءه التانيث إما من قبل مؤخاته للاقامة أو لانه أراد المناداة أو الدعوة التامة , ويحتمل ان يكون صفة لمحذوف والتقدير اذا سكت عن المرة الاولى
(2/109)

أو في المرة الاولى . (تنبيه) : أخرج البيهقي من طريق موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج بعد النداء إلى المسجد, فإن رأى أهل المسجد قليلا جلس حتى يجتمعوا ثم يصلى" وإسانده قوي مع ارساله , وليس بينه وبين حديث الباب تعارض لانه يحمل على غير الصبح , أو كان يفعل ذلك بعد أن يأتيه المؤذن ويخرج معه إلى المسجد . قوله (يستبين)بموحدة وآخره نون , وفي رواية (يستنير ) بنون وآخره راء , وسيأتي الكلام على ركعتي الفجر في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى
(2/110)

16 - باب بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ لِمَنْ شَاءَ
627- حدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن المغفل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "بين كل أذانين صلاة , بين كل أذانين صلاة – ثم قال في الثالثة: - لمن شاء "
قوله: "باب بين كل أذانين صلاة" تقدم الكلام على فوائده قبل باب، وترجم هنا بلفظ الحديث، وهناك ببعض ما دل عليه.
(2/110)

17 - باب مَنْ قَالَ لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ
628- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ"
[ الحديث 628- أطرافه في : 7246,6008,2848,819,685,658,631,630]
قوله: "باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد" كأنه يشير إلى ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح " أن ابن عمر كان يؤذن للصبح في السفر أذانين " وهذا مصير منه إلى التسوية بين الحضر والسفر، وظاهر حديث الباب أن الأذان في السفر لا يتكرر، لأنه لم يفرق بين الصبح وغيرها، والتعليل الماضي في حديث ابن مسعود يؤيده، وعلى هذا فلا مفهوم لقوله مؤذن واحد في السفر لأن الحضر أيضا لا يؤذن فيه إلا واحد، ولو احتج إلى تعددهم لتباعد أقطار البلد أذن كل واحد في جهة ولا يؤذنون جميعا، وقد قيل أن أول من أحدث التأذين جميعا بنو أمية. وقال الشافعي في " الأم ": وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن ولا يؤذن جماعة معا، وإن كان مسجد كبير فلا بأس أن يؤذن في كل جهة منه مؤذن يسمع من يليه في وقت واحد. قوله ( في نفر ) هم من ثلاثة إلى عشرة. قوله (منقومي)هم بنو ليثبن بكر بن عبد مناف بن كنانة, وكان قدوم وفد بني ليث فيما ذكره ابن سعد بأسانيد متعددة أن واثلة الليثي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لتبوك . قوله (رفيقا)بفاء ثم قاف من الرفق, وفي رواية الاصيلي قيل والكشميهني بقافين أي رقيق القلب . قوله (وصلوا) زاد في رواية إسماعيل بن علية عن أيوب "كما رأيتموني أصلي " , وهو في باب رحمة الناس والبهائم " من كتاب الأدب , ومثله في باب خبر الواحد من رواية عبد الوهاب الثقفي عن أيوب . قوله ( فإذا حضرت الصلاة ) وجه مطابقته للترجمة مع أن ظاهره
(2/110)

باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة وجمع وقول المؤذن (الصلاة في الرحال) في الليلة الباردة أو المطيرة
...
18 - باب الأَذَانِ لِلْمُسَافِرِ إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَالإِقَامَةِ
وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ وَقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ
629- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ"
630- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ أَتَى رَجُلاَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدَانِ السَّفَرَ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا
631- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ" قوله: "باب الأذان للمسافرين" كذا للكشميهني وللباقين " للمسافر " بالإفراد، وهو للجنس. قوله: "إذا كانوا جماعة" هو مقتضى الأحاديث التي أوردها، لكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد، وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول: إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادى بالصلاة ليجتمعوا لها، فأما غيرهم فإنما هي الإقامة. وحكى نحو ذلك عن مالك. وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعة الأذان لكل أحد، وقد تقدم حديث أبي سعيد في " باب رفع الصوت بالنداء " وهو يقتضي استحباب الأذان للمنفرد، وبالغ عطاء فقال: إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة، ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى
(2/111)

استحباب الإعادة لا وجوبها. قوله: "والإقامة" بالخفض عطفا على الأذان، ولم يختلف في مشروعية الإقامة في كل حال. قوله: "وكذلك بعرفة" لعله يشير إلى حديث جابر الطويل في صفة الحج، وهو عند مسلم، وفيه أن بلالا أذن وأقام لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر يوم عرفة. قوله: "وجمع" بفتح الجيم وسكون الميم هي مزدلفة، وكأنه أشار بذلك إلى حديث ابن مسعود الذي ذكره في كتاب الحج وفيه: أنه صلى المغرب بأذان وإقامة. ، والعشاء بأذان وإقامة، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. قوله: "وقول المؤذن" هو بالخفض أيضا. وقد تقدم الكلام على حديث أبي ذر مستوفى في " باب الإبراد بالظهر " في المواقيت، وفيه البيان أن المؤذن هو بلال وأنه أذن وأقام، فيطابق هذه الترجمة. قوله ( حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي, وبذلك صرح أبو نعيم في المستخرج وسفيان هو الثوري, وقد روى البخاري عن محمد بن يوسف أيضا عن سفيان بن عيينه , لكنه محمد بن يوسف البيكندي وليست له رواية عن الثوري , وإذا روى عن ابن عيينه بينه , وقد قدمنا ذلك . قوله(أتى رجلان ) هما مالك بن الحويرث راوي الحديث ورفيقه , وسيأتي في " باب سفر الاثنين", من كتاب الجهاد بلفظ "انصرفت من عند النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي" ولم أر في شيء من طرقه تسمية صاحبه . قوله ( فأذنا) قال أبو الحسن بن القصار : أراد به الفضل , وإلا فاذان الواحد يجزي, وكأنه فهم منه أنه أمرهما أن يؤذنان معا فليس ذلك بمراد , وقد قدمنا النقل عن السلف بخلافه . وإن أراد كلا منهما يؤذن على حدة ففيه نظر فان أذان الواحد يكفي الجماعة . نعم يستحب لكل أحد إجابة المؤذن , فالاولى حمل الأمر على أن أحدهما يؤذن والآخر يجيب , وقد تقدم له توجيه آخر في الباب الذي قبله , وأن الحامل على صرفه عن ظاهره قوله فيه " فليؤذن لكم أحدكم " . وللطبراني من طريق حماد بن سلمه عن خالد الحذاء في هذا الحديث" إذا كنت مع صاحبك فأذن وأقم , وليؤمكما أكبركما" وأستروح القرطبي فحمل اختلاف ألفاظ الحديث على تعدد القصة , وهو بعيد , وقال الكرماني: قد يطلق الأمر بالتثنية وبالجمع والمراد واحد . قوله ( ثم أقيما) فيه حجة لمن قال باستحباب إجابة المؤذن بالاقامة إن حمل الأمر على ما مضى , وإلا فالذي يؤذن هو الذي يقيم. "تنبيه": وقع هنا في رواية أبي الوقت " حدثنا محمد بن المثني حدثنا عبد الوهاب عن أيوب " فذكر حديث مالك بن الحويرث مطولا نحو ما مضى في الباب قبله، وسيأتي بتمامه في " باب خبر الواحد"، وعلى ذكره هناك اقتصر باقي الرواة.
632- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ"
[ الحديث 632- طرفه في : 666]
633- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَبْطَحِ فَجَاءَهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ خَرَجَ بِلاَلٌ بِالْعَنَزَةِ حَتَّى رَكَزَهَا
(2/112)

بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَبْطَحِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ"
قوله: "حدثنا يحيى" هو القطان. قوله: "بضجنان" هو بفتح الضاد المعجمة وبالجيم بعدها نون على وزن فعلان غير مصروف، قال صاحب الصحاح وغيره: هو جبل بناحية مكة. وقال أبو موسى في ذيل الغريبين: هو موضع أو جبل بين مكة والمدينة. وقال صاحب المشارق ومن تبعه: هو جبل على بريد من مكة. وقال صاحب الفائق: بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلا، وبينه وبين وادي مريسعة أميال. انتهى. وهذا القدر أكثر من بريدين. وضبطه بالأميال يدل على مزيد اعتناء، وصاحب الفائق ممن شاهد تلك الأماكن واعتنى بها، خلاف من تقدم ذكره ممن لم يرها أصلا. ويؤيده ما حكاه أبو عبيد البكري قال: وبين قديد وضجنان يوم. قال معبد الخزاعي:
قد جعلت ماء قديد موعدي ... وماء ضجنان لها ضحى الغد
قوله: "وأخبرنا" أي ابن عمر. قوله: "كان يأمر مؤذنا" في رواية مسلم كان يأمر المؤذن. قوله: "ثم يقول على أثره" صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان. وقال القرطبي: لما ذكر رواية مسلم بلفظ: "يقول في آخر ندائه " يحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه، جمعا بينه وبين حديث ابن عباس. انتهى. وقد قدمنا في " باب الكلام في الأذان " عن ابن خزيمة أنه حمل حديث ابن عباس على ظاهره، وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة نظرا إلى المعنى لأن معنى " حي على الصلاة " هلموا إليها، ومعنى " الصلاة في الرحال " تأخروا عن المجيء ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر ا هـ. ويمكن الجمع بينهما، ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة. ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فمطرنا، فقال: ليصل من شاء منكم في رحله. قوله: "في الليلة الباردة أو المطيرة" قال الكرماني فعيلة بمعنى فاعلة، وإسناد المطر إليها مجاز، ولا يقال إنها بمعنى مفعولة - أي ممطور فيها - لوجود الهاء في قوله مطيرة إذ لا يصح ممطورة فيها ا هـ. ملخصا. وقوله: "أو" للتنويع لا للشك، وفي صحيح أبي عوانة " ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح " ودل ذلك على أن كلا من الثلاثة عذر في التأخر عن الجماعة، ونقل ابن بطال فيه الإجماع، لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط، وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل، لكن في السنن من طريق ابن إسحاق عن نافع في هذا الحديث: "في الليلة المطيرة والغداة القرة"، وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه " أنهم مطروا يوما فرخص لهم " ولم أر في شيء من الأحاديث الترخص بعذر الريح في النهار صريحا، لكن القيام يقتضي إلحاقه، وقد نقله ابن الرفعة وجها. قوله: "في السفر" ظاهره اختصاص ذلك بالسفر، ورواية مالك عن نافع الآتية في أبواب صلاة الجماعة مطلقة، وبها أخذ الجمهور، لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقا، ويلحق به من تلحقه بذلك مشقة في الحضر دون من لا تلحقه، والله أعلم. قوله: "حدثنا إسحاق" وقع في رواية أبي الوقت أنه ابن منصور، وبذلك جزم خلف في الأطراف، وقد تردد الكلاباذي هل هو ابن إبراهيم أو ابن منصور، ورجح الجياني أنه ابن منصور واستدل على ذلك بأن مسلما أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد عن إسحاق بن منصور. قوله: "فآذنه بالصلاة ثم خرج بلال" اختصره المصنف، وقد أخرجه الإسماعيلي من طرق
(2/113)

عن جعفر ابن عون فقال بعد قوله بالصلاة " فدعا بوضوء فتوضأ " فذكر القصة. قوله: "وأقام الصلاة" اختصر بقيته، وهي عند الإسماعيلي أيضا وهي " وركزها بين يديه والظعن يمرون " الحديث، وقد قدمنا الكلام عليه في " باب سترة الإمام سترة لمن خلفه". قوله: "بالأبطح" هو موضع معروف خارج مكة، وقد بيناه في ذلك الباب، وفهم بعضهم أن المراد بالأبطح موضع جمع لذكره لها في الترجمة، وليس ذلك مراده، بل بين جمع والأبطح مسافة طويلة، وإنما أورد حديث أبي جحيفة لأنه يدخل في أصل الترجمة وهي مشروعية الأذان والإقامة للمسافرين.
(2/114)

باب هل يتتبع المؤذن فاه هاهنا وهاهنا وهل يلتفت في الأذان
...
19 - باب هَلْ يَتَتَبَّعُ الْمُؤَذِّنُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا وَهَلْ يَلْتَفِتُ فِي الأَذَانِ
وَيُذْكَرُ عَنْ بِلاَلٍ أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَقَالَ عَطَاءٌ الْوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ
634- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى بِلاَلًا يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا بِالأَذَانِ"
قوله: "باب هل يتتبع المؤذن فاه هاهنا وهاهنا" هو بياء تحتانية ثم بتاءين مفتوحات ثم بموحدة مشددة من التتبع. وفي رواية الأصيلي: "يتبع " بضم أوله وإسكان المثناة وكسر الموحدة من الاتباع، والمؤذن بالرفع لأنه فاعل التتبع، وفاه منصوب على المفعولية، و " هاهنا وهاهنا " ظرفا مكان والمراد بهما جهتا اليمين والشمال كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكلام على الحديث. وقال الكرماني: لفظ المؤذن بالنصب وفاعله محذوف تقديره الشخص ونحوه، وفاه بالنصب بدل من المؤذن، قال: ليوافق قوله في الحديث: "فجعلت أتتبع فاه " ا هـ. وليس ذلك بلازم، لما عرف من طريقة المصنف أنه لا يقف مع اللفظ الذي يورده غالبا بل يترجم له ببعض ألفاظه الواردة فيه، وكذا وقع هاهنا، فإن في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند أبي عوالة في صحيحه " فجعل يتتبع بفيه يمينا وشمالا". وفي رواية وكيع عن سفيان عند الإسماعيلي: "رأيت بلالا يؤذن يتتبع بفيه: "ووصف سفيان يميل برأسه يمينا وشمالا، والحاصل أن بلالا كان يتتبع بفيه الناحيتين، وكان أبو جحيفة ينظر إليه فكل منهما متتبع باعتبار. قوله: "وهل يلتفت في الأذان" يشير إلى ما قدمناه في رواية وكيع وفي رواية إسحاق الأزرق عن سفيان عند النسائي: "فجعل ينحرف يمينا وشمالا " وسيأتي في رواية يحيى بن آدم بلفظ: "والتفت". قوله: "ويذكر عن بلال أنه جعل إصبعيه في أذنيه" يشير بذلك إلى ما وقع في رواية عبد الرزاق وغيره عن سفيان كما سنوضحه بعد. قوله: "وكان ابن عمر الخ" أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن طريق نسير وهو بالنون والمهملة مصغر ابن ذعلوق بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة وضم اللام عن ابن عمر. قوله: "وقال إبراهيم" يعني النخعي الخ وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن جرير عن منصور عنه بذلك وزاد: "ثم يخرج فيتوضأ ثم يرجع فيقيم". قوله: "وقال عطاء الخ" وصله عبد الرزاق عن ابن جرير قال: "قال لي عطاء: حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن المؤذن إلا متوضئا، هو من الصلاة، هو فاتحة الصلاة " ولابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء " أنه كره أن يؤذن الرجل على غير
(2/114)

وضوء " وقد ورد فيه حديث مرفوع أخرجه الترمذي والبيهقي من حديث أبي هريرة وفي إسناده ضعف. قوله: "وقالت عائشة" تقدم الكلام عليه في " باب تقضي الحائض المناسك " من كتاب الحيض، وأن مسلما وصله. وفي إيراد البخاري له هنا إشارة إلى اختيار قول النخعي، وهو قول مالك والكوفيين لأن الأذان من جملة الأذكار فلا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة من الطهارة ولا من استقبال القبلة، كما لا يستحب فيه الخشوع الذي ينافيه الالتفات وجعل الإصبع في الأذن، وبهذا تعرف مناسبة ذكره لهذه الآثار في هذه الترجمة ولاختلاف نظر العلماء فها أوردها بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم. قوله: "حدثنا محمد بن يوسف" هو الفريابي، وسفيان هو الثوري. قوله: "هاهنا وهاهنا بالأذان" كذا أورده مختصرا، ورواية وكيع عن سفيان عند مسلم أتم حيث قال: "فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يمينا وشمالا يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح " وهذا فيه تقييد للالتفات في الأذان وأن محله عند الحيعلتين، وبوب عليه ابن خزيمة: "انحراف المؤذن عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح بفمه لا ببدنه كله " قال: وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه، ثم ساقه من طريق وكيع أيضا بلفظ: "فجعل يقول في أذانه هكذا، ويحرف رأسه يمينا وشمالا " وفي رواية عبد الرزاق عن الثوري في هذا الحديث زيادتان: إحداهما الاستدارة، والأخرى وضع الإصبع في الأذن، ولفظه عند الترمذي " رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وإصبعاه في أذنيه " فأما قوله: "ويدور " فهو مدرج في رواية سفيان عن عون، بين ذلك يحيى بن آدم عن سفيان عن عون عن أبيه قال: "رأيت بلالا أذن فأتبع فاه هاهنا وهاهنا والتفت يمينا وشمالا " قال سفيان: كان حجاج - يعني ابن أرطاة - يذكر لنا عن عون أنه قال: "فاستدار في أذانه " فلما لقينا عونا لم يذكر فيه الاستدارة، أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من طريق يحيى بن آدم، وكذا أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان، لكن لم يسم حجاجا، وهو مشهور عن حجاج أخرجه ابن ماجه وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم من طريقه ولم ينفرد به بل وافقه إدريس الأودي ومحمد العرزمي عن عون، لكن الثلاثة ضعفاء، وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون فقال في حديثه " ولم يستدر " أخرجه أبو داود، ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عني استدارة الرأس، ومن نفاها عني استدارة الجسد كله. ومشى ابن بطال ومن تبعه على ظاهره فاستدل به على جواز الاستدارة بالبدن كله، قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على استدارة المؤذنين للإسماع عند التلفظ بالحيعلتين، واختلف هل يستدير ببدنه كله أو بوجهه فقط وقدماه قارتان مستقبل القبلة؟ واختلف أيضا هل يستدير في الحيعلتين الأوليين مرة وفي الثانيتين مرة، أو يقول حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الصلاة عن شماله وكذا في الأخرى؟ قال: ورجح الثاني لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما، قال: والأول أقرب إلى لفظ الحديث. وفي المغني عن أحمد: لا يدور إلا إن كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين. وأما وضع الإصبعين في الأذنين فقد رواه مؤمل أيضا عن سفيان أخرجه أبو عوانة، وله شواهد ذكرتها في " تعليق التعليق " من أصحها ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه قال: قلت لبلال كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فذكر الحديث وفيه: "قال بلال: فجعلت إصبعي في أذني فأذنت " ولابن ماجه والحاكم من حديث سعد القرظ " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل إصبعيه في أذنيه " وفي إسناده ضعف، قال العلماء في ذلك فائدتان: إحداهما أنه قد يكون أرفع لصوته، وفيه حديث ضعيف أخرجه أبو الشيخ من طريق سعد القرظ عن بلال،
(2/115)

ثانيهما أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن، ومن ثم قال بعضهم: يجعل يده فوق أذنه حسب، قال الترمذي: استحب أهل العلم أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان، قال: واستحبه الأوزاعي في الإقامة أيضا. "تنبيه": لم يرد تعيين الإصبع التي يستحب وضعها، وجزم النووي أنها المسبحة، وإطلاق الإصبع مجاز عن الأنملة. "تنبيه آخر": وقع في المغني للموفق نسبة حديث أبي جحيفة بلفظ: "أن بلالا أذن ووضع إصبعيه في أذنيه " إلى تخريج البخاري ومسلم، وهو وهم، وساق أبو نعيم في المستخرج حديث الباب من طريق عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق عن سفيان بلفظ عيد الرزاق من غير بيان فما أجاد، لإيهامه أنهما متوافقتان، وقد عرفت ما في رواية عبد الرزاق من الإدراج، وسلامة رواية عبد الرحمن من ذلك، والله المستعان.
(2/116)

20 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ فَاتَتْنَا الصَّلاَةُ
وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَقُولَ فَاتَتْنَا الصَّلاَةُ وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَمْ نُدْرِكْ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَحُّ
635- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ فَلاَ تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"
قوله: "باب قول الرجل فاتتنا الصلاة" أي هل يكره أم لا؟ قوله: "وكره ابن سيرين الخ" وصله ابن أبي شيبة عن أزهر عن ابن عون قال: "كان محمد - يعني ابن سيرين - يكره " فذكره. قوله: "وقول النبي صلى الله عليه وسلم" هو بالرفع على الابتداء، وأصح خبره. وهذا كلام المصنف رادا على ابن سيرين. ووجه الرد أن الشارع أطلق لفظ الفوات فدل على الجواز، وابن سيرين مع كونه كرهه فإنما كرهه من جهة اللفظ لأنه قال: "وليقل لم ندرك " وهذا محصل معنى الفوات، لكن قوله لم ندرك فيه نسبة عدم الإدراك إليه بخلاف فاتتنا، فلعل ذلك هو الذي لحظه ابن سيربن. وقوله أصح معناه صحيح أي بالنسبة إلى قول ابن سيرين، فإنه غير صحيح لثبوت النص بخلافه. وعند أحمد من حديث أبي قتادة في قصة نومهم عن الصلاة " فقلت يا رسول الله فاتتنا الصلاة " ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وموقع هذه الترجمة وما بعدها من أبواب الأذان والإقامة أن المرء عند إجابة المؤذن يحتمل أن يدرك الصلاة كلها أو بعضها أو لا يدرك شيئا، فاحتيج إلى جواز إطلاق الفوات وكيفية الإتيان إلى الصلاة وكيفية العمل عند فوات البعض ونحو ذلك. قوله: "شيبان" هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير. قوله: "عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه" في رواية مسلم من طريق معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير التصريح بإخبار عبد الله له به وبإخبار أبي قتادة لعبد الله. قوله: "جلبة الرجال" وفي رواية كريمة والأصيلي: "جلبة رجال " بغير ألف ولام وهما للعهد الذهني، وقد سمي منهم أبو بكرة فيما رواه الطبراني من رواية يونس عن الحسن عنه نحوه في نحو هذه القصة. و " جلبة " بجيم ولام وموحدة مفتوحات، أي أصواتهم حال حركتهم. واستدل به على أن التفات خاطر المصلي إلى الأمر الحادث لا يفسد صلاته، وسنذكر الكلام على المتن في الباب الذي بعده.
(2/116)

باب لا يسمى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار
...
21- باب لاَ يَسْعَى إِلَى الصَّلاَةِ وَلْيَأْتِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
وَقَالَ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا قَالَهُ أَبُو قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
636- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلاَ تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"
[الحديث636 – طرفه في : 908]
قوله: "باب لا يسعى إلى الصلاة الخ" سقطت هذه الترجمة من رواية الأصيلي ومن رواية أبي ذر عن غير السرخسي، وثبوتها أصوب لقوله فيها " وقاله أبو قتادة " لأن الضمير يعود على ما ذكر في الترجمة، ولولا ذلك لعاد الضمير إلى المتن السابق فيكون ذكر أبي قتادة تكرارا بلا فائدة لأنه ساقه عنه. قوله: "وعن الزهري" أي بالإسناد الذي قبله، وهو آدم عن ابن أبي ذئب عنه، أي أن ابن أبي ذئب حدث به عن الزهري عن شيخين حدثاه به عن أبي هريرة، وقد جمعهما المصنف في " باب المشي إلى الجمعة " عن آدم فقال فيه: "عن سعيد وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة " وكذلك أخرجه مسلم من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عنهما، وذكر الدار قطني الاختلاف فيه على الزهري وجزم بأنه عنده عنهما جميعا قال: وكان ربما اقتصر على أحدهما. وأما الترمذي فإنه أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة وحده، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد وحده، قال: وقول عبد الرزاق أصح، ثم أخرجه من طريق ابن عيينة عن الزهري كما قال عبد الرزاق، وهذا عمل صحيح لو لم يثبت أن الزهري حدث به عنهما. وقد أخرجه المصنف في " باب المشي إلى الجمعة " من طريق شعيب ومسلم من طريق يونس كلاهما عن الزهري عن أبي سلمة وحده فترجح ما قال الدار قطني. قوله: "إذا سمعتم الإقامة" هو أخص من قوله في حديث أبي قتادة " إذا أتيتم الصلاة " لكن الظاهر أنه من مفهوم الموافقة، لأن المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى ونحو ذلك، ومع ذلك فقد نهى عن الإسراع، فغيره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها فينهي عن الإسراع من باب الأولى.
وقد لحظ فيه بعضهم معنى غير هذا فقال: الحكمة في التقييد بالإقامة أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إلها وقد انبهر فيقرأ وهو في تلك الحالة فلا يحصل له تمام الخشوع في الترتيل وغيره، بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة قد لا تقام فيه حتى يستريح.
انتهى.
وقضية هذا أنه لا يكره الإسراع لمن جاء قبل الإقامة، وهو مخالف لصريح قوله: "إذا أتيتم الصلاة " لأنه يتناول ما قبل الإقامة، وإنما قيد في الحديث الثاني بالإقامة لأن ذلك هو الحامل في الغالب على الإسراع.
قوله: "وعليكم بالسكينة" كذا في رواية أبي ذر، ولغيره: "وعليكم السكينة " بغير باء، وكذا في رواية مسلم من طريق يونس، وضبطها القرطبي شارحه بالنصب على الإغراء، وضبطها النووي بالرفع على أنها جملة في موضع الحال، واستشكل بعضهم دخول الباء قال: لأنه متعد بنفسه كقوله تعالى: {عليكم أنفسكم} وفيه نظر لثبوت زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث: "عليكم برخصة الله " وحديث: "فعليه بالصوم فإنه له وجاء " وحديث: "فعليك بالمرأة " قاله لأبي طلحة في قصة صفية، وحديث: "عليك بعيبتك " قالته عائشة
(2/117)

لعمر، وحديث: "عليكم بقيام الليل " وحديث: "عليك بخويصة نفسك " وغير ذلك. ثم إن الذي علل به هذا المعترض غير موف بمقصوده، إذ لا يلزم من كونه يجوز أن يتعدى بنفسه امتناع تعديه بالماء، وإذا ثبت ذلك فيدل على أن فيه لغتين والله أعلم. "فائدة": الحكمة في هذا الأمر تستفاد من زيادة وقعت في مسلم من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، فذكر نحو حديث الباب وقال في آخره: "فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة " أي أنه في حكم المصلي، فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه. قوله: "والوقار" قال عياض والقرطبي: هو بمعنى السكينة، وذكر على سبيل التأكيد. وقال النووي: الظاهر أن بينهما فرقا، وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث، والوقار في الهيئة كغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات. قوله: "ولا تسرعوا" فيه زيادة تأكيد، ويستفاد منه الرد على من أول قوله في حديث أبي قتادة " لا تفعلوا " أي الاستعجال المفضي إلى عدم الوقار، وأما الإسراع الذي لا ينافي الوقار كمن خاف فوت التكبيرة فلا، وهذا محكي عن إسحاق بن راهويه وقد تقدمت رواية العلاء التي فيها " فهو في صلاة " قال النووي: نبه بذلك على أنه لم يدرك من الصلاة شيئا لكان محصلا لمقصوده لكونه في صلاة، وعدم الإسراع أيضا يستلزم كثرة الخطا وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث كحديث جابر عند مسلم: "أن بكل خطوة درجة " ولأبي داود من طريق سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار مرفوعا: "إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة، فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى وقد صلوا بعضا وبقي بعض فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، وإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك". قوله: "فما أدركتم فصلوا" قال الكرماني: الفاء جواب شرط محذوف، أي إذا بينت لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا. قلت: أو التقدير إذا فعلتم فا أدركتم أي فعلتم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع. واستدل بهذا الحديث على حصول فضيلة الجماعة بإدراك جزء من الصلاة لقوله: "فما أدركتم فصلوا " ولم يفصل بين القليل والكثير، وهذا قول الجمهور، وقيل: لا تدرك الجماعة بأقل من ركعة للحديث السابق " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك " وقياسا على الجمعة، وقد قدمنا الجواب عنه في موضعه وأنه ورد في الأوقات، وأن في الجمعة حديثا خاصا بها. واستدل به أيضا على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وجد عليها، وفيه حديث أصرح منه أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع عن رجل من الأنصار مرفوعا : "من وجدني راكعا أو قائما أو ساجدا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها" . قوله: "وما فاتكم فأتموا" أي أكملوا، هذا هو الصحيح في رواية الزهري، ورواه عنه ابن عيينة بلفظ: "فاقضوا " وحكم مسلم في التمييز عليه بالوهم في هذه اللفظة، مع أنه أخرج إسناده في صحيحه لكن لم يسق لفظه، وكذا روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة فقال: "فاقضوا " وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بلفظ: "فأتموا" . واختلف أيضا في حديث أبي قتادة، فرواية الجمهور " فأتموا " ووقع لمعاوية بن هشام عن سفيان " فاقضوا " كذا ذكره ابن أبي شيبة عنه. وأخرج مسلم إسناده في صحيحه عن ابن أبي شيبة فلم يسق لفظه أيضا، وروى أبو داود مثله عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: ووقعت في رواية أبي رافع عن أبي هريرة، واختلف في حديث أبي ذر قال: وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة " وليقض". قلت: ورواية ابن سيرين عند مسلم بلفظ: "صل ما أدركت، واقض ما سبقك "
(2/118)

والحاصل أن أكثر الروايات ورد بلفظ: "فأتموا " وأقلها بلفظ: "فاقضوا " وإنما تظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين الإمام والقضاء مغايرة، لكن إذا كان مخرج الحديث واحدا واختلف في لفظه منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى، وهنا كذلك لأن القضاء وإن كان يطلق على الفائت غالبا لكنه يطلق على الأداء أيضا، ويرد بمعنى الفراغ كقوله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا} ، ويرد بمعان أخر فيحمل قوله فاقضوا على معنى الأداء أو الفراغ فلا يغاير قوله فأتموا، فلا حجة فيه لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته حتى استحب له الجهر في الركعتين الأخيرتين وقراءة السورة وترك القنوت، بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه لأن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه، وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال، فلو كان ما يدركه مع الإمام آخرا له لما احتاج إلى إعادة التشهد. وقول ابن بطال إنه ما تشهد إلا لأجل السلام لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور، واستدل ابن المنذر لذلك أيضا على أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى، وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور فإنهم قالوا. إن ما أدرك المأموم هو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية، لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين، وكأن الحجة فيه قوله: "ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن " أخرجه البيهقي، وعن إسحاق والمزني لا يقرأ إلا أم القرآن فقط وهو القياس، واستدل به على أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته، لأنه فاته الوقوف والقراءة فيه، وهو قول أبي هريرة وجماعة، بل حكاه البخاري في " القراءة خلف الإمام " عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام، واختاره ابن خزيمة والضبعي وغيرهما من محدثي الشافعية، وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين والله أعلم. وحجة الجمهور حديث أبي بكرة حيث ركع دون الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصا ولا تعد " ولم يأمره بإعادة تلك الركعة، وسيأتي في أثناء صفة الصلاة إن شاء الله تعالى.
(2/119)

22 - باب مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الإِمَامَ عِنْدَ الإِقَامَةِ
637- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي"
[الحديث637- طرفاه في: 909,638]
قوله: "باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟" قيل أود الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قوله في الحديث: "لا تقوموا " نهى عن القيام، وقوله: "حتى تروني " تسويغ للقيام عند الرؤية، وهو مطلق غير مقيد بشيء من ألفاظ الإقامة، ومن ثم اختلف السلف في ذلك كما سيأتي. قوله: "هشام" هو الدستوائي، وقد رواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه هنا عن أبان العطار عن يحيى، فلعله له فيه شيخان. قوله: "كتب إلى يحيى" ظاهر في أنه لم يسمعه منه، وقد رواه إسماعيل من طريق هشيم عن هشام وحجاج الصواف كلاهما عن يحيى، وهو من تدليس الصيغ وصرح أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن هشام أن يحيى كتب إليه أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه، فأمن بذلك تدليس يحيى. قوله: "إذا أقيمت" أي إذا ذكرت ألفاظ الإقامة. قوله: "حتى تروني"

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:24 AM
أي خرجت وصرح به عبد الرزاق وغيره عن معمر عن يحيى أخرجه مسلم، ولابن حبان من طريق عبد الرزاق وحده " حتى تروني خرجت إليكم" ؛ وفيه مع ذلك حذف تقديره فقوموا. وقال مالك في الموطأ: لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود، إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف. وذهب الأكثرون إلى أنهم إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة، وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن " قد قامت الصلاة " رواه ابن المنذر وغيره، وكذا رواه سعيد بن منصور من طريق أبي إسحاق عن أصحاب عبد الله، وعن سعيد بن المسيب قال: "إذا قال المؤذن الله أكبر وجب القيام، وإذا قال حي على الصلاة عدلت الصفوف، وإذا قال لا إله إلا الله كبر الإمام " وعن أبي حنيفة يقومون إذا قال حي على الفلاح، فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام، وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه، وخالف من ذكرنا على التفصيل الذي شرحنا، وحديث الباب حجة عليهم وفيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه في ذلك. قال القرطبي: ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته، وهو معارض لحديث جابر بن سمرة " أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم: "أخرجه مسلم. ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم. قلت: ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب " أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن الله أكبر يقومون إلى الصلاة، فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف"؛ وأما حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ: "أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم: "ولفظه في مستخرج أبي نعيم " فصف الناس صفوفهم ثم خرج علينا " ولفظه عند مسلم: "أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى فقام مقامه " الحديث. وعنه في رواية أبي داود " إن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يجيء النبي صلى الله عليه وسلم: "فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة، وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره ولا يرد هذا حديث أنس الآتي أنه قام في مقامه طويلا في حاجة بعض القوم، لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادرا، أو فعله لبيان الجواز.
(2/120)

23 - باب لاَ يَسْعَى إِلَى الصَّلاَةِ مُسْتَعْجِلًا وَلْيَقُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
638- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ" . تابعة علىُّ بن المبارك
قوله: "باب لا يقوم إلى الصلاة مستعجلا، وليقم إليها بالسكينة والوقار" كذا في رواية الحموي.
وفي رواية المستملي: "باب لا يسعى إلى الصلاة " وسقط من رواية الكشميهني، وجمعا في رواية الباقين بلفظ باب لا يسعى إلى الصلاة ولا يقوم إليها مستعجلا الخ". قوله: "لا يسعى" كأنه يشير بذلك إلى رواية ابن سيرين في حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه: "إذا ثوب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم " وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عند المصنف
(2/120)

في " باب المشي إلى الجمعة " من كتاب الجمعة " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون " وسيأتي وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} هناك إن شاء الله تعالى. قوله: "وعليكم بالسكينة" كذا في رواية أبي ذر وكريمة. وفي رواية الأصيلي وأبي الوقت " وعليكم السكينة " بحذف الباء، وكذا أخرجه أبو عوانة من طرق عن شيبان. قوله: "تابعه علي بن المبارك" أي عن يحيى، ومتابعته وصلها المؤلف في كتاب الجمعة، ولفظه: "عليكم السكينة " بغير باء أيضا. وقال أبو العباس الطرقي: تفرد شيبان وعلي بن المبارك عن يحيى بهذه الزيادة، وتعقب بأن معاوية بن سلام تابعهما عن يحيى، ذكره أبو داود عقب رواية أبان عن يحيى فقال: رواه معاوية بن سلام وعلي بن المبارك عن يحيى وقالا فيه: "حتى تروني وعليكم السكينة" . قلت: وهذه الرواية المعلقة وصلها الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن معاوية بن سلام وشيبان جميعا عن يحيى كما قال أبو داود.
(2/121)

24 - باب هَلْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِعِلَّةٍ
639- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاَهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ قَالَ عَلَى مَكَانِكُمْ فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً وَقَدْ اغْتَسَلَ"
قوله: "باب هل يخرج من المسجد لعلة" أي لضرورة، وكأنه يشير إلى تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق أبي الشعثاء عن أبي هريرة " أنه رأى رجلا خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم " فإن حديث الباب يدل على أن ذلك مخصوص بمن ليس له ضرورة، فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم، وكذا من يكون إماما لمسجد آخر ومن في معناه. وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه فصرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبالتخصيص ولفظه: "لا يسمع النداء في مسجد ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق" . قوله: "خرج وقد أقيمت الصلاة" يحتمل أن يكون المعنى خرج في حال الإقامة، ويحتمل أن تكون الإقامة تقدمت خروجه، وهو ظاهر الرواية التي في الباب الذي بعده، لتعقيب الإقامة بالتسوية، وتعقيب التسوية بخروجه جميعا بالفاء، ويحتمل أن يجمع بين الروايتين بأن الجملتين وقعتا حالا أي خرج والحال أن الصلاة أقيمت والصفوف عدلت. وقال الكرماني: لفظ: "قد " تقرب الماضي من الحال، وكأنه خرج في حال الإقامة وفي حال التعديل، ويحتمل أن يكونوا إنما شرعوا في ذلك بإذن منه أو قرينة تدل عليه. قلت: وتقدم احتمال أن يكون ذلك سببا للنهي فلا يلزم منه مخالفتهم له، وقد تقدم الجمع بينه وبين حديث أبي قتادة " لا تقوموا حتى تروني قريبا" . قوله: "وعدلت الصفوف" أي سويت.
قوله: "حتى إذا قام في مصلاه" زاد مسلم من طريق يونس عن الزهري " قبل أن يكبر فانصرف " وقد تقدم في " باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب " من أبواب الغسل من وجه آخر عن يونس بلفظ: "فلما قام في مصلاه ذكر " ففيه دليل على أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة، وهو معارض لما رواه أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة
(2/121)

أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم، ولمالك من طريق عطاء بن يسار مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيده أن امكثوا، ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله: "كبر " على أراد أن يكبر، أو بأنهما واقعتان، أبداه عياض والقرطبي احتمالا وقال النووي إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته، فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح، ودعوى ابن بطال أن الشافعي احتج بحديث عطاء على جواز تكبير المأموم قبل تكبير الإمام قال فناقض أصله فاحتج بالمرسل، متعقبه بأن الشافعي لا يرد المراسيل مطلقا، بل يحتج منها بما يعتضد، والأمر هنا كذلك لحديث أبي بكرة الذي ذكرناه. قوله: "انتظرنا" جملة حالية، و قوله: "انصرف" أي إلى حجرته وهو جواب إذا، و قوله: "قال" استئناف أو حال. قوله: "على مكانكم" أي كونوا على مكانكم. قوله: "على هيئتنا" بفتح الهاء بعدها ياء تحتانية ساكنة ثم همزة مفتوحة ثم مثناة، والمراد بذلك أنهم امتثلوا أمره في قوله: "على مكانكم " فاستمروا على الهيئة - أي الكيفية - التي تركهم عليها، وهي قيامهم فب صفوفهم المعتدلة. وفي رواية الكشميهني: "على هيئتنا " بكسر الهاء وبعد الياء نون مفتوحة، والهيئة الرفق، ورواية الجماعة أوجه. قوله: "ينطف" بكسر الطاء وضمها أي يقطر كما صرح به في الرواية التي بعد هذه. قوله: "وقد اغتسل" زاد الدار قطني من وجه آخر عن أبي هريرة فقال: "إني كنت جنبا فنسيت أن اغتسل " وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى في كتاب الغسل جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة لأجل التشريع، وفيه طهارة الماء المستعمل وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة، لأن قوله: "فصلى " ظاهر في أن الإقامة لم تعد، والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت. وعن مالك إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد، وينبغي أن يحمل على ما إذا لم يكن عذر. وفيه أنه لا حياء في أمر الدين، وسبيل من غلب أن يأتي بعذر موهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه رعف. وفيه جواز انتظار المأمومين مجيء الإمام قياما عند الضرورة، وهو غير القيام المنهي عنه في حديث أبي قتادة. وأنه لا يجب على من احتلم في المسجد فأراد الخروج منه أن يتيمم كما تقدم في الغسل. وجواز الكلام بين الإقامة والصلاة وسيأتي في باب مفرد. وجواز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث. "فائدة": وقع في بعض النسخ هنا: قيل لأبي عبد الله - أي البخاري - إذا وقع هذا لأحدنا يفعل مثل هذا؟ قال: نعم. قيل: فينتظرون الإمام قياما أو قعودا؟ قال: إن كان قبل التكبير فلا بأس أن يقعدوا، وإن كان بعد التكبير انتظروه قياما. ووقع في بعضها في آخر الباب الذي بعده.
(2/122)

25 - باب إِذَا قَالَ الإِمَامُ مَكَانَكُمْ حَتَّى رَجَعَ انْتَظَرُوهُ
640- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقَدَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ قَالَ عَلَى مَكَانِكُمْ فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ"
قوله: "باب إذا قال الإمام مكانكم" هذا اللفظ في رواية يونس عن الزهري كما مضى في الغسل بلفظ: "فقال لنا مكانكم " بحذف حرف الجر. قوله: "حتى نرجع" بالنون للكشميهني، وبالهمزة للأصيلي، وبالتحتانية
(2/122)

للباقين. قوله: "حدثنا إسحاق" كذا في جميع الروايات غير منسوب، وجوز ابن طاهر والجياني أنه إسحاق بن منصور، وبه جزم المزي، وكنت أجوز أنه ابن راهويه لثبوته في مسنده عن الفريابي إلى أن رأيت في سياقه له مغايرة. ومحمد بن يوسف هو الفريابي وقد أكثر البخاري عنه بغير واسطة. قوله: "عن الزهري عن أبي سلمة" صرح بالتحديث في الموضعين إسحاق بن راهويه في روايته له عن الفريابي، ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج. قوله: "فتقدم وهو جنب" أي في نفس الأمر، لا أنهم اطلعوا على ذلك منه قبل أن يعلمهم، وقد تقدم في الغسل في رواية يونس " فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب". وفي رواية أبي نعيم " ذكر أنه لم يغتسل"، ومضت فوائده في الباب الذي قبله.
(2/123)

باب قول الردل ما صلينا
...
26 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ مَا صَلَّيْنَا
641- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بُطْحَانَ وَأَنَا مَعَهُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى يَعْنِي الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ"
قوله: "باب قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ما صلينا" قال ابن بطال: فيه رد لقول إبراهيم النخعي: يكره أن يقول الرجل لم نصل ويقول نصلي. قلت: وكراهة النخعي إنما هي في حق منتظر الصلاة، وقد صرح ابن بطال بذلك، ومنتظر الصلاة في صلاة كما ثبت بالنص، فإطلاق المنتظر " ما صلينا " يقتضي نفي ما أثبته الشارع فلذلك كرهه، والإطلاق الذي في حديث الباب إنما كان من ناس لها أو مشتغل عنها بالحرب كما تقدم تقريره في " باب من صلى بالناس جماعة بعد خروج الوقت " في أبواب المواقيت، فافترق حكمهما وتغايرا. والذي يظهر لي أن البخاري أراد أن ينبه على أن الكراهة المحكية عن النخعي ليست على إطلاقها لما دل عليه حديث الباب، ولو أراد الرد على النخعي مطلقا لأفصح به كما أفصح بالرد على ابن سيرين في ترجمة " فاتتنا الصلاة"، ثم إن اللفظ الذي أورده المؤلف وقع النفي فيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا من قول الرجل، لكن في بعض طرقه وقوع ذلك من الرجل أيضا، وهو عمر كما أورده في المغازي، وهذه عادة معروفة للمؤلف يترجم ببعض ما وقع في طرق الحديث الذي يسوقه ولو لم يقع في الطريق التي يوردها في تلك الترجمة، ويدخل في هذا ما في الطبراني من حديث جندب في قصة النوم عن الصلاة " فقالوا: يا رسول الله سهونا فلم نصل حتى طلعت الشمس " وبقية فوائد الحديث تقدمت في المواقيت. قوله: "ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب" وذلك بعد ما أفطر الصائم. قال الكرماني مستشكلا: كيف يكون المجيء بعد الغروب؟ لأن الصائم إنما يفطر حينئذ مع تصريحه بأنه جاء في اليوم، ثم أجاب بأن المراد بقوله يوم الحندق زمان الخندق، والمراد به بيان التاريخ لا خصوص الوقت ا هـ. والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله: "وذلك بعد ما أفطر الصائم " إشارة إلى الوقت الذي خاطب به عمر النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر العصر، فإنه كان قرب الغروب كما تدل عليه " كاد". وأما إطلاق اليوم وإرادة زمان
(2/123)

الوقعة لا خصوص النهار فهو كثير.
(2/124)

27 - باب الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ
643- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلًا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ "
[الحديث642- طرفاه في : 6292,643]
قوله: "باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة" أي هل يباح له التشاغل بها قبل الدخول في الصلاة أو لا؟ وتعرض بكسر الراء أي تظهر. قوله: "عن أنس" في رواية لمسلم: "سمع أنسا " والإسناد كله بصريون. قوله: "أقيمت الصلاة" أي صلاة العشاء، بينه حماد عن ثابت عن أنس عند مسلم. قوله: "يناجي رجلا" أي يحادثه، ولم أقف على اسم هذا الرجل، وذكر بعض الشراح أنه كان كبيرا في قومه فأراد أن يتألفه على الإسلام، ولم أقف على مستند ذلك. قيل ويحتمل أن يكون ملكا من الملائكة جاء بوحي من الله عز وجل، ولا يخفى بعد هذا الاحتمال. قوله: "حتى نام بعض القوم" زاد شعبة عن عبد العزيز " ثم قام فصلى " أخرجه مسلم، وهو عند المصنف في الاستئذان. ووقع عند إسحاق بن راهويه في مسنده عن ابن علية عن عبد العزيز في هذا الحديث: "حتى نعس بعض القوم " وكذا هو عند ابن حبان من وجه آخر عن أنس، وهو يدل على أن النوم المذكور لم يكن مستغرقا، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في " باب الوضوء من النوم " من كتاب الطهارة، وفي الحديث جواز مناجاة الواحد غيره بحضور الجماعة، وترجم عليه المؤلف في الاستئذان " طول النجوى"، وفيه جواز الفصل بين الإقامة والإحرام إذا كان لحاجة، أما إذا كان لغير حاجة فهو مكروه، واستدل به للرد على من أطلق من الحنفية أن المؤذن إذا قال قد قامت الصلاة وجب على الإمام التكبير، قال الزين ابن المنير: خص المصنف الإمام بالذكر مع أن الحكم عام لأن لفظ الخير يشعر بأن المناجاة كانت لحاجة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلا " ولو كان لحاجة الرجل لقال أنس: ورجل يناجي النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. وهذا ليس بلازم، وفيه غفلة منه عما في صحيح مسلم بلفظ: أقيمت الصلاة، فقال رجل: لي حاجة. فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه " والذي يظهر لي أن هذا الحكم إنما يتعلق بالإمام، لأن المأموم إذا عرضت له الحاجة لا يتقيد به غيره من المأمومين بخلاف الإمام. ولما أن كانت مسألة الكلام بين الإحرام والإقامة تشمل المأموم والإمام أطلق المؤلف الترجمة ولم يقيدها بالإمام فقال.
(2/124)

با بالكلام إذا أقيمت الصلاة
...
28 - باب الْكَلاَمِ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ
643- حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ سَأَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ مَا تُقَامُ الصَّلاَةُ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ "أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ" . وقال الحسن : إن منعته أمه عن العشاء في جماعة شفقة عليه لم يطعمها
قوله: "باب الكلام إذا أقيمت الصلاة" وأشار بذلك إلى الرد على من كرهه مطلقا. قوله: "حدثنا عياش بن الوليد" هو الرقام وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة، والإسناد كله بصريون أيضا. وقول حميد " سألت
(2/124)

29 - باب وُجُوبِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا
644- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ"
[الحديث644- أطرافه في : 7224,2420,657]
قوله: "باب وجوب صلاة الجماعة" هكذا بت الحكم في هذه المسألة، وكأن ذلك لقوة دليلها عنده، لكن أطلق الوجوب وهو أعم من كونه وجوب عين أو كفاية، إلا أن الأثر الذي ذكره عن الحسن يشعر بكونه يريد أنه وجوب عين، لما عرف من عادته أنه يستعمل الآثار في التراجم لتوضيحها وتكميلها وتعيين أحد الاحتمالات في حديث الباب، وبهذا يجاب من اعترض عليه بأن قول الحسن يستدل له لا به، ولم ينبه أحد من الشراح على من وصل أثر الحسن، وقد وجدته بمعناه وأتم منه وأصرح في كتاب الصيام للحسين ابن الحسن المروزي بإسناد صحيح " عن الحسن في رجل يصوم - يعني تطوعا - فتأمره أمه أن يفطر، قال: فليفطر ولا قضاء عليه، وله أجر الصوم وأجر البر. قيل: فتنهاه أن يصلي العشاء في جماعة، قال: ليس ذلك لها، هذه فريضة " وأما حديث الباب
(2/125)

فظاهر في كونها فرض عين، لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن معه. ويحتمل أن يقال: التهديد بالتحريق المذكور يمكن أن يقع في حق تاركي فرض الكفاية كمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية، وفيه نظر لأن التحريق الذي قد يفضي إلى القتل أخص من المقاتلة، ولأن المقاتلة إنما تشرع فيما إذا تمالأ الجميع على الترك، وإلى القول بأنها فرض عين ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان، وبالغ داود ومن تبعه فجعلها شرطا في صحة الصلاة، وأشار ابن دقيق العيد إلى أنه مبني على أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها، فلما كان لهم المذكور دالا على لازمه وهو الحضور، ووجوب الحضور دليلا على لازمه وهو الاشتراط، ثبت الاشتراط بهذه الوسيلة. إلا أنه لا يتم إلا بتسليم أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها، وقد قيل إنه الغالب. ولما كان الوجوب قد ينفك عن الشرطية قال أحمد: إنها واجبة غير شرط. انتهى. وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية، وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وقال به كثير من الحنفية والمالكية، والمشهور عند الباقين أنها سنة مؤكدة، وقد أجابوا عن ظاهر حديث الباب بأجوبة: منها ما تقدم. ومنها وهو ثانيها ونقله إمام الحرمين عن ابن خزيمة، والذي نقله عنه النووي الوجوب حسبما قال ابن بزيزة إن بعضهم استنبط من نفس الحديث عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين فلو كانت الجماعة فرض عين ما هم بتركها إذا توجه. وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه. قلت: وليس فيه أيضا دليل على أنه لو فعل ذلك لم يتداركها في جماعة آخرين. ومنها وهو ثالثها ما قال ابن بطال وغيره: لو كانت فرضا لقال حين توعد بالإحراق من تخلف عن الجماعة لم تجزئه صلاته، لأنه وقت البيان. وتعقبه ابن دقيق العيد بأن البيان قد يكون بالتنصيص وقد يكون بالدلالة، فلما قال صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت الخ " دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان. ومنها وهو رابعها ما قال الباجي وغيره إن الخبر ورد مورد الزجر وحقيقته غير مرادة. وإنما المراد المبالغة. ويرشد إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار، وقد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك، وأجيب بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار، وكان قيل ذلك جائزا بدليل حديث أبي هريرة الآتي في الجهاد الدال على جواز التحريق بالنار ثم على نسخه، فحمل التهديد على حقيقته غير ممتنع. ومنها وهو خامسها كونه صلى الله عليه وسلم ترك تحريقهم بعد التهديد، فلو كان واجبا ما عفا عنهم، قال القاضي عياض ومن تبعه: ليس في الحديث حجة لأنه عليه السلام هم ولم يفعل، زاد النووي: ولو كانت فرض عين لما تركهم، وتعقبه ابن دقيق العيد فقال: هذا ضعيف لأنه صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله، وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه، على أنه قد جاء في بعض الطرق بيان سبب الترك وهو فيما رواه أحمد من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ: "لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون " الحديث. ومنها وهو سادسها أن المراد بالتهديد قوم تركوا الصلاة رأسا لا مجرد الجماعة، وهو متعقب بأن في رواية مسلم: "لا يشهدون الصلاة " أي لا يحضرون. وفي رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد " لا يشهدون العشاء في الجميع " أي في الجماعة، وفي حديث أسامة بن زيد عند ابن ماجه مرفوعا: "لينتهين رجال عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم" . ومنها وهو سابعها أن الحديث ورد في الحث على مخالفة فعل أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم لا لخصوص ترك الجماعة فلا يتم الدليل، أشار إليه الزين بن المنير، وهو
(2/126)

قريب من الوجه الرابع. ومنها وهو ثامنها أن الحديث ورد في حق المنافقين، فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل، وتعقب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم، وبأنه كان معرضا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم وقد قال: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " وتعقب ابن دقيق العيد هذا التعقيب بأنه لا يتم إلا إذا ادعى أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبا عليه ولا دليل على ذلك، فإذا ثبت أنه كان مخيرا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم. انتهى. والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين لقوله في صدر الحديث الآتي بعد أربعة أبواب " ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر " الحديث، ولقوله: "لو يعلم أحدهم الخ " لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل، لكن المراد به نفاق المعصية لا نفاق الكفر بدليل قوله في رواية عجلان " لا يشهدون العشاء في الجميع " وقوله في حديث أسامة " لا يشهدون الجماعة " وأصرح من ذلك قوله في رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عند أبي داود " ثم آتى قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة " فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر، لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة، فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله به من الكفر والاستهزاء، نبه عليه القرطبي. وأيضا فقوله في رواية المقبري " لولا ما في البيوت من النساء والذرية " يدل على أنهم لم يكونوا كفارا لأن تحريق بيت الكافر إذا تعين طريقا إلى الغلبة عليه لم يمنع ذلك وجود النساء والذرية في بيته، وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاق في الحديث نفاق الكفر فلا يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلف عنها، قال الطيبي: خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة، بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم بل هو من صفات المنافقين، ويدل عليه قول ابن مسعود " لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق " رواه مسلم، انتهى كلامه. وروى ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عمير بن أنس حدثني عمومتي من الأنصار قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يشهدهما منافق " يعني العشاء والفجر. ولا يقال فهذا يدل على ما ذهب إليه صاحب هذا الوجه لانتفاء أن يكون المؤمن قد يتخلف، وإنما ورد الوعيد في حق من تخلف لأني أقول بل هذا يقوى ما ظهر لي أولا أن المراد بالنفاق نفاق المعصية لا نفاق الكفر، فعلى هذا الذي خرج هو المؤمن الكامل لا العاصي الذي يجوز إطلاق النفاق عليه مجازا لما دل عليه مجموع الأحاديث. ومنها وهو تاسعها ما ادعاه بعضهم أن فرضية الجماعة كانت في أول الإسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ حكاه عياض، ويمكن أن يتقوى بثبوت نسخ الوعيد المذكور في حقهم وهو التحريق بالنار كما سيأتي واضحا في كتاب الجهاد، وكذا ثبوت نسخ ما يتضمنه التحريق من جواز العقوبة بالمال، ويدل على النسخ الأحاديث الواردة في تفصيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ كما سيأتي بيانه في الباب الذي بعد هذا، لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفضل، ومن لازم ذلك الجواز. ومنها وهو عاشرها أن المراد بالصلاة الجمعة لا باقي الصلوات، ونصره القرطبي، وتعقب بالأحاديث المصرحة بالعشاء، وفيه بحث لأن الأحاديث اختلفت في تعيين الصلاة التي وقع التهديد بسببها هل هي الجمعة أو العشاء، أو العشاء والفجر معا؟ فإن لم تكن أحاديث مختلفة ولم يكن بعضها أرجح من بعض وإلا وقف الاستدلال، لأنه لا يتم إلا إن تعين كونها غير الجمعة، أشار إليه ابن دقيق العيد، ثم قال فليتأمل الأحاديث الواردة
(2/127)

في ذلك. انتهى. وقد تأملتها فرأيت التعيين ورد في حديث أبي هريرة وابن أم مكتوم وابن مسعود، أما حديث أبي هريرة فحديث الباب من رواية الأعرج عنه يومي إلى أنها العشاء لقوله في آخره: "لشهد العشاء " وفي رواية مسلم: "يعني العشاء " ولهما من رواية أبي صالح عنه أيضا الإيماء إلى أنها العشاء والفجر، وعينها السراج في رواية له من هذا الوجه العشاء حيث قال في صدر الحديث: "أخر العشاء ليلة فخرج فوجد الناس قليلا فغضب " فذكر الحديث. وفي رواية ابن حبان من هذا الوجه " يعني الصلاتين العشاء والغداة " وفي رواية عجلان والمقبري عند أحمد التصريح بتعيين العشاء، ثم سائر الروايات عن أبي هريرة على الإبهام. وقد أورده مسلم من طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عنه فلم يسق لفظه وساقه الترمذي وغيره من هذا الوجه بإبهام الصلاة، وكذلك رواه السراج وغيره عن طرق عن جعفر، وخالفهم معمر عن جعفر فقال: "الجمعة " أخرجه عبد الرزاق عنه، والبيهقي طريقه وأشار إلى ضعفها لشذوذها، ويدل على وهمه فيها رواية أبي داود والطبراني في الأوسط من طريق يزيد بن يزيد بن جابر عن يزيد بن الأصم فذكر الحديث، قال يزيد: قلت ليزيد بن الأصم: يا أبا عوف الجمعة عني أو غيرها؟ قال: صمت أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر جمعة ولا غيرها. فظهر أن الراجح في حديث أبي هريرة أنها لا تختص بالجمعة، وأما حديث ابن أم مكتوم فسأذكره قريبا وأنه موافق لأبي هريرة. وأما حديث ابن مسعود فأخرجه مسلم وفيه الجزم بالجمعة وهو حديث مستقل لأن مخرجه مغاير لحديث أبي هريرة، ولا يقدح أحدهما في الآخر فيحمل على أنهما واقعتان كما أشار إليه النووي والمحب الطبري، وقد وافق ابن أم مكتوم أبا هريرة على ذكر العشاء، وذلك فيما أخرجه ابن خزيمة وأحمد والحاكم من طريق حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شداد عن ابن أم مكتوم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال: لقد هممت أني آتي هؤلاء الذين يتخلفون عن الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم. فقام ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله قد علمت ما بي؟ وليس لي قائد - زاد أحمد - وأن بيني وبين المسجد شجرا ونخلا ولا أقدر على قائد كل ساعة. قال: أتسمع الإقامة؟ قال: نعم. قال فاحضرها. ولم يرخص له " ولابن حبان من حديث جابر قال: "أتسمع الأذان؟ قال: نعم. قال: فأتها ولو حبوا " وقد حمله العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشي وحده ككثير من العميان. واعتمد ابن خزيمة وغيره حديث ابن أم مكتوم هذا على فرضية الجماعة في الصلوات كلها ورجحوه بحديث الباب وبالأحاديث الدالة على الرخصة في التخلف عن الجماعة، قالوا: لأن الرخصة لا تكون إلا عن واجب، وفيه نظر، ووراء ذلك أمر آخر ألزم به ابن دقيق العيد من يتمسك بالظاهر ولا يتقيد بالمعنى، وهو أن الحديث ورد في صلاة معينة فيدل على وجوب الجماعة فيها دون غيرها، وأشار للانفصال عنه بالتمسك بدلالة العموم، لكن نوزع في كون القول بما ذكر أولا ظاهرية محضة صلى الله عليه وسلم فإن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضيه،
ـــــــ
(1) ليس هذا بجيد , والصواب ماقاله ابن خزيمة وغيره من الموجبين للجماعة في جميع الصلوات . وإنما يستقيم حمل المطلق على المقيد إذا لم يوجد دليل على التعميم , وفي هذه المسألة قد قام الدليل على التعميم كحديث" من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر " وغيره من الأحاديث التي أشار إليها الشارح في هذا الباب . وذكر العشاء والفجر في بعض الروايات لايقتضي التخصيص لاحتمال كون المتوعدين لم يتخلفوا إلا عنها كما قد بين ذلك في كثير من الروايات. ولأن الحكمة في شرعية الجماعة تقتضى التعميم . والله أعلم
(2/128)

ولا يستلزم ذلك ترك اتباع المعنى، لأن غير العشاء والفجر مظنة الشغل بالتكسب وغيره، أما العصران فظاهر، وأما المغرب فلأنها في الغالب وقت الرجوع إلى البيت والأكل ولا سيما للصائم مع ضيق وقتها، بخلاف العشاء والفجر فليس للمتخلف عنهما عذر غير الكسل المذموم، وفي المحافظة عليهما في الجماعة أيضا انتظام الألفة بين المتجاورين في طرفي النهار، وليختموا النهار بالاجتماع على الطاعة ويفتتحوه كذلك. وقد وقع في رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد تخصيص التهديد بمن حول المسجد، وسيأتي توجيه كون العشاء والفجر أثقل على المنافقين من غيرهما. وقد أطلت في هذا الموضع لارتباط بعض الكلام ببعض، واجتمع من الأجوبة لمن لم يقل بالوجوب عشرة أجوبة لا توجد مجموعة في غير هذا الشرح. قوله: "عن الأعرج" في رواية السراج من طريق شعيب عن أبي الزناد سمع الأعرج. قوله: "والذي نفسي بيده" هو قسم كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقسم به، والمعنى أن أمر نفوس العباد بيد الله، أي بتقديره وتدبيره صلى الله عليه وسلم. وفيه جواز القسم على الأمر الذي لا شك فيه تنبيها على عظم شأنه، وفيه الرد على من كره أن يحلف بالله مطلقا. قوله: "لقد هممت" اللام جواب القسم، والهم العزم وقيل دونه، وزاد مسلم في أوله " أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناسا في بعض الصلوات فقال: لقد هممت " فأفاد ذكر سبب الحديث. قوله: "بحطب ليحطب" كذا للحموي والمستملي بلام التعليل، وللكشميهني والباقين " فيحطب " بالفاء، وكذا هو في الموطأ ومعنى يحطب يكسر ليسهل اشتعال النار به. ويحتمل أن يكون أطلق عليه ذلك قبل أن يتصف به تجوزا بمعنى أنه يتصف به. قوله: "ثم أخالف إلى رجال" أي آتيهم من خلفهم. وقال الجوهري: خالف إلى فلان أي أتاه إذا غاب عنه، أو المعنى أخالف الفعل الذي أظهرت من إقامة الصلاة وأتركه وأسير إليهم، أو أخالف ظنهم في أني مشغول بالصلاة عن قصدي إليهم، أو معنى أخالف أتخلف - أي عن الصلاة - إلى قصدي المذكورين، والتقييد بالرجال يخرج النساء والصبيان. قوله: "فأحرق" بالتشديد، والمراد به التكثير، يقال حرقه إذا بالغ في تحريقه. قوله: "عليهم" يشعر بأن العقوبة ليست قاصرة على المال، بل المراد تحريق المقصودين، والبيوت تبعا للقاطنين بها. وفي رواية مسلم من طريق أبي صالح " فأحرق بيوتا على من فيها" . قوله: "والذي نفسي بيده" فيه إعادة اليمين للمبالغة في التأكيد. قوله: "عرقا" بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف قال الخليل: العراق العظم بلا لحم، وإن كان عليه لحم فهو عرق، وفي الحكم عن الأصمعي: العرق بسكون الراء قطعة لحم. وقال الأزهري: العرق واحد العراق وهي العظام التي يؤخذ منها هبر اللحم، ويبقى عليها لحم رقيق فيكسر ويطبخ ويؤكل ما على العظام من لحم دقيق ويتشمس العظام، يقال عرقت اللحم واعترقته وتعرقته إذا أخذت اللحم منه نهشا، وفي المحكم: جمع العرق على عراق بالضم عزيز، وقول الأصمعي هو اللائق هنا. قوله: "أو مرماتين" تثنية مرماة بكسر الميم وحكى الفتح، قال الخليل: هي ما بين ظلفي الشاة، وحكاه أبو عبيد وقال: لا أدري ما وجهه. ونقله المستملي في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري قال: قال يونس عن محمد بن سليمان عن البخاري: المرماة بكسر الميم مثل مسناة وميضاة ما بين ظلفي الشاة من اللحم، قال عياض فالميم على هذا أصلية. وقال الأخفش: المرماة لعبة كانوا يلعبونها بنصال محدودة يرمونها في كوم من تراب، فأيهم أثبتها في الكوم غلب، وهي المرماة والمدحاة. قلت: ويبعد أن
(2/129)

تكون هذه مراد الحديث لأجل التثنية، وحكى الحربي عن الأصمعي أن المرماة سهم الهدف، قال: ويؤيده ما حدثني.ثم ساق من طريق أبي رافع عن أبي هريرة نحو الحديث بلفظ: "لو أن أحدهم إذا شهد الصلاة معي كان له عظم من شاة سمينة أو سهمان لفعل " وقيل المرماة سهم يتعلم عليه الرمي، وهو سهم دقيق مستو غير محدد، قال الزين ابن المنير: ويدل على ذلك التثنية، فإنها مشعرة بتكرار الرمي بخلاف السهام المحددة الحربية فإنها لا يتكرر رميها وقال الزمخشري: تفسير المرماة بالسهم ليس بوجيه، ويدفعه ذكر العرق معه. ووجهه ابن الأثير بأنه لما ذكر العظم السمين وكان مما يؤكل أتبعه بالسهمين لأنهما مما يلهي به. انتهى. وإنما وصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفساني على تحصيلهما. وفيه الإشارة إلى ذم المتخلفين عن الصلاة بوصفهم بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فيما يحصل رفيع الدرجات ومنازل الكرامة. وفي الحديث من الفوائد أيضا تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة، وسره أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزجر اكتفى به عن الأعلى من العقوبة، نبه عليه ابن دقيق العيد، وفيه جواز العقوبة بالمال. كذا استدل به كثير من القائلين بذلك من المالكية وغيرهم، وفيه نظر لما أسلفناه، ولاحتمال أن التحريق من باب ما لا يتم الواجب إلا به، إذ الظاهر أن الباعث على ذلك أنهم كانوا يختفون في بيوتهم فلا يتوصل إلى عقوبتهم إلا بتحريقها عليهم. وفيه جواز أخذ أهل الجرائم على غرة لأنه صلى الله عليه وسلم هم بذلك في الوقت الذي عهد منه فيه الاشتغال بالصلاة بالجماعة، فأراد أن يبغتهم في الوقت الذي يتحققون أنه لا يطرقهم فيه أحد. وفي السياق إشعار بأنه تقدم منه زجرهم عن التخلف بالقول حتى استحقوا التهديد بالفعل، وترجم عليه البخاري في كتاب الأشخاص وفي كتاب الأحكام " باب إخراج أهل المعاصي والريب من البيوت بعد المعرفة " يريد أن من طلب منهم بحق فاختفى أو امتنع في بيته لددا ومطلا أخرج منه بكل طريق يتوصل إليه بها، كما أراد صلى الله عليه وسلم إخراج المتخلفين عن الصلاة بإلقاء النار عليهم في بيوتهم. واستدل به ابن العربي وغيره على مشروعية قتل تارك الصلاة متهاونا بها، ونوزع في ذلك. ورواية أبي داود التي فيها أنهم كانوا يصلون في بيوتهم كما قدمناه تعكر عليه. نعم يمكن الاستدلال منه بوجه آخر وهو أنهم إذا استحقوا التحريق بترك صفة من صفات الصلاة خارجة عنها سواء قلنا واجبة أو مندوبة كان من تركها أصلا رأسا أحق بذلك، لكن لا يلزم من التهديد بالتحريق حصول القتل لا دائما ولا غالبا، لأنه يمكن الفرار منه أو الإخماد له بعد حصول المقصود منه من الزجر والإرهاب. وفي قوله في رواية أبي داود " ليست بهم علة " دلالة على أن الأعذار تبيح التخلف عن الجماعة ولو قلنا إنها فرض، وكذا الجمعة. وفيه الرخصة للإمام أو نائبه في ترك الجماعة لأجل إخراج من يستخفي في بيته ويتركها، ولا بعد في أن تلحق بذلك الجمعة، فقد ذكروا من الأعذار في التخلف عنها خوف فوات الغريم وأصحاب الجرائم في حق الإمام كالغرماء. واستدل به على جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا كان في ذلك مصلحة، قال ابن بزيزة: وفيه نظر لأن الفاضل في هذه الصورة يكون غائبا، وهذا لا يختلف في جوازه، واستدل به ابن العربي على جواز إعدام محل المعصية كما هو مذهب مالك، وتعقب بأنه منسوخ صلى الله عليه وسلم كما قيل في العقوبة بالمال، والله أعلم.
(2/130)

باب عدل فضل صلاة الجماعة
...
30 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ
وَكَانَ الأَسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَجَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً
645- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"
[الحديث645 – طرفه في : 649]
646- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً
647- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاَهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ"
قوله: "باب فضل صلاة الجماعة" أشار الزين بن المنير إلى أن ظاهر هذه الترجمة ينافي الترجمة التي قبلها، ثم أطال في الجواب عن ذلك، ويكفي منه أن كون الشيء واجبا لا ينافي كونه ذا فضيلة، ولكن. الفضائل تتفاوت، فالمراد منها بيان زيادة ثواب الجماعة على صلاة الفذ. قوله: "وكان الأسود" أي ابن يزيد النخعي أحد كبار التابعين، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ولفظه: "إذا فاتته الجماعة في مسجد قومه" . ومناسبته للترجمة أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عنده لما ترك فضيلة أول الوقت والمبادرة إلى خلاص الذمة وتوجه إلى مسجد آخر، كذا أشار إليه ابن المنير، والذي يظهر لي أن البخاري قصد الإشارة بأثر الأسود وأنس إلى أن الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته مثلا كما سيأتي البحث فيه في الكلام على حديث أبي هريرة، لأن التجميع لو لم يكن مختصا بالمسجد لجمع الأسود في مكانه ولم ينتقل إلى مسجد آخر لطلب الجماعة ولما جاء أنس إلى مسجد بني رفاعة كما سنبينه. قوله: "وجاء أنس" وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبي عثمان قال: "مر بنا أنس، بن مالك في مسجد بني ثعلبة " فذكر نحوه قال: وذلك في صلاة الصبح، وفيه: "فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى بأصحابه " وأخرجه ابن أبي شيبة من طرق عن الجعد، وعند البيهقي من طريق أبي عبد الصمد العمي عن الجعد نحوه وقال: "مسجد بني رفاعة " وقال: "فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه " وهو يؤيد ما قلناه من إرادة التجميع في المسجد. قوله: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ" بالمعجمة أي المنفرد، يقال فذ الرجل من أصحابه إذا بقي منفردا
(2/131)

وحده. وقد رواه مسلم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع وسياقه أوضح ولفظه: "صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده" . قوله: "بسبع وعشرين درجة" قال الترمذي عامة من رواه قالوا خمسا وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال سبعا وعشرين. قلت: لم يختلف عليه في ذلك إلا ما وقع عند عبد الرزاق عن عبد الله العمري عن نافع فقال فيه خمس وعشرون لكن العمري ضعيف، ووقع عند أبي عوانة في مستخرجه من طريق أبي أسامة عن عبيد الله ابن عمر عن نافع فإنه قال فيه بخمس وعشرين وهي شاذة مخالفة لرواية الحفاظ من أصحاب عبيد الله وأصحاب نافع وإن كان راويها ثقة. وأما ما وقع عند مسلم من رواية الضحاك بن عثمان عن نافع بلفظ بضع وعشرين فليست مغايرة لرواية الحفاظ لصدق البضع على السبع، وأما غير ابن عمر فصح عن أبي سعيد وأبي هريرة كما في هذا الباب، وعن ابن مسعود عند أحمد وابن خزيمة، وعن أبي بن كعب عند ابن ماجه والحاكم، وعن عائشة وأنس عند السراج، وورد أيضا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد وزيد بن ثابت وكلها عند الطبراني، واتفق الجميع على سبع وعشرون سوى رواية أبي فقال أربع أو خمس على الشك، وسوى رواية لأبي هريرة عند أحمد قال فيها سبع وعشرون وفي إسنادها شريك القاضي وفي حفظه ضعف. وفي رواية لأبي عوانة بضعا وعشرين وليست مغايرة أيضا لصدق البضع على الخمس، فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع إذ لا أثر للشك، واختلف في أيهما أرجح فقيل رواية الخمس لكثرة رواتها، وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ، ووقع الاختلاف في موضع آخر من الحديث وهو مميز العدد المذكور، ففي الروايات كلها التعبير بقوله: "درجة " أو حذف المميز، إلا طرق حديث أبي هريرة ففي بعضها " ضعفا " وفي بعضها " جزءا " وفي بعضها " درجة " وفي بعضها " صلاة " ووقع هذا الأخير في بعض طرق حديث أنس، والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة، ويحتمل أن يكون ذلك من التفنن في العبارة. وأما قول ابن الأثير: إنما قال درجة ولم يقل جزءا ولا نصيبا ولا حظا ولا نحو ذلك لأنه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع فإن ذلك فوق هذه بكذا وكذا درجة لأن الدرجات إلى جهة فوق، فكأنه بناه على أن الأصل لفظ درجة وما عدا ذلك من تصرف الرواة، لكن نفيه ورود " الجزء " مردود، فإنه ثابت، وكذلك الضعف، وقد جمع بين روايتي الخمس والسبع بوجوه: منها أن ذكر القليل لا ينفي الكثير، وهذا قول من لا يعتبر مفهوم العدد، لكن قد قال به جماعة من أصحاب الشافعي وحكى عن نصه، وعلى هذا فقيل وهو الوجه الثاني: لعله صلى الله عليه وسلم أخبر بالخمس، ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع، وتعقب بأنه يحتاج إلى التاريخ، وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلف فيه، لكن إذا فرعنا على المنع تعين تقدم الخمس على السبع من جهة أن الفضل من الله يقبل الزيادة لا النقص. ثالثها أن اختلاف العددين باختلاف مميزهما، وعلى هذا فقيل: الدرجة أصغر من الجزء، وتعقب بأن الذي روى عنه الجزء روى عند الدرجة. وقال بعضهم: الجزء في الدنيا والدرجة في الآخرة، وهو مبني على التغاير. رابعها الفرق بقرب المسجد وبعده. خامسها الفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع. سادسها الفرق بإيقاعها في المسجد أو في غيره. سابعها الفرق بالمنتظر للصلاة وغيره. ثامنها الفرق بإدراك كلها أو بعضها. تاسعها الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم. عاشرها السبع مختصة بالفجر والعشاء وقيل بالفجر والعصر والخمس بما عدا ذلك. حادي عشرها السبع مختصة بالجهرية والخمس بالسرية، وهذا الوجه عندي أوجهها لما سأبينه. ثم إن الحكمة في هذا العدد الخاص غير محققة المعنى. ونقل الطيبي عن التوربشتي ما حاصله: إن ذلك لا يدرك بالرأي، بل مرجعه إلى علم
(2/132)

النبوة التي قصرت علوم الألباء عن إدراك حقيقتها كلها، ثم قال: ولعل الفائدة هي اجتماع المسلمين مصطفين كصفوف الملائكة، والاقتداء بالإمام، وإظهار شعائر الإسلام وغير ذلك. وكأنه يشير إلى ما قدمته عن غيره وغفل عن مراد من زعم أن هذا الذي ذكره لا يفيد المطلوب، لكن أشار الكرماني إلى احتمال أن يكون أصله كون المكتوبات خمسا فأريد المبالغة في تكثيرها فضربت في مثلها فصارت خمسا وعشرين. ثم ذكر للسبع مناسبة أيضا من جهة عدد ركعات الفرائض ورواتبها. وقال غيره: الحسنة بعشر للمصلي منفردا فإذا انضم إليه آخر بلغت عشرين ثم زيد بقدر عدد الصلوات الخمس، أو يزاد عدد أيام الأسبوع، ولا يخفى فساد هذا. وقيل: الأعداد عشرات ومئين وألوف وخير الأمور الوسط فاعتبرت المائة والعدد المذكور ربعها، وهذا أشد فسادا من الذي قبله. وقرأت بخط شيخنا البلقيني فيما كتب على العمدة: ظهر لي في هذين العددين شيء لم أسبق إليه، لأن لفظ ابن عمر " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ " ومعناه الصلاة في الجماعة كما وقع في حديث أبي هريرة " صلاة الرجل في الجماعة " وعلى هذا فكل واحد من المحكوم له بذلك صلى في جماعة، وأدني الأعداد التي يتحقق فيها ذلك ثلاثة حتى يكون كل واحد صلى في جماعة وكل واحد منهم أتى بحسنة وهي بعشرة فيحصل من مجموعه ثلاثون فاقتصر في الحديث على الفضل الزائد وهو سبعة وعشرون دون الثلاثة التي هي أصل ذلك. انتهى. وظهر لي في الجمع بين العددين أن أقل الجماعة إمام ومأموم، فلولا الإمام ما سمى المأموم وكذا عكسه، فإذا تفضل الله على من صلى جماعة بزيادة خمس وعشرين درجة حمل الخبر الوارد بلفظها على الفضل الزائد، والخبر الوارد بلفظ سبع وعشرين على الأصل والفضل. وقد خاض قوم في تعيين الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة، قال ابن الجوزي: وما جاءوا بطائل. وقال المحب الطبري: ذكر بعضهم أن في حديث أبي هريرة - يعني ثالث أحاديث الباب - إشارة إلى بعض ذلك، ويضاف إليه أمور أخرى وردت في ذلك، وقد فصلها ابن بطال وتبعه جماعة من الشارحين، وتعقب الزين ابن المنير بعض ما ذكره واختار تفصيلا آخر أورده، وقد نقحت ما وقفت عليه من ذلك وحذفت ما لا يختص بصلاة الجماعة: فأولها إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة، والتبكير إليها في أول الوقت، والمشي إلى المسجد بالسكينة، ودخول المسجد داعيا، وصلاة التحية عند دخوله كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة، سادسها انتظار الجماعة، سابعها صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له، ثامنها شهادتهم له، تاسعها إجابة الإقامة، عاشرها السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة، حادي عاشرها الوقوف منتظرا إحرام الإمام أو الدخول معه في أي هيئة وحده عليها، ثاني عشرها إدراك تكبيرة الإحرام كذلك، ثالث عشرها تسوية الصفوف وسد فرجها، رابع عشرها جواب الإمام عند قوله سمع الله لمن حمده، خامس عشرها الأمن من السهو غالبا وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه، سادس عشرها حصول الخشوع والسلامة عما يلهي غالبا، سابع عشرها تحسين الهيئة غالبا، ثامن عشرها احتفاف الملائكة به، تاسع عشرها التدرب على تجويد القراءة وتعلم الأركان والأبعاض، العشرون إظهار شعائر الإسلام، الحادي والعشرون إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل، الثاني والعشرون السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره الظن بأنه ترك الصلاة رأسا، الثالث والعشرون رد السلام على الإمام، الرابع والعشرون الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل على الناقص، الخامس والعشرون قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات. فهذه خمس وعشرون خصلة ورد في كل منها
(2/133)

أمر أو ترغيب يخصه، وبقي منها أمران يختصان بالجهرية وهما الإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة، وبهذا يترجح أن السبع تختص بالجهرية صلى الله عليه وسلم والله أعلم. "تنبيهات": "الأول" مقتضى الخصال التي ذكرتها اختصاص التضعيف بالتجمع في المسجد وهو الراجح في نظري كما سيأتي البحث فيه، وعلى تقدير أن لا يختص بالمسجد فإنما ذكرته ثلاثة أشياء وهي المشي والدخول والتحية، فيمكن أن تعوض من بعض ما ذكر مما يشتمل على خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة كالأخيرتين لأن منفعة الاجتماع على الدعاء والذكر غير منفعة عود بركة الكامل على الناقص، وكذا فائدة قيام نظام الألفة غير فائدة حصول التعاهد، وكذا فائدة أمن المأمومين من السهو غالبا غير تنبيه الإمام إذا سها. فهذه ثلاثة يمكن أن يعوض بها الثلاثة المذكورة فيحصل المطلوب. "الثاني" لا يرد على الخصال التي ذكرتها كون بعض الخصال يختص ببعض من صلى جماعة دون بعض كالتبكير في أول الوقت وانتظار الجماعة وانتظار إحرام الإمام ونحو ذلك، لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد النية ولو لم يقع كما سبق، والله أعلم. "الثالث" معنى الدرجة أو الجزء حصول مقدار صلاة المنفرد بالعدد المذكور للمجمع، وقد أشار ابن دقيق العيد إلى أن بعضهم زعم خلاف ذلك قال: والأول أظهر، لأنه قد ورد مبينا في بعض الروايات. انتهى. وكأنه يشير إلى ما عند مسلم في بعض طرقه بلفظ: "صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ " وفي أخرى " صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده " ولأحمد من حديث ابن مسعود بإسناد رجاله ثقات نحوه وقال في آخره: "كلها مثل صلاته " وهو مقتضى لفظ رواية أبي هريرة الآتية حيث قال: "تضعف " لأن الضعف كما قال الأزهري المثل إلى ما زاد ليس بمقصور على المثلين تقول هذا ضعف الشيء أي مثله أو مثلاه فصاعدا لكن لا يزاد على العشرة. وظاهر قوله: "تضعف " وكذا قوله في روايتي ابن عمر وأبي سعيد " تفضل " أي تزيد، وقوله في رواية أبي هريرة السابقة في " باب مساجد السوق " يريد أن صلاة الجماعة تساوي صلاة المنفرد وتزيد عليها العدد المذكور فيكون لمصلي الجماعة ثواب ست أو ثمان وعشرين من صلاة المنفرد. قوله: "عن عبد الله بن خباب" بمعجمة وموحدتين الأولى مثقلة، وهو أنصاري مدني، ويوافقه في اسمه واسم أبيه عبد الله بن خباب بن الأرت، لكن ليست له في الصحيحين رواية. قوله: "بخمس وعشرين" في رواية الأصيلي: "خمسا وعشرين " زاد ابن حبان وأبو داود من وجه آخر عن أبي سعيد " فإن صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة " وكأن السر في ذلك أن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة، بل حكى النووي أنه لا يجري فيه الخلاف في وجوبها صلى الله عليه وسلم لكن فيه نظر فإنه خلاف نص الشافعي، وحكى أبو داود عن عبد الواحد قال:
ـــــــ
(1) في هذا التخريج نظر , والأظهر عموم الحديث لجميع الصلوات الخمس , وذلك من زيادة فضل الله سبحانه وتعالى لمن يحضر الصلاة في الجماعة . والله أعلم
(2) ليس ما قاله النووي بجيد , والصواب وجوب الجماعة حضرا وسفرا كما يعلم ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم ومواظبته على الجماعة وقوله تعالى { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ } الآية . وأما تفضيل صلاة من صلى في الفلاة فأتم ركوعها وسجودها على صلاة من صلى في الجماعة فليس فيه حجة على عدم وجوب الجماعة في السفر لأن أدلتها محكمة فلا تجوز مخالفتها لشيء محتمل . وإنما يجب حمل هذا النص - إن صح - على من صلى في الفلاة حسب طاقته من غير ترك الجماعة عند إمكانها فأتم ركوعها وسجودها مع كونه خاليا بربه بعيدا عن الناس , فشكر الله له هذا الإخلاص والاهتمام بأمر الصلاة فضاعف له هذا التضعيف. والله أعلم
(2/134)

في هذا الحديث أن صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة. انتهى. وكأنه أخذه من إطلاق قوله: "فإن صلاها " لتناوله الجماعة والانفراد، لكن حمله على الجماعة أولى، وهو الذي يظهر من السياق، ويلزم على ما قال النووي أن ثواب المندوب يزيد على ثواب الواجب عند من يقول بوجوب الجماعة، وقد استشكله القرافي على أصل الحديث بناء على القول بأنها سنة، ثم أورد عليه أن الثواب المذكور مرتب على صلاة الفرض وصفته من صلاة الجماعة، فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب. وأجاب بأنه تفرض المسألة فيمن صلى وحده ثم أعاد في جماعة فإن ثواب الفرض يحصل له بصلاته وحده، والتضعيف يحصل بصلاته في الجماعة، فبقي الإشكال على حاله، وفيه نظر لأن التضعيف لم يحصل بسبب الإعادة وإنما حصل بسبب الجماعة، إذ لو أعاد منفردا لم يحصل له إلا صلاة واحدة فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب. ومما ورد من الزيادة على العدد المذكور ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عكرمة عن ابن عباس موقوفا عليه قال: "فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد خمس وعشرون درجة. قال: فإن كانوا أكثر من ذلك فعلى عدد من في المسجد. فقال رجل: وإن كانوا عشرة آلاف؟ قال نعم " وهذا له حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي، لكنه غير ثابت. "تنبيه": سقط حديث أبي سعيد من هذا الباب في رواية كريمة وثبت للباقين، وأورده الإسماعيلي قبل حديث عمر. قوله في حديث أبي هريرة "صلاة الرجل في الجماعة" في رواية الحموي والكشميهني: "في جماعة " بالتنكير. قوله: "خمسة وعشرين ضعفا" كذا في الروايات التي وقفنا عليها، وحكى الكرماني وغيره أن فيه خمسا وعشرين درجة، بتأويل الضعف بالدرجة أو الصلاة. قوله: "في بيته وفي سوقه" مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعة وفرادى قاله ابن دقيق العيد، قال: والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا، لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا، قال: وبهذا يرتفع الإشكاك عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق. انتهى. ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية المذكورة، إذ لا يلزم من استوائهما في المفضولية عن المسجد أن لا يكون أحدهما أفضل من الآخر، وكذا لا يلزم منه أن كون الصلاة جماعة في البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا، بل الظاهر أن التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد، والصلاة في البيت مطلقا أولى منها في السوق لما ورد من كون الأسواق موضع الشياطين، والصلاة جماعة في البيت وفي السوق أولى من الانفراد. وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع، وفي المسجد العام مع تقرير الفضل في غيره. وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته؟ قال: حسن جميل. قال: فإن صلى في مسجد عشيرته؟ قال: خمس عشرة صلاة.قال: فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه؟ قال: خمس وعشرون. انتهى. وأخرج حميد بن زنجويه في " كتاب الترغيب " نحوه من حديث واثلة، وخص الخمس والعشرون بمسجد القبائل. قال: وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه - أي الجمعة - بخمسمائة، وسنده ضعيف. قوله: "وذلك أنه إذا توضأ" ظاهر في أن الأمور المذكورة علة للتضعيف المذكور، إذ التقدير: وذلك لأنه، فكأنه يقول: التضعيف المذكور سببه كيت وكيت، وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرا أو ليس مقصودا لذاته. وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى، فالأخذ بها
(2/135)

متوجه، والروايات المطلقة لا تنافيها بل يحمل مطلقها على هذه المقيدة، والذين قالوا بوجوب الجماعة على الكفاية ذهب كثير منهم إلى أن الحرج لا يسقط بإقامة الجماعة في البيوت، وكذا روى عن أحمد في فرض العين، ووجهوه بأن أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد، وهو وصف معتبر لا ينبغي إلغاؤه فيختص به المسجد، ويلحق به ما في معناه مما يحصل به إظهار الشعار. قوله: "لا يخرجه إلا الصلاة" أي قصد الصلاة في جماعة، واللام فيها للعهد لما بيناه. قوله: "لم يخط" بفتح أوله وضم الطاء. و قوله: "خطوة" ضبطناه بضم أوله ويحوز الفتح، قال الجوهري: الخطوة بالضم ما بين القدمين، وبالفتح المرة الواحدة وجزم اليعمري أنها هنا بالفتح.وقال القرطبي: إنها في روايات مسلم بالضم، والله أعلم. قوله: "فإذا صلى" قال ابن أبي جمرة: أي صلى صلاة تامة، لأنه صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته "ارجع فصل، فإنك لم تصل" . قوله: "في مصلاه" أي في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد، وكأنه خرج مخرج الغالب، وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرا على نية انتظار الصلاة كان كذلك. قوله: "اللهم ارحمه" أي قائلين ذلك، زاد ابن ماجه: "اللهم تب عليه " وفي الطريق الماضية في باب مسجد السوق " اللهم اغفر له " واستدل به على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال لما ذكر من صلاة الملائكة عليه ودعائهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة، وعلى تفضيل صالحي الناس على الملائكة لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة مشغولون بالاستغفار والدعاء لهم. واستدل بأحاديث الباب على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة لأن قوله: "على صلاته وحده " يقتضي صحة صلاته منفردا لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل، فإن ذلك يقتضي وجود فضيلة في صلاة المنفرد، وما لا يصح لا فضيلة فيه. قال القرطبي وغيره: ولا يقال إن لفظة أفعل قد ترد لإثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين كقوله تعالى: {أحسن مقيلا} لأنا نقول إنما يقع ذلك على قلة حيث ترد صيغة أفعل مطلقة غير مقيدة بعدد معين، فإذا قلنا هذا العدد أزيد من هذا بكذا فلا بد من وجود أصل العدد، ولا يقال يحمل المنفرد على المعذور لأن قوله: "صلاة الفذ " صيغة عموم فيشمل من صلى منفردا بعذر وبغير عذر، فحمله على المعذور يحتاج إلى دليل. وأيضا ففضل الجماعة حاصل للمعذور لما سيأتي في هذا الكتاب من حديث أبي موسى مرفوعا: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما" . وأشار ابن عبد البر إلى أن بعضهم حمله على صلاة النافلة، ثم رده بحديث: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " واستدل بها على تساوي الجماعات في الفضل سواء كثرت الجماعة أم قلت، لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة فيدخل فيه كل جماعة، كذا قال بعض المالكية، وقواه بما روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح إبراهيم النخعي قال: إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهم التضعيف خمسا وعشرين. انتهى. وهو مسلم في أصل الحصول، لكنه لا ينفي مزيد الفضل لما كان أكثر، لا سيما مع وجود النص المصرح به وهو ما رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث أبي بن كعب مرفوعا: "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله" ، وله شاهد قوي في الطبراني من حديث قباث بن أشيم وهو بفتح القاف والموحدة وبعد الألف مثلثة، وأبوه بالمعجمة بعدها تحتانية بوزن أحمر، ويترتب على الخلاف المذكور أن من قال بالتفاوت استحب إعادة الجماعة مطلقا لتحصيل الأكثرية، ولم يستحب ذلك الآخرون، ومنهم من فصل فقال: تعاد مع الأعلم أو الأورع أو في البقعة الفاضلة، ووافق مالك على الأخير لكن قصره على المساجد
(2/136)

الثلاثة، والمشهور عنه بالمسجدين المكي والمدني. وكما أن الجماعة تتفاوت في الفضل بالقلة والكثرة وغير ذلك مما ذكر كذلك يفوق بعضها بعضا، ولذلك عقب المصنف الترجمة المطلقة في فضل الجماعة بالترجمة المقيدة بصلاة الفجر، واستدل بها على أن أقل الجماعة إمام ومأموم، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد قريبا إن شاء الله تعالى.
(2/137)

31 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ
648- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تَفْضُلُ صَلاَةُ الْجَمِيعِ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَتَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}
649- قَالَ شُعَيْبٌ وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ تَفْضُلُهَا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً
650- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمًا قَالَ سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَقُلْتُ مَا أَغْضَبَكَ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا إِلاَّ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا
651- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ"
قوله: "باب فضل صلاة الفجر في جماعة" هذه الترجمة أخص من التي قبلها، ومناسبة حديث أبي هريرة لها من قوله: "وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر " فإنه يدل على مزية لصلاة الفجر على غيرها. وزعم ابن بطال أن في قوله: "وتجتمع " إشارة إلى أن الدرجتين الزائدتين على خمس وعشرين تؤخذ من ذلك، ولهذا عقبه برواية ابن عمر التي فيها بسبع وعشرين، وقد تقدم الكلام على الاجتماع المذكور في " باب فضل صلاة العصر " من المواقيت. قوله: "بخمس وعشرين جزءا" كذا في النسخ التي وقفت عليها، ونقل الزركشي في نكته أنه وقع في الصحيحين " خمس " بحذف الموحدة من أوله والهاء من آخره، قال: وخفض خمس على تقدير الباء كقول الشاعر أشارت كليب بالأكف الأصابع أي إلى كليب. وأما حذف الهاء فعلى تأويل الجزء بالدرجة. انتهى. وقد أورده المؤلف في التفسير من طريق معمر عن الزهري بلفظ: "فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة" . قوله: "قال شعيب وحدثني نافع" أي بالحديث مرفوعا نحوه، إلا أنه قال: "بسبع وعشرين درجة، وهو موافق لرواية مالك وغيره عن نافع كما تقدم، وطريق شعيب هذه موصولة، وجوز الكرماني أن تكون معلقة وهو بعيد، بل هي معطوفة على الإسناد الأول، والتقدير حدثنا أبو اليمان قال شعيب: ونظائر هذا
(2/137)

في الكتاب كثيرة، ولكن لم أر طريق شعيب هذه إلا عند المصنف، ولم يستخرجها الإسماعيلي ولا أبو نعيم ولا أوردها الطبراني في مسند الشاميين في ترجمة شعيب. قوله: "سمعت سالما" هو ابن أبي الجعد، وأم الدرداء هي الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية لأن الكبرى ماتت في حياة أبي الدرداء وعاشت الصغرى بعده زمانا طويلا. وقد جزم أبو حاتم بأن سالم بن أبي الجعد لم يدرك أبا الدرداء، فعلى هذا لم يدرك أم الدرداء الكبرى. وفسرها الكرماني هنا بصفات الكبرى وهو خطأ لقول سالم " سمعت أم الدرداء " وقد تقدم في المقدمة أن اسم الصغرى هجيمة والكبرى خيرة. قوله: "من أمة محمد" كذا في رواية أبي ذر وكريمة، وللباقين " من محمد " بحذف المضاف، وعليه شرح ابن بطال ومن تبعه فقال: يريد من شريعة محمد شيئا لم يتغير عما كان عليه إلا الصلاة في جماعة، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه. انتهى. ووقع في رواية أبي الوقت " من أمر محمد " بفتح الهمزة وسكون الميم بعدها راء، وكذا ساقه الحميدي في جمعه، وكذا هو في مسند أحمد ومستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم من طرق عن الأعمش، وعندهم " ما أعرف فيهم " أي في أهل البلد الذي كان فيه، وكأن لفظ: "فيهم " لما حذف من رواية البخاري صحف بعض النقلة " أمر " بأمة ليعود الضمير في أنهم على الأمة. قوله: "يصلون جميعا" أي مجتمعين، وحذف المفعول وتقديره الصلاة أو الصلوات، ومراد أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة، وهو أمر نسبي لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها، ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان، فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان؟ وفي هذا الحديث جواز الغضب عند تغير شيء من أمور الدين، وإنكار المنكر بإظهار الغضب إذا لم يستطع أكثر منه، والقسم على الخبر لتأكيده في نفس السامع. قوله: "أبعدهم فأبعدهم ممشى" أي إلى المسجد، وسيأتي الكلام على ذلك بعد باب واحد. قوله: "مع الإمام" زاد مسلم: "في جماعة " وبين أنها رواية أنها كريب - وهو محمد بن العلاء - الذي أخرجه البخاري عنه. قوله: "من الذي يصلي ثم ينام" أي سواء صلى وحده أو في جماعة، ويستفاد منه أن الجماعة تتفاوت كما تقدم. "تكميل": استشكل إيراد حديث أبي موسى في هذا الباب، لأنه ليس فيه لصلاة الفجر ذكر، بل آخره يشعر بأنه في العشاء. ووجهه ابن المنير وغيره بأنه دل على أن السبب في زيادة الأجر وجود المشقة بالمشي إلى الصلاة، وإذا كان كذلك فالمشي إلى صلاة الفجر في جماعة أشق من غيرها، لأنها وإن شاركتها العشاء في المشي في الظلمة فإنها تزيد عليها بمفارقة النوم المشتهي طبعا، ولم أر أحدا من الشراح نبه على مناسبة حديث أبي الدرداء للترجمة إلا الزين بن المنير فإنه قال: تدخل صلاة الفجر في قوله: "يصلون جميعا " وهي أخص بذلك من باقي الصلوات. وذكر ابن رشيد نحوه وزاد أن استشهاد أبي هريرة في الحديث الأول بقوله تعالى:{إن قرآن الفجر كان مشهودا" يشير إلى أن الاهتمام بها آكد. وأقول: تفنن المصنف بإيراد الأحاديث الثلاثة في الباب إذ تؤخذ المناسبة من حديث أبي هريرة بطريق الخصوص، ومن حديث أبي الدرداء بطريق العموم، ومن حديث أبي موسى بطريق الاستنباط. ويمكن أن يقال: لفظ الترجمة يحتمل أن يراد به فضل الفجر على غيرها من الصلوات، وأن يراد به ثبوت الفضل لها في الجملة، فحديث أبي هريرة شاهد للأول، وحديث أبي الدرداء شاهد للثاني، وحديث أبي موسى شاهد لهما، والله أعلم.
(2/138)

باب فضل التهجير إلى الطهر
...
32 - باب فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ
قوله: "باب فضل التهجير إلى الظهر" كذا للأكثر وعليه شرح ابن التين وغيره، وفي بعضها " إلى الصلاة " وعليه شرح ابن بطال.
وقد تقدم الكلام عليه في " باب الاستهام في الأذان".
652- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ"
[الحديث 652- طرفه في : 2472]
653- ثُمَّ قَالَ الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِيقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ"
[الحديث655- طرفاه في : 1887,656}
654- "وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لاَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا
قوله: "بينما رجل" في هذا المتن ثلاثة أحاديث: قصة الذي نحي غصن الشوك، والشهداء، والترغيب في النداء وغيره مما ذكر. والمقصود منه ذكر التهجير، وقد تقدم الحديث الثالث مفردا في " باب الاستهام " عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ويأتي الثاني في الجهاد عنه أيضا، والأول في المظالم كذلك وتكلمنا على شرحه هناك، وكان قتيبة حدث به عن مالك هكذا مجموعا فلم يتصرف فيه المصنف كعادته في الاختصار، وتكلف الزين بن المنير إبداء مناسبة للأول من جهة أنه دال على أن الطاعة وإن قلت فلا ينبغي أن تترك، واعترف بعدم مناسبة الثاني. قوله: "فأخذه" في رواية الكشميهني: "فأخره" . قوله: "فشكر الله له" أي رضى بفعله وقبل منه، وفيه فضل إماطة الأذى عن الطريق، وقد تقدم في كتاب الإيمان أنها أدنى شعب الإيمان. قوله: "الشهداء خمس" كذا لأبي ذر عن الحموي، وللباقين " خمسة " وهو الأصل في المذكر، وجاز الأول لأن المميز غير مذكور، وسيأتي الكلام على مباحثه في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى.
(2/139)

33 - باب احْتِسَابِ الْآثَارِ
655- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ قَالَ خُطَاهُمْ
[الحديث 655 – طرفاه في : 1887,656]
656- وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلِهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرُوا الْمَدِينَةَ فَقَالَ أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ قَالَ مُجَاهِدٌ خُطَاهُمْ آثَارُهُمْ أَنْ يُمْشَى فِي الأَرْضِ بِأَرْجُلِهِمْ
(2/139)

قوله: "باب احتساب الآثار" أي إلى الصلاة، وكأنه لم يقيدها لتشمل كل مشي إلى كل طاعة.قوله: "حدثنا عبد الوهاب" هو الثقفي. قوله: "يا بني سلمة" بكسر اللام وهم بطن كبير من الأنصار ثم من الخزرج، وقد غفل القزاز وتبعه الجوهري حيث قال: ليس في العرب سلمة بكسر اللام غير هذا القبيل، فإن الأئمة الذين صنفوا في المؤتلف والمختلف ذكروا عددا من الأسماء كذلك، لكن يحتمل أن يكون أراد بقيد القبيلة أو البطن فله بعض اتجاه. قوله: "ألا تحتسبون" كذا في النسخ التي وقفنا عليها بإثبات النون، وشرحه الكرماني بحذفها، ووجهه بأن النحاة أجازوا ذلك - يعني تخفيفا - قال: والمعنى ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد؟ فإن لكل خطوة ثوابا ا هـ. والاحتساب وإن كان أصله العد لكنه يستعمل غالبا في معنى طلب تحصيل الثواب بنية خالصة. قوله: "وحدثنا ابن أبي مريم" كذا لأبي ذر وحده. وفي رواية الباقين " وقال ابن أبي مريم " وذكره صاحب الأطراف بلفظ: "وزاد ابن أبي مريم " وقال أبو نعيم في المستخرج ذكره البخاري بلا رواية يعني معلقا، وهذا هو الصواب، وله نظائر في الكتاب في رواية يحيى بن أيوب لأنه ليس على شرطه في الأصول. قوله: "عن أنس" كذا لأبي ذر وحده أيضا وللباقين " حدثنا أنس " وكذا ذكره أبو نعيم أيضا، وكذا سمعناه في الأول من فوائد المخلص من طريق أحمد بن منصور عن ابن أبي مريم ولفظه: "سمعت أنسا"، وهذا هو السر في إيراد طريق يحيى بن أيوب عقب طريق عبد الوهاب ليبين الأمن من تدليس حميد، وقد تقدم نظيره في " باب وقت العشاء " وقد أخرجه في الحج من طريق مروان القزارى عن حميد وساق المتن كاملا. قوله: "فينزلوا قريبا" يعني لأن ديارهم كانت بعيدة من المسجد، وقد صرح بذلك في رواية مسلم من طريق أبي الزبير قال: "سمعت جابر رسول الله يقول: كانت ديارنا بعيدة من المسجد، فأردنا أن نبتاع بيوتا فنقرب من المسجد، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن لكم بكل خطوة درجة " وللسراج من طريق أبي نضرة عن جابر: أرادوا أن يقربوا من أجل الصلاة. ولابن مردويه من طريق أخرى عن أبي نضرة عنه قال: "كانت منازلنا بسلع " ولا يعارض هذا ما سيأتي في الاستسقاء من حديث أنس " وما بيننا وبين سلع من دار " لاحتمال أن تكون ديارهم كانت من وراء سلع، وبين سلع والمسجد قدر ميل. قوله أن يعروا المدينة في رواية الكشميهني أن يعروا منازلهم وهو بضم أوله وسكون العين الراء أي يتركونها خالية يقال أعراه إذا أخلاه والعراء الأرض الخالية وقيل الواسعة وقيل المكان الذي لا يستتر فيه بشيء ونبه بهذه الكراهة على السبب في منعهم من المسجد لتبقى جهات المدينة عامرة بساكنها واستفادوا بذلك كثرة الأجر لكثرة الخطا في المشي إلى المسجد وزاد في رواية الفزاري التي في الحج فأقاموا ومثله في رواية المخلص التي ذكرناها وللترمذي من حديث أبي سعيد فلم ينتقلوا ولمسلم من طريق أبي نضرة عن جابر فقالوا ما يسرنا أنا كنا تحولنا قوله وقال مجاهد خطاهم آثارهم والمشى في الأرض بارجلهم كذا لأبي ذر وللباقين وقال مجاهد ونكتب ما قدموا وآثارهم قال خطاهم وكذا وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عنه قال في قوله تعالى ونكتب ما قدموا قال أعمالهم وفي قوله وآثارهم قال خطاهم وأشار البخاري بهذا التعليق إلى أن قصة بني سلمة كانت سبب نزول هذه الآية وقد ورد مصرحا به من طريق سماك عن عكرمة عن بن عباس أخرجه بن ماجة وغيره وإسناده قوي وفي الحديث أن أعمال البر إذا كانت خالصة تكتب آثارها حسنات وفيه استحباب السكنى بقرب المسجد إلا لمن حصلت به منفعة أخرى أو أراد تكثير الأجر بكثرة المشي ما لم يحمل
(2/140)

على نفسه , ووجهه أنهم طلبوا السكنى بقرب المسجد للفضل الذي علموه منه فما أنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بل رجح درء المفسدة باخلائهم جوانب المدينة على المصلحة المذكورة وأعلمهم بان لهم في التردد إلى المسجد من الفضل ما يقوم مقام السكنى بقرب المسجد أو يزيد عليه واختلف فيمن كانت داره المساجد من المسجد فقارب الخطا بحيث تساوى خطا من داره بعيدة هل يساويه في الفضل أو لا وإلى المساواة جنح الطبري وروى بن أبي شييبة من طريق أنس قال مشيت مع زيد بن ثابت إلى المسجد فقارب بين الخطا وقال أردت أن تكثر خطانا إلى المسجد وهذا لا يلزم منه المساواة في الفضل وأن دل على أن في كثرة الخطا فضيلة لأن ثواب الخطا الشاقة ليس كثواب الخطا السهلة وهو ظاهر حديث أبي موسى الماضي قبل باب حيث جعل أبعدهم ممشى أعظمهم أجرا واستنبط منه بعضهم استحباب قصد المسجد البعيد ولو كان بجنبه مسجد قريب وإنما يتم ذلك إذا لم يلزم من ذهابه إلى البعيد هجر القريب وإلا فاحياؤه بذكر الله أولى وكذا إذا كان في البعيد مانع من الكمال كأن يكون إمامه مبتدعا
(2/141)

34 - باب فَضْلِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ
657- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لاَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لاَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ بَعْدُ"
قوله: "باب فضل صلاة العشاء في الجماعة" أورد فيه الحديث الدال على فضل العشاء والفجر، فيحتمل أن يكون مراد الترجمة إثبات فضل العشاء في الجملة أو إثبات أفضليتها على غيرها، والظاهر الثاني، ووجهه أن صلاة الفجر ثبتت أفضليتها كما تقدم، وسوى في هذا بينها وبين العشاء، ومساوى الأفضل يكون أفضل جزما. قوله: "ليس أثقل" كذا للأكثر بحذف الاسم، وبينه الكشميهني في رواية أبي ذر وكريمة عنه فقال: "ليس صلاة أثقل " ودل هذا على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين، ومنه قوله تعالى: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهما، لأن العشاء وقت السكون والراحة والصبح وقت لذة النوم. وقيل وجهه كون المؤمنين يفوزون بما ترتب عليهما من الفضل لقيامهم بحقهما دون المنافقين. قوله: "ولو يعلمون ما فيهما" أي من مزيد الفضل "لأتوهما" أي الصلاتين، والمراد لأتوا إلى المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد. قوله: "ولو حبوا" أي يزحفون إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير، ولابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء " ولو حبوا على المرافق والركب " وقد تقدم الكلام على باقي الحديث في " باب وجوب صلاة الجماعة". قوله في آخره "على من لا يخرج إلى الصلاة بعد" كذا للأكثر بلفظ: "بعد " ضد قبل، وهي مبنية على الضم، ومعناه بعد أن يسمع النداء إليها أو بعد أن يبلغه التهديد المذكور، وللكشميهني بدلها " يقدر " أي لا يخرج وهو يقدر على المجيء، ويؤيده ما قدمناه من رواية لأبي داود " وليست بهم علة " ووقع عند الداودي للشارح هنا " لا لعذر " وهي أوضح من غيرها لكن لم نقف عليها في شيء من الروايات عند غيره.
(2/141)

35 - باب اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ
658- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا"
قوله: "باب اثنان فما فوقهما جماعة" هذه الترجمة لفظ حديث ورد من طرق ضعيفة، منها في ابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري وفي معجم البغوي من حديث الحكم بن عمير وفي أفراد الدار قطني من حديث عبد الله بن عمرو وفي البيهقي من حديث أنس وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي أمامة وعند أحمد من حديث أبي أمامة أيضا: "أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه؟ فقام رجل فصلى معه، فقال: هذان جماعه " والقصة المذكورة دون قوله: "هذان جماعة " أخرجها أبو داود والترمذي من وجه آخر صحيح. قوله: "إذا حضرت الصلاة" تقدم من هذا الوجه في " باب الأذان للمسافر " وأوله " أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال لهما " فذكره. وقد اعترض على الترجمة بأنه ليس في حديث مالك ابن الحويرث تسمية صلاة الاثنين جماعة، والجواب أن ذلك مأخوذ بالاستنباط من لازم الأمر بالإمامة، لأنه لو استوت صلاتهما معا مع صلاتهما منفردين لاكتفى بأمرهما بالصلاة كأن يقول: أذنا وأقيما وصليا. واعترض أيضا على أصل الاستدلال بهذا الحديث بأن مالك بن الحويرث كان مع جماعة من أصحابه، فلعل الاقتصار عل التثنية من تصرف الرواة. والجواب أنهما قضيتان كما تقدم، واستدل به على أن أقل الجماعة إمام ومأموم أعم من أن يكون المأموم رجلا أو صبيا أو امرأة. وتكلم ابن بطال هنا على مسألة أقل الجمع والاختلاف فيها، ورده الزين بن المنير بأنه لا يلزم من قوله: "الاثنان جماعة " أن يكون أقل الجمع اثنين وهو واضح.
(2/142)

36 - باب مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ
659- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتْ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ الصَّلاَةُ"
قوله: "باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة" أي ليصليها جماعة. قوله: "تصلي على أحدكم" أي تستغفر له، قيل عبر بتصلي ليتناسب الجزاء والعمل. قوله: "ما دام في مصلاه" أي ينتظر الصلاة كما صرح به في الطهارة من وجه آخر. قوله: "لا يزال أحدكم الخ" هذا القدر أفرده مالك في الموطأ عما قبله، وأكثر الرواة ضموه إلى الأول فجعلوه حديثا واحدا، ولا حجر في ذلك. قوله: "في صلاة" أي في ثواب صلاة لا في حكمها، لأنه يحل له الكلام وغيره مما منع في الصلاة. قوله: "ما دامت" في رواية الكشميهني: "ما كانت " وهو عكس ما مضى في الطهارة. قوله: "لا يمنعه" يقتضي أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه الثواب المذكور، وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمر آخر، وهل يحصل ذلك لمن نيته إيقاع الصلاة في المسجد ولو لم يكن فيه؟ الظاهر خلافه، لأنه رتب
(2/142)

الثواب المذكور على المجموع من النية وشغل البقعة بالعبادة، لكن للمذكور ثواب يخصه، ولعل هذا هو السر في إيراد المصنف الحديث الذي يليه وفيه: "ورجل قلبه معلق في المساجد " وقد تقدم الكلام في الطهارة على معنى قوله: "ما لم يحدث " وفيه زيادة على ما هنا، وأن المراد بالحدث حدث الفرج، لكن يؤخذ منه أن اجتناب حدث اليد واللسان من باب الأولى، لأن الأذى منهما يكون أشد، أشار إلى ذلك ابن بطال. وقد تقدم الكلام على باقي فوائده في " باب فضل صلاة الجماعة " ويؤخذ من قوله: "في مصلاه الذي صلى فيه: "أن ذلك مقيد بمن صلى ثم انتظر صلاة أخرى، وبتقييد الصلاة الأولى بكونها مجزئه، أما لو كان فيها نقص فإنها تجبر بالنافلة كما ثبت في الخبر الآخر. قوله: "اللهم اغفر له، اللهم ارحمه" هو مطابق لقوله تعالى: {والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض} ، قيل: السر فيه أنهم يطلعون على أفعال بني آدم وما فيها من المعصية والخلل في الطاعة فيقتصرون على الاستغفار لهم من ذلك، لأن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، ولو فرض أن فيهم من تحفظ من ذلك فإنه يعوض من المغفرة بما يقابلها من الثواب.
660- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"
[الحديث660- أطرافه في: 6806,6479,1423]
قوله: "حدثنا يحيى" هو القطان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري، وخبيب بضم المعجمة وهو خال عبيد الله الراوي عنه، وحفص بن عاصم هو ابن عمر بن الخطاب وهو جد عبيد الله المذكور لأبيه. قوله: "عن أبي هريرة" لم تختلف الرواة عن عبيد الله في ذلك، ورواه مالك في الموطأ عن خبيب فقال: "عن أبي سعيد وأبي هريرة " على الشك، ورواه أبو قرة عن مالك بواو العطف فجعله عنهما، وتابعه مصعب الزبيري، وشذا في ذلك عن أصحاب مالك، والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده، والله أعلم. قوله: "سبعة" ظاهره اختصاص المذكورين بالثواب المذكور، ووجهه الكرماني بما محصله أن الطاعة إما أن تكون بين العبد وبين الرب أو بينه وبين الخلق، فالأول باللسان وهو الذكر، أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد، أو بالبدن وهو الناشئ في العبادة. والثاني عام وهو العادل، أو خاص بالقلب وهو التحاب، أو بالمال وهو الصدقة، أو بالبدن وهو العفة. وقد نظم السبعة العلامة أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل فيما أنشدناه أبو إسحاق التنوخي إذنا عن أبي الهدى أحمد بن أبي شامة عن أبيه سماعا من لفظه قال:
وقال النبي المصطفى إن سبعة ... يظلهم الله الكريم بظله
محب عفيف ناشئ متصدق ... وباك مصل والإمام بعدله
(2/143)

ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعا: "من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية فدل على أن العدل المذكور لا مفهوم له. وقد ألقيت هذه المسألة على العالم شمس الدين بن عطاء الرازي المعروف بالهروي لما قدم القاهرة وادعى أنه يحفظ صحيح مسلم، فسألته بحضرة الملك المؤيد عن هذا وعن غيره فما استحضر في ذلك شيئا، ثم تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك فزادت على عشر خصال، وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد ونظمتها في بيتين تذييلا على بيتي أبي شامة وهما:
وزد سبعة: إظلال غاز وعونه ... وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله
وإرفاد ذي غرم وعون مكاتب ... وتاجر صدق في المقال وفعله
فأما إظلال الغازي فرواه ابن حبان وغيره من حديث عمر، وأما عون المجاهد فرواه أحمد والحاكم من حديث سهم بن حنيف، وأما إنظار المعسر والوضيعة عنه ففي صحيح مسلم كما ذكرنا، وأما إرفاد الغارم وعون المكاتب فرواهما أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف المذكور، وأما التاجر الصدوق فرواه البغوي في شرح السنة من حديث سلمان وأبو القاسم التيمي من حديث أنس، والله أعلم. ونظمته مرة أخرى فقلت في السبعة الثانية:
وتحسين خلق مع إعانة غارم ... خفيف يد حتى مكاتب أهله
وحديث تحسين الخلق أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف، ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى ونظمتها في بيتين آخرين وهما:
وزد سبعة: حزن ومشى لمسجد ... وكره وضوء ثم مطعم فضله
وآخذ حق باذل ثم كافل ... وتاجر صدق في المقال وفعله
ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى، ولكن أحاديثها ضعيفة وقلت في آخر البيت: "تربع به السبعات من فيض فضله". وقد أوردت الجميع في " الأمالي"، وقد أفردته في جزء سميته " معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال". قوله: "في ظله" قال عياض: إضافة الظل إلى الله إضافة ملك، وكل ظل فهو ملكه. كذا قال، وكان حقه أن يقول إضافة تشريف، ليحصل امتياز هذا على غيره، كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه. وقيل المراد بظله كرامته وحمايته كما يقال فلان في ظل الملك، وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض، وقيل المراد ظل عرشه، ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن " سبعة يظلهم الله في ظل عرشه " فذكر الحديث، وإذا كان المراد ظل العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح، وبه جزم القرطبي، ويؤيده أيضا تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به. ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر وهو عند المصنف في كتاب الحدود، وبهذا يندفع قول من قال: المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل ثم بعد الاستقرار في الجنة. ثم إن ذلك مشترك لجميع من يدخلها، والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة، فيرجح أن المراد ظل العرش، وروى الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعا: "أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا إمام عادل" . قوله: "الإمام العادل" اسم فاعل من العدل، وذكر ابن عبد البر أن بعض الرواة عن مالك رواه بلفظ: "العدل " قال وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلا، والمراد به صاحب الولاية العظمى، ويلتحق به
(2/144)

كل من ولى شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه، ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه: "أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط ، وقدمه في الذكر لعموم النفع به. قوله: "وشاب" خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى؛ فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى. قوله: "في عبادة ربه" في رواية الإمام أحمد عن يحيى القطان " بعبادة الله " وهي رواية مسلم، وهما بمعنى، زاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر " حتى توفى على ذلك " أخرجه الجوزقي. وفي حديث سلمان " أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله". قوله: "معلق في المساجد" هكذا في الصحيحين، وظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل مثلا إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجا عنه، ويدل عليه رواية الجوزقي " كأنما قلبه معلق في المسجد " ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب، ويدل عليه رواية أحمد " معلق بالمساجد " وكذا رواية سلمان " من حبها " وزاد الحموي والمستملى " متعلق " بزيادة مثناة بعد الميم وكسر اللام، زاد سلمان " من حبها " وزاد مالك " إذا خرج منه حتى يعود إليه". وهذه الخصلة هي المقصودة من هذا الحديث للترجمة، ومناسبتها للركن الثاني من الترجمة وهو فضل المساجد ظاهرة، وللأول من جهة ما دل عليه من الملازمة للمسجد واستمرار الكون فيه بالقلب وإن عرض للجسد عارض. قوله: "تحابا" بتشديد الباء وأصله تحابيا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارا فقط، ووقع في رواية حماد بن زيد " ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا على ذلك " ونحوه في حديث سلمان. قوله: "اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه" في رواية الكشميهني: "اجتمعا عليه " وهي رواية مسلم أي على الحب المذكور، والمراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق بينهما الموت. ووقع في الجمع للحميدي " اجتمعا على خير " ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات وهي عندي تحريف. "تنبيه": عدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين، أو لما كان المتحابان بمعنى واحد كان عد أحدهما مغنيا عن عد الآخر، لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها. قوله: "ورجل طلبته ذات منصب" بين المحذوف أحمد في روايته عن يحيى القطان فقال: "دعته امرأة " وكذا في رواية كريمة، ولمسلم وهو للمصنف في الحدود عن ابن المبارك، والمراد بالمنصب الأصل أو الشرف. وفي رواية ومالك " دعته ذات حسب " وهو يطلق على الأصل وعلى المال أيضا، وقد وصفها بأكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن تحصل فيه وهو المنصب الذي يستلزمه الجاه والمال مع الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء، زاد ابن المبارك " إلى نفسها " وللبيهقي في الشعب من طريق أبي صالح عن أبي هريرة " فعرضت نفسها عليه " والظاهر أنها دعته إلى الفاحشة وبه جزم القرطبي ولم يحك غيره. وقال بعضهم يحتمل أن تكون دعته إلى التزوج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها، أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها، والأول أظهر، ويؤيده وجود الكناية في قوله: "إلى نفسها " ولو كان المراد التزويج لصرح به، والصبر عن الموصوفة بما ذكر من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها. قوله: "فقال إني أخاف الله" زاد في رواية كريمة: "رب العالمين " والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه إما
(2/145)

ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها، ويحتمل أن يقوله بقلبه، قال عياض قال القرطبي: إنما يصدر ذلك عن شدة خوف من الله تعالى ومتين تقوى وحياء. قوله: "تصدق أخفى" بلفظ الماضي. قال الكرماني هو جملة حالية بتقدير قد، ووقع في رواية أحمد " تصدق فأخفى " وكذا للمصنف في الزكاة عن مسدد عن يحيى " تصدق بصدقة فأخفاها " ومثله لمالك في الموطأ، فالظاهر أن راوي الأولى حذف العاطف، ووقع في رواية الأصيلي: "تصدق إخفاء " بكسر الهمزة ممدودا على أنه مصدر أو نعت لمصدر محذوف، ويحتمل أن يكون حالا من الفاعل أي مخفيا، وقوله: "بصدقة " نكرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير، وظاهره أيضا يشمل المندوبة والمفروضة، لكن نقل النووي عن العلماء أن إظهار المفروضة أولى من إخفائها. قوله: "حتى لا تعلم" بضم الميم وفتحها. قوله: "شماله ما تنفق يمينه" هكذا وقع في معظم الروايات في هذا الحديث في البخاري وغيره، ووقع في صحيح مسلم مقلوبا " حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله " وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله ابن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب لكنه قصره على ما يقع في الإسناد، ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح ومثل له بحديث: "إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل " وقد قدمنا الكلام عليه في كتاب الأذان. وقال شيخنا: ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس. انتهى. والأولى تسميته مقلوبا فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء، وقد سماه بعض من تقدم مقلوبا، قال عياض: هكذا في جميع النسخ التي وصلت إلينا من صحيح مسلم وهو مقلوب أو الصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين، وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة " باب الصدقة باليمين " قال: ويشبه أن يكون الوهم فيه ممن دون مسلم بدليل قوله في رواية مالك لما أوردها عقب رواية عبيد الله بن عمر فقال بمثل حديث عبيد الله فلو كانت بينهما مخالفة لبينها كما نبه على الزيادة في قوله: "ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه" . انتهى. وليس الوهم فيه ممن دون مسلم ولا منه بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه يحيى القطان، فإن مسلما أخرجه عن زهير بن حرب وابن نمير كلاهما عن يحيى وأشعر سياقه بأن اللفظ لزهير، وكذا أخرجه أبو يعلى في مسنده عن زهير، وأخرجه الجوزقي في مستخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عن عبد الرحمن ابن بشر بن الحكم عن يحيى القطان كذلك، وعقبه بأن قال: سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول يحيى القطان عندنا واهم في هذا، إنما هو " حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " قلت: والجزم بكون يحيى هو الواهم فيه نظر، لأن الإمام أحمد قد رواه عنه على الصواب، وكذلك أخرجه البخاري هنا عن محمد بن بشار وفي الزكاة عن مسدد، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق يعقوب الدورقي وحفص بن عمر وكلهم عن يحيى، وكأن أبا حامد لما رأى عبد الرحمن قد تابع زهيرا ترجح عنده أن الوهم من يحيى، وهو محتمل بأن يكون منه لما حدث به هذين خاصة، مع احتمال أن يكون الوهم منهما تواردا عليه. وقد تكلف بعض المتأخرين توجيه هذه الرواية المقلوبة، وليس بجيد لأن المخرج متحد ولم يختلف فيه على عبيد الله بن عمر شيخ يحيى فيه ولا على شيخه خبيب ولا على مالك رفيق عبيد الله بن عمر فيه. وأما استدلال عياض على أن الوهم فيه ممن دون مسلم بقوله في رواية مالك مثل عبيد الله فقد عكسه غيره فواخذ مسلما بقوله مثل عبيد الله لكونهما ليستا متساويتين، والذي يظهر أن مسلما لا يقصر لفظ المثل على المساوي في جميع اللفظ والترتيب، بل هو في المعظم إذا تساويا في المعنى، والمعنى المقصود من هذا الموضع إنما هو إخفاء الصدقة والله أعلم، ولم نجد هذا الحديث من وجه من الوجوه إلا عن أبي هريرة، إلا ما وقع عند مالك من التردد هل هو عنه أو عن أبي

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:26 AM
سعيد كما قدمناه قبل، ولم نجده عن أبي هريرة إلا من رواية حفص، ولا عن حفص إلا من رواية خبيب. نعم أخرجه البيهقي في الشعب من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة والراوي له عن سهيل عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف لكنه ليس بمتروك، وحديثه حسن في المتابعات، ووافق في قوله: "تصدق بيمينه " وكذا أخرجه سعيد بن منصور من حديث سلمان الفارسي بإسناد حسن موقوفا عليه لكن حكمه الرفع. وفي مسند أحمد من حديث أنس بإسناد حسن مرفوعا: "إن الملائكة قالت: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم الحديد. قالت: فهل أشد من الحديد؟ قال: نعم النار. قالت: فهل أشد من النار؟ قال: نعم الماء. قالت: فهل أشد من الماء؟ قال: نعم الريح. قالت: فهل أشد من الريح؟ قال. نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله " ثم إن المقصود منه المبالغة في إخفاء الصدقة بحيث أن شماله مع قربها من يمينه وتلازمهما لو تصور أنها تعلم لما علمت ما فعلت اليمين لشدة إخفائها، فهو على هذا من مجاز التشبيه. ويؤيده رواية حماد بن زيد عند الجوزفي " تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله " ويحتمل أن يكون من مجاز الحذف والتقدير حتى لا يعلم ملك شماله. وأبعد من زعم أن المراد بشماله نفسه وأنه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل إلى أن نفسه لا تعلم ما تنفق نفسه، وقيل هو من مجاز الحذف والمراد بشماله من على شماله من الناس كأنه قال مجاور شماله، وقل المراد أنه لا يرائي بصدقته فلا يكتبها كاتب الشمال، وحكى القرطبي عن بعض مشايخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه، وفيه نظر إن كان أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة، وإن أراد أن هذا من صور الصدقة المخفية فسلم والله أعلم. قوله: "ذكر الله" أي بقلبه من التذكر أو بلسانه من الذكر، و "خاليا" أي من الخلو لأنه يكون حينئذ أبعد من الرياء والمراد خاليا من الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملأ، ويؤيده رواية البيهقي " ذكر الله بين يديه " ويؤيد الأول رواية ابن المبارك وحماد بن زيد " ذكر الله في خلاء " أي في موضع خال وهي أصح. قوله: "ففاضت عيناه" أي فاضت الدموع من عينيه، وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت، قال القرطبي: وفيض العين بحسب حال الذاكر وبحسب ما يكشف له، ففي حال أوصاف الجلال يكون البكاء من خشية الله، وفي حال أوصاف الجمال يكون البكاء من الشوق إليه. قلت: قد خص في بعض الروايات بالأول، ففي رواية حماد بن زيد عند الجوزقي " ففاضت عيناه من خشية الله " ونحوه في رواية البيهقي، ويشهد له ما رواه الحاكم من حديث أنس مرفوعا: "من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة" . "تنبيهان": "الأول" ذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له بل يشترك النساء معهم فيما ذكر، إلا إن كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى، وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون ذات عيال فتعدل فيهم. وتخرج خصلة ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد، وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن، حتى الرجل الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلا فامتنعت خوفا من الله تعالى مع حاجتها، أو شاب جميل دعاه ملك إلى أن يزوجه ابنته مثلا فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه. "الثاني" استوعبت شرح هذا الحديث هنا وإن كان مخالفا لما شرطت لأن أليق المواضع به كتاب الرقاق، وقد اختصرها المصنف حيث أورده فيه، وساقه تاما في الزكاة والحدود، فاستوفيته هنا لأن للأولية وجها من الأولوية.
(2/147)

661- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ هَلْ اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا فَقَالَ نَعَمْ أَخَّرَ لَيْلَةً صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ بَعْدَ مَا صَلَّى فَقَالَ صَلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا وَلَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ قوله: "سئل أنس" تقدم التصريح بسماع حميد له منه في " باب وقت العشاء". قوله: "صلى الناس" أي غير المخاطبين ممن صلى في داره أو مسجد قبيلته، ويستأنس به لمن قال بأن الجماعة غير واجبة. قوله: "ولم تزالوا في صلاة" أي في ثواب صلاة كما تقدم. قوله: "وبيص" بكسر الموحدة وبالمهملة أي بريقه ولمعانه، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في " باب وقت العشاء " ويأتي الكلام على الخاتم في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى.
(2/148)

37 - باب فَضْلِ مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَنْ رَاحَ
662- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ"
قوله: "باب فضل من غدا للمسجد ومن راح" هكذا للأكثر موافقا للفظ الحديث في الغدو والرواح، ولأبي ذر بلفظ: "خرج " بدل غدا، وله عن المستملى والسرخسي بلفظ: "من يخرج " بصيغة المضارع، وعلى هذا فالمراد بالغدو الذهاب وبالرواح الرجوع، والأصل في الغدو المضي من بكرة النهار والرواح بعد الزوال، ثم قد يستعملان في كل ذهاب ورجوع توسعا. قوله: "أعد" أي هيأ. قوله: "نزله" للكشميهني: "نزلا " بالتنكير، والنزل بضم النون والزاي المكان الذي يهيأ للنزول فيه، وبسكون الزاي ما يهيأ للقادم من الضيافة ونحوها، فعلى هذا " من " في قوله من الجنة للتبعيض على الأول وللتبين على الثاني، ورواه مسلم وابن خزيمة وأحمد بلفظ: "نزلا في الجنة " وهو محتمل للمعنيين. قوله: "كلما غدا أو راح" أي بكل غدوة وروحة. وظاهر الحديث حصول الفضل لمن أتى المسجد مطلقا، لكن المقصون منه اختصاصه بمن يأتيه للعبادة، والصلاة رأسها، والله أعلم.
(2/148)

38 - باب إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَالَ ح و حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ ابْنُ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَثَ بِهِ النَّاسُ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا الصُّبْحَ أَرْبَعًا تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَمُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ فِي مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَقَالَ حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا سَعْدٌ عَنْ حَفْصٍ عَنْ مَالِكٍ
(2/148)

39 - باب حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ
664- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَأُذِّنَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ
(2/151)

كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنْ الْوَجَعِ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَكَانَكَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ قِيلَ لِلْأَعْمَشِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَتِهِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الأَعْمَشِ بَعْضَهُ وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا
665- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ الأَرْضَ وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَرَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ لِي وَهَلْ تَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ قُلْتُ لاَ قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
قوله: "باب حد المريض أن يشهد الجماعة" قال ابن التين تبعا لابن بطال: معنى الحد هاهنا الحدة، وقد نقله الكسائي، ومثله قول عمر في أبي بكر " كنت أرى منه بعض الحد " أي الحدة، قال: والمراد به هنا الحض على شهود الجماعة، قال ابن التين: ويصح أن يقال هنا " جد " بكسر الجيم وهو الاجتهاد في الأمر، لكن لم أسمع أحدا رواه بالجيم.انتهى. وقد أثبت ابن قرقول رواية الجيم وعزاها للقابسي. وقال ابن رشيد: إنما المعنى ما يحد للمريض أن يشهد معه الجماعة فإذا جاوز ذلك الحد لم يستحب له شهودها. ومناسبة ذلك من الحديث خروجه صلى الله عليه وسلم متوكئا على غيره من شدة الضعف فكأنه يشير إلى أنه من بلغ إلى تلك الحال لا يستحب له تكلف الخروج للجماعة إلا إذا وجد من يتوكأ عليه. وأن قوله في الحديث الماضي " لأتوهما ولو حبوا " وقع على طريق المبالغة، قال: ويمكن أن يقال معناه باب الحد الذي للمريض أن يأخذ فيه بالعزيمة في شهود الجماعة. انتهى ملخصا. قوله: "مرضه الذي مات فيه" سيأتي الكلام عليه مبينا في آخر المغازي في سببه ووقت ابتدائه وقدره، وقد بين الزهري في روايته كما في الحديث الثاني من هذا الباب أن ذلك كان بعد أن اشتد به المرض واستقر في بيت عائشة. قوله: "فحضرت الصلاة" هي العشاء كما في رواية موسى بن أبي عائشة الآتية قريبا في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به " وسنذكر هناك الخلاف في ذلك إن شاء الله تعالى. قوله: "فأذن" بضم الهمزة على البناء للمفعول. وفي رواية الأصيلي: "وأذن بالواو " وهو أوجه، والمراد به أذان الصلاة. ويحتمل أن يكون معناه أعلم، ويقويه رواية أبي معاوية عن الأعمش الآتية في " باب الرجل يأتم بالإمام " ولفظه: "جاء بلال يؤذنه بالصلاة " واستفيد منه تسمية المبهم، وسيأتي في رواية موسى ابن أبي عائشة أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالسؤال عن حضور وقت الصلاة وأنه أراد أن يتهيأ للخروج إليها فأغمي عليه. قوله: "مرضه الذي مات فيه" سيأتي الكلام عليه مبينا في آخر المغازي في سببه ووقت ابتدائه وقدره، وقد بين الزهري في روايته كما في الحديث الثاني من هذا الباب أن ذلك كان بعد أن اشتد به المرض واستقر في بيت عائشة. قوله: "فحضرت الصلاة" هي العشاء كما في رواية موسى بن أبي عائشة الآتية قريبا في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به " وسنذكر هناك الخلاف في ذلك إن شاء الله تعالى. قوله: "فأذن" بضم الهمزة على البناء للمفعول. وفي رواية الأصيلي: "وأذن بالواو " وهو أوجه، والمراد به أذان الصلاة. ويحتمل أن يكون معناه أعلم، ويقويه رواية أبي معاوية عن الأعمش الآتية في " باب الرجل يأتم بالإمام " ولفظه: "جاء بلال يؤذنه بالصلاة " واستفيد منه تسمية المبهم، وسيأتي في رواية موسى ابن أبي عائشة أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالسؤال عن حضور وقت الصلاة وأنه أراد أن يتهيأ للخروج إليها فأغمي عليه. الحديث. قوله: "مروا أبا بكر فليصل" استدل به على أن الآمر بالأمر بالشيء يكون آمرا به، وهي مسألة معروفة في أصول الفقه، وأجاب المانعون بأن المعنى بلغوا أبا بكر أني أمرته.وفصل النزاع أن النافي إن أراد أنه ليس أمرا حقيقة فمسلم لأنه ليس فيه صيغة أمر للثاني، وإن أراد أنه لا يستلزمه فمردود والله أعلم. قوله: "فقيل له"
(2/152)

قائل ذلك عائشة كما سيأتي. قوله: "أسيف" بوزن فعيل وهو بمعنى فاعل من الأسف وهو شدة الحزن، والمراد أنه رقيق القلب. ولابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عن مسروق عن عائشة في هذا الحديث: قال عاصم والأسيف الرقيق الرحيم، وسيأتي بعد ستة أبواب من حديث ابن عمر في هذه القصة " فقالت له عائشة: إنه رجل رقيق، إذا قرأ غلبه البكاء " ومن حديث أبي موسى نحوه، ومن رواية مالك عن هشام عن أبيه عنها بلفظ: "قالت عائشة: قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر". قوله: "فأعادوا له" أي من كان في البيت، والمخاطب بذلك عائشة كما ترى، لكن جمع لأنهم كانوا في مقام الموافقين لها على ذلك. ووقع في حديث أبي موسى بالإفراد ولفظه: "فعادت " ولابن عمره " فعاودته". قوله: "فأعاد الثالثة فقال: إنكن صواحب يوسف" فيه حذف بينه مالك في روايته المذكرة، وأن المخاطب له حينئذ حفصة بنت عمر بأمر عائشة، وفيه أيضا: "فمر عمر، فقال: مه إنكن لأنتن صواحب يوسف " وصواحب جمع صاحبة، والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن. ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط، كما أن " صواحب " صيغة جمع والمراد زليخا فقط، ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به. وقد صرحت هي فيما بعد ذلك فقالت: "لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا " الحديث. وسيأتي بتمامه في " باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: "في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى. وأخرجه مسلم أيضا. وبهذا التقرير يندفع إشكال من قال إن صواحب يوسف لم يقع منهن إظهار يخالف ما في الباطن. ووقع في مرسل الجنس عند ابن أبي خيثمة أن أبا بكر أمر عائشة أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرف ذلك عنه، فأرادت التوصل إلى ذلك بكل طريق فلم يتم. ووقع في أمالي ابن عبد السلام أن النسوة أتين امرأة العزيز يظهرن تعنيفها، ومقصودهن في الباطن أن يدعون يوسف إلى أنفسهن، كذا قال وليس في سياق الآية ما يساعد ما قال. "فائدة": زاد حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم في هذا الحديث أن أبا بكر هو الذي أمر عائشة أن تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر عمر بالصلاة، أخرجه الدورقي في مسنده، وزاد مالك في روايته التي ذكرناها " فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خبرا". ومثله للإسماعيلي في حديث الباب، وإنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة في المعاودة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث، فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسف وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي أمرتها بذلك، ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضا في قصة المغافير كما سيأتي في موضعه. قوله: "فليصل بالناس" في رواية الكشميهني: "للناس". قوله: "فخرج أبو بكر" فيه حذف دل عليه سياق الكلام، وقد بينه في رواية موسى بن أبي عائشة المذكورة ولفظه: "فأتاه الرسول " أي بلال لأنه هو الذي أعلم بحضور الصلاة فأجيب بذلك، وفي روايته أيضا: "فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس. فقال أبو بكر - وكان رجلا رقيقا - يا عمر صل بالناس فقال له عمر: أنت أحق بذلك " انتهى. وقول أبي بكر هذا لم يرد به ما أرادت عائشة. قال النووي: تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعا، وليس كذلك، بل قاله للعذر المذكور وهو كونه رقيق القلب كثير البكاء، فخشي أن
(2/153)

لا يسمع الناس. انتهى. ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى وعلم ما في تحملها من الخطر، وعلم قوة عمر على ذلك، فاختاره. ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح. والظاهر أنه لم يطلع على المراجعة المتقدمة، وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك سواء باشر بنفسه أو استحلف. قال القرطبي: ويستفاد منه أن للمستخلف في الصلاة أن يستحلف لا يتوقف على إذن خاص له بذلك. قوله: "فصلى" في رواية المستملي والسرخسي " يصلي " وظاهره أنه شرع في الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد أنه تهيأ لها، وسيأتي في رواية أبي معاوية عن الأعمش بلفظ: "فلما دخل في الصلاة " وهو محتمل أيضا بأن يكون المراد دخل في مكان الصلاة، ويأتي البحث مع من حمله على ظاهره إن شاء الله تعالى. قوله: "فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة" ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم وجد ذلك في تلك الصلاة بعينها، ويحتمل أن يكون ذلك بعد ذلك وأن يكون فيه حذف كما تقدم مثله في قوله: "فخرج أبو بكر " وأوضح منه رواية موسى بن أبي عائشة المذكور " فصلى أبو بكر تلك الأيام. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة " وعلى هذا لا يتعين أن تكون الصلاة المذكورة هي العشاء. قوله: "يهادي" بضم أوله وفتح الدال أي يعتمد على الرجلين متمايلا في مشيه من شدة الضعف، والتهادي التمايل في المشي البطيء، وقوله: "يخطان الأرض " أي لم يكن يقدر على تمكينهما من الأرض، وسقط لفظ: "الأرض " من رواية الكشميهني. وفي رواية عاصم المذكورة عند ابن حبان: "إني لأنظر إلى بطون قدميه". قوله: "بين رجلين" في الحديث الثاني من حديثي الباب أنهما العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب ومثله في رواية موسى بن أبي عائشة، ووقع في رواية عاصم المذكورة " وجد خفة من نفسه فخرج بين بريرة ونوبة " ويجمع كما قال النووي بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هذين، ومن ثم إلى مقام الصلاة بين العباس وعلي، أو يحمل على التعدد، ويدل عليه ما في رواية الدار قطني أنه خرج بين أسامة بن زيد والفضل بن العباس. وأما ما في مسلم أنه خرج بين الفضل بن العباس وعلي فذاك في حال مجيئه إلى بيت عائشة. "تنبيه": نوبة بضم النون وبالموحدة ذكره بعضهم في النساء الصحابيات فوهم، وإنما هو عبد أسود كما وقع عند سيف في كتاب الردة، ويؤيده حديث سالم بن عبيد في صحيح ابن خزيمة بلفظ: "خرج بين بريرة ورجل آخر". قوله: "فأراد أبو بكر" زاد أبو معاوية عن الأعمش " فلما سمع أبو بكر حسه " وفي رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس في هذا الحديث: "فلما أحس الناس به سبحوا " أخرجه ابن ماجه وغيره بإسناد حسن. قوله: "أن مكانك" في رواية عاصم المذكورة " أن أثبت مكانك " وفي رواية موسى بن أبي عائشة فأومأ إليه بأن لا يتأخر. قوله: "ثم أتى به" كذا هنا بضم الهمزة. وفي رواية موسى بن أبي عائشة أن ذلك كان بأمره ولفظه: "فقال أجلساني إلى جنبه، فأجلساه " وعين أبو معاوية عن الأعمش في إسناد حديث الباب - كما سيأتي بعد أبواب - مكان الجلوس فقال في روايته: "حتى جلس عن يسار أبي بكر " وهذا هو مقام الإمام، وسيأتي القول فيه. وأغرب القرطبي شارح مسلم لما حكى الخلاف هل كان أبو بكر إماما أو مأموما؟ فقال: لم يقع في الصحيح بيان جلوسه صلى الله عليه وسلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره. انتهى. ورواية أبي معاوية هذه عند مسلم أيضا، فالعجب منه كيف يغفل عن ذلك في حال شرحه له. قوله: "فقيل للأعمش الخ" ظاهرها الانقطاع، لأن الأعمش لم يسنده، لكن في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك متصلا بالحديث، وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة وغيرها. قوله: "رواه أبو داود" هو الطيالسي. قوله: "بعضه" بالنصب وهو بدل من الضمير، وروايته
(2/154)

هذه وصلها البزار قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أبو داود به ولفظه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم بين يدي أبي بكر، كذا رواه مختصرا، وهو موافق لقضية حديث الباب، لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار عن أبي داود بسنده هذا عن عائشة قالت: "من الناس من يقول: كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف، ومنهم من يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقدم " ورواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر " أخرجه ابن المنذر، وهذا عكس رواية أبي موسى، وهو اختلاف شديد. ووقع في رواية مسروق عنها أيضا اختلاف فأخرجه ابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عنه بلفظ: "كان أبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر " وأخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة من رواية شعبة عن نعيم بن أبي هند عن شقيق بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر " وظاهر رواية محمد بن بشار أن عائشة لم تشاهد الهيئة المذكورة، ولكن تضافرت الروايات عنها بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة، منها رواية موسى ابن أبي عائشة التي أشرنا إليها ففيها " فجعل أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر " وهذه رواية زائدة بن قدامة عن موسى، وخالفه شعبة أيضا فرواه عن موسى بلفظ: "أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه " فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموما للجزم بها، ولأن أبا معاوية أحفظ في حديث الأعمش من غيره، ومنهم من سلك عكس ذلك ورجح أنه كان إماما، وتمسك بقول أبي بكر في " باب من دخل ليؤم الناس " حيث قال: "ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم". ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد. وأجاب عن قول أبي بكر كما سيأتي في بابه. ويؤيده اختلاف النقل عن الصحابة غير عائشة، فحديث ابن عباس فيه أن أبا بكر كان مأموما كما سيأتي في رواية موسى بن أبي عائشة، وكذا في رواية أرقم بن شرحبيل التي أشرنا إليها عن ابن عباس، وحديث أنس فيه أن أبا بكر كان إماما أخرجه الترمذي وغيره من رواية حميد عن ثابت عنه بلفظ: "آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في ثوب " وأخرجه النسائي من وجه آخر عن حميد عن أنس فلم يذكر ثابتا، وسيأتي بيان ما ترتب على هذا الاختلاف من الحكم في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به " قريبا إن شاء الله تعالى. قوله: "وزاد أبو معاوية عن الأعمش: جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما" يعني روى الحديث المذكور أبو معاوية عن الأعمش كما رواه حفص بن غياث مطولا وشعبة مختصرا كلهم عن الأعمش بإسناده المذكور، فزاد أبو معاوية ما ذكر. وقد تقدمت الإشارة إلى المكان الذي وصله المصنف فيه. وغفل مغلطاي ومن تبعه فنسبوا وصله إلى رواية ابن نمير عن أبي معاوية في صحيح ابن حبان، وليس بجيد من وجهين: أحدهما أن رواية ابن نمير ليس فيها عن يسار أبي بكر، والثاني أن نسبته إلى تخريج صاحب الكتاب أولى من نسبته لغيره فيه. قوله: "لما ثقل على النبي صلى الله عليه وسلم" أي اشتد به مرضه، يقال ثقل في مرضه إذا ركدت أعضاؤه عن خفة الحركة. قوله: "فأذن له" بفتح الهمزة وكسر المعجمة وتشديد النون أي الأزواج، وحكى الكرماني أنه روى بضم الهمزة وكسر الذال وتخفيف النون على البناء للمجهول، واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. وقد تقدم حديث الزهري هذا في " باب الغسل والوضوء من المخضب " وفيه زيادة على الذي هنا، وسيأتي في رواية ابن أبي عائشة عن عبيد الله شيخ الزهري وسياقه أتم من سياق الزهري. قوله: "قال هو علي بن أبي طالب" زاد الإسماعيلي من
(2/155)

رواية عبد الرزاق عن معمر " ولكن عائشة لا تطيب نفسا له بخير " ولابن إسحاق في المغازي عن الزهري " ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير " ولم يقف الكرماني على هذه الزيادة فعبر عنها بعبارة شنيعة، وفي هذا رد على من تنطع فقال لا يجوز أن يظن ذلك بعائشة، ورد على من زعم أنها أبهمت الثاني لكونه لم يتعين في جميع المسافة إذ كان تارة يتوكأ على الفضل وتارة على أسامة وتارة على علي، وفي جميع ذلك الرجل الآخر هو العباس، واختص بذلك إكراما له، وهذا توهم ممن قاله والواقع خلافه، لأن ابن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأن المبهم علي فهو المعتمد والله أعلم. ودعوى وجود العباس في كل مرة والذي يتبدل غيره مردودة بدليل رواية عاصم التي قدمت الإشارة إليها وغيرها صريح في أن العباس لم يكن في مرة ولا في مرتين منها والله أعلم. وفي هذه القصة من الفوائد غير ما مضى تقديم أبي بكر، وترجيحه على جميع الصحابة، وفضيلة عمر بعده، وجواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب، وملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه وخصوصا لعائشة، وجواز مراجعة الصغير الكبير، والمشاورة في الأمر العام، والأدب مع الكبير لهم أبي بكر بالتأخر عن الصف، وإكرام الفاضل لأنه أراد أن يتأخر حتى يستوي مع الصف فلم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم يتزحزح عن مقامه. فيه أن البكاء ولو كثر لا يبطل الصلاة لأنه صلى الله صلى الله عليه وسلم بعد أن علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء لم يعدل عنه، ولا نهاه عن البكاء، وأن الإيماء يقوم مقام النطق، واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته، ويحتمل أن يكون للإعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق، وفيه تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد وإن كان المرض يرخص في تركها، ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد وإن كانت الرخصة أولى. وقال الطبري: إنما فعل ذلك لئلا يعذر أحد من الأئمة بعده نفسه بأدنى عذر فيتخلف عن الإمامة، ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لأهليته لذلك حتى إنه صلى خلفه، واستدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر، وعلى جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة كمن قصد أن يبلغ عنه، ويلتحق به من زحم عن الصف، وعلى جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض وهو قول الشعبي واختيار الطبري وأومأ إليه البخاري كما سيأتي، وتعقب بأن أبا بكر إنما كان مبلغا كما سيأتي في " باب من أسمع الناس التكبير " من رواية أخرى عن الأعمش، وكذا ذكره مسلم على هذا، فمعنى الاقتداء اقتداؤهم بصوته، ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا وكان أبو بكر قائما فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين فمن ثم كان أبو بكر كالإمام في حقهم والله أعلم. وفيه اتباع صوت المكبر، وصحة صلاة المستمع والسامع، ومنهم من شرط في صحته تقدم إذن الإمام، واستدل به الطبري على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة. وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة، وعلى جواز تقدم إحرام المأموم على الإمام بناء على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قدمنا أنه ظاهر الرواية. ويؤيده أيضا أن في رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس " فابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث انتهى أبو بكر، واستدل به على صحة صلاة القادر على القيام قائما خلف القاعد خلافا للمالكية مطلقا ولأحمد حيث أوجب القعود على من يصلي خلف القاعد كما سيأتي الكلام عليه في " باب إنما جعل الإمام ليؤئم به " إن شاء الله تعالى.
(2/156)

40 - باب الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ وَالْعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ
حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع ثم أن بن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات
(2/156)

برد وريح ثم قال ألا صلوا في الرحال ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول ألا صلوا في الرحال "
667- حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن بن شهاب عن محمود بن الربيع الأنصاري ثم أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين تحب أن أصلي فأشار إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله: "باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله" ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره، والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد، والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الأذان، وعلى حديث عتبان في " باب المساجد في البيوت " وسياقه هناك أتم، وإسماعيل شيخه هنا هو ابن أبي أويس.
(2/157)

41 - باب هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ وَهَلْ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ
668- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ قَالَ قُلْ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا فَقَالَ كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ
وَعَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ كَرِهْتُ أَنْ أُؤَثِّمَكُمْ فَتَجِيئُونَ تَدُوسُونَ الطِّينَ إِلَى رُكَبِكُمْ"
669- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ"
[الحديث 669- أطرافه : 2040,2036,2027,2018,2016,836,813]
670- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الصَّلاَةَ مَعَكَ وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَبَسَطَ لَهُ حَصِيرًا وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي
(2/157)

الضُّحَى قَالَ مَا رَأَيْتُهُ صَلاَهَا إِلاَّ يَوْمَئِذٍ"
[الحديث670- طرفاه في : 6080,1179]
قوله: "باب هل يصلي الإمام بمن حضر" أي وجود العلة المرخصة للتخلف، فلو تكلف قوم الحضور فصلى بهم الإمام لم يكره، فالأمر بالصلاة في الرحال على هذا للإباحة لا للندب، ومطابقة ذلك لحديث ابن عباس من قوله فيه: "فنظر بعضهم إلى بعض " لما أمر المؤذن أن يقول: "الصلاة في الرحال " فإنه دال على أن بعضهم حضر وبعضهم لم يحضر ومع ذلك خطب وصلى بمن حضر، وأما قوله: "وهل يخطب يوم الجمعة في المطر " فظاهر من حديث ابن عباس وقد تقدم الكلام عليه في الأذان أيضا وفيه أن ذلك كان يوم الجمعة وأن قوله: "إنها عزمة " أي الجمعة، وأما مطابقة حديث أبي سعيد فمن جهة أن العادة في يوم المطر أن يتخلف بعض الناس، وأما قول بعض الشراح يحتمل أن يكون ذلك في الجمعة فمردود لأنه سيأتي في الاعتكاف أنها كانت في صلاة الصبح، وحديث أنس لا ذكر للخطبة فيه. ولا يلزم أن يدل كل حديث في الباب على كل ما في الترجمة. قوله: "باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله" ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره، والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد، والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الأذان، وعلى حديث عتبان في " باب المساجد في البيوت " وسياقه هناك أتم، وإسماعيل شيخه هنا هو ابن أبي أويس. قوله: "سألت أبا سعيد " أي عن ليلة القدر. قوله في حديث أنس "قال رجل من الأنصار" قيل إنه عتبان بن مالك، وهو محتمل لتقارب القصتين، لكن لم أر ذلك صريحا. وقد وقع في رواية ابن ماجه الآتية أنه بعض عمومة أنس وليس عتبان عما لأنس إلا على سبيل المجاز لأنهما من قبيلة واحدة وهي الخزرج لكن كل منهما من بطن. قوله: "معك" أي في الجماعة في المسجد. قوله: "وكان رجلا ضخما" أي سمينا، وفي هذا الوصف إشارة إلى علة تخلفه، وقد عده ابن حبان من الأعذار المرخصة في التأخر عن الجماعة، وزاد عبد الحميد عن أنس " وإني أحب أن تأكل في بيتي وتصلي فيه". قوله: "فبسط له حصيرا" سبق الكلام فيه في حديث أنس في أوائل الصلاة في " باب الصلاة على الحصير". قوله: "فصلى عليه ركعتين" زاد عبد الحميد " فصلى وصلينا معه". قوله: "فقال رجل من آل الجارود" في رواية على بن الجعد عن شعبة الآتية للمصنف في صلاة الضحى " فقال فلان ابن فلان ابن الجارود " وكأنه عبد الحميد بن المنذر بن الجارود البصري، وذلك أن البخاري أخرج هذا الحديث من رواية شعبة، وأخرجه في موضع آخر من رواية خالد الحذاء كلاهما عن أنس ابن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس، وأخرجه ابن ماجه وابن حبان من رواية عبد الله ابن عون عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس، فاقتضى ذلك أن في رواية البخاري انقطاعا، وهو مندفع بتصريح أنس بن سيرين عنده بسماعه من أنس، فحينئذ رواية ابن ماجه إما من المزيد في متصل الأسانيد، وإما أن يكون فيها وهم لكون ابن الجارود كان حاضرا عند أنس لما حدث بهذا الحديث وسأله عما سأله من ذلك، فظن بعض الرواة أن له فيه رواية. وسيأتي الكلام على فوائده في " باب صلاة الضحى "
(2/158)

ومطابقته لهذه الترجمة إما من جهة ما يلزم من الرخصة لمن له عذر أن يتخلف عن الحضور فإن ضرورة مواظبته صلى الله عليه وسلم على الصلاة بالجماعة أن يصلي بمن بقي، وإما من جهة ما ورد في طريق عبد الحميد المذكورة حيث قال أنس " فصلى وصلينا معه " فإنه مطابق لقوله: "وهل يصلي بمن حضر " والله أعلم.
(2/159)

42 - باب إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ , وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ فِقْهِ الْمَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلاَتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ
671- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ"
[ الحديث 671 – طرفه في : 5465]
672- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلاَةَ الْمَغْرِبِ وَلاَ تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ
[الحديث 672- طرفه في : 5463]
673- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلاَ يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلاَةُ فَلاَ يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ
[الحديث673- طرفاه في : 5464,674]
674- وَقَالَ زُهَيْرٌ وَوَهْبُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلاَ يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ" رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ وَوَهْبٌ مَدِينِيٌّ
قوله: "باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة" قال الزين بن المنير: حذف جواب الشرط في هذه الترجمة إشعارا بعدم الجزم بالحكم لقوة الخلاف.
انتهى.
وكأنه أشار بالأثرين المذكورين في الترجمة إلى منزع العلماء في ذلك، فإن ابن عمر حمله على إطلاقه، وأشار أبو الدرداء إلى تقييده بما إذا كان القلب مشغولا بالأكل، وأثر ابن عمر مذكور في الباب بمعناه، وأثر أبي الدرداء وصله ابن المبارك في " كتاب الزهد " وأخرجه محمد بن نصر المروزي في " كتاب تعظيم قدر الصلاة " من طريقه.
قوله: "حدثنا يحيى" هو ابن سعيد القطان، وقد أخرجه السراج من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن هشام بن عروة أيضا لكن لفظه: "إذا حضر " وذكره المصنف في كتاب الأطعمة من طريق سفيان عن هشام بلفظ: "إذا حضر " وقال بعده " قال يحيى بن سعيد ووهيب عن هشيم إذا وضع " انتهى.
ورواية وهيب وصلها الإسماعيلي، وأخرجه مسلم من رواية ابن نمير وحفص ووكيع بلفظ: "إذا حضر " ووافق كلا جماعة
(2/159)

من الرواة عن هشام، لكن الذين رووه بلفظ: "إذا وضع " كما قال الإسماعيلي أكثر، والفرق بين اللفظين أن الحضور أعم من الوضع، فيحمل قوله: "حضر " أي بين يديه لتأتلف الروايات لاتحاد المخرج، ويؤيده حديث أنس الآتي بعده بلفظ: "إذا قدم العشاء " ولمسلم: "إذا قرب العشاء " وعلى هذا فلا يناط الحكم بما إذا حضر العشاء لكنه لم يقرب للأكل كما لو لم يقرب. قوله: "وأقيمت الصلاة" قال ابن دقيق العيد: الألف واللام في " الصلاة " لا ينبغي أن تحمل على الاستغراق ولا على تعريف الماهية، بل ينبغي أن تحمل على المغرب، لقوله: "فابدؤوا بالعشاء " ويترجح حمله على المغرب لقوله في الرواية الأخرى " فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب " والحديث يفسر بعضه بعضا. وفي رواية صحيحة " إذا وضع العشاء وأحدكم صائم " انتهى. وسنذكر من أخرج هذه الرواية في الكلام على الحديث الثاني. وقال الفاكهاني: ينبغي حمله على العموم نظرا إلى العلة وهي التشويش المفضي إلى ترك الخشوع، وذكر المغرب لا يقتضي حصرا فيها لأن الجائع غير الصائم قد يكون أشوق إلى الأكل من الصائم. انتهى. وحمله على العموم إنما هو بالنظر إلى المعنى إلحاقا للجائع بالصائم وللغداء بالعشاء لا بالنظر إلى اللفظ الوارد صلى الله عليه وسلم. قوله: "فابدؤوا بالعشاء" حمل الجمهور هذا الأمر على الندب، ثم اختلفوا: فمنهم من قيده بمن كان محتاجا إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية، وزاد الغزالي ما إذا خشي فساد المأكول، ومنهم من لم يقيده وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق، وعليه يدل فعل ابن عمر الآتي، وأفرط ابن حزم فقال: تبطل الصلاة. ومنهم من اختار البداءة بالصلاة إلا إن كان الطعام خفيفا نقله ابن المنذر عن مالك، وعند أصحابه تفصيل قالوا: يبدأ بالصلاة إن لم يكن متعلق النفس بالأكل، أو كان متعلقا به لكن لا يعجله عن صلاته، فإن كان يعجله عن صلاته بدأ بالطعام واستحبت له الإعادة. قوله: "عن عقيل" في رواية الإسماعيلي: "حدثني عقيل " وعنده أيضا عن ابن شهاب " أخبرني أنس". قوله: "إذا قدم العشاء" زاد ابن حبان والطبراني في الأوسط من رواية موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب " وأحدكم صائم " وقد أخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن عمرو بدون هذه الزيادة، وذكر الطبراني أن موسى بن أعين تفرد بها. انتهى. وموسى ثقة متفق عليه. قوله: "ولا تعجلوا" بضم المثناة وبفتحها والجيم مفتوحة فهما، ويروي بضم أوله وكسر الجيم. قوله في حديث ابن عمر "إذا وضع عشاء أحدكم" هذا أخص من الرواية الماضية حيث قال: "إذا وضع العشاء " فيحمل العشاء في تلك الرواية على عشاء من يريد الصلاة، فلو وضع عشاء غيرة لم يدخل في ذلك، ويحتمل أن يقال بالنظر إلى المعنى: لو كان جائعا واشتغل خاطره بطعام غيره كان كذلك، وسبيله أن ينتقل عن ذلك المكان أو يتناول مأكولا يزيل شغل باله ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ، ويؤيد هذا الاحتمال عموم قوله في رواية مسلم من طريق أخرى عن عائشة " لا صلاة بحضرة طعام " الحديث، وقوله أبي الدرداء الماضي إقباله على حاجته. قوله: "ولا يعجل" أي أحدكم المذكور أولا. وقال الطيبي: أفرد قوله: "يعجل " نظرا إلى لفظ أحد، وجمع قوله: "فابدؤوا " نظرا إلى لفظ كم. وقال: والمعنى إذا وضع عشاء أحدكم فابدؤوا أنتم بالعشاء ولا يعجل هو حتى يفرغ معكم منه. انتهى. قوله: "وكان ابن عمر" هو موصول عطفا على المرفوع، وقد رواه السراج من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع فذكر المرفوع ثم قال: "قال نافع: وكان ابن عمر إذا
ـــــــ
(1) ليس الامر كما قال , بل إلحاق غير المغرب موافق للمعنى واللفظ الثابت في حديث عائشة وما جاء في معناه , وحديث عائشة رواه مسلم في صحيحه بلفظ " لاصلاة بحضرة الطعام , ولا وهو يدافعه الأخبثان" والله أعلم
(2/160)

حضرة عشاؤه وسمع الِإقامة وقراءة الإمام لم يقم حتى يفرغ " ورواه ابن حبان من طريق ابن جريج عن نافع " أن ابن عمر كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس. وكان أحيانا يلقاه وهو صائم فيقدم له عشاؤه وقد نودي للصلاة ثم تقام وهو يسمع فلا يترك عشاءه، ولا يعجل حتى يقضي عشاءه، ثم يخرج فيصلي " انتهى، وهذا أصرح ما ورد عنه في ذلك. قوله: "وإنه يسمع" في رواية الكشميهني: "وإنه ليسمع " بزيادة لام التأكيد في أوله. قوله: "وقال زهير" هو ابن معاوية الجعفي، وطريقه هذه موصولة عند أبي عوانة في مستخرجه، وأما رواية وهب بن عثمان فقد ذكر المصنف أن إبراهيم بن المنذر رواها عنه، وإبراهيم من شيوخ البخاري، وقد وافق زهيرا ووهبا أبو ضمرة عند مسلم وأبو بدر عند أبي عوانة والدراوردي عند السراج كلهم عن موسى بن عقبة، قال النووي: في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله، لما فيه من ذهاب كمال الخشوع، ويلتحق به ما في معناه مما يشغل القلب، وهذا إذا كان في الوقت سعة، فإن ضاق صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز التأخير، وحكى المتولي وجها أنه يبدأ بالأكل وإن خرج الوقت، لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته. انتهى. وهذا إنما يجيء على قول من يوجب الخشوع، ثم فيه نظر ن المفسدتين إذا تعارضتا اقتصر على أخفهما، وخروج الوقت أشد من ترك الخشوع بدليل صلاة الخوف والغريق وغير ذلك، وإذا صلى لمحافظة الوقت صحت مع الكراهة وتستحب الإعادة عند الجمهور صلى الله عليه وسلم. وادعى ابن حزم أن في الحديث دلالة على امتداد الوقت في حق من وضع له الطعام ولو خرج الوقت المحدود. وقال مثل ذلك في حق النائم والناسي، واستدل النووي وغيره بحديث أنس على امتداد وقت المغرب، واعترضه ابن دقيق العيد بأنه إن أريد بذلك التوسعة إلى غروب الشفق ففيه نظر، وإن أريد به مطلق التوسعة فمسلم ولكن ليس محل الخلاف المشهور، فإن بعض من ذهب إلى ضيق وقتها جعله مقدرا بزمن يدخل فيه مقدار ما يتناول لقيمات يكسر بها سورة الجوع. واستدل به القرطبي على أن شهود صلاة الجماعة ليس بواجب، لأن ظاهره أنه يشتغل بالأكل وإن فاتته الصلاة في الجماعة، وفيه نظر لأن بعض من ذهب إلى الوجوب كابن حبان جعل حضور الطعام عذرا في ترك الجماعة فلا دليل فيه حينئذ على إسقاط الوجوب مطلقا، وفيه دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة أول الوقت، واستدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله: "فابدؤوا " على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل، وأما من شرع ثم أقيمت الصلاة فلا يتمادى بل يقوم إلى الصلاة، قال النووي: وصنيع ابن عمر يبطل ذلك، وهو الصواب. وتعقب بأن صنيع ابن عمر اختيار له وإلا فالنظر إلى المعنى يقتضي ما ذكروه، لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما دفع شغل البال به، ويؤيد ذلك حديث عمرو بن أمية المذكور في الباب بعده، ولعل ذلك هو السر في إيراد المصنف له عقبه، وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن أبي هريرة وابن عباس " أنهما كانا يأكلان طعاما وفي التنور شواء، فأراد المؤذن أن يقيم فقال له ابن عباس: لا تعجل لئلا نقوم وفي أنفسنا منه شيء". وفي رواية ابن أبي شيبة: "لئلا يعرض لنا في صلاتنا"، وله عن الحسن ابن علي قال: "العشاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوامة " وفي هذا كله إشارة إلى أن العلة في ذلك تشوف النفس إلى الطعام، فينبغي أن يدار الحكم مع علته وجودا وعدما ولا يتقيد بكل ولا بعض، ويستثنى من ذلك الصائم فلا تكره صلاته
ـــــــ
(1) الاولى عدم استحباب الاعادة , لأن من صلى كما أمر فليس عليه إعاده , فقد قال الله تعالى {فأتقوا الله ما استطعتم}والله أعلم
(2/161)

بحضرة الطعام، إذ الممتنع بالشرع لا يشغل العاقل نفسه به، لكن إذا غلب استحب له التحول من ذلك المكان. "فائدتان": "الأولى" قال ابن الجوزي: ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الله، وليس كذلك، وإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل الخلق في عبادته بقلوب مقبلة. ثم إن طعام القوم كان شيئا يسيرا لا يقطع عن لحاق الجماعة غالبا. "الثانية" ما يقع في بعض كتب الفقه إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ، كذا في شرح الترمذي لشيخنا أبي الفضل، لكن رأيت بخط الحافظ قطب الدين أن ابن أبي شيبة أخرج عن إسماعيل وهو ابن علية عن ابن إسحاق قال حدثني عبد الله ابن رافع عن أم سلمة مرفوعا: "إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدءوا بالعشاء " فإن كان ضبطه فذاك، وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل بلفظ: "وحضرت الصلاة " ثم راجعت مصنف ابن أبي شيبة فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد، والله أعلم.
(2/162)

43 - باب إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلاَةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ
675- حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثنا إبراهيم عن صالح عن بن شهاب قال أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية أن أباه قال ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل ذراعا يحتز منها فدعي إلى الصلاة فقام فطرح السكين فصلى ولم يتوضأ "
قوله: "باب إذا دعى الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل" قيل أشار بهذا إلى أن الأمر الذي في الباب قبله للندب لا للوجوب، وقد قدمنا قول من فصل بين ما إذا أقيمت الصلاة قبل الشروع في الأكل أو بعده، فيحتمل أن المصنف كان يرى التفصيل، ويحتمل تقييده في الترجمة بالإمام أنه كان يرى تخصيصه به، وأما غيره من المأمومين فالأمر متوجه إليهم مطلقا، ويؤيده قوله فيما سبق " إذا وضع عشاء أحدكم " وقد قدمنا تقرير ذلك مع بقية فوائد الحديث في " باب من لم يتوضأ من لحم الشاة " من كتاب الطهارة. وقال الزين بن المنير: لعله صلى الله صلى الله عليه وسلم أخذ في خاصة نفسه بالعزيمة فقدم الصلاة على الطعام، وأمر غيره بالرخصة لأنه لا يقوى على مدافعة الشهوة قوته، وأيكم يملك أربه. انتهى. ويعكر على من استدل به على أن الأمر للندب احتمال أن يكون اتفق في تلك الحالة أنه قضى حاجته من الأكل فلا يتم الدلالة به. وإبراهيم المذكور في الإسناد هو ابن سعد، وصالح هو ابن كيسان، والإسناد كله مدنيون.
(2/163)

44 - باب مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَخَرَجَ
676- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ قَالَ "سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ"
[الحديث676-طرفاه في :6039,5363]
قوله: "باب من كان في حاجة أهله" كأنه أشار بهذه الترجمة إلى أنه لا يلحق بحكم الطعام كل أمر يكون للنفس تشوف إليه، إذ لو كان كذلك لم يبق للصلاة وقت في الغالب. وأيضا فوضع الطعام بين يدي الآكل فيه زيادة
(2/162)

45 - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلاَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتَهُ
677- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ إِنِّي لاَصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلاَةَ أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَقُلْتُ لِأَبِي قِلاَبَةَ كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي قَالَ مِثْلَ شَيْخِنَا هَذَا قَالَ وَكَانَ شَيْخًا يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى
[الحديث677- أطرافه في : 824,818,802]
قوله: "باب من صلى بالناس الخ" والحديث مطابق للترجمة، وكأنه لم يجزم فيها بالحكم لما سنبينه. قوله: "حدثنا وهيب" هو ابن خالد، والإسناد كله بصريون. قوله: "إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة" استشكل نفي هذه الإرادة لما يلزم عليها من وجود صلاة غير قربة ومثلها لا يصح، وأجيب بأنه لم يرد نفي القربة وإنما أراد بيان السبب الباعث له على الصلاة في غير وقت صلاة معينة جماعة، وكأنه قال ليس الباعث لي على هذا الفعل حضور صلاة معينة من أداء أو إعادة أو غير ذلك، وإنما الباعث لي عليه قصد التعليم، وكأنه كان تعين عليه حينئذ لأنه أحد من خوطب بقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي " كما سيأتي، ورأى أن التعليم بالفعل أوضح من القول، ففيه دليل على جواز مثل ذلك وأنه ليس من باب التشريك في العبادة. قوله: "أصلي" زاد في " باب كيف يعتمد على الأرض " عن معلى عن وهيب " ولكني أريد أن أريكم". قوله: "مثل شيخنا" هو عمرو بن سلمة كما سيأتي في " باب اللبث
(2/163)

46 - باب أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ
678- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَعَادَتْ فَقَالَ مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
[الحديث 678- طرفه في : 3385]
679- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "فِي مَرَضِهِ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَهْ إِنَّكُنَّ لاَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا
680- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنْ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ وَأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ"
[الحديث680- أطرافه في : 4448 ,1205,754,681]
681- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمْ يَخْرُجْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثًا فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيِّ
(2/164)

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَحَ لَنَا فَأَوْمَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَأَرْخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَابَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ"
682- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قِيلَ لَهُ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ قَالَ مُرُوهُ فَيُصَلِّي فَعَاوَدَتْهُ قَالَ مُرُوهُ فَيُصَلِّي إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الْكَلْبِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ عُقَيْلٌ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة" أي ممن ليس كذلك، ومقتضاه أن الأعلم والأفضل أحق من العالم والفاضل، وذكر الفضل بعد العلم من العام بعد الخاص، وسيأتي الكلام على ترتيب الأئمة بعد بابين. قوله: "حدثنا حسين" هو ابن علي الجعفي، والإسناد سوى الراوي عنه كلهم كوفيون، وأبو بردة هو ابن أبي موسى، ووهم من زعم أنه هنا أخوه. قوله: "رقيق" أي رقيق القلب. قوله: "لم يستطع" أي من البكاء. قوله: "فأتاه الرسول" هو بلال. قوله: "فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي إلى أن مات، وكذا صرح به موسى ابن عقبة في المغازي. الحديث:قوله: "عن أبيه عن عائشة" كذا رواه جماعة عن مالك موصولا، وهو في أكثر نسخ الموطأ مرسلا ليس فيه عائشة. قوله: "مه" هي كلمة زجر بنيت على السكون. قوله: "فليصل بالناس" في رواية الكشميهني: "للناس " وقد تقدم الكلام على فوائد هذين الحديثين في " باب حد المريض أن يشهد الجماعة " والظاهر أن حديث أبي موسى من مراسيل الصحابة، ويحتمل أن يكون تلقاه عن عائشة أو بلال. وحديث أنس من طريق الزهري سيأتي في الوفاة من آخر المغازي. قوله (حدثنا أبة معمر) هو عبد الله بن عمرو,لاإسماعيل بن إبراهيم.وعبد العزيز هو إبن صهيب . والاسناد كله بصريون . قوله (ثلاثا) كان ابتداؤها من حين خرج النبي عليه الصلاة والسلام فصلى بهم قاعدا كما تقدم .قوله(فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب) هو من إجراء قال مجرى فعل وهو كثير . قوله( مارأينا) في رواية الكشميهني " مانظرنا" وقوله " فأومأ بيده إلى أبي بكر أن يتقدم " ليس مخالفا لقوله في أوله" فتقدم أبو بكر " بل في السياق حذف يظهر من رواية الزهري حيث قال فيها "فنكص أبو بكر " والحاصل أنه تقدم ثم ظن أن النبي عليه الصلا والسلام خرج فتأخر ,فأشار إليه حينئذ أن يرجع إلى مكانه. (فائدة ) وقع في حديث ابن عباس في نحو هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم في تلك الحالة " ألا واني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا" الحديث, أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن معبد عنه قوله: "عن حمزة بن عبد الله" أي ابن عمر بن الخطاب، وفي كلام ابن بطال ما يوهم أنه حمزة ابن عمرو الأسلمي وهو خطأ. قوله: "فعاودته" بفتح الدال وسكون المثناة أي عائشة، وبسكون الدال وفتح النون، أي هي ومن معها من النساء. قوله: "تابعه الزبيدي" أي تابع يونس بن يزيد، ومتابعته هذه وصلها الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه موصولا مرفوعا وزاد فيه قولها " فمر عمر " وقال فيه: "فراجعته عائشة". ومتابعة ابن أخي الزهري وصلها ابن عدي من رواية الدراوردي
(2/165)

عنه، ومتابعة إسحاق بن يحيى وصلها أبو بكر بن شاذان البغدادي في نسخة إسحاق بن يحيى في رواية يحيى بن صالح عنه. "تنبيه": ظن بعضهم أن قوله: "عن الزهري " أي موقوفا عليه، وهو فاسد لما بيناه. قوله: "وقال عقيل ومعمر الخ" قال الكرماني: الفرق بين رواية الزبيدي وابن أخي الزهري وإسحاق بن يحيى وبين رواية عقيل ومعمر أن الأولى متابعة والثانية مقاولة ا ه ومراده بالمقالة الإتيان فيها بصيغة قال، وليس في اصطلاح المحدثين صيغة مقاولة وإنما السر في تركه عطف رواية عقيل ومعمر على رواية يونس من تابعه أنهما أرسلا الحديث وأولئك وصلوه، أي أنهما خالفا يونس ومن تابعه فأرسلا الحديث، فأما رواية عقيل فوصلها الذهلي في الزهريات، وأما معمر فاختلف عليه فرواه ابن المبارك عنه رسلا كذلك أخرجه ابن سعد وأبو يعلى من طريقه، ورواه عبد الرزاق عن معمر موصولا لكن قال: "عن عائشة " بدل قوله: "عن أبيه " كذلك أخرجه مسلم، وكأنه رجح عنده لكون عائشة صاحبة القصة ولقاء حمزة لها ممكن، ورجح الأول عند البخاري لأن المحفوظ في هذا عن الزهري من حديث عائشة روايته لذلك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها، ومما يؤيده أن في رواية عبد الرزاق عن معمر متصلا بالحديث المذكور أن عائشة قالت: "وقد عاودته، وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر " الحديث. وهذه الزيادة إنما تحفظ من رواية الزهري عن عبيد الله عنها لا من رواية الزهري عن حمزة، وقد روى الإسماعيلي هذا الحديث عن الحسن بن سفيان عن يحيى بن سليمان شيخ البخاري فيه مفصلا، فجعل أوله من رواية الزهري عن حمزة عن أبيه بالقدر الذي أخرجه البخاري، وآخره من رواية الزهري عن عبيد الله عنها، والله أعلم.
(2/166)

47 - باب مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ
683- حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ قَالَ عُرْوَةُ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ"
قوله: "باب من قام" أي صلى "إلى جنب الإمام لعلة" أي سبب اقتضى ذلك، وقد تقدم ما فيه في " باب حد المريض". قوله: "قال عروة فوجد" هو بالإسناد المذكور، ووهم من جعله معلقا. ثم إن ظاهره الإرسال من قوله: "فوجد الخ " لكن رواه ابن أبي شيبة عن ابن نمير بهذا الإسناد متصلا بما قبله، وأخرجه ابن ماجه عنه، وكذا وصله الشافعي عن يحيى بن حبان عن حماد بن سلمة عن هشام، وكذا وصله عن عروة عنها كما تقدم، ويحتمل أن يكون عروة أخذه عن عائشة وعن غيرها، فلذلك قطعه عن القدر الأول الذي أخذه عنها وحدها، والأصل في الإمام أن يكون متقدما على المأمومين إلا إن ضاق المكان أو لم يكن إلا مأموم واحد، وكذا لو كانوا عراة، وما عدا ذلك يجوز ولكن تفوت الفضيلة.
(2/166)

باب من دخل ليؤم الناس فدخل الإمام الأول
...
48 - باب مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ جَازَتْ صَلاَتُهُ
فِيهِ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
684- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ فَحَانَتْ الصَّلاَةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلاَةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ امْكُثْ مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ "
[الحديث 684 – أطرافه في : 7190,2693,2690,1234,1218,1204,1201]
قوله باب من دخل أي إلى المحراب مثلا ليؤم الناس فجاء الإمام الأول أي الراتب فتأخر الأول أي الداخل فكل منهما أول باعتبار والمعرفة إذا أعيدت كانت عين الأولى إلا بقرينة وقرينة كونها غيرها هنا ظاهرة قوله فيه عائشة يشير بالشق الأول وهو ما إذا تأخر إلى رواية عروة عنها في الباب الذي قبله حيث قال فلما رآه استأخر وبالثانى وهو ما إذا لم يستأخر إلى رواية عبد الله عنها حيث قال فأراد أن يتأخر وقد تقدمت في باب حد المريض والجواز مستفاد من التقرير وكلا الامرين قد وقعا في حديث الباب 652 قوله عن سهل بن سعد في رواية النسائي من طريق سفيان عن أبي حازم سمعت سهلا قوله ذهب إلى بني عمرو بن عوف أي بن مالك بن الأوس والأوس أحد قبيلتى الأنصار وهما الأوس والخزرج وبنو عمرو بن عوف بطن كبير من الأوس فيه عدة أحياء كانت منازلهم بقباء منهم بنو أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف وبنو ضبيعة بن زيد وبنو ثعلبة بن عمرو بن عوف والسبب في ذهابه صلى الله عليه وسلم إليهم ما في رواية سفيان المذكورة قال وقع بين حيين من الأنصار كلام وللمؤلف في الصلح من طريق محمد بن جعفر عن أبي حازم أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال اذهبوا بنا نصلح بينهم وله فيه من رواية أبي غسان عن أبي حازم فخرج في أناس من أصحابه وسمى الطبراني منهم من طريق موسى بن محمد عن أبي حازم أبي بن كعب وسهيل بن بيضاء وللمؤلف في الأحكام من طريق حماد بن زيد عن أبي حازم أن توجهه كان بعد أن صلى الظهر وللطبرانى من طريق عمر بن على عن أبي حازم أن الخبر جاء بذلك وقد أذن بلال لصلاة الظهر قوله فحانت الصلاة أي صلاة العصر وصرح به في الأحكام ولفظه فلما عملا صلاة العصر أذن وأقام وأمر
(2/167)

أبا بكر فتقدم " ولم يسم فاعل ذلك، وقد أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان من رواية حماد المذكورة فبين الفاعل وأن ذلك كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه: "فقال لبلال إن حضرت العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس، فلما حضرت العصر أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم " ونحوه للطبراني من رواية موسى بن محمد عن أبي حازم، وعرف بهذا أن المؤذن بلال. وأما قوله لأبي بكر " أتصلي للناس " فلا يخالف ما ذكر لأنه يحمل على أنه استفهمه هل يبادر أول الوقت أو ينتظر قليلا ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم؟ ورجح عند أبي بكر المبادرة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة. قوله: "أقيم" بالنصب ويجوز الرفع. قوله: "قال نعم" زاد في رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه " إن شئت " وهو في " باب رفع الأيدي " عند المؤلف، وإنما فوض ذلك له لاحتمال أن يكون عنده زيادة علم من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. قوله: "فصلى أبو بكر" أي دخل في الصلاة، ولفظ عبد العزيز المذكور " وتقدم أبو بكر فكبر " وفي رواية المسعودي عن أبي حازم " فاستفتح أبو بكر الصلاة " وهي عند الطبراني، وبهذا يجاب عن الفرق بين المقامين حيث امتنع أبو بكر هنا أن يستمر إماما وحيث استمر في مرض موته صلى الله عليه وسلم حين صلى خلفه الركعة الثانية من الصبح كما صرح به موسى بن عقبة في المغازي، فكأنه لما أن مضى معظم الصلاة حسن الاستمرار ولما أن لم يمض منها إلا اليسير لم يستمر. وكذا وقع لعبد الرحمن بن عوف حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه الركعة الثانية من الصبح فإنه استمر في صلاته إماما لهذا المعنى، وقصة عبد الرحمن عند مسلم من حديث المغيرة بن شعبة. قوله: "فتخلص" في رواية عبد العزيز " فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام في الصف الأول " ولمسلم: "فخرق الصفوف حتى قام عند الصف المتقدم". قوله: "فصفق الناس" في رواية عبد العزيز " فأخذ الناس في التصفيح. قال سهل: أتدرون ما التصفيح؟ هو التصفيق". انتهى. وهذا يدل على ترادفهما عنده فلا يلتفت إلى ما يخالف ذلك، وسيأتي البحث فيه في باب مفرد. قوله: "وكان أبو بكر لا يلتفت" قيل كان ذلك لعلمه بالنهي عن ذلك، وقد صح أنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد كما سيأتي في باب مفرد في صفة الصلاة " فلما أكثر الناس التصفيق " في رواية حماد بن زيد " فلما رأى التصفيح لا يمسك عنه التفت". قوله: "فأشار إليه أن امكث مكانك" في رواية عبد العزيز " فأشار إليه يأمره أن يصلي " وفي رواية عمر بن علي " فدفع في صدره ليتقدم فأبى". قوله: "فرفع أبو بكر يديه فحمد الله" ظاهره أنه تلفظ بالحمد، لكن في رواية الحميدي عن سفيان " فرفع أبو بكر رأسه إلى السماء شكرا لله ورجع القهقري " وادعى ابن الجوزي أنه أشار بالشكر والحمد بيده ولم يتكلم، وليس في رواية الحميدي ما يمنع أن يكون تلفظ، ويقوى ذلك ما عند أحمد من رواية عبد العزيز الماجشون عن أبي حازم " يا أبا بكر لم رفعت يديك وما منعك أن تثبت حين أشرت إليك؟ قال: رفعت يدي لأني حمدت الله على ما رأيت منك " زاد المسعودي " فلما تنحى تقدم النبي صلى الله عليه وسلم: "ونحوه في رواية حماد بن زيد. قوله: "أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية الحمادين والماجشون " أن يؤم النبي صلى الله عليه وسلم". قوله: "أكثرتم التصفيق" ظاهره أن الإنكار إنما حصل عليهم لكثرته لا لمطلقه، وسيأتي البحث فيه. قوله: "من نابه" أي أصابه. قوله: "فليسبح" في رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم " فليقل سبحان الله " وسيأتي في باب الإشارة في الصلاة. قوله: "التفت إليه" بضم المثناة على البناء للمجهول. وفي رواية يعقوب المذكورة " فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت" . قوله: "وإنما التصفيق للنساء" في رواية عبد العزيز " وإنما التصفيح للنساء " زاد الحميدي " والتسبيح للرجال " وقد روى
(2/168)

المصنف هذه الجملة الأخيرة مقتصرا عليها من رواية الثوري عن أبي حازم كما سيأتي في " باب التصفيق للنساء " ووقع في رواية حماد بن زيد بصيغة الأمر ولفظه: "إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفح النساء" . وفي هذا الحديث فضل الإصلاح بين الناس وجمع كلمة القبيلة وحسم مادة القطيعة، وتوجه الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك، وتقديم مثل ذلك على مصلحة الإمامة بنفسه. واستنبط منه توجه الحاكم لسماع دعوى بعض الخصوم إذا رجح ذلك على استحضارهم. وفيه جواز الصلاة الواحدة بإمامين أحدهما بعد الآخر، وأن الإمام الراتب إذا غاب يستخلف غيره، وأنه إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو ويصير النائب مأموما من غير أن يقطع الصلاة، ولا يبطل شيء من ذلك صلاة أحد من المأمومين. وادعى ابن عبد البر أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى الإجماع على عدم جواز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم، ونوقض بأن الخلاف ثابت، فالصحيح المشهور عند الشافعية الجواز، وعن ابن القاسم في الإمام يحدث فيستخلف ثم يرجع فيخرج المستخلف ويتم الأول أن الصلاة صحيحة، وفيه جواز إحرام المأموم قبل الإمام، وأن المرء قد يكون في بعض صلاته إماما وفي بعضها مأموما، وأن من أحرم منفردا ثم أقيمت الصلاة جاز له الدخول مع الجماعة من غير قطع لصلاته، كذا استنبطه الطبري من هذه القصة، وهو مأخوذ من لازم جواز إحرام الإمام بعد المأموم كما ذكرنا، وفيه فضل أبي بكر على جميع الصحابة. واستدل به جمع من الشراح ومن الفقهاء كالروياني على أن أبا بكر كان عند الصحابة أفضلهم لكونهم اختاروه دون غيره، وعلى جواز تقديم الناس لأنفسهم إذا غاب إمامهم، قالوا: ومحل ذلك إذا أمنت الفتنة والإنكار من الإمام، وأن الذي يتقدم نيابة عن الإمام يكون أصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به، وأن المؤذن وغيره يعرض التقدم على الفاضل وأن الفاضل يوافقه بعد أن يعلم أن ذلك برضا الجماعة ا هـ. وكل ذلك مبني على أن الصحابة فعلوا ذلك بالاجتهاد، وقد قدمنا أنهم إنما فعلوا ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن الإقامة واستدعاء الإمام من وظيفة المؤذن، وأنه لا يقيم إلا بإذن الإمام، وأن فعل الصلاة - لا سيما العصر - في أول الوقت مقدم على انتظار الإمام الأفضل، وفيه جواز التسبيح والحمد في الصلاة لأنه من ذكر الله ولو كان مراد المسبح إعلام غيره بما صدر منه، وسيأتي في باب مفرد، وفيه رفع اليدين في الصلاة عند الدعاء والثناء وسيأتي كذلك، وفيه استحباب حمد الله لمن تجددت له نعمة ولو كان في الصلاة، وفيه جواز الالتفات للحاجة وأن مخاطبة المصلي بالإشارة أولى من مخاطبته بالعبارة. وأنها تقوم مقام النطق لمعاتبة النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على مخالفة إشارته. وفيه جواز شق الصفوف والمشي بين المصلين لقصد الوصول إلى الصف الأول لكنه مقصور على من يليق ذلك به كالإمام أو من كان بصدد أن يحتاج الإمام إلى استخلافه أو من أراد سد فرجة في الصف الأول أو ما يليه مع ترك من يليه سدها ولا يكون ذلك معدودا من الأذى. قال المهلب: لا تعارض بين هذا وبين النهي عن التخطي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في أمر الصلاة ولا غيرها، لأن له أن يتقدم بسبب ما ينزل عليه من الأحكام، وأطال في تقرير ذلك. وتعقب بأن هذا ليس من الخصائص، وقد أشار هو إلى المعتمد في ذلك فقال: ليس في ذلك شيء من الأذى والجفاء الذي يحصل من التخطي، وليس كمن شق الصفوف والناس جلوس لما فيه من تخطي رقابهم. وفيه كراهية التصفيق في الصلاة وسيأتي في باب مفرد، وفيه الحمد والشكر على الوجاهة في الدين وأن من أكرم بكرامة يتخير بين القبول والترك إذا فهم أن ذلك الأمر على غير جهة اللزوم وكأن القرينة التي بينت لأبي بكر ذلك هي كونه صلى الله عليه وسلم شق الصفوف إلى أن انتهى إليه فكأنه فهم من ذلك أن مراده
(2/169)

أن يؤم الناس، وأن أمره إياه بالاستمرار في الإمامة من باب الإكرام له والتنويه بقدره، فسلك هو طريق الأدب والتواضع. ورجح ذلك عنده احتمال نزول الوحي في حال الصلاة لتغيير حكم من أحكامها، وكأنه لأجل هذا لم يتعقب صلى الله عليه وسلم اعتذاره برد عليه. وفيه جواز إمامة المفضول للفاضل، وفيه سؤال الرئيس عن سبب مخالفة أمره قبل الزجر عن ذلك، وفيه إكرام الكبير بمخاطبته بالكنية، واعتماد ذكر الرجل لنفسه بما يشعر بالتواضع من جهة استعمال أبي بكر خطاب الغيبة مكان الحضور. إذ كان حد الكلام أن يقول أبو بكر: ما كان لي، فعدل عنه إلى قوله: ما كان لابن أبي قحافة، لأنه أدل على التواضع من الأول، وفيه جواز العمل القليل في الصلاة لتأخر أبي بكر عن مقامه إلى الصف الذي يليه، وأن من احتاج إلى مثل ذلك يرجع القهقري ولا يستدبر القبلة ولا ينحرف عنها. واستنبط ابن عبد البر منه جواز الفتح على الإمام، لأن التسبيح إذا جاز جازت التلاوة من باب الأولى، والله أعلم.
(2/170)

باب إذا استووا في القراءة فليأمهم أكبرهم
...
49 - باب إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ
685- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا فَقَالَ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى بِلاَدِكُمْ فَعَلَّمْتُمُوهُمْ مُرُوهُمْ فَلْيُصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ"
قوله: "باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم" هذه الترجمة مع ما سأبينه من زيادة في بعض طرق حديث الباب منتزعة من حديث أخرجه مسلم من رواية أبي مسعود الأنصاري مرفوعا: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانت قراءتهم سواء صلى الله عليه وسلم فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا " الحديث. ومداره على إسماعيل بن رجاء عن أوس ضمعج عنه، وليسا جميعا من شرط البخاري، وقد نقل ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أن شعبة كان يتوقف في صحة هذا الحديث، ولكن هو في الجملة يصلح للاحتجاج به عند البخاري، وقد علق منه طرفا بصيغة الجزم كما سيأتي، واستعمله هنا في الترجمة، وأورد في الباب ما يؤدي معناه وهو حديث مالك بن الحويرث لكن ليس فيه التصريح باستواء المخاطبين في القراءة، وأجاب الزين بن المنير وغيره بما حاصله أن تساوى هجرتهم وإقامتهم وغرضهم بها مع ما في الشباب غالبا من الفهم - ثم توجه الخطاب إليهم بأن يعلموا من وراءهم من غير تخصيص بعضهم دون بعض - دال على استوائهم في القراءة والتفقه في الدين. قلت: وقد وقع التصريح بذلك فيما رواه أبو داود من طريق مسلمة بن محمد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة في هذا الحديث قال: "وكنا يومئذ متقاربين في العلم " انتهى. وأظن في هذه الرواية إدراجا، فإن ابن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن علية عن خالد قال: "قلت لأبي قلابة فأين القراءة؟ قال: إنهما كانا متقاربين " وأخرجه مسلم من طريق حفص بن غياث عن خالد الحذاء وقال فيه: "قال الحذاء: وكانا متقاربين في القراءة". ويحتمل أن يكون مستند أبي قلابة في ذلك هو إخبار
ـــــــ
(1) هذا اللفظ هو إحدى روايتي حديث أبي مسعود المذكور . انظر الرواية الثانية في الصفحة الآتية .
(2/170)

مالك بن الحويرث، كما أن مستند الحذاء هو إخبار أبي قلابة له به فينبغي الإدراج عن الإسناد صلى الله عليه وسلم والله أعلم. "تنبيه": ضمعج والد أوس بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وفتح العين المهملة بعدها جيم معناه الغليظ، وقوله في حديث أبي مسعود " أقرؤهم " قيل المراد به الأفقه وقيل هو على ظاهره، وبحسب ذلك اختلف الفقهاء. قال النووي قال أصحابنا: الأفقه مقدم على الأقرأ، فإن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، فقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصلاة فيه إلا كامل الفقه، ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه، كأنه عنى حديث أقرؤكم أبي. قال: وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه. قلت: وهذا الجواب يلزم منه أن من نص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه أقرأ من أبي بكر كان أفقه من أبي بكر فيفسد الاحتجاج بأن تقديم أبي بكر كان لأنه الأفقه. ثم قال النووي بعد ذلك: إن قوله في حديث أبي مسعود " فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم في الهجرة " يدل على تقديم الأقرأ مطلقا انتهى. وهو واضح للمغايرة. وهذه الرواية أخرجها مسلم أيضا من وجه آخر عن إسماعيل بن رجاء، ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، فأما إذا كان جاهلا بذلك فلا يقدم اتفاقا، والسبب فيه أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القرآن لكونهم أهل اللسان، فالأقرأ منهم بل القارئ كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاءوا بعدهم. قوله: "ونحن شببة" بفتح المعجمة والموحدتين جمع شاب، زاد في الأدب من طريق ابن علية عن أيوب " شببة متقاربون " والمراد تقاربهم في السن، لأن ذلك كان في حال قدومهم. قوله: "نحوا من عشرين" في رواية ابن علية المذكورة الجزم به ولفظه: "فأقمنا عنده عشرين ليلة " والمراد بأيامها، ووقع التصريح بذلك في روايته في خبر الواحد من طريق عبد الوهاب عن أيوب. قوله: "رحيما فقال لو رجعتم " في رواية ابن علية وعبد الوهاب " رحيما رقيقا " فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا، وسألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم" ، ويمكن الجمع بينهما بأن يكون عرض ذلك عليهم على طريق الإيناس بقوله: "لو رجعتم " إذ لو بدأهم بالأمر بالرجوع لأمكن أن يكون فيه تنفير فيحتمل أن يكونوا أجابوه بنعم فأمرهم حينئذ بقوله: "ارجعوا" ، واقتصار الصحابي على ذكر سبب الأمر برجوعهم بأنه الشوق إلى أهليهم دون قصد التعليم هو لما قام عنده من القرينة الدالة على ذلك، ويمكن أن يكون عرف ذلك بتصريح القول منه صلى الله عليه وسلم وإن كان سبب تعليمهم قومهم أشرف في حقهم، لكنه أخبر بالواقع ولم يتزين بما ليس فيهم، ولما كانت نيتهم صادقة صادف شوقهم إلى أهلهم الحظ الكامل في الدين وهو أهلية التعليم كما قال الإمام أحمد في الحرص على طلب الحديث: حظ وافق حقا. قوله: "وليؤمكم أكبركم" ظاهره تقديم الأكبر بكثير السن وقليله، وأما من جوز أن يكون مراده بالكبر ما هو أعم من السن أو القدر كالتقدم في الفقه والقراءة والدين فبعيد لما تقدم من فهم راوي الخبر حيث قال للتابعي " فأين القراءة " فإنه دال على أنه أراد كبر السن، وكذا دعوى من زعم أن قوله: "وليؤمكم أكبركم " معارض بقوله: "يؤم القوم أقرؤهم " لأن الأول يقتضي تقديم الأكبر على الأقرأ والثاني عكسه، ثم انفصل عنه بأن قصة مالك بن الحويرث واقعة عين قابلة للاحتمال بخلاف الحديث الآخر فإنه تقرير قاعدة تفيد التعميم، قال: فيحتمل أن يكون الأكبر منهم كان يومئذ هو الأفقه.
ـــــــ
(1) كذا في الأصلين , ولعل الصواب أن لا إدراج في الاسناد , فتأمل
(2/171)

انتهى. والتنصيص على تقاربهم في العلم يرد عليه، فالجمع الذي قدمناه أولى والله أعلم. وفي الحديث أيضا فضل الهجرة والرحلة في طلب العلم وفضل التعليم، وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة والاهتمام بأحوال الصلاة وغيرها من أمور الدين، وإجازة خبر الواحد وقيام الحجة به، وتقدم الكلام على بقية فوائده في " باب من قال يؤذن في السفر مؤذن واحد". ويأتي الكلام على قوله صلوا كما رأيتموني أصلي في " باب إجازة خبر الواحد " إن شاء الله تعالى.
(2/172)

باب إذا زار الإمام قوم فأمهم
...
50 - باب إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ
686- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصارِيَّ قَالَ اسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ فَقَامَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا
قوله: "باب إذا زار الإمام قوما فأمهم" قيل أشار بهذه الترجمة إلى أن حديث مالك بن الحويرث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه مرفوعا: "من زار قوما فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم " محمول على من عدا الإمام الأعظم. وقال الزين بن المنير: مراده أن الإمام الأعظم ومن يجري مجراه إذا حضر بمكان مملوك لا يتقدم عليه مالك الدار أو المنفعة، ولكن ينبغي للمالك أن يأذن له ليجمع بين الحقين حق الإمام في التقدم، وحق المالك في منع التصرف بغير إذنه. انتهى ملخصا. ويحتمل أنه أشار إلى ما في حديث أبي مسعود المتقدم " ولا يؤم الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه " فإن مالك الشيء سلطان عليه، والإمام الأعظم سلطان على المالك، وقوله: "إلا بإذنه " يحمل عوده على الأمرين الإمامة والجلوس، وبذلك جزم أحمد كما حكاه الترمذي عنه، فتحصل بالإذن مراعاة الجانبين. قوله: "حدثنا معاذ بن أسد" هو مروزي سكن البصرة وليس هو أخا لمعلى بن أسد أحد شيوخ البخاري أيضا، كان معاذ المذكور كاتبا لعبد الله بن المبارك وهو شيخه في هذا الإسناد، وقد تقدم الكلام على حديث عتبان مستوفى في " باب المساجد التي في البيوت".
(2/172)

باب إنما جعل الإمام ليؤتم به وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه بالناس وهو جالس
...
51 - باب إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالنَّاسِ وَهُوَ جَالِسٌ
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الإِمَامِ يَعُودُ فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ ثُمَّ يَتْبَعُ الإِمَامَ
وَقَالَ الْحَسَنُ فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ يَسْجُدُ لِلرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الأُولَى بِسُجُودِهَا وَفِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً حَتَّى قَامَ يَسْجُدُ
687- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَلاَ تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ بَلَى ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لاَ هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ قَالَتْ فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لاَ هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ
(2/172)

52 - باب مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ قَالَ أَنَسٌ فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا
690- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَهُ بِهَذَا
[الحديث 690- طرفاه في : 811 ,747]
قوله: "باب متى يسجد من خلف الإمام" أي إذا اعتدل أو جلس بين السجدتين. قوله: "وقال أنس" هو طرف من حديثه الماضي في الباب قبله، لكن في بعض طرقه دون بعض، وسيأتي في " باب إيجاب التكبير " من رواية الليث عن الزهري بلفظه، ومناسبته لحديث الباب مما قدمناه أنه يقتضي تقديم ما يسمى ركوعا من الإمام بناء على تقدم الشرط على الجزاء وحديث الباب يفسره. قوله: "عن سفيان" هو الثوري، وأبو إسحاق هو السبيعي، وعبد الله بن يزيد هو الخطمي، كذا وقع منسوبا عند الإسماعيلي في رواية لشعبة عن أبي إسحاق، وهو منسوب إلى خطمة بفتح المعجمة وإسكان الطاء بطن من الأوس، وكان عبد الله المذكور أميرا على الكوفة في زمن ابن الزبير، ووقع للمصنف في " باب رفع البصر في الصلاة " أن أبا إسحاق قال: "سمعت عبد الله بن يزيد يخطب"، وأبو إسحاق معروف بالرواية عن البراء بن عازب لكنه سمع هذا عنه بواسطة. وفيه لطيفة وهي رواية صحابي ابن صحابي عن صحابي ابن صحابي من الأنصار ثم من الأوس وكلاهما سكن الكوفة. قوله: "وهو غير كذوب" الظاهر أنه من كلام عبد الله بن يزيد وعلى ذلك جرى الحميدي في جمعه وصاحب العمدة، لكن روى عباس الدوري في تاريخه عن يحيى بن معين أنه قال: قوله: "هو غير كذوب " إنما يريد عبد الله بن يزيد الراوي عن البراء لا البراء. ولا يقال لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كذوب، يعني أن هذه العبارة إنما تحسن في مشكوك في عدالته والصحابة كلهم عدول لا يحتاجون إلى تزكية. وقد تعقبه الخطابي فقال: هذا القول لا يوجب تهمة في الراوي إنما يوجب حقيقة الصدق له، قال: وهذه عادتهم إذا أرادوا تأكيد العلم بالراوي والعمل بما روى، كان أبو هريرة يقول: "سمعت خليلي الصادق المصدوق". وقال ابن مسعود " حدثني الصادق المصدوق " وقال عياض وتبعه النووي: لا وصم في هذا على الصحابة لأنه لم يرد به التعديل، وإنما أراد به تقوية الحديث إذ حدث به البراء وهو غير متهم، ومثل هذا قول أبي مسلم الخولاني: حدثني الحبيب الأمين. وقد قال ابن مسعود وأبو هريرة فذكرهما. قال: وهذا قالوه تنبيها على صحة الحديث لا أن قائله قصد به تعديل راويه. وأيضا فتنزيه ابن معين للبراء عن التعديل لأجل صحبته ولم ينزه عن ذلك عبد الله بن يزيد لا وجه له، فإن عبد الله بن يزيد معدود في الصحابة. انتهى كلامه. وقد علمت أنه أخذ كلام الخطابي فبسطه واستدرك عليه الإلزام الأخير، وليس بوارد لأن يحيى بن معين لا يثبت صحبة عبد الله بن يزيد، وقد نفاها أيضا مصعب الزبيري وتوقف فيها أحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو داود وأثبتها ابن البرقي والدار قطني وآخرون. وقال

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:29 AM
النووي: معنى الكلام حدثني البراء وهو غير متهم كما علمتم فثقوا بما أخبركم به عنه، وقد اعترض بعض المتأخرين على التنظير المذكور فقال: كأنه لم يلم بشيء من علم البيان، للفرق الواضح بين قولنا فلان صدوق وفلان غير كذوب لأن في الأول إثبات الصفة للموصوف، وفي الثاني نفي ضدها عنه فهما مفترقان. قال: والسر فيه أن نفي الضد كأنه يقع جوابا لمن أثبته يخالف إثبات الصفة. انتهى. والذي يظهر لي أن الفرق بينهما أنه يقع في الإثبات بالمطابقة وفي النفي بالالتزام، لكن التنظير صحيح بالنسبة إلى المعنى المراد باللفظين، لأن كلا منهما يرد عليه أنه تزكية في حق مقطوع بتزكيته فيكون من تحصيل الحاصل، ويحصل الانفصال عن ذلك بما تقدم من أن المراد بكل منهما تفخيم الأمر وتقويته في نفس السامع. وذكر ابن دقيق العيد أن بعضهم استدل على أنه كلام عبد الله بن يزيد بقول أبي إسحاق في بعض طرقه: سمعت عبد الله بن يزيد وهو يخطب يقول: "حدثنا البراء وكان غير كذوب " قال وهو محتمل أيضا. قلت: لكنه أبعد من الأول. وقد وجدت الحديث من غير طريق أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد وفيه قوله أيضا: "حدثنا البراء وهو غير كذوب " أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق محارب بن دثار قال: سمعت عبد الله بن يزيد على المنير يقول. فذكره. وأصله في مسلم، لكن ليس فيه قوله: "وكان غير كذوب " وهذا يقوى أن الكلام لعبد الله ابن يزيد، والله أعلم. "فائدة": روى الطبراني في مسند عبد الله بن يزيد هذا شيئا يدل على سبب روايته لهذا الحديث، فإنه أخرج من طريقه أنه كان يصلي بالناس بالكوفة فكان الناس يضعون رءوسهم قبل أن يضع رأسه ويرفعون قبل أن يرفع رأسه، فذكر الحديث في إنكاره عليهم. قوله: "إذا قال سمع الله لمن حمده" في رواية شعبة " إذا رفع رأسه من الركوع " ولمسلم من رواية محارب بن دثار " فإذا رفع رأسه من الركوع فقال سمع الله لمن حمده لم نزل قياما". قوله: "لم يحن" بفتح التحتانية وسكون المهملة أي لم يثن، يقال حنيت العود إذا ثنيته. وفي رواية لمسلم: "لا يحنو " وهي لغة صحيحة يقال حنيت وحنوت بمعنى. قوله: "حتى يقع ساجدا" في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق " حتى يضع جبهته على الأرض " وسيأتي في " باب سجود السهو"، ونحوه لمسلم من رواية زهير عن أبي إسحق، ولأحمد عن غندر عن شعبة " حتى يسجد ثم يسجدون " واستدل به ابن الجوزي على أن المأموم لا يشرع في الركن حتى يتمه الإمام، وتعقب بأنه ليس فيه إلا التأخر حتى يتلبس الإمام بالركن الذي ينتقل إليه بحيث يشرع المأموم بعد شروعه وقبل الفراغ منه. ووقع في حديث عمرو بن حريث عند مسلم: "فكان لا يحنى أحد منا ظهره حتى يستتم ساجدا " ولأبي يعلى من حديث أنس " حتى يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود " وهو أوضح في انتفاء المقارنة. واستدل به على الطمأنينة وفيه نظر، وعلى جواز النظر إلى الإمام لاتباعه في انتقالاته. قوله: "حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان. نحوه" هكذا في رواية المستملى وكريمة، وسقط للباقين. وقد أخرجه أبو عوانة عن الصغاني وغيره عن أبي نعيم ولفظه: "كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته".
(2/182)

53 - باب إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ
691- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ لاَ يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ
(2/182)

يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ "
قوله: "باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام" أي من السجود كما سيأتي بيانه. قوله: "عن محمد بن زياد" هو الجمحي مدني سكن البصرة وله في البخاري أحاديث عن أبي هريرة، وفي التابعين أيضا محمد بن زياد الالهاني الحمصي وله عنده حديث واحد عن أبي أمامة في المزارعة. قوله: "أما يخشى أحدكم" في رواية الكشميهني: "أو لا يخشى " ولأبي داود عن حفص بن عمر عن شعبة " أما يخشى أو ألا يخشى " بالشك. و " أما " بتخفيف الميم حرف استفتاح مثل ألا، وأصلها النافية دخلت عليها همزة الاستفهام وهو هنا استفهام توبيخ. قوله: "إذا رفع رأسه قبل الإمام" زاد ابن خزيمة من رواية حماد بن زيد عن محمد بن زياد " في صلاته". وفي رواية حفص بن عمر المذكورة " الذي يرفع رأسه والإمام ساجد " فتبين أن المراد الرفع من السجود ففيه تعقب على من قال إن الحديث نص في المنع من تقدم المأموم على الإمام في الرفع من الركوع والسجود معا، وإنما هو نص في السجود، ويلتحق به الركوع لكونه في معناه، ويمكن أن يفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه لأنه غاية الخضوع المطلوب منه، فلذلك خص بالتنصيص عليه، ويحتمل أن يكون من باب الاكتفاء، وهو ذكر أحد الشيئين المشتركين في الحكم إذا كان للمذكور مزية، وأما التقدم على الإمام في الخفض في الركوع والسجود فقيل يلتحق به من باب الأولى، لأن الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل، والركوع والسجود من المقاصد، وإذا دل الدليل على وجوب الموافقة فيما هو وسيلة فأولى أن يجب فيما هو مقصد، ويمكن أن يقال ليس هذا بواضح لأن الرفع من الركوع والسجود يستلزم قطعه عن غاية كماله، ودخول النقص في المقاصد أشد من دخوله في الوسائل، وقد ورد الزجر عن الخفض والرفع قبل الإمام في حديث آخر أخرجه البزار من رواية مليح صلى الله عليه وسلم بن عبد الله السعدي عن أبي هريرة مرفوعا: "الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان". وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفا وهو المحفوظ. قوله: "أو يجعل الله صورته صورة حمار" الشك من شعبة، فقد رواه الطيالسي عن حماد بن سلمة وابن خزيمة من رواية حماد بن زيد ومسلم من رواية يونس بن عبيد والربيع بن مسلم كلهم عن محمد بن زياد بغير تردد، فأما الحمادان فقالا " رأس " وأما. يونس فقال: "صورة " وأما الربيع فقال: "وجه"، والظاهر أنه من تصرف الرواة. قال عياض: هذه الروايات متفقة لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه. قلت: لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضا، وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتمدة، وخص وقوع الوعيد عليها لأن بها وقعت الجناية وهي أشمل، وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات، وبذلك جزم النووي في شرح المهذب، ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته، وعن ابن عمر تبطل وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر بناء على أن النهي يقتضي الفساد، وفي المغني عن أحمد أنه قال في رسالته: ليس لمن سبق الإمام صلاة لهذا الحديث، قال: ولو كانت له صلاة لرجى له الثواب ولم يخش عليه العقاب. اختلف في معنى الوعيد المذكور فقيل: يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي، فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام، ويرجح هذا المجازى
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض " فليح"
(2/183)

أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين، لكن ليس في الحديث ما يدل أن ذلك يقع ولا بد، وإنما يدل على كون فاعله متعرضا لذلك وكون فعله ممكنا لأن يقع عنه ذلك الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء، قاله ابن دقيق العيد. قال ابن بزيزة: يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معا. حمله آخرون على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك، وسيأتي في كتاب الأشربة الدليل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة، وهو حديث أبي مالك الأشعري في المغازي فإن فيه ذكر الخسف وفي آخره: "ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة " وسيأتي مزيد لذلك في تفسير سورة الأنعام إن شاء الله تعالى. يقوى حمله على ظاهره أن في رواية ابن حبان من وجه آخر عن محمد بن زياد " أن يحول الله رأسه رأس كلب " فهذا يبعد المجاز لانتقاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار. مما يبعده أيضا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة، ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلا فرأسه رأس حمار، وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور فلا يحسن أن يقال له يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليدا، مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة. قال ابن الجوزي في الرواية التي عبر فيها بالصورة: هذه اللفظة تمنع تأويل من قال المراد رأس حمار في البلادة، ولم يبين وجه المنع. في الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته وبيانه لهم الأحكام وما يترتب عليها من الثواب والعقاب، واستدل به على جواز المقارنة، ولا دلالة فيه لأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة، وبمفهومه على طلب المتابعة، وأما المقارنة فمسكوت عنها. قال ابن بزيزة: استدل بظاهره قوم لا يعقلون على جواز التناسخ. لت: وهو مذهب رديء مبني على دعاوى بغير برهان، والذي استدل بذلك منهم إنما استدل بأصل النسخ لا بخصوص هذا الحديث. لطيفة": قال صاحب " القبس ": ليس للتقدم قبل الإمام سبب إلا طلب الاستعجال، ودواؤه أن يستحضر أنه لا يسلم قبل الإمام فلا يستعجل في هذه الأفعال، والله أعلم.
(2/184)

54- باب إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى
وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنْ الْمُصْحَفِ وَوَلَدِ الْبَغِيِّ وَالأَعْرَابِيِّ وَالْغُلاَمِ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ"
692- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا"
[الحديث 693 – طرفاه في: 7175]
693- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ "
[الحديث693- طرفاه في : 7142,696]
قوله: "باب إمامة العبد والمولى" أي العتيق، قال الزين بن المنير: لم يفصح بالجواز لكن لوح به لإيراده
(2/184)

أدلته. قوله: "وكانت عائشة الخ" وصله أبو داود صلى الله عليه وسلم في " كتاب المصاحف " من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة أن عائشة كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف، ووصله ابن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة أنها أعتقت غلاما لها عن دبر، فكان يؤمها في رمضان في المصحف. ووصله الشافعي وعبد الرزاق من طريق أخرى عن ابن أبي مليكة أنه كان يأتي عائشة بأعلى الوادي - هو وأبوه وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير - فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وهو يومئذ غلام لم يعتق، وأبو عمرو المذكور هو ذكوان، وإلى صحة إمامة العبد ذهب الجمهور. وخالف مالك فقال: لا يؤم الأحرار إلا إن كان قارئا وهم لا يقرءون فيؤمهم، إلا في الجمعة لأنها لا تجب عليه. وخالفه أشهب واحتج بأنها تجزئه إذا حضرها. قوله: "في المصحف" استدل به على جواز قراءة المصلي من المصحف، ومنع منه آخرون لكونه عملا كثيرا في الصلاة صلى الله عليه وسلم. قوله: "وولد البغي" بفتح الموحدة وكسر المعجمة والتشديد أي الزانية، ونقل ابن التين أنه رواه بفتح الموحدة وسكون المعجمة والتخفيف، والأول أولى، وهو معطوف على قوله: "والمولى " لكن فصل بين المتعاطفين بأثر عائشة، وغفل القرطبي في مختصر البخاري فجعله من بقية الأثر المذكور، وإلى صحة إمامة ولد الزنا ذهب الجمهور أيضا، وكان مالك يكره أن يتخذ إماما راتبا، وعلته عنده أنه يصير معرضا لكلام الناس فيأثمون بسببه، وقيل لأنه ليس في الغالب من يفقهه صلى الله عليه وسلم فيغلب عليه الجهل. قوله: "والأعرابي" بفتح الهمزة أي ساكن البادية، وإلى صحة إمامته ذهب الجمهور أيضا، وخالف مالك وعلته عنده غلبة الجهل على ساكن البوادي، وقيل لأنهم يديمون نقص السنن وترك حضور الجماعة غالبا قوله: "والغلام الذي لم يحتلم" ظاهره أنه أراد المراهق، ويحتمل الأعم لكن يخرج منه من كان دون سن التمييز بدليل آخر، ولعل المصنف راعى اللفظ الوارد في النهي عن ذلك وهو فيما رواه عبد الرزاق من حديث ابن عباس مرفوعا: "لا يؤم الغلام حتى يحتلم " وإسناده ضعيف، وقد أخرج المصنف في غزوة الفتح حديث عمرو بن سلمة بكسر اللام أنه كان يؤم قومه وهو ابن سبع سنين، وقيل إنما لم يستدل به هنا لأن أحمد بن حنبل توقف فيه فقيل: لأنه ليس فيه اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقيل لاحتمال أن يكون أراد أنه كان يؤمهم في النافلة دون الفريضة، وأجيب عن الأول بأن زمان نزول الوحي لا يقع فيه لأحد من الصحابة التقرير على ما لا يجوز فعله، ولهذا استدل أبو سعيد وجابر على جواز العزل بأنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل كما سيأتي في موضعه، وأيضا فالوفد الذين قدموا عمرو بن سلمة كانوا جماعة من الصحابة، وقد نقل ابن حزم أنه لا يعلم لهم في ذلك مخالف منهم. وعن الثاني بأن سياق رواية المصنف تدل على أنه كان يؤمهم في الفرائض لقوله فيه: "صلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة " الحديث. وفي رواية لأبي داود قال عمرو " فما شهدت مشهدا في جرم صلى الله عليه وسلم إلا كنت إمامهم " وهذا يعم الفرائض والنوافل واحتج ابن حزم على عدم الصحة بأنه صلى الله عليه وسلم أمر
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض " ابن أبي داود"
(2) الصوابالجواز كما فعلت عائشة رضي الله عنها , لأن الحاجة قد تدعوا . والعمل الكثير إذا كان لحاجة ولم يتوال لم يضر الصلاة لحمله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب في الصلاة , وتقدمه وتأخره في صلاة الكسوف , ولأدلة أخرى مدونه في موضعها . والله أعلم
(3) كذا ولعله " ممن يفقه "
(4) جرم بالجيم والراء الساكنة : هي قبيلة عمرو بن سلمة المذكور
(2/185)

أن يؤمهم أقرؤهم قال: فعلى هذا إنما يؤم من يتوجه إليه الأمر، والصبي ليس بمأمور لأن القلم رفع عنه فلا يؤم، كذا قال، ولا يخفى فساده لأنا نقول: المأمور من يتوجه إليه الأمر من البالغين بأنهم يقدمون من اتصف بكونه أكثر قرآنا فبطل ما احتج به، وإلى صحة إمامة الصبي ذهب أيضا الحسن البصري والشافعي وإسحاق، وكرهها مالك والثوري، وعن أبي حنيفة وأحمد روايتان والمشهور عنهما الإجزاء في النوافل دون الفرائض. قوله: "لقول النبي صلى الله عليه وسلم يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله" أي فكل من اتصف بذلك جازت إمامته من عبد وصبي وغيرها، وهذا طرف من حديث أبي مسعود الذي ذكرناه في " باب أهل العلم أحق بالإمامة " وقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن بلفظ: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " الحديث. وفي حديث عمرو بن سلمة المذكور عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وليؤمكم أكثركم قرآنا " وفي حديث أبي سعيد عند مسلم أيضا: "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم " واستدل بقوله أقرؤهم على أن إمامة الكافر لا تصح لأنه لا قراءة له. قوله: "ولا يمنع العبد من الجماعة" هذا من كلام المصنف، وليس من الحديث المعلق. قوله: "بغير علة" أي بغير ضرورة لسيده، فلو قصد تفويت الفضيلة عليه بغير ضرورة لم يكن له ذلك، وسنذكر مستنده في الكلام على قصة سالم في أول حديثى الباب. قوله: "عن عبيد الله" هو العمري. قوله: "لما قدم المهاجرون الأولون" أي من مكة إلى المدينة وبه صرح في رواية الطبراني. قوله: "العصبة" بالنصب على الظرفية لقوله: "قدم " كذا في جميع الروايات. وفي رواية أبي داود " نزلوا العصبة " أي المكان المسمى بذلك وهو بإسكان الصاد المهملة بعدها موحدة، واختلف في أوله فقيل بالفتح وقيل بالضم، ثم رأيت في النهاية ضبطه بعضهم بفتح العين والصاد المهملتين، قال أبو عبيد البكري: لم يضبطه الأصيلي في روايته، والمعروف " المعصب " بوزن محمد بالتشديد وهو موضع بقباء. قوله: "وكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة" زاد في الأحكام من رواية ابن جريج عن نافع " وفيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة - أي ابن عبد الأسد - وزيد أي ابن حارثة وعامر بن ربيعة " واستشكل ذكر أبي بكر فيهم إذ في الحديث أن ذلك كان قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر كان رفيقه، ووجهه البيهقي باحتمال أن يكون سالم المذكور استمر على الصلاة بهم فيصح ذكر أبي بكر، ولا يخفى ما فيه. ووجه الدلالة منه إجماع كبار الصحابة القرشيين على تقديم سالم عليهم، وكان سالم المذكور مولى امرأة من الأنصار فأعتقته، وكأن إمامته بهم كانت قبل أن يعتق، وبذلك تظهر مناسبة قول المصنف " ولا يمنع العبد". وإنما قيل له مولى أبي حذيفة لأنه لازم أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بعد أن عتق فتبناه، فلما نهوا عن ذلك قيل له مولاه كما سيأتي في موضعه. واستشهد سالم باليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما. قوله: "وكان أكثرهم قرآنا" إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه. وفي رواية للطبراني " لأنه كان أكثرهم قرآنا". قوله: "حدثنا يحيى" هو القطان. قوله: "اسمعوا وأطيعوا" أي فيما فيه طاعة لله. قوله: "وإن استعمل" أي جعل عاملا، وللمصنف في الأحكام عن مسدد عن يحيى " وإن استعمل عليكم عبد حبشي " وهو أصرح في مقصود الترجمة، وذكره بعد باب من طريق غندر عن شعبة بلفظ: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأبي ذر: اسمع وأطع " الحديث، وقد أخرجه مسلم من طريق غندر أيضا لكن بإسناد له آخر عن شعبة عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: "إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن اسمع وأطع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف". وأخرجه الحاكم والبيهقي من هذا الوجه، وفيه قصة أن أبا ذر انتهى إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة فإذا عبد يؤمهم، قال فقيل: هذا أبو ذر، فذهب
(2/186)

يتأخر، فقال أبو ذر: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم: "فذكر الحديث. وأخرج مسلم أيضا من طريق غندر أيضا عن شعبة عن يحيى بن الحصين سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول: "ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله " وفي هذه الرواية فائدتان: تعيين جهة الطاعة، وتاريخ الحديث وأنه كان في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "كأن رأسه زبيبة" قيل شبهه بذلك لصغر رأسه، وذلك معروف في الحبشة، وقيل لسواده، وقيل لقصر شعر رأسه وتفلفله. ووجه الدلالة منه على صحة إمامة العبد أنه إذا أمر بطاعته فقد أمر بالصلاة خلفه قاله ابن بطال. ويحتمل أن يكون مأخوذا من جهة ما جرت به عادتهم أن الأمير هو الذي يتولى الإمامة بنفسه أو نائبه، واستدل به على المنع من القيام على السلاطين وإن جاروا لأن القيام عليهم يفضي غالبا إلى أشد مما ينكر عليهم، ووجه الدلالة منه أنه أمر بطاعة العبد الحبشي والإمامة العظمى إنما تكون بالاستحقاق في قريش فيكون غيرهم متغلبا، فإذا أمر بطاعته استلزم النهي عن مخالفته والقيام عليه. ورده ابن الجوزي بأن المراد بالعامل هنا من يستعمله الإمام لا من يلي الإمامة العظمى، وبأن المراد بالطاعة الطاعة فيما وافق الحق. انتهى. ولا مانع من حمله على أعم من ذلك، فقد وجد من ولى الإمامة العظمى من غير قريش من ذوى الشوكة متغلبا، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأحكام. وقد عكسه بعضهم فاستدل به على جواز الإمامة في غير قريش، وهو متعقب، إذ لا تلازم بين الإجزاء والجواز، والله أعلم.
(2/187)

باب إذا لم يتم الإمام وأثم من خلفه
...
55 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ
694- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ
قوله: "باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه" يشير بذلك إلى حديث عقبة بن عامر وغيره كما سيأتي. قوله: "حدثنا الفضل بن سهل" هو البغدادي المعروف بالأعرج من صغار شيوخ البخاري ومات قبله بسنة. قوله: "يصلون" أي الأئمة، واللام في قوله: "لكلم " للتعليل. قوله: "فإن أصابوا فلكم" أي ثواب صلاتكم، زاد أحمد عن الحسن بن موسى بهذا السند " ولهم " أي ثواب صلاتهم، وهو يغني عن تكلف توجيه حذفها، وتمسك ابن بطال بظاهر الرواية المحذوفة فزعم أن المراد بالإصابة هنا إصابة الوقت، واستدل بحديث ابن مسعود مرفوعا: "لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها، فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم في الوقت ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة " وهو حديث حسن أخرجه النسائي وغيره، فالتقدير على هذا: فإن أصابوا الوقت وإن أخطؤوا الوقت فلكم يعني الصلاة التي في الوقت. انتهى. وغفل عن الزيادة التي في رواية أحمد فإنها تدل على أن المراد صلاتهم معهم لا عند الانفراد، وكذا أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طرق عن الحسن بن موسى، وقد أخرج ابن حبان حديث أبي هريرة من وجه آخر أصرح في مقصود الترجمة ولفظه: "يكون أقوام يصلون الصلاة، فإن أتموا فلكم ولهم " وروى أبو داود من حديث عقبة بن عامر مرفوعا: "من أم الناس فأصاب الوقت فله ولهم" . وفي رواية أحمد في هذا الحديث: "فإن صلوا الصلاة لوقتها وأتموا الركوع والسجود فهي لكم ولهم " فهذا يبين أن المراد
(2/187)

ما هو أعم من ترك إصابة الوقت، قال ابن المنذر: هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه. قوله: "وإن أخطؤوا" أي ارتكبوا الخطيئة، ولم يرد به الخطأ المقابل للعمد لأنه لا إثم فيه. قال المهلب: فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه. ووجه غيره قوله إذا خيف منه بأن الفاجر إنما يؤم إذا كان صاحب شوكة. وقال البغوي في شرح السنة: فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم محدثا أنه تصح صلاة المأمومين وعليه الإعادة. واستدل به غيره على أعم من ذلك وهو صحة الائتمام بمن يخل بشيء من الصلاة ركنا كان أو غيره إذا أتم المأموم، وهو عند الشافعية بشرط أن يكون الإمام هو الخليفة أو نائبه، والأصح عندهم صحة الاقتداء بمن علم أنه ترك واجبا. ومنهم من استدل به على الجواز مطلقا بناء على أن المراد بالخطأ ما يقابل العمد، قال: ومحل الخلاف في الأمور الاجتهادية كمن يصلي خلف من لا يرى قراءة البسملة ولا أنها من أركان القراءة ولا أنها آية من الفاتحة بل يرى أن الفاتحة تجزئ بدونها قال: فإن صلاة المأموم تصح إذا قرأ هو البسملة لأن غاية حال الإمام في هذه الحالة أن يكون أخطأ. وقد دل الحديث على أن خطأ الإمام لا يؤثر في صحة صلاة المأموم إذا أصاب. "تنبيه": حديث الباب من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وفيه مقال، وقد ذكرنا له شاهدا عند ابن حبان، وروى الشافعي معناه من طريق صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "يأتي قوم فيصلون لكم، فإن أتموا كان لهم ولكم، وإن نقصوا كان عليهم ولكم" .
(2/188)

56 - باب إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدِعِ وَقَالَ الْحَسَنُ صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ
695- قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ فَقَالَ الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ"
وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ قَالَ الزُّهْرِيُّ لاَ نَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُخَنَّثِ إِلاَّ مِنْ ضَرُورَةٍ لاَ بُدَّ مِنْهَا "
696- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لِأَبِي ذَرٍّ اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِحَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ
قوله: "باب إمامة المفتون" أي الذي دخل في الفتنة فخرج على الإمام، ومنهم من فسره بما هو أعم من ذلك. قوله: "والمبتدع" أي من اعتقد شيئا مما يخالف أهل السنة والجماعة. قوله: "وقال الحسن صل وعليه بدعته" وصله سعيد بن منصور عن ابن المبارك عن هشام بن حسان أن الحسن سئل عن الصلاة خلف صاحب البدعة فقال الحسن " صل خلفه وعليه بدعته". قوله: "وقال لنا محمد بن يوسف" هو الفريابي، قيل عبر بهذه الصيغة لأنه مما أخذه من شيخه في المذاكرة فلم يقل فيه حدثنا، وقيل إن ذلك مما تحمله بالإجازة أو المناولة أو العرض، وقيل: هو متصل من حيث اللفظ منقطع من حيث المعنى. والذي ظهر لي بالاستقراء خلاف ذلك، وهو أنه متصل لكنه لا يعبر بهذه الصيغة إلا إذا كان المتن موقوفا أو كان فيه راو ليس على شرطه، والذي هنا من قبيل الأول، وقد وصله الإسماعيلي
(2/188)

من رواية محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن يوسف الفريابي. قوله: "عن حميد بن عبد الرحمن" أي ابن عوف. وفي رواية الإسماعيلي: "أخبرني حميد". وأخرجه الإسماعيلي من طريق أخرى عن الأوزاعي، وخالفه يونس بن يزيد فقال: عن الزهري عن عروة أخرجه الإسماعيلي أيضا، وكذلك رواه معمر عن الزهري أخرجه عمر بن شبة في " كتاب مقتل عثمان " عن غندر عنه، ويحتمل أن يكون للزهري فيه شيخان. قوله: "عن عبيد الله بن عدي" في رواية ابن المبارك عن الأوزاعي عند الإسماعيلي وأبي نعيم " حدثني عبيد الله بن عدي بن الخيار من بني نوفل بن عبد مناف " وعبيد الله المذكور تابعي كبير معدود في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان عثمان من أقارب أمه كما سيأتي في موضعه. قوله: "إنك إمام عامة" أي جماعة. وفي رواية يونس " وأنت الإمام " أي الأعظم. قوله: "ونزل بك ما نرى" أي من الحصار. قوله: "ويصلي لنا" أي يؤمنا. قوله: "إمام فتنة" أي رئيس فتنة، واختلف في المشار إليه بذلك فقيل: هو عبد الرحمن بن عديس البلوى أحد رءوس المصريين الذين حصروا عثمان، قاله ابن وضاح فيما نقله عنه ابن عبد البر وغيره. وقاله ابن الجوزي وزاد: إن كنانة بن بشر أحد رءوسهم صلى بالناس أيضا. قلت: وهو المراد هنا، فإن سيف بن عمر روى حديث الباب في " كتاب الفتوح " من طريق أخرى عن الزهري بسنده فقال فيه: "دخلت على عثمان وهو محصور وكنانة يصلي بالناس فقلت كيف ترى " الحديث. وقد صلى بالناس يوم حصر عثمان أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري لكن بإذن عثمان، ورواه عمر بن شبة بسند صحيح، ورواه ابن المديني من طريق أبي هريرة. وكذلك صلى بهم علي بن أبي طالب فيما رواه إسماعيل الخطي في " تاريخ بغداد " من رواية ثعلبة بن يزيد الحماني قال: فلما كان يوم عيد الأضحى جاء علي فصلى بالناس. وقال ابن المبارك فيما رواه الحسن الحلواني: لم يصل بهم غيرها. وقال غيره: صلى بهم عدة صلوات وصلى بهم أيضا سهل بن حنيف، رواه عمر بن شبة بإسناد قوى. وقيل صلى بهم أيضا أبو أيوب الأنصاري وطلحة بن عبيد الله، وليس واحد من هؤلاء مرادا بقوله إمام فتنة. وقال الداودي: معنى قوله: "إمام فتنة " أي إمام وقت فتنة، وعلى هذا لا اختصاص له بالخارجي. قال: ويدل على صحة ذلك أن عثمان لم يذكر الذي أمهم بمكروه بل ذكر أن فعله أحسن الأعمال. انتهى. وهذا مغاير لمراد المصنف من ترجمته، ولو كان كما قال لم يكن قوله: "ونتحرج " مناسبا. قوله: "ونتحرج" في رواية ابن المبارك " وأنا لنتحرج من الصلاة معه " والتحرج التأثم، أي نخاف الوقوع في الإثم، وأصل الحرج الضيق، ثم استعمل للإثم. لأنه يضيق على صاحبه. قوله: "فقال الصلاة أحسن" في رواية ابن المبارك " أن الصلاة أحسن " وفي رواية معقل بن زياد عن الأوزاعي عند الإسماعيلي: "من أحسن". قوله: "فإذا أحسن الناس فأحسن" ظاهره أنه رخص له في الصلاة معهم كأنه يقول لا يضرك كونه مفتونا، بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه واترك ما افتتن به، وهو المطابق لسياق الباب، وهو الذي فهمه الداودي حتى احتاج إلى تقدير حذف في قوله إمام فتنة، وخالف ابن المنير فقال: يحتمل أن يكون رأى أن الصلاة خلفه لا تصح فحاد عن الجواب بقوله إن الصلاة أحسن، لأن الصلاة التي هي أحسن هي الصلاة الصحيحة، وصلاة الخارجي غير صحيحة لأنه إما كافر أو فاسق. انتهى. وهذا قاله نصرة لمذهبه في عدم صحة الصلاة خلف الفاسق، وفيه نظر لأن سيفا روى في الفتوح عن سهل بن يوسف الأنصاري عن أبيه قال: كره الناس الصلاة خلف الذين حصروا عثمان إلا عثمان فإنه قال: من دعا إلى الصلاة فأجيبوه. انتهى. فهذا صريح في أن مقصوده بقوله: "الصلاة أحسن " الإشارة إلى الإذن
(2/189)

بالصلاة خلفه، وفيه تأييد لما فهمه المصنف من قوله إمام فتنة، وروى سعيد بن منصور من طريق مكحول قال: قالوا لعثمان إنا نتحرج أن نصلي خلف هؤلاء الذين حصروك، فذكر نحو حديث الزهري. وهذا منقطع إلا أنه اعتضد. قوله: "وإذا أساؤوا فاجتنب" فيه تحذير من الفتنة والدخول فيها ومن جميع ما ينكر من قول أو فعل أو اعتقاد، وفي هذا الأثر الحض على شهود الجماعة ولا سيما في زمن الفتنة لئلا يزداد تفرق الكلمة، وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل الجماعة، وفيه رد على زعم أن الجمعة لا يجزئ أن تقام بغير إذن الإمام. قوله: "وقال الزبيدي" بضم الزاي هو محمد بن الوليد. قوله: "المخنث" رويناه بكسر النون وفتحها، فالأول المراد به من فيه تكسر وتثن وتشبه بالنساء. والثاني المراد به من يؤتي، وبه جزم أبو عبد الملك فيما حكاه ابن التين محتجا بأن الأول لا مانع من الصلاة خلفه إذا كان ذلك أصل خلقته. ورد بأن المراد من يتعمد ذلك فيتشبه بالنساء فإن ذلك بدعة قبيحة، ولهذا جوز الداودي أن يكون كل منهما مرادا. قال ابن بطال: ذكر البخاري هذه المسألة هنا لأن المخنث مفتتن في طريقته. قوله: "إلا من ضرورة" أي بأن يكون ذا شوكة أو من جهته فلا تعطل الجماعة بسببه، وقد رواه معمر عن الزهري بغير قيد أخرجه عبد الرزاق عنه ولفظه: "قلت: فالمخنث؟ قال: لا ولا كرامة، لا يؤتم به " وهو محمول على حالة الاختيار. قوله: "حدثنا محمد بن أبان" هو البلخي مستملى وكيع، وقيل الواسطي وهو محتمل لكن لم نجد للواسطي رواية عن غندر بخلاف البلخي، وقد تقدم عنه بموضع آخر في المواقيت وهذا جميع ما أخرج عنه البخاري. قوله: "اسمع وأطع" تقدم الكلام عليه قبل بباب، قال ابن المنير: وجه دخوله في هذا الباب أن الصفة المذكورة إنما توجد غالبا في عجمي حديث عهد بالإسلام لا يخلو من جهل بدينه، وما يخلو من هذه صفته ارتكاب البدعة، ولو لم يكن إلا افتتانه بنفسه حتى تقدم للإمامة وليس من أهلها.
(2/190)

باب يقوم عن يمين الإمام يحذائه سواء إذا كانا اثنين
...
57 - باب يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ
697- حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن الحكم قال سمعت سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله عنهما قال "بت في بيت خالتي ميمونة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم جاء فصلى أربع ركعات ثم نام ثم قام فجئت فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه فصلى خمس ركعات ثم صلى ركعتين ثم نام حتى سمعت غطيطه أو قال خطيطه ثم خرج إلى الصلاة"
[انظر الحديث 117 وأطرافه ]
قوله: "باب يقوم" أي المأموم "عن يمين الإمام بحذائه" بكسر المهملة وذال معجمة بعدها مدة، أي بجنبه، فأخرج بذلك من كان خلفه أو مائلا عنه. و قوله: "سواء" أخرج به من كان إلى جنبه لكن على بعد عنه، كذا قال الزين بن المنير، والذي يظهر أن قوله بحذائه يخرج هذا أيضا. وقوله سواء أي لا يتقدم ولا يتأخر، وفي انتزاع هذا من الحديث الذي أورده بعد. وقد قال أصحابنا: يستحب أن يقف المأموم دونه قليلا، وكأن المصنف أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه، فقد تقدم في الطهارة من رواية مخرمة عن كريب عن ابن عباس بلفظ: "فقمت إلى جنبه " وظاهره المساواة. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس نحوا من هذه القصة، وعن
(2/190)

ابن جريج قال قلت لعطاء: الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه؟ قال: إلى شقه الأيمن. قلت: أيحاذى به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر؟ قال: نعم. قلت: أتحب أن يساويه حتى لا تكون بينهما فرجة؟ قال: نعم. وفي الموطأ عن عبد الله بن عتبة ابن مسعود قال: "دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح، فقمت وراءه فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه". قوله: "إذا كانا" أي إماما ومأموما، بخلاف ما إذا كانا مأمومين مع إمام فلهما حكم آخر. "تنبيه": هكذا في جميع الروايات " باب " بالتنوين " يقوم الخ"، وأورده الزين بن المنير بلفظ: "باب من يقوم " بالإضافة وزيادة من، وشرحه على ذلك، وتردد بين كونها موصولة أو استفهامية ثم أطال في حكمة ذلك وأن سببه كون المسألة مختلفا فيها. والواقع أن من محذوفه والسياق ظاهر في أن المصنف جازم بحكم المسألة لا متردد والله أعلم. وقد نقل بعضهم الاتفاق على أن المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام إلا النخعي فقال: "إذا كان الإمام ورجل قام الرجل خلف الإمام، فإن ركع الإمام قبل أن يجيء أحد قام عن يمينه " أخرجه سعيد بن منصور، ووجهه بعضهم بأن الإمام مظنة الاجتماع فاعتبرت في موقف المأموم حتى يظهر خلاف ذلك، وهو حسن لكنه مخالف للنص، وهو قياس فاسد ثم ظهر لي أن إبراهيم إنما كان يقول بذلك حيث يظن ظنا قويا مجيء ثان، وقد روى سعيد بن منصور أيضا عنه قال: "ربما قمت خلف الأسود وحدي حتى يجيء المؤذن " وذكر البيهقي أنه يستفاد من حديث الباب امتناع تقديم المأموم على الإمام خلافا لمالك، لما في رواية مسلم: "فقمت عن يساره فأدارني من خلفه حتى جعلني عن يمينه " وفيه نظر.
(2/191)

58 - باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُمَا
698- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نِمْتُ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ عَلَى يَسَارِهِ فَأَخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ عَمْرٌو فَحَدَّثْتُ بِهِ بُكَيْرًا فَقَالَ حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ بِذَلِكَ" قوله: "باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام الخ " وجه الدلالة من حديث ابن عباس المذكور أنه صلى الله عليه وسلم لم يبطل صلاة ابن عباس مع كونه قام عن يساره أولا، وعن أحمد تبطل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقره على ذلك، والأول هو قول الجمهور، بل قال سعيد بن المسيب: إن موقف المأموم الواحد يكون عن يسار الإمام، ولم يتابع على ذلك. قوله: "حدثنا أحمد" لم أره منسوبا في شيء من الروايات، لكن جزم أبو نعيم في المستخرج بأنه ابن صالح وأخرجه من طريقه. قوله: "عمرو" هو ابن الحارث المصري، وكذا وقع عند أبي نعيم. قوله: "عن عبد ربه" بفتح الراء وتشديد الموحدة وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق. قوله: "نمت" في رواية الكشميهني: "بت". قوله: "فأخذني فجعلني" قد تقدم أنه أداره من خلفه، واستدل به على أن مثل ذلك من العمل لا يفسد الصلاة كما سيأتي. قوله: "قال عمرو" أي ابن الحارث المذكور بالإسناد المذكور إليه، ووهم من زعم أنه من تعليق البخاري، فقد ساقه أبو نعيم مثل سياقه، وبكير المذكور في هذا هو ابن عبد الله بن الأشج، واستفاد عمرو بن الحارث بهذه الرواية عنه العلو برجل.
(2/191)

باب إذا لم ينو الإمام أن يؤم ثم جاء فوم فأمهم
...
59 - باب إِذَا لَمْ يَنْوِ الإِمَامُ أَنْ يَؤُمَّ ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ فَأَمَّهُمْ
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ"
قوله: "باب إذا لم ينو الإمام أن يؤم الخ" لم يجزم يحكم المسألة لما فيه من الاحتمال، لأنه ليس في حديث ابن عباس التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينو الإمامة، كما أنه ليس فيه أنه نوى لا في ابتداء صلاته ولا بعد أن قام ابن عباس فصلى معه، لكن في إيقافه إياه منه موقف المأموم ما يشعر بالثاني، وأما الأول فالأصل عدمه، وهذه المسألة مختلف فيها، والأصح عند الشافعية لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة، واستدل ابن المنذر أيضا بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في شهر رمضان قال: "فجئت فقمت إلى جنبه، وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطا، فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بنا تجوز في صلاته " الحديث، وهو ظاهر في أنه لم ينو الإمامة ابتداء، وائتموا هم به وأقرهم. وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وعلقه البخاري كما سيأتي في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى. وذهب أحمد إلى التفرقة بين النافلة والفريضة فشرط أن ينوي في الفريضة دون النافلة، وفيه نظر لحديث أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه " أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. قوله: "عن عبد الله بن سعيد بن جبير" هو من أقران أيوب الراوي عنه، ورجال الإسناد كلهم بصريون، وسيأتي الكلام على بقية فوائد حديث ابن عباس المذكور في هذه الأبواب الثلاثة تاما في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى
(2/192)

باب إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى
...
60 - باب إِذَا طَوَّلَ الإِمَامُوَكَانَ لِلرَّجُلِ حَاجَةٌ فَخَرَجَ فَصَلَّى
700- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ"
[الحديث700- أطرافه : 6106,711,705,701]
701- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فَتَّانٌ فَتَّانٌ فَتَّانٌ ثَلاَثَ مِرَارٍ أَوْ قَالَ فَاتِنًا فَاتِنًا فَاتِنًا وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ قَالَ عَمْرٌو لاَ أَحْفَظُهُمَا
قوله باب إذا طول الإمام وكان للرجل أي المأموم حاجة فخرج وصلى وللكشميهني فصلى بالفاء وهذه الترجمة عكس التي قبلها لأن في الأولى جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة وفي الثانية جواز قطع الائتمام بعد
(2/192)

الدخول فيه وأما قوله في الترجمة فخرج فيحتمل أنه خرج من القدوة أو من الصلاة رأسا أو من المسجد قال بن رشيد الظاهر أن المراد خرج إلى منزله فصلى فيه وهو ظاهر قوله في الحديث فانصرف الرجل قال وكان سبب ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الذي رآه يصلي أصلاتان معا كما تقدم قلت وليس الواقع كذلك فإن في رواية النسائي فانصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد وهذا يحتمل أن يكون قطع الصلاة أو القدوة لكن في مسلم فانحرف ثم صلى وحده واعلم أن هذا الحديث رواه عن جابر عمرو بن دينار ومحارب بن دثار وأبو الزبير وعبيد الله بن مقسم فرواية عمرو للمصنف هنا عن شعبة وفي الأدب عن سليم بن حيان ولمسلم عن أبي عيينة ثلاثتهم عنه ورواية محارب تأتي بعد بابين وهي ثم النسائي مقرونه بأبي صالح ورواية أبي الزبير ثم مسلم ورواية عبيد الله ثم بن خزيمة وله طرق هذه سأذكر ما يحتاج إليه منها معزوا وإنما قدمت ذكر هذه لتسهل الحوالة عليه قوله: "حدثنا مسلم" هو ابن إبراهيم، والظاهر أن روايته عن شعبة مختصرة كما هنا وكذلك أخرجها البيهقي من طريق محمد بن أيوب الرازي عنه. وقال الكرماني: الظاهر من قوله: "فصلى العشاء الخ " داخل تحت الطريق الأولى، وكان الحامل له على ذلك أنها لو خلت عن ذلك لم تطابق الترجمة ظاهرا. لكن لقائل أن يقول: إن مراد البخاري بذلك الإشارة إلى أصل الحديث على عادته، واستفاد بالطريق الأولى علو الإسناد، كما أن في الطريق الثانية فائدة التصريح بسماع عمرو من جابر.
قوله: "يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم" زاد سلم من رواية منصور عن عمرو " عشاء الآخرة " فكأن العشاء هي التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين.
قوله: "ثم يرجع فيؤم قومه" في رواية منصور المذكورة " فيصلي بهم تلك الصلاة " وللمصنف في الأدب " فيصلي بهم الصلاة " أي المذكورة، وفي هذا رد على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم غير الصلاة التي كان يصليها بقومه.
وفي رواية ابن عيينة " فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم " وفي رواية الحميدي عن ابن عيينة " ثم يرجع إلى بني سلمة فيصليها بهم " ولا مخالفة فيه لأن قومه هم بنو سلمة.
وفي رواية الشافعي عنه " ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة " ولأحمد " ثم يرجع فيؤمنا".
"فصلى العشاء" كذا في معظم الروايات، ووقع في رواية لأبي عوانة والطحاوي من طريق محارب " صلى بأصحابه المغرب " وكذا لعبد الرزاق من رواية أبي الزبير، فإن حمل على تعدد القصة كما سيأتي أو على أن المراد بالمغرب العشاء مجازا تم، وإلا فما في الصحيح أصح. قوله: "فقرأ بالبقرة" استدل به على من يكره أن يقول البقرة بل سورة البقرة، لكن في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه: "فقرأ سورة البقرة " ولمسلم عن ابن عيينة نحوه، وللمصنف في الأدب " فقرأ بهم البقرة " فالظاهر أن ذلك من تصرفات الرواة، والمراد أنه ابتدأ في قراءتها، وبه صرح مسلم ولفظه: "فافتتح سورة البقرة " وفي رواية محارب " فقرأ بسورة البقرة أو النساء " على الشك، وللسراج من رواية مسعر عن محارب " فقرأ بالبقرة والنساء " كذا رأيته بخط الزكي البرزالي بالواو، فإن كان ضبطه احتمل أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة وفي الثانية بالنساء، ووقع عند أحمد من حديث بريدة بإسناد قوى " فقرأ اقتربت الساعة " وهي شاذة إلا إن حمل على التعدد، ولم يقع في شيء من الطرق المتقدمة تسمية هذا الرجل، لكن روى أبو داود الطيالسي في مسنده والبزار من طريقه عن طالب بن حبيب عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال: "مر حزم بن أبي بن كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي بقومه صلاة العتمة فافتتح بسورة طويلة ومع حزم ناضح له " الحديث. قال البزار: لا
(2/193)

نعلم أحدا سماه عن جابر إلا ابن جابر ا هـ. وقد رواه أبو داود في السنن من وجه آخر عن طالب فجعله عن ابن جابر عن حزم صاحب القصة، وابن جابر لم يدرك حزما. ووقع عنده " صلاة المغرب " وهو نحو ما تقدم من الاختلاف في رواية محارب، ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر فسماه حازما وكأنه صحفه أخرجه ابن شاهين من طريقه، ورواه أحمد والنسائي وأبو يعلى وابن السكن بإسناد صحيح عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: "كان معاذ يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخله " الحديث كذا فيه براء بعدها ألف، وظن بعضهم أنه حرام بن ملحان خال أنس وبذلك جزم الخطيب في المبهمات، لكن لم أره منسوبا في الرواية، ويحتمل أن يكون تصحيفا من حزم فتجتمع هذه الروايات، وإلى ذلك يومئ صنيع ابن عبد البر فإنه ذكر في الصحابة حرام بن أبي بن كعب وذكر له. هذه القصة، وعزا تسميته لرواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس، ولم أقف في رواية عبد العزيز على تسمية أبيه وكأنه بنى على أن اسمه تصحف والأب واحد، سماه جابر ولم يسمه أنس، وجاء في تسميته قول آخر أخرجه أحمد أيضا من رواية معاذ بن رفاعة عن رجل من بني سلمة يقال له سليم أنه " أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، إنا نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسي فنصلي، فيأتي معاذ بن جبل فينادي بالصلاة فنأتيه فيطول علينا " الحديث، وفيه أنه استشهد بأحد، وهذا مرسل لأن معاذ بن رفاعة لم يدركه، وقد رواه الطحاوي والطبراني من هذا الوجه عن معاذ ابن رفاعة أن رجلا من بني سلمة فذكره مرسلا، ورواه البزار من وجه آخر عن جابر وسماه سليما أيضا، لكن وقع عند ابن حزم من هذا الوجه أن اسمه سلم بفتح أوله وسكون اللام وكأنه تصحيف والله أعلم. وجمع بعضهم بين هذا الاختلاف بأنهما واقعتان، وأيد ذلك بالاختلاف في الصلاة هل هي العشاء أو المغرب وبالاختلاف في السورة هل هي البقرة أو اقتربت، وبالاختلاف في عذر الرجل هل هو لأجل التطويل فقط لكونه جاء من العمل وهو تعبان أو لكونه أراد أن يسقي نخله إذ ذاك أو لكونه خاف على الماء في النخل كما في حديث بريدة. واستشكل هذا الجمع لأنه لا يظن بمعاذ أنه صلى الله عليه وسلم يأمره بالتخفيف ثم يعود إلى التطويل، ويجاب عن ذلك باحتمال أن يكون قرأ أولا بالبقرة فلما نهاه قرأ اقتربت وهي طويلة بالنسبة إلى السور التي أمره أن يقرأ بها كما سيأتي، ويحتمل أن يكون النهي أولا وقع لما يخشى من تنفير بعض من يدخل في الإسلام، ثم لما اطمأنت نفوسهم بالإسلام ظن أن المانع زال فقرأ باقتربت لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فصادف صاحب الشغل، وجمع النووي باحتمال أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة فانصرف رجل، ثم قرأ اقتربت في الثانية فانصرف آخر. ووقع في رواية أبي الزبير عند مسلم: "فانطلق رجل منا " وهذا يدل على أنه كان من بني سلمة، ويقوى رواية من سماه سليما، والله أعلم. قوله: "فانصرف الرجل" اللام فيه للعهد الذهني، ويحتمل أن يراد به الجنس، فكأنه قال واحد من الرجال، لأن المعرف تعريف الجنس كالنكرة في مؤداه. ووقع في رواية الإسماعيلي: "فقام رجل فانصرف " وفي رواية سليم بن حيان " فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة " ولابن عيينة عند مسلم: "فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده " وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة، لكن ذكر البيهقي أن محمد بن عباد شيخ مسلم تفرد عن ابن عيينة بقوله: "ثم سلم"، وأن الحفاظ من أصحاب ابن عيينة وكذا من أصحاب شيخه عمرو بن دينار وكذا من أصحاب جابر لم يذكروا السلام، وكأنه فهم أن هذه اللفظة تدل على أن الرجل قطع الصلاة لأن السلام يتحلل به من الصلاة، وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفردا. قال الرافعي في " شرح المسند " في الكلام
(2/194)

على رواية الشافعي عن ابن عيينة في هذا الحديث: "فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده". هذا يحتمل من جهة اللفظ أنه قطع الصلاة وتنحى عن موضع صلاته واستأنفها لنفسه، لكنه غير محمول عليه لأن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه. انتهى. ولهذا استدل به الشافعية على أن للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا. ونازع النووي فيه فقال: لا دلالة فيه لأنه ليس فيه أنه فارقه وبنى على صلاته، بل في الرواية التي فيها أنه سلم دليل على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها، فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر. قوله: "فكأن معاذ ينال منه" وللمستملى " تناول منه " وللكشميهني: "فكأن - بهمزة ونون مشددة - معاذا تناول منه " والأولى تدل على كثرة ذلك منه بخلاف الثانية، ومعنى ينال منه أو تناوله: ذكره بسوء، وقد فسره في رواية سليم بن حيان ولفظه: "فبلغ ذلك معاذا فقال إنه منافق " وكذا لأبي الزبير، ولابن عيينة " فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا، والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه " وكأن معاذا قال ذلك أولا ثم قاله أصحاب معاذ للرجل. قوله: "فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم" بين ابن عيينة في روايته وكذا محارب وأبو الزبير أنه الذي جاء فاشتكى من معاذ. وفي رواية النسائي: "فقال معاذ: لئن أصبحت لأذكرن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فأرسل إليه فقال: ما حملك على الذي صنعت؟ فقال: يا رسول الله عملت على ناضح لي " فذكر الحديث، وكأن معاذل سبقه بالشكوى، فلما أرسل إليه جاء فاشتكى من معاذ. قوله: "فقال فتان" في رواية ابن عيينة " أفتان أنت " زاد محارب " ثلاثا". قوله: "أو قال فاتنا" شك من الراوي، وهو منصوب على أنه خبر كان المقدرة. وفي رواية أبي الزبير " أتريد أن تكون فاتنا " ولأحمد في حديث معاذ بن رفاعة المتقدم " يا معاذ لا تكن فاتنا " وزاد في حديث أنس " لا تطول بهم " ومعنى الفتنة هاهنا أن التطويل يكون سببا لخروجهم من الصلاة وللتكره للصلاة في الجماعة، وروى البيهقي في الشعب بإسناد صحيح عن عمر قال: "لا تبغضوا إلى الله عباده صلى الله عليه وسلم يكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه". وقال الداودي: يحتمل أن يريد بقوله: "فتان " أي معذب لأنه عذبهم بالتطويل، ومنه قول الله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين} قيل معناه عذبوهم. قوله: "وأمره بسورتين من أوسط المفصل، قال عمرو" أي ابن دينار "لا أحفظهما" وكأنه قال ذلك في حال تحديثه لشعبة، وإلا ففي رواية سليم بن حيان عن عمرو " اقرأ والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها". وقال في رواية ابن عيينة عند مسلم: "اقرأ بكذا واقرأ بكذا " قال ابن عيينة: فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال: "اقرأ بالشمس وضحاها والليل إذا يغشى وبسبح اسم ربك الأعلى " فقال عمرو نحو هذا، وجزم بذلك محارب في حديثه عن جابر. وفي رواية الليث عن أبي الزبير عند مسلم مع الثلاثة "اقرأ باسم ربك " زاد ابن جريج عن أبي الزبير " والضحى " أخرجه عبد الرزاق. وفي رواية الحميدي عن ابن عيينة مع الثلاثة الأول " والسماء ذات البروج والسماء والطارق " وفي المراد بالمفصل أقوال ستأتي في فضائل القرآن أصحها أنه من أول ق إلى آخر القرآن. قوله: "أوسط" يحتمل أن يريد به المتوسط والسور التي مثل بها من قصار المتوسط، ويحتمل أن يريد به المعتدل أي المناسب للحال من المفصل، والله أعلم. واستدل بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل، بناء على أن معاذا كان ينوي بالأولى الفرض وبالثانية النفل، ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق والشافعي والطحاوي والدار قطني وغيرهم من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث الباب زاد
(2/195)

"هي له تطوع ولهم فريضة " وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، وقد صرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه، فقول ابن الجوزي إنه لا يصح مردود، وتعليل الطحاوي له بأن ابن عيينة ساقه عن عمرو أتم من سياق ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة ليس بقادح في صحته، لأن ابن جريج أسن وأجل من ابن عيينة وأقدم أخذا عن عمرو منه، ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها. وأما رد الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة فجوابه أن الأصل عدم الإدراج حتى يثبت التفصيل، فمهما كان مضموما إلى الحديث فهو منه ولا سيما إذا روى من وجهين، والأمر هنا كذلك، فإن الشافعي أخرجها من وجه آخر عن جابر متابعا لعمرو بن دينار عنه، وقول الطحاوي هو ظن من جابر مردود لأن جابرا كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه ولا يظن بجابر أنه يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد إلا بأن يكون ذلك الشخص أطلعه عليه. وأما احتجاج أصحابنا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " فليس بجيد، لأن حاصله النهي عن التلبس بصلاة غير التي أقيمت من غير تعرض لنية فرض أو نفل، ولو تعينت نية الفريضة لامتنع على معاذ أن يصلي الثانية بقومه لأنها ليست حينئذ فرضا له، وكذلك قول بعض أصحابنا لا يظن بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في المسجد الذي هو من أفضل المساجد، فإنه وإن كان فيه نوع ترجيح لكن للمخالف أن يقول: إذا كان ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتنع أن يحصل له الفضل بالاتباع، وكذلك قول الخطابي إن العشاء في قوله: "كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء " حقيقة في المفروضة، فلا يقال كان ينوي بها التطوع لأن لمخالفه أن يقول: هذا لا ينافي أن ينوي بها التنفل. وأما قول ابن حزم: إن المخالفين لا يجيزون لمن عليه فرض إذا أقيم أن يصليه متطوعا فكيف ينسبون إلى معاذ ما لا يجوز عندهم؟ فهذا إن كان كما قال نقص قوي، وأسلم الأجوبة التمسك بالزيادة المتقدمة. وأما قول الطحاوي: لا حجة فيها لأنها لم تكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقريره، فجوابه أنهم لا يختلفون في أن رأي الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة، والواقع هنا كذلك، فإن الذين كان يصلي بهم معاذ كلهم صحابة وفيهم ثلاثون عقبيا وأربعون بدريا، قاله ابن حزم، قال: ولا يحفظ عن غيرهم من الصحابة امتناع ذلك، بل قال معهم بالجواز عمر وابن عمر وأبو الدرداء وأنس وغيرهم. وأما قول الطحاوي: لو سلمنا جميع ذلك لم يكن فيه حجة لاحتمال أن ذلك كان في الوقت الذي كانت الفريضة فيه تصلي مرتين، أي فيكون منسوخا، فقد تعقبه ابن دقيق العيد بأنه يتضمن إثبات النسخ بالاحتمال وهو لا يسوغ، وبأنه يلزمه إقامة الدليل على ما ادعاه من إعادة الفريضة ا هـ. وكأنه لم يقف على كتابه فإنه قد ساق فيه دليل ذلك وهو حديث ابن عمر رفعه: "لا تصلوا الصلاة في اليوم مرتين " ومن وجه آخر مرسل " إن أهل العالية كانوا يصلون في بيوتهم ثم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فنهاهم " ففي الاستدلال بذلك على تقدير صحته نظر، لاحتمال أن يكون النهي عن أن يصلوها مرتين على أنها فريضة، وبذلك جزم البيهقي جمعا بين الحديثين، بل لو قال قائل: هذا النهي منسوخ بحديث معاذ، لم يكن بعيدا، ولا يقال القصة قديمة لأن صاحبها استشهد بأحد لأنا نقول: كانت أحد في أواخر الثالثة فلا مانع أن يكون النهي في الأولى والإذن في الثالثة مثلا، وقد قال صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين لم يصليا معه " إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها نافلة " أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد بن الأسود
(2/196)

العامري وصححه ابن خزيمة وغيره، وكان ذلك في حجة الوداع في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على الجواز أيضا أمره صلى الله عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها أن " صلوها في بيوتكم في الوقت ثم اجعلوها معهم نافلة" . وأما استدلال الطحاوي أنه صلى الله عليه وسلم نهي معاذا عن ذلك بقوله في حديث سليم بن الحارث " إما أن تصلي معي وإما أن تخفف بقومك " ودعواه أن معناه إما أن تصلي معي ولا تصل بقومك وإما أن تخفف بقومك ولا تصل معي، ففيه نظر لأن لمخالفه أن يقول: بل التقدير إما أن تصلي معي فقط إذا لم تخفف وإما أن تخفف بقومك فتصلي معي، وهو أولى من تقديره، لما فيه من مقابلة التخفيف بترك التخفيف لأنه هو المسئول عنه المتنازع فيه، وأما تقوية بعضهم بكونه منسوخا بأن صلاة الخوف وقعت مرارا على صفة فيها مخالفة ظاهرة بالأفعال المنافية في حال الأمن، فلو جازت صلاة المفترض خلف المتنفل لصلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم مرتين على وجه لا تقع فيه منافاة، فلما لم يفعل دل ذلك على المنع، فجوابه أنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف مرتين كما أخرجه أبو داود عن أبي بكرة صريحا، ولمسلم عن جابر نحوه، وأما صلاته بهم على نوع من المخالفة فلبيان الجواز. وأما قول بعضهم كان فعل معاذ للضرورة لقلة القراء في ذلك الوقت فهو ضعيف كما قال ابن دقيق العيد، لأن القدر المجزئ من القراءة في الصلاة كان حافظوه كثيرا، وما زاد لا يكون سببا لارتكاب أمر ممنوع منه شرعا في الصلاة. وفي حديث الباب من الفوائد أيضا استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين، وأما من قال لا يكره التطويل إذا علم رضاء المأمومين فيشكل عليه أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة كما في حديث الباب، فعلى هذا يكره التطويل مطلقا إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم. وفيه أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة، وجواز إعادة الواحدة في اليوم الواحد مرتين صلى الله عليه وسلم وجواز خروج المأموم من الصلاة لعذر، وأما بغير عذر فاستدل به بعضهم وتعقب. وقال ابن المنير: لو كان كذلك لم يكن لأمر الأئمة بالتخفيف فائدة، وفيه نظر لأن فائدة الأمر بالتخفيف المحافظة على صلاة الجماعة، ولا ينافي ذلك جواز الصلاة منفردا، وهذا كما استدل بعضهم بالقصة على وجوب صلاة الجماعة وفيه نحو هذا النظر. وفيه جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلي فيه بالجماعة إذا كان بعذر. وفيه الإنكار بلطف لوقوعه بصورة الاستفهام، ويؤخذ منه تعزيز كل أحد بحسبه، والاكتفاء في التعزيز بالقول، والإنكار في المكروهات، وأما تكراره ثلاثا فللتأكيد، وقد تقدم في العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه. وفيه اعتذار من وقع منه خطأ في الظاهر، وجواز الوقوع في حق من وقع في محذور ظاهر وإن كان له عذر باطن للتنفير عن فعل ذلك، وأنه لا لوم على من فعل ذلك متأولا، وأن التخلف عن الجماعة من صفة المنافق.
(2/197)

61 - باب تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي الْقِيَامِ وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
702- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ سَمِعْتُ قَيْسًا قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لاَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فَمَا رَأَيْتُ
ـــــــ
(1) ليس هذا على إطلاقه , بل إنما يجوز ذلك لمسوغ شرعي كمن صلى وحده في جماعة ثم حضر جماعة أخرى شرع له أن يعيد الصلاة معهم لصحة الأحاديث بالأمر بذلك, ومثل ذلك لو كان أماما راتبا للجماعة الثانية كقصة معاذ . والله أعلم
(2/197)

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ"
قوله: "باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود" قال الكرماني: الواو بمعنى مع كأنه قال باب التخفيف بحيث لا يفوقه شيء من الواجبات، فهو تفسير لقوله في الحديث: "فليتجوز " لأنه لا يأمر بالتجوز المؤدي إلى فساد الصلاة، قال ابن المنير وتبعه ابن رشيد وغيره: خص التخفيف في الترجمة بالقيام مع أن لفظ الحديث أعم حيث قال: "فليتجوز " لأن الذي يطول في الغالب إنما هو القيام، وما عداه لا يشق إتمامه على أحد، وكأنه حمل حديث الباب على قصة معاذ، فإن الأمر بالتخفيف فيها مختص بالقراءة. انتهى ملخصا. والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالترجمة إلى بعض ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته، وأما قصة معاذ فمغايرة لحديث الباب لأن قصة معاذ كانت في العشاء وكان الإمام فيها معاذا وكانت في مسجد بني سلمة، وهذه كانت في الصبح وكانت في مسجد قباء، ووهم من فسر الإمام المبهم هنا بمعاذ، بل المراد به أبي بن كعب كما أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن من رواية عيسى بن جارية وهو بالجيم عن جابر قال: "كان أبي بن كعب يصلي بأهل قباء فاستفتح سورة طويلة، فدخل معه غلام من الأنصار في الصلاة، فلما سمعه استفتحها انفتل من صلاته، فغضب أبي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو الغلام، وأتى الغلام يشكو أبيا، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه ثم قال: إن منكم منفرين، فإذا صليتم فأوجزوا، فإن خلفكم الضعيف والكبير والمريض وذا الحاجة " فأبان هذا الحديث أن المراد بقوله في حديث الباب: "مما يطيل بنا فلان " أي في القراءة، واستفيد منه أيضا تسمية الإمام وبأي موضع كان. وفي الطبراني من حديث عدي بن حاتم " من أمنا فليتم الركوع والسجود". وفي قول ابن المنير إن الركوع والسجود لا يشق إتمامهما نظر، فإنه إن أراد أقل ما يطلق عليه اسم تمام فذاك لا بد منه، وإن أراد غاية التمام فقد يشق، فسيأتي حديث البراء قريبا أنه صلى الله عليه وسلم كان قيامه وركوعه وسجوده قريبا من السواء. قوله: "حدثنا زهير" هو ابن معاوية الجعفي، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وأبو مسعود هو الأنصاري البدري، والإسناد كله كوفيون. قوله: "أن رجلا" لم أقف على اسمه، ووهم من زعم أنه حزم بن أبي كعب لأن قصته كانت مع معاذ لا مع أبي بن كعب. قوله: "إني لأتأخر عن صلاة الغداة" أي فلا أحضرها مع الجماعة لأجل التطويل. وفي رواية ابن المبارك في الأحكام " والله إني لأتأخر " بزيادة القسم، وفيه جواز مثل ذلك لأنه لم ينكر عليه، وتقدم في كتاب العلم في " باب الغضب في العلم " بلفظ: "إني لا أكاد أدرك الصلاة " وتقدم توجيهه. ويحتمل أيضا أن يكون المراد أن الذي ألفه من تطويله اقتضى له أن يتشاغل عن المجيء في أول الوقت وثوقا بتطويله، بخلاف ما إذا لم يكن يطول فإنه كان يحتاج إلى المبادرة إليه أول الوقت، وكأنه يعتمد على تطويله فيتشاغل ببعض شغله ثم يتوجه فيصادف أنه تارة يدركه وتارة لا يدركه فلذلك قال: "لا أكاد أدرك مما يطول بنا " أي بسبب تطويله. واستدل به على تسمية الصبح بذلك، ووقع في رواية سفيان الآتية قريبا " عن الصلاة في الفجر " وإنما خصها بالذكر لأنها تطول فيها القراءة غالبا، ولأن الانصراف منها وقت التوجه لمن له حرفة إليها. قوله: "أشد" بالنصب وهو نعت لمصدر محذوف أي غضبا أشد، وسببه إما لمخالفة الموعظة أو للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه، كذا قاله ابن دقيق العيد،
(2/198)

وتعقبه تلميذه أبو الفتح اليعمري بأنه يتوقف على تقدم الإعلام بذلك، قال: ويحتمل أن يكون ما ظهر من الغضب لإرادة الاهتمام بما يلقيه لأصحابه ليكونوا من سماعه على بال لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله. وأقول: هذا أحسن في الباعث على أصل إظهار الغضب، أما كونه أشد فالاحتمال الثاني أوجه ولا يرد عليه التعقب المذكور. قوله: "إن منكم منفرين" فيه تفسير للمراد بالفتنة في قوله في حديث معاذ " أفتان أنت " ويحتمل أن تكون قصة أبي هذه بعد قصة معاذ، فلهذا أتى بصيغة الجمع. وفي قصة معاذ واجهه وحده بالخطاب، وكذا ذكر في هذا الغضب ولم يذكره في قصة معاذ، وبهذا يتوجه الاحتمال الأول لابن دقيق العيد. قوله: "فأيكم ما صلى" ما زائدة، ووقع في رواية سفيان " فمن أم الناس".
قوله: "فليخفف" قال ابن دقيق العيد: التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنسبة لعادة آخرين. قال: وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا قلت: وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له " أنت إمام قومك، وأقدر القوم بأضعفهم " إسناده حسن وأصله في مسلم. قوله: "فإن فيهم" في رواية سفيان " فإن خلفه " وهو تعليل الأمر المذكور، ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصف بصفة من المذكورات لم يضر التطويل، وقد قدمت ما يرد عليه في الباب الذي قبله من إمكان مجيء من يتصف بإحداها. وقال اليعمري: الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة، فينبغي للأئمة التخفيف مطلقا. قال: وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وعلل بالمشقة، وهو مع ذلك يشرع ولو لم يشق عملا بالغالب، لأنه لا يدري ما يطرأ عليه، وهنا كذلك. قوله: "الضعيف والكبير" كذا للأكثر، ووقع في رواية سفيان في العلم " فإن فيهم المريض والضعيف " وكأن المراد بالضعيف هنا المريض وهناك من يكون ضعيفا في خلقته كالنحيف والمسن، وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد قول فيه.
(2/199)

62 - باب إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ
703- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ مِنْهُمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ
قوله: "باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء" يريد أن عموم الأمر بالتخفيف مختص بالأئمة، فأما المنفرد فلا حجر عليه في ذلك. لكن اختلف فيما إذا أطال القراءة حتى خرج الوقت كما سنذكره. قوله: "فإن فيهم" كذا للأكثر، وللكشميهني: "فإن منهم" . قوله: "الضعيف والسقيم" المراد بالضعيف هنا ضعيف الخلقة وبالسقيم من به مرض، زاد مسلم من وجه آخر عن أبي الزناد " والصغير والكبير " وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص " والحامل والمرضع " وله من حديث عدي بن حاتم " والعابر السبيل " وقوله في حديث أبي مسعود الماضي " وذا الحاجة " وهي أشمل الأوصاف المذكورة. قوله: "فليطول ما شاء" ولمسلم: "فليصل كيف شاء " أي مخففا أو مطولا
(2/199)

واستدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت، وهو المصحح عند بعض أصحابنا وفيه نظر، لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة " إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى " أخرجه مسلم، وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة ترك المفسدة أولى، واستدل بعمومه أيضا على جواز تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين.
(2/200)

63 - باب مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ وَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ طَوَّلْتَ بِنَا يَا بُنَيَّ
704- حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود قال قال رجل ثم يا رسول الله إني لأتأخر عن الصلاة في الفجر مما يطيل بنا فلان فيها فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيته غضب في موضع كان أشد غضبا منه يومئذ ثم قال يا أيها الناس إن منكم منفرين فمن أم الناس فليتجوز فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة"
705- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ النِّسَاءِ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ أَوْ أَفَاتِنٌ ثَلاَثَ مِرَارٍ فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ " .. أَحْسِبُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ وَمِسْعَرٌ وَالشَّيْبَانِيُّ
قَالَ عَمْرٌو وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَرَأَ مُعَاذٌ فِي الْعِشَاءِ بِالْبَقَرَةِ وَتَابَعَهُ الأَعْمَشُ عَنْ مُحَارِبٍ قوله: "باب من شكا إمامه إذا طول" فيه حديث أبي مسعود وهو ظاهر في الترجمة، وكذا حديث جابر، والتعليق عن أبي أسيد وهو الأنصاري وصله ابن أبي شيبة من رواية المنذر بن أبي أسيد قال: "كان أبي يصلي خلفي، فربما قال: يا بني طولت بنا اليوم " واستفيد منه تسمية الابن المذكور، وفيه حجة على من كره للرجل أن يؤم أباه كعطاء، ورأيت بخط البدر الزركشي أنه رأى في بعض نسخ البخاري " وكره عطاء أن يؤم الرجل أباه " فإن ثبت ذلك فقد وصل ابن أبي شيبة هذا التعليق، وكأن المنذر كان إماما راتبا في المسجد. "تنبيه": وقع في رواية المستملي: "أبو أسيد " بفتح الهمزة والصواب الضم كما للباقين. قوله في حديث محارب عن جابر "أقبل رجل بناضحين" الناضح بالنون والضاد المعجمة والحاء المهملة ما استعمل من الإبل في سقى النخل والزرع. قوله: "وقد جنح الليل" أي أقبل بظلمته، وهو يؤيد أن الصلاة المذكورة كانت العشاء كما تقدم. قوله: "بسورة البقرة أو النساء" زاد أبو داود الطيالسي عن شعبة شك محارب، وفي هذا رد على من زعم أن الشك فيه من جابر. قوله: "فلولا صليت" أي فهلا صليت. قوله: "فإنه يصلي وراءك" تقدم شرحه في الباب الذي قبله فكان هذا هو الحامل لمن وحد بين
(2/200)

القصتين، لكن في ثبوت هذه الزيادة في هذه القصة نظر، لقوله بعدها "أحسب هذا في الحديث" يعني هذه الجملة الأخيرة " فإنه يصلي الخ"، وقائل ذلك هو شعبة الراوي عن محارب، وقد رواه غير شعبة من أصحاب محارب عنه بدونها، وكذا أصحاب جابر. قوله: "تابعه سعيد بن مسروق" هو والد سفيان الثوري، وروايته هذه وصلها أبو عوانة من طريق أبي الأحوص عنه، ومتابعة مسعر وصلها السراج من رواية أبي نعيم عنه، ومتابعة الشيباني وهو أبو إسحاق وصلها البزار من طريقه كلهم عن محارب، والمراد أنهم تابعوا شعبة عن محارب في أصل الحديث لا في جميع ألفاظه. قوله: "قال عمرو" هو ابن دينار وقد تقدمت روايته قبل ببابين، ورواية عبيد الله بن مقسم وصلها ابن خزيمة من رواية محمد بن عجلان عنه وهي عند أبي داود باختصار، ورواية أبي الزبير وصلها عبد الرزاق عن ابن جريج عنه وهي عند مسلم من طريق الليث عنه لكن لم يعين أن السورة البقرة. قوله: "وتابعه الأعمش عن محارب" أي تابع شعبة، وروايته عند النسائي من طريق محمد بن فضيل عن الأعمش عن محارب وأبي صالح كلاهما عن جابر بطوله وقال فيه: "فيطول بهم معاذ " ولم يعين السورة.
(2/201)

64 - باب الإِيجَازِ فِي الصَّلاَةِ وَإِكْمَالِهَا
706- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوجِزُ الصَّلاَةَ وَيُكْمِلُهَا
قوله: "عبد العزيز" هو ابن صهيب، والإسناد كله بصريون.
والمراد بالإيجاز مع الإكمال الإتيان بأقل ما يمكن من الأركان والأبعاض.
(2/201)

65 - باب مَنْ أَخَفَّ الصَّلاَةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ
707- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنِّي لاَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ تَابَعَهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَبَقِيَّةُ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ
[ الحديث707- طرفه في:868]
708- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاَةً وَلاَ أَتَمَّ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ
(2/201)

66- باب إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا
711- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ قَالاَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ
تقدم الحديث من وجه آخر عن عمرو.
(2/203)

67- باب مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ
712- حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الله بن داود قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت ثم لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه أتاه يؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل قلت إن أبا بكر رجل أسيف إن يقم مقامك يبك فلا يقدر على القراءة قال مروا أبا بكر فليصل فقلت مثله فقال في الثالثة أو الرابعة إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل فصلى وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يهادى بين رجلين كأني أنظر إليه يخط برجليه الأرض فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر فأشار إليه أن صل فتأخر أبو بكر رضي الله عنه وقعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه وأبو بكر يسمع الناس التكبير تابعه محاضر عن الأعمش
قوله: "باب من أسمع الناس تكبير الإمام" تقدم الكلام على حديث عائشة في " باب حد المريض أن يشهد الجماعة " والشاهد فيه قوله: "وأبو بكر يسمع الناس التكبير " وهذه اللفظة مفسرة عند الجمهور للمراد بقوله في الرواية الماضية " وكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر " وقد ذكر البخاري أن
(2/203)

68 - باب الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ
وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ
714- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِلاَلٌ يُؤذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ مَتَى مَا يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعُ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعُ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ قَالَ إِنَّكُنَّ لاَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاَهُ يَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَاعِدًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مُقْتَدُونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قوله: "باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم" قال ابن بطال: هذا موافق لقول مسروق والشعبي إن الصفوف يؤم بعضها بعضا خلافا للجمهور، قلت: وليس المراد أنهم يأتمون بهم في التبليغ فقط كما فهمه بعضهم بل الخلاف معنوي، لأن الشعبي قال فيمن أحرم قبل أن يرفع الصف الذي يليه رءوسهم من الركعة: إنه أدركها ولو كان الإمام رفع قبل ذلك، لأن بعضهم لبعض أئمة. انتهى. فهذا يدل على أنه يرى أنهم يتحملون عن بعضهم بعض ما يتحمله الإمام، وأثر الشعبي الأول وصله عبد الرزاق، والثاني وصله ابن أبي شيبة، ولم يفصح البخاري باختياره في هذه المسألة لأنه بدأ بالترجمة الدالة على أن المراد بقوله: "ويأتم الناس بأبي بكر " أي أنه في مقام المبلغ، ثم ثنى بهذه الرواية التي أطلق فيها اقتداء الناس بأبي بكر، ورشح ظاهرها. بظاهر الحديث المعلق، فيحتمل أن يكون يذهب إلى قول الشعبي ويرى أن قوله في الرواية الأولى " يسمع الناس التكبير " لا ينفي كونهم يأتمون به لأن إسماعه لهم التكبير جزء من أجزاء ما يأتمون به فيه، وليس فيه نفي لغيره. ويؤيد ذلك رواية الإسماعيلي من طريق عبد الله بن داود المذكور ووكيع جميعا عن الأعمش بهذا الإسناد قال فيه: "والناس يأتمون بأبي بكر وأبو بكر يسمعهم" . قوله: "ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم" هذا طرف من حديث أبي سعيد الخدري قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه
(2/204)

تأخرا فقال: تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم " الحديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن من رواية أبي نضرة عنه. قيل: وإنما ذكره البخاري بصيغة التمريض لأن أبا نضرة ليس على شرطه لضعف فيه، وهذا عندي ليس بصواب، لأنه لا يلزم من كونه على غير شرطه أنه لا يصلح عنده للاحتجاج به، بل قد يكون صالحا للاحتجاج به عنده وليس هو على شرط صحيحه الذي هو أعلى شروط الصحة. والحق أن هذه الصيغة لا تختص بالضعيف بل قد تستعمل في الصحيح أيضا. بخلاف صيغة الجزم فإنها لا تستعمل إلا في الصحيح، وظاهره يدل لمذهب الشعبي. وأجاب النووي بأن معنى " وليأتم بكم من بعدكم " أي يقتدي بكم من خلفكم مستدلين على أفعالي بأفعالكم، قال: وفيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه أو صف قدامه يراه متابعا للإمام، وقيل: معناه تعلموا مني أحكام الشريعة وليتعلم منكم التابعون بعدكم وكذلك أتباعهم إلى انقراض الدنيا. قوله: "مروا أبا بكر يصلي" كذا فيه بإثبات الياء، وقد تقدم توجيه ابن مالك له. ووقع في رواية الكشميهني: "أن يصلي". قوله: "متى يقوم" كذا وقع للأكثر في الموضعين بإثبات الواو، ووجهه ابن مالك بأنه شبه متى بإذا فلم تجزم، كما شبه إذا بمتى في قوله: "إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين " فحذف النون. ووقع في رواية الكشميهني: "متى ما يقم " ولا إشكال فيها. قوله: "تخطان الأرض" في رواية الكشميهني: "يخطان في الأرض". وقد تقدمت بقية مباحث الحديث في " باب حد المريض " وقوله في السند " الأعمش عن إبراهيم عن الأسود " كذا للجميع وهو الصواب، وسقط إبراهيم بين الأعمش والأسود من رواية أبي المروزي وهو وهم قاله الجياني.
(2/205)

69 - باب هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ
714- حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك بن أنس عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق ذو اليدين فقال الناس نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول
715- حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين فقيل صليت ركعتين فصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد سجدتين
قوله: "باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس" أورد فيه قصة ذي اليدين في السهو، وسيأتي الكلام عليها في موضعه. قال الزين بن المنير: أراد أن محل الخلاف في هذه المسألة هو ما إذا كان الإمام شاكا، أما إذا كان على يقين من فعل نفسه فلا خلاف أنه لا يرجع إلى أحد. انتهى. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم شك بأخبار ذي اليدين فسألهم إرادة تيقن أحد الأمرين، فلما صدقوا ذا اليدين علم صحة قوله، قال: وهذا الذي أراد البخاري بتبويبه. وقال ابن بطال بعد أن حكى الخلاف في هذه المسألة: حمل الشافعي رجوعه عليه الصلاة والسلام على أنه تذكر فذكر، وفيه نظر، لأنه لو كان كذلك لبينه لهم ليرتفع اللبس، ولو بينه لنقل، ومن ادعى ذلك فليذكره. قلت: قد ذكره أبو داود من طريق الأوزاعي عن الزهري عن سعيد وعبيد الله عن أبي هريرة بهذه القصة قال: "ولم
(2/205)

يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك".
(2/206)

70 - باب إِذَا بَكَى الإِمَامُ فِي الصَّلاَةِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}
حدثنا إسماعيل قال حدثنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم في مرضه مروا أبا بكر يصلي بالناس قالت عائشة قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل فقال مروا أبا بكر فليصل للناس قالت عائشة لحفصة قولي له إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل للناس ففعلت حفصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل للناس قالت حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا
قوله: "باب إذا بكى الإمام في الصلاة" أي هل تفسد أو لا؟ والأثر والخبر اللذان في الباب يدلان على الجواز، وعن الشعبي والنخعي والثوري أن البكاء والأنين يفسد الصلاة. وعن المالكية والحنفية إن كان لذكر النار والخوف لم يفسد، وفي مذهب الشافعي ثلاثة أوجه أصحها إن ظهر منه حرفان أفسد وإلا فلا. ثانيها وحكى عن نصه في الإملاء أنه لا يفسد مطلقا لأنه ليس من جنس الكلام ولا يكاد يبين منه حرف محقق فأشبه الصوت الغفل. ثالثها عن القفال إن كان فمه مطبقا لم يفسد وإلا أفسد إن ظهر منه حرفان، وبه قطع المتولي. والوجه الثاني أقوى دليلا. "فائدة": أطلق جماعة التسوية بين الضحك والبكاء. وقال المتولي: لعل الأظهر في الضحك البطلان مطلقا لما فيه من هتك حرمة الصلاة، وهذا أقوى من حيث المعنى، والله أعلم. قوله: "وقال عبد الله بن شداد" أي ابن الهاد، وهو تابعي كبير له رؤية ولأبيه صحبة. قوله: "سمعت نشيج عمر" النشيج - بفتح النون وكسر المعجمة وآخره جيم - قال ابن فارس: نشج الباكي ينشج نشيجا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب. وقال الهروي: النشيج صوت معه ترجيع كما يردد الصبي بكاءه في صدره. وفي " المحكم ": هو أشد البكاء. وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعد سمع عبد الله بن شداد بهذا وزاد: "في صلاة الصبح". وأخرجه ابن المنذر من طريق عبيد بن عمير عن عمر نحوه، وقد تقدم الكلام على حديث أبي بكر وقوله فيه: "من البكاء " أي لأجل البكاء. وفي الباب حديث عبد الله بن الشخير " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء " رواه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل وإسناده قوى، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ووهم من زعم أن مسلما أخرجه. والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم القدر إذا غلت. والأزيز بفتح الهمزة بعدها زاي ثم تحتانية ساكنة ثم زاي أيضا وهو صوت القدر إذا غلت، وفي لفظ: "كأزيز الرحى" .
(2/206)

71 - باب تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ عِنْدَ الإِقَامَةِ وَبَعْدَهَا
717- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمَ
(2/206)

باب إفبال الإمام على الناس عن تسوية الصفوف
...
72 - باب إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ
719- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي"
قوله: "باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف" أورد فيه حديث أنس الذي في الباب قبله، وقد تقدم الكلام عليه فيه. قوله: "حدثنا معاوية بن عمرو" هو من قدماء شيوخ البخاري، وروى له هنا بواسطة، فكأنه لم يسمعه منه وإنما نزل فيه لما وقع في الإسناد من تصريح حميد بتحديث أنس له فأمن بذلك تدليسه. قوله: "وتراصوا" بتشديد الصاد المهملة أي تلاصقوا بغير خلل، ويحتمل أن يكون تأكيدا لقوله أقيموا، والمراد بأقيموا سووا كما وقع في رواية معمر عن حميد عند الإسماعيلي بدل أقيموا واعتدلوا، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة، وقد تقدم في باب مفرد، وفيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة.
(2/208)

73 - باب الصَّفِّ الأَوَّلِ
720- حدثنا أبو عاصم عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم " الشهداء الغرق والمطعون والمبطون والهدم "
721- وقال "ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ولو يعلمون ما في الصف المقدم لاستهموا "
قوله: "باب الصف الأول" والمراد به ما يلي الإمام مطلقا، وقيل أول صف تام يلي الإمام، لا ما تخلله شيء كمقصورة. وقيل المراد به من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف قاله ابن عبد البر واحتج بالاتفاق على أن من جاء أول الوقت ولم يدخل في الصف الأول فهو أفضل ممن جاء في آخره وزاحم إليه، ولا حجة له في ذلك كما لا يخفى. قال النووي: القول الأول هو الصحيح المختار وبه صرح المحققون، والقولان الآخران غلط صريح. انتهى. وكأن صاحب القول الثاني لحظ أن المطلق ينصرف إلى الكامل، وما فيه خلل فهو ناقص، وصاحب القول الثالث لحظ المعنى في تفضيل الصف الأول دون مراعاة لفظه، وإلى الأول أشار البخاري لأنه ترجم بالصف الأول وحديث الباب فيه الصف المقدم وهو الذي لا يتقدمه إلا الإمام، قال العلماء: في الحض على الصف الأول المسارعة إلى خلاص الذمة، والسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام، واستماع قراءته والتعلم منه، والفتح عليه، والتبليغ عنه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من رؤية من يكون قدامه، وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين.
(2/208)

3 - باب إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ
722- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ
(2/208)

75 - باب إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ عَنْ بُشَيْرِ
(2/209)

ابْنِ يَسَارٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلاَّ أَنَّكُمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ"
وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ قَدِمَ عَلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ بِهَذَا
قوله: "باب إثم من لم يتم الصفوف" قال ابن رشيد: أورد فيه حديث أنس " ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف " وتعقب بأن الإنكار قد يقع على ترك السنة فلا يدل ذلك على حصول الإثم، وأجيب بأنه لعله حمل الأمر في قوله تعالى:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره" على أن المراد بالأمر الشأن والحال لا مجرد الصيغة، فيلزم منه أن من خالف شيئا من الحال التي كان عليها صلى الله عليه وسلم أن يأثم لما يدل عليه الوعيد المذكور في الآية، وإنكار أنس ظاهر في أنهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامة الصفوف، فعلى هذا تستلزم المخالفة التأثيم. انتهى كلام ابن رشيد ملخصا. وهو ضعيف لأنه يفضي إلى أن لا يبقى شيء مسنون، لأن التأثيم إنما يحصل عن ترك واجب. وأما قول ابن بطال: إن تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلها المدح عليها دل على أن تاركها يستحق الذم، فهو متعقب من جهة أنه لا يلزم من ذم تارك السنة أن يكون آثما. سلمنا، لكن يرد عليه التعقب الذي قبله. ويحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله: "سووا صفوفكم " ومن عموم قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي " ومن ورود الوعيد على تركه، فرجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن، ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنسا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة. وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف، وبما صح عن سويد بن غفلة قال: "كان بلال يسوي مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة " فقال: ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب وفيه نظر، لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة. قوله: "بشير" هو بالمعجمة مصغر. قوله: "ما أنكرت منذ يوم عهدت" في رواية المستملي والكشميهني: "ما أنكرت منا منذ عهدت" قوله: "وقال عقبة بن عبيد" هو أبو الرحال بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة وهو أخو سعيد بن عبيد راوي الإسناد الذي قبله، وليس لعقبة في البخاري إلا هذا الموضع المعلق، وأراد به بيان سماع بشير بن يسار له من أنس، وقد وصله أحمد في مسنده عن يحيى القطان عن عقبة بن عبيد الطائي " حدثني بشير بن يسار قال: جاء أنس إلى المدينة فقلنا ما أنكرت منا من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أنكرت منكم شيئا غير أنكم لا تقيمون الصفوف". "تنبيه": هذه القدمة لأنس غير القدمة التي تقدم ذكرها في " باب وقت العصر"، فإن ظاهر الحديث فيها أنه أنكر تأخير الظهر إلى أول وقت العصر كما مضى، وهذا الإنكار أيضا غير الإنكار الذي تقدم ذكره في " باب تضييع الصلاة عن وقتها " حيث قال: "لا أعرف شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا الصلاة وقد ضيعت " فإن ذاك كان بالشام وهذا بالمدينة، وهذا يدل على أن أهل المدينة كانوا في ذلك الزمان أمثل من غيرهم في التمسك بالسنن.
(2/210)

إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصلاة
...
76 - باب إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ
725- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ"
قوله: "باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف" المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله، وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله ". قوله: "وقال النعمان بن بشير" هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة من رواية أبي القاسم الجدلي واسمه حسين بن الحارث قال: "النعمان بن بشير يقول: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم ثلاثا، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم . قال: فلقد رأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه " واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرجل - وهو عند ملتقى الساق والقدم - وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه، خلافا لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم، وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم وأثبته بعضهم في مسألة الحج لا الوضوء، وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم. قوله: "عن أنس" رواه سعيد بن منصور عن هشيم فصرح فيه بتحديث أنس لحميد وفيه الزيادة التي في آخره وهي قوله: "وكان أحدنا الخ " وصرح بأنها من قول أنس. وأخرجه الإسماعيلي من رواية معمر عن حميد بلفظ: "قال أنس: فلقد رأيت أحدنا الخ " وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته، وزاد معمر في روايته: "ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شموس".
(2/211)

باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وخلفه إلى يمينه تمت صلاته
...
77 - باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صَلاَتُهُ
726- حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا داود عن عمرو بن دينار عن كريب مولى بن عباس عن بن عباس رضي الله عنهما قال ثم صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقمت عن يساره فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه فصلى ورقد فجاءه المؤذن فقام وصلى ولم يتوضأ "
قوله: "باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه تمت صلاته" تقدم أكثر لفظ هذه الترجمة قبل بنحو من عشرين بابا لكن ليس هناك لفظ: "خلفه " وقال هناك " لم تفسد صلاتهما " بدل قوله: "تمت صلاته " وأخرج هناك حديث ابن عباس هذا لكن من وجه آخر، ولم ينبه أحد من الشراح على حكمة هذه الإعادة، بل أسقط بعضهم الكلام على هذا الباب. والذي يظهر لي أن حكمهما مختلف لاختلاف الجوابين، فقوله: "لم تفسد
(2/211)

صلاتهما " أي بالعمل الواقع منهما لكونه خفيفا وهو من مصلحة الصلاة أيضا، وقوله: "تمت صلاته " أي المأموم ولا يضر وقوفه عن يسار الإمام أولا مع كونه في غير موقفه، ولأنه معذور بعدم العلم بذلك الحكم. ويحتمل أن يكون الضمير للإمام وتوجيهه أن الإمام وحده في مقام الصف، ومحاولته لتحويل المأموم فيه التفات ببعض بدنه ولكن ليس تركا لإقامة الصف للمصلحة المذكورة، فصلاته على هذا لا نقص فيها من هذه الجهة والله أعلم. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون الضمير للرجل لأن الفاعل وإن تأخر لفظا لكنه متقدم رتبة فلكل منها قرب من وجه. قلت: لكن إذا عاد الضمير للإمام أفاد أنه احترز أن يحوله من بين يديه لئلا يصير كالمار بين يديه.
(2/212)

78 - باب الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا تَكُونُ صَفًّا
727- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا
" قوله: "باب المرأة وحدها تكون صفا" أي في حكم الصف، وبهذا يندفع اعتراض الإسماعيلي حيث قال: الشخص الواحد لا يسمى صفا، وأقل ما يقوم الصف باثنين. ثم إن هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه ابن عبد البر من حديث عائشة مرفوعا: "والمرأة وحدها صف". قوله: "حدثنا عبد الله بن محمد" هو الجعفي، وإن كان عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قد روى هذا الحديث أيضا عن سفيان وهو ابن عيينة. قوله: "عن إسحاق عن أنس" في رواية الحميدي عند أبي نعيم وعلي بن المديني عند الإسماعيلي كلاهما عن سفيان " حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك". قوله: "صليت أنا ويتيم" كذا للجميع، وكذا وقع في خبر يحيى بن يحيى المشهور من روايته عن ابن عيينة. ووقع عند ابن فتحون فيما رواه عن ابن السكن بسنده في الخبر المذكور " صليت أنا وسليم " بسين مهملة ولام مصغرا فتصحفت على الراوي من لفظ: "يتيم " ومشى على ذلك ابن فتحون فقال في ذيله على الاستيعاب: سليم غير منسوب وساق هذا الحديث. ثم إن هذا طرف من حديث اختصره سفيان وطوله مالك كما تقدم في " باب الصلاة على الحصير " واستدل بقوله: "فصففت أنا واليتيم وراءه " على أن السنة في موقف الاثنين أن يصفا خلف الإمام، خلافا لمن قال من الكوفيين أن أحدهما يقف عن يمينه والآخر عن يساره، وحجتهم في ذلك حديث ابن مسعود الذي أخرجه أبو داود وغيره عنه أنه أقام علقمة عن يمينه والأسود عن شماله، وأجاب عنه ابن سيربن بأن ذلك كان لضيق المكان، رواه الطحاوي. قوله: "وأمي أم سليم خلفنا" فيه أن المرأة لا تصف مع الرجال، وأصله ما يخشى من الافتتان بها فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور، وعن الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة، وهو عجيب وفي توجيهه تعسف حيث قال قائلهم: دليله قول ابن مسعود " أخروهن من حيث أخرهن الله " والأمر للوجوب، وحيث ظرف مكان ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها، وحكاية هذا تغني عن تكلف جوابه، والله المستعان. فقد ثبت النهي عن الصلاة في الثوب المغصوب وأمر لابسه أن ينزعه، فلو خالف فصلى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته، فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك؟ وأوضح منه لو كان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها شخص بغير إذنه مع اقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته وأثم، وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته ولا سيما إن
(2/212)

جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه. وقال ابن رشيد: الأقرب أن البخاري قصد أن يبين أن هذا مستثنى من عموم الحديث الذي فيه: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف " يعني أنه مختص بالرجال، والحديث المذكور أخرجه ابن حبان من حديث علي بن شيبان، وفي صحته نظر كما سنذكره في " باب إذا ركع دون الصف " واستدل به ابن بطال على صحة صلاة المنفرد خلف الصف خلافا لأحمد، قال: لأنه لما ثبت ذلك للمرأة كان للرجل أولى، لكن لمخالفه أن يقول: إنما ساغ ذلك لامتناع أن تصف مع الرجال، بخلاف الرجل فإن له أن يصف معهم وأن يزاحمهم وأن يجذب رجلا من حاشية الصف فيقوم معه فافترقا. وباقي مباحثه تقدمت في " باب الصلاة على الحصير".
(2/213)

79 - باب مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ وَالإِمَامِ
828- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قُمْتُ لَيْلَةً أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي أَوْ بِعَضُدِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِي "
قوله: "باب ميمنة المسجد والإمام" أورد فيه حديث ابن عباس مختصرا، وهو موافق للترجمة: أما للإمام فبالمطابقة، وأما للمسجد فباللزوم. وقد تعقب من وجه آخر، وهو أن الحديث إنما ورد فيما إذا كان المأموم واحدا، أما إذا كثروا فلا دليل فيه على فضيلة ميمنة المسجد. وكأنه أشار إلى ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن البراء قال: "كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه" ، ولأبي داود بإسناد حسن عن عائشة مرفوعا: "أن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف". وأما ما رواه ابن ماجه عن ابن عمر قال: "قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن ميسرة المسجد تعطلت، فقال: من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر " ففي إسناده مقال. وإن ثبت فلا يعارض الأول لأن ما ورد لمعنى عارض يزول بزواله. قوله: "حدثنا موسى" هو ابن إسماعيل التبوذكي، وعاصم هو ابن سليمان. قوله: "وقال بيده" أي تناول، ويدل عليه رواية الإسماعيلي: "فأخذ بيدي". قوله: "من ورائي" في رواية الكشميهني: "من ورائه " وهو أوجه.
(2/213)

80 - باب إِذَا كَانَ بَيْنَ الإِمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ وَقَالَ الْحَسَنُ لاَ بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ
وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ
729- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ فَقَامَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ فَقَامَ مَعَهُ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ صَنَعُوا ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَخْرُجْ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ فَقَالَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ
ـــــــ
(1) في جواز الجذب المذكور نظر , لأن الحديث الوارد فيه ضعيف , ولأن الجذب يفضى إلى إيجاد فرجة في الصف والمشروع سد الخلل , فالأولى ترك الجذب وأن يلتمس موضعا في الصف أو يقف عن يمين الامام . والله أعلم
(2/213)

81 - باب صَلاَةِ اللَّيْلِ
730- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْلِ فَثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ فَصَلَّوْا وَرَاءَهُ"
731- حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْرَةً قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ
(2/214)

قَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مُوسَى سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ عَنْ بُسْرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[الحديث 731- طرفاه في: 7290,6113]
قوله: "باب صلاة الليل" كذا وقع في رواية المستملي وحده، ولم يعرج عليه أكثر الشراح ولا ذكره الإسماعيلي، وهو السياق لأن التراجم متعلقة بأبواب الصفوف وإقامتها، ولما كانت الصلاة بالحائل قد يتخيل أنها مانعة من إقامة الصف. ترجم لها وأوردها ما عنده فيها، فأما صلاة الليل بخصوصها فلها كتاب مفرد سيأتي في أواخر الصلاة، وكأن النسخة وقع فيها تكرير لفظ: "صلاة الليل " وهي الجملة التي في آخر الحديث الذي قبله فظن الراوي أنها ترجمة مستقلة فصدرها بلفظ: "باب " وقد تكلف ابن رشيد توجيهها بما حاصله: إن من صلى بالليل مأموما في الظلمة كانت فيه مشابهة بمن صلى وراء حائل. وأبعد منه من قال: يريد أن من صلى بالليل مأموما في الظلمة كان كمن صلى وراء حائط. ثم ظهر لي احتمال أن يكون المراد صلاة الليل جماعة فحذف لفظ جماعة. والذي يأتي في أبواب التهجد إنما هو حكم صلاة الليل وكيفيتها في عدد الركعات أو في المسجد أو البيت وهو ذلك. قوله: "عن المقبري" هو سعيد، والإسناد كله مدنيون. قوله: "ويحتجزه" كذا للأكثر بالراء أي يتخذه مثل الحجرة. وفي رواية الكشميهني بالزاي بدل الراء أي يجعله حاجزا بينه وبين غيره. قوله: "فثاب" كذا للأكثر بمثلثة ثم موحدة أي اجتمعوا، ووقع عند الخطابي " آبوا " أي رجعوا. وفي رواية الكشمهيني والسرخسي " فثار " بالمثلثة والراء أي قاموا. قوله: "فصلوا وراءه" كذا أورده مختصرا، وغرضه بيان أن الحجرة المذكورة في الرواية التي قبل هذه كانت حصيرا. وقد ساقه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي ذئب تاما، وسنذكر الكلام على فوائده في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى. قوله: "عن سالم أبي النضر" كذا لأكثر الرواة عن موسى بن عقبة، وخالفهم ابن جريج عن موسى فلم يذكر أبا النضر في الإسناد أخرجه النسائي، ورواية الجماعة أولى. وقد وافقهم مالك في الإسناد لكن لم يرفعه في الموطأ، وروى عنه خارج الموطأ مرفوعا، وفيه ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق أولهم موسى المذكور. قوله: "حجرة" كذا للأكثر بالراء، وللكشميهني أيضا بالزاي. قوله: "من صنيعكم" كذا للأكثر وللكشميهني بضم الصاد وسكون النون، وليس المراد به صلاتهم فقط، بل كونهم رفعوا أصواتهم وسبحوا به ليخرج إليهم، وحصب بعضهم الباب لظنهم أنه نائم كما ذكر المؤلف ذلك في الأدب وفي الاعتصام، وزاد فيه: "حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به " وقد استشكل الخطابي هذه الخشية كما سنوضحه في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى. قوله: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" ظاهره أنه يشمل جميع النوافل، لأن المراد بالمكتوبة المفروضة، لكنه محمول على ما لا يشرع فيه التجميع، وكذا ما لا يخص المسجد كركعتي التحية، كذا قال بعض أئمتنا. ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة ما يشرع في البيت وفي المسجد معا فلا تدخل تحية المسجد لأنها لا تشرع في البيت، وأن يكون المراد بالمكتوبة ما تشرع فيه الجماعة، وهل يدخل ما وجب بعارض كالمنذورة؟ فيه نظر، والمراد بالمكتوبة الصلوات الخمس لا ما وجب بعارض كالمنذورة، والمراد بالمرء جنس الرجال فلا يرد استثناء النساء لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوهن المساجد وبيوتهن خير لهن " أخرجه مسلم؛ قال النووي: إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وليتبرك البيت بذلك فتنزل فيه الرحمة
(2/215)

وينفر منه الشيطان، وعلى هذا يمكن أن يخرج بقوله: "في بيته " بيت غيره ولو أمن فيه من الرياء. قوله: "قال عفان" كذا في رواية كريمة وحدها، ولم يذكره الإسماعيلي ولا أبو نعيم، وذكر خلف في الأطراف في رواية حماد بن شاكر " حدثنا عفان " وفيه نظر لأنه أخرجه في كتاب الاعتصام بواسطة بينه وبين عفان. ثم فائدة هذه الطريق بيان سماع موسى بن عقبة له من أبي النضر. والله أعلم. "خاتمة": اشتملت أبواب الجماعة والإمامة من الأحاديث المرفوعة على مائة واثنين وعشرين حديثا، الموصول منها ستة وتسعون، والمعلق ستة وعشرون، المكرر منها فيه وفيما مضى تسعون حديثا، الخالص اثنان وثلاثون، وافقه مسلم على تخريجها سوى تسعة أحاديث وهي: حديث أبي سعيد في فضل الجماعة، وحديث أبي الدرداء " ما أعرف شيئا"، وحديث أنس " كان رجل من الأنصار ضخما"، وحديث مالك بن الحويرث في صفة الصلاة، وحديث ابن عمر " لما قدم المهاجرون". وحديث أبي هريرة " يصلون فإن أصابوا"، وحديث النعمان المعلق في الصفوف، وحديث أنس " كان أحدنا يلزق منكبه"، وحديثه في إنكاره إقامة الصفوف. وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين سبعة عشر أثرا كلها معلقة إلا أثر ابن عمر أنه " كان يأكل قبل أن يصلي"، وأثر عثمان " الصلاة أحسن ما يعمل الناس " فإنهما موصولان والله سبحانه وتعالى أعلم.

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:32 AM
82 - باب إِيجَابِ التَّكْبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلاَةِ
732- حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك الأنصاري ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فجحش شقه الأيمن قال أنس رضي الله عنه فصلى لنا يومئذ صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودا قال لما سلم: إنما جعل الإمام,ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد"
733- حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا ليث عن بن شهاب عن أنس بن مالك أنه قال خر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش فصلى لنا قاعدا فصلينا معه قعودا ثم انصرف فقال ثم إنما الإمام أو إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا"
734- حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون"
(أبواب صفة الصلاة) . قوله: "باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة" قيل: أطلق الإيجاب والمراد الوجوب تجوزا، لأن الإيجاب خطاب الشارع، والوجوب ما يتعلق بالمكلف وهو المراد هنا. ثم الظاهر أن الواو عاطفة
(2/216)

إما على المضاف وهو إيجاب وإما على المضاف إليه وهو التكبير، والأول أولى إن كان المراد بالافتتاح الدعاء لكنه لا يجب، والذي يظهر من سياقه أن الواو بمعنى مع، وأن المراد بالافتتاح الشروع في الصلاة.
وأبعد من قال إنها بمعنى الموحدة أو اللام، وكأنه أشار إلى حديث عائشة " كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح بالتكبير " وسيأتي بعد بابين حديث ابن عمر " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة " واستدل به وبحديث عائشة على تعين لفظ التكبير دون غيره من ألفاظ التعظيم، وهو قول الجمهور، ووافقهم أبو يوسف. وعن الحنفية تنعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم. ومن حجة الجمهور حديث رفاعة في قصة المسيء صلاته أخرجه أبو داود بلفظ: "لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ثم يكبر " ورواه الطبراني بلفظ: "ثم يقول الله أكبر " وحديث أبي حميد " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه ثم قال: الله أكبر " أخرجه ابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وهذا فيه بيان المراد بالتكبير وهو قول " الله أكبر". وروى البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم عن علي " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر " ولأحمد والنسائي من طريق واسع بن حبان أنه سأل ابن عمر عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "الله أكبر كلما وضع ورفع " ثم أورد المصنف حديث أنس " إنما جعل الإمام ليؤتم به " من وجهين ثم حديث أبي هريرة في ذلك، واعترضه الإسماعيلي فقال: ليس في الطريق الأول ذكر التكبير ولا في الثاني والثالث بيان إيجاب التكبير وإنما فيه الأمر بتأخير المأموم عن الإمام قال: ولو كان ذلك إيجابا للتكبير لكان قوله: "فقولوا ربنا ولك الحمد " إيجابا لذلك على المأموم. وأجيب عن الأول بأن مراد المصنف أن يبين أن حديث أنس من الطريقين واحد اختصره شعيب وأتمه الليث، وإنما احتاج إلى ذكر الطريق المختصرة لتصريح الزهري فيها بإخبار أنس له، وعن الثاني بأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وفعله بيان لمجمل الصلاة، وبيان الواجب واجب، كذا وجهه ابن رشيد، وتعقب بالاعتراض الثالث وليس بوارد على البخاري لاحتمال أن يكون قائلا بوجوبه كما قال به شيخه إسحاق بن راهويه. وقيل في الجواب أيضا، إذا ثبت إيجاب التكبير في حالة من الأحوال طابق الترجمة، ووجوبه على المأموم ظاهر من الحديث، وأما الإمام فمسكوت عنه. ويمكن أن يقال: في السياق إشارة إلى الإيجاب لتعبيره بإذا التي تختص بما يجزم بوقوعه. وقال الكرماني: الحديث دال على الجزء الثاني من الترجمة لأن لفظ: "إذا صلى قائما " متناول لكون الافتتاح في حال القيام فكأنه قال: إذا افتتح الإمام الصلاة قائما فافتتحوا أنتم أيضا قياما. قال: ويحتمل أن تكون الواو بمعنى مع والمعنى باب إيجاب التكبير عند افتتاح الصلاة، فحينئذ دلالته على الترجمة مشكل. انتهى. ومحصل كلامه أنه لم يظهر له توجيه إيجاب التكبير من هذا الحديث، والله أعلم. وقال في قوله: "فقولوا ربنا ولك الحمد " لولا الدليل الخارجي وهو الإجماع على عدم وجوبه لكان هو أيضا واجبا. انتهى. وقد قال بوجوبه جماعة من السلف منهم الحميدي شيخ البخاري، وكأنه لم يطلع على ذلك. وقد تقدم الكلام على فوائد المتن المذكور مستوفى في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به". ووقع في رواية المستملي وحده في طريق شعيب عن الزهري " وإذا سجد فاسجدوا". ووقع في رواية الكشميهني في طريق الليث " ثم انصرف " بدل قوله: "فلما انصرف " وزيادة الواو في قوله: "ربنا لك الحمد " وسقط لفظ: "جعل " عند السرخسي في حديث أبي هريرة من قوله: "إنما جعل الإمام ليؤتم به". "فائدة": تكبيرة الإحرام ركن عند الجمهور، وقيل شرط وهو عند الحنفية، ووجه عند الشافعية، وقيل سنة. قال ابن المنذر: لم يقل به أحد غير
(2/217)

الزهري، ونقله غيره عن سعيد بن المسيب والأوزاعي ومالك ولم يثبت عن أحد منهم تصريحا، وإنما قالوا فيمن أدرك الإمام راكعا تجزئه تكبيرة الركوع. نعم نقله الكرخي من الحنفية عن إبراهيم بن علية وأبي بكر الأصم، ومخالفتهما للجمهور كثيرة. "تنبيه": لم يختلف في إيجاب النية في الصلاة، وقد أشار إليه المصنف في أواخر الإيمان حيث قال: "باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنية " فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة إلى آخر كلامه.
(2/218)

83 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُولَى مَعَ الِافْتِتَاحِ سَوَاءً
735- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَكَانَ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ"
[الحديث 735 أطرافه في:739,738,726]
قوله: "باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء" هو ظاهر قوله في حديث الباب: "يرفع يديه إذا افتتح الصلاة " وفي رواية شعيب الآتية بعد باب " يرفع يديه حين يكبر " فهذا دليل المقارنة. وقد ورد تقديم الرفع على التكبير وعكسه أخرجهما مسلم، ففي حديث الباب عنده من رواية ابن جريج وغيره عن ابن شهاب بلفظ: "رفع يديه ثم كبر " وفي حديث مالك بن الحويرث عنده " كبر ثم رفع يديه " وفي المقارنة وتقديم الرفع على التكبير خلاف بين العلماء، والمرجح عند أصحابنا المقارنة، ولم أر من قال بتقديم التكبير على الرفع، ويرجح الأول حديث وائل بن حجر عند أبي داود بلفظ: "رفع يديه مع التكبير " وقضية المعية أنه ينتهي بانتهائه، وهو الذي صححه النووي في شرح المهذب ونقله عن نص الشافعي، وهو المرجح عند المالكية. وصحح في الروضة - تبعا لأصلها - أنه لا حد لانتهائه. وقال صاحب الهداية من الحنفية: الأصح يرفع ثم يكبر، لأن الرفع نفي صفة الكبرياء عن غير الله، والتكبير إثبات ذلك له، والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة. وهذا مبني على أن الحكمة في الرفع ما ذكر. وقد قال فريق من العلماء: الحكمة في اقترانهما أن يراه الأصم ويسمعه الأعمى. وقد ذكرت في ذلك مناسبات أخر فقيل: معناه الإشارة إلى طرح الدنيا والإقبال بكليته على العبادة، وقيل إلى الاستسلام والانقياد ليناسب فعله قوله الله أكبر. وقيل إلى استعظام ما دخل فيه، وقيل إشارة إلى تمام القيام، وقيل إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود، وقيل ليستقبل بجميع بدنه، قال القرطبي: هذا أنسبها. وتعقب. وقال الربيع قلت للشافعي: ما معنى رفع اليدين؟ قال: تعظيم الله واتباع سنة نبيه. ونقل ابن عبد البر عن ابن عمر أنه قال: رفع اليدين من زينة الصلاة. وعن عقبة بن عامر قال: "بكل رفع عشر حسنات، بكل إصبع حسنة" . قوله: "حدثنا عبد الله بن مسلمة" هو القعنبي، وفي روايته هذه عن مالك خلاف ما في روايته عنه في الموطأ، وقد أخرجه الإسماعيلي من روايته بلفظ الموطأ قال الدار قطني: رواه الشافعي والقعنبي، وسرد جماعة من رواة الموطأ فلم يذكروا فيه الرفع عند الركوع. قال: وحدث به عن مالك في غير الموطأ ابن المبارك وابن مهدي والقطان وغيرهم بإثباته. وقال ابن عبد البر كل من رواه عن ابن شهاب أثبته غير مالك في الموطأ خاصة، قال النووي في شرح مسلم: أجمعت الأمة على استحباب
(2/218)

رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ثم قال بعد أسطر: أجمعوا على أنه لا يجب شيء من الرفع، إلا أنه حكى وجوبه عند تكبيرة الإحرام عن داود، وبه قال أحمد بن سيار من أصحابنا ا هـ. واعترض عليه بأنه تناقض، وليس كما قال المعترض، فلعله أراد إجماع من قبل المذكورين أو لم يثبت عنده عنهما أو لأن الاستحباب لا ينافي الوجوب، وبالاعتذار الأول يندفع اعتراض من أورد عليه أن مالكا قال في روايته عنه إنه لا يستحب، نقله صاحب التبصرة منهم، وحكاه الباجي عن كثير من متقدميهم. وأسلم العبارات قول ابن المنذر: لم يختلفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة . وقول ابن عبد البر: أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة. وممن قال بالوجوب أيضا الأوزاعي والحميدي شيخ البخاري وابن خزيمة من أصحابنا نقله عنه الحاكم في ترجمة محمد بن علي العلوي، وحكاه القاضي حسين على الإمام أحمد. وقال ابن عبد البر: كل من نقل عنه الإيجاب لا يبطل الصلاة بتركه إلا في رواية عن الأوزاعي والحميدي. قلت: ونقل بعض الحنفية عن أبي حنيفة يأثم تاركه، وأما قول النووي في شرح المهذب أجمعوا على استحبابه ونقله ابن المنذر ونقل العبدري عن الزيدية أنه لا يرفع ولا يعتد بخلافهم، ونقل القفال عن أحمد بن سيار أنه أوجبه، وإذا لم يرفع لم تصح صلاته، وهو مردود بإجماع من قبله، وفي نقل الإجماع نظر فقد نقل القول بالوجوب عن بعض من تقدمه ونقله القفال في فتاويه عن أحمد بن سيار الذي مضى ونقله القرطبي في أوائل تفسيره عن بعض المالكية وهو مقتضى قول ابن خزيمة إنه ركن، واحتج ابن حزم بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي " وسيأتي ما يرد عليه في ذلك في الباب الذي يليه، ويأتي الكلام على نهاية الرفع بعد بباب.
(2/219)

84 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ
736- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَيَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ
737- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ هَكَذَا "
قوله: "باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع" قد صنف البخاري في هذه المسألة جزءا منفردا، وحكى فيه عن الحسن وحميد بن هلال أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال البخاري: ولم يستثن الحسن أحدا. وقال ابن عبد البر: كل من روى عنه ترك الرفع في الركوع والرفع منه روى عنه فعله إلا ابن مسعود. وقال محمد بن نصر المروزي:
(2/219)

أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة. وقال ابن عبد البر: لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم. والذي نأخذ به الرفع على حديث ابن عمر، وهو الذي رواه ابن وهب وغيره عن مالك، ولم يحك الترمذي عن مالك غيره، ونقل الخطابي وتبعه القرطبي في المفهم أنه آخر قولي مالك وأصحهما، ولم أر للمالكية دليلا على تركه ولا متمسكا إلا بقول ابن القاسم. وأما الحنفية فعولوا على رواية مجاهد أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك. وأجيبوا بالطعن في إسناده لأن أبا بكر بن عياش راويه ساء حفظه بآخره، وعلى تقدير صحته فقد أثبت ذلك سالم ونافع وغيرهما عنه، وستأتي رواية نافع بعد بابين، والعدد الكثير أولى من واحد، لاسيما وهم مثبتون وهو ناف، مع أن الجمع بين الروايتين ممكن وهو أنه لم يكن يراه واجبا ففعله تارة وتركه أخرى. ومما يدل على ضعفه ما رواه البخاري في " جزء رفع اليدين " عن مالك أن ابن عمر كان إذا رأى رجلا لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصا، واحتجوا بحديث ابن مسعود " أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الافتتاح ثم لا يعود " أخرجه أبو داود، ورده الشافعي بأنه لم يثبت، قال: ولو ثبت لكان المثبت مقدما على النافي، وقد صححه بعض أهل الحديث، لكنه استدل به على عدم الوجوب، والطحاوي إنما نصب الخلاف مع من يقول بوجوبه كالأوزاعي وبعض أهل الظاهر، ونقل البخاري عقب حديث ابن عمر في هذا الباب عن شيخه علي بن المديني قال: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع والرفع منه لحديث ابن عمر هذا، وهذا في رواية ابن عساكر. وقد ذكره البخاري في " جزء رفع اليدين " وزاد: وكان علي أعلم أهل زمانه. ومقابل هذا قول بعض الحنفية أنه يبطل الصلاة. ونسب بعض متأخري المغاربة فاعله إلى البدعة، ولهذا مال بعض محققيهم كما حكاه ابن دقيق العيد إلى تركه درءا لهذه المفسدة. وقد قال البخاري في " جزء رفع اليدين ": من زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة فإنه لم يثبت عن أحد منهم تركه. قال: ولا أسانيد أصح من أسانيد الرفع. انتهى. والله أعلم. وذكر البخاري أيضا أنه رواه سبعة عشر رجلا من الصحابة، وذكر الحاكم وأبو القاسم بن منده ممن رواه العشرة المبشرة، وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلا. قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد. وأفادت هذه الطريق تصريح الزهري بإخبار سالم له به. قوله: "عن أبيه" سماه غير أبي ذر فقالوا " عن عبد الله بن عمر". قوله: "حين يكبر للركوع" أي عند ابتداء الركوع، وهو مقتضى رواية مالك بن الحويرث المذكورة في الباب حيث قال: "وإذا أراد أن يركع رفع يديه " وسيأتي في " باب التكبير إذا قام من السجود " من حديث أبي هريرة " ثم يكبر حين يركع". قوله: "ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع" أي إذا أراد أن يرفع. ويؤيده رواية أبي داود من طريق الزبيدي عن الزهري بلفظ: "ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه " ومقتضاه أنه يبتدئ رفع يديه عند ابتداء القيام من الركوع، وأما رواية ابن عيينة عن الزهري التي أخرجها عنه أحمد وأخرجها عن أحمد أبو داود بلفظ: "وبعد ما يرفع رأسه من الركوع " فمعناه بعد ما يشرع في الرفع لتتفق الروايات. قوله: "ولا يفعل ذلك في السجود" أي لا في الهوى إليه ولا في الرفع منه كما في رواية شعيب في الباب الذي بعده حيث قال: "حين يسجد ولا حين يرفع رأسه " وهذا يشمل ما إذا نهض
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض" ابن عبد الحكم"
(2/220)

من السجود إلى الثانية والرابعة والتشهدين، ويشمل ما إذا قام إلى الثالثة أيضا لكن بدون تشهد لكونه غير واجب وإذا قلنا باستحباب جلسة الاستراحة لم يدل هذا اللفظ على نفي ذلك عند القيام منها إلى الثانية والرابعة، لكن قد روى يحيى القطان عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا هذا الحديث وفيه: "ولا يرفع بعد ذلك " أخرجه الدار قطني في الغرائب بإسناد حسن. وظاهره يشمل النفي عما عدا المواطن الثلاثة، وسيأتي إثبات ذلك في موطن رابع بعد بباب. قوله: "عن خالد" هو الحذاء. وفي رواية المستملي والسرخسي " حدثنا خالد". قوله: "إذا صلى كبر ورفع يديه" في رواية مسلم: "ثم رفع " وزاد مسلم من رواية نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث " حتى يحاذي بهما أذنيه " ووهم المحب الطبري فعزاه للمتفق. قوله: "وحدث" أي مالك بن الحويرث، وليس معطوفا على قوله: "رأى " فيبقى فاعله أبو قلابة فيصير مرسلا.
(2/221)

85 - باب إِلَى أَيْنَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ
738- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلاَةِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَهُ وَقَالَ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلاَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ"
قوله: "باب إلى أين يرفع يديه" لم يجزم المصنف بالحكم كما جزم به قبل وبعد جريا على عادته فيما إذا قوى الخلاف، لكن الأرجح عنده محاذاة المنكبين لاقتصاره على إيراد دليله. قوله: "وقال أبو حميد الخ" هذا التعليق طرف من حديث سيأتي في " باب سنة الجلوس في التشهد " وسنذكر هناك من عرفنا اسمه من أصحابه المذكورين إن شاء الله تعالى. قوله: "حذو منكبيه" بفتح المهملة وإسكان الذال المعجمة أي مقابلهما، والمنكب مجمع عظم العضد والكتف، وبهذا أخذ الشافعي والجمهور. وذهب الحنفية إلى حديث مالك بن الحويرث المقدم ذكره عند مسلم، وفي لفظ له عنه حتى يحاذي بهما فروع أذنيه، وعند أبي داود من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر بلفظ: "حتى حاذتا أذنيه " ورجح الأول لكون إسناده أصح. وروى أبو ثور عن الشافعي أنه جمع بينهما فقال: يحاذي بظهر كفيه المنكبين وبأطراف أنامله الأذنين. ويؤيده رواية أخرى عن وائل عند أبي داود بلفظ: "حتى كانتا حيال منكبيه، وحاذى بإبهاميه أذنيه " وبهذا قال المتأخرون من المالكية فيما حكاه ابن شاس في الجواهر لكن روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه في الافتتاح، وفي غيره دون ذلك، أخرجه أبو داود. ويعارضه قول ابن جريج: قلت لنافع أكان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهن؟ قال: لا. ذكره أبو داود أيضا وقال: لم يذكر رفعهما دون ذلك غير مالك فيما أعلم. قوله: "وإذا قال سمع الله لمن حمده فعل مثله" ظاهره أنه
ـــــــ
(1) مراده عند الشافعية وجماعة من أهل العلم , والصواب وجوبه كما هو مذهب أحمد وجماعة , لكونه صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه وسجد للسهو لما تركه سهوا , ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي" والله أعلم
(2/221)

يقول التسميع في ابتداء ارتفاعه من الركوع، وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب قليلة. "فائدة": لم يرد ما يدل على التفرقة في الرفع بين الرجل والمرأة، وعن الحنفية يرفع الرجل إلى الأذنين والمرأة إلى المنكبين لأنه أستر لها. والله أعلم.
(2/222)

باب رفع اليدين إذا قام من الركتين
...
86 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ
739- حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مُخْتَصَرًا
قوله: "باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين" أي بعد التشهد، فيخرج ما إذا تركه ونهض قائما من السجود لعموم قوله في الرواية التي قبله " ولا حين يرفع رأس من السجود" ، ويحتمل حمل النفي هناك على حالة رفع الرأس من السجود لا على ما بعد ذلك حين يستوي قائما. وأبعد من استدل بقول سالم في روايته: "ولا يفعل ذلك في السجود " على موافقة رواية نافع في حديث هذا الباب حيث قال: "وإذا قام من الركعتين " لأنه لا يلزم من كونه لم ينفه أنه أثبته بل هو ساكت عنه. وأبعد أيضا من استدل برواية سالم على ضعف رواية نافع، والحق أنه ليس بين روايتي نافع وسالم تعارض، بل في رواية نافع زيادة لم ينفها سالم، وستأتي الإشارة إلى أن سالما أثبتها من وجه آخر. قوله: "حدثنا عياش" هو بالمثناة التحتانية وبالمعجمة وهو ابن الوليد الرقام، وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى، وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص. قوله: "ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية أبي ذر " إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم: "قال أبو داود: رواه الثقفي يعني عبد الوهاب عن عبيد الله فلم يرفعه وهو الصحيح، وكذا رواه الليث بن سعد وابن جريج ومالك يعني عن نافع موقوفا، وحكي الدار قطني في العلل الاختلاف في وقفه ورفعه وقال: الأشبه بالصواب قول عبد الأعلى. وحكى الإسماعيلي عن بعض مشايخه أنه أومأ إلى أن عبد الأعلى أخطأ في رفعه، قال الإسماعيلي: وخالفه عبد الله بن إدريس وعبد الوهاب الثقفي والمعتمر يعني عن عبيد الله فرووه موقوفا عن ابن عمر. قلت: وقفه معتمر وعبد الوهاب عن عبيد الله عن نافع كما قال، لكن رفعاه عن عبيد الله عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أخرجهما البخاري في " جزء رفع اليدين " وفيه الزيادة، وقد توبع نافع على ذلك عن ابن عمر، وهو فيما رواه أبو داود وصححه البخاري في الجزء المذكور من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه " وله شواهد منها حديث أبي حميد الساعدي وحديث علي بن أبي طالب أخرجهما أبو داود وصححهما ابن خزيمة وابن حبان. وقال البخاري في الجزء المذكور: ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح، لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم. وقال ابن بطال: هذه زيادة يجب قبولها لمن يقول بالرفع. وقال الخطابي: لم يقل به الشافعي، وهو لازم على أصله في قبول الزيادة. وقال ابن خزيمة: هو سنة، وإن لم يذكره
(2/222)

الشافعي فالإسناد صحيح، وقد قال: قولوا بالسنة ودعوا قولي. وقال ابن دقيق العيد: قياس نظر الشافعي أنه يستحب الرفع فيه لأنه أثبت الرفع عند الركوع والرفع منه لكونه زائدا على من اقتصر عليه عند الافتتاح، والحجة في الموضعين واحدة، وأول راض سيرة من يسيرها. قال: والصواب إثباته، وأما كونه مذهبا للشافعي لكونه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي ففيه نظر. انتهى. ووجه النظر أن محل العمل بهذه الوصية ما إذا عرف أن الحديث لم يطلع عليه الشافعي، أما إذا عرف أنه اطلع عليه ورده أو تأوله بوجه من الوجوه فلا، والأمر هنا محتمل. واستنبط البيهقي من كلام الشافعي أنه يقول به لقوله في حديث أبي حميد المشتمل على هذه السنة وغيرها: وبهذا نقول. وأطلق النووي في الروضة أن الشافعي نص عليه، لكن الذي رأيت في الأم خلاف ذلك فقال في " باب رفع اليدين في التكبير في الصلاة " بعد أن أورد حديث ابن عمر من طريق سالم وتكلم عليه: ولا نأمره أن يرفع يديه في شيء من الذكر في الصلاة التي لها ركوع وسجود إلا في هذه المواضع الثلاثة. وأما ما وقع في أواخر البويطي: يرفع يديه في كل خفض ورفع، فيحمل الخفض على الركوع والرفع على الاعتدال، وإلا فحمله على ظاهره يقتضي استحبابه في السجود أيضا وهو خلاف ما عليه الجمهور، وقد نفاه ابن عمر. وأغرب الشيخ أبو حامد في تعليقه فنقل الإجماع على أنه لا يشرع الرفع في غير المواطن الثلاثة، وتعقب بصحة ذلك عن ابن عمر وابن عباس وطاوس ونافع وعطاء كما أخرجه عبد الرزاق وغيره عنهم بأسانيد قوية، وقد قال به من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وأبو علي الطبري والبيهقي والبغوي وحكاه ابن خويز منداد عن مالك وهو شاذ. وأصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع في السجود ما رواه النسائي من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن نصر ابن عاصم عن مالك بن الحويرث " أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من ركوعه، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه " وقد أخرج مسلم بهذا الإسناد طرفه الأخير كما ذكرناه في أول الباب الذي قبل هذا، ولم ينفرد به سعيد فقد تابعه همام عن قتادة عند أبي عوانة في صحيحه. وفي الباب عن جماعة من الصحابة لا يخلو شيء منها عن مقال، وقد روى البخاري في " جزء رفع اليدين " في حديث على المرفوع " ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد " وأشار إلى تضعيف ما ورد في ذلك. "تنبيه": روى الطحاوي حديث الباب في مشكله من طريق نصر بن علي عن عبد الأعلى بلفظ: "كان يرفع يديه في كل خفض ورفع وركوع وسجود وقيام وقعود وبين السجدتين ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك " وهذه رواية شاذة، فقد رواه الإسماعيلي عن جماعة من مشايخه الحفاظ عن نصر بن علي المذكور بلفظ عياش شيخ البخاري، وكذا رواه هو وأبو نعيم من طريق أخرى عن عبد الأعلى كذلك. قوله: "رواه حماد بن سلمة عن أيوب الخ" وصله البخاري في الجزء المذكور عن موسى بن إسماعيل عن حماد مرفوعا ولفظه: "كان إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع" . قوله: "ورواه ابن طهمان" يعني إبراهيم عن أيوب وموسى بن عقبة، وهذا وصله البيهقي من طريق عمر بن عبد الله بن رزين عن إبراهيم بن طهمان بهذا السند موقوفا نحو حديث حماد وقال في آخره: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك". واعترض الإسماعيلي فقال: ليس في حديث حماد ولا ابن طهمان الرفع من الركعتين المعقود لأجله الباب،
(2/223)

قال: فلعل المحدث عنه دخل له باب في باب، يعني أن هذا التعليق يليق بحديث سالم الذي في الباب الماضي. وأجيب بأن البخاري قصد الرد على من جزم بأن رواية نافع لأصل الحديث موقوفة وأنه خالف في ذلك سالما كما نقله ابن عبد البر وغيره، وقد تبين بهذا التعليق أنه اختلف على نافع في وقفه ورفعه لا خصوص هذه الزيادة، والذي يظهر أن السبب في هذا الاختلاف أن نافعا كان يرويه موقوفا ثم يعقبه بالرفع، فكأنه كان أحيانا يقتصر على الموقوف أو يقتصر عليه بعض الرواة عنه، والله أعلم.
(2/224)

87 - باب وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ
740- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ قَالَ أَبُو حَازِمٍ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِسْمَاعِيلُ يُنْمَى ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ "يَنْمِي"
قوله: "كان الناس يؤمرون" هذا حكمه الرفع لأنه محمول على أن الآمر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي. قوله: "على ذراعه" أبهم موضعه من الذراع، وفي حديث وائل عند أبي داود والنسائي: "ثم وضع يده اليمنى على ظهره كفه اليسرى والرسغ والساعد " وصححه ابن خزيمة وغيره، وأصله في صحيح مسلم بدون الزيادة، والرسغ بضم الراء وسكون السين المهملة بعدها معجمة هو المفصل بين الساعد والكف، وسيأتي أثر على نحوه في أواخر الصلاة، ولم يذكر أيضا محلهما من الجسد. وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره، والبزار عند صدره، وعند أحمد في حديث هلب الطائي نحوه. وهلب بضم الهاء وسكون اللام بعدها موحدة، وفي زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت السرة وإسناده ضعيف. واعترض الداني في أطراف الموطأ فقال: هذا معلول، لأنه ظن من أبي حازم، ورد بأن أبا حازم لو لم يقل لا أعلمه الخ لكان في حكم المرفوع، لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر وهو النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع فيحمل على من صدر عنه الشرع، ومثله قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم فإنه محمول على أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم. وأطلق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل النقل والله أعلم. وقد ورد في سنن أبي داود والنسائي وصحيح ابن السكن شيء يستأنس به على تعيين الآمر والمأمور، فروى عن ابن مسعود قال: "رآني النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يدي اليسرى على يدي اليمنى فنزعها ووضع اليمنى على اليسرى " إسناده حسن، قيل: لو كان مرفوعا ما احتاج أبو حازم إلى قوله لا أعلمه الخ، والجواب أنه أراد الانتقال إلى التصريح، فالأول لا يقال له مرفوع وإنما يقال: له حكم الرفع، قال العلماء: الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل، وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع، وكأن البخاري لحظ ذلك فعقبه بباب الخشوع. ومن اللطائف قول بعضهم: القلب موضع النية، والعادة أن من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه. قال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين، وهو الذي ذكره مالك في الموطأ، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره. وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه، وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة. ومنهم من كره الإمساك. ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الراحة.
(2/224)

قوله: "قال أبو حازم" يعني راويه بالسند المذكور إليه "لا أعلمه" أي سهل بن سعد "إلا ينمي" أوله وسكون النون وكسر الميم، قال أهل اللغة: نميت الحديث إلى غيري رفعته وأسندته وصرح بذلك معن بن عيسى وابن يوسف الإسماعيلي والدار قطني، وزاد ابن وهب: ثلاثتهم عن مالك بلفظ: "يرفع ذلك"، ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي ينميه فمراده يرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يقيده". قوله: "وقال إسماعيل ينمي ذلك ولم يقل ينمي" الأول بضم أوله وفتح الميم بلفظ المجهول، والثاني وهو المنفي كرواية القعنبي، فعلى الأول الهاء ضمير الشأن فيكون مرسلا لأن أبا حازم لم يعين من نماه له، وعلى رواية القعنبي الضمير لسهل شيخه فهو متصل. وإسماعيل هذا هو ابن أبي أويس شيخ البخاري كما جزم به الحميدي في الجمع. وقرأت بخط مغلطاي هو إسماعيل بن إسحاق القاضي، وكأنه رأى الحديث عند الجوزقي والبيهقي وغيرهما من روايته عن القعنبي فظن أنه المراد، وليس كذلك لأن رواية إسماعيل بن إسحاق موافقة لرواية البخاري، ولم يذكر أحد أن البخاري روى عنه وهو أصغر سنا من البخاري وأحدث سماعا، وقد شاركه في كثير من مشايخه البصريين القدماء: ووافق إسماعيل بن أبي أويس على هذه الرواية عن مالك ابن سويد بن سعيد فيما أخرجه الدار قطني في الغرائب. "تنبيه" حكى في المطالع أن رواية القعنبي بضم أوله من أنمى، قال: وهو غلط؛ وتعقب بأن الزجاج ذكر في " كتاب فعلت وأفعلت ": نميت الحديث وأنميته، وكذا حكاه ابن دريد وغيره. ومع ذلك فالذي ضبطناه في البخاري عن القعنبي بفتح أوله من الثلاثي، فلعل الضم رواية القعنبي في الموطأ، والله أعلم.
(2/225)

88 - باب الْخُشُوعِ فِي الصَّلاَةِ
741- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلاَ خُشُوعُكُمْ وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي
742- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لاَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي وَرُبَّمَا قَالَ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ
قوله: "باب الخشوع في الصلاة" سقط لفظ: "باب " من رواية أبي ذر. والخشوع تارة يكون من فعل القلب كالخشية، وتارة من فعل البدن كالسكون، وقيل: لا بد من اعتبارهما حكاه الفخر الرازي في تفسيره. وقال غيره: هو معنى يقوم بالنفس يظهر عنه سكون في الأطراف يلائم مقصود العبادة. ويدل على أنه من عمل القلب حديث على " الخشوع في القلب " أخرجه الحاكم. وأما حديث: "لو خشع هذا خشعت جوارحه " ففيه إشارة إلى أن الظاهر عنوان الباطن. حديث أبي هريرة من هذا الوجه سبق الكلام عليه في " باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة " من أبواب القبلة. وأورد فيه أيضا حديث أنس من وجه آخر ببعض مغايرة. قوله: "عن أنس" عند الإسماعيلي من رواية أبي موسى عن غندر التصريح بقولي قتادة " سمعت أنس بن مالك". قوله: "أقيموا الركوع والسجود" أي أكملوهما. وفي رواية معاذ عن شعبة عن الإسماعيلي: "أتموا " بدل أقيموا. قوله: "فوالله إني لأراكم من بعدي" تقدم الكلام على معنى
(2/225)

هذه الرواية. وأغرب الداودي الشارح فحمل البعدية هنا على ما بعد الوفاة؛ يعني أن أعمال الأمة تعرض عليه، وكأنه لم يتأمل سياق حديث أبي هريرة حيث بين فيه سبب هذه المقالة، وقد تقدم في الباب المذكور ما يدل على أن حديث أبي هريرة وحديث أنس في قضية واحدة، وهو مقتضى صنيع البخاري في إيراده الحديثين في هذا الباب، وكذا أوردهما مسلم معا. واستشكل إيراد البخاري لحديث أنس هذا لكونه لا ذكر فيه للخشوع الذي ترجم له، وأجيب بأنه أراد أن ينبه على أن الخشوع يدرك بسكون الجوارح إذ الظاهر عنوان الباطن. وروى البيهقي بإسناد صحيح عن مجاهد قال: "كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود " وحدث أن أبا بكر الصديق كان كذلك. قال وكان يقال: ذاك الخشوع في الصلاة. واستدل بحديث الباب على أنه لا يجب إذ لم يأمرهم بالإعادة، وفيه نظر. نعم في حديث أبي هريرة من وجه آخر عند مسلم: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ثم انصرف فقال: يا فلان ألا تحسن صلاتك " وله في رواية أخرى " أتموا الركوع والسجود " وفي أخرى " أقيموا الصفوف " وفي أخرى " لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود " وعند أحمد " صلى بنا الظهر وفي مؤخر الصفوف رجل فأساء الصلاة " وعنده من حديث أبي سعيد الخدري أن بعض الصحابة تعمد المسابقة لينظر هل يعلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا؟ فلما قضى الصلاة نهاه عن ذلك. واختلاف هذه الأسباب يدل على أن جميع ذلك صدر من جماعة في صلاة واحدة أو في صلوات، وقد حكى النووي الإجماع على أن الخشوع ليس بواجب، ولا يرد عليه قول القاضي حسين: إن مدافعة الأخبثين إذا انتهت إلى حد يذهب معه الخشوع أبطلت الصلاة. وقاله أيضا أبو زيد المروزي، لجواز أن يكون بعد الإجماع السابق أو المراد بالإجماع أنه لم يصرح أحد بوجوبه، وكلاهما في أمر يحصل من مجموع المدافعة وترك الخشوع، وفيه تعقب على من نسب إلى القاضي وأبى زيد أنهما قالا أن الخشوع شرط في صحة الصلاة، وقد حكاه المحب الطبري وقال: هو محمول على أن يحصل في الصلاة في الجملة لا في جميعها، والخلاف في ذلك عند الحنابلة أيضا، وأما قول ابن بطال: فإن قال قائل فإن الخشوع فرض في الصلاة، قيل له بحسب الإنسان أن يقبل على صلاته بقلبه ونيته يريد بذلك وجه الله عز وجل ولا طاقة له بما اعترضه من الخواطر. فحاصل كلامه أن القدر المذكور هو الذي يجب من الخشوع، وما زاد على ذلك فلا. وأنكر ابن المنير إطلاق الفرضية وقال: الصواب أن عدم الخشوع تابع لما يظهر عنه من الآثار وهو أمر متفاوت، فإن أثر نقصا في الواجبات كان حراما وكان الخشوع واجبا وإلا فلا. وقد سئل عن الحكمة في تحذيرهم من النقص في الصلاة برؤيته إياهم دون تحذيرهم برؤية الله تعالى لهم، وهو مقام الإحسان المبين في سؤال جبريل كما تقدم في كتاب الإيمان " اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " فأجيب بأن في التعليل برؤيته صلى الله عليه وسلم تنبيها على رؤية الله تعالى لهم، فإنهم إذا أحسنوا الصلاة لكون النبي صلى الله عليه وسلم يراهم أيقظهم ذلك إلى مراقبة الله تعالى مع ما تضمنه الحديث من المعجزة له صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكونه يبعث شهيدا عليهم يوم القيامة فإذا علموا أنه يراهم تحفظوا في عبادتهم ليشهد لهم بحسن عبادتهم.
(2/226)

89 - باب مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ
743- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ
ـــــــ
(1) كذا : ولعله " وكلاهما "
(2/226)

اللَّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"
744- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ "
قوله: "باب ما يقول بعد التكبير" في رواية المستملي: "باب ما يقرأ": بدل " ما يقول: "وعليها اقتصر الإسماعيلي. واستشكل إيراد حديث أبي هريرة إذ لا ذكر للقراءة فيه. وقال الزين بن المنير: ضمن قوله ما يقرأ ما يقول من الدعاء قولا متصلا بالقراءة، أو لما كان الدعاء والقراءة يقصد بهما التقرب إلى الله تعالى استغنى بذكر أحدهما عن الآخر كما جاء " علفتها تبنا وماء باردا". وقال ابن رشيد: دعاء الافتتاح يتضمن مناجاة الرب والإقبال عليه بالسؤال، وقراءة الفاتحة تتضمن هذا المعنى، فظهرت المناسبة بين الحديثين. قوله: "كانوا يفتتحون الصلاة" أي القراءة في الصلاة، وكذلك رواه ابن المنذر والجوزقي وغيرهما من طريق أبي عمر الدوري وهو حفص بن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ: "كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين " وكذلك رواه البخاري في " جزء القراءة خلف الإمام " عن عمرو بن مرزوق عن شعبة وذكر أنها أبين من رواية حفص بن عمر. قوله: "بالحمد لله رب العالمين" بضم الدال على الحكاية. واختلف في المراد بذلك فقيل: المعنى كانوا يفتتحون بالفاتحة، وهذا قول من أثبت البسملة في أولها، وتعقب بأنها إنما تسمى الحمد فقط، وأجيب بمنع الحصر، ومستنده ثبوت تسميتها بهذه الجملة وهي " الحمد لله رب العالمين " في صحيح البخاري أخرجه في فضائل القرآن من حديث أبي سعيد بن المعلى " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن " فذكر الحديث وفيه قال: "الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني " وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. وقيل المعنى كانوا يفتتحون بهذا اللفظ تمسكا بظاهر الحديث، وهذا قول من نفى قراءة البسملة، لكن لا يلزم من قوله كانوا يفتتحون بالحمد أنهم لم يقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم سرا، وقد أطلق أبو هريرة السكوت على القراءة سرا كما في الحديث الثاني من الباب، وقد اختلف الرواة عن شعبة في لفظ الحديث: فرواه جماعة من أصحابه عنه بلفظ: "كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين " ورواه آخرون عنه بلفظ: "فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم " كذا أخرجه مسلم من رواية أبي داود الطيالسي ومحمد بن جعفر، وكذا أخرجه الخطيب من رواية أبي عمر الدوري شيخ البخاري فيه، وأخرجه ابن خزيمة من رواية محمد بن جعفر باللفظين، وهؤلاء من أثبت أصحاب شعبة، ولا يقال هذا اضطراب من شعبة لأنا نقول قد رواه جماعة من أصحاب قتادة عنه باللفظين، فأخرجه البخاري في " جزء القراءة " والنسائي وابن ماجه من طريق أيوب وهؤلاء والترمذي من طريق أبي عوانة والبخاري في " جزء القراءة " وأبو داود من طريق هشام الدستوائي والبخاري فيه وابن حبان من طريق حماد بن سلمة والبخاري فيه والسراج من طريق همام كلهم عن قتادة باللفظ الأول، وأخرجه
(2/227)

مسلم من طريق الأوزاعي عن قتادة بلفظ: "لم يكونوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم"، وقد قدح بعضهم في صحته بكون الأوزاعي رواه عن قتادة مكاتبة، وفيه نظر فإن الأوزاعي لم ينفرد به فقد رواه أبو يعلى عن أحمد الدورقي والسراج عن يعقوب الدورقي وعبد الله بن أحمد بن عبد الله السلمي ثلاثتهم عن أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ: "فلم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم". قال شعبة قلت لقتادة: سمعته من أنس؟ قال: نحن سألناه. لكن هذا النفي محمول على ما قدمناه أن المراد أنه لم يسمع منهم البسملة، فيحتمل أن يكونوا يقرءونها سرا، ويؤيده رواية من رواه عنه بلفظ: "فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم " كذا رواه سعيد بن أبي عروبة عند النسائي وابن حبان وهمام عند الدار قطني وشيبان عند الطحاوي وابن حبان وشعبة أيضا من طريق وكيع عنه عند أحمد أربعتهم عن قتادة. ولا يقال هذا اضطراب من قتادة لأنا نقول: قد رواه جماعة من أصحاب أنس عنه كذلك: فرواه البخاري في " جزء القراءة " والسراج وأبو عوانة في صحيحه من طريق إسحاق بن أبي طلحة والسراج من طريق ثابت البناني والبخاري فيه من طريق مالك بن دينار كلهم عن أنس باللفظ الأول، ورواه الطبراني في الأوسط من طريق إسحاق أيضا وابن خزيمة من طريق ثابت أيضا والنسائي من طريق منصور بن زاذان وابن حبان من طريق أبي قلابة والطبراني من طريق أبي نعامة كلهم عن أنس باللفظ النافي للجهر، فطريق الجمع بين هذه الألفاظ حمل نفي القراءة على نفي السماع ونفي السماع على نفي الجهر، ويؤيده أن لفظ رواية منصور بن زاذان " فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم"، وأصرح من ذلك رواية الحسن عن أنس عند ابن خزيمة بلفظ: "كانوا يسرون بسم الله الرحمن الرحيم " فاندفع بهذا تعليل من أعله بالاضطراب كابن عبد البر، لأن الجمع إذا أمكن تعين المصير إليه. وأما من قدح في صحته بأن أبا سلمة سعيد بن يزيد سأل أنسا عن هذه المسألة فقال: "إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه ولا سألني عنه أحد قبلك " ودعوى أبي شامة أن أنسا سئل عن ذلك سؤالين فسؤال أبي سلمة " هل كان الافتتاح بالبسملة أو الحمدلة " وسؤال قتادة " هل كان يبدأ بالفاتحة أو غيرها " قال: ويدل عليه قول قتادة في صحيح مسلم: "نحن سألناه " انتهى. فليس بجيد، لأن أحمد روى في مسنده بإسناد الصحيحين أن سؤال قتادة نظير سؤال أبي سلمة، والذي في مسلم إنما قاله عقب رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة، ولم يبين مسلم صورة المسألة، وقد بينها أبو يعلى والسراج وعبد الله بن أحمد في رواياتهم التي ذكرناها عن أبي داود أن السؤال كان عن افتتاح القراءة بالبسملة، وأصرح من ذلك رواية ابن المنذر عن طريق أبي جابر عن شعبة عن قتادة قال: "سألت أنسا: أيقرأ الرجل في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال: صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم " فظهر اتحاد سؤال أبي سلمة وقتادة وغايته أن أنسا أجاب قتادة بالحكم دون أبي سلمة، فلعله تذكره لما سأله قتادة بدليل قوله في رواية أبي سلمة " ما سألني عنه أحد قبلك " أو قاله لهما معا فحفظه قتادة دون أبي سلمة فإن قتادة أحفظ من أبي سلمة بلا نزاع، وإذا انتهى البحث إلى أن محصل حديث أنس نفي الجهر بالبسملة على ما ظهر من طريق الجمع بين مختلف الروايات عنه فمتى وجدت رواية فيها إثبات الجهر قدمت على نفيه، لا لمجرد تقديم رواية المثبت على النافي لأن أنسا يبعد جدا أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلم مدة عشر سنين ثم يصحب أبا بكر وعمر وعثمان خمسا وعشرين سنة فلم يسمع منهم الجهر بها في صلاة واحدة، بل لكون أنس اعترف بأنه لا يحفظ هذا الحكم كأنه لبعد عهده به، ثم تذكر منه الجزم بالافتتاح بالحمد جهرا ولم يستحضر الجهر بالبسملة، فيتعين
(2/228)

الأخذ بحديث من أثبت الجهر. وسيأتي الكلام على ذلك في " باب جهر المأموم بالتأمين " إن شاء الله قريبا. وترجم له ابن خزيمة وغيره: "إباحة الإسرار بالبسملة في الجهرية " وفيه نظر لأنه لم يختلف في إباحته، بل في استحبابه، واستدل به المالكية على ترك دعاء الافتتاح، وحديث أبي هريرة الذي بعده يرد عليه، وكأن هذا هو السر في إيراده، وقد تحرر أن المراد بحديث أنس بيان ما يفتتح به القراءة، فليس فيه تعرض لنفي دعاء الافتتاح. "تنبيه": وقع ذكر عثمان في حديث أنس في رواية عمرو بن مرزوق عن شعبة عند البخاري في " جزء القراءة " وكذا في رواية حجاج بن محمد عن شعبة عند أبي عوانة، وهو في رواية شيبان وهشام والأوزاعي. وقد أشرنا إلى روايتهم فيما تقدم. قوله: "حدثنا أبو زرعة" هو ابن عمرو بن جرير البجلي. قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت" ضبطناه بفتح أوله من السكوت، وحكى الكرماني عن بعض الروايات بضم أوله من الإسكات، قال الجوهري: يقال تكلم الرجل ثم سكت بغير ألف، فإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قلت أسكت. قوله: "إسكاتة" بكسر أوله بوزن إفعالة من السكوت، وهو من المصادر الشاذة نحو أثبته إثباتة، قال الخطابي: معناه سكوت يقتضي بعده كلاما مع قصر المدة فيه، وسياق الحديث يدل على أنه أراد السكوت عن الجهر لا عن مطلق القول، أو السكوت عن القراءة لا عن الذكر. قوله: "قال أحسبه قال هنية" هذه رواية عبد الواحد بن زياد بالظن، ورواه جرير عند مسلم وغيره وابن فضيل عند ابن ماجه وغيره بلفظ: "سكت هنية " بغير تردد، وإنما اختار البخاري رواية عبد الواحد لوقوع التصريح بالتحديث فيها في جميع الإسناد. وقال الكرماني: المراد أنه قال - بدل إسكاتة - هنية. قلت: وليس بواضح، بل الظاهر أنه شك هل وصف الإسكاتة بكونها هنية أم لا، وهنية بالنون بلفظ التصغير، وهو عند الأكثر بتشديد الياء، وذكر عياض والقرطبي أن أكثر رواة مسلم قالوه بالهمزة، وأما النووي فقال: الهمز خطأ. قال: وأصله هنوة فلما صغر صار هنيوة فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ثم أدغمت. قال غيره: لا يمنع ذلك إجازة الهمز، فقد تقلب الياء همزة. وقد وقع في رواية الكشميهني هنيهة بقلبها هاء، وهي رواية إسحاق والحميدي في مسنديهما عن جرير. قوله: "بأبي وأمي" الباء متعلقة بمحذوف اسم أو فعل والتقدير أنت مفدي أو أفديك، واستدل به على جواز قول ذلك، وزعم بعضهم أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم. قوله: "إسكاتك" بكسر أوله وهو بالرفع على الابتداء. وقال المظهري شارح المصابيح: هو بالنصب على أنه مفعول بفعل مقدر أي أسألك إسكاتك، أو على نزع الخافض. انتهى. والذي في روايتنا بالرفع للأكثر، ووقع في رواية المستملي والسرخسي بفتح الهمزة وضم السين على الاستفهام. وفي رواية الحميدي " ما تقول في سكتتك بين التكبير والقراءة " ولمسلم: "أرأيت سكوتك " وكله مشعر بأن هناك قولا لكونه قال: "ما تقول " ولم يقل هل تقول؟ نبه عليه ابن دقيق العيد قال: ولعله استدل على أصل القول بحركة الفم كما استدل غيره على القراءة باضطراب اللحية. قلت: وسيأتي من حديث خباب بعد باب، ونقل ابن بطال عن الشافعي أن سبب هذه السكتة للإمام أن يقرأ
ـــــــ
(1) هذا فيه نظر , والصواب تقديم مادل عليه حديث أنس من شرعية الإسرار بالبسملة لصحته وصراحته في هذه المسألة . وكونه نسي ذلك ثم ذكره لايقدح في روايته كما علم ذلك في الأصول والمصطلح . وتحمل رواية من روى الجهر بالبسملة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها في بعض الأحيان ليعلم من وراءه أنه يقرأها , وبهذا تجتمع الأحاديث , وقد وردت أحاديث صحيحة تؤيد ما دل عليه حديث أنس من شرعية الإسرار بالبسملة , والله أعلم
(2/229)

المأموم فيها الفاتحة، ثم اعترضه بأنه لو كان كذلك لقال في الجواب: أسكت لكي يقرأ من خلفي. ورده ابن المنير بأنه لا يلزم من كونه أخبره بصفة ما يقول أن لا يكون سبب السكوت ما ذكر. انتهى. وهذا النقل من أصله غير معروف عن الشافعي ولا عن أصحابه، إلا أن الغزالي قال في الإحياء: إن المأموم يقرأ الفاتحة إذا اشتغل الإمام بدعاء الافتتاح. وخولف في ذلك، بل أطلق المتولي وغيره كراهة تقديم المأموم قراءة الفاتحة على الإمام. وفي وجه إن فرغها قبله بطلت صلاته، والمعروف أن المأموم يقرؤها إذا سكت الإمام بين الفاتحة والسورة، وهو الذي حكاه عياض وغيره عن الشافعي، وقد نص الشافعي على أن المأموم يقول دعاء الافتتاح كما يقوله الإمام، والسكتة التي بين الفاتحة والسورة ثبت فيها حديث سمرة عند أبي داود وغيره. قوله: "باعد" المراد بالمباعدة محو ما حصل منها والعصمة عما سيأتي منها، وهو مجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان، وموقع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب مستحيل فكأنه أراد أنه لا يبقى لها منه اقتراب بالكلية. وقال الكرماني: كرر لفظ: "بين " لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض. قوله: "نقني" مجاز عن زوال الذنوب ومحو أثرها، ولما كان الدنس في الثوب الأبيض أظهر من غيره من الألوان وقع التشبيه به، قاله ابن دقيق العيد. قوله: "بالماء والثلج والبرد" قال الخطابي: ذكر الثلج والبرد تأكيد، أو لأنهما ما آن لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال. وقال ابن دقيق العيد: عبر بذلك عن غاية المحو، فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء، قال: ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد من هذه الأشياء مجاز عن صفة يقع بها المحو وكأنه كقوله تعالى: {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا} وأشار الطيبي إلى هذا بحثا فقال: يمكن أن يكون المطلوب من ذكر الثلج والبرد بعد الماء شمول أنواع الرحمة والمغفرة بعد العفو لإطفاء حرارة عذاب النار التي هي في غاية الحرارة، ومنه قولهم برد الله مضجعه أي رحمه ووقاه عذاب النار. انتهى. ويؤيده ورود وصف الماء بالبرودة في حديث عبد الله بن أبي أوفى عند مسلم، وكأنه جعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها مسببة عنها، فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء إلى أبرد منه. وقال التوربشتي: خص هذه الثلاثة بالذكر لأنها منزلة من السماء. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون في الدعوات الثلاث إشارة إلى الأزمنة الثلاثة " فالمباعدة للمستقبل، والتنقية للحال، والغسل للماضي " انتهى. وكأن تقديم المستقبل للاهتمام بدفع ما سيأتي قبل رفع ما حصل. واستدل بالحديث على مشروعية الدعاء بين التكبير والقراءة خلافا للمشهور عن مالك، وورد فيه أيضا حديث: "وجهت وجهي الخ " وهو عند مسلم من حديث علي لكن قيده بصلاة الليل. وأخرجه الشافعي وابن خزيمة وغيرهما بلفظ: "إذا صلى المكتوبة " واعتمده الشافعي في الأم، وفي الترمذي وصحيح ابن حبان من حديث أبي سعيد الافتتاح بسبحانك اللهم، ونقل الساجي عن الشافعي استحباب الجمع بين التوجيه والتسبيح وهو اختيار ابن خزيمة وجماعة من الشافعية وحديث أبي هريرة أصح ما ورد في ذلك، واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما ليس في القرآن خلافا للحنفية. ثم هذا الدعاء صدر منه صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة في إظهار العبودية، وقيل قاله على سبيل التعليم لأمته، واعترض بكونه لو أراد ذلك لجهر به، وأجيب بورود الأمر بذلك في حديث سمرة عند البزار، وفيه ما كان الصحابة عليه من المحافظة على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته وإسراره وإعلانه حتى حفظ الله بهم الدين، واستدل
(2/230)

به بعض الشافعية على أن الثلج والبرد مطهران، واستبعده ابن عبد السلام، وأبعد منه استدلال بعض الحنفية به على نجاسة الماء المستعمل.
(2/231)

باب حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا نافع بن عمر
...
90 – باب *745-حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا لاَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ قَالَ نَافِعٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ خَشِيشِ أَوْ خَشَاشِ الأَرْضِ
[الحديث 745- طرفه في: 2364]
قوله: "باب" كذا في رواية الأصيلي وكريمة بلا ترجمة، وكذا قال الإسماعيلي: "باب " بلا ترجمة، وسقط من رواية أبي ذر وأبي الوقت، وكذا لم يذكره أبو نعيم. وعلى هذا فمناسبة الحديث غير ظاهرة للترجمة، وعلى تقدير ثبوت لفظ باب فهو كالفصل من الباب الذي قبله كما قررناه غير مرة فله به تعلق أيضا. قال الكرماني: وجه المناسبة أن دعاء الافتتاح مستلزم لتطويل القيام، وحديث الكسوف فيه تطويل القيام فتناسبا. وأحسن منه ما قال ابن رشيد: يحتمل أن تكون المناسبة في قوله: "حتى قلت أي رب أو أنا معهم " لأنه وإن لم يكن فيه دعاء ففيه مناجاة واستعطاف، فيجمعه مع الذي قبله جواز دعاء الله ومناجاته بكل ما فيه خضوع، ولا يختص بما ورد في القرآن خلافا لبعض الحنفية. قوله: "أو أنا معهم" كذا للأكثر بهمزة الاستفهام بعدها واو عاطفة وهي على مقدر. وفي رواية كريمة بحذف الهمزة وهي مقدرة. قوله: "حسبت أنه قال تخدشها" قائل ذلك هو نافع بن عمر راوي الحديث، بينه الإسماعيلي، فالضمير في " أنه " لابن أبي مليكة. قوله: "لا هي أطعمتها" سقط لفظ: "هي " من رواية الكشميهني والحموي. قوله: "تأكل من خشيش - أو خشاش - الأرض" كذا في هذه الرواية على الشك، وكل من اللفظين بمعجمات مفتوح الأول والمراد حشرات الأرض، وأنكر الخطابي رواية خشيش، وضبطها بعضهم بضم أوله على التصغير من لفظ خشاش، فعلى هذا لا إنكار، ورواها بعضهم بحاء مهملة. وقال عياض هو تصحيف. وسيأتي الكلام على بقية فوائده في كتاب الكسوف، وعلى قصة المرأة صاحبة الهرة في كتاب بدء الخلق إن شاء الله تعالى.
(2/231)

91 - باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ


يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:34 AM
92 - باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ
750- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ
قوله: "باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة" قال ابن بطال: أجمعوا على كراهة رفع البصر في الصلاة، واختلفوا فيه خارج الصلاة في الدعاء، فكرهه شريح وطائفة، وأجازه الأكثرون لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة. قال عياض: رفع البصر إلى السماء في الصلاة فيه نوع إعراض عن القبلة، وخروج عن هيئة الصلاة. قوله: "حدثنا قتادة" فيه دفع لتعليل ما أخرجه ابن عدي في الكامل فأدخل بين سعيد بن أبي عروبة وقتادة رجلا، وقد أخرجه ابن ماجه من رواية عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن سعيد - وهو من أثبت أصحابه - وزاد في أوله بيان سبب هذا الحديث ولفظه: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بأصحابه، فلما قضى الصلاة أقبل عليهم بوجهه " فذكره، وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا لم يذكر نسا، وهي علة غير قادحة لأن سعيدا أعلم بحديث قتادة من معمر، وقد تابعه همام على وصله عن قتادة أخرجه السراج. قوله: "في صلاتهم" زاد مسلم من حديث أبي هريرة " عند الدعاء " فإن حمل المطلق على هذا المقيد اقتضى اختصاص الكراهة بالدعاء الواقع في الصلاة. وقد أخرجه ابن ماجه وابن حبان من حديث ابن عمر بغير تقييد ولفظه "لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء" يعني في الصلاة، وأخرجه بغير تقييد أيضا مسلم من حديث جابر بن سمرة والطبراني من حديث أبي سعيد الخدري وكعب بن مالك. وأخرج ابن
(2/233)

أبي شيبة من رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين " كانوا يلتفتون في صلاتهم حتى نزلت: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} فأقبلوا على صلاتهم ونظروا أمامهم، وكانوا يستحبون أن لا يجاوز بصر أحدهم موضع سجوده". ووصله الحاكم بذكر أبي هريرة فيه، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره: "فطأطأ رأسه". قوله: "لينتهين" كذا للمستملي والحموي بضم الياء وسكون النون وفتح المثناة والهاء والياء وتشديد النون على البناء للمفعول والنون للتأكيد، وللباقين " لينتهن " بفتح أوله وضم الهاء على البناء للفاعل. قوله: "أو لتخطفن أبصارهم" ولمسلم من حديث جابر بن سمرة " أو لا ترجع إليهم " يعني أبصارهم. واختلف في المراد بذلك: فقيل هو وعيد، وعلى هذا فالفعل المذكور حرام، وأفرط ابن حزم فقال: يبطل الصلاة. وقيل المعنى أنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلين كما في حديث أسيد بن حضير الآتي في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى، أشار إلى ذلك الداودي، ونحوه في جامع حماد بن سلمة عن أبي مجلز أحد التابعين. و " أو " هنا للتخيير نظير قوله تعالى: {تقاتلونهم أو يسلمون} أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة وإما الإسلام، وهو خبر في معنى الأمر .
(2/234)

93 - باب الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ"
[الحديث 751- طرفه في:3291]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ فَقَالَ شَغَلَتْنِي أَعْلاَمُ هَذِهِ اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةٍ "
قوله: "باب الالتفات في الصلاة" لم يبين المؤلف حكمه، لكن الحديث الذي أورده دل على الكراهة وهو إجماع، لكن الجمهور على أنها للتنزيه. وقال المتولي: يحرم إلا للضرورة، وهو قول أهل الظاهر. وورد في كراهية الالتفات صريحا على غير شرطه عدة أحاديث، منها عند أحمد وابن خزيمة من حديث أبي ذر رفعه: "لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه عنه انصرف " ومن حديث الحارث الأشعري نحوه وزاد: "فإذا صليتم فلا تلتفتوا " وأخرج الأول أيضا أبو داود والنسائي. والمراد بالالتفات المذكور ما لم يستدبر القبلة بصدره أو عنقه كله. وسبب كراهة الالتفات يحتمل أن يكون لنقص الخشوع، أو لترك استقبال القبلة ببعض البدن. قوله: "عن أبيه" هو أبو الشعثاء المحاربي، ووافق أبا الأحوص على هذا الإسناد شيبان عند ابن خزيمة وزائدة عند النسائي ومسعر عند ابن حبان، وخالفهم إسرائيل فرواه عن أشعث عن أبي عطية عن مسروق. ووقع عند البيهقي من رواية مسعر عن أشعث عن أبي وائل، فهذا اختلاف على أشعث، والراجح رواية أبي الأحوص. وقد رواه النسائي من طريق عمارة بن عمير عن أبي عطية عن عائشة ليس بينهما مسروق، ويحتمل أن يكون للأشعث فيه شيخان، أبوه وأبو عطية بناء على أن يكون أبو عطية حمله عن مسروق ثم لقي عائشة فحمله عنها.
(2/234)

وأما الرواية عن أبي وائل فشاذة لأنه لا يعرف من حديثه والله أعلم. قوله: "هو اختلاس" أي اختطاف بسرعة، ووقع في النهاية: والاختلاس افتعال من الخلسة وهي ما يؤخذ سلبا مكابرة، وفيه نظر. وقال غيره: المختلس الذي يخطف من غير غلبة ويهرب ولو مع معاينة المالك له والناهب يأخذ بقوة، والسارق يأخذ في خفية. فلما كان الشيطان قد يشغل المصلي عن صلاته بالالتفات إلى شيء ما بغير حجة يقيمها أشبه المختلس. وقال ابن بزيزة: أضيف إلى الشيطان لأن فيه انقطاعا. من ملاحظة التوجه إلى الحق سبحانه. وقال الطيبي: سمي اختلاسا تصويرا لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى، والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة. قوله: "يختلس" كذا للأكثر بحذف المفعول، وللكشميهني: "يختلسه " وهي رواية أبي داود عن مسدد شيخ البخاري. قيل: الحكمة في جعل سجود السهو جابرا للمشكوك فيه دون الالتفات وغيره مما ينقص الخشوع لأن السهو لا يؤاخذ به المكلف، فشرع له الجبر دون العمد ليتيقظ العبد له فيجتنبه. ثم أورد المصنف حديث عائشة في قصة أنبجانية أبي جهم، وقد تقدم الكلام عليه في " باب إذا صلى في ثوب له أعلام " في أوائل الصلاة. ووجه دخوله في الترجمة أن أعلام الخميصة إذا لحظها المصلي وهي على عاتقه كان قريبا من الالتفات ولذلك خلعها معللا بوقوع بصره على أعلامها وسماه شغلا عن صلاته، وكأن المصنف أشار إلى أن علة كراهة الالتفات كونه يؤثر في الخشوع كما وقع في قصة الخميصة. ويحتمل أن يكون أراد أن ما لا يستطاع دفعه معفو عنه، لأن لمح العين يغلب الإنسان ولهذا لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة. قوله: "شغلني" في رواية الكشميهني: "شغلتني " وهو أوجه، وكذا اختلفوا في " اذهبوا بها " أو " به". قوله: "إلى أبي جهم" كذا للأكثر وهو الصحيح، وللكشميهني جهيم بالتصغير.
(2/235)

94 - باب هَلْ يَلْتَفِتُ لِأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ أَوْ يَرَى شَيْئًا أَوْ بُصَاقًا فِي الْقِبْلَةِ
وَقَالَ سَهْلٌ الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
753- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْ النَّاسِ فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ انْصَرَفَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ أَحَدٌ قِبَلَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاَةِ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ
754- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ بَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ فَأَرْخَى السِّتْرَ وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ "
قوله: "باب هل يلتفت لأمر ينزل به أو يرى شيئا أو بصاقا في القبلة" الظاهر أن قوله: "في القبلة " يتعلق بقوله: "بصاقا " وأما قوله: "شيئا " فأعم من ذلك، والجامع بين جميع ما ذكر في الترجمة حصول التأمل المغاير للخشوع
(2/235)

وأنه لا يقدح إلا إذا كان لغير حاجة. قوله: "وقال سهل" هو ابن سعد، وهذا طرف من حديث تقدم موصولا في " باب من دخل ليؤم الناس"، ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكر بالإعادة، بل أشار إليه أن يتمادى على إمامته وكان التفاته لحاجة. قوله في حديث ابن عمر "بين يدي الناس" يحتمل أن يكون متعلقا بقوله: "وهو يصلي " أو بقوله: "رأى نخامة". قوله: "فحتها ثم قال حين انصرف" ظاهره أن الحت وقع منه داخل الصلاة، وقد تقدم من رواية مالك عن نافع غير مقيد بحال الصلاة، وسبق الكلام على فوائده في أواخر أبواب القبلة، وأورده هناك أيضا من رواية أبي هريرة وأبي سعيد وعائشة وأنس من طرق كلها غير مقيدة بحال الصلاة. قوله: "رواه موسى بن عقبة" وصله مسلم من طريقه. قوله: "وابن أبي رواد" اسم أبي رواد ميمون، ووصله أحمد عن عبد الرزاق عن عبد العزيز ابن أبي رواد المذكور وفيه أن الحك كان بعد الفراغ من الصلاة، فالغرض منه على هذا المتابعة في أصل الحديث. ثم أورد المصنف حديث أنس المتقدم في " باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة " قال ابن بطال: وجه مناسبته للترجمة أن الصحابة لما كشف صلى الله عليه وسلم الستر التفتوا إليه، ويدل على ذلك قول أنس " فأشار إليهم " ولولا التفاتهم لما رأوا إشارته ا هـ. ويوضحه كون الحجرة عن يسار القبلة فالناظر إلى إشارة من هو فيها يحتاج إلى أن يلتفت، ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالإعادة، بل أقرهم على صلاتهم بالإشارة المذكورة، والله أعلم.
(2/236)

95 - باب وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ
755- حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا أُصَلِّي صَلاَةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ قَالَ ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا إِلَى الْكُوفَةِ فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلاَّ سَأَلَ عَنْهُ وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ وَلاَ يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ قَالَ سَعْدٌ أَمَا وَاللَّهِ لاَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ وَأَطِلْ فَقْرَهُ وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ الْكِبَرِ وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ"
[الحديث755- طرفاه في: 770,758]
756- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
(2/236)

الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ "
757- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ وَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلاَثًا فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي فَقَالَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا
[الحديث 757- أطرافه في6667,6252,6251,793]
758- حدثنا أبو نعمان حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال : قال سعد " كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتي العشي لاأخرم عنها : أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين .فقال عمر رضي الله عنه : ذلك الظن بك "
قوله: "باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر" لم يذكر المنفرد لأن حكمه حكم الإمام، وذكر السفر لئلا يتخيل أنه يترخص فيه بترك القراءة كما رخص فيه بحذف بعض الركعات. قوله:"وما يجهر فيها وما يخافت" هو بضم أول كل منهما على البناء للمجهول، وتقدير الكلام وما يجهر به وما يخافت، لأنه لازم فلا يبنى منه، قال ابن رشيد: قوله: "وما يجهر " معطوف على قوله: "في الصلوات " لا على القراءة، والمعنى وجوب القراءة فيما يجهر فيه ويخافت، أي أن الوجوب لا يختص بالسرية دون الجهرية خلافا لمن فرق في المأموم. انتهى. وقد اعتنى البخاري بهذه المسألة فصنف فيها جزءا مفردا سنذكر ما يحتاج إليه في هذا الشرح من فوائده إن شاء الله تعالى. قوله: "حدثنا موسى" هو ابن إسماعيل. قوله: "عن جابر بن سمرة" هو الصحابي، ولأبيه سمرة بن جنادة صحبة أيضا. وقد صرح ابن عيينة بسماع عبد الملك له من جابر أخرجه أحمد وغيره. قوله: "شكا أهل الكوفة سعدا" هو ابن أبي وقاص، وهو خال ابن سمرة الراوي عنه. وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك عن جابر بن سمرة قال: "كنت جالسا عند عمر إذ جاء أهل الكوفة يشكون إليه سعد بن أبي وقاص حتى قالوا إنه لا يحسن الصلاة " انتهى. وفي قوله أهل الكوفة مجاز، وهو من إطلاق الكل على البعض، لأن الذين شكوه بعض أهل الكوفة لا كلهم، ففي رواية زائدة عن عبد الملك في صحيح أبي عوانة " جعل ناس من أهل الكوفة"، ونحوه لإسحاق بن راهويه عن جرير عن عبد الملك وسمى منهم عند سيف والطبراني الجراح بن سنان وقبيصة وأربد الأسديون، وذكر العسكري في الأوائل أن منهم الأشعث بن قيس. قوله: "فعزله" كان عمر بن الخطاب أمر سعد بن أبي وقاص على قتال الفرس في سنة أربع عشرة ففتح الله العراق على يديه، ثم اختط الكوفة سنة سبع عشرة واستمر عليها أميرا إلى سنة إحدى وعشرين في قول خليفة بن خياط، وعند الطبري سنة عشرين، فوقع له مع أهل الكوفة ما ذكر.
(2/237)

قوله: "واستعمل عليهم عمارا" هو ابن ياسر، قال خليفة: استعمل عمارا على الصلاة وابن مسعود على بيت المال وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض. انتهى. وكأن تخصيص عمار بالذكر لوقوع التصريح بالصلاة دون غيرها مما وقعت فيه الشكوى. قوله: "فشكوا" ليست هذه الفاء عاطفة على قوله: "فعزله " بل هي تفسيرية عاطفة على قوله شكا عطف تفسير، وقوله: "فعزله واستعمل " اعتراض إذ الشكوى كانت سابقة على العزل، وبينته رواية معمر الماضية. قوله: "حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي" ظاهره أن جهات الشكوى كانت متعددة، ومنها قصة الصلاة. وصرح بذلك في رواية أبي عون الآتية قريبا، فقال عمر: لقد شكوك في كل شيء حتى في الصلاة. وذكر ابن سعد وسيف أنهم زعموا أنه حابى في بيع خمس باعه. وأنه صنع على داره بابا مبوبا من خشب، وكان السوق مجاورا له فكان يتأذى بأصواتهم، فزعموا أنه قال: انقطع التصويت. وذكر سيف أنهم زعموا أنه كان يلهيه الصيد عن الخروج في السرايا. وقال الزبير بن بكار في " كتاب النسب ": رفع أهل الكوفة عليه أشياء كشفها عمر فوجدها باطلة اهـ. ويقويه قول عمر في وصيته " فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة " وسيأتي ذلك في مناقب عثمان. قوله: "فأرسل إليه فقال" فيه حذف تقديره فوصل إليه الرسول فجاء إلى عمر، وسيأتي تسمية الرسول. قوله: "يا أبا إسحاق" هي كنية سعد، كني بذلك بأكبر أولاده، وهذا تعظيم من عمر له، وفيه دلالة على أنه لم تقدح فيه الشكوى عنده. قوله: "أما أنا والله" أما بالتشديد وهي للتقسيم، والقسيم هنا محلوف تقديره وأما هم فقالوا ما قالوا. وفيه القسم في الخبر لتأكيده في نفس السامع، وجواب القسم يدل عليه قوله: "فإني كنت أصلي بهم". قوله: "صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" بالنصب أي مثل صلاة. قوله: "ما أخرم" بفتح أوله وكسر الراء أي لا أنقص، وحكى ابن التين عن بعض الرواة أنه بضم أوله ففعله من الرباعي واستضعفه. قوله: "أصلي صلاة العشاء" كذا هنا بالفتح والمد للجميع، غير الجرجاني فقال: "العشي"، وفي الباب الذي بعده " صلاتي العشي " بالكسر والتشديد لهم إلا الكشميهني، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن أبي عوانة بلفظ: "صلاتي العشي " وكذا في رواية عبد الرزاق عن معمر وكذا لزائدة في صحيح أبي عوانة وهو الأرجح، ويدل عليه التثنية، والمراد بهما الظهر والعصر ولا يبعد أن تقع التثنية في الممدود ويراد بهما المغرب والعشاء، لكن يعكر عليه قوله الأخريين لأن المغرب إنما لها أخرى واحدة والله أعلم. وأبدى الكرماني لتخصيص العشاء بالذكر حكمة، وهو أنه لما أتقن فعل هذه الصلاة التي وقتها وقت الاستراحة كان ذلك في غيرها بطريق الأولى وهو حسن، ويقال مثله في الظهر والعصر لأنهما وقت الاشتغال بالقائلة والمعاش. والأولى أن يقال: لعل شكواهم كانت في هاتين الصلاتين خاصة فلذلك خصهما بالذكر. قوله: "فأركد في الأوليين" قال القزاز: أركد أي أقيم طويلا، أي أطول فيهما القراءة. قلت: ويحتمل أن يكون التطويل بما هو أعم من القراءة كالركوع والسجود، لكن المعهود في التفرقة بين الركعات إنما هو في القراءة، وسيأتي قريبا من رواية أبي عون عن جابر بن سمرة " أمد في الأوليين " والأوليين بتحتانيتين تثنية الأولى وكذا الأخريين. قوله: "وأخف" بضم أوله وكسر الخاء المعجمة. وفي رواية الكشميهني وأحذف بفتح أوله وسكون المهملة، وكذا هو في رواية عثمان بن سعيد الدارمي عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه أخرجه البيهقي، وكذا هو في جميع طرق هذا الحديث التي وقفت عليها، إلا أن في رواية محمد بن كثير عن شعبة عند الإسماعيلي بالميم
ـــــــ
(1) هو محمد بن عبيد الله الثقفي
(2/238)

بدل الفاء، والمراد بالحذف حذف التطويل لا حذف أصل القراءة فكأنه قال أحذف الركود. قوله: "ذلك الظن بك" أي هذا الذي تقول هو الذي كنا نظنه، زاد مسعر عن عبد الملك وابن عون معا " فقال سعد أتعلمني الأعراب الصلاة " أخرجه مسلم، وفيه دلالة على أن الذين شكوه لم يكونوا من أهل العلم، وكأنهم ظنوا مشروعية التسوية بين الركعات فأنكروا على سعد التفرقة، فيستفاد منه ذم القول بالرأي الذي لا يستند إلى أصل، وفيه أن القياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار، قال ابن بطال: وجه دخول حديث سعد في هذا الباب أنه لما قال: "أركد وأخف " علم أنه لا يترك القراءة في شيء من صلاته، وقد قال إنها مثل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختصره الكرماني فقال: ركود الإمام يدل على قراءته عادة. قال ابن رشيد: ولهذا أتبع البخاري في الباب الذي بعده حديث سعد بحديث أبي قتادة كالمفسر له. قلت: وليس في حديث أبي قتادة هنا ذكر القراءة في الأخريين. نعم هو مذكور من حديثه بعد عشرة أبواب، وإنما تتم الدلالة على الوجوب إذا ضم إلى ما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي " فيحصل التطابق بهذا لقوله: "القراءة للإمام " وما ذكر من الجهر والمخافتة، وأما الحضر والسفر وقراءة المأموم فمن غير حديث سعد مما ذكر في الباب، وقد يؤخذ السفر والحضر من إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يفصل بين الحضر والسفر، وأما وجوب القراءة على الإمام فمن حديث عبادة في الباب، ولعل البخاري اكتفى بقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته وهو ثالث أحاديث الباب: "وافعل ذلك في صلاتك كلها"، وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإسماعيلي وغيره حيث قال: لا دلالة في حديث سعد على وجوب القراءة، وإنما فيه تخفيفها في الأخريين عن الأوليين. قوله: "فأرسل معه رجلا أو رجالا" كذا لهم بالشك. وفي رواية ابن عيينة " فبعث عمر رجلين " وهذا يدل على أنه أعاده إلى الكوفة ليحصل له الكشف عنه بحضرته ليكون أبعد من التهمة، لكن كلام سيف يدل على أن عمر إنما سأله عن مسألة الصلاة بعد ما عاد به محمد بن مسلمة من الكوفة. وذكر سيف والطبري أن رسول عمر بذلك محمد بن مسلمة قال: وهو الذي كان يقتص آثار من شكى من العمال في زمن عمر. وحكى ابن التين أن عمر أرسل في ذلك عبد الله بن أرقم، فإن كان محفوظا فقد عرف الرجلان. وروى ابن سعد من طريق مليح بن عوف السلمي قال: بعث عمر محمد بن مسلمة وأمرني بالمسير معه وكنت دليلا بالبلاد، فذكر القصة وفيها " وأقام سعدا في مساجد الكوفة يسألهم عنه " وفي رواية إسحاق عن جرير " فطيف به في مساجد الكوفة". قوله: "ويثنون عليه معروفا" في رواية ابن عيينة " فكلهم يثني عليه خيرا". قوله: "لبني عبس" بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها مهملة قبيلة كبيرة من قيس. قوله: "أبا سعدة" بفتح المهملة بعدها مهملة ساكنة، زاد سيف في روايته: "فقال محمد بن مسلمة: أنشد الله رجلا يعلم حقا إلا قال". قوله: "أما" بتشديد الميم، وقسيمها محذوف أيضا، قوله: "نشدتنا " أي طلبت منا القول. قوله: "لا يسير بالسرية" الباء للمصاحبة والسرية بفتح المهملة وكسر الراء المخففة قطعة من الجيش، ويحتمل أن يكون صفة لمحذوف أي لا يسير بالطريقة السرية أي العادلة، والأول أولى لقوله بعد ذلك: "ولا يعدل". والأصل عدم التكرار، والتأسيس أولى من التأكيد. ويؤيده رواية جرير وسفيان بلفظ: "ولا ينفر في السرية". قوله: "في القضية" أي الحكومة. وفي رواية سفيان وسيف " في الرعية". قوله: "قال سعد" في رواية جرير " فغضب سعد". وحكى ابن التين أنه قال: "أعلى تسجع". قوله: "أما والله" بتخفيف الميم حرف استفتاح. قوله: "لأدعون بثلاث" أي عليك، والحكمة في ذلك أنه نفى عنه الفضائل الثلاث وهي الشجاعة حيث قال: "لا ينفر " والعفة حيث قال: "لا
(2/239)

يقسم " والحكمة حيث قال: "لا يعدل " فهذه الثلاثة تتعلق بالنفس والمال والدين، فقابلها بمثلها: فطول العمر يتعلق بالنفس، وطول الفقر يتعلق بالمال، والوقوع في الفتن يتعلق بالدين، ولما كان في الثنتين الأوليين ما يمكن الاعتذار عنه دون الثالثة قابلهما بأمرين دنيويين والثالثة بأمر ديني، وبيان ذلك أن قوله: "لا ينفر بالسرية " يمكن أن يكون حقا لكن رأى المصلحة في إقامته ليرتب مصالح من يغزو ومن يقيم، أو كان له عذر كما وقع وهو في القادسية وقوله: "لا يقسم بالسوية " يمكن أن يكون حقا فإن للإمام تفضيل أهل الغناء في الحرب والقيام بالمصالح، وقوله: "لا يعدل في القضية " هو أشدها لأنه سلب عنه العدل مطلقا وذلك قدح في الدين، ومن أعجب العجب أن سعدا مع كون هذا الرجل واجهة بهذا وأغضبه حتى دعا عليه في حال غضبه راعى العدل والإنصاف في الدعاء عليه، إذ علقه بشرط أن يكون كاذبا وأن يكون الحامل له على ذلك الغرض الدنيوي. قوله: "رياء وسمعة" أي ليراه الناس ويسمعوه فيشهروا ذلك عنه فيكون له بذلك ذكر، وسيأتي مزيد في ذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى. قوله: "وأطل فقره" في رواية جرير " وشدد فقره " وفي رواية سيف " وأكثر عياله " قال الزين ابن المنير: في الدعوات الثلاث مناسبة للحال، أما طول عمره فليراه من سمع بأمره فيعلم كرامة سعد، وأما طول فقره فلنقيض مطلوبه لأن حاله يشعر بأنه طلب أمرا دنيويا، وأما تعرضه للفتن فلكونه قام فيها ورضيها دون أهل بلده". قوله: "فكان بعد" أي أبو سعدة، وقائل ذلك عبد الملك بن عمير بينه جرير في روايته. قوله: "إذا سئل" في رواية ابن عيينة " إذ قيل له كيف أنت". قوله: "شيخ كبير مفتون" قيل لم يذكر الدعوة الأخرى وهي الفقر لكن عموم قوله: "أصابتني دعوة سعد " يدل عليه. قلت: قد وقع التصريح به في رواية الطبراني من طريق أسد بن موسى. وفي رواية أبي يعلى عن إبراهيم بن الحجاج كلاهما عن أبي عوانة ولفظه: "قال عبد الملك: فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك، فإذا سألوه قال: كبير فقير مفتون " وفي رواية إسحاق عن جرير " فافتقر وافتتن " وفي رواية سيف " فعمى واجتمع عنده عشر بنات، وكان إذا سمع بحس المرأة تشبث بها، فإذا أنكر عليه قال: دعوة المبارك سعد " وفي رواية ابن عيينة " ولا تكون فتنة إلا وهو فيها " وفي رواية محمد بن جحادة عن مصعب ابن سعد نحو هذه القصة قال: "وأدرك فتنة المختار فقتل فيها " رواه المخلص في فوائده. ومن طريقه ابن عساكر. وفي رواية سيف أنه عاش إلى فتنة الجماجم وكانت سنة ثلاث وثمانين، وكانت فتنة المختار حين غلب على الكوفة من سنة خمس وستين إلى أن قتل سنة سبع وستين. قوله: "دعوة سعد" أفردها لإرادة الجنس وإن كانت ثلاث دعوات، وكان سعد معروفا بإجابة الدعوة، روى الطبراني من طريق الشعبي قال: "قيل لسعد متى أصبت الدعوة؟ قال: يوم بدر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم استجب لسعد " وروى الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق قيس بن أبي حازم عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم استجب لسعد إذا دعاك" . وفي هذا الحديث من الفوائد سوى ما تقدم جواز عزل الإمام بعض عماله إذا شكى إليه وإن لم يثبت عليه شيء إذا اقتضت ذلك المصلحة، قال مالك: قد عزل عمر سعدا وهو أعدل من يأتي بعده إلى يوم القيامة. والذي يظهر أن عمر عزله حسما لمادة الفتنة، ففي رواية سيف " قال عمر: لولا الاحتياط وأن لا يتقي من أمير مثل سعد لما عزلته". وقيل عزله إيثارا لقربه منه لكونه من أهل الشورى، وقيل لأن مذهب عمر أنه لا يستمر بالعامل أكثر من أربع سنين. وقال المازري: اختلفوا هل يعزل القاضي بشكوى الواحد أو الاثنين أو لا يعزل حتى يجتمع الأكثر على الشكوى منه؟ وفيه استفسار العامل عما قيل فيه، والسؤال
(2/240)

عمن شكى في موضع عمله، والاقتصار في المسألة على من يظن به الفضل. وفيه أن السؤال عن عدالة الشاهد ونحوه يكون ممن يجاوره، وأن تعريض العدل للكشف عن حاله لا ينافي قبول شهادته في الحال. وفيه خطاب الرجل الجليل بكنيته، والاعتذار لمن سمع في حقه كلام يسوؤه. وفيه الفرق بين الافتراء الذي يقصد به السب، والافتراء الذي يقصد به دفع الضرر، فيعزر قائل الأول دون الثاني. ويحتمل أن يكون سعد لم يطلب حقه منهم أو عفا عنهم واكتفى بالدعاء على الذي كشف قناعه في الافتراء عليه دون غيره فإنه صار كالمنفرد بأذيته. وقد جاء في الخبر " من دعا على ظالمه فقد انتصر " فلعله أراد الشفقة عليه بأن عجل له العقوبة في الدنيا، فانتصر لنفسه وراعى حال من ظلمه لما كان فيه من وفور الديانة. ويقال إنه إنما دعا عليه لكونه انتهك حرمة من صحب صاحب الشريعة، وكأنه قد انتصر لصاحب الشريعة. وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه، وليس هو من طلب وقوع المعصية، ولكن من حيث أنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته. ومن هذا القبيل مشروعية طلب الشهادة وإن كانت تستلزم ظهور الكافر على المسلم، ومن الأول قول موسى عليه السلام: {ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم} الآية. وفيه سلوك الورع في الدعاء، واستدل به على أن الأوليين من الرباعية متساويتان في الطول، وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي بعده. قوله: "عن محمود بن الربيع" في رواية الحميدي عن سفيان " حدثنا الزهري سمعت محمود بن الربيع " ولابن أبي عمر عن سفيان بالإسناد عند الإسماعيلي: "سمعت عبادة بن الصامت " ولمسلم من رواية صالح بن كيسان " عن ابن شهاب أن محمود بن الربيع أخبره أن عبادة بن الصامت أخبره"، وبهذا التصريح بالإخبار يندفع تعليل من أعله بالانقطاع لكون بعض الرواة أدخل بين محمود وعبادة رجلا وهي رواية ضعيفة عند الدار قطني. قوله: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" زاد الحميدي عن سفيان " فيها " كذا في مسنده. وهكذا رواه يعقوب بن سفيان عن الحميدي، أخرجه البيهقي. وكذا لابن أبي عمر عند الإسماعيلي، ولقتيبة وعثمان ابن أبي شيبة عند أبي نعيم في المستخرج، وهذا يعين أن المراد القراءة في نفس الصلاة، قال عياض: قيل يحمل على نفي الذات وصفاتها، لكن الذات غير منتفية فيخص بدليل خارج، ونوزع في تسليم عدم نفي الذات على الإطلاق لأنه إن ادعى أن المراد بالصلاة معناها اللغوي فغير مسلم، لأن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه لأنه المحتاج إليه فيه لكونه بعث لبيان الشرعيات لا لبيان موضوعات اللغة، وإذا كان المنفي الصلاة الشرعية استقام دعوى نفي الذات، فعلى هذا لا يحتاج إلى إضمار الإجزاء ولا الكمال، لأنه يؤدي إلى الإجمال كما نقل عن القاضي أبي بكر وغيره حتى مال إلى التوقف، لأن نفي الكمال يشعر بحصول الإجزاء فلو قدر الإجزاء منتفيا لأجل العموم قدر ثابتا لأجل إشعار نفي الكمال بثبوته فيتناقض، ولا سبيل إلى إضمارهما معا لأن الإضمار إنما احتيج إليه للضرورة، وهي مندفعة بإضمار فرد فلا حاجة إلى أكثر منه، ودعوى إضمار أحدهما ليست بأولى من الآخر، قاله ابن دقيق العيد، وفي هذا الأخير نظر لأنا إن سلمنا تعذر الحمل على الحقيقة فالحمل على أقرب المجازين إلى الحقيقة أولى من الحمل على أبعدهما، ونفي الإجزاء أقرب إلى نفي الحقيقة وهو السابق إلى الفهم، ولأنه يستلزم نفي الكمال من غير عكس فيكون أولى، ويؤيده رواية الإسماعيلي من طريق العباس بن الوليد النرسي أحد شيوخ البخاري عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " وتابعه على ذلك زياد بن أيوب أحد الإثبات أخرجه الدار قطني، وله شاهد من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بهذا اللفظ، أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، ولأحمد
(2/241)

من طريق عبد الله بن سوادة القشيري عن رجل عن أبيه مرفوعا: "لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن " وقد أخرج ابن خزيمة عن محمد بن الوليد القرشي عن سفيان حديث الباب بلفظ: "لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب " فلا يمتنع أن يقال إن قوله: "لا صلاة " نفي بمعنى النهي أي لا تصلوا إلا بقراءة فاتحة الكتاب، ونظيره ما رواه مسلم من طريق القاسم عن عائشة مرفوعا: "لا صلاة بحضرة الطعام " فإنه في صحيح ابن حبان بلفظ: "لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام " أخرجه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل وغيره عن يعقوب بن مجاهد عن القاسم، وابن حبان من طريق حسين بن علي وغيره عن يعقوب به. وأخرج له ابن حبان أيضا شاهدا من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ، وقد قال بوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة الحنفية لكن بنوا على قاعدتهم أنها مع الوجوب ليست شرطا في صحة الصلاة لأن وجوبها إنما ثبت بالسنة، والذي لا تتم الصلاة إلا به فرض، والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن، وقد قال تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} فالفرض قراءة ما تيسر، وتعيين الفاتحة إنما ثبت بالحديث فيكون واجبا يأثم من يتركه وتجزئ الصلاة بدونه، وإذا تقرر ذلك لا ينقضي عجبي ممن يتعمد ترك قراءة الفاتحة منهم وترك الطمأنينة فيصلي صلاة يريد أن يتقرب بها إلى الله تعالى وهو يتعمد ارتكاب الإثم فيها مبالغة في تحقيق مخالفته لمذهب غيره، واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة بناء على أن الركعة الواحدة تسمى صلاة لو تجردت، وفيه نظر لأن قراءتها في ركعة واحدة من الرباعية مثلا يقتضي حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة، والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة، والأصل أيضا عدم إطلاق الكل على البعض، لأن الظهر مثلا كلها صلاة واحدة حقيقة كما صرح به في حديث الإسراء حيث سمى المكتوبات خمسا، وكذا حديث عبادة " خمس صلوات كتبهن الله على العباد " وغير ذلك، فإطلاق الصلاة على ركعة منها يكون مجازا، قال الشيخ تقي الدين: وغاية ما في هذا البحث أن يكون في الحديث دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة في كل ركعة واحدة منها، فإن دل دليل خارج منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدما. انتهى. وقال بمقتضى هذا البحث الحسن البصري رواه عنه ابن المنذر بإسناد صحيح، ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم: "وافعل ذلك في صلاتك كلها " بعد أن أمره بالقراءة. وفي رواية لأحمد وابن حبان: "ثم افعل ذلك في كل ركعة " ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري له عقب حديث عبادة " واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسر الإمام أم جهر، لأن صلاته صلاة حقيقة فتنتفي عند انتفاء القراءة إلا إن جاء دليل يقتضي تخصيص صلاة المأموم من هذا العموم فيقدم، قاله الشيخ تقي الدين، واستدل من أسقطها عن المأموم مطلقا كالحنفية بحديث: "من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة " لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ، وقد استوعب طرقه وعلله الدار قطني وغيره، واستدل من أسقطها عنه في الجهرية كالمالكية بحديث: "وإذا قرأ فأنصتوا " وهو حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري، ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين الأمرين: فينصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام ويقرأ إذا سكت، وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم لئلا يوقعه في ارتكاب النهي حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام، وقد ثبت الإذن بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد، وذلك فيما أخرجه البخاري في " جزء القراءة " والترمذي وابن حبان وغيرهما من رواية مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة " أن النبي صلى الله عليه وسلم ثقلت عليه القراءة في الفجر، فلما فرغ قال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" ، والظاهر أن حديث الباب مختصر
(2/242)

من هذا وكان هذا سببه والله أعلم. وله شاهد من حديث أبي قتادة عند أبي داود والنسائي، ومن حديث أنس عند ابن حبان، وروى عبد الرزاق عن سعيد بن جبير قال: لابد من أم القرآن، ولكن من مضى كان الإمام يسكت ساعة قدر ما يقرأ المأموم بأم القرآن. "فائدة": زاد معمر عن الزهري في آخر حديث الباب: "فصاعدا " أخرجه النسائي وغيره، واستدل به على وجوب قدر زائد على الفاتحة. وتعقب بأنه ورد لدفع توهم قصر الحكم على الفاتحة، قال البخاري في " جزء القراءة ": هو نظير قوله: "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " وادعى ابن حبان والقرطبي وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد عليها، وفيه نظر لثبوته عن بعض الصحابة ومن بعدهم فيما رواه ابن المنذر وغيره، ولعلهم أرادوا أن الأمر استقر على ذلك، وسيأتي بعد ثمانية أبواب حديث أبي هريرة " وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت " ولابن خزيمة من حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فصلى ركعتين لم يقرأ فيها إلا بفاتحة الكتاب" حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته سيأتي الكلام عليه بعد أربعة وعشرين بابا، وموضع الحاجة منه هنا قوله: "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " وكأنه أشار بإبراده عقب حديث عبادة أن الفاتحة إنما تتحتم على من يحسنها، وأن من لا يحسنها يقرأ بما تيسر عليه، وأن إطلاق القراءة في حديث أبي هريرة مقيد بالفاتحة كما في حديث عبادة والله أعلم. قال الخطابي: قوله: "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " ظاهر الإطلاق التخيير، لكن المراد به فاتحة الكتاب لمن أحسنها بدليل حديث عبادة، وهو كقوله تعالى: {فما استيسر من الهدى} ثم عينت السنة المراد. وقال النووي: قوله: "ما تيسر " محمول على الفاتحة فإنها متيسرة، أو على ما زاد من الفاتحة بعد أن يقرأها، أو على من عجز عن الفاتحة. وتعقب بأن قوله: "ما تيسر " لا إجمال فيه حتى يبين بالفاتحة، والتقييد بالفاتحة ينافي التيسير الذي يدل عليه الإطلاق فلا يصح حمله عليه. وأيضا فسورة الإخلاص متيسرة وهي أقصر من الفاتحة فلم ينحصر التيسير في الفاتحة، وأما الحمل على ما زاد فمبني على تسليم تعين الفاتحة وهي محل النزاع. وأما حمله على من عجز فبعيد، والجواب القوي عن هذا أنه ورد في حديث المسيء صلاته تفسير ما تيسر بالفاتحة كما أخرجه أبو داود من حديث رفاعة بن رافع رفعه: "وإذا قمت فتوجهت فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ، وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك " الحديث. ووقع فيه في بعض طرقه: "ثم اقرأ إن كان معك قرآن، فإن لم يكن فاحمد الله وكبر وهلل " فإذا جمع بين ألفاظ الحديث كان تعين الفاتحة هو الأصل لمن معه قرآن، فإن عجز عن تعلمها وكان معه شيء من القرآن قرأ ما تيسر، وإلا انتقل إلى الذكر. ويحتمل الجمع أيضا أن يقال: المراد بقوله: "فاقرأ ما تيسر معك من القرآن " أي بعد الفاتحة، ويؤيده حديث أبي سعيد عند أبي داود بسند قوي " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر" .
(2/243)

96 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ
759- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ "
(2/243)

[الحديث 759 – أطرافه : 779.778.776.762]
760- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ سَأَلْنَا خَبَّابًا أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ "
قوله: "باب القراءة في الظهر" هذه الترجمة والتي بعدها يحتمل أن يكون المراد بهما إثبات القراءة فيهما وأنها تكون سرا إشارة إلى من خالف في ذلك كابن عباس كما سيأتي البحث فيه بعد ثمانية أبواب، ويحتمل أن يراد به تقدير المقروء أو تعينه، والأول أظهر لكونه لم يتعرض في البابين لإخراج شيء مما يتعلق بالاحتمال الثاني، وقد أخرج مسلم وغيره في ذلك أحاديث مختلفة سيأتي بعضها، وجمع بينها بوقوع ذلك في أحوال متغايرة، إما لبيان الجواز أو لغير ذلك من الأسباب، واستدل ابن العربي باختلافها على عدم مشروعية سورة معينة في صلاة معينة، وهو واضح فيما اختلف لا فيما لم يختلف كتنزيل وهل أتى في صبح الجمعة. قوله: "حدثنا شيبان" هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير. قوله: "عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه" في رواية الجوزقي من طريق عبيد الله بن موسى عن شيبان التصريح بالإخبار ليحيى من عبد الله ولعبد الله من أبيه، وكذا للنسائي من رواية الأوزاعي عن يحيى لكن بلفظ التحديث فيهما، وكذا عنده من رواية أبي إبراهيم القناد عن يحيى حدثني عبد الله فأمن بذلك تدليس يحيى. قوله: "الأوليين" بتحتانيتين الأولى. قوله: "صلاة الظهر" فيه جواز تسمية الصلاة بوقتها. قوله: "وسورتين" أي في كل ركعة سورة كما سيأتي صريحا في الباب الذي بعده، واستدل به على أن قراءة سورة أفضل من قراءة قدرها من طويلة قاله النووي، وزاد البغوي: ولو قصرت السورة عن المقروء، كأنه مأخوذ من قوله كان يفعل، لأنها تدل على الدوام أو الغالب قوله: "يطول في الأولى ويقصر في الثانية" قال الشيخ تقي الدين: كان السبب في ذلك أن النشاط في الأولى يكون أكثر فناسب التخفيف في الثانية حذرا من الملل. انتهى. وروى عبد الرزاق عن معمر عن يحيى في آخر هذا الحديث: "فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة"، ولأبي داود وابن خزيمة نحوه من رواية أبي خالد عن سفيان عن معمر، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: إني لأحب أن يطول الإمام الركعة الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس، واستدل به على استحباب تطويل الأولى على الثانية وسيأتي في باب مفرد، وجمع بينه وبين حديث سعد الماضي حيث قال: "أمد في الأوليين " أن المراد تطويلهما على الأخريين لا التسوية بينهما في الطول. وقال من استحب استواءهما: إنما طالت الأولى بدعاء الافتتاح والتعوذ، وأما في القراءة فهما سواء، ويدل عليه حديث أبي سعيد عند مسلم: "كان يقرأ في الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية " وفي رواية لابن ماجه أن الذين حزروا ذلك كانوا ثلاثين من الصحابة، وادعى ابن حبان أن الأولى إنما طالت على الثانية بالزيادة في الترتيل فيها مع استواء المقروء فيهما، وقد روى مسلم من حديث حفصة " أنه صلى الله عليه وسلم كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها" ، واستدل به بعض الشافعية على جواز تطويل الإمام في الركوع لأجل الداخل، قال القرطبي: ولا حجة فيه، لأن الحكمة لا يعلل بها لخفائها أو لعدم انضباطها، ولأنه لم يكن يدخل في الصلاة يريد تقصير تلك الركعة ثم يطيلها لأجل الآتي، وإنما كان يدخل فيها ليأتي بالصلاة على سنتها من
(2/244)

تطويل الأولى، فافترق الأصل والفرع فامتنع الإلحاق. انتهى. وقد ذكر البخاري في " جزء القراءة " كلاما معناه أنه لم يرد عن أحد من السلف في انتظار الداخل في الركوع شيء والله أعلم. ولم يقع في حديث أبي قتادة هذا هنا ذكر القراءة في الأخريين، فتمسك به بعض الحنفية على إسقاطها فيهما، لكنه ثبت في حديثه من وجه آخر كما سيأتي من حديثه بعد عشرة أبواب. قوله: "ويسمع الآية أحيانا" في الرواية الآتية " ويسمعنا " وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية شيبان، وللنسائي من حديث البراء " كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات " ولابن خزيمة من حديث أنس نحوه لكن قال: "بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية " واستدل به على جواز الجهر في السرية وأنه لا سجود على من فعل ذلك خلافا لمن قال ذلك من الحنفية وغيرهم سواء قلنا كان يفعل ذلك عمدا لبيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر، وفيه حجة على من زعم أن الإسرار شرط لصحة الصلاة السرية. وقوله: "أحيانا " يدل على تكرر ذلك منه. وقال ابن دقيق العيد: فيه دليل على جواز الاكتفاء بظاهر الحال في الأخبار دون التوقف على اليقين، لأن الطريق إلى العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلا بسماع كلها، وإنما يفيد يقين ذلك لو كان في الجهرية، وكأنه مأخوذ من سماع بعضها مع قيام القرينة على قراءة باقيها.ويحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخبرهم عقب الصلاة دائما أو غالبا بقراءة السورتين، وهو بعيد جدا والله أعلم. قوله: "حدثنا عمر" هو ابن حفص بن غياث. قوله: "حدثني عمارة" هو ابن عمير كما في الباب الذي بعده. قوله: "عن أبي معمر" هو عبد الله بن سخبرة بفتح المهملة والموحدة بينهما خاء معجمة ساكنة الأزدي، وأفاد الدمياطي أن لأبيه صحبة، ووهمه بعضهم في ذلك فإن الصحابي أخرج حديثه الترمذي وقال في سياقه " عن سخبرة وليس بالأزدي". قلت: لكن جزم البخاري وابن أبي خيثمة وابن حبان بأنه الأزدي، والعلم عند الله. قوله: "باضطراب لحيته" فيه الحكم بالدليل لأنهم حكموا باضطراب لحيته على قراءته، لكن لا بد من قرينة تعين القراءة دون الذكر والدعاء مثلا لأن اضطراب اللحية يحصل بكل منهما، وكأنهم نظروه بالصلاة الجهرية لأن ذلك المحل منها هو محل القراءة لا الذكر والدعاء، وإذا انضم إلى ذلك قول أبي قتادة " كان يسمعنا الآية أحيانا " قوي الاستدلال، والله أعلم. وقال بعضهم: احتمال الذكر ممكن لكن جزم الصحابي بالقراءة مقبول، لأنه أعرف بأحد المحتملين فيقبل تفسيره، واستدل به المصنف على مخافتته القراءة في الظهر والعصر كما سيأتي، وعلى رفع بصر المأموم إلى الإمام كما مضى، واستدل به البيهقي على أن الإسرار بالقراءة لا بد فيه من إسماع المرء نفسه، وذلك لا يكون إلا بتحريك اللسان والشفتين، بخلاف ما لو أطبق شفتيه وحرك لسانه بالقراءة فإنه لا تضطرب بذلك لحيته فلا يسمع نفسه. انتهى وفيه نظر لا يخفى.
(2/245)

97 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْعَصْرِ
761- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ قُلْتُ لِخَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ نَعَمْ قَالَ قُلْتُ بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ "
(2/245)

762- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا "
قوله: "باب القراءة في العصر" أورد فيه حديث خباب المذكور قبله، وكذا حديث أبي قتادة مختصرا، وقد تقدم الكلام عليهما في الباب الذي قبله وعلى ما يؤخذ من الترجمة تصريحا أو إشارة. قوله: "قلنا" في رواية الحموي والمستملي: "قلت لخباب". قوله: "ابن الأرت" بفتح الراء وتشديد المثناة الفوقانية.قوله: "هشام" هو الدستوائي.
(2/246)

98 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ
763- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ وَاللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ إِنَّهَا لاَخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ "
[الحديث 763- طرفه في 4429]
764- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارٍ وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ
قوله: "باب القراءة في المغرب" المراد تقديرها لا إثباتها لكونها جهرية، بخلاف ما تقدم في " باب القراءة في الظهر " من أن المراد إثباتها. قوله: "أن أم الفضل" هي والدة ابن عباس الراوي عنها، وبذلك صرح الترمذي في روايته فقال: "عن أمه أم الفضل " وقد تقدم في المقدمة أن اسمها لبابة بنت الحارث الهلالية، ويقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة، والصحيح أخت عمر زوج سعيد بن زيد لما سيأتي في المناقب من حديثه " لقد رأيتني وعمر موثقي وأخته على الإسلام " واسمها فاطمة. قوله: "سمعته" أي سمعت ابن عباس، وفيه التفات لأن السياق يقتضي أن يقول سمعتني. قوله: "لقد ذكرتني" أي شيئا نسيته، وصرح عقيل في روايته عن ابن شهاب أنها آخر صلوات النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه: "ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله " أورده المصنف في " باب الوفاة " وقد تقدم في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به " من حديث عائشة أن الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مرض موته كانت الظهر، وأشرنا إلى الجمع بينه وبين حديث أم الفضل هذا بأن الصلاة التي حكتها عائشة كانت في المسجد، والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته كما رواه النسائي، لكن يعكر عليه رواية ابن إسحاق عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ: "خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب " الحديث أخرجه الترمذي، ويمكن حمل قولها " خرج إلينا " أي من مكانه الذي كان راقدا فيه إلى من في البيت فصلى بهم، فتلتئم الروايات. قوله: "يقرأ بها" هو في موضع الحال أي سمعته في حال قراءته. قوله: "عن ابن أبي مليكة" في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج " حدثني ابن أبي مليكة " ومن طريقة أخرجه أبو داود وغيره. قوله: "عن عروة" في رواية الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج " سمعت ابن أبي مليكة أخبرني عروة أن مروان أخبره". قوله: "قال لي زيد بن ثابت مالك تقرأ" كان مروان حينئذ أميرا على المدينة من قبل معاوية. قوله: "بقصار" كذا للأكثر بالتنوين وهو عوض عن
(2/246)

المضاف إليه. وفي رواية الكشميهني: "بقصار المفصل " وكذا للطبراني عن أبي مسلم الكجي، وللبيهقي من طريق الصغاني كلاهما عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه، وكذا في جميع الروايات عند أبي داود والنسائي وغيرهما، لكن في رواية النسائي: "بقصار السور " وعند النسائي من رواية أبي الأسود عن عروة عن زيد بن ثابت أنه قال لمروان " أبا عبد الملك، أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وإنا أعطيناك الكوثر"، وصرح الطحاوي من هذا الوجه بالإخبار بين عروة وزيد، فكأن عروة سمعه من مروان عن زيد ثم لقي زيدا فأخبره. قوله: "وقد سمعت" استدل به ابن المنير على أن ذلك وقع منه صلى الله عليه وسلم نادرا، قال: لأنه لو لم يكن كذلك لقال كان يفعل يشعر بأن عادته كانت كذلك. انتهى. وغفل عما في رواية البيهقي من طريق أبي عاصم شيخ البخاري فيه بلفظ: "لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ" ، ومثله في رواية حجاج عن ابن جريج عند الإسماعيلي. قوله: "بطولي الطوليين" أي بأطول السورتين الطويلتين وطولي تأنيث أطول، والطوليين بتحتانيتين تثنية طولى، وهذه رواية الأكثر. ووقع في رواية كريمة: "بطول " بضم الطاء وسكون الواو، ووجهه الكرماني بأنه أطلق المصدر وأراد الوصف أي كان يقرأ بمقدار طول الطوليين وفيه نظر لأنه يلزم منه أن يكون قرأ بقدر السورتين، وليس هو المراد كما سنوضحه. وحكى الخطابي أنه ضبطه عن بعضهم بكسر الطاء وفتح الواو. قال: وليس بشيء، لأن الطول الحبل ولا معنى له هنا. انتهى. ووقع في رواية الإسماعيلي: "بأطول الطوليين " بالتذكير، ولم يقع تفسيرهما في رواية البخاري. ووقع في رواية أبي الأسود المذكورة " بأطول الطوليين المص " وفي رواية أبي داود " قال قلت وما طولي الطوليين؟ قال: الأعراف " وبين النسائي في رواية له أن التفسير من قول عروة ولفظه: "قال قلت يا أبا عبد الله " وهي كنية عروة. وفي رواية البيهقي " قال فقلت لعروة". وفي رواية الإسماعيلي: "قال ابن أبي مليكة وما طولي الطوليين " زاد أبو داود " قال - يعني ابن جريج - وسألت أنا ابن أبي مليكة فقال لي من قبل نفسه المائدة والأعراف " كذا رواه عن الحسن بن علي عن عبد الرزاق. وللجوزقي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن عبد الرزاق مثله لكن قال: "الأنعام " بدل المائدة وكذا في رواية حجاج بن محمد والصغاني المذكورتين، وعند أبي مسلم الكجي عن أبي عاصم بدل الأنعام يونس أخرجه الطبراني وأبو نعيم في المستخرج، فحصل الاتفاق على تفسير الطولي بالأعراف، وفي تفسير الأخرى ثلاثة أقوال المحفوظ منها الأنعام، قال ابن بطال: البقرة أطول السبع الطوال فلو أرادها لقال طولى الطوال، فلما لم يردها دل على أنه أراد الأعراف لأنها أطول السور بعد البقرة. وتعقب بأن النساء أطول من الأعراف، وليس هذا التعقيب بمرضي لأنه اعتبر عدد الآيات وعدد آيات الأعراف أكثر من عدد آيات النساء وغيرها من السبع بعد البقرة والمتعقب اعتبر عدد الكلمات لأن كلمات النساء تزيد على كلمات الأعراف بمائتي كلمة. وقال ابن المنير: تسمية الأعراف والأنعام بالطوليين إنما هو لعرف فيهما لا أنهما أطول من غيرهما والله أعلم. واستدل بهذين الحديثين على امتداد وقت المغرب، وعلى استحباب القراءة فيها بغير قصار المفصل، وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي بعده.
(2/247)

بابا الجهر في المغرب
...
99 - باب الْجَهْرِ فِي الْمَغْرِبِ
765- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ"
[الحديث765- أطرافه في: 4854,4023,3050]
(2/247)

قوله: "باب الجهر في المغرب" اعترض الزين بن المنير على هذه الترجمة والتي بعدها بأن الجهر فيهما لا خلاف فيه، وهو عجيب لأن الكتاب موضوع لبيان الأحكام من حيث هي، وليس هو مقصورا على الخلافيات.
قوله: "عن محمد بن جبير" في رواية ابن خزيمة من طريق سفيان عن الزهري " حدثني محمد ابن جبير". قوله: "قرأ في المغرب بالطور" في رواية ابن عساكر: "يقرأ: { وكذا هو في الموطأ وعند مسلم، زاد المصنف في الجهاد من طريق محمد بن عمرو عن الزهري " وكان جاء في أسارى بدر " ولابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري " في فداء أهل بدر " وزاد الإسماعيلي من طريق معمر " وهو يومئذ مشرك " وللمصنف في المغازي من طريق معمر أيضا في آخره قال: "وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي " وللطبراني من رواية أسامة بن زيد عن الزهري نحوه وزاد: "فأخذني من قراءته الكرب " ولسعيد بن منصور عن هشيم عن الزهري " فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن " واستدل به على صحة أداء ما تحمله الراوي في حال الكفر، وكذا الفسق إذا أداه في حال العدالة. وستأتي الإشارة إلى زوائد أخرى فيه لبعض الرواة. قوله: "بالطور" أي بسورة الطور. وقال ابن الجوزي: يحتمل أن تكون الباء بمعنى من كقوله تعالى: {عينا يشرب بها عباد الله" وسنذكر ما فيه قريبا. قال الترمذي: ذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ في المغرب بالسور الطوال نحو الطور والمرسلات. وقال الشافعي: لا أكره ذلك بل أستحبه. وكذا نقله البغوي في شرح السنة عن الشافعي، والمعروف عند الشافعية أنه لا كراهية في ذلك ولا استحباب. وأما مالك فاعتمد العمل بالمدينة بل وبغيرها. قال ابن دقيق العيد: استمر العمل على تطويل القراءة في الصبح وتقصيرها في المغرب، والحق عندنا أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وثبتت مواظبته عليه فهو مستحب، وما لم تثبت مواظبته عليه فلا كراهة قيه. قلت: الأحاديث التي ذكرها البخاري في القراءة هنا ثلاثة مختلفة المقادير لأن الأعراف من السبع الطوال، والطور من طوال المفصل، والمرسلات من أوساطه. وفي ابن حبان من حديث ابن عمر أنه قرأ بهم في المغرب بالذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، ولم أر حديثا مرفوعا فيه التنصيص على القراءة فيها بشيء من قصار المفصل إلا حديثا في ابن ماجه عن ابن عمر نص فيه على الكافرون والإخلاص، ومثله لابن حبان عن جابر بن سمرة. فأما حديث ابن عمر فظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول، قال الدار قطني: أخطأ فيه بعض رواته. وأما حديث جابر بن سمرة ففيه سعيد بن سماك وهو متروك، والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب واعتمد بعض أصحابنا وغيرهم حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة أنه قال: "ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان، قال سليمان: فكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل وفي المغرب بقصار المفصل " الحديث أخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة وغيره. وهذا يشعر بالمواظبة على ذلك، لكن في الاستدلال به نظر يأتي مثله في " باب جهر الإمام بالتأمين " بعد ثلاثة عشر بابا. نعم حديث رافع الذي تقدم في المواقيت أنهم كانوا ينتضلون بعد صلاة المغرب يدل على تخفيف القراءة فيها، وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يطيل القراءة في المغرب إما لبيان الجواز وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين، وليس في حديث جبير بن مطعم دليل على أن ذلك تكرر منه، وأما حديث زيد بن ثابت ففيه إشعار بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل، ولو كان مروان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك لاحتج به على زيد، لكن لم يرد زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال، وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من النبي صلى الله عليه وسلم. وفي حديث أم الفضل إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في
(2/248)

حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف، وهو يرد على أبي داود ادعاء نسخ التطويل لأنه روى عقب حديث زيد بن ثابت من طريق عروة أنه كان يقرأ في المغرب بالقصار، قال: وهذا يدل على نسخ حديث زيد، ولم يبين وجه الدلالة، وكأنه لما رأى عروة راوي الخبر عمل بخلافه حمله على أنه اطلع على ناسخة، ولا يخفى بعد هذا الحمل، وكيف تصح دعوى النسخ وأم الفضل تقول: إن آخر صلاة صلاها بهم قرأ بالمرسلات. قال ابن خزيمة في صحيحه: هذا من الاختلاف المباح، فجائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها بما أحب، إلا أنه إذا كان إماما استحب له أن يخفف في القراءة كما تقدم ا هـ. وهذا أولى من قول القرطبي: ما ورد في مسلم وغيره من تطويل القراءة فيما استقر عليه التقصير أو عكسه فهو متروك، وادعى الطحاوي أنه لا دلالة في شيء الأحاديث الثلاثة على تطويل القراءة، لاحتمال أن يكون المراد أنه قرأ بعض السورة. ثم استدل لذلك بما رواه من طريق هشيم عن الزهري في حديث جبير بلفظ: فسمعته يقول: {إن عذاب ربك لواقع} قال فأخبر أن الذي سمعه من هذه السورة هي هذه الآية خاصة ا هـ. وليس في السياق ما يقتضي قوله: "خاصة " مع كون رواية هشيم عن الزهري بخصوصها مضعفة، بل جاء في روايات أخرى ما يدل على أنه قرأ السورة كلها، فعند البخاري في التفسير " سمعته يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون" الآيات إلى قوله: "المصيطرون" كاد قلبي يطير " ونحوه لقاسم بن أصبغ. وفي رواية أسامة ومحمد بن عمرو المتقدمتين " سمعته يقرأ والطور وكتاب مسطور " ومثله لابن سعد، وزاد في أخرى فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد. ثم ادعى الطحاوي أن الاحتمال المذكور يأتي في حديث زيد بن ثابت، وكذا أبداه الخطابي احتمالا، وفيه نظر لأنه لو كان قرأ بشيء منها يكون قدر سورة من قصار المفصل لما كان لإنكار زيد معنى. وقد روى حديث زيد هشام بن عروة عن أبيه عنه أنه قال لمروان " إنك لتخف القراءة في الركعتين من المغرب فوالله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بسورة الأعراف في الركعتين جميعا " أخرجه ابن خزيمة. واختلف على هشام في صحابيه والمحفوظ عن عروة أنه زيد بن ثابت. وقال أكثر الرواة: عن هشام عن زيد بن ثابت أو أبي أيوب، وقيل عن عائشة أخرجه النسائي مقتصرا على المتن دون القصة، واستدل به الخطابي وغيره على امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق، وفيه نظر لأن من قال إن لها وقتا واحدا لم يحده بقراءة معينة بل قالوا: لا يجوز تأخيرها عن أول غروب الشمس، وله أن يمد القراءة فيها ولو غاب الشفق. واستشكل المحب الطبري إطلاق هذا، وحمله الخطابي قبله على أنه يوقع ركعة في أول الوقت ويديم الباقي ولو غاب الشفق، ولا يخفى ما فيه، لأن تعمد إخراج بعض الصلاة عن الوقت ممنوع، ولو أجزأت فلا يحمل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. واختلف في المراد بالمفصل مع الاتفاق على أن منتهاه آخر القرآن هل هو من أول الصافات أو الجاثية أو القتال أو الفتح أو الحجرات أو ق أو الصف أو تبارك أو سبح أو الضحى إلى آخر القرآن أقوال أكثرها مستغرب اقتصر في شرح المهذب على أربعة من الأوائل سوى الأول والرابع، وحكى الأول والسابع والثامن ابن أبي الصيف اليمني، وحكى الرابع والثامن الدزماري في " شرح التنبيه " وحكى التاسع المرزوقي في شرحه، وحكى الخطابي والماوردي العاشر، والراجح الحجرات صلى الله عليه وسلم ذكره النووي. ونقل المحب الطبري قولا شاذا أن المفصل جميع القرآن، وأما
(2/249)

ما أخرجه الطحاوي من طريق زرارة بن أوفى قال: أقرأني أبو موسى كتاب عمر إليه: اقرأ في المغرب آخر المفصل. وآخر المفصل من "لم يكن" إلى آخر القرآن فليس تفسيرا للمفصل بل لآخره، فدل على أن أوله قبل ذلك.
(2/250)

100 - باب الْجَهْرِ فِي الْعِشَاءِ
766- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ فَقُلْتُ لَهُ قَالَ سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ
[الحديث:766 – أطرافه في : 1078,1074,768]
767- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ "
[الحديث767- أطرافه في:7546,4952,769]
قوله: "باب الجهر في العشاء" قدم ترجمة الجهر على ترجمة القراءة عكس ما صنع في المغرب ثم الصبح، والذي في المغرب أولى ولعله من النساخ. قوله: "حدثنا معتمر" هو ابن سليمان التيمي، وبكر هو ابن عبد الله المزني، وأبو رافع هو الصائغ، وهو ومن قبله من رجال الإسناد بصريون، وهو من كبار التابعين وبكر من أوساطهم وسليمان من صغارهم. قوله: "فقلت له" أي في شأن السجدة يعني سألته عن حكمها، وفي الرواية التي بعدها " فقلت ما هذه؟". قوله: "سجدت" زاد غير أبي ذر " بها " أي بالسجدة، أو الباء للظرف أي فيها يعني السورة، وفي الرواية الآتية لغير الكشميهني: "سجدت فيها". قوله: "خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم" أي في الصلاة، وبه يتم استدلال المصنف لهذه الترجمة والتي بعدها، ونوزع في ذلك لأن سجوده في السورة أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها فلا ينهض الدليل. وقال ابن المنير: لا حجة فيه على مالك حيث كره السجدة في الفريضة يعني في المشهور عنه، لأنه ليس مرفوعا، وغفل عن رواية أبي الأشعث عن معتمر بهذا الإسناد بلفظ: "صليت خلف أبي القاسم فسجد بها " أخرجه ابن خزيمة، وكذلك أخرجه الجوزقي من طريق يزيد بن هارون عن سليمان التيمي بلفظ: "صليت مع أبي القاسم فسجد فيها". قوله: "حتى ألقاه" كناية عن الموت، وسيأتي الكلام على بقية فوائده في أبواب سجود التلاوة إن شاء الله تعالى. قوله: "عن عدي" هو ابن ثابت كما في الرواية الآتية بعد باب. قوله: "في سفر" زاد الإسماعيلي: "فصلى العشاء ركعتين". قوله: "في إحدى الركعتين" في رواية النسائي: "في الركعة الأولى". قوله: "بالتين" أي بسورة التين، وفي الرواية الآتية " والتين " على الحكاية، وإنما قرأ في العشاء بقصار المفصل لكونه كان مسافرا والسفر يطلب فيه التخفيف، وحديث أبي هريرة محمول على الحضر فلذلك قرأ فيها بأوساط المفصل.
(2/250)

101 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ بِالسَّجْدَةِ
768- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ
(2/250)

102 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ
769- حَدَّثَنَا خَلاَدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعَ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فِي الْعِشَاءِ وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ أَوْ قِرَاءَةً "
قوله: "باب القراءة في العشاء" تقدم أيضا وقوله فيه "وما سمعت أحدا أحسن صوتا منه" يأتي الكلام عليه في أواخر كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى.
(2/251)

103 - باب يُطَوِّلُ فِي الأُولَيَيْنِ وَيَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ
حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن أبي عون قال سمعت جابر بن سمرة قال قال عمر لسعد ثم لقد شكوك في كل شيء حتى الصلاة قال أما أنا فأمد في الأوليين وأحذف في الأخريين ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صدقت ذاك الظن بك أو ظني بك"
قوله: "باب يطول في الأوليين" أي من صلاة العشاء، ذكر فيه حديث سعد، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في " باب وجوب القراءة"، ووجهه هنا إما الإشارة إلى إحدى الروايتين في قوله: "صلاتي العشاء أو العشي " وإما لإلحاق العشاء بالظهر والعصر لكون كل منهن رباعية.
(2/251)

باب القراءة في الفجر وقالت أم سلمة قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالطور
...
104 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ
771- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلاَمَةَ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ وَلاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَلاَ يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلاَ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا وَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ
772- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي كُلِّ صَلاَةٍ يُقْرَأُ فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ "
(2/251)

105 - باب الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلاَةِ الْفَجْرِ
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَيَقْرَأُ بِالطُّورِ
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالُوا مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ شَيْءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ}
وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ[الحديث 773 – طرفه في : 4921]
774- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أُمِرَ وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} قوله: "باب الجهر بقراءة صلاة الصبح" ولغير أبي ذر " صلاة الفجر " وهو موافق للترجمة الماضية، وعلى رواية أبي ذر فلعله أشار إلى أنها تسمى بالأمرين. قوله: "وقالت أم سلمة الخ" وصله المصنف في " باب طواف النساء " من كتاب الحج من رواية مالك عن أبي الأسود عن عروة عن زينب عن أمها أم سلمة قالت: "شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني أشتكي - أي أن بها مرضا - فقال: طوفي وراء الناس وأنت راكبة. قالت: فطفت حينئذ والنبي صلى الله عليه وسلم: "الحديث، وليس فيه بيان أن الصلاة حينئذ كانت الصبح، ولكن تبين ذلك من رواية أخرى أوردها بعد ستة أبواب من طريق يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام بن عروة عن أبيه ولفظه: "فقال: إذا أقيمت الصلاة للصبح فطوفي " وهكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية حسان بن إبراهيم عن هشام، وأما ما أخرجه ابن خزيمة من طريق ابن وهب عن مالك وابن لهيعة جميعا عن أبي الأسود في هذا الحديث قال فيه: "قالت وهو يقرأ في العشاء الآخرة " فشاذ، وأظن سياقه لفظ ابن لهيعة، لأن ابن وهب رواه في الموطأ عن مالك فلم يعين الصلاة كما رواه أصحاب مالك كلهم أخرجه الدار قطني في الموطآت له من طرق كثيرة عن مالك، منها رواية ابن وهب المذكورة. وإذا تقرر ذلك فابن لهيعة لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف، وعرف بهذا اندفاع الاعتراض الذي حكاه ابن التين عن بعض المالكية حيث أنكر أن تكون الصلاة المذكورة صلاة الصبح فقال: ليس في الحديث بيانها، والأولى أن
(2/253)

تحمل على النافلة لأن الطواف يمتنع إذا كان الإمام في صلاة الفريضة. انتهى. وهو رد للحديث الصحيح بغير حجة، بل يستفاد من هذا الحديث جواز ما منعه، بل يستفاد من الحديث التفصيل فنقول: إن كان الطائف بحيث يمر بين يدي المصلين فيمتنع كما قال وإلا فيجوز، وحال أم سلمة هو الثاني لأنها طافت من وراء الصفوف. ويستنبط منه أن الجماعة في الفريضة ليست فرضا على الأعيان، إلا أن يقال كانت أم سلمة حينئذ شاكية فهي معذورة، أو الوجوب يختص بالرجال. وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. وقال ابن رشيد: ليس في حديث أم سلمة نص على ما ترجم له من الجهر بالقراءة، إلا أنه يؤخذ بالاستنباط من حيث أن قولها " طفت وراء الناس " يستلزم الجهر بالقراءة لأنه لا يمكن سماعها للطائف من ورائهم إلا إن كانت جهرية، قال: ويستفاد منه جواز إطلاق " قرأ: وإرادة جهر، والله أعلم. ذكر البخاري حديث ابن عباس في قصة سماع الجن القرآن، وسيأتي الكلام عليه في موضعه من التفسير، ويأتي بيان عكاظ في كتاب الحج في شرح حديث ابن عباس أيضا: "كانت عكاظ من أسواق الجاهلية " والمقصود منه هنا قوله: "وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له " وهو ظاهر في الجهر، ثم ذكر حديث ابن عباس أيضا قال: "قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر وسكت فيما أمر، {وما كان ربك نسيا } ، {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ووجه المناسبة منه ما تقدم من إطلاق " قرأ: على جهر، لكن كان يبقى خصوص تناول ذلك لصلاة الصبح فيستفاد ذلك من الذي قبله، فكأنه يقول: هذا الإجمال هنا مفسر بالبيان في الذي قبله، لأن المحدث بهما واحد، أشار إلى ذلك ابن رشيد. ويمكن أن يكون مراد البخاري بهذا ختم تراجم القراءة في الصلوات إشارة منه إلى أن المعتمد في ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينبغي لأحد أن يغير شيئا مما صنعه. وقال الإسماعيلي: إيراد حديث ابن عباس هنا يغاير ما تقدم من إثبات القراءة في الصلوات، لأن مذهب ابن عباس كان ترك القراءة في السرية. وأجيب بأن الحديث الذي أورده البخاري ليس فيه دلالة على الترك، وأما ابن عباس فكان يشك في ذلك تارة وينفي القراءة أخرى وربما أثبتها، أما نفيه فرواه أبو داود وغيره من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عمه " أنهم دخلوا عليه فقالوا له: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: لا. قيل: لعله كان يقرأ في نفسه؟ قال: هذه شر من الأولى، كان عبدا مأمورا بلغ ما أمر به " وأما شكه فرواه أبو داود أيضا والطبري من رواية حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: "ما أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا " انتهى. وقد أثبت قراءته فيهما خباب وأبو قتادة وغيرهما كما تقدم، فروايتهم مقدمة على من نفى، فضلا على من شك. ولعل البخاري أراد بإيراد هذا إقامة الحجة عليه، لأنه احتج بقوله تعالى:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" فيقال له قد ثبت أنه قرأ فيلزمك أن تقرأ، والله أعلم. وقد جاء عن ابن عباس إثبات ذلك أيضا رواه أيوب عن أبي العالية البراء قال: "سألت ابن عباس: أقرأ في الظهر والعصر؟ قال هو أمامك اقرأ منه ما قل أو كثر". أخرجه ابن المنذر والطحاوي وغيرهما. قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن إبراهيم المعروف بابن علية. قوله: {وما كان ربك نسيا} - و - {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} قال الخطابي: مراده أنه لو شاء الله أن ينزل بيان أحوال الصلاة حتى تكون قرآنا يتلى لفعل ولم يتركه عن نسيان، ولكنه وكل الأمر في ذلك إلى بيان نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم شرع الاقتداء به. قال: ولا خلاف في وجوب أفعاله التي هي لبيان مجمل الكتاب. و قوله: "أسوة" بكسر الهمزة وضمها أي قدوة.
(2/254)

106- باب الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ
وَالْقِرَاءَةِ بِالْخَوَاتِيمِ وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ :
" قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُونَ فِي الصُّبْحِ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ
وَقَرَأَ عُمَرُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنْ الْمَثَانِي وَقَرَأَ الأَحْنَفُ بِالْكَهْفِ فِي الأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِيُوسُفَ أَوْ يُونُسَ وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الصُّبْحَ بِهِمَا
وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ الأَنْفَالِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ
وَقَالَ قَتَادَةُ فِيمَنْ يَقْرَأُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ أَوْ يُرَدِّدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ
774م- وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لاَ تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى فَقَالَ مَا أَنَا بِتَارِكِهَا إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ فَلَمَّا أَتَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ يَا فُلاَنُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّهَا فَقَالَ حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ
775- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ فَقَالَ هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ من آل حاميم فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
[الحديث775-طرفاه في:5043,49996]
قوله: "باب الجمع بين السورتين في ركعة، والقراءة بالخواتم، وبسورة قبل سورة، وبأول سورة" هذا الباب على أربع مسائل: فأما الجمع بين سورتين فظاهر من حديث ابن مسعود ومن حديث أنس أيضا، وأما القراءة بالخواتم فيؤخذ بالإلحاق من القراءة بالأوائل والجامع بينهما أن كلا منهما بعض سورة، ويمكن أن يؤخذ من قوله: "قرأ عمر بمائة من البقرة " ويتأيد بقول قتادة " كل كتاب الله " وأما تقديم السورة على السورة على ما في ترتيب المصحف فمن حديث أنس أيضا ومن فعل عمر في رواية الأحنف عنه، وأما القراءة بأول سورة فمن حديث عبد الله بن السائب ومن حديث ابن مسعود أيضا. قوله: "ويذكر عن عبد الله بن السائب" أي ابن السائب بن صيفي بن عابد بموحدة ابن عبد الله ابن عمر بن مخزوم، وحديثه هذا وصله مسلم من طريق ابن جريج قال: "سمعت

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:36 AM
محمد بن عباد بن جعفر يقول أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن المسيب العابدي كلهم عن عبد الله ابن السائب قال: صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة فاستفتح بسورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون - أو ذكر عيسى، شك محمد بن عباد - أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة فركع " وفي رواية بحذف " فركع". وقوله: "ابن عمرو بن العاص " وهم من بعض أصحاب ابن جريج، وقد رويناه في مصنف عبد الرزاق عنه فقال: "عبد الله بن عمرو القارئ " وهو الصواب. واختلف في إسناده على ابن جريج فقال ابن عيينة عنه عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن السائب أخرجه ابن ماجه. وقال أبو عاصم عنه عن محمد بن عباد عن أبي سلمة بن سفيان - أو سفيان بن أبي سلمة - وكأن البخاري علقه بصيغة " ويذكر " لهذا الاختلاف، أن إسناده مما تقوم به الحجة. قال النووي: قوله: "ابن العاص " غلط عند الحفاظ، فليس هذا عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي المعروف، بل هو تابعي حجازي، قال: وفي الحديث جواز قطع القراءة وجواز القراءة ببعض السورة، وكرهه مالك. انتهى. وتعقب بأن الذي كرهه مالك أن يقتصر على بعض السورة مختارا، والمستدل به ظاهر في أنه كان للضرورة فلا يرد عليه، وكذا يرد على من استدل به على أنه لا يكره قراءة بعض الآية أخذا من قوله: "حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى"، لأن كلا من الموضعين يقع في وسط آية وفيه ما تقدم. نعم الكراهة لا تثبت إلا بدليل، وأدلة الجواز كثيرة، وقد تقدم حديث زيد بن ثابت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ الأعراف في الركعتين ولم يذكر ضرورة ففيه القراءة بالأول وبالأخير، وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي بكر الصديق أنه أم الصحابة في صلاة الصبح بسورة البقرة فقرأها في الركعتين، وهذا إجماع منهم. وروى محمد بن عبد السلام الخشني بضم الخاء المعجمة بعدها معجمة مفتوحة خفيفة ثم نون - من طريق الحسن البصري قال: "غزونا خراسان ومعنا ثلاثمائة من الصحابة فكان الرجل منهم يصلي بنا فيقرأ الآيات من السورة ثم يركع " أخرجه ابن حزم محتجا به، وروى الدار قطني بإسناد قوي عن ابن عباس أنه قرأ الفاتحة وآية من البقرة في كل ركعة صلى الله عليه وسلم. قوله: "أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة" بفتح أوله من السعال، ويجوز الضم، ولابن ماجه: "شرقة " بمعجمة وقاف. وقوله في رواية مسلم: "فحذف " أي ترك القراءة. وفسره بعضهم برمي النخامة الناشئة عن السعلة، والأول أظهر لقوله: "فركع " ولو كان أزال ما عاقه عن القراءة لتمادى فيها. واستدل به على أن السعال لا يبطل الصلاة، وهو واضح فيما إذا غلبه. وقال الرافعي في شرح المسند: قد يستدل به على أن سورة المؤمنين مكية وهو قول الأكثر، قال: ولمن خالف أن يقول يحتمل أن يكون قوله: "بمكة " أي في الفتح أو حجة الوداع. قلت: قد صرح بقضية الاحتمال المذكور النسائي في روايته فقال: "في فتح مكة " ويؤخذ منه أن قطع القراءة لعارض السعال ونحوه أولى من التمادي في القراءة مع السعال والتنحنح، ولو استلزم تخفيف القراءة فيما استحب فيه تطويلها. قوله: "وقرأ عمر الخ" وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي رافع قال: "كان عمر يقرأ في الصبح بمائة من البقرة ويتبعها بسورة من المثاني". انتهى. والمثاني قيل ما لم يبلغ مائة آية أو بلغها (2)
ـــــــ
(1) ويدل على ما ذكره الشارح من جواز قراءة بعض السورة مارواه البخاري عن ابن عباس أن النبي ثلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر من البقرة وآل عمران { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } الاية, و {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا} الاية , وماجاز في النافلة جاز في الفريضة مالم يرد مخصص. والله أعلم
(2) هذه الكلمة سقطت من المخطوطة , ولعل سقوطها أولى . والله أعلم
(2/256)

وقيل ما عدا السبع الطوال إلى المفصل، قيل سميت مثاني لأنها ثنيت السبع، وسميت الفاتحة المثاني لأنها تثنى في كل صلاة. وأما قوله سبحانه وتعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني} فالمراد بها سورة الفاتحة وقيل غير ذلك. قوله: "وقرأ الأحنف" وصله جعفر الفريابي في " كتاب الصلاة " له من طريق عبد الله بن شقيق قال: "صلى بنا الأحنف " فذكره وقال: "في الثانية يونس " ولم يشك. قال: وزعم أنه صلى خلف عمر كذلك. ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم في المستخرج. قوله: "وقرأ ابن مسعود الخ" وصله عبد الرزاق بلفظه من رواية عبد الرحمن بن يزيد النخعي عنه، وأخرجه هو وسعيد بن منصور من وجه آخر عن عبد الرزاق صلى الله عليه وسلم بلفظ: "فافتتح الأنفال حتى بلغ ونعم النصير". انتهى. وهذا الموضع هو رأس أربعين آية، فالروايتان متوافقتان، وتبين بهذا أنه قرأ بأربعين من أولها، فاندفع الاستدلال به على قراءة خاتمة السورة بخلاف الأثر عن عمر فإنه محتمل. قال ابن التين إن لم تؤخذ القراءة بالخواتم من أثر عمر أو ابن مسعود وإلا فلم يأت البخاري بدليل على ذلك، وفاته ما قدمناه من أنه مأخوذ بالإلحاق مؤيد بقول قتادة. قوله: "وقال قتادة" وصله عبد الرزاق، وقتادة تابعي صغير يستدل لقوله ولا يستدل به، وإنما أراد البخاري منه قوله: "كل كتاب الله" فإنه يستنبط منه جواز خمس ما ذكر في الترجمة، وأما قول قتادة في ترديد السورة فلم يذكره المصنف في الترجمة، فقال ابن رشيد: لعله لا يقول به، لما روي فيه من الكراهة عن بعض العلماء. قلت: وفيه نظر، لأنه لا يراعي هذا القدر إذا صح له الدليل. قال الزين ابن المنير: ذهب مالك إلى أن يقرأ المصلي في كل ركعة بسورة كما قال ابن عمر: لكل سورة حظها من الركوع والسجود. قال: ولا تقسم السورة في ركعتين، ولا يقتصر على بعضها ويترك الباقي، ولا يقرأ بسورة قبل سورة يخالف ترتيب المصحف، قال: فإن فعل ذلك كله لم تفسد صلاته، بل هو خلاف الأولى. قال: وجميع ما استدل به البخاري لا يخالف ما قال مالك، لأنه محمول على بيان الجواز. انتهى. وأما حديث ابن مسعود ففيه إشعار بالمواظبة على الجمع بين سورتين كما سيأتي في الكلام عليه. وقد نقل البيهقي في مناقب الشافعي عنه أن ذلك مستحب، وما عدا ذلك مما ذكر أنه خلاف الأولى هو مذهب الشافعي أيضا، وعن أحمد والحنفية كراهية قراءة سورة قبل سورة تخالف ترتيب المصحف، واختلف هل رتبه الصحابة بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم أو باجتهاد منهم؟ قال القاضي أبو بكر: الصحيح الثاني، وأما ترتيب الآيات فتوقيفي بلا خلاف. ثم قال ابن المنير؛ والذي يظهر أن التكرير أخف من قسم السورة في ركعتين انتهى. وسبب الكراهة فيما يظهر أن السورة مرتبط بعضها ببعض فأي موضع قطع فيه لم يكن كانتهائه إلى آخر السورة، فإنه إن قطع في وقف غير تام كانت الكراهة ظاهرة، وإن قطع في وقف تام فلا يخفى أنه خلاف الأولى. وقد تقدم في الطهارة قصة الأنصاري الذي رماه العدو بسهم فلم يقطع صلاته وقال: "كنت في سورة فكرهت أن أقطعها " وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك صلى الله عليه وسلم. قوله: "وقال عبيد الله بن عمر" أي ابن حفص بن عاصم، وحديثه هذا وصله الترمذي والبزار عن البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس، والبيهقي من رواية محرز بن سلمة كلاهما عن عبد العزيز الدراوردي عنه بطوله، قال الترمذي: حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله عن ثابت، قال: وقد روى مبارك ابن فضالة عن ثابت فذكر طرفا من آخره، وذكر الطبراني في الأوسط أن الدراوردي تفرد به عن عبيد الله،
ـــــــ
(1) في المخطوطة " عبد الرحمن "
(2) لكن سبق قريبا مايدل على عدم كراهة قسم السورة في ركعتين" فتنبه.
(2/257)

وذكر الدار قطني في العلل أن حماد بن سلمة خالف عبيد الله في إسناده فرواه عن ثابت عن حبيب بن سبيعة مرسلا قال: وهو أشبه بالصواب، وإنما رجحه لأن حماد سلمة مقدم في حديث ثابت، لكن عبيد الله ابن عمر حافظ حجة، وقد وافقه مبارك في إسناده فيحتمل أن يكون لثابت فيه شيخان. قوله: "كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء" هو كلثوم بن الهدم، رواه ابن منده في كتاب التوحيد من طريق أبي صالح عن ابن عباس، كذا أورده بعضهم. والهدم بكسر الهاء وسكون الدال، وهو من بني عمرو بن عوف سكان قباء، وعليه نزل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم في الهجرة إلى قباء. قيل وفي تعيين المبهم به هنا نظر، لأن في حديث عائشة في هذه القصة أنه كان أمير سرية. وكلثوم بن الهدم مات في أوائل ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فيما ذكره الطبري وغيره من أصحاب المغازي، وذلك قبل أن يبعث السرايا. ثم رأيت بخط بعض من تكلم على رجال العمدة كلثوم بن زهدم وعزاه لابن منده، لكن رأيت أنا بخط الحافظ رشيد الدين العطار في حواشي مبهمات الخطيب نقلا عن صفة التصوف لابن طاهر: أخبرنا عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده عن أبيه فسماه كرز بن زهدم، فالله أعلم. وعلى هذا فالذي كان يؤم في مسجد قباء غير أمير السرية، ويدل على تغايرهما أن في رواية الباب أنه كان يبدأ بقل هو الله أحد وأمير السرية كان يختم بها، وفي هذا أنه كان يصنع ذلك في كل ركعة ولم يصرح بذلك في قصة الآخر، وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله وأمير السرية أمر أصحابه أن يسألوه، وفي هذا أنه قال إنه يحبها فبشره بالجنة وأمير السرية قال إنها صفة الرحمن فبشره بأن الله يحبه. والجمع بين هذا التغاير كله ممكن لولا ما تقدم من كون كلثوم بن الهدم مات قبل البعوث والسرايا، وأما من فسره بأنه قتادة بن النعمان فأبعد جدا، فإن في قصة قتادة أنه كان يقرؤها في الليل يرددها، ليس فيه أنه أم بها لا في سفر ولا في حضر، ولا أنه سئل عن ذلك ولا بشر. وسيأتي ذلك واضحا في فضائل القرآن. وحديث عائشة الذي أشرنا إليه أورده المصنف في أوائل كتاب التوحيد كما سيأتي إن شاء الله تعالى. قوله: "مما يقرأ به" أي من السورة بعد الفاتحة. قوله: "افتتح بقل هو الله أحد" تمسك به من قال: لا يشترط قراءة الفاتحة، وأجيب بأن الراوي لم يذكر الفاتحة اعتناء بالعلم لأنه لا بد منها فيكون معناه افتتح بسورة بعد الفاتحة، أو كان ذلك قبل ورود الدليل الدال على اشتراط الفاتحة. قوله: "فكلمه أصحابه" يظهر منه أن صنيعه ذلك خلاف ما ألفوه من النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "وكرهوا أن يؤمهم غيره" إما لكونه من أفضلهم كما ذكر في الحديث، وإما لكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قرره. قوله: "ما يأمرك به أصحابك" أي يقولون لك، ولم يرد الأمر بالصيغة المعروفة لكنه لازم من التخيير الذي ذكروه كأنهم قالوا له افعل كذا وكذا. قوله: "ما يمنعك وما يحملك" سأله عن أمرين فأجابه بقوله: إني أحبها، وهو جواب عن الثاني مستلزم للأول بانضمام شيء آخر وهو إقامة السنة المعهودة في الصلاة، فالمانع مركب من المحبة والأمر المعهود، والحامل على الفعل المحبة وحدها، ودل تبشيره له بالجنة على الرضا بفعله، وعبر بالفعل الماضي في قوله: "أدخلك " وإن كان دخول الجنة مستقبلا تحقيقا لوقوع ذلك، قال ناصر الدين بن المنير: في هذا الحديث أن المقاصد تغير أحكام الفعل لأن الرجل لو قال إن الحامل له على إعادتها أنه لا يحفظ غيرها لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها، لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه. قال: وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه ولا يعد ذلك هجرانا لغيره، وفيه ما يشعر بأن سورة الإخلاص مكية. قوله: "جاء رجل إلى ابن مسعود" هو نهيك بفتح النون وكسر الهاء ابن سنان البجلي، سماه منصور في روايته عن
(2/258)

أبي وائل عند مسلم، وسيأتي من وجه آخر. قوله: "قرأت المفصل" تقدم أنه من ق إلى آخر القرآن على الصحيح، وسمي مفصلا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة على الصحيح. ولقول هذا الرجل قرأت المفصل سبب بينه مسلم في أول حديثه من رواية وكيع عن الأعمش عن أبي وائل قال: جاء رجل يقال له نهيك بن سنان إلى عبد الله فقال: يا أبا عبد الرحمن كيف تقرأ هذا الحرف "من ماء غير آسن" أو غير ياسن؟ فقال عبد الله: كل القرآن أحصيت غير هذا، قال: إني لأقرأ المفصل في ركعة. قوله: "هذا" بفتح الهاء وتشديد الذال المعجمة، أي سردا وإفراطا في السرعة، وهو منصوب على المصدر، وهو استفهام إنكار بحذف أداة الاستفهام، وهي ثابتة في رواية منصور عند مسلم وقال ذلك لأن تلك الصفة كانت عادتهم في إنشاد الشعر. وزاد فيه مسلم من رواية وكيع أيضا أن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وزاد أحمد عن أبي معاوية وإسحاق عن عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش فيه: "ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع " وهو في رواية مسلم دون قوله نفع صلى الله عليه وسلم. قوله: "لقد عرفت النظائر" أي السور المماثلة في المعاني كالموعظة أو الحكم أو القصص، لا المتماثلة في عدد الآي، لما سيظهر عند تعيينها. قال المحب الطبري: كنت أظن أن المراد أنها متساوية في العد، حتى اعتبرتها فلم أجد فيها شيئا متساويا. قوله: "يقرن" بضم الراء وكسرها. قوله: "عشرين سورة من المفصل وسورتين من آل حم في كل ركعة" وقع في فضائل القرن من رواية واصل عن أبي وائل " ثماني عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم " وبين فيه من رواية أبي حمزة عن الأعمش أن قوله عشرين سورة إنما سمعة أبو وائل من علقمة عن عبد الله ولفظه: "فقام عبد الله ودخل علقمة معه ثم خرج علقمة فسألناه فقال: عشرون سورة من المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن حم الدخان وعم يتساءلون " ولابن خزيمة من طريق أبي خالد الأحمر عن الأعمش مثله وزاد فيه: "فقال الأعمش: أولهن الرحمن وآخرهن الدخان " ثم سردها، وكذلك سردها أبو إسحاق عن علقمة والأسود عن عبد الله فيما أخرجه أبو داود متصلا بالحديث بعد قوله: "كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة: الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة والذاريات والطور في ركعة والواقعة ونون في ركعة وسأل والنازعات في ركعة وويل للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى ولا أقسم في ركعة وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة وإذا الشمس كورت والدخان في ركعة " هذا لفظ أبي داود والآخر مثله إلا أنه لم يقل " في ركعة " في شيء منها، وذكر السورة الرابعة قبل الثالثة والعاشرة قبل التاسعة ولم يخالفه في الاقتران، وقد سردها أيضا محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي وائل فيما أخرجه الطبراني لكن قدم وأخر في بعض وحذف بعضها، ومحمد ضعيف. وعرف بهذا أن قوله في رواية واصل " وسورتين من آل حم " مشكل لأن الروايات لم تختلف أنه ليس في العشرين من الحواميم غير الدخان فيحمل على التغليب. أو فيه حذف كأنه قال وسورتين إحداهما من آل حم، وكذا قول في رواية أبي حمزة " آخرهن حم الدخان وعم يتساءلون " مشكل لأن حم الدخان آخرهن في جميع الروايات. وأما عم فهي في رواية أبي خالد السابعة عشرة وفي رواية أبي إسحاق الثامنة عشرة فكأن فيه تجوزا، لأن عم وقعت في الركعتين الأخيرتين في الجملة، ويتبين بهذا أن في قوله في حديث الباب: "عشرين سورة من المفصل " تجوزا لأن الدخان ليست منه، ولذلك فصلها من المفصل في رواية واصل. نعم يصح
ـــــــ
(1) قوله " دون قوله نفع" هذا سهو من الشارح رحمه الله , بل هذا اللفظ موجود في صحيح مسلم , ولفظه " ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع " انتهى . والله أعلم
(2/259)

ذلك على أحد الآراء في حد المفصل كما تقدم وكما سيأتي بيانه أيضا في فضائل القرآن. وفي هذا الحديث من الفوائد كراهة الإفراط في سرعة التلاوة لأنه ينافي المطلوب من التدبر والتفكر في معاني القرآن، ولا خلاف في جواز السرد بدون تدبر لكن القراءة بالتدبر أعظم أجرا، وفيه جواز تطويل الركعة الأخيرة على ما قبلها، وهذا الحديث أول حديث موصول أورده في هذا الباب، فلهذا صدر الترجمة بما دل عليه، وفيه ما ترجم له وهو الجمع بين السور لأنه إذا جمع بين السورتين ساغ الجمع بين ثلاث فصاعدا لعدم الفرق، وقد روى أبو داود وصححه ابن خزيمة من طريق عبد الله بن شقيق قال: "سألت عائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السور؟ قالت: نعم من المفصل " ولا يخالف هذا ما سيأتي في التهجد أنه جمع بين البقرة وغيرها من الطوال، لأنه يحمل على النادر. وقال عياض في حديث ابن مسعود هذا يدل على أن هذا القدر كان قدر قراءته غالبا، وأما تطويله فإنما كان في التدبر والترتيل، وما ورد غير ذلك من قراءة البقرة وغيرها في ركعة فكان نادرا. قلت: لكن ليس في حديث ابن مسعود ما يدل على المواظبة، بل فيه أنه كان يقرن بين هذه السور المعينات إذا قرأ من المفصل، وفيه موافقة لقول عائشة وابن عباس: إن صلاته بالليل كانت عشر ركعات غير الوتر، وفيه ما يقوي قول القاضي أبي بكر المتقدم: إن تأليف السور كان عن اجتهاد من الصحابة، لأن تأليف عبد الله المذكور مغاير لتأليف مصحف عثمان، وسيأتي ذلك في باب مفرد في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى.
(2/260)

107 - باب يَقْرَأُ فِي الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
776- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مَا لاَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ "
قوله: "باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب" يعني بغير زيادة، وسكت عن ثالثة المغرب رعاية للفظ الحديث مع أن حكمها حكم الآخريين من الرباعية، ويحتمل أن يكون لم يذكرها لما رواه مالك من طريق الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق يقرأ فيها {ربنا لا تزغ قلوبنا} الآية. قوله باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب يعني بغير زيادة وسكت عن ثالثة المغرب رعاية للفظ الحديث مع أن حكمها حكم الأخريين من الرباعية ويحتمل أن يكون لم يذكرها لما رواه مالك من طريق الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق يقرأ فيها ربنا لا تزغ قلوبنا الآية 743 قوله عن يحيى هو بن أبي كثير قوله بأم الكتاب فيه ما ترجم له وفيه التنصيص على قراءة الفاتحة في كل ركعة وقد تقدم البحث فيه قال بن خزيمة قد كنت زمانا أحسب أن هذا اللفظ لم يروه عن همام وتابعه أبان إلى أن رأيت الأوزاعي قد رواه أيضا عن يحيى يعني أن أصحاب يحيى اقتصروا على قوله كان يقرأ في الأوليين بأم الكتاب وسورة كما تقدم عنه من طرق وأن هماما زاد هذه الزيادة وهي الاقتصار على الفاتحة في الأخريين فكان يخشى شذوذها إلى أن قويت عنده بمتابعة من ذكر لكن أصحاب الأوزاعي لم يتفقوا على ذكرها كما سيظهر ذلك بعد باب قوله ما لا يطيل كذا للأكثر ولكريمة ما لا المطلوب وما نكرة موصوفة أو مصدرية وفي رواية المستملى والحموي بما لا يطيل واستدل به على تطويل الركعة الأولى على الثانية وقد تقدم البحث في ذلك في باب القراءة في الظهر وسيأتي أيضا
(2/260)

108 - باب مَنْ خَافَتَ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
777- حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا جرير عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر ثم قلت لخباب أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر قال نعم قلنا من أين علمت قال باضطراب لحيته "
قوله: "باب من خافت القراءة" أي أسر. وفي رواية الكشميهني: "خافت بالقراءة " وهو أوجه. ودلالة حديث خباب للترجمة واضحة، وقد تقدم الكلام على بقية فوائده قريبا.
وفي رواية الكشميهني: "خافت بالقراءة " وهو أوجه.
ودلالة حديث خباب للترجمة واضحة، وقد تقدم الكلام على بقية فوائده قريبا.
(2/261)

109 - باب إِذَا أَسْمَعَ الإِمَامُ الْآيَةَ
778- حدثنا محمد بن يوسف حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بأم الكتاب وسورة معها في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر وصلاة العصر ويسمعنا الآية أحيانا وكان يطيل في الركعة الأولى"
قوله: "باب إذا أسمع" وللكشميهني: "إذا سمع " بتشديد الميم "الإمام الآية" أي في السرية، خلافا لمن قال يسجد للسهو إن كان ساهيا، وكذا لمن قال يسجد مطلقا حديث أبي قتادة واضح في الترجمة وقد تقدم الكلام عليه أيضا.
(2/261)

110 - باب يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى
حدثنا أبو نعيم حدثنا هشام عن يحيى بن كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان المطلوب في الركعة الأولى من صلاة الظهر ويقصر في الثانية ويفعل ذلك في صلاة الصبح "
قوله: "باب يطول في الركعة الأولى" أي في جميع الصلوات، وهو ظاهر الحديث المذكور في الباب، وقد تقدم البحث فيه أيضا، وعن أبي حنيفة يطول في أولى الصبح خاصة. وقال البيهقي في الجمع بين أحاديث المسألة: يطول في الأولى إن كان ينتظر أحدا وإلا فليسو بين الأوليين. وروى عبد الرزاق نحوه عن ابن جريج عن عطاء قال: إني لأحب أن يطول الإمام الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس، فإذا صليت لنفسي فإني أحرص على أن أجعل الأوليين سواء. وذهب بعض الأئمة إلى استحباب تطويل الأولى من الصبح دائما، وأما غيرها فإن كان يترجى كثرة المأمومين ويبادر هو أول الوقت فينتظر وإلا فلا. وذكر في حكمة اختصاص الصبح بذلك أنها تكون عقب النوم والراحة وفي ذلك الوقت يواطئ السمع واللسان القلب لفراغه وعدم تمكن الاشتغال بأمور المعاش وغيرها منه، والعلم عند الله.
"تنبيه" أبو يعفور المذكور في السند هو الأكبر، واسمه واقد بالقاف وقيل وقدان، وجزم النووي في شرح مسلم بأنه الأصغر واسمه عبد الرحمن بن عبيد، وبالأول جزم أبو علي الجياني والمزي وغيرهما وهو الصواب
(2/261)

111 - باب جَهْرِ الإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ
وَقَالَ عَطَاءٌ آمِينَ دُعَاءٌ أَمَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً
وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُنَادِي الإِمَامَ لاَ تَفُتْنِي بِآمِينَ
وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَدَعُهُ وَيَحُضُّهُمْ وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا
70- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ آمِينَ"
[الحديث780 – طرفه في : 6402]
قوله: "باب جهر الإمام بالتأمين" أي بعد الفاتحة في الجهر، والتأمين مصدر أمن بالتشديد أي قال آمين وهي بالمد والتخفيف في جميع الروايات وعن جميع القراء، وحكى الواحدي عن حمزة والكسائي الإمالة، وفيها ثلاث لغات أخرى شاذة: القصر حكاه ثعلب وأنشد له شاهدا، وأنكره ابن درستويه وطعن في الشاهد بأنه لضرورة الشعر، وحكى عياض ومن تبعه عن ثعلب أنه إنما أجازه في الشعر خاصة. والتشديد مع المد والقصر. وخطأهما جماعة من أهل اللغة. وآمين من أسماء الأفعال مثل صه للسكوت، وتفتح في الوصل لأنها مبنية بالاتفاق مثل كيف، وإنما لم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء ومعناها اللهم استجب عند الجمهور، وقيل غير ذلك مما يرجع جميعه إلى هذا المعنى، كقول من قال: معناه اللهم آمنا بخير، وقيل كذلك يكون، وقيل درجة في الجنة تجب لقائلها، وقيل لمن استجيب له كما استجيب للملائكة، وقيل هو اسم من أسماء الله تعالى رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة بإسناد ضعيف وعن هلال بن يساف التابعي مثله، وأنكره جماعة. وقال من مد وشدد: معناها قاصدين إليك ونقل ذلك عن جعفر الصادق؛ وقال من قصر وشدد: هي كلمة عبرانية أو سريانية. وعند أبي داود من حديث أبي زهير النميري الصحابي أن آمين مثل الطابع على الصحيفة، ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "إن ختم بآمين فقد أوجب" . قوله: "وقال عطاء إلى قوله بآمين" وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: قلت له أكان ابن الزبير يؤمن على أثر أم القرآن؟ قال: نعم ويؤمن من وراءه؛ حتى إن للمسجد للجة. ثم قال: إنما آمين دعاء. قال: وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإمام فيناديه فيقول: لا تسبقني بآمين. وقوله حتى إن بكسر الهمزة للمسجد أي لأهل المسجد للجة اللام للتأكيد واللجة قال أهل اللغة: الصوت المرتفع، وروى " للجبة " بموحدة وتخفيف الجيم حكاه ابن التين، وهي الأصوات المختلطة. ورواه البيهقي " لرجة " بالراء بدل اللام كما سيأتي. قوله: "لا تفتني" بضم الفاء وسكون المثناة، وحكى بعضهم عن بعض النسخ بالفاء والشين المعجمة ولم أر ذلك في شيء من الروايات، وإنما فيها بالمثناة من الفوات وهي بمعنى ما تقدم عند عبد الرزاق من السبق، ومراد أبي هريرة أن يؤمن مع الإمام داخل الصلاة، وقد تمسك به بعض المالكية في أن الإمام لا يؤمن وقال: معناه لا تنازعني بالتأمين الذي هو من وظيفة المأموم، وهذا تأويل بعيد، وقد جاء عن أبي هريرة وجه آخر أخرجه البيهقي من طريق حماد عن ثابت عن أبي رافع قال: كان أبو
(2/262)

هريرة يؤذن لمروان، فاشترط أن لا يسبقه بالضالين حتى يعلم أنه دخل في الصف، وكأنه كان يشتغل بالإقامة وتعديل الصفوف، وكان مروان يبادر إلى الدخول في الصلاة قبل فراغ أبي هريرة وكان أبو هريرة ينهاه عن ذلك، وقد وقع له ذلك مع غير مروان: فروى سعيد بن منصور من طريق محمد بن سيربن أن أبا هريرة كان مؤذنا بالبحرين وأنه اشترط على الإمام أن لا يسبقه بآمين، والإمام بالبحرين كان العلاء بن الحضرمي، بينه عبد الرزاق من طريق أبي سلمة عنه، وقد روى نحو قول أبي هريرة عن بلال أخرجه أبو داود من طريق أبي عثمان عن بلال أنه قال: "يا رسول الله، لا تستبقني بآمين " ورجاله ثقات. لكن قيل إن أبا عثمان لم يلق بلالا، وقد روي عنه بلفظ: "أن بلالا قال: "وهو ظاهر الإرسال، ورجحه الدار قطني وغيره على الموصول، وهذا الحديث يضعف التأويل السابق لأن بلالا لا يقع منه ما حمل هذا القائل كلام أبي هريرة عليه، وتمسك به بعض الحنفية بأن الإمام يدخل في الصلاة قبل فراغ المؤذن من الإقامة، وفيه نظر لأنها واقعة عين وسببها محتمل فلا يصح التمسك بها، قال ابن المنير: مناسبة قول عطاء للترجمة أنه حكم بأن التأمين دعاء فاقتضى ذلك أن يقوله الإمام لأنه في مقام الداعي، بخلاف قول المانع إنها جواب للدعاء فيختص بالمأموم، وجوابه أن التأمين قائم مقام التلخيص بعد البسط، فالداعي فصل المقاصد بقوله: "اهدنا الصراط المستقيم" إلى آخره، والمؤمن أتى بكلمة تشمل الجميع فإن قالها الإمام فكأنه دعا مرتين مفصلا ثم مجملا. قوله: "وقال نافع الخ" وصله عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا نافع أن ابن عمر كان إذا ختم أم القرآن قال آمين لا يدع أن يؤمن إذا ختمها ويحضهم على قولها، قال: "وسمعت منه في ذلك خيرا". وقوله: "ويحضهم" بالضاد المعجمة، و قوله: "خيرا" بسكون التحتانية أي فضلا وثوابا وهي رواية الكشميهني، ولغيره: "خيرا " بفتح الموحدة أي حديثا مرفوعا، ويشعر به ما أخرجه البيهقي " كان ابن عمر إذا أمن الناس أمن معهم ويرى ذلك من السنة". ورواية عبد الرزاق مثل الأول، وكذلك رويناه في فوائد يحيى بن معين قال حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج، ومناسبة أثر ابن عمر من جهة أنه كان يؤمن إذا ختم الفاتحة، وذلك أعم من أن يكون إماما أو مأموما. قوله: "عن ابن شهاب" في الترمذي من طريق زيد بن الحباب عن مالك " أخبرنا ابن شهاب". قوله: "أنهما أخبراه" ظاهره أن لفظهما واحد، لكن سيأتي في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة مغايرة يسيرة للفظ الزهري. قوله: "إذا أمن الإمام فأمنوا" ظاهر في أن الإمام يؤمن، وقيل معناه إذا دعا، والمراد دعاء الفاتحة من قوله: "اهدنا" إلى آخره بناء على أن التأمين دعاء. وقيل معناه إذا بلغ إلى موضع استدعى التأمين وهو قوله: "ولا الضالين" ويرد ذلك التصريح بالمراد في حديث الباب، واستدل به على مشروعية التأمين للإمام، قيل وفيه نظر لكونها قضية شرطية، وأجيب بأن التعبير بإذا يشعر بتحقيق الوقوع، وخالف مالك في إحدى الروايتين عنه وهي رواية ابن القاسم فقال: لا يؤمن الإمام في الجهرية. وفي رواية عنه لا يؤمن مطلقا. وأجاب عن حديث ابن شهاب هذا بأنه لم يره في حديث غيره، وهي علة غير قادحة فإن ابن شهاب إمام لا يضره التفرد، مع ما سيذكر قريبا أن ذلك جاء في حديث غيره، ورجح بعض المالكية كون الإمام لا يؤمن من حيث المعنى بأنه داع فناسب أن يختص المأموم التأمين، وهذا يجيء على قولهم إنه لا قراءة على المأموم، وأما من أوجبها عليه فله أن يقول: كما اشتركا في القراءة فينبغي أن يشتركا في التأمين، ومنهم من أول قوله: "إذا أمن الإمام " فقال: معناه دعا، قال وتسمية الداعي مؤمنا سائغة لأن المؤمن يسمى داعيا كما جاء في قوله تعالى: {قد أجيبت دعوتكما} وكان موسى داعيا وهارون مؤمنا كما رواه
(2/263)

ابن مردويه من حديث أنس، وتعقب بعدم الملازمة فلا يلزم من تسمية المؤمن داعيا عكسه قاله ابن عبد البر، على أن الحديث في الأصل لم يصح، ولو صح فإطلاق كون هارون داعيا إنما هو للتغليب. وقال بعضهم: معنى قوله: "إذا أمن " بلغ موضع التأمين كما يقال أنجد إذا بلغ نجدا وإن لم يدخلها، قال ابن العربي: هذا بعيد لغة وشرعا. وقال ابن دقيق العيد: وهذا مجاز، فإن وجد دليل يرجحه عمل به وإلا فالأصل عدمه. قلت: استدلوا له برواية أبي صالح عن أبي هريرة الآتية بعد باب بلفظ: "إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين " قالوا فالجمع بين الرواتين يقتضي حمل قوله: "إذا أمن " على المجاز. وأجاب الجمهور - على تسليم المجاز المذكور - بأن المراد بقوله إذا أمن أي أراد التأمين ليتوافق تأمين الإمام والمأموم معا، ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها الإمام، وقد ورد التصريح بأن الإمام يقولها وذلك في رواية، ويدل على خلاف تأويلهم رواية معمر عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ: "إذا قال الإمام ولا الضالين فقالوا آمين فإن الملائكة تقول آمين وإن الإمام يقول آمين " الحديث، أخرجه أبو داود والنسائي والسراج وهو صريح في كون الإمام يؤمن. وقيل في الجمع بينهما: المراد بقوله: "إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين " أي ولو لم يقل الإمام آمين، وقيل يؤخذ من الخبرين تخيير المأموم في قولها مع الإمام أو بعده قاله الطبري، وقيل الأول لمن قرب من الإمام والثاني لمن تباعد عنه، لأن جهر الإمام بالتأمين أخفض من جهره بالقراءة، فقد يسمع قراءته من لا يسمع تأمينه، فمن سمع تأمينه أمن معه، وإلا يؤمن إذا سمعه يقول ولا الضالين لأنه وقت تأمينه قاله الخطابي. وهذه الوجوه كلها محتملة وليست بدون الوجه الذي ذكروه، وقد رده ابن شهاب بقوله: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين " كأنه استشعر التأويل المذكور فبين أن المراد بقوله: "إذا أمن " حقيقة التأمين، وهو وإن كان مرسلا فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة راويه كما سيأتي بعد باب، وإذا ترجح أن الإمام يؤمن فيجهر به في الجهرية كما ترجم به المصنف وهو قول الجمهور، خلافا للكوفيين ورواية عن مالك فقال: يسر به مطلقا. ووجه الدلالة من الحديث أنه لو لم يكن التأمين مسموعا للمأموم لم يعلم به وقد علق تأمينه بتأمينه، وأجابوا بأن موضعه معلوم فلا يستلزم الجهر به وفيه نظر لاحتمال أن يخل به فلا يستلزم علم المأموم به، وقد روى روح بن عبادة عن مالك في هذا الحديث قال ابن شهاب " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال ولا الضالين جهر بآمين " أخرجه السراج، ولابن حبان من رواية الزبيدي في حديث الباب عن ابن شهاب " كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال آمين " وللحميدي من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه بلفظ: "إذا قال ولا الضالين " ولأبي داود من طريق أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة مثله وزاد: "حتى يسمع من يليه من الصف الأول " ولأبي داود وصححه ابن حبان من حديث وائل ابن حجر نحو رواية الزبيدي، وفيه رد على من أومأ إلى النسخ فقال: إنما كان صلى الله عليه وسلم يجهر بالتأمين في ابتداء الإسلام ليعلمهم فإن وائل بن حجر إنما أسلم في أواخر الأمر. قوله: "فأمنوا" استدل به على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام لأنه رتب عليه بالفاء، لكن تقدم في الجمع بين الروايتين أن المراد المقارنة وبذلك قال الجمهور. وقال الشيخ أبو محمد الجويني: لا تستحب مقارنة الإمام في شيء من الصلاة غيره، قال إمام الحرمين: يمكن تعليله بأن التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه، فلذلك لا يتأخر عنه وهو واضح. ثم إن هذا الأمر عند الجمهور للندب، وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم عملا بظاهر الأمر، قال: وأوجبه الظاهرية على كل مصل ثم في مطلق أمر المأموم بالتأمين أنه يؤمن ولو كان مشتغلا بقراءة الفاتحة، وبه قال أكثر الشافعية. ثم اختلفوا هل تنقطع بذلك الموالاة؟
(2/264)

على وجهين: أصحهما لا تنقطع لأنه مأمور بذلك لمصلحة الصلاة، بخلاف الأمر الذي لا يتعلق بها كالحمد للعاطس (1) والله أعلم. قوله: "فإنه من وافق" زاد يونس عن ابن شهاب عند مسلم: "فإن الملائكة تؤمن " قبل قوله: "فمن وافق " وكذا لابن عيينة عن ابن شهاب كما سيأتي في الدعوات، وهو دال على أن المراد الموافقة في القول والزمان، خلافا لمن قال المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حبان فإنه لما ذكر الحديث قال: يريد موافقة الملائكة في الإخلاص بغير إعجاب، وكذا جنح إليه غيره فقال نحو ذلك من الصفات المحمودة، أو في إجابة الدعاء، أو في الدعاء بالطاعة خاصة، أو المراد بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين. وقال ابن المنير: الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها، لأن الملائكة لا غفلة عندهم، فمن وافقهم كان متيقظا. ثم إن ظاهره أن المراد الملائكة جميعهم، واختاره ابن بزيزة. وقيل: الحفظة منهم، وقيل الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا إنهم غير الحفظة. والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء. وسيأتي في رواية الأعرج بعد باب " وقالت الملائكة في السماء آمين " وفي رواية محمد بن عمرو الآتية أيضا: "فوافق ذلك قول أهل السماء " ونحوها لسهيل عن أبيه عند مسلم، وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال: "صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء، فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد " انتهى. ومثله لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى. قوله: "غفر له ما تقدم من ذنبه" ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية، وهو محمول عند العلماء على الصغائر، وقد تقدم البحث في ذلك في الكلام على حديث عثمان فيمن توضأ كوضوئه صلى الله عليه وسلم في كتاب الطهارة. "فائدة": وقع في أمالي الجرجاني عن أبي العباس الأصم عن بحر بن نصر عن ابن وهب عن يونس في آخر هذا الحديث: "وما تأخر " وهي زيادة شاذة فقد رواه ابن الجارود في المنتقى عن بحر بن نصر بدونها، وكذا رواه مسلم عن حرملة وابن خزيمة عن يونس بن عبد الأعلى كلاهما عن ابن وهب وكذلك في جميع الطرق عن أبي هريرة إلا أني وجدته في بعض النسخ من ابن ماجه عن هشام بن عمار وأبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن ابن عيينة بإثباتها، ولا يصح، لأن أبا بكر قد رواه في مسنده ومصنفه بدونها، وكذلك حفاظ أصحاب ابن عيينة الحميدي وابن المديني وغيرهما. وله طريق أخرى ضعيفة من رواية أبي فروة محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه عن عثمان والوليد ابني ساج عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة. قوله: "قال ابن شهاب" هو متصل إليه برواية مالك عنه، وأخطأ من زعم أنه معلق. ثم هو من مراسيل ابن شهاب، وقد قدمنا وجه اعتضاده. وروي عنه موصولا أخرجه الدار قطني في الغرائب والعلل من طريق حفص بن عمر العدني عن مالك عنه. وقال الدار قطني: تفرد به حفص بن عمر وهو ضعيف، وفي الحديث حجة على الإمامية (2) في قولهم إن التأمين يبطل الصلاة، لأنه ليس بلفظ قرآن ولا ذكر، ويمكن أن يكون مستندهم ما نقل عن جعفر الصادق أن معنى آمين أي قاصدين إليك، وبه تمسك من قال إنه بالمد والتشديد، وصرح المتولي من الشافعية بأن من قاله هكذا بطلت صلاته. وفيه فضيلة الإمام لأن تأمين الإمام يوافق
ـــــــ
(1) الصواب أن تأمين المأموم وحده إذا عطس لايقطع عليه قراءته لكونه شيئا يسيرا مشروعا . والله أعلم
(2) ما كان يحسن من الشارح أن يذكر خلاف الإمامية , لأنها طائفة ضالة , وهي من أخبث طوائف الشيعة. وقد سبق للشارح أن خلاف الزيدية لايعتبر , والإمامية شر من الزيدية وكلاهما من الشيعة وليسوا أهلا لأن يذكر خلافهم في مسائل الإجماع والخلاف . والله أعلم
(2/265)

تأمين الملائكة، ولهذا شرعت للمأموم موافقته. وظاهر سياق الأمر أن المأموم إنما يؤمن إذا أمن الإمام لا إذا ترك. وقال به بعض الشافعية كما صرح به صاحب " الذخائر " وهو مقتضى إطلاق الرافعي الخلاف. وادعى النووي في " شرح المهذب " الاتفاق على خلافه، ونص الشافعي في " الأم " على أن المأموم يؤمن ولو تركه الإمام عمدا أو سهوا، واستدل به القرطبي على تعيين قراءة الفاتحة للإمام، وعلى أن المأموم ليس عليه أن يقرأ فيما جهر به إمامه، فأما الأول فكأنه أخذه من أن التأمين مختص بالفاتحة فظاهر السياق يقتضي أن قراءة الفاتحة كان أمرا معلوما عندهم، وأما الثاني فقد يدل على أن المأموم لا يقرأ الفاتحة حال قراءة الإمام لها لا أنه لا يقرؤها أصلا.
(2/266)

112 - باب فَضْلِ التَّأْمِينِ
781- حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه "
قوله: "باب فضل التأمين" أورد فيه رواية الأعرج لأنها مطلقة غير مقيدة بحال الصلاة. قال ابن المنير: وأي فضل أعظم من كونه قولا يسيرا لا كلفه فيه، ثم قد ترتبت عليه المغفرة ا هـ. ويؤخذ منه مشروعية التأمين لكل من قرأ الفاتحة سواء كان داخل الصلاة أو خارجها لقوله: "إذا قال أحدكم " لكن في رواية مسلم من هذا الوجه " إذا قال أحدكم في صلاته " فيحمل المطلق على المقيد. نعم في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد - وساق مسلم إسنادها - " إذا أمن القارئ فأمنوا " فهذا يمكن حمله على الإطلاق فيستحب التأمين إذا أمن القارئ مطلقا لكل من سمعه من مصل أو غيره. ويمكن أن يقال: المراد بالقارئ الإمام إذا قرأ الفاتحة. فإن الحديث واحد اختلفت ألفاظه. واستدل به بعض المعتزلة على أن الملائكة أفضل من الآدميين، وسيأتي البحث في ذلك في " باب الملائكة " من بدء الخلق إن شاء الله تعالى.

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:43 AM
113 - باب جَهْرِ الْمَأْمُومِ بِالتَّأْمِينِ
782- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا قَالَ الإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[الحديث782- طرفه في : 4475]
قوله: "باب جهر المأموم بالتأمين" كذا للأكثر. وفي رواية المستملي والحموي " جهر الإمام بآمين " والأول هو الصواب لئلا يتكرر. قوله: "مولى أبي بكر" أي ابن عبد الرحمن بن الحارث. قوله: "إذا قال الإمام الخ" استدل به على أن الإمام لا يؤمن، وقد تقدم البحث فيه قبل، قال الزين بن المنير: مناسبة الحديث للترجمة من جهة
(2/266)

114 - باب إِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ
783- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ الأَعْلَمِ وَهُوَ زِيَادٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ "
(2/267)

قوله: "باب إذا ركع دون الصف" كان اللائق إيراد هذه الترجمة في أبواب الإمامة، وقد سبق هناك ترجمة " المرأة وحدها تكون صفا " وذكرت هناك أن ابن بطال استدل بحديث أنس المذكور فيه في صلاة أم سليم لصحة صلاة المنفرد خلف الصف إلحاقا للرجل بالمرأة، ثم وجدته مسبوقا بالاستدلال به عن جماعة من كبار الأئمة، لكنه متعقب، وأقدم من وقفت على كلامه ممن تعقبه ابن خزيمة فقال: لا يصح الاستدلال به لأن صلاة المرء خلف الصف وحده منهي عنها باتفاق ممن يقول تجزئه أو لا تجزئه، وصلاة المرأة وحدها إذا لم يكن هناك امرأة أخرى مأمور بها باتفاق، فكيف يقاس مأمور على منهي؟ والظاهر أن الذي استدل به نظر إلى مطلق الجواز حملا للنهي على التنزيه والأمر على الاستحباب. وقال ناصر الدين ابن المنير: هذه الترجمة مما نوزع فيها البخاري حيث لم يأت: بجواب " إذا " لإشكال الحديث واختلاف العلماء في المراد بقوله: "ولا تعد". قوله: "عن الأعلم هو زياد" في رواية عن عفان عن همام حدثنا زياد الأعلم أخرجه ابن أبي شيبة، وزياد هو ابن حسان بن قرة الباهلي من صغار التابعين، قيل له الأعلم لأنه كان مشقوق الشفة، والإسناد كله بصريون. قوله: "عن الحسن" هو البصري. قوله: "عن أبي بكرة" هو الثقفي، وقد أعله بعضهم بأن الحسن عنعنه، وقيل إنه لم يسمع من أبي بكرة وإنما يروى عن الأحنف عنه، ورد هذا الإعلال برواية سعيد بن أبي عروبة عن الأعلم قال: "حدثني الحسن أن أبا بكرة حدثه " أخرجه أبو داود والنسائي. قوله: "أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية سعيد المذكورة " أنه دخل المسجد " زاد الطبراني من رواية عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه " وقد أقيمت الصلاة فانطلق يسعى " وللطحاوي من رواية حماد بن سلمة عن الأعلم " وقد حفزه النفس". قوله: "فذكر ذلك" في رواية حماد عند الطبراني " فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيكم دخل الصف وهو راكع" . قوله: "زادك الله حرصا" أي على الخير، قال ابن المنير صوب النبي صلى الله عليه وسلم فعل أبي بكرة من الجهة العامة وهي الحرص على إدراك فضيلة الجماعة، وخطأه من الجهة الخاصة. قوله: "ولا تعد" أي إلى ما صنعت من السعي الشديد ثم الركوع دون الصف ثم من المشي إلى الصف، وقد ورد ما يقتضي ذلك صريحا في طرق حديثه كما تقدم بعضها. وفي رواية عبد العزيز المذكورة " فقال من الساعي " وفي رواية يونس بن عبيد عن الحسن عن الطبراني " فقال أيكم صاحب هذا النفس؟ قال: خشيت أن تفوتني الركعة معك " وله من وجه آخر عنه في آخر الحديث: "صل ما أدركت واقض ما سبقك " وفي رواية حماد عند أبي داود وغيره: "أيكم الراكع دون الصف " وقد تقدم من روايته قريبا " أيكم دخل نصف وهو راكع " وتمسك المهلب بهذه الرواية الأخيرة فقال: إنما قال له " لا تعد " لأنه مثل بنفسه في مشيه راكعا لأنها كمشية البهائم ا هـ. ولم ينحصر النهي في ذلك كما حررته، ولو كان منحصرا لاقتضى ذلك عدم الكراهة في إحرام المنفرد خلف الصف، وقد تقدم نقل الاتفاق على كراهيته، وذهب إلى تحريمه أحمد وإسحاق وبعض محدثي الشافعية كابن خزيمة، واستدلوا بحديث وابصة بن معبد " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة " أخرجه أصحاب السنن وصححه أحمد وابن خزيمة وغيرهما. ولابن خزيمة أيضا من حديث علي بن شيبان نحوه وزاد: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف " واستدل الشافعي وغيره بحديث أبي بكرة على أن الأمر في حديث وابصة للاستحباب لكون أبي بكرة أتى بجزء من الصلاة خلف الصف ولم يؤمر بالإعادة، لكن نهى عن العود إلى ذلك، فكأنه أرشد إلى ما هو الأفضل. وروى البيهقي من طريق المغيرة عن إبراهيم فيمن صلى خلف الصف وحده فقال: صلاته تامة وليس له تضعيف،
(2/268)

وجمع أحمد وغيره بين الحديثين بوجه آخر، وهو أن حديث أبي بكرة مخصص لعموم حديث وابصة، فمن ابتدأ الصلاة منفردا خلف الصف ثم دخل في الصف قبل القيام من الركوع لم تجب عليه الإعادة كما في حديث أبي بكرة، وإلا فتجب على عموم حديث وابصة وعلي بن شيبان. واستنبط بعضهم من قوله: "لا تعد " أن ذلك الفعل كان جائزا ثم ورد النهي عنه بقوله لا تعد، فلا يجوز العود إلى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهذه طريقة البخاري في " جزء القراءة خلف الإمام " ويؤخذ مما حررته جواب من قال: لم لا دعا له بعدم العود إلى ذلك كما دعا له بزيادة الحرص؟ وأجاب بأنه جوز أنه ربما تأخر في أمر يكون أفضل من إدراك أول الصلاة ا ه. وهو مبني على أن النهي إنما وقع عن التأخير وليس كذلك. "تنبيه": قوله: "ولا تعدل " ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود، وحكى بعض شراح المصابيح أنه روى بضم أوله وكسر العين من الإعادة، ويرجح الرواية المشهورة ما تقدم من الزيادة في آخره عند الطبراني " صل ما أشركت واقض ما سبقك " وروى الطحاوي بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا: "إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف " واستدل بهذا الحديث على استحباب موافقة الداخل للإمام على أي حال وجده عليها، وقد ورد الأمر بذلك صريحا في سنن سعيد بن منصور من رواية عبد العزيز بن رفيع عن أناس من أهل المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدني قائما أو راكعا أو ساجدا فليكن معي على الحال التي أنا عليها " وفي الترمذي نحوه عن علي ومعاذ بن جبل مرفوعا وفي إسناده ضعف، لكنه ينجبر بطريق سعيد بن منصور المذكورة.
(2/269)

115 - باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ
784- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلاَةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ "
[الحديث784 – طرفاه في : 826 ,786]
785- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ إِنِّي لاَشْبَهُكُمْ صَلاَةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
[الحديث785 – أطرافه في:8003,795,789]
قوله: "باب إتمام التكبير في الركوع" أي مده بحيث ينتهي بتمامه، أو المراد إتمام عدد تكبيرات الصلاة بالتكبير في الركوع قاله الكرماني. قلت: ولعله أراد بلفظ الإتمام الإشارة إلى تضعيف ما رواه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن أبزى قال: "صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتم التكبير " وقد نقل البخاري في التاريخ عن داود الطيالسي أنه قال: هذا عندنا باطل. وقال الطبري والبزار: تفرد به الحسن بن عمران وهو مجهول، وأجيب على تقدير صحته بأنه فعل ذلك لبيان الجواز، أو المراد لم يتم الجهر به أو لم يمده. قوله: "قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم" أي الإتمام
(2/269)

ومراده أنه قال ذلك بالمعنى، لأنه أشار بذلك إلى حديثه الموصول في آخر الباب الذي بعده وفيه قوله لعكرمة لما أخبره عن الرجل الذي كبر في الظهر ثنتين وعشرين تكبيرة " إنها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: "فيستلزم ذلك أنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم إتمام التكبير، لأن الرباعية لا يقع فيها لذاتها أكثر من ذلك، ومن لازم ذلك التكبير في الركوع. وهذا يبعد الاحتمال الأول. قوله: "وفيه مالك بن الحويرث" أي يدخل في الباب حديث مالك، وقد أورده المؤلف بعد أبواب في " باب المكث بين السجدتين " ولفظه: "فقام ثم ركع فكبر". قوله: "حدثنا خالد" هو الطحان، والجريري هو سعيد، وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير أخو مطرف الذي روى هذا الحديث عنه، والإسناد كله بصريون وفيه رواية الأقران والإخوة. قوله: "صلى" أي عمران "مع علي" أي ابن أبي طالب "بالبصرة" يعني بعد وقعة الجمل. قوله: "ذكرنا" بتشديد الكاف وفتح الراء، وفيه إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره كان قد ترك، وقد روى أحمد والطحاوي بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال: "ذكرنا علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما نسيناها وإما تركناها عمدا " ولأحمد من وجه آخر عن مطرف قال: قلنا - يعني لعمران بن حصين - يا أبا نجيد، هو بالنون والجيم مصغر، من أول من ترك التكبير؟ قال: عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته. وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر. وروى الطبراني عن أبي هريرة أن أول من ترك التكبير معاوية. وروى أبو عبيد أن أول من تركه زياد. وهذا لا ينافي الذي قبله لأن زيادا تركه بترك معاوية، وكأن معاوية تركه بترك عثمان. وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء، ويرشحه حديث أبي سعيد الآتي في " باب يكبر وهو ينهض من السجدتين"، لكن حكى الطحاوي أن قوما كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع، قال: وكذلك كانت بنو أمية تفعل، وروى ابن المنذر نحوه عن ابن عمر وعن بعض السلف أنه كان لا يكبر سوى تكبيرة الإحرام، وفرق بعضهم بين المنفرد وغيره، ووجهه بأن التكبير شرع للإيذان بحركة الإمام فلا يحتاج إليه المنفرد، لكن استقر الأمر على مشروعية التكبير في الخفض والرفع لكل مصل، فالجمهور على ندبية ما عدا تكبيرة الإحرام.
وعن أحمد وبعض أهل العلم بالظاهر يجب كله صلى الله عليه وسلم قال ناصر الدين بن المنير: الحكمة في مشروعية التكبير في الخفض والرفع أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير، وكان من حقه أن يستصحب النية إلى آخر الصلاة، فأمر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي هو شعار النية صلى الله عليه وسلم.
قوله: "كلما رفع وكلما وضع" هو عام في جميع الانتقالات في الصلاة، لكن خص منه الرفع من الركوع بالإجماع فإنه شرع فيه التحميد، وقد جاء بهذا اللفظ العام أيضا من حديث أبي هريرة في الباب، ومن حديث أبي موسى الذي ذكرناه عند أحمد والنسائي، ومن حديث ابن مسعود عن الدارمي والطحاوي، ومن حديث ابن عباس في الباب الذي بعده، ومن حديث ابن عمر عند أحمد والنسائي، ومن حديث
ـــــــ
(1) وهذا القول أظهر من حيث الدليل , لأن الرسول ثلى الله عليه وسلم حافظ عليه وأمر به , وأصل الأمر للوجوب , وقد قال صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلى " . وأما ماروى عن عثمان ومعاوية من عدم إتمام التكبير فهو محمول على عدم الجهر بذلك لا أنهما تركاه إحسانا للظن بهما , وعلى تسليم أن الترك وقع منهما فالحجة مقدمة على رأيهما رضي الله عنهما وعن سائر الصحابة أجمعين . والله أعلم
(2) ولو قيل إن الحكمة في شرعية تكرار التكبير تنبيه المصلي على أن الله سبحانه أكبر من كل كبير وأعظم من كل عظيم فلا ينبغى التشاغل عن طاعته من الأشياء , بل ينبغي الإقبال عليها بالقلب والقالب , والخشوع فيها تعظيما له سبحانه وطلبا لرضاه , لكان ذلك متوجها , والله أعلم
(2/270)

عبد الله بن زيد عند سعيد بن منصور، ومن حديث وائل بن حجر عند ابن حبان، ومن حديث جابر عند البزار، وسيأتي مفسرا من حديث أبي هريرة فيه.قوله في حديث أبي هريرة ( يصلي بهم) في رواية الكشميهني"يصلي لهم"
(2/271)

116 - باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي السُّجُودِ
786- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَقَالَ قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
787- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا عِنْدَ الْمَقَامِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أو ليس تِلْكَ صَلاَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ أُمَّ لَكَ "
[ الحديث787 – طرفه : في 788]
قوله: "باب إتمام التكبير في السجود" فيه ما تقدم في الذي قبله. قوله: "حدثنا حماد" هو ابن زيد. قوله: "صليت خلف علي بن أبي طالب أنا وعمران" استدل به على أن موقف الاثنين يكون خلف الإمام خلافا لمن قال يجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وفيه نظر لأنه ليس فيه أنه لم يكن معهما غيرهما. وقد تقدم أن ذلك كان بالبصرة وكذا رواه سعيد بن منصور من رواية حميد بن هلال عن عمران، ووقع لأحمد من طريق سعيد بن أبي عروبة عن غيلان بالكوفة، وكذا لعبد الرزاق عن معمر عن قتادة وغير واحد عن مطرف، فيحتمل أن يكون ذلك وقع منه بالبلدين، وقد ذكره في رواية أبي العلاء بصيغة العموم وهنا بذكر السجود والرفع والنهوض من الركعتين فقط ففيه إشعار بأن هذه المواضع الثلاثة هي التي كان ترك التكبير فيها حتى تذكرها عمران بصلاة علي. قوله: "قد ذكرني" في رواية الكشميهني: "لقد ذكرني". قوله: "أو قال" هو شك من أحد رواته، ويحتمل أن يكون من حماد فقد رواه أحمد من رواية سعيد بن أبي عروبة بلفظ: "صلى بنا هذا مثل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولم يشك. وفي رواية قتادة عن مطرف قال عمران " ما صليت منذ حين أو منذ كذا وكذا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الصلاة " قال ابن بطال: ترك النكير على من ترك التكبير يدل على أن السلف لم يتلقوه على أنه ركن من الصلاة، وأشار الطحاوي إلى أن الإجماع استقر على أن من تركه فصلاته تامة، وفيه نظر لما تقدم عن أحمد، والخلاف في بطلان الصلاة بتركه ثابت في مذهب مالك إلا أن يريد إجماعا سابقا. قوله: "عن أبي بشر" صرح سعيد بن منصور عن هشيم بأن أبا بشر حدثه. قوله: "رأيت رجلا عند المقام" في رواية الإسماعيلي: "صليت خلف شيخ بالأبطح " والأولى أصح، إلا أن يكون المراد بالأبطح البطحاء التي تفرش في المسجد، وسيأتي في أول الباب الذي بعده بلفظ: "صليت خلف شيخ بمكة " وأنه سماه في بعض الطرق أبا هريرة، واتفقت هذه الروايات على أنه رآه بمكة،
(2/271)

وللسراج من طريق حبيب بن الزبير عن عكرمة " رأيت رجلا يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن لم يحمل على التجوز وإلا فهي شاذة. قوله: "أو ليس تلك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" هو استفهام إنكار للإنكار المذكور، ومقتضاه الإثبات لأنه نفى النفي. قوله: "لا أم لك" هي كلمة تقولها العرب عند الزجر، وكذا قوله في الرواية التي بعدها " ثكلتك أمك " فكأنه دعا عليه أن يفقد أمه أو أن تفقده أمه، لكنهم قد يطلقون ذلك ولا يريدون حقيقته. واستحق عكرمة ذلك عند ابن عباس لكونه نسب ذلك الرجل الجليل إلى الحمق الذي هو غاية الجهل وهو بريء من ذلك.
(2/272)

117 - بَاب التَّكْبِيرِ إِذَا قَامَ مِنْ السُّجُودِ
788- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّهُ أَحْمَقُ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ "
789- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ وَلَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ "
قوله (بَاب التَّكْبِيرِ إِذَا قَامَ مِنْ السُّجُودِ ) .قوله: "صليت خلف شيخ" زاد سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عند الإسماعيلي: "الظهر " وبذلك يصح عدد التكبير الذي ذكره، لأن في كل ركعة خمس تكبيرات فيقع في الرباعية عشرون تكبيرة مع تكبيرة الافتتاح وتكبيرة القيام من التشهد الأول، ولأحمد والطحاوي والطبراني من طريق عبد الله الداناج وهو بالنون والجيم الخفيفتين عن عكرمة قال: "صلى بنا أبو هريرة". قوله: "وقال موسى" هو ابن إسماعيل راوي الحديث عن همام، وهو عنده متصل عن همام وأبان كلاهما عن قتادة، وإنما أفردهما لكونه على شرطه في الأصول، بخلاف أبان فإنه على شرطه في المتابعات. وأفادت رواية أبان تصريح قتادة بالتحديث عن عكرمة، وقد وقع مثله من رواية سعيد بن أبي عروبة المذكورة عند الإسماعيلي. وقوله: "سنة" بالرفع خبر مبتدأ محذوف تقديره تلك سنة، وذلك في رواية عبيد الله بن موسى عن همام عند الإسماعيلي. قوله: "أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن" كذا قال عقيل، وتابعه ابن جريج عن شهاب عند مسلم. وقال مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن كما تقدم قبل بباب مختصرا، وكذا أخرجه مسلم والنسائي مطولا من رواية يونس عن ابن شهاب، وتابعه معمر عن ابن شهاب عند السراج، وليس هذا الاختلاف قادحا بل الحديث عند ابن شهاب عنهما معا كما سيأتي في " باب يهوى بالتكبير " من رواية شعيب عنه عنهما جميعا عن أبي هريرة. قوله: "يكبر حين يقوم" فيه التكبير قائما ، وهو
(2/272)

بالاتفاق في حق القادر. قوله: "ثم يكبر حين يركع" قال النووي: فيه دليل على مقارنة التكبير للحركة وبسطه عليها، فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتقال إلى الركوع، ويمده حتى يصل إلى حد الراكع. انتهى. ودلالة هذا اللفظ على البسط الذي ذكره غير ظاهرة. قوله: "حين يرفع الخ" فيه أن التسميع ذكر النهوض، وأن التحميد ذكر الاعتدال، وفيه دليل على أن الإمام يجمع بينهما خلافا لمالك، لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الموصوفة محمولة على حال الإمامة لكون ذلك هو الأكثر الأغلب من أحواله، وسيأتي البحث فيه بعد خمسة أبواب. قوله: "قال عبد الله بن صالح عن الليث: ولك الحمد" يعني أن ابن صالح زاد في روايته عن الليث الواو في قوله: "ولك الحمد"، وأما باقي الحديث فاتفقا فيه، وإنما لم يسقه عنهما معا وهما شيخاه لأن يحيى من شرطه في الأصول، وابن صالح إنما يورده في المتابعات وسيأتي من رواية شعيب أيضا عن ابن شهاب بإثبات الواو، وكذا في رواية ابن جريج عند مسلم ويونس عند النسائي، قال العلماء: الرواية بثبوت الواو أرجح، وهي زائدة وقيل عاطفة على محذوف وقيل هي واو الحال قاله ابن الأثير وضعف ما عداه. قوله: "ثم يكبر حين يهوى" يعني ساجدا، وكذا هو في رواية شعيب، و " يهوى " ضبطناه بفتح أوله، أي يسقط. قوله: "يكبر حين يقوم من الثنتين" أي الركعتين الأوليين، وقوله: "بعد الجلوس" أي في التشهد الأول. وهذا الحديث مفسر للأحاديث المتقدمة حيث قال فيها " كان يكبر في كل خفض ورفع".
(2/273)

3 - باب وَضْعِ الأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ أَمْكَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِينَا عَلَى الرُّكَبِ
قوله: "باب وضع الأكف على الركب في الركوع" أي كل كف على ركبة. قوله: "وقال أبو حميد" سيأتي موصولا مطولا في " باب سنة الجلوس في التشهد " والغرض منه هنا بيان الصفة المذكورة في الركوع. يقويه ما أشار إليه سعد من نسخ التطبيق. قوله: "عن أبي يعفور" بفتح التحتانية وبالفاء وآخره راء وهو الأكبر كما جزم به المزي وهو مقتضى صنيع ابن عبد البر، وصرح الدارمي في روايته من طريق إسرائيل عن أبي يعفور بأنه العبدي والعبدي هو الأكبر بلا نزاع، وذكر النووي في شرح مسلم أنه الأصغر، وتعقب، وقد ذكرنا اسمهما في المقدمة. قوله: "مصعب بن سعد" أي ابن أبي وقاص. قوله: "فطبقت" أي ألصقت بين باطني كفي في حال الركوع. قوله: "كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا" استدل به على نسخ التطبيق المذكور بناء على أن المراد بالآمر والناهي في ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الصيغة مختلف فيها، والراجح أن حكمها الرفع، وهو مقتضى تصرف البخاري. وكذا مسلم إذ أخرجه في صحيحه. وفي رواية إسرائيل المذكورة عند الدارمي " كان بنو عبد الله بن مسعود إذا ركعوا جعلوا أيديهم بين أفخاذهم، فصليت إلى جنب أبي فضرب يدي " الحديث، فأفادت هذه الزيادة مستند مصعب في فعل ذلك، وأولاد ابن مسعود أخذوه عن أبيهم. قال الترمذي: التطبيق منسوخ عند أهل العلم لا خلاف بين العلماء في ذلك إلا ما روي
(2/273)

عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون. انتهى. وقد ورد ذلك عن ابن مسعود متصلا في صحيح مسلم وغيره من طريق إبراهيم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فذكر الحديث قال: "فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم" . وحمل هذا على أن ابن مسعود لم يبلغه النسخ. وقد روى ابن المنذر عن ابن عمر بإسناد قوي قال: "إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة " يعني التطبيق، وروى ابن خزيمة من وجه آخر عن علقمة عن عبد الله قال: "علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع، فبلغ ذلك سعدا فقال: صدق أخي، كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا " يعني الإمساك بالركب. فهذا شاهد قوي لطريق مصعب ابن سعد. وروى عبد الرزاق عن عمر ما يوافق قول سعد، أخرجه من وجه آخر عن علقمة والأسود قال: "صلينا مع عبد الله فطبق، ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا، فلما انصرف قال: ذلك شيء كنا نفعله ثم ترك " وفي الترمذي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال: "قال لنا عمر بن الخطاب: إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب " ورواه البيهقي بلفظ: "كنا إذا ركعنا جعلنا أيدينا بين أفخاذنا، فقال عمر: إن من السنة الأخذ بالركب " وهذا أيضا حكمه حكم الرفع لأن الصحابي إذا قال السنة كذا أو سن كذا كان الظاهر انصراف ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما إذا قاله مثل عمر. قوله: "فنهينا عنه" استدل به ابن خزيمة على أن التطبيق غير جائز، وفيه نظر لاحتمال حمل النهي على الكراهة، فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن علي قال: "إذا ركعت فإن شئت قلت هكذا - يعني وضعت يديك على ركبتيك - وإن شئت طبقت " وإسناده حسن، وهو ظاهر في أنه كان يرى التخيير، فإما أنه لم يبلغه النهي وإما حمله على كراهة التنزيه. ويدل على أنه ليس بحرام كون عمر وغيره ممن أنكره لم يأمر من فعله بالإعادة. "فائدة": حكى ابن بطال عن الطحاوي وأقره أن طريق النظر يقتضي أن تفريق اليدين أولى من تطبيقهما، لأن السنة جاءت بالتجافي في الركوع والسجود، وبالمراوحة بين القدمين، قال: فلما اتفقوا على أولوية تفريقهما في هذا واختلفوا في الأول اقتضى النظر أن يلحق ما اختلفوا فيه بما اتفقوا عليه، قال: فثبت انتفاء التطبيق ووجوب وضع اليدين على الركبتين. انتهى كلامه. وتعقبه الزين بن المنير بأن الذي ذكره معارض بالمواضع التي سن فيها الضم كوضع اليمنى على اليسرى في حال القيام، قال: وإذا ثبت مشروعية الضم في بعض مقاصد الصلاة بطل ما اعتمده من القياس المذكور. نعم لو قال أن الذي ذكره ما صلى الله عليه وسلم يقتضي مزية التفريج على التطبيق لكان له وجه. قلت: وقد وردت الحكمة في إثبات التفريج على التطبيق عن عائشة رضي الله عنها، أورد سيف في الفتوح من رواية مسروق أنه سألها عن ذلك فأجابت بما محصله: أن التطبيق من صنيع اليهود، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه لذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أمر في آخر الأمر بمخالفتهم، والله أعلم. قوله: "أن نضع أيدينا" أي أكفنا من إطلاق الكل وإرادة الجزء، ورواه مسلم من طريق أبي عوانة عن أبي يعفور بلفظ: "وأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب " وهو مناسب للفظ الترجمة.
ـــــــ
(1) كذا في الاصلين, ولعله " إنما "
(2/274)

119 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ رَأَى
(2/274)

حُذَيْفَةُ رَجُلًا لاَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا قوله: "باب إذا لم يتم الركوع" أقود الركوع بالذكر مع أن السجود مثله لكونه أفرده بترجمة تأتي، وغرضه سياق صفة الصلاة على ترتيب أركانها، واكتفى عن جواب " إذا " بما ترجم به بعد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يتم ركوعه بالإعادة. قوله: "عن سليمان" هو الأعمش. قوله: "رأى حذيفة رجلا" لم أقف على اسمه لكن عند ابن خزيمة وابن حبان من طريق الثوري عن الأعمش أنه كان عند أبواب كندة، ومثله لعبد الرزاق عن الثوري. قوله: "لا يتم الركوع والسجود" في رواية عبد الرزاق " فجعل ينقر ولا يتم ركوعه " زاد أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة " فقال: منذ كم صليت؟ فقال: منذ أربعين سنة " ومثله في رواية الثوري، وللنسائي من طريق طلحة بن مصرف عن زيد بن وهب مثله، وفي حمله على ظاهره نظر، وأظن ذلك هو السبب في كون البخاري لم يذكر ذلك، وذلك لأن حذيفة مات سنة ست وثلاثين فعلى هذا يكون ابتداء صلاة المذكور قبل الهجرة بأربع أو أكثر ولعل الصلاة لم تكن فرضت بعد، فلعله أطلق وأراد المبالغة، أو لعله ممن كاد يصلي قبل إسلامه ثم أسلم فحصلت المدة المذكورة من الأمرين. قوله: "ما صليت" هو نظير قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته " فإنك لم تصل " وسيأتي بعد باب. قوله: "فطر الله محمدا" زاد الكشميهني: "عليها " واستدل به على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود وعلى أن الإخلال بها مبطل للصلاة، وعلى تكفير تارك الصلاة لأن ظاهره أن حذيفة نفى الإسلام عمن أخل ببعض أركانها فيكون نفيه عمن أخل بها كلها أولى، وهذا بناء على أن المراد بالفطرة الدين، وقد أطلق الكفر على من لم يصل كما رواه مسلم صلى الله عليه وسلم وهو إما على حقيقته عند قوم وإما على المبالغة في الزجر عند آخرين، قال الخطابي: الفطرة الملة أو الدين، قال: ويحتمل أن يكون المراد بها هنا السنة كما جاء " خمس من الفطرة " الحديث، ويكون حذيفة قد أراد توبيخ الرجل ليرتدع في المستقبل، ويرجحه وروده من وجه آخر بلفظ: "سنة محمد " كما سيأتي بعد عشرة أبواب، وهو مصير من البخاري إلى أن الصحابي إذا قال سنة محمد أو فطرته كان حديثا مرفوعا، وقد خالف فيه قوم والراجح الأول.
(2/275)

120 - باب اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ فِي الرُّكُوعِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ
قوله: "باب استواء الظهر في الركوع" أي من غير ميل في الرأس عن البدن ولا عكسه. قوله: "وقال أبو حميد" هو الساعدي. قوله: "هصر ظهره" بفتح الهاء والصاد المهملة أي أماله. وفي رواية الكشميهني: "حنى " بالمهملة والنون الخفيفة وهو بمعناه، وسيأتي حديث أبي حميد هذا موصولا مطولا في " باب سنة الجلوس في التشهد " بلفظ: "ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه ثم هصر طهره " زاد أبو داود من وجه آخر عن أبي حميد " ووتر يديه فتجافى عن جنبيه " وله من وجه آخر " أمكن كفيه من ركبتيه وفرج بين أصابعه ثم هصر ظهره غير مقنع رأسه ولا صافح بخده" .
(2/275)

باب حد إتمام الركوع والععتدال فيه والاطمأنينة
...
121 - باب حَدِّ إِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ فِيهِ وَالطُّمَأْنِينَةِ
(2/275)

باب أمر النبي صلى اله عليه وسلم الذب لا يتم ركوعه بالإعادة
...
122 - باب أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ بِالإِعَادَةِ
793- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
(2/276)

هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ السَّلاَمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلاَثًا فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي قَالَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا
قوله: "باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم الركوع بالإعادة" قال الزين بن المنير: هذه من التراجم الخفية، وذلك أن الخبر لم يقع فيه بيان ما نقصه المصلي المذكور، لكنه صلى الله عليه وسلم لما قال له " ثم اركع حتى تطمئن راكعا " إلى آخر ما ذكر له من الأركان اقتضى ذلك تساويها في الحكم لتناول الأمر كل فرد منها، فكل من لم يتم ركوعه أو سجوده أو غير ذلك مما ذكر مأمور بالإعادة. قلت: ووقع في حديث رفاعة بن رافع عند ابن أبي شيبة في هذه القصة " دخل رجل فصلى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا سجودها " فالظاهر أن المصنف أشار بالترجمة إلى ذلك. قوله: "عن عبيد الله" هو ابن عمر العمري. قوله: "عن أبيه" قال الدار قطني: خالف يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم في هذا الإسناد، فإنهم لم يقولوا عن أبيه؛ ويحيى حافظ قال: فيشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين. وقال البزار: لم يتابع يحيى عليه، ورجح الترمذي رواية يحيى. قلت: لكل من الروايتين وجه مرجح، أما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ، وأما الرواية الأخرى فللكثرة، ولأن سعيدا لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من أبي هريرة، ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين. فأخرج البخاري طريق يحيى هنا وفي " باب وجوب القراءة " وأخرج في الاستئذان طريق عبيد الله بن النمير، وفي الإيمان والنذور طريق أسامة كلاهما عن عبيد الله ليس فيه عن أبيه، وأخرجه مسلم من رواية الثلاثة. وللحديث طريق أخرى من غير رواية أبي هريرة أخرجها أبو داود والنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو ومحمد بن عجلان وداود بن قيس كلهم عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع، فمنهم من لم يسم رفاعة قال: "عن عم له بدري " ومنهم من لم يقل عن أبيه، ورواه النسائي والترمذي من طريق يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن جده عن رفاعة لكن لم يقل الترمذي عن أبيه، وفيه اختلاف آخر نذكره قريبا. قوله: "فدخل رجل" في رواية ابن نمير " ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد " وللنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ونحن حوله " وهذا الرجل هو خلاد بن رافع جد علي بن يحيى راوي الخبر، بينه ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى عن رفاعة أن خلادا دخل المسجد. وروى أبو موسى في الذيل من جهة ابن عيينة عن ابن عجلان عن علي بن يحيى بن عبد الله بن خلاد عن أبيه عن جده أنه دخل المسجد ا هـ. وفيه أمران: زيادة عبد الله في نسب علي بن يحيى، وجعل الحديث من رواية خلاد جد علي. فأما الأول فوهم من الراوي عن ابن عيينة، وأما الثاني فمن ابن عيينة لأن سعيد بن منصور قد رواه عنه كذلك لكن بإسقاط عبد الله، والمحفوظ أنه من حديث رفاعة، كذلك أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد القطان وابن أبي شيبة عن أبي خالد. الأحمر كلاهما عن محمد بن عجلان. وأما ما وقع عند الترمذي " إذ
(2/277)

جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته " فهذا لا يمنع تفسيره بخلاد لأن رفاعة شبهه بالبدوي لكونه أخف الصلاة أو لغير ذلك. قوله: "فصلى" زاد النسائي من رواية داود بن قيس " ركعتين " وفيه إشعار بأنه صلى نفلا. والأقرب أنها تحية المسجد، وفي الرواية المذكورة " وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه في صلاته " زاد في رواية إسحاق بن أبي طلحة " ولا ندري ما يعيب منها " وعند ابن أبي شيبة من رواية أبي خالد " يرمقه ونحن لا نشعر " وهذا محمول على حالهم في المرة الأولى، وهو مختصر من الذي قبله كأنه قال: ولا نشعر بما يعيب منها.قوله: "ثم جاء فسلم" في رواية أبي أسامة " فجاء فسلم " وهي أولى لأنه لم يكن بين صلاته ومجيئه تراخ. قوله: "فرد النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية مسلم وكذا في رواية ابن نمير في الاستئذان " فقال وعليك السلام " وفي هذا تعقب علي ابن المنير حيث قال فيه: أن الموعظة في وقت الحاجة أهم من رد السلام، ولأنه لعله لم يرد عليه السلام تأديبا على جهله فيؤخذ منه التأديب بالهجر وترك السلام ا هـ. والذي وقفنا عليه من نسخ الصحيحين ثبوت الرد في هذا الموضع وغيره، إلا الذي في الأيمان والنذور وقد ساق الحديث صاحب " العمدة " بلفظ الباب إلا أنه حذف منه " فرد النبي صلى الله عليه وسلم: "فلعل ابن المنير اعتمد على النسخة التي اعتمد عليها صاحب العمدة. قوله: "ارجع" في رواية ابن عجلان فقال: "أعد صلاتك". قوله: "فإنك لم تصل" قال عياض: فيه أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزئ، وهو مبني على أن المراد بالنفي نفي الإجزاء وهو الظاهر، ومن حمله على نفي الكمال تمسك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بعد التعليم بالإعادة فدل على إجزائها وإلا لزم تأخير البيان، كذا قاله بعض المالكية وهو المهلب ومن تبعه، وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة، فسأله التعليم فعلمه، فكأنه قال له أعد صلاتك على هذه الكيفية، أشار إلى ذلك ابن المنير، وسيأتي في آخر الكلام على الحديث مزيد بحث في ذلك. قوله: "ثلاثا" في رواية ابن نمير " فقال في الثالثة أو في التي بعدها " وفي رواية أبي أسامة " فقال في الثانية أو الثالثة " وتترجح الأولى لعدم وقوع الشك فيها ولكونه صلى الله عليه وسلم كان من عادته استعمال الثلاث في تعليمه غالبا. قوله: "فعلمني" في رواية يحيى بن علي صلى الله عليه وسلم: "فقال الرجل فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ فقال: أجل". قوله: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر" في رواية ابن نمير " إذا قمت إلى الصلاة فأصبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر " وفي رواية يحيى بن علي " فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم" . وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة عند النسائي إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله ويحمده ويمجده " وعند أبي داود " ويثني عليه " بدل ويمجده. قوله: "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" لم تختلف الروايات في هذا عن أبي هريرة، وأما رفاعة ففي رواية إسحاق المذكورة " ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله " وفي رواية يحيى بن علي " فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله" . وفي رواية محمد بن عمرو عند أبي داود " ثم اقرأ بأم القرآن أو بما شاء الله" . ولأحمد وابن حبان من هذا الوجه " ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت " ترجم له ابن حبان بباب فرض المصلي قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة. قوله: "حتى تطمئن راكعا" في رواية أحمد هذه القريبة " فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك وتمكن لركوعك" . وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة " ثم يكبر فيركع حتى تطمئن مفاصله ويسترخي". قوله: "حتى تعتدل قائما" في رواية ابن نمير عند ابن ماجه: "حتى تطمئن قائما " أخرجه ابن أبي شيبة عنه، وقد أخرج مسلم إسناده
(2/278)

بعينه في هذا الحديث لكن لم يسق لفظه فهو على شرطه، وكذا أخرجه إسحاق ابن راهويه في مسنده عن أبي أسامة، وهو في مستخرج أبي نعيم من طريقه، وكذا أخرجه السراج عن يوسف بن موسى أحد شيوخ البخاري عن أبي أسامة، فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين، ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبان، وفي لفظ لأحمد " فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها " وعرف بهذا أن قول إمام الحرمين: في القلب من إيجابها - أي الطمأنينة في الرفع من الركوع - شيء لأنها لم تذكر في حديث المسيء صلاته، دال على أنه لم يقف على هذه الطرق الصحيحة. قوله: "ثم اسجد" في رواية إسحاق بن أبي طلحة "ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه أو جبهته حتى تطمئن مفصاله وتسترخي" . قوله: "ثم ارفع" في رواية إسحاق المذكورة " ثم يكبر فيركع حتى يستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه" . وفي رواية محمد بن عمرو " فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى" . وفي رواية إسحاق " فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن جالسا ثم افترش فخذك اليسرى ثم تشهد" . قوله: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" في رواية محمد بن عمرو " ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة". "تنبيه": وقع في رواية ابن نمير في الاستئذان بعد ذكر السجود الثاني " ثم ارفع حتى تطمئن جالسا". وقد قال بعضهم: هذا يدل على إيجاب جلسة الاستراحة ولم يقل به أحد، وأشار البخاري إلى أن هذه اللفظة وهم، فإنه عقبه بأن قال: "قال أبو أسامة في الأخير حتى تستوي قائما " ويمكن أن يحمل إن كان محفوظا على الجلوس للتشهد، ويقويه رواية إسحاق المذكورة قريبا، وكلام البخاري ظاهر في أن أبا أسامة خالف ابن نمير، لكن رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة كما قال ابن نمير بلفظ: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا، ثم افعل ذلك في كل ركعة" . وأخرجه البيهقي من طريقه وقال: كذا قال إسحاق بن راهويه عن أبي أسامة، والصحيح رواية عبيد الله بن سعيد أبي قدامة ويوسف بن موسى عن أبي أسامة بلفظ: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي قائما " ثم ساقه من طريق يوسف بن موسى كذلك. واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة، وبه قال الجمهور، واشتهر عن الحنفية أن الطمأنينة سنة، وصرح بذلك كثير من مصنفيهم، لكن كلام الطحاوي كالصريح في الوجوب عندهم، فإنه ترجم مقدار الركوع والسجود، ثم ذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره في قوله: "سبحان ربي العظيم ثلاثا في الركوع وذلك أدناه" . قال: فذهب قوم إلى أن هذا مقدار الركوع والسجود لا يجزئ أدنى منه، قال. وخالفهم آخرون فقالوا: إذا استوى راكعا واطمأن ساجدا أجزأ، ثم قال: وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. قال ابن دقيق العيد: تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعلى عدم وجوب ما لم يذكر، أما الوجوب فلتعلق الأمر به، وأما عدمه فليس لمجرد كون الأصل عدم الوجوب، بل لكون الموضع تعليم وبيان للجاهل، وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذكر ويتقوى ذلك بكونه صلى الله عليه وسلم ذكر ما تعلقت به الإساءة من هذا المصلي وما لم تتعلق به، فدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت به الإساءة. قال: فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه وكان مذكورا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه، وبالعكس. لكن يحتاج أولا إلى جمع طرق هذا الحديث وإحصاء الأمور المذكورة فيه والأخذ بالزائد فالزائد، ثم إن عارض الوجوب أو عدمه دليل أقوى منه عمل به، وإن جاءت صيغة الأمر في حديث آخر بشيء لم يذكر في هذا الحديث قدمت. قلت: قد امتثلت ما أشار إليه وجمعت طرقه القوية من رواية أبي هريرة ورفاعة،
(2/279)

وقد أمليت الزيادات التي اشتملت عليها. فمما لم يذكر فيه تصريحا من الواجبات المتفق عليها: النية، والقعود الأخير ومن المختلف فيه التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والسلام في آخر الصلاة. قال النووي: وهو محمول على أن ذلك كان معلوما عند الرجل ا هـ. وهذا يحتاج إلى تكملة، وهو ثبوت الدليل على إيجاب ما ذكر كما تقدم، وفيه بعد ذلك نظر. قال: وفيه دليل على أن الإقامة والتعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في الإحرام وغيره ووضع اليمنى على اليسرى وتكبيرات الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود وهيئات الجلوس ووضع اليد على الفخذ ونحو ذلك مما لم يذكر في الحديث ليس بواجب ا هـ. وهو في معرض المنع لثبوت بعض ما ذكر في بعض الطرق كما تقدم بيانه، فيحتاج من لم يقل بوجوبه إلى دليل على عدم وجوبه كما تقدم تقريره. واستدل به على تعين لفظ التكبير، خلافا لمن قال يجزئ بكل لفظ يدل على التعظيم، وقد تقدمت هذه المسألة في أول صفة الصلاة. قال ابن دقيق العيد: ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبدات، ولأن رتب هذه الأذكار مختلفة، فقد لا يتأدى برتبة منها ما يقصد برتبة أخرى. ونظيره الركوع، فإن المقصود به التعظيم بالخضوع، فلو أبدله بالسجود لم يجزئ، مع أنه غاية الخضوع. واستدل به على أن قراءة الفاتحة لا تتعين، قال ابن دقيق العيد: ووجهه أنه إذا تيسر فيه غير الفاتحة فقرأه يكون ممتثلا فيخرج عن العهدة، قال: والذين عينوها أجابوا بأن الدليل على تعينها تقييد للمطلق في هذا الحديث، وهو متعقب، لأنه ليس بمطلق من كل وجه بل هو مقيد بقيد التيسير الذي يقتضي التخيير، وإنما يكون مطلقا لو قال: اقرأ قرآنا، ثم قال: اقرأ فاتحة الكتاب. وقال بعضهم: هو بيان للمجمل، وهو متعقب أيضا، لأن المجمل ما لم تتضح دلالته، وقوله: "ما تيسر " متضح لأنه ظاهر في التخيير، قال: وإنما يقرب ذلك إن جعلت " ما " موصولة، وأريد بها شيء معين وهو الفاتحة لكثرة حفظ المسلمين لها، فهي المتيسرة. وقيل هو محمول على أنه عرف من حال الرجل أنه لا يحفظ الفاتحة ومن كان كذلك كان الواجب عليه قراءة ما تيسر. وقيل: محمول على أنه منسوخ بالدليل على تعيين الفاتحة، ولا يخفى ضعفهما. لكنه محتمل، ومع الاحتمال لا يترك الصريح وهو قوله: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " وقيل: إن قوله: "ما تيسر " محمول على ما زاد على الفاتحة جمعا بينه وبين دليل إيجاب الفاتحة. ويؤيده الرواية التي تقدمت لأحمد وابن حبان حيث قال فيها " اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت " واستدل به على وجوب الطمأنينة في الأركان. واعتذر بعض من لم يقل به بأنه زيادة على النص، لأن المأمور به في القرآن مطلق السجود فيصدق بغير طمأنينة، فالطمأنينة زيادة والزيادة على المتواتر بالآحاد لا تعتبر. وعورض بأنها ليست زيادة لكن بيان للمراد بالسجود، وأنه خالف السجود اللغوي لأنه مجرد وضع الجبهة فبينت السنة أن السجود الشرعي ما كان بالطمأنينة. ويؤيده أن الآية نزلت تأكيدا لوجوب السجود، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه يصلون قبل ذلك، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بغير طمأنينة. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: وجوب الإعادة على من أخل بشيء من واجبات الصلاة. وفيه أن الشروع في النافلة ملزم، لكن يحتمل أن تكون تلك الصلاة كانت فريضة فيقف الاستدلال. وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن التعليم بغير تعنيف، وإيضاح المسألة، وتخليص، المقاصد، وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه. وفيه تكرار السلام ورده وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال. وفيه أن القيام في الصلاة ليس مقصودا لذاته، وإنما يقصد للقراءة فيه. وفيه جلوس الإمام في المسجد وجلوس أصحابه معه. وفيه التسليم للعالم والانقياد له والاعتراف بالتقصير والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ
(2/280)

وفيه أن فرائض الوضوء مقصورة على ما ورد به القرآن لا ما زادته السنة فيندب صلى الله عليه وسلم. وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ولطف معاشرته، وفيه تأخير البيان في المجلس للمصلحة. وقد استشكل تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على صلاته وهي فاسدة على القول بأنه أخل ببعض الواجبات، وأجاب المازري بأنه أراد استدراجه بفعل ما يجهله مرات لاحتمال أن يكون فعله ناسيا أو غافلا فيتذكره فيفعله من غير تعليم، وليس ذلك من باب التقرير الخطأ، بل من باب تحقق الخطأ. وقال النووي نحوه، قال: وإنما لم يعلمه أولا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة. وقال ابن الجوزي: يحتمل أن يكون ترديده لتفخيم الأمر وتعظيمه عليه، ورأى أن الوقت لم يفته، فرأى إيقاظ الفطنة للمتروك. وقال ابن دقيق العيد: ليس التقرير بدليل على الجواز مطلقا، بل لا بد من انتفاء الموانع. ولا شك أن في زيادة قبول المتعلم لما يلقي إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم، لا سيما مع عدم خوف الفوات، إما بناء على ظاهر الحال، أو بوحي خاص. وقال التوربشتي: إنما سكت عن تعليمه أولا لأنه لما رجع لم يستكشف الحال من مورد الوحي، وكأنه اغتر بما عنده من العلم فسكت عن تعليمه زجرا له وتأديبا وإرشادا إلى استكشاف ما استبهم عليه، فلما طلب كشف الحال من مورده أرشد إليه. انتهى. لكن فيه مناقشة، لأنه إن تم له في الصلاة الثانية والثالثة لم يتم له في الأولى، لأنه صلى الله عليه وسلم بدأه لما جاء أول مرة بقوله: "ارجع فصل فإنك لم تصل " فالسؤال وارد على تقريره له على الصلاة الأولى كيف لم ينكر عليه في أثنائها؟ لكن الجواب يصلح بيانا للحكمة في تأخير البيان بعد ذلك، والله أعلم. وفيه حجة على من أجاز القراءة بالفارسية لكون ما ليس بلسان العرب لا يسمى قرآنا، قاله عياض. وقال النووي: وفيه وجوب القراءة في الركعات كلها، وأن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل يستحب له أن يذكره له وإن لم يسأله عنه ويكون من باب النصيحة لا من الكلام فيما لا معنى له. وموضع الدلالة منه كونه قال: "علمني " أي الصلاة فعلمه الصلاة ومقدماتها.
(2/281)

123 - باب الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ
794- حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي "
[الحديث794- أطرافه في :4968,4967,4293,817]
قوله: "باب الدعاء في الركوع" ترجم بعد هذا بأبواب التسبيح والدعاء في السجود، وساق فيه حديث الباب، فقيل: الحكمة في تخصيص الركوع بالدعاء دون التسبيح - مع أن الحديث واحد - أنه قصد الإشارة إلى الرد على من كره الدعاء في الركوع كمالك، وأما التسبيح فلا خلاف فيه، فاهتم هنا بذكر الدعاء لذلك. وحجة المخالف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية ابن عباس مرفوعا وفيه: "فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم " لكنه لا مفهوم له، فلا يمتنع الدعاء في الركوع كما لا يمتنع التعظيم في السجود. وظاهر حديث عائشة أنه كان يقول هذا الذكر كله في الركوع وكذا في السجود، وسيأتي بقية الكلام عليه في الباب
ـــــــ
(1) في هذا نظر . والصواب وجوب ما دلت السنة على وجوبه من الضوء كالمضمضة والاستنشاق, لأن النبي صلى الله عليه وسلم لأن السنة تفسر القرآن وما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مما أمر الله به لقوله تعالى { من يطع الرسول فقد أطاع الله } الاية . والله أعلم
(2/281)

المذكور إن شاء الله تعالى.
(2/282)

124 - باب مَا يَقُولُ الإِمَامُ وَمَنْ خَلْفَهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
795- حدثنا آدم قال حدثنا بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده قال اللهم ربنا ولك الحمد وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع وإذا رفع رأسه يكبر وإذا قام من السجدتين قال الله أكبر"
قوله: "باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع". وقع في شرح ابن بطال هنا " باب القراءة في الركوع والسجود وما يقول الإمام ومن خلفه الخ " وتعقبه بأن قال: لم يدخل فيه حديثا لجواز القراءة ولا منعها. وقال ابن رشيد: هذه الزيادة لم تقع فيما رويناه من نسخ البخاري. انتهى. وكذلك أقول، وقد تبع ابن المنير ابن بطال، ثم اعتذر عن البخاري بأن قال: يحتمل أن يكون وضعها للأمرين فذكر أحدهما وأخلى للآخر بياضا ليذكر فيه ما يناسبه، ثم عرض له مانع فبقيت الترجمة بلا حديث. وقال ابن رشيد: يحتمل أن يكون ترجم بحديث مشيرا إليه ولم يخرجه لأنه ليس على شرطه لأن في إسناده اضطرابا، وقد أخرجه مسلم من حديث ابن عباس في أثناء حديث، وفي آخره: "ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا " ثم تعقبه على نفسه بأن ظاهر الترجمة الجواز وظاهر الحديث المنع. قال: فيحتمل أن يكون معنى الترجمة باب حكم القراءة، وهو أعم من الجواز أو المنع، وقد اختلف السلف في ذلك جوازا ومنعا فلعله كان يرى الجواز لأن حديث النهي لم يصح عنده. انتهى ملخصا. ومال الزين بن المنير إلى هذا الأخير، لكن حمله على وجه أخص منه فقال: لعله أراد أن الحمد في الصلاة لا حجر فيه، وإذا ثبت أنه من مطالبها ظهر تسويغ ذلك في الركوع وغيره بأي لفظ كان، فيدخل في ذلك آيات الحمد كمفتتح الأنعام وغيرها. فإن قيل: ليس في حديث الباب ذكر ما يقوله المأموم، أجاب ابن رشيد بأنه أشار إلى التذكير بالمقدمات لتكون الأحاديث عند الاستنباط نصب عيني المستنبط، فقد تقدم حديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به " وحديث: "صلوا كما رأيتموني أصلي". قال: ويمكن أن يكون قاس المأموم على الإمام لكن فيه ضعف. قلت: وقد ورد في ذلك حديث عن أبي هريرة أيضا أخرجه الدار قطني بلفظ: "كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمع الله لمن حمده، قال من وراءه سمع الله لمن حمده " ولكن قال الدار قطني: المحفوظ في هذا " فليقل من وراءه ربنا ولك الحمد " وسنذكر الاختلاف في هذه المسألة في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى. قوله: "إذا قال سمع الله لمن حمده" في رواية أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب " كان إذا رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد " ولا منافاة بينهما لأن أحدهما ذكر ما لم يذكره الآخر. قوله: "اللهم ربنا" ثبت في أكثر الطرق هكذا، وفي بعضها يحذف " اللهم " وثبوتها أرجح، وكلاهما جائز، وفي ثبوتها تكرير النداء كأنه قال يا الله يا ربنا. قوله: "ولك الحمد" كذا ثبت زيادة الواو في طرق كثيرة، وفي بعضها كما في الباب الذي يليه بحذفها، قال النووي: المختار لا ترجيح لأحدهما على الآخر. وقال ابن دقيق العيد: كأن إثبات الواو دال على معنى زائد، لأنه يكون التقدير مثلا ربنا استجب ولك الحمد، فيشتمل على معنى الدعاء ومعنى الخبر. انتهى. وهذا بناء على أن الواو عاطفة، وقد تقدم في " باب التكبير إذا قام من السجود " قول من جعلها حالية، وأن الأكثر رجحوا ثبوتها. وقال الأثرم: سمعت أحمد يثبت
(2/282)

الواو في " ربنا ولك الحمد " ويقول: ثبت فيه عدة أحاديث. قوله: "إذا ركع وإذا رفع رأسه" أي من السجود، وقد ساق البخاري هذا المتن مختصرا، ورواه أبو يعلى من طريق شبابة وأوله عنده عن أبي هريرة وقال: "أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يكبر إذا ركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده قال: اللهم ربنا لك الحمد، وكان يكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه وإذا قام من السجدتين " ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي ذئب بلفظ: "وإذا قام من الثنتين كبر " ورواه الطيالسي بلفظ: "وكان يكبر بين السجدتين " والظاهر أن المراد بالثنتين الركعتان، والمعنى أنه كان يكبر إذا قام إلى الثالثة، ويؤيده الرواية الماضية في " باب التكبير إذا قام من السجود " بلفظ: "ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس " وأما رواية الطيالسي فالمراد بها التكبير للسجدة الثانية، وكأن بعض الرواة ذكر ما لم يذكر الآخر. قوله: "قال الله أكبر" كذا وقع مغير الأسلوب إذ عبر أولا بلفظ: "يكبر " قال الكرماني: هو للتفنن أو لإرادة التعميم، لأن التكبير يتناول التعريف ونحوه. انتهى. والذي يظهر أنه من تصرف الرواة، فإن الروايات التي أشرنا إليها جاءت كلها على أسلوب واحد، ويحتمل أن يكون المراد به تعيين هذا اللفظ دون غيره من ألفاظ التعظيم، وقد تقدم الكلام على بقية فوائده في " باب التكبير إذا قام من السجود " ويأتي الكلام على محل التكبير عند القيام من التشهد الأول بعد بضعة عشر بابا.
(2/283)

125 - باب فَضْلِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا قَالَ الإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"
قوله: "باب فضل اللهم ربنا لك الحمد" في رواية الكشميهني: "ولك الحمد " بإثبات الواو، وفيه رد على ابن القيم حيث جزم بأنه لم يرد الجمع بين اللهم والواو في ذلك. وثبت لفظ: "باب " عند من عدا أبا ذر والأصيلي، والراجح حذفه كما سيأتي. قوله: "إذا قال الإمام الخ" استدل به على أن الإمام لا يقول: "ربنا لك الحمد " وعلى أن المأموم لا يقول: "سمع الله لمن حمده " لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية كما حكاه الطحاوي، وهو قول مالك وأبي حنيفة، وفيه نظر لأنه ليس فيه ما يدل على النفي، بل فيه أن قول المأموم ربنا لك الحمد يكون عقب قول الإمام سمع الله لمن حمده، والواقع في التصوير ذلك لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله، فقوله يقع عقب قول الإمام كما في الخبر، وهذا الموضع يقرب من مسألة التأمين كما تقدم من أنه لا يلزم من قوله: "إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين " أن الإمام لا يؤمن بعد قوله ولا الضالين، وليس فيه أن الإمام يؤمن كما أنه ليس في هذا أنه يقول ربنا لك الحمد، لكنهما مستفادان من أدلة أخرى صحيحة صريحة كما تقدم في التأمين وكما مضى في الباب الذي قبله وفي غيره ويأتي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين التسميع والتحميد. وأما ما احتجوا به من حيث المعنى من أن معنى سمع الله لمن حمده طلب التحميد فيناسب حال الإمام، وأما المأموم فتناسبه الإجابة بقوله ربنا لك الحمد ويقويه حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم وغيره، ففيه: "وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع
(2/283)

الله لكم. فجوابه أن يقال لا يدل ما ذكرتم على أن الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد، إذ لا يمتنع أن يكون طالبا ومجيبا، وهو نظير ما تقدم في مسألة التأمين من أنه لا يلزم من كون الإمام داعيا والمأموم مؤمنا أن لا يكون الإمام مؤمنا، ويقرب منه ما تقدم البحث فيه في الجمع بين الحيعلة والحوقلة لسامع المؤذن، وقضية ذلك أن الإمام يجمعهما وهو قول الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد والجمهور، والأحاديث الصحيحة تشهد له، وزاد الشافعي أن المأموم يجمع بينهما أيضا لكن لم يصح في ذلك شيء ولم يثبت عن ابن المنذر أنه قال إن الشافعي انفرد بذلك لأنه قد نقل في الأشراف عن عطاء وابن سيرين وغيرهما القول بالجمع بينهما للمأموم، وأما المنفرد فحكى الطحاوي وابن عبد البر الإجماع على أنه يجمع بينهما، وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد، لكن أشار صاحب الهداية إلى خلاف عندهم في المنفرد. قوله: "فإنه من وافق قوله" فيه إشعار بأن الملائكة تقول ما يقول المأمومون، وقد تقدم باقي البحث فيه في " باب التأمين".
(2/284)

باب حدثنا معاذ بن فضالة قال حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة
...
126 – باب * 797- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لاَقَرِّبَنَّ صَلاَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَصَلاَةِ الْعِشَاءِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ "
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ "
[الحديث798 – طرفه في : 1004]
799- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلاَدٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَنْ الْمُتَكَلِّمُ قَالَ أَنَا قَالَ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ "
قوله: "باب" كذا للجميع بغير ترجمة إلا للأصيلي فحذفه، وعليه شرح ابن بطال ومن تبعه، والراجح إثباته كما أن الراجح حذف باب من الذي قبله، وذلك أن الأحاديث المذكورة فيه لا دلالة فيها على فضل اللهم ربنا لك الحمد إلا بتكلف، فالأولى أن يكون بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله كما تقدم في عدة مواضع، وذلك أنه لما قال أولا " باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع " وذكر فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم ربنا ولك الحمد " استطرد إلى ذكر فضل هذا القول بخصوصه، ثم فصل بلفظ: "باب " لتكميل الترجمة الأولى فأورد بقية ما ثبت على شرطه مما يقال في الاعتدال كالقنوت وغيره. وقد وجه الزين بن المنير دخول الأحاديث الثلاثة تحت ترجمة فضل " اللهم ربنا لك الحمد " فقال: وجه دخول حديث أبي هريرة أن القنوت لما كان مشروعا في الصلاة كالت هي مفتاحه ومقدمته، ولعل ذلك سبب تخصيص القنوت بما بعد ذكرها. انتهى. ولا يخفى ما فيه من التكلف، وقد تعقب من وجه آخر وهو
(2/284)

أن الخبر المذكور في الباب لم يقع فيه قول " ربنا لك الحمد " لكن له أن يقول وقع في هذه الطريق اختصار وهي مذكورة في الأصل، ولم يتعرض لحديث أنس، لكن له أن يقول إنما أورده استطرادا لأجل ذكر المغرب. قال: وأما حديث رفاعة فظاهر في أن الابتدار الذي تنشأ عنه الفضيلة إنما كان لزيادة قول الرجل، لكن لما كانت الزيادة المذكورة صفة في التحميد جارية مجرى التأكيد له تعين جعل الأصل سببا أو سببا للسبب فثبتت بذلك الفضيلة، والله أعلم. وقد ترجم بعضهم له بباب القنوت ولم أره في شيء من روايتنا. قوله: "حدثنا هشام" هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير. قوله: "عن أبي سلمة" في رواية مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى " حدثني أبو سلمة". قوله: "لأقربن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية مسلم المذكورة " لأقربن لكم " وللإسماعيلي: "إني لأقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم". قوله: "فكان أبو هريرة إلى آخره" قيل المرفوع من هذا الحديث وجود القنوت لا وقوعه في الصلوات المذكورة فإنه موقوف على أبي هريرة، ويوضحه ما سيأتي في تفسير النساء من رواية شيبان عن يحيى من تخصيص المرفوع بصلاة العشاء، ولأبي داود من رواية الأوزاعي عن يحيى " قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة شهرا " ونحوه لمسلم، لكن لا ينافي هذا كونه صلى الله عليه وسلم قنت في غير العشاء، والظاهر سياق حديث الباب أن جميعه مرفوع ولعل هذا هو السر في تعقب المصنف له بحديث أنس إشارة إلى أن القنوت في النازلة لا يختص بصلاة معينة، واستشكل التقييد في رواية الأوزاعي بشهر لأن المحفوظ أنه كان في قصة الذين قتلوا أصحاب بئر معونة كما سيأتي في آخر أبواب الوتر، وسيأتي في تفسير آل عمران من رواية الزهري عن أبي سلمة في هذا الحديث أن المراد بالمؤمنين من كان مأسورا بمكة، وبالكافرين قريش، وأن مدته كانت طويلة فيحتمل أن يكون التقييد بشهر في حديث أبي هريرة يتعلق بصفة من الدعاء مخصوصة وهي قوله: "اشدد وطأتك على مضر" . قوله: "في الركعة الأخرى" في رواية الكشميهني: "الآخرة " وسيأتي بعد باب من رواية الزهري عن أبي سلمة أن ذلك كان بعد الركوع، وسيأتي في تفسير آل عمران بيان الخلاف في مدة الدعاء عليهم والتنبيه على أحوال من سمي منهم. وقد اختصر يحيى سياق هذا الحديث عن أبي سلمة وطوله الزهري كما سيأتي بعد باب، وسيأتي في الدعوات بالإسناد الذي ذكره المصنف أتم مما ساقه هنا إن شاء الله تعالى. قوله: "إسماعيل" هو المعروف بابن علية، والإسناد كله بصريون، وعبد الله بن أبي الأسود نسب إلى جد أبيه، واسم أبيه محمد بن حميد. قوله: "كان القنوت" أي في أول الأمر، واحتج بهذا على أن قول الصحابي كنا نفعل كذا له حكم الرفع وإن لم يقيده بزمن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو قول الحاكم، وقد اتفق الشيخان على إخراج هذا الحديث في المسند الصحيح وليس فيه تقييد، وسنذكر اختلاف النقل عن أنس في القنوت في محله من الصلاة وفي أي الصلوات شرع، وهل استمر مطلقا أو مدة معينة أو في حالة دون حالة حيت أورد المصنف بعض ذلك في آخر أبواب الوتر إن شاء الله تعالى. قوله: "المجمر" بالخفض وهو صفة لنعيم ولأبيه. قوله: "عن علي بن يحيى" في رواية ابن خزيمة أن علي بن يحيى حدثه، والإسناد كله مدنيون، وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر لأن نعيما أكبر سنا من علي بن يحيى وأقدم سماعا، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم من بين مالك والصحابي، هذا من حيث الرواية وأما من حيث شرف الصحبة فيحيى بن خلاد والد علي مذكور في الصحابة لأنه قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم حنكه لما ولد. قوله: "فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده" ظاهره أن قول التسميع وقع بعد رفع الرأس من الركوع فيكون من أذكار الاعتدال، وقد مضى في حديث أبي هريرة وغيره ما يدل على أنه ذكر الانتقال
(2/285)

وهو المعروف، ويمكن الجمع بينهما بأن معنى قوله: "فلما رفع رأسه " أي فلما شرع في رفع رأسه ابتداء القول المذكور وأتمه بعد أن اعتدل. قوله: "قال رجل" زاد الكشميهني: "وراءه " قال ابن بشكوال: هذا الرجل هو رفاعة بن رافع راوي الخبر، ثم استدل على ذلك بما رواه النسائي وغيره عن قتيبة عن رفاعة بن يحيى الزرقي عن عم أبيه معاذ بن رفاعة عن أبيه قال: "صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله " الحديث، ونوزع تفسيره به لاختلاف سياق السبب والقصة، والجواب أنه لا تعارض بينهما بل يحمل على أن عطاسه وقع عند رفع رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مانع أن يكنى عن نفسه لقصد إخفاء عمله، أو كنى عنه لنسيان بعض الرواة لاسمه، وأما ما عدا ذلك من الاختلاف فلا يتضمن إلا زيادة لعل الراوي اختصرها كما سنبينه، وأفاد بشر بن عمر الزهراني في روايته عن رفاعة بن يحيى أن تلك الصلاة كانت المغرب. قوله: "مباركا فيه" زاد رفاعة بن يحيى "مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى" فأما قوله: "مباركا عليه " فيحتمل أن يكون تأكيدا وهو الظاهر، وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء، قال الله تعالى : {وبارك فيها وقدر فيها أقواتها} فهذا يناسب الأرض لأن المقصود به النماء والزيادة لا البقاء لأنه بصدد التغير. وقال تعالى: {وباركنا عليه وعلى إسحاق} فهذا يناسب الأنبياء لأن البركة باقية لهم، ولما كان الحمد يناسبه المعنيان جمعهما، كذا قرره بعض الشراح ولا يخفى ما فيه. وأما قوله كما يحب ربنا ويرضى ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد. قوله: "من المتكلم" زاد رفاعة بن يحيى في الصلاة " فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة فقال رفاعة بن رافع: أنا. قال: كيف قلت؟ فذكره. فقال: والذي نفسي بيده " الحديث. قوله: "بضعة وثلاثين" فيه رد على من زعم كالجوهري أن البضع يختص بما دون العشرين. قوله: "أيهم يكتبها أول" في رواية رفاعة بن يحيى المذكورة " أيهم يصعد بها أول " وللطبراني من حديث أبي أيوب " أيهم يرفعها " قال السهيلي روى أول بالضم على البناء لأنه ظرف قطع من الإضافة، وبالنصب على الحال. انتهى. وأما " أيهم " فرويناه بالرفع وهو مبتدأ وخبره يكتبها، قاله الطيبي وغيره تبعا لأبي البقاء في إعراب قوله تعالى: {يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} قال: وهو في موضع نصب، والعامل فيه ما دل عليه "يلقون" وأي استفهامية، والتقدير مقول فيهم أيهم يكتبها، ويجوز في أيهم النصب بأن يقدر المحذوف فينظرون أيهم، وعند سيبويه أي موصولة، والتقدير يبتدرون الذي هو يكتبها أول، وأنكر جماعة من البصريين ذلك، ولا تعارض بين روايتي يكتبها ويصعد بها لأنه يحمل على أنهم يكتبونها ثم يصعدون بها، والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة، ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر " الحديث. واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة، وقد استشكل تأخير رفاعة إجابة النبي صلى الله عليه وسلم حين كرر سؤاله ثلاثا مع أن إجابته واجبة عليه، بل وعلى كل من سمع رفاعة، فإنه لم يسأل المتكلم وحده. وأجيب بأنه لما لم يعين واحدا بعينه لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا من واحد بعينه، فكأنهم انتظروا بعضهم ليجيب، وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء ظنا منهم أنه أخطأ فيما فعل، ورجوا أن يقع العفو عنه. وكأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى سكوتهم فهم ذلك فعرفهم أنه لم يقل بأسا، ويدل على ذلك أن في رواية سعيد بن عبد الجبار عن رفاعة بن يحيى عند ابن قانع قال رفاعة " فوددت أني خرجت من مالي وأني لم أشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة". ولأبي داود من حديث عامر بن ربيعة قال: "من القائل الكلمة؟ فإنه لم يقل بأسا. فقال: أنا قلتها، لم أرد بها إلا خيرا " وللطبراني
(2/286)

من حديث أبي أيوب " فسكت الرجل ورأى أنه قد هجم من رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء كرهه. فقال: من هو؟ فإنه لم يقل إلا صوابا. فقال الرجل: أنا يا رسول الله قلتها، أرجو بها الخير " ويحتمل أيضا أن يكون المصلون لم يعرفوه بعينه إما لإقبالهم على صلاتهم وإما لكونه في آخر الصفوف فلا يرد السؤال في حقهم، والعذر عنه هو ما قدمناه، والحكمة في سؤاله صلى الله عليه وسلم له عمن قال أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله. واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان مخالف للمأثور، وعلى جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على من معه، وعلى أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة، وأن المتلبس بالصلاة لا يتعين عليه تشميت العاطس وعلى تطويل الاعتدال بالذكر كما سيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده. واستنبط منه ابن بطال جواز رفع الصوت بالتبليغ خلف الإمام، وتعقبه الزين بن المنير بأن سماعه صلى الله عليه وسلم لصوت الرجل لا يستلزم الرجل رفعه لصوته كرفع صوت المبلغ، وفي هذا التعقب نظر، لأن غرض ابن بطال إثبات جواز الرفع في الجملة، وقد سبقه إليه ابن عبد البر واستدل له بإجماعهم على أن الكلام الأجنبي يبطل عمده الصلاة ولو كان سرا، قال: وكذلك الكلام المشروع في الصلاة لا يبطلها ولو كان جهرا. وقد تقدم الكلام على مسألة المبلغ في " باب من أسمع الناس تكبير الإمام". "فائدة": قيل الحكمة في اختصاص العدد المذكور من الملائكة بهذا الذكر أن عدد حروفه مطابق للعدد المذكور، فإن البضع مع الثلاث إلى التسع وعدد الذكر المذكور ثلاثة وثلاثون حرفا، ويعكر على هذا الزيادة المتقدمة في رواية رفاعة بن يحيى وهي قوله: "مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضي " بناء على أن القصة واحدة. ويمكن أن يقال: المتبادر إليه هو الثناء الزائد على المعتاد وهو من قوله: "حمدا كثيرا الخ " دون قوله: "مباركا عليه " فإنه كما تقدم للتأكيد وعدد ذلك سبعة وثلاثون حرفا، وأما ما وقع عند مسلم من حديث أنس " لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها " وفي حديث أبي أيوب عند الطبراني " ثلاثة عشر " فهو مطابق لعدد الكلمات المذكورة في سياق رفاعة بن يحيى ولعددها أيضا في سياق حديث الباب لكن على اصطلاح النحاة، والله أعلم.
(2/287)

باب الاطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع
...
127 - باب الطُّمَأْنِينَةِ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ كَانَ أَنَسٌ يَنْعَتُ لَنَا صَلاَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يُصَلِّي وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ نَسِيَ "
[الحديث 800 – طرفه في : 821]
ـــــــ
(1) هذا فيه نظر , ولو قيده الشارح بزمن النبي صلى الله عليه وسلم لكان أوجه , لأنه في ذلك الزمن لايقر على باطل , خلاف الحال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فان الوحي قد انقطع والشريعة قد كملت ولله الحمد فلا يجوز أن يرادفي المبادات مالم يردبه الشرع. والله أعلم
(2) هذا فيه تسامح , والصواب أن يقال لايجوز . لأن التشميت من كلام الناس . والمصلى ممنوع منه كما في حديث معاويةبن الحكم أنه شمت إنسانا , وهو يصلى وأنكر عليه الناس ولما فرغ قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن هذه الصلاة لايصلح فيها شيء من كلام الناس, الحديث أخرجه مسلم
(2/287)

801- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجُودُهُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ "
802- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يُرِينَا كَيْفَ كَانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاَةٍ فَقَامَ فَأَمْكَنَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَمْكَنَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَنْصَبَ هُنَيَّةً قَالَ فَصَلَّى بِنَا صَلاَةَ شَيْخِنَا هَذَا أَبِي بُرَيْدٍ وَكَانَ أَبُو بُرَيْدٍ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْآخِرَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ نَهَضَ "
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَوَى جَالِسًا حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ قوله: "باب الاطمأنينة" كذا للأكثر، وللكشميهني: "الطمأنينة " وقد تقدم الكلام عليها في " باب استواء الظهر". قوله: "وقال أبو حميد" يأتي موصولا مطولا في " باب سنة الجلوس في التشهد". وقوله: "رفع " أي من الركوع " فاستوى " أي قائما كما سيأتي بيانه هناك، وهو ظاهر فيما ترجم له. ووقع في رواية كريمة: "جالسا " بعد قوله: "فاستوى " فإن كان محفوظا حمل على أنه عبر عن السكون بالجلوس وفيه بعد، أو لعل المصنف أراد إلحاق الاعتدال بالجلوس بين السجدتين بجامع كون كل منهما غير مقصود لذاته فيطابق الترجمة. قوله: "ينعت" بفتح المهملة، أي يصف. وهذا الحديث ساقه شعبة عن ثابت مختصرا، ورواه عنه حماد بن زيد مطولا كما سيأتي في " باب المكث بين السجدتين " فقال في أوله " عن أنس قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا " فصرح بوصف أنس لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل، وقوله: "لا آلو " بهمزة ممدودة بعد حرف النفي ولام مضمومة بعدها واو خفيفة أي لا أقصر. وزاد حماد بن زيد أيضا: "قال ثابت: فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه " وفيه إشعار بأنهم كانوا يخلون بتطويل الاعتدال، وقد تقدم حديث أنس وإنكاره عليهم في أمر الصلاة في أبواب المواقيت وقوله: "حتى نقول " بالنصب. وقوله: "قد نسي " أي نسي وجوب الهوي إلى السجود قاله الكرماني، ويحتمل أن يكون المراد أنه نسي أنه في صلاة، أو ظن أنه وقت القنوت حيث كان معتدلا أو وقت التشهد حيث كان جالسا. ووقع عند الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة " قلنا قد نسي من طول القيام " أي لأجل طول قيامه. حديث البراء تقدم التنبيه عليه في " باب استواء الظهر". وقوله: "قريبا من السواء " فيه إشعار بأن فيها تفاوتا لكنه لم يعينه، وهو دال على الطمأنينة في الاعتدال وبين السجدتين لما علم من عادته من تطويل الركوع والسجود. قوله: "وإذا رفع" أي ورفعه إذا رفع، وكذا قوله: "وبين السجدتين " أي وجلوسه بين السجدتين، والمراد أن زمان ركوعه وسجوده واعتداله وجلوسه متقارب، ولم يقع في هذه الطريق الاستثناء الذي مر في " باب استواء الظهر " وهو قوله: "ما خلا القيام والقعود " ووقع في رواية لمسلم: "فوجدت قيامه فركعته فاعتداله " الحديث، وحكى ابن دقيق العيد عن بعض العلماء أنه نسب هذه الرواية إلى الوهم ثم استبعده لأن توهيم الراوي الثقة على خلاف الأصل، ثم قال في آخر كلامه: فلينظر ذلك من الروايات ويحقق الاتحاد أو الاختلاف من مخارج الحديث ا هـ. وقد جمعت طرقه فوجدت مداره على ابن أبي ليلى عن البراء، لكن الرواية التي فيها زيادة ذكر القيام من طريق هلال بن أبي حميد عنه، ولم يذكره الحكم عنه وليس بينهما اختلاف في سوى ذلك، إلا ما زاده بعض الرواة عن شعبة عن الحكم من
(2/288)

قوله: "ما خلا القيام والقعود " وإذا جمع بين الروايتين ظهر من الأخذ بالزيادة فيهما أن المراد بالقيام المستثنى القيام للقراءة، وكذا القعود والمراد به القعود للتشهد كما تقدم، قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث يدل على أن الاعتدال ركن طويل، وحديث أنس يعني الذي قبله أصرح في الدلالة على ذلك، بل هو نص فيه فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم: لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود. ووجه ضعفه أنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد، وأيضا فالذكر المشروع في الاعتدال أطول من الذكر المشروع في الركوع، فتكرير سبحان ربي العظيم ثلاثا يجيء قدر قوله اللهم ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وقد شرع في الاعتدال ذكر أطول كما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس بعد قوله حمدا كثيرا طيبا " ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد " زاد في حديث ابن أبي أوفى " اللهم طهرني بالثلج الخ " وزاد في حديث الآخرين " أهل الثناء والمجد الخ " وقد تقدم في الحديث الذي قبله ترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من زاد في الاعتدال ذكرا غير مأثور، ومن ثم اختار النووي جواز تطويل الركن القصير بالذكر خلافا للمرجح في المذهب، واستدل لذلك أيضا بحديث حذيفة في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة بالبقرة أو غيرها ثم ركع نحوا مما قرأ ثم قام بعد أن قال: "ربنا لك الحمد " قياما طويلا قريبا مما ركع. قال النووي: الجواب عن هذا الحديث صعب، والأقوى جواز الإطالة بالذكر ا هـ. وقد أشار الشافعي في الأم إلى عدم البطلان فقال في ترجمة " كيف القيام من الركوع ": ولو أطال القيام بذكر الله أو يدعو أو ساهيا وهو لا ينوي به القنوت كرهت له ذلك ولا إعادة، إلى آخر كلامه في ذلك. فالعجب ممن يصحح مع هذا بطلان الصلاة بتطويل الاعتدال، وتوجيههم ذلك أنه إذا أطيل انتفت الموالاة معترض بأن معنى الموالاة أن لا يتخلل فصل طويل بين الأركان بما ليس منها، وما ورد به الشرع لا يصح نفي كونه منها، والله أعلم. وأجاب بعضهم عن حديث البراء أن المراد بقوله: "قريبا من السواء " ليس أنه كان يركع بقدر قيامه وكذا السجود والاعتدال بل المراد أن صلاته كانت قريبا معتدلة فكان إذا أطال القراءة أطال بقية الأركان وإذا أخفها أخف بقية الأركان، فقد ثبت أنه قرأ في الصبح بالصافات وثبت في السنن عن أنس أنهم حزروا في السجود قدر عشر تسبيحات فيحمل على أنه قرأ بدون الصافات اقتصر على دون العشر، وأقله كما ورد في السنن أيضا ثلاث تسبيحات. قوله: "كان مالك بن الحويرث" في رواية الكشميهني: "قام " والأول يشعر بتكرير ذلك منه وقد تقدم بعض الكلام عليه في " باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم " ويأتي بقية الكلام عليه في " باب المكث بين السجدتين". قوله: "فأنصت" في رواية الكشميهني بهمزة مقطوعة وآخره مثناة خفيفة. وللباقين بألف موصولة وآخره موحدة مشددة، وحكى ابن التين أن بعضهم ضبطه بالمثناة المشددة بدل الموحدة، ووجهه بأن أصله انصوت فأبدل من الواو تاء ثم أدغمت إحدى التاءين في الأخرى، وقياس إعلاله إنصات تحركت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا، قال: ومعنى إنصات استوت قامته بعد الانحناء كأنه أقبل شبابه، قال الشاعر:
وعمرو بن دهمان الهنيدة عاشها ... وتسعين عاما ثم قوم فأنصاتا
وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه ... وعاوده شرخ الشباب الذي فاتا
ا هـ. وعرف بهذا أن من نقل عن ابن التين - وهو السفاقسي - أنه ضبطه بتشديد الموحدة فقد صحف، ومعنى رواية
(2/289)

الكشميهني أنصت أي سكت فلم يكبر للهوي في الحال، قال بعضهم: وفيه نظر، والأوجه أن يقال هو كناية عن سكون أعضائه، عبر عن عدم حركتها بالإنصات وذلك دال على الطمأنينة. وأما الرواية المشهورة بالموحدة المشددة الفعل من الصب كأنه كنى عن رجوع أعضائه عن الانحناء إلى القيام بالانصباب، ووقع عند الإسماعيلي: "فانتصب قائما " وهي أوضح من الجميع. قوله: "هنية" أي قليلا، وقد تقدم ضبطها في " باب ما يقول بعد التكبير". قوله: "صلاة شيخنا هذا أبي يزيد" هو عمرو بن سلمة الجرمي، واختلف في ضبط كنيته، ووقع هنا للأكثر بالتحتانية والزاي، وعند الحموي وكريمة بالموحدة والراء مصغرا وكذا ضبطه مسلم في الكنى. وقال عبد الغني بن سعيد لم أسمعه من أحد إلا بالزاي لكن مسلم أعلم، والله أعلم.
(2/290)

128 - باب يَهْوِي بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَسْجُدُ
وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ
803- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلاَةٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الِاثْنَتَيْنِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلاَةِ ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لاَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلاَتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا
804- قَالاَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ يَدْعُو لِرِجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ مِنْ مُضَرَ مُخَالِفُونَ لَهُ
805- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ مِنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ فَحَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا وَقَعَدْنَا وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً صَلَّيْنَا قُعُودًا فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا قَالَ سُفْيَانُ كَذَا جَاءَ بِهِ مَعْمَرٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَقَدْ

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:46 AM
حَفِظَ كَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَلَكَ الْحَمْدُ حَفِظْتُ مِنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الزُّهْرِيِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فَجُحِشَ سَاقُهُ الأَيْمَنُ
قوله: "باب يهوي بالتكبير حين يسجد" قال ابن التين: رويناه بالفتح وضبطه بعضهم بالضم والفتح أرجح، ووقع في روايتنا بالوجهين. قوله: "كان ابن عمر الخ" وصله ابن خزيمة والطحاوي وغيرهما من طريق عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله عن عمر عن نافع بهذا وزاد في آخره: "ويقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك " قال البيهقي: كذا رواه عبد العزيز ولا أراه إلا وهما، يعني رفعه. قال: والمحفوظ ما اخترنا. ثم أخرج من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: "إذا سجد أحدكم فليضع يديه، وإذا رفع فليرفعهما " اهـ. ولقائل أن يقول: هذا الموقوف غير المرفوع، فإن الأول في تقديم وضع اليدين على الركبتين والثاني في إثبات وضع اليدين في الجملة. واستشكل إيراد هذا الأثر في هذه الترجمة، وأجاب الزين بن المنير بما حاصله: أنه لما ذكر صفة الهوي إلى السجود القولية أردفها بصفته الفعلية. وقال أخوه: أراد بالترجمة وصف حال الهوي من فعال ومقال ا هـ. والذي يظهر أن أثر ابن عمر من جملة الترجمة، فهو مترجم به لا مترجم له، والترجمة قد تكون مفسرة لمجمل الحديث وهذا منها، وهذه من المسائل المختلف فيها. قال مالك: هذه الصفة أحسن في خشوع الصلاة، وبه قال الأوزاعي، وفيه حديث عن أبي هريرة رواه أصحاب السنن، وعورض بحديث عنه أخرجه الطحاوي، وقد روى الأثرم حديث أبي هريرة " إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل، ولكن إسناده ضعيف. وعند الحنفية والشافعية الأفضل أن يضع ركبتيه ثم يديه، وفيه حديث في السنن أيضا عن واثل بن حجر قال الخطابي: هذا أصح من حديث أبي هريرة، ومن ثم قال النووي: لا يظهر ترجيح أحد المذهبين على الآخر من حيث السنة ا هـ. وعن مالك وأحمد رواية بالتخيير، وادعى ابن خزيمة أن حديث أبي هريرة منسوخ بحديث سعد قال: "كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين " وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع، لكنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه وهما ضعيفان. وقال الطحاوي: مقتضى تأخير وضع الرأس عنهما في الانحطاط ورفعه قبلهما أن يتأخر وضع اليدين عن الركبتين لاتفاقهم على تقديم اليدين عليهما في الرفع. وأبدى الزين بن المنير لتقديم اليدين مناسبة وهي أن يلقى الأرض عن جبهته ويعتصم بتقديمهما على إيلام ركبتيه إذا جثا عليهما، والله أعلم. قوله: "أن أبا هريرة كان يكبر" زاد النسائي من طريق يونس عن الزهري " حين استخلفه مروان على المدينة". قوله: "ثم يقول: الله أكبر حين يهوي ساجدا" فيه أن التكبير ذكر الهوي، فيبتدئ به من حين يشرع في الهوي بعد الاعتدال إلى حين يتمكن ساجدا. قوله: "ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في الاثنتين" فيه أنه يشرع في التكبير من حين ابتداء القيام إلى الثالثة بعد التشهد الأول، خلافا لمن قال إنه لا يكبر حتى يستوي قائما، وسيأتي في باب مفرد بعد بضعة عشر بابا. قوله: "إن كانت هذه لصلاته" قال أبو داود: هذا الكلام يؤيد رواية مالك وغيره عن الزهري عن علي بن حسين، يعني مرسلا. قلت: وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن الزهري، لكن لا يلزم من ذلك أن لا يكون الزهري رواه أيضا عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وغيره عن أبي هريرة، ويؤيد ذلك ما تقدم في " باب التكبير إذا قام من السجود " من طريق عقيل عن الزهري فإنه صريح في أن الصفة
(2/291)

المذكورة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "قالا" يعني أبا بكر بن عبد الرحمن وأبا سلمة المذكورين، وهو موصول بالإسناد المذكور إليهما، والكلام على المتن المذكور يأتي في تفسير آل عمران إن شاء الله تعالى، وإنما ذكره هنا استطرادا. وقد أورده مختصرا في الباب الذي ذكر فيه ما يقول في الاعتدال، واستدل به على أن محل القنوت بعد الرفع من الركوع، وعلى أن تسمية الرجال بأسمائهم فيما يدعى لهم وعليهم لا تفسد الصلاة. قوله: "عن فرس وربما قال سفيان - وهو ابن عيينة - من فرس" فيه إشعار بتثبت علي بن عبد الله ومحافظته على الإتيان بألفاظ الحديث، وقد تقدم الكلام عليه في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به " وأن قوله: "جحش " أي خدش، ووقع في قصر الصلاة عن أبي نعيم عن ابن عيينة بلفظ: "فجحش أو خدش " على الشك. قوله: "كذا جاء به معمر" القائل هو سفيان، والمقول له علي، وهمزة الاستفهام قبل كذا مقدرة. قوله: "قلت نعم" كأن مستند علي في ذلك رواية عبد الرزاق عن معمر فإنه من مشايخه، بخلاف معمر فإنه لم يدركه، وإنما يروى عنه بواسطة. وكلام الكرماني يوهم خلاف ذلك. قوله: "قال لقد حفظ" أي حفظا جيدا، وفيه إشعار بقوة حفظ سفيان بحيث يستجيد حفظ معمر إذا وافقه، وقوله: "كذا قال الزهري ولك الحمد " فيه إشارة إلى أن بعض أصحاب الزهري لم يذكر الواو في " ولك الحمد " وقد وقع ذلك في رواية الليث وغيره عن الزهري كما تقدم في " باب إيجاب التكبير". قوله: "حفظت" في رواية ابن عساكر: "وحفظت " بزيادة واو وهي أوضح، وقوله: "من شقه الأيمن الخ " فيه إشارة إلى ما ذكرناه من جودة ضبط سفيان، لأن ابن جريج سمعه معهم من الزهري بلفظ: "شقه " فحدث به عن الزهري بلفظ: "ساقه " وهي أخص من شقه، لكن هذا محمول على أن ابن جريج عرف من الزهري في وقت آخر أن الذي خدش هو ساقه لبعد أن يكون نسي هذه الكلمة في هذه المدة اليسيرة، وقد قدمنا الدلالة على ذلك في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به " وقوله: "وأنا عنده " قال الكرماني: هو معطوف على مقدار أو جملة حالية من فاعل قال مقدرا، إذ تقديره قال الزهري وأنا عنده؛ ويحتمل أن يكون هو مقول سفيان، والضمير لابن جريج. قلت: وهذا أقرب إلى الصواب، ومقول ابن جريج هو " فجحش الخ " والله أعلم.
(2/292)

129 - باب فَضْلِ السُّجُودِ
806- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ النَّاسَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لاَ قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنْ
(2/292)

الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلاَّ الرُّسُلُ وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ قَدْ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنْ النَّارِ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَيَقُولُ هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ فَيُعْطِي اللَّهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ قَالَ يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ فَيَقُولُ فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَهُ فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَيَقُولُ اللَّهُ وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ فَيَضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قَالَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ قَوْلَهُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ
[الحديث 806 – طرفاه 7437,6573]
قوله: "باب فضل السجود" أورد فيه حديث أبي هريرة في صفة البعث والشفاعة، والمقصود منه هنا قوله: "وحرم الله على النار أن تأكل آثار السجود " وقد ورده بتمامه أيضا في أبواب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق ويأتي الكلام عليه هناك مستوفى إن شاء الله تعالى، مع ذكر اختلاف ألفاظ رواته. اختلف في المراد بقوله: "آثار
(2/293)

السجود " فقيل هي الأعضاء السبعة الآتي ذكرها في حديث ابن عباس قريبا وهذا هو الظاهر. وقال عياض: المراد الجبهة خاصة، ويؤيده ما في رواية مسلم من وجه آخر " أن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم " فإن ظاهر هذه الرواية يخص العموم الذي في الأولى.
(2/294)

130 - باب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ
807- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ
قوله: "باب يبدي ضبعيه" بفتح المعجمة وسكون الموحدة تثنية ضبع وهو وسط العضد من داخل وقيل هو لحمه تحت الإبط. قوله: "عن جعفر" هو ابن ربيعة، وابن هرمز هو عبد الرحمن الأعرج، والإسناد كله بصريون. قوله: "فرج بين يديه" أي نحى كل يد عن الجنب الذي يليها، قال القرطبي: الحكمة في استحباب هذه الهيئة في السجود أنه يخف بها اعتماده عن وجهه ولا يتأثر أنفه ولا جبهته، ولا يتأذى بملاقاة الأرض. وقال غيره: هو أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان. وقال ناصر الدين بن المنير في الحاشية: الحكمة فيه أن يظهر كل عضو بنفسه ويتميز حتى يكون الإنسان الواحد في سجوده كأنه عدد، ومقتضى هذا أن يستقل كل عضو بنفسه ولا يعتمد بعض الأعضاء على بعض في سجوده، وهذا ضد ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض لأن المقصود هناك إظهار الاتحاد بين المصلين حتى كأنهم جسد واحد، وروى الطبراني وغيره من حديث ابن عمر بإسناد صحيح أنه قال: "لا تفترش افتراش السبع، وادعم على راحتيك وأبد ضبعيك، فإذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك" ، ولمسلم من حديث عائشة " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع " وأخرج الترمذي وحسنه من حديث عبد الله بن أرقم " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أنظر إلى عفرتي إبطيه إذا سجد" ، ولابن خزيمة عن أبي هريرة رفعه: "إذا سجد أحدكم فلا يفترش ذراعيه افتراش الكلب، وليضم فخذيه" ، وللحاكم من حديث ابن عباس نحو حديث عبد الله بن أرقم، وعنه عند الحاكم " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد يرى وضح إبطيه " وله من حديثه ولمسلم من حديث البراء رفعه: "إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك " وهذه الأحاديث - مع حديث ميمونة عند مسلم: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجافي يديه، فلو أن بهيمة أرادت أن تمر لمرت " مع حديث ابن بحينة المعلق هنا - ظاهرها وجوب التفريج المذكور، لكن أخرج أبو داود ما يدل على أنه للاستحباب وهو حديث أبي هريرة " شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا، فقال: استعينوا بالركب " وترجم له " الرخصة في ذلك " أي في ترك التفريج، قال ابن عجلان أحد رواته: وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وأعيا، وقد أخرج الترمذي الحديث المذكور ولم يقع في روايته: "إذا انفرجوا " فترجم له " ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود " فجعل محل الاستعانة بالركب لمن يرفع من السجود طالبا للقيام، واللفظ محتمل ما قال، لكن الزيادة التي أخرجها أبو داود تعين المراد.
وقال ابن التين: فيه دليل على أنه لم يكن عليه قميص لانكشاف إبطيه، وتعقب باحتمال أن يكون القميص
(2/294)

واسع الأكمام، وقد روى الترمذي في " الشمائل " عن أم سلمة قالت: "كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم القميص " أو أراد الراوي أن موضع بياضهما لو لم يكن عليه ثوب لرئي قاله القرطبي، واستدل به على أن إبطيه صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهما شعر، وفيه نظر فقد حكى المحب الطبري في الاستسقاء من الأحكام له أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الإبط من جميع الناس متغير اللون غيره، واستدل بإطلاقه على استحباب التفريج في الركوع أيضا، وفيه نظر لأن في رواية قتيبة عن بكر بن مضر التقييد بالسجود، وأخرجه المصنف في المناقب، والمطلق إذا استعمل في صورة اكتفي بها. قوله: "وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة نحوه" وصله مسلم من طريقه بلفظ: "كان إذا سجد فرج يديه عن إبطيه حتى إني لأرى بياض إبطيه" . "تنبيه": تقدم قبيل أبواب القبلة أنه وقع في كثير من النسخ وقوع هاتين الترجمتين هذه والتي بعدها هناك وأعيدا هنا وأن الصواب إثباتهما هنا، وذكرنا توجيه ذلك بما يغني عن إعادته.
(2/295)

باب يتقبل بأطراف رجليه الكعبة
...
131 - باب يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ
قَالَهُ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: "باب يستقبل القبلة بأطراف رجليه قاله أبو حميد" يأتي موصولا في " باب سنة الجلوس في التشهد " قريبا وأنه ورد في صفة السجود " قال الزين بن المنير: المراد أن يجعل قدميه قائمتين على بطون أصابعهما وعقباه مرتفعان فيستقبل بظهور قدميه القبلة، قال أخوه: ومن ثم ندب ضم الأصابع في السجود لأنها لو تفرجت انحرفت رءوس بعضها عن القبلة.
(2/295)

132 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ
808- حدثنا الصلت بن محمد قال حدثنا مهدي عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده فلما قضى صلاته قال له حذيفة ما صليت قال وأحسبه قال ولو مت مت على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم
قوله: "باب إذا لم يتم سجوده" أورد فيه حديث حذيفة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في " باب إذا لم يتم الركوع".
(2/295)

133 - باب السُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ
809- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وَلاَ يَكُفَّ شَعَرًا وَلاَ ثَوْبًا الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ
[الحديث809 – أطرافه في: 816,815,812,810]
810- حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا شعبة عن عمرو عن طاوس عن بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم " ثم أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم ولا نكف ثوبا ولا شعرا "
811- حدثنا آدم حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد الخطمي حدثنا البراء بن عازب كذوب قال " كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا
ـــــــ
(1)مثل هذا التخصيص يحتاج إلى دليل , ولا أعلم في الأحاديث مايدل على ما قاله المحب , فالأقرب ما قاله القرطبي, وهو ظاهر كثير من الأحاديث. ويحتمل أن يكون شعر إبطيه صلى الله عليه وسلم كان خفيفا فلا يتضح للناظر من سوى بياض الإبطين . والله أعلم
(2/295)

134 - باب السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَلاَ نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ"
قوله: "باب السجود على الأنف" أورد فيه حديث ابن عباس من جهة وهيب وهو ابن خالد "عن عبد الله بن طاوس عن أبيه" وقد أسلفنا الكلام عليه قبل. قوله فيه "على سبعة أعظم، على الجبهة" قال الكرماني: "على " الثانية بدل من الأولى التي في حكم الطرح، أو الأولى متعلقة بنحو حاصلا أي اسجد على الجبهة حال كون السجود
(2/297)

على سبعة أعضاء.
(2/298)

135 - باب السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ وَالسُّجُودِ عَلَى الطِّينِ
813- حدثنا موسى قال حدثنا همام عن يحيى عن أبي سلمة قال ثم انطلقت إلى أبي سعيد الخدري فقلت ألا تخرج بنا إلى النخل نتحدث فخرج فقال قلت حدثني ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان واعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا صبيحة عشرين من رمضان فقال من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع فإني أريت ليلة القدر وإني نسيتها وإنها في العشر الأواخر في وتر وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء وكان سقف المسجد جريد النخل وما نرى في السماء شيئا فجاءت قزعة فأمطرنا فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين ظاهرا على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبته تصديق رؤياه "
قوله: "باب السجود على الأنف في الطين" كذا للأكثر، وللمستملي: "السجود على الأنف والسجود على الطين " والأول أنسب لئلا يلزم التكرار، وهذه الترجمة أخص من التي قبلها، وكأنه يشير إلى تأكد أمر السجود على الأنف بأنه لم يترك مع وجود عذر الطين الذي أثر فيه، ولا حجة فيه لمن استدل به على جواز الاكتفاء بالأنف لأن في سياقه أنه سجد على جبهته وأرنبته، فوضح أنه إنما قصد بالترجمة ما قدمناه وهو دال على وجوب السجود عليهما ولولا ذلك لصانهما عن لوث الطين، قاله الخطابي، وفيه نظر: وفيه استحباب ترك الإسراع إلى إزالة ما يصيب جبهة الساجد من غبار الأرض ونحوه، وسنذكر بقية مباحث الحديث المذكور في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى.
(2/298)

136 - باب عَقْدِ الثِّيَابِ وَشَدِّهَا وَمَنْ ضَمَّ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِذَا خَافَ أَنْ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ عَاقِدُوا أُزْرِهِمْ مِنْ الصِّغَرِ عَلَى رِقَابِهِمْ فَقِيلَ لِلنِّسَاءِ لاَ تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا "
قوله: "باب عقد الثياب وشدها، ومن ضم إليه ثوبه إذا خاف أن تنكشف عورته" كأنه يشير إلى أن النهي الوارد عن كف الثياب في الصلاة محمول على غير حالة الاضطرار، ووجه إدخال هذه الترجمة في أحكام السجود من جهة أن حركة السجود والرفع منه تسهل مع ضم الثياب وعقدها لا مع إرسالها وسدلها، أشار إلى ذلك الزين بن المنير. قوله: "عن أبي حازم" هو ابن دينار، وقد تقدم في " باب إذا كان الثوب ضيقا " في أوائل الصلاة من وجه آخر عن سفيان قال: "حدثني أبو حازم " وقد تقدم الكلام على فوائد المتن هناك.
(2/298)

137 - باب لاَ يَكُفُّ شَعَرًا
815- حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد وهو بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس قال ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعظم ولا يكف ثوبه ولا شعره "
قوله: "باب لا يكف شعرا" أي المصلي، و " يكف " ضبطناه في روايتنا بضم الفاء وهو الراجح، ويجوز الفتح، والمراد بالشعر شعر الرأس، ومناسبة هذه الترجمة لأحكام السجود من جهة أن الشعر يسجد مع الرأس إذا لم يكف أو يلف، وجاء في حكمة النهي عن ذلك أن غرزة الشعر يقعد فيها الشيطان حالة الصلاة. وفي سنن أبي داود بإسناد جيد " أن أبا رافع رأى الحسن بن علي يصلي قد غرز ضفيرته في قفاه فحلها وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذلك مقعد الشيطان " وقد تقدم الكلام على بقية الحديث مستوفى قبل ثلاثة أبواب.
(2/299)

باب لايكف ثوبة في الصلاة
...
138 - باب لاَ يَكُفُّ ثَوْبَهُ فِي الصَّلاَةِ
816- حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو عوانة عن عمرو عن طاوس عن بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم أمرت أن أسجد على سبعة لا أكف شعرا ولا ثوبا قوله: "باب لا يكف ثوبه في الصلاة" أورد فيه حديث ابن عباس من وجه آخر وقد تقدم ما فيه.
(2/299)

139 - باب التَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ
817- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُسْلِمٍ هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ
قوله: "باب التسبيح والدعاء في السجود" تقدم الكلام على هذه الترجمة في باب الدعاء في الركوع. قوله: "يحيى" هو القطان، وسفيان هو الثوري. قوله: "يكثر أن يقول" كذا في رواية منصور وقد بين الأعمش في روايته عن أبي الضحى كما سيأتي في التفسير ابتداء هذا الفعل وأنه واظب عليه صلى الله عليه وسلم ولفظه: "ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه "إذا جاء نصر الله والفتح" إلا يقول فيها " الحديث. قيل اختار النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لهذا القول لأن حالها أفضل من غيرها. انتهى. وليس في الحديث أنه لم يكن يقول ذلك خارج الصلاة أيضا، بل في بعض طرقه عند مسلم ما يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب على ذلك داخل الصلاة وخارجها. وفي رواية منصور بيان المحل الذي كان صلى الله عليه وسلم يقول فيه من الصلاة وهو الركوع والسجود. قوله: "يتأول القرآن" أي يفعل ما أمر به فيه، وقد تبين من رواية الأعمش أن المراد بالقرآن بعضه وهو السورة المذكورة والذكر المذكور. ووقع في رواية ابن السكن عن الفربري: قال أبو عبد الله يعني قوله تعالى: {فسبح بحمد ربك} الآية. وفي هذا تعيين أحد الاحتمالين في قوله تعالى: {فسبح بحمد ربك} لأنه يحتمل أن يكون المراد بسبح نفس الحمد لما تضمنه الحمد من معنى التسبيح الذي هو التنزيه لاقتضاء الحمد نسبة الأفعال المحمود عليها إلى الله سبحانه وتعالى، فعلى هذا يكفي في امتثال الأمر الاقتصار على الحمد
(2/299)

140 - باب الْمُكْثِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
818- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَذَاكَ فِي غَيْرِ حِينِ صَلاَةٍ فَقَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَكَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَامَ هُنَيَّةً ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ هُنَيَّةً فَصَلَّى صَلاَةَ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ شَيْخِنَا هَذَا قَالَ أَيُّوبُ كَانَ يَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُونَهُ كَانَ يَقْعُدُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ
819- قَالَ فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى أَهْلِيكُمْ صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ
820- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ " كَانَ سُجُودُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُكُوعُهُ وَقُعُودُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
(2/300)

قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ "
821- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنِّي لاَ آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا قَالَ ثَابِتٌ كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ
قوله: "باب المكث بين السجدتين" في رواية الحموي بين السجود. قوله: "ألا أنبئكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" الإنباء بعدي بنفسه وبالباء، قال الله تعالى: {من أنبأك هذا} وقال: {فل أأنبئكم بخير من ذلكم} . قوله: "قال" أي أبو قلابة "وذلك في غير حين صلاة" أي غير وقت صلاة من المفروضة، ويتعين حمله على ذلك حتى لا يدخل فيه أوقات المنع من النافلة لتنزيه الصحابي عن التنفل حينئذ، وليس في اليوم والليلة وقت أجمع على أنه غير وقت لصلاة من الخمس إلا من طلوع الشمس إلى زوالها، وقد تقدم هذا الحديث في " باب الطمأنينة في الركوع " وفي غيره. والغرض منه هنا قوله: "ثم رفع رأسه هنية " بعد قوله: "ثم سجد " لأنه يقتضي الجلوس بين السجدتين قدر الاعتدال. قوله: "قال أيوب" أي بالسند المذكور إليه. قوله: "كان يقعد في الثالثة أو الرابعة" هو شك من الراوي، والمراد منه بيان جلسة الاستراحة، وهي تقع بين الثالثة والرابعة كما تقع بين الأولى والثانية، فكأنه قال: كان يقعد في آخر الثالثة أو في أول الرابعة، والمعنى واحد فشك الراوي أيهما قال، وسيأتي الحديث بعد باب واحد بلفظ: "فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا". قوله: "فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم" هو مقول مالك بن الحويرث والفاء عاطفة على شيء محذوف تقديره أسلمنا فأتينا، أو أرسلنا قومنا فأتينا ونحو ذلك، وقد تقدم الكلام عليه في أبواب الإمامة وفي الأذان. حديث البراء تقدم الكلام عليه في " باب استواء الظهر في الركوع" حديث أنس تقدم الكلام عليه في " باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع " وفي قوله في هذه الطريق " قال ثابت: كان أنس يصنع شيئا لم أركم تصنعونه الخ " إشعار بأن من خاطبهم كانوا لا يطيلون الجلوس بين السجدتين، ولكن السنة إذا ثبتت لا يبالي من تمسك بها بمخالفة من خالفها، والله المستعان.
(2/301)

141 - باب لاَ يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلاَ يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ
(2/301)

والترمذي وابن خزيمة من حديث جابر نحوه بلفظ: "إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه " الحديث، ولمسلم عن عائشة نحوه. قوله: "وقال أبو حميد الخ" هو طرف من حديث يأتي مطولا بعد ثلاثة أبواب. قوله: "ولا قابضهما" أي بأن يضمهما ولا يجافيهما عن جنبيه. قوله: "عن أنس" في رواية أبي داود الطيالسي عند الترمذي وفي رواية معاذ عند الإسماعيلي كلاهما عن شعبة التصريح بسماع قتادة له من أنس. قوله: "اعتدلوا" أي كونوا متوسطين بين الافتراش والقبض. وقال ابن دقيق العيد: لعل المراد بالاعتدال هنا وضع هيئة السجود على وفق الأمر، لأن الاعتدال الحسي المطلوب في الركوع لا يتأتى هنا، فإنه هناك استواء الظهر والعنق، والمطلوب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي، قال: وقد ذكر الحكم هنا مقرونا بعلته، فإن التشبيه بالأشياء الخسيسة يناسب تركه في الصلاة. انتهى. والهيئة المنهي عنها أيضا مشعرة بالتهاون وقلة الاعتناء بالصلاة. قوله: "ولا ينبسط" كذا للأكثر بنون ساكنة قبل الموحدة وللحموي " يبتسط " بمثناة بعد موحدة. وفي رواية ابن عساكر بموحدة ساكنة فقط وعليها اقتصر العمدة، وقوله: "انبساط " بالنون في الأولى والثالثة وبالمثناة وهي ظاهرة والثالثة تقديرها ولا يبسط ذراعيه فينبسط انبساط الكلب.
(2/302)

142- باب مَنْ اسْتَوَى قَاعِدًا فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاَتِهِ ثُمَّ نَهَضَ
823- حدثنا محمد بن الصباح قال أخبرنا هشيم قال أخبرنا خالد الحذاء عن أبي قلابة قال أخبرنا مالك بن الحويرث الليثي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا "
قوله: "باب من استوى قاعدا في وتر من صلاته" ذكر فيه حديث مالك بن الحويرث ومطابقته واضحة، وفيه مشروعية جلسة الاستراحة، وأخذ بها الشافعي وطائفة من أهل الحديث، وعن أحمد روايتان، وذكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بها، ولم يستحبها الأكثر، واحتج الطحاوي بخلو حديث أبي حميد عنها فإنه ساقه بلفظ: "فقام ولم يتورك " وأخرجه أبو داود أيضا كذلك قال: فلما تخالفا احتمل أن يكون ما فعله في حديث مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد لأجلها، لا أن ذلك من سنة الصلاة، ثم قوى ذلك بأنها لو كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص، وتعقب بأن الأصل عدم العلة وبأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث: "صلوا كما رأيتموني أصلي " فحكايته لصفات صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة تحت هذا الأمر. ويستدل بحديث أبي حميد المذكور على عدم وجوبها فكأنه تركها لبيان الجواز، وتمسك من لم يقل باستحبابها بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبادروني بالقيام والقعود، فإني قد بدنت " فدل على أنه كان يفعلها لهذا السبب، فلا يشرع إلا في حق من اتفق له نحو ذلك، وأما الذكر المخصوص فإنها جلسة خفيفة جدا استغني فيها بالتكبير المشروع للقيام، فإنها من جملة النهوض إلى القيام، ومن حديث المعنى إن الساجد يضع يديه وركبتيه ورأسه مميزا لكل عضو وضع، فكذا ينبغي إذا رفع رأسه ويديه أن يميز رفع ركبتيه، وإنما يتم ذلك بأن يجلس ثم ينهض قائما، نبه عليه ناصر الدين بن المنير في الحاشية، ولم تتفق الروايات عن أبي حميد على نفي هذه الجلسة كما يفهمه صنيع الطحاوي، بل أخرجه أبو داود أيضا من وجه آخر عنه بإثباتها، وسيأتي ذلك عند الكلام على حديثه بعد بابين إن شاء الله تعالى. وأما قول بعضهم: لو كانت سنة لذكرها كل من وصف صلاته، فيقوى أنه فعلها للحاجة ففيه نظر، فإن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف، وإنما أخذ مجموعها عن مجموعهم.
(2/302)

143 - باب كَيْفَ يَعْتَمِدُ عَلَى الأَرْضِ إِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَةِ
824- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فَصَلَّى بِنَا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ إِنِّي لاَصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلاَةَ وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَالَ أَيُّوبُ فَقُلْتُ لِأَبِي قِلاَبَةَ وَكَيْفَ كَانَتْ صَلاَتُهُ قَالَ مِثْلَ صَلاَةِ شَيْخِنَا هَذَا يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ قَالَ أَيُّوبُ وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْخُ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ قَامَ "
قوله: "باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة" أي أي ركعة كانت. وفي رواية المستملي والكشميهني من الركعتين أي الأولى والثالثة. قوله: "عن السجدة" في رواية المذكورين " في السجدة " وفي بعض نسخ أبي ذر " من السجدة " وهي رواية الإسماعيلي، وقد تقدم الكلام على حديث مالك بن الحويرث، والغرض منه هنا ذكر الاعتماد على الأرض عند القيام من السجود أو الجلوس، والإشارة إلى رد ما روي بخلاف ذلك، فعند سعيد بن منصور بإسناد ضعيف عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهض على صدور قدميه، وعن ابن مسعود مثله بإسناد صحيح، وعن إبراهيم أنه كره أن يعتمد على يديه إذا نهض. فإن قيل ترجم على كيفية الاعتماد، والذي في الحديث إثبات الاعتماد فقط، أجاب الكرماني بأن بيان الكيفية مستفاد من قوله جلس واعتمد على الأرض ثم قام، فكأنه أراد بالكيفية أن يقوم معتمدا عن جلوس لا عن سجود. وقال ابن رشيد: أفاد في الترجمة التي قبل هذه إثبات الجلوس في الأولى والثالثة، وفي هذه أن ذلك الجلوس جلوس اعتماد على الأرض بتمكن، بدليل الإتيان بحرف " ثم " الدال على المهلة وأنه ليس جلوس استيفاز، فأفاد في الأولى مشروعية الحكم وفي الثانية صفته ا هـ ملخصا. وفيه شيء إذ لو كان ذلك المراد لقال كيف يجلس مثلا. وقيل يستفاد من الاعتماد أنه يكون باليد لأنه افتعال من العماد والمراد به الاتكاء وهو باليد، وروى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا على يديه قبل أن يرفعهما.
(2/303)

144 - باب يُكَبِّرُ وَهُوَ يَنْهَضُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُكَبِّرُ فِي نَهْضَتِهِ
825-حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَحِينَ سَجَدَ وَحِينَ رَفَعَ وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
826- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ صَلاَةً خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ وَإِذَا
(2/303)

نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي فَقَالَ لَقَدْ صَلَّى بِنَا هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "باب يكبر وهو ينهض من السجدتين" ذهب أكثر العلماء إلى أن المصلي يشرع في التكبير أو غيره عند ابتداء الخفض أو الرفع، إلا أنه اختلف عن مالك في القيام إلى الثالثة من التشهد الأول، فروي في الموطأ عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما أنهم كانوا يكبرون في حال قيامهم، وروى ابن وهب عنه أن التكبير بعد الاستواء أولى، وفي المدونة: لا يكبر حتى يستوي قائما. ووجهه بعض أتباعه بأن تكبير الافتتاح يقع بعد القيام فينبغي أن يكون هذا نظيره من حيث أن الصلاة فرضت أولا ركعتين ثم زيدت الرباعية فيكون افتتاح المزيد كافتتاح المزيد عليه. وكان ينبغي لصاحب هذا الكلام أن يستحب رفع اليدين حينئذ لتكمل المناسبة، ولا قائل منهم به. قوله: "وكان ابن الزبير" وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح. قوله: "صلى لنا أبو سعيد" أي الخدري بالمدينة، وبين الإسماعيلي في روايته من طريق يونس بن محمد عن فليح سبب ذلك ولفظه: "اشتكى أبو هريرة - أو غاب - فصلى أبو سعيد، فجهر بالتكبير حين افتتح وحين ركع " الحديث، وزاد في آخره أيضا: "فلما انصرف قيل له: قد اختلف الناس على صلاتك، فقام عند المنبر فقال: إني والله ما أبالي اختلفت صلاتكم أم لم تختلف، إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يصلي " والذي يظهر أن الاختلاف بينهم كان في الجهر بالتكبير والإسرار به، وكان مروان وغيره من بني أمية يسرونه كما تقدم في " باب إتمام التكبير في الركوع " وكان أبو هريرة يصلي بالناس في إمارة مروان على المدينة. وأما مقصود الباب فالمشهور عن أبي هريرة أنه كان يكبر حين يقوم ولا يؤخره حتى يستوي قائما كما تقدم عن الموطأ، وأما ما تقدم في " باب ما يقول الإمام ومن خلفه " من حديثه بلفظ: "وإذا قام من السجدتين قال الله أكبر " فيحمل على أن المعنى إذا شرع في القيام، قال الزين بن المنير: أجرى البخاري الترجمة وأثر ابن الزبير مجرى التبيين لحديثي الباب، لأنهما ليسا صريحين في أن ابتداء التكبير يكون مع أول النهوض. وقال ابن رشيد: في هذه الترجمة إشكال، لأنه ترجم فيما مضى " باب التكبير إذا قام من السجود " وأورد فيه حديث ابن عباس وأبي هريرة وفيهما التنصيص على أنه يكبر في حالة النهوض، وهو الذي اقتضته هذه الترجمة، فكان ظاهرها التكرار ويحمل قوله: "من السجدتين " على أنه أراد من الركعتين، لأن الركعة تسمى سجدة مجازا، ثم استبعده، ثم رجح أن المراد بهذه الترجمة بيان محل التكبير حين ينهض من السجدة الثانية بأنه إذا قعد على الوتر يكون تكبيره في الرفع إلى القعود ولا يؤخره إلى ما بعد القعود، ويتوجه ذلك بأن الترجمتين اللتين قبله فيهما بيان الجلوس، ثم بيان الاعتماد، فبين في هذه الثالثة محل التكبير ا هـ ملخصا. ويحتمل أن يكون مراده بقوله: "من السجدتين " ما هو أعم من ذلك فيشمل ما قيل أولا وثانيا، ويؤيد ذلك اشتمال حديثي الباب على ذلك، ففي حديث أبي سعيد " حين رفع رأسه من السجود وحين قام من الركعتين " وفي حديث عمران بن حصين " وإذا رفع كبر وإذا نهض من الركعتين كبر " وأما أثر ابن الزبير فيمكن شموله الأمرين لأن النهضة تحتملهما، لكن استعمالها في القيام أكثر، وهذا يرجح الحمل الأول
ـــــــ
(1)يعني من المالكية . ولا ريب أن السنة في ذلك التكبير حين ينهض إلى الثالثة مع رفع اليدين كما ثبت ذلك من حديث ابن عمر وغيره . والله أعلم
(2/304)

الذي استبعده ابن رشيد، ولا بعد فيه فقد تقدم أن خلاف مالك إنما هو في النهوض من الركعتين بعد التشهد الأول. الكلام على حديث عمران بن حصين قد تقدم في " باب إتمام التكبير في الركوع".
(2/305)

145 - باب سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ
وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَجْلِسُ فِي صَلاَتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ وَكَانَتْ فَقِيهَةً
827- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلاَةِ إِذَا جَلَسَ فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلاَةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ الْيُسْرَى فَقُلْتُ إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ رِجْلَيَّ لاَ تَحْمِلاَنِي "
828- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ وَحَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا صَلاَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ وَسَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ وَيَزِيدُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَلْحَلَةَ وَابْنُ حَلْحَلَةَ مِنْ ابْنِ عَطَاءٍ قَالَ أَبُو صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ كُلُّ فَقَارٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ كُلُّ فَقَارٍ "
قوله: "باب سنة الجلوس في التشهد" أي السنة في الجلوس الهيئة الآتي ذكرها، ولم يرد أن نفس الجلوس سنة. ويحتمل إرادته على أن المراد بالسنة الطريقة الشرعية التي هي أهم من الواجب والمندوب. وقال الزين بن المنير: ضمن هذه الترجمة ستة أحكام، وهي أن هيئة الجلوس غير مطلق الجلوس، والتفرقة بين الجلوس للتشهد الأول والأخير وبينهما وبين الجلوس بين السجدتين، وأن ذلك كله سنة، وأن لا فرق بين الرجال والنساء، وأن ذا العلم يحتج بعمله ا هـ. وهذا الأخير إنما يتم إذا ضم أثر أم الدرداء إلى الترجمة، وقد تقدم تقرير ذلك، وأثر أم الدرداء المذكور وصله المصنف في التاريخ الصغير من طريق مكحول باللفظ المذكور، وأخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه، لكن لم يقع عنده قول مكحول في آخره: "وكانت فقيهة " فجزم بعض الشراح بأن ذلك من كلام البخاري لا من كلام مكحول، فقال مغلطاي: القائل: "وكانت فقيهة " هو البخاري فيما أرى. وتبعه شيخنا ابن الملقن فقال: الظاهر أنه
(2/305)

قول البخاري ا هـ. وليس كما قالا، فقد رويناه تاما في مسند الفريابي أيضا بسنده إلى مكحول، ومن طريقة البخاري أن الدليل إذا كان عاما وعمل بعمومه بعض العلماء رجح به وإن لم يحتج به بمجرده، وعرف من رواية مكحول أن المراد بأم الدرداء الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية لأنه أدرك الصغرى ولم يدرك الكبرى، وعمل التابعي بمفرده ولو لم يخالف لا يحتج به، وإنما وقع الاختلاف في العمل بقول الصحابي كذلك، ولم يورد البخاري أثر أم الدرداء ليحتج به بل للتقوية. قوله: "عن عبد الله بن عبد الله" أي ابن عمر، وهو تابعي ثقة سمي باسم أبيه وكني بكنيته. قوله: "أنه أخبره" صريح في أن عبد الرحمن بن القاسم حمله عنه بلا واسطة، وقد اختلف فيه الرواة عن مالك فأدخل معن بن عيسى وغيره عنه فيه - بين عبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن عبد الله - القاسم بن محمد والد عبد الرحمن، بين ذلك الإسماعيلي وغيره، فكأن عبد الرحمن سمعه من أبيه عنه، ثم لقيه أو سمعه منه معه وثبته فيه أبوه. قوله: "وتثني اليسرى" لم يبين في هذه الرواية ما يصنع بعد ثنيها هل يجلس فوقها أو يتورك، ووقع في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثنى اليسرى وجلس على وركه اليسرى ولم يجلس على قدمه ثم قال: أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك. فتبين من رواية القاسم ما أجمل في رواية ابنه، وإنما اقتصر البخاري على رواية عبد الرحمن لتصريحه فيها بأن ذلك هو السنة لاقتضاء ذلك الرفع، بخلاف رواية القاسم، ورجح ذلك عنده حديث أبي حميد المفصل بين الجلوس الأول والثاني، على أن الصفة المذكورة قد يقال إنها لا تخالف حديث أبي حميد لأن في الموطأ أيضا عن عبد الله بن دينار التصريح بأن جلوس ابن عمر المذكور كان في التشهد الأخير، وروى النسائي من طريق عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أن القاسم حدثه عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: "من سنة الصلاة أن ينصب اليمنى ويجلس على اليسرى " فإذا حملت هذه الرواية على التشهد الأول ورواية مالك على التشهد الأخير انتفى عنهما التعارض ووافق ذلك التفصيل المذكور في حديث أبي حميد، والله أعلم. قوله: "فقلت إنك تفعل ذلك" أي التربع قال ابن عبد البر: اختلفوا في التربع في النافلة وفي الفريضة للمريض، وأما الصحيح فلا يجوز له التربع في الفريضة بإجماع العلماء، كذا قال، وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: "لأن أقعد على رضفتين أحب إلي من أن أقعد متربعا في الصلاة " وهذا يشعر بتحريمه عنده، ولكن المشهور عن أكثر العلماء أن هيئة الجلوس في التشهد سنة، فلعل ابن عبد البر أراد بنفي الجواز إثبات الكراهة. قوله: "إن رجلي" كذا للأكثر. وفي رواية حكاها ابن التين " أن رجلاي " ووجهها على أن " إن " بمعنى نعم، ثم استأنف فقال: "رجلاي لا تحملاني " أو على اللغة المشهورة لغة بني الحارث، ولها وجه آخر لم يذكره، وقد ذكرت الأوجه في قراءة من قرأ: {إن هذان لساحران} . قوله: "لا تحملاني" بتشديد النون ويجوز التخفيف. قوله: "عن خالد" هو ابن يزيد الجمحي المصري، وهو من أقران سعيد بن أبي هلال شيخه في هذا الحديث. قوله: "قال حدثنا الليث" قائل ذلك هو يحيى بن بكير المذكور. والحاصل أن بين الليث وبين محمد ابن عمرو بن حلحلة في الرواية الأولى اثنين، وبينهما في الرواية الثانية واسطة واحدة، ويزيد بن أبي حبيب مصري معروف من صغار التابعين، ويزيد بن محمد رفيقه في هذا الحديث من بني قيس بن مخرمة بن المطلب مدني سكن مصر، وكل من فوقهم مدني أيضا، فالإسناد دائر بين مدني ومصري. وأردف الرواية النازلة بالرواية العالية على عادة أهل الحديث، وربما وقع لها ضد ذلك لمعنى مناسب. قوله: "أنه كان جالسا في نفر من
(2/306)

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية كريمة: "مع نفر " وكذا اختلف على عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء، ففي رواية عاصم عنه عند أبي داود وغيره: "سمعت أبا حميد في عشرة". وفي رواية هشيم عنه عند سعيد بن منصور " رأيت أبا حميد مع عشرة " ولفظ: "مع " يرجح أحد الاحتمالين في لفظ: "في " لأنها محتملة لأن يكون أبو حميد من العشرة أو زائدا عليهم، ثم إن رواية الليث ظاهرة في اتصاله بين محمد بن عمرو وأبي حميد، ورواية عبد الحميد صريحة في ذلك. وزعم ابن القطان تبعا للطحاوي أنه غير متصل لأمرين: أحدهما أن عيسى بن عبد الله بن مالك رواه عن محمد بن عمرو بن عطاء فأدخل بينه وبين الصحابة عباس بن سهل أخرجه أبو داود وغيره، ثانيهما أن في بعض طرقه تسمية أبي قتادة في الصحابة المذكورين وأبو قتادة قديم الموت يصغر سن محمد بن عمرو ابن عطاء عن إدراكه. والجواب عن ذلك: أما الأول فلا يضر الثقة المصرح بسماعه أن يدخل بينه وبين شيخه واسطة، إما لزيادة في الحديث، وإما ليثبت فيه، وقد صرح محمد بن عمرو المذكور بسماعه فتكون رواية عيسى عنه من المزيد في متصل الأسانيد، وأما الثاني فالمعتمد فيه قول بعض أهل التاريخ إن أبا قتادة مات في خلافة علي وصلى عليه علي وكان قتل علي سنة أربعين وأن محمد بن عمرو بن عطاء مات بعد سنة عشرين ومائة وله نيف وثمانون سنة فعلى هذا لم يدرك أبا قتادة، والجواب أن أبا قتادة اختلف في وقت موته، فقيل مات سنة أربع وخمسين وعلى هذا فلقاء محمد له ممكن، وعلى الأول فلعل من ذكر مقدار عمره أو وقت وفاته وهم، أو الذي سمي أبا قتادة في الصحابة المذكورين وهم في تسميته، ولا يلزم من ذلك أن يكون الحديث الذي رواه غلطا لأن غيره ممن رواه معه عن محمد بن عمرو بن عطاء أو عن عباس ابن سهل قد وافقه. "فائدة": سمي من النفر المذكورين في رواية فليح عن عباس بن سهل مع أبي حميد أبو العباس سهل بن سعد وأبو أسيد الساعدي ومحمد بن مسلمة أخرجها أحمد وغيره، وسمي منهم في رواية عيسى ابن عبد الله عن عباس المذكورون سوى محمد بن مسلمة فذكر بدله أبو هريرة أخرجها أبو داود وغيره، وسمي منهم في رواية ابن إسحاق عن عباس عند ابن خزيمة. وفي رواية عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء عند أبي داود والترمذي أبو قتادة. وفي رواية عبد الحميد المذكورة أنهم كانوا عشرة كما تقدم، ولم أقف على تسمية الباقين. وقد اشتمل حديث أبي حميد هذا على جملة كثيرة من صفة الصلاة، وسأبين ما في رواية غير الليث من الزيادة ناسبا كل زيادة إلى مخرجها إن شاء الله تعالى. وقد أشرت قبل إلى مخارج الحديث، لكن سياق الليث فيه حكاية أبي حميد لصفة الصلاة بالقول، وكذا في رواية كل من رواه عن محمد بن عمرو بن حلحلة، ونحوه رواية عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء، ووافقهما فليح عن عباس بن سهل، وخالف الجميع عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عباس فحكى أن أبا حميد وصفها بالفعل ولفظه عند الطحاوي وابن حبان: "قالوا فأرنا، فقام يصلي وهم ينظرون، فبدأ فكبر " الحديث. ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون وصفها مرة بالقول ومرة بالفعل، وهذا يؤيد ما جمعنا به أولا، فإن عيسى المذكور هو الذي زاد عباس بن سهل بين محمد بن عمرو بن عطاء وأبي حميد، فكأن محمدا شهد هو وعباس حكاية أبي حميد بالقول فحملها عنه من تقدم ذكره، وكأن عباسا شهدها وحده بالفعل فسمع ذلك منه محمد بن عطاء فحدث بها كذلك، وقد وافق عيسى أيضا عنه عطاف بن خالد لكنه أبهم عباس بن سهل أخرجه الطحاوي أيضا، ويقوي ذلك أن ابن خزيمة أخرج من طريق ابن إسحاق أن عباس بن سهل حدثه فساق الحديث بصفة الفعل أيضا، والله أعلم. قوله: "أنا كنت أحفظكم" زاد
(2/307)

عبد الحميد " قالوا فلم؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له اتباعا - وفي رواية الترمذي إتيانا - ولا أقدمنا له صحبة". وفي رواية عيسى بن عبد الله " قالوا فكيف؟ قال: اتبعت ذلك منه حتى حفظته " زاد عبد الحميد " قالوا فاعرض " وفي روايته عند ابن حبان: "استقبل القبلة ثم قال: الله أكبر"، وزاد فليح عند ابن خزيمة فيه ذكر الوضوء. قوله: "جعل يديه حذو منكبيه" زاد ابن إسحاق " ثم قرأ بعض القرآن " ونحوه لعبد الحميد. قوله: "ثم هصر ظهره" بالهاء والصاد المهملة المفتوحتين، أي ثناه في استواء من غير تقويس ذكره الخطابي. وفي رواية عيسى " غير مقنع رأسه ولا مصوبه " ونحوه لعبد الحميد. وفي رواية فليح عند أبي داود " فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما " ووتر يديه فتجافى عن جنبيه " وله في رواية ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب " وفرج بين أصابعه". قوله: "فإذا رفع رأسه استوى" زاد عيسى عند أبي داود " فقال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد، ورفع يديه"، ونحوه لعبد الحميد وزاد: "حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا". قوله: "حتى يعود كل فقار" الفقار بفتح الفاء والقاف جمع فقارة وهي عظام الظهر، وهي العظام التي يقال لها خرز الظهر قاله القزاز. وقال ابن سيده: هي من الكاهل إلى العجب، وحكى ثعلب عن نوادر بن الأعرابي أن عدتها سبعة عشر. وفي أمالي الزجاج: أصولها سبع غير التوابع وعن الأصمعي: هي خمس وعشرون، سبع في العنق وخمس في الصلب وبقيتها في أطراف الأضلاع، وحكي في المطالع أنه وقع في رواية الأصيلي بفتح الفاء ولابن السكن بكسرها، والصواب بفتحها، وسيأتي ما فيه في آخر الحديث والمراد بذلك كمال الاعتدال. وفي رواية هشيم عن عبد الحميد " ثم يمكث قائما حتى يقع كل عظم موقعه". قوله: "فإذ سجد وضع يديه غير مفترش" أي لهما، ولابن حبان من رواية عتبة بن أبي حكيم عن عباس بن سهل " غير مفترش ذراعيه". قوله: "ولا قابضهما" أي بأن يضمهما إليه. وفي رواية عيسى " فإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء منهما " وفي رواية عتبة المذكورة " ولا حامل بطنه على شيء من فخذيه " وفي رواية عبد الحميد " جافى يديه عن جنبيه " وفي رواية فليح " ونحى يديه عن جنبيه ووضع يديه حذو منكبيه " وفي رواية ابن إسحاق " فاعلو لي على جنبيه وراحتيه وركبتيه وصدور قدميه حتى رأيت بياض إبطيه ما تحت منكبيه، ثم ثبت حتى اطمأن كل عظم منه، ثم رفع رأسه فاعتدل " وفي رواية عبد الحميد " ثم يقول الله أكبر ويرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه " ونحوه في رواية عيسى بلفظ: "ثم كبر فجلس فتورك ونصب قدمه الأخرى ثم كبر فسجد " وهذا يخالف رواية عبد الحميد في صفة الجلوس، ويقوي رواية عبد الحميد ورواية فليح عند ابن حبان بلفظ: "كان إذا جلس بين السجدتين افترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته " أورده مختصرا هكذا في كتاب الصلاة له. وفي رواية ابن إسحاق خلاف الروايتين ولفظه: "فاعتدل على عقبيه وصدور قدميه " فإن لم يحمل على التعدد وإلا فرواية عبد الحميد أرجح. قوله: "فإذا جلس في الركعتين" أي الأوليين ليتشهد. وفي رواية فليح " ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بإصبعه " وفي رواية عيسى بن عبد الله " ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض إلى القيام قام بتكبيرة " وهذا يخالف في الظاهر رواية عبد الحميد حيث قال: "إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه كما كبر عند افتتاح الصلاة " ويمكن الجمع بينهما بأن التشبيه واقع على صفة التكبير لا على محله، ويكون معنى قوله: "إذا قام " أي أراد القيام أو شرع فيه. قوله: "وإذا جلس في الركعة الآخرة الخ" في رواية عبد الحميد " حتى إذا كانت السجدة التي يكون فيها
(2/308)

التسليم " وفي روايته عند ابن حبان: "التي تكون خاتمة الصلاة أخرج رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر " زاد ابن إسحاق في روايته: "ثم سلم " وفي رواية عيسى عند الطحاوي " فلما سلم سلم عن يمينه سلام عليكم ورحمة الله وعن شماله كذلك " وفي رواية أبي عاصم عن عبد الحميد عند أبي داود وغيره: "قالوا - أي الصحابة المذكورون - صدقت، هكذا كان يصلي " وفي هذا الحديث حجة قوية للشافعي ومن قال بقوله في أن هيئة الجلوس في التشهد الأول مغايرة لهيئة الجلوس في الأخير، وخالف في ذلك المالكية والحنفية فقالوا: يسوى بينهما، لكن قال المالكية: يتورك فيهما كما جاء في التشهد الأخير، وعكسه الآخرون. وقد قيل في حكمة المغايرة بينهما أنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد الركعات، ولأن الأول تعقبه حركة بخلاف الثاني، ولأن المسبوق إذا رآه علم قدر ما سبق به، واستدل به الشافعي أيضا على أن تشهد الصبح كالتشهد الأخير من غيره لعموم قوله: "في الركعة الأخيرة"، واختلف فيه قول أحمد، والمشهور عنه اختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان. وفي الحديث من الفوائد أيضا جواز وصف الرجل نفسه بكونه أعلم من غيره إذا أمن الإعجاب وأراد تأكيد ذلك عند من سمعه لما في التعليم والأخذ عن الأعلم من الفضل. وفيه أن " كان " تستعمل فيما مضى وفيما يأتي لقول أبي حميد كنت أحفظكم وأراد استمراره على ذلك أشار إليه ابن التين. وفيه أنه كان يخفى على الكثير من الصحابة بعض الأحكام المتلقاة عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما تذكره بعضهم إذا ذكر. وفي الطرق التي أشرت إلى زيادتها جملة من صفة الصلاة ظاهرة لمن تدبر ذلك وتفهمه. قوله: "وسمع الليث الخ" إعلام منه بأن العنعنة الواقعة في إسناد هذا الحديث بمنزلة السماع، وهو كلام المصنف، ووهم من جزم بأنه كلام يحيى بن بكير، وقد وقع التصريح بتحديث ابن حلحلة ليزيد في رواية ابن المبارك كما سيأتي. قوله: "وقال أبو صالح عن الليث" يعني بإسناده الثاني عن اليزيدين، كذلك وصله الطبراني عن مطلب بن شعيب وابن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ كلاهما عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، ووهم من جزم بأن أبا صالح هنا هو ابن عبد الغفار الحراني. قوله: "كل قفار" ضبط في روايتنا بتقديم القاف على الفاء، وكذا للأصيلي، وعند الباقين بتقديم الفاء كرواية يحيى بن بكير، لكن ذكر صاحب المطالع أنهم كسروا الفاء، وجزم جماعة من الأئمة بأن تقديم القاف تصحيف. وقال ابن التين: لم يتبين لي وجهه. قوله: "وقال ابن المبارك الخ" وصله الجوزقي في جمعه وإبراهيم الحربي في غريبه وجعفر الفريابي في صفة الصلاة كلهم من طريق ابن المبارك بهذا الإسناد، ووقع عندهم بلفظ: "حتى يعود كل فقار مكانه " وهي نحو رواية يحيى بن بكير، ووقع في رواية الكشميهني وحده " كل فقاره " واختلف في ضبطه فقيل بهاء الضمير وقيل بهاء التأنيث أي حتى تعود كل عظمة من عظام الظهر مكانها، والأول معناه حتى يعود جميع عظام ظهره. وأما رواية يحيى بن بكير ففيها إشكال، وكأنه ذكر الضمير لأنه أعاده على لفظ الفقار، والمعنى حتى يعود كل عظام مكانها، أو استعمل الفقار للواحد تجوزا.
(2/309)

باب من لم ير التشهد الأول واجبا لأن النبي سلى اله عليه وسلم قام من الركعتين ولم يرجع
...
146 - باب مَنْ لَمْ يَرَ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ وَاجِبًالِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَرْجِعْ
147- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَالَ مَرَّةً مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ وَهُوَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءة وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ الظَّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ لَم ْ
(2/309)

يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاَةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ "
[الحديث829- أطرافه في : 7381,6328,6265,6230,1202,835]
قوله: "باب من لم ير التشهد الأول واجبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الركعتين ولم يرجع" قال الزين بن المنير: ذكر في هذه الترجمة الحكم ودليله، ولم يثبت الحكم مع ذلك كأن يقول باب لا يجب التشهد الأول، وسببه ما يطرق الدليل المذكور من الاحتمال. وقد أشار إلى معارضته في الترجمة التي تلي هذه حيث أوردها بنظير ما أورد به الترجمة التي بعدها، وفي لفظ حديث الباب فيها ما يشعر بالوجوب حيث قال: "وعليه جلوس " وهو محتمل أيضا، وسيأتي الكلام على حديث التشهد، وورد الأمر بالتشهد الأول أيضا. ووجه الدلالة من حديث الباب أنه لو كان واجبا لرجع إليه لما سبحوا به بعد أن قام كما سيأتي بيانه في الكلام على حديث الباب في أبواب سجود السهو، ويعرف منه أن قول ناصر الدين بن المنير في الحاشية: لو كان واجبا لسبحوا به ولم يسارعوا إلى الموافقة على الترك، غفلة عن الرواية المنصوص فيها على أنهم سبحوا به، قال ابن بطال: والدليل على أن سجود السهو لا ينوب عن الواجب أنه لو نسي تكبيرة الإحرام لم تجبر فكذلك التشهد، ولأنه ذكر لا يجهر به بحال فلم يجب كدعاء الافتتاح، واحتج غيره بتقريره صلى الله عليه وسلم الناس على متابعته بعد أن علم أنهم تعمدوا تركه، وفيه نظر. وممن قال بوجوبه الليث وإسحاق وأحمد في المشهور وهو قول للشافعي. وفي رواية عند الحنفية. واحتج الطبري لوجوبه بأن الصلاة فرضت أولا ركعتين وكان التشهد فيها واجبا فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الواجب. وأجيب بأن الزيادة لم تتعين في الأخيرتين بل يحتمل أن يكونا هما الفرض الأول والمزيد هما الركعتان الأولتان بتشهدهما، ويؤيده استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان، واحتج أيضا بأن من تعمد ترك الجلوس الأول بطلت صلاته، وهذا لا يرد لأن من لا يوجبه لا يبطل الصلاة بتركه. قوله: "التشهد" هو تفعل من تشهد، سمي بذلك لاشتماله على النطق بشهادة الحق تغليبا لها على بقية أذكاره لشرفها. قوله: "حدثني عبد الرحمن بن هرمز" هو الأعرج المذكور في الإسناد الذي بعده. قوله: "مولى بني عبد المطلب وقال مرة" أي الزهري "مولى ربيعة بن الحارث" ولا تنافي بينهما لأنه مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فذكره أولا بجد مواليه الأعلى وثانيا بمولاه الحقيقي. قوله: "أزد شنوءة" بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها مهملة ثم معجمة مفتوحة ثم نون مضمومة وهمزة مفتوحة وزن فعولة قبيلة مشهورة. قوله: "حليف لبني عبد مناف" صواب لأن جده حالف المطلب بن عبد مناف، قاله ابن سعد وغيره، وسيأتي ما فيه في أبواب سجود السهو إن شاء الله تعالى. قوله: "فقام في الركعتين الأوليين لم يجلس" أي للتشهد، ووقع في رواية ابن عساكر: "ولم يجلس " بزيادة واو، وفي صحيح مسلم: "فلم يجلس " بالفاء، وسيأتي في السهو كذلك، قال ابن رشيد: إذا أطلق في الأحاديث الجلوس في الصلاة من غير تقييد فالمراد به جلوس التشهد، وبهذا يظهر وجه مناسبة الحديث للترجمة.
(2/310)

147 - باب التَّشَهُّدِ فِي الأُولَى
830- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ
(2/310)

ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فَقَامَ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ "
قوله: "باب التشهد في الأولى" أي الجلسة الأولى من ثلاثية أو رباعية قال الكرماني: الفرق بين هذه الترجمة والتي قبلها أن الأولى لبيان عدم وجوب التشهد الأول والثانية لبيان مشروعيته أي والمشروعية أعم من الواجب والمندوب قوله: "بكر" هو ابن مضر، وعبد الله بن مالك بن بحينة هو عبد الله بن بحينة المذكور في الإسناد الذي قبله، وبحينة والدة عبد الله على المشهور فينبغي أن تثبت الألف في ابن بحينة إذا ذكر مالك ويعرب إعراب عبد الله. "فائدة": لا خلاف في أن ألفاظ التشهد في الأولى كالتي في الأخيرة، إلا ما روى الزهري عن سالم قال: وكان ابن عمر لا يسلم في التشهد الأول، كان يرى ذلك نسخا لصلاته. قال الزهري: فأما أنا فأسلم، يعني قوله: "السلام عليك أيها النبي - إلى - الصالحين " هكذا أخرجه عبد الرزاق.
(2/311)

148 - باب التَّشَهُّدِ فِي الْآخِرَةِ
832- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ "
[الحديث831 – أطرافه في:7381,6328,6265,6230,1202,835]
قوله: "باب التشهد في الآخرة" أي الجلسة الآخرة، قال ابن رشيد: ليس في حديث الباب تعيين محل القول، لكن يؤخذ ذلك من قوله: "فإذا صلى أحدكم فليقل " فإن ظاهر قوله: "إذا صلى " أي أتم صلاته، لكن تعذر الحمل على الحقيقة لأن التشهد لا يكون بعد السلام، فلما تعين المجاز كان حمله على آخر جزء من الصلاة أولى لأنه هو الأقرب إلى الحقيقة. قلت: وهذا التقرير على مذهب الجمهور في أن السلام جزء من الصلاة، لا أنه للتحلل منها فقط، والأشبه بتصرف البخاري أنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه من تعيين محل القول كما سيأتي قريبا. قوله: "عن شقيق" في رواية يحيى الآتية بعد باب " عن الأعمش حدثني شقيق". قوله: "كنا إذا صلينا" في رواية يحيى المذكورة " كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة " ولأبي داود عن مسدد شيخ البخاري فيه: "إذا جلسنا " ومثله للإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن يحيى، وله من رواية علي بن مسهر، ولابن إسحاق في مسنده عن عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش نحوه. قوله: "قلنا السلام على جبريل" وقع في هذه الرواية اختصار ثبت في رواية يحيى المذكورة وهو " قلنا السلام على الله من عباده " كذا وقع للمصنف فيها، وأخرجه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه فقال: "قبل عباده " وكذا للمصنف في الاستئذان من طريق حفص بن غياث عن الأعمش وهو المشهور في أكثر الروايات
(2/311)

وبهذه الزيادة يتبين موقع قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو السلام " ولفظه في رواية يحيى المذكورة " لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام" . قوله: "السلام على فلان وفلان" في رواية عبد الله بن نمير عن الأعمش عند ابن ماجه يعنون الملائكة، وللإسماعيلي من رواية على بن مسهر " فنعد الملائكة " ومثله للسراج من رواية محمد بن فضيل عن الأعمش بلفظ: "فنعد من الملائكة ما شاء الله". قوله: "فالتفت" ظاهره أنه كلمهم بذلك في أثناء الصلاة، ونحوه في رواية حصين عن أبي وائل وهو شقيق عند المصنف، في أواخر الصلاة بلفظ: "فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قولوا " لكن بين حفص بن غياث في روايته المذكورة المحل الذي خاطبهم بذلك فيه وأنه بعد الفراغ من الصلاة ولفظه: "فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه " وفي رواية عيسى بن يونس أيضا: "فلما انصرف من الصلاة قال". قوله: "إن الله هو السلام" قال البيضاوي ما حاصله: أنه صلى الله عليه وسلم أنكر التسليم على الله وبين أن ذلك عكس ما يجب أن يقال، فإن كل سلام ورحمة له ومنه وهو مالكها ومعطيها. وقال التوربشتي: وجه النهي عن السلام على الله لأنه المرجوع إليه بالمسائل المتعالي عن المعاني المذكورة فكيف يدعى له وهو المدعو على الحالات. وقال الخطابي: المراد أن الله هو ذو السلام فلا تقولوا السلام على الله فإن السلام منه بدأ وإليه يعود، ومرجع الأمر في إضافته إليه أنه ذو السلام من كل آفة وعيب. ويحتمل أن يكون مرجعها إلى حظ العبد فيما يطلبه من السلامة من الآفات والمهالك. وقال النووي: معناه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، يعني السالم من النقائص، ويقال: المسلم أولياء وقيل المسلم عليهم، قال ابن الأنباري أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة وغناه سبحانه وتعالى عنها. قوله: "فإذا صلى أحدكم فليقل" بين حفص في روايته المذكورة محل القول ولفظه: "فإذا جلس أحدكم في الصلاة " وفي رواية حصين المذكورة " إذا قعد أحدكم في الصلاة " وللنسائي من طريق أبي الأحوص عن عبد الله " كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين، وأن محمدا علم فواتح الخير وخواتمه فقال: إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا " وله من طريق الأسود عن عبد الله " فقولوا في كل جلسة " ولابن خزيمة من وجه آخر عن الأسود عن عبد الله " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها " وزاد الطحاوي من هذا الوجه في أوله " وأخذت التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقننيه كلمة كلمة " وللمصنف في الاستئذان من طريق أبي معمر عن ابن مسعود " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن " واستدل بقوله: "فليقل " على الوجوب خلافا لمن لم يقل به كمالك، وأجاب بعض المالكية بأن التسبيح في الركوع والسجود مندوب، وقد وقع الأمر به في قوله صلى الله عليه وسلم لما نزلت: {فسبح باسم ربك العظيم} " اجعلوها في ركوعكم " الحديث فكذلك التشهد، وأجاب الكرماني بأن الأمر حقيقته الوجوب فيحمل عليه إلا إذا دل دليل على خلافه، ولولا الإجماع على عدم وجوب التسبيح في الركوع والسجود لحملناه على الوجوب. انتهى. وفي دعوى هذا الإجماع نظر، فإن أحمد يقول بوجوبه ويقول بوجوب التشهد الأول أيضا، ورواية أبي الأحوص المتقدمة وغيرها تقويه، وقد قدمنا ما فيه قبل بباب، وقد جاء عن ابن مسعود التصريح بفرضية التشهد، وذلك فيما رواه الدار قطني وغيره بإسناد صحيح من طريق علقمة عن ابن مسعود " كنا لا ندري ما نقول قبل أن يفرض علينا التشهد". قوله: "التحيات" جمع تحية ومعناها السلام وقيل البقاء وقيل العظمة وقيل السلامة من الآفات والنقص وقيل الملك. وقال أبو سعيد الضرير: ليست التحية الملك نفسه لكنها الكلام الذي يحيا به الملك.وقال ابن قتيبة: لم يكن يحيا إلا الملك خاصة، وكان لكل ملك تحية تخصه فلهذا جمعت،
(2/312)

فكان المعنى التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقة لله. وقال الخطابي ثم البغوي: ولم يكن في تحياتهم شيء يصلح للثناء على الله، فلهذا أبهمت ألفاظها واستعمل منها معنى التعظيم فقال: قولوا التحيات لله، أي أنواع التعظيم له. وقال المحب الطبري: يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركا بين المعاني المقدم ذكرها، وكونها بمعنى السلام أنسب هنا. قوله: "والصلوات" قيل المراد الخمس، أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة وقيل المراد العبادات كلها، وقيل الدعوات، وقيل المراد الرحمة، وقيل التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية والطيبات الصدقات. قوله: "والطيبات" أي ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به، وقيل الطيبات ذكر الله، وقيل الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء، وقيل الأعمال الصالحة وهو أعم، قال ابن دقيق العيد: إذا حمل التحية على السلام فيكون التقدير التحيات التي تعظم بها الملوك مستمرة لله، وإذا حمل على البقاء فلا شك في اختصاص الله به، وكذلك الملك الحقيقي والعظمة التامة، وإذا حملت الصلاة على العهد أو الجنس كان التقدير أنها لله واجبة لا يجوز أن يقصد بها غيره، وإذا حملت على الرحمة فيكون معنى قوله: "لله " أنه المتفضل بها لأن الرحمة التامة لله يؤتيها من يشاء. وإذا حملت على الدعاء فظاهر، وأما الطيبات فقد فسرت بالأقوال، ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى فتشمل الأفعال والأقوال والأوصاف، وطيبها كونها كاملة خالصة عن الشوائب. وقال القرطبي: قوله: "لله " فيه تنبيه على الإخلاص في العبادة، أي أن ذلك لا يفعل إلا لله، ويحتمل أن يراد به الاعتراف بأن ملك الملوك وغير ذلك مما ذكر كله في الحقيقة لله تعالى. وقال البيضاوي: يحتمل أن يكون والصلوات والطيبات عطفا على التحيات، ويحتمل أن تكون الصلوات مبتدأ وخبره محذوف والطيبات معطوفة عليها والواو الأولى لعطف الجملة على الجملة، والثانية لعطف المفرد على الجملة. وقال ابن مالك: إن جعلت التحيات مبتدأ ولم تكن صفة لموصوف محذوف كان قولك والصلوات مبتدأ لئلا يعطف نعت على منعوته فيكون من باب عطف الجمل بعضها على بعض، وكل جملة مستقلة بفائدتها، وهذا المعنى لا يوجد عند إسقاط الواو. قوله: "السلام عليك أيها النبي" قال النووي: يجوز فيه وفيما بعده أي السلام حذف اللام وإثباتها والإثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين. قلت: لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام، وإنما اختلف ذلك في حديث ابن عباس وهو من أفراد مسلم، قال الطيبي: أصل سلام عليك سلمت سلاما عليك، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره، ثم التعريف إما للعهد التقديري، أي ذلك السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي، وكذلك السلام الذي وجه إلى الأمم السالفة علينا وعلى إخواننا، وإما للجنس والمعنى أن حقيقة السلام الذي يعرفه كل واحد وعمن يصدر وعلى من ينزل عليك وعلينا، ويجوز أن يكون للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى:{وسلام على عباده الذين اصطفى" قال: ولا شك أن هذه التقادير أولى من تقدير النكرة. انتهى. وحكى صاحب الإقليد عن أبي حامد أن التنكير فيه للتعظيم، وهو وجه من وجوه الترجيح لا يقصر عن الوجوه المتقدمة. وقال البيضاوي: علمهم أن يفردوه صلى الله عليه وسلم بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم، ثم علمهم أن يخصصوا أنفسهم أولا لأن الاهتمام بها أهم، ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلاما منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملا لهم. وقال التوربشتي:
ـــــــ
(1)في المخطوطة"العبادات"
(2/313)

السلام بمعنى السلامة كالمقام والمقامة، والسلام من أسماء الله تعالى وضع المصدر موضع الاسم مبالغة، والمعنى أنه سالم من كل عيب وآفة ونقص وفساد، ومعنى قولنا السلام عليك الدعاء أي سلمت من المكاره، وقيل معناه اسم السلام عليك كأنه تبرك عليه باسم الله تعالى. فإن قيل كيف شرع هذا اللفظ وهو خطاب بشر مع كونه منهيا عنه في الصلاة؟ فالجواب أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فإن قيل ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله عليك أيها النبي مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق كأن يقول السلام على النبي فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي ثم إلى تحية النفس ثم إلى الصالحين، أجاب الطيبي بما محصله: نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي كان علمه الصحابة. ويحتمل أن يقال على طريق أهل العرفان: إن المصلين لما استفتحوا باب الملكوت بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت فقرت أعينهم بالمناجاة فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته فالتفتوا فإذا الحبيب في حرم الحبيب حاضر فأقبلوا عليه قائلين: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ا هـ. وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم فيقال بلفظ الخطاب، وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة، وهو مما يخدش في وجه الاحتمال المذكور، ففي الاستئذان من صحيح البخاري من طريق أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهد قال: "وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا السلام " يعني على النبي، كذا وقع في البخاري، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج والجوزقي وأبو نعيم الأصبهاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ: "فلما قبض قلنا السلام على النبي " بحذف لفظ يعني، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم، قال السبكي في شرح المنهاج بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبي عوانة وحده: إن صح هذا عن الصحابة دل على أن الحطاب في السلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم غير واجب فيقال السلام على النبي. قلت: قد صح بلا ريب وقد وجدت له متابعا قويا. قال عبد الرزاق: "أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبي " وهذا إسناد صحيح.وأما ما روى سعيد بن منصور من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد فذكره قال فقال ابن عباس: إنما كنا نقول السلام عليك أيها النبي إذ كان حيا، فقال ابن مسعود: هكذا علمنا وهكذا نعلم، فظاهر أن ابن عباس قاله بحثا وأن ابن مسعود لم يرجع إليه، لكن رواية أبي معمر أصح لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه والإسناد إليه مع ذلك ضعيف، فإن قيل لم عدل عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوة مع أن الوصف بالرسالة أعم في حق البشر؟ أجاب بعضهم بأن الحكمة في ذلك أن يجمع له الوصفين لكونه وصفه بالرسالة في آخر التشهد وإن كان الرسول البشري يستلزم النبوة، لكن التصريح بهما أبلغ. قيل والحكمة في تقديم الوصف بالنبوة أنها كذا وجدت في الخارج لنزول قوله تعالى:{اقرأ باسم ربك" قبل قوله: "يا أيها المدثر قم فأنذر" والله أعلم. قوله: "ورحمة الله" أي إحسانه، "وبركاته" أي زيادته من كل خير. قوله: "السلام علينا" استدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء وفي الترمذي مصححا من حديث أبي بن كعب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه " وأصله في مسلم، ومنه قول نوح وإبراهيم عليهما السلام كما في التنزيل. قوله: "عباد الله الصالحين" الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده وتتفاوت درجاته، قال الترمذي الحكيم: من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبدا صالحا وإلا حرم هذا الفضل العظيم. وقال الفاكهاني: ينبغي

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:49 AM
للمصلي أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين، يعني ليتوافق لفظه مع قصده. قوله: "فإنكم إذا قلتموها" أي " وعلى عباد الله الصالحين " وهو كلام معترض بين قوله الصالحين وبين قوله أشهد الخ، وإنما قدمت للاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عد الملائكة واحدا واحدا ولا يمكن استيعابهم لهم مع ذلك، فعلمهم لفظا يشمل الجميع مع غير الملائكة من النبيين والمرسلين والصديقين وغيرهم بغير مشقة، وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، وإلى ذلك الإشارة بقول ابن مسعود " وأن محمدا علم فواتح الخير وخواتمه " كما تقدم. وقد ورد في بعض طرقه سياق التشهد متواليا وتأخير الكلام المذكور بعد، وهو من تصرف الرواة، وسيأتي في أواخر الصلاة. قوله: "كل عبد لله صالح" استدل به على أن الجمع المضاف والجمع المحلى بالألف واللام يعم، لقوله أولا عباد الله الصالحين ثم قال أصابت كل عبد صالح. وقال القرطبي: فيه دليل على أن جمع التكسير للعموم، وفي هذه العبارة نظر واستدل به على أن للعموم صيغة، قال ابن دقيق العيد: وهو مقطوع به عندنا في لسان العرب وتصرفات ألفاظ الكتاب والسنة، قال: والاستدلال بهذا فرد من أفراد لا تحصى، لا للاقتصار عليه. قوله: "في السماء والأرض" في رواية مسدد عن يحيى " أو بين السماء والأرض " والشك فيه من مسدد، وإلا فقد رواه غيره عن يحيى بلفظ: "من أهل السماء والأرض " وأخرجه الإسماعيلي وغيره. قوله: "أشهد أن لا إله إلا الله" زاد ابن أبي شيبة من رواية أبي عبيدة عن أبيه " وحده لا شريك له " وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ. وفي حديث ابن عمر عند الدار قطني، إلا أن سنده ضعيف. وقد روى أبو داود من وجه آخر صحيح عن ابن عمر في التشهد " أشهد أن لا إله إلا الله " قال ابن عمر: زدت فيها " وحده لا شريك له " وهذا ظاهره الوقف. قوله: "وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" لم تختلف الطرق عن ابن مسعود في ذلك، وكذا هو في حديث أبي موسى وابن عمر وعائشة المذكور وجابر وابن الزبير عند الطحاوي وغيره: "وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: "بينا النبي صلى الله عليه وسلم يعلم التشهد إذ قال رجل: وأشهد أن محمدا رسوله وعبده، فقال عليه الصلاة والسلام: لقد كنت عبدا قبل أن أكون رسولا. قل: عبده ورسوله " ورجاله ثقات إلا أنه مرسل، وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السنن " وأشهد أن محمدا رسول الله " ومنهم من حذف " وأشهد " ورواه ابن ماجه بلفظ ابن مسعود، قال الترمذي: حديث ابن مسعود روي عنه من غير وجه، وهو أصح حديث روي في التشهد والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم. قال: وذهب الشافعي إلى حديث ابن عباس في التشهد. وقال البزار لما سئل عن أصح حديث في التشهد قال: هو عندي حديث ابن مسعود، وروى من نيف وعشرين طريقا، ثم سرد أكثرها وقال: لا أعلم في التشهد أثبت منه ولا أصح أسانيد ولا أشهر رجالا ا هـ. ولا اختلاف بين أهل الحديث في ذلك، وممن جزم بذلك البغوي في شرح السنة، ومن رجحانه أنه متفق عليه دون غيره، وأن الرواة عنه من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره، وأنه نلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم تلقينا فروى الطحاوي من طريق الأسود بن يزيد عنه قال: "أخذت التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقننيه كلمة كلمة " وقد تقدم أن في رواية أبي معمر عنه " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه: "ولابن أبي شيبة وغيره من رواية جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن " وقد وافقه على هذا اللفظ أبو سعيد الخدري وساقه بلفظ ابن مسعود أخرجه الطحاوي، لكن هذا الأخير ثبت مثله في حديث ابن عباس عند مسلم
(2/315)

ورجح أيضا بثبوت الواو في الصلوات والطيبات، وهي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فتكون كل جملة ثناء مستقلا، بخلاف ما إذا حذفت فإنها تكون صفة لما قبلها، وتعدد الثناء في الأول صريح فيكون أولى، ولو قيل إن الواو مقدرة في الثاني، ورجح بأنه ورد بصيغة الأمر بخلاف غيره فإنه مجرد حكاية. ولأحمد من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد وأمره أن يعلمه الناس، ولم ينقل ذلك لغيره، ففيه دليل على مزيته. وقال الشافعي بعد أن أخرج حديث ابن عباس: رويت أحاديث في التشهد مختلفة، وكان هذا أحب إلي لأنه أكملها. وقال في موضع آخر، وقد سئل عن اختياره تشهد ابن عباس: لما رأيته واسعا وسمعته عن ابن عباس صحيحا كان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره، وأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح. ورجحه بعضهم بكونه مناسبا للفظ القرآن في قوله تعالى:{تحية من عند الله مباركة طيبة" وأما من رجحه بكون ابن عباس من أحداث الصحابة فيكون أضبط لما روي، أو بأنه أفقه من رواه، أو بكون إسناد حديثه حجازيا وإسناد ابن مسعود كوفيا وهو مما يرجح به فلا طائل فيه لمن أنصف، نعم يمكن أن يقال إن الزيادة التي في حديث ابن عباس وهي " المباركات " لا تنافي رواية ابن مسعود، ورجح الأخذ بها لكون أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الأخير، وقد اختار مالك وأصحابه تشهد عمر لكونه علمه للناس وهو على المنبر ولم ينكروه فيكون إجماعا، ولفظه نحو حديث ابن عباس إلا أنه قال: "الزاكيات " بدل المباركات وكأنه بالمعنى، لكن أورد على الشافعي زيادة " بسم الله " في أول التشهد، ووقع في رواية عمر المذكورة لكن من طريق هشام بن عروة عن أبيه لا من طريق الزهري عن عروة التي أخرجها مالك أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وغيرهما وصححه الحاكم مع كونه موقوفا، وثبت في الموطأ أيضا عن ابن عمر موقوفا ووقع أيضا في حديث جابر المرفوع تفرد به أيمن بن نابل بالنون ثم الموحدة عن أبي الزبير عنه، وحكم الحفاظ - البخاري وغيره - على أنه أخطأ في إسناده وأن الصواب رواية أبي الزبير عن طاوس وغيره عن ابن عباس. وفي الجملة لم تصح هذه الزيادة. وقد ترجم البيهقي عليها " من استحب أو أباح التسمية قبل التحية " وهو وجه لبعض الشافعية وضعف، ويدل على عدم اعتبارها أنه ثبت في حديث أبي موسى المرفوع في التشهد وغيره: "فإذا قعد أحدكم فليكن أول قوله التحيات لله " الحديث. كذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بسنده. وأخرج مسلم من طريق عبد الرزاق هذه، وقد أنكر ابن مسعود وابن عباس وغيرهما على من زادها أخرجه البيهقي وغيره. ثم إن هذا الاختلاف إنما هو في الأفضل وكلام الشافعي المتقدم يدل على ذلك، ونقل جماعة من العلماء الاتفاق على جواز التشهد بكل ما ثبت، لكن كلام الطحاوي يشعر بأن بعض العلماء يقول بوجوب التشهد المروي عن عمر، وذهب جماعة من محدثي الشافعية كابن المنذر إلى اختيار تشهد ابن مسعود، وذهب بعضهم كابن خزيمة إلى عدم الترجيح، وقد تقدم الكلام عن المالكية أن التشهد مطلقا غير واجب، والمعروف عند الحنفية أنه واجب لا فرض، بخلاف ما يوجد عنهم في كتب مخالفيهم. وقال الشافعي: هو فرض، لكن قال: لو لم يزد رجل على قوله: "التحيات لله سلام عليك أيها النبي الخ " كرهت ذلك له ولم أر عليه إعادة، هذا لفظه في الأم. وقال صاحب الروضة تبعا لأصله: وأما أقل التشهد فنص الشافعي وأكثر الأصحاب إلى أنه. فذكره، لكنه قال: "وأن محمدا رسول الله " قال: ونقله ابن كج والصيدلاني فقالا " وأشهد أن محمدا رسول الله " لكن أسقطا " وبركاته " ا هـ. وقد استشكل جواز حذف " الصلوات " مع ثبوتها في جميع الروايات الصحيحة وكذلك " الطيبات " مع جزم جماعة من الشافعية بأن المقتصر
(2/316)

عليه هو الثابت في جميع الروايات، ومنهم من وجه الحذف بكونهما صفتين كما هو الظاهر من سياق ابن عباس، لكن يعكر على هذا ما تقدم من البحث في ثبوت العطف فيهما في سياق غيره وهو يقتضي المغايرة. "فائدة": قال القفال في فتاويه: ترك الصلاة يضر بجميع المسلمين لأن المصلي يقول: اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات، ولا بد أن يقول في التشهد " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فيكون مقصرا بخدمة الله وفي حق رسوله وفي حق نفسه وفي حق كافة المسلمين، ولذلك عظمت المعصية بتركها. واستنبط منه السبكي أن في الصلاة حقا للعباد مع حق الله، وأن من تركها أخل يحق جميع المؤمنين من مضى ومن يجيء إلى يوم القيامة لوجوب قوله فيها " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين". "تنبيه": ذكر خلف في الأطراف أن في بعض النسخ من صحيح البخاري عقب حديث الباب في التشهد عن أبي نعيم " حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الأعمش ومنصور وحماد عن أبي وائل " وبذلك جزم أبو نعيم في مستخرجه فأخرجه من طريق أبي نعيم عن الأعمش به. ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان به، ثم أخرجه من طريق أبي نعيم عن يوسف بن سليمان وقال: أخرجه البخاري عن أبي نعيم فيما أرى ا هـ. وبذلك جزم المزي في الأطراف، ولم أره في شيء من الروايات التي اتصلت لنا هنا لا عن قبيصة ولا عن أبي نعيم عن سيف، نعم هو في الاستئذان عن أبي نعيم. بهذا الإسناد، والله أعلم.
(2/317)

149 - باب الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلاَمِ
832- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ فَقَالَ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ "
[الحديث832- أطرافه في : 7129,6377,6376,6375,6368,2397,833]
833- وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ "
834- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
[الحديث 834- طرفاه في: 7388,6326]
قوله: "باب الدعاء قبل السلام" أي بعد التشهد، هذا الذي يتبادر من ترتيبه، لكن قوله في الحديث: "كان يدعو في الصلاة " لا تقييد فيه بما بعد التشهد. وأجاب الكرماني فقال: من حيث أن لكل مقام ذكرا مخصوصا فتعين أن
(2/317)

يكون محله بعد الفراغ من الكل ا هـ. وفيه نظر، لأن التعيين الذي ادعاه لا يختص بهذا المحل لورود الأمر بالدعاء في السجود، فكما أن للسجود ذكرا مخصوصا ومع ذلك أمر فيه بالدعاء فكذلك الجلوس في آخر الصلاة له ذكر مخصوص وأمر فيه مع ذلك بالدعاء إذا فرغ منه. وأيضا فإن هذا هو ترتيب البخاري، لكنه مطالب بدليل اختصاص هذا المحل بهذا الذكر، ولو قطع النظر عن ترتيبه لم يكن بين الترجمة والحديث منافاة، لأن قبل السلام يصدق على جميع الأركان، وبذلك جزم الزين بن المنير وأشار إليه النووي، وسأذكر كلامه آخر الباب. وقال ابن دقيق العيد في الكلام على حديث أبي بكر - وهو ثاني حديثي الباب - هذا يقتضي الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعين محله، ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين - السجود أو التشهد - لأنهما أمر فيهما بالدعاء. قلت: والذي يظهر لي أن البخاري أشار إلى ما ورد في بعض الطرق من تعيينه بهذا المحل، فقد وقع في بعض طرق حديث ابن مسعود بعد ذكر التشهد " ثم ليتخير من الدعاء ما شاء " وسيأتي البحث فيه. ثم قد أخرج ابن خزيمة من رواية ابن جريج أخبرني عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان يقول بعد التشهد كلمات يعظمهن جدا. قلت في المثنى كليها؟ قال بل في التشهد الأخير، قلت: ما هي؟ قال: "أعوذ بالله من عذاب القبر " الحديث. قال ابن جريج: أخبرنيه عن أبيه عن عائشة مرفوعا. ولمسلم من طريق محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة مرفوعا: "إذا تشهد أحدكم فليقل " فذكر نحوه. هذه رواية وكيع عن الأوزاعي عنه، وأخرجه أيضا من رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بلفظ: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير " فذكره، وصرح بالتحديث في جميع الإسناد، فهذا فيه تعيين هذه الاستعاذة بعد الفراغ من التشهد، فيكون سابقا على غيره من الأدعية. وما ورد الإذن فيه أن المصلى يتخير من الدعاء ما شاء يكون بعد هذه الاستعاذة وقبل السلام. قوله: "من عذاب القبر" فيه رد على من أنكره، وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى. قوله: "من فتنة المسيح الدجال" قال أهل اللغة: الفتنة الامتحان والاختبار، قال عياض: واستعمالها في العرف لكشف ما يكره ا ه. وتطلق على القتل والإحراق والنميمة وغير ذلك. والمسيح بفتح الميم وتخفيف المهملة المكسورة وآخره حاء مهملة يطلق على الدجال وعلى عيسى بن مريم عليه السلام، لكن إذا أريد الدجال قيد به. وقال أبو داود في السنن: المسيح مثقل الدجال ومخفف عيسى، والمشهور الأول. وأما ما نقل الفربري في رواية المستملي وحده عنه عن خلف بن عامر وهو الهمداني أحد الحفاظ أن المسيح بالتشديد والتخفيف واحد يقال للدجال ويقال لعيسى وأنه لا فرق بينهما بمعنى لا اختصاص لأحدهما بأحد الأمرين فهو رأى ثالث. وقال الجوهري: من قاله بالتخفيف فلمسحه الأرض، ومن قاله بالتشديد فلكونه ممسوح العين. وحكى بعضهم أنه قال بالخاء المعجمة في الدجال ونسب قائله إلى التصحيف. واختلف في تلقيب الدجال بذلك، فقيل: لأنه ممسوح العين، وقيل لأن أحد شقي وجهه خلق ممسوحا لا عين فيه ولا حاجب، وقيل لأنه يمسح الأرض إذا خرج. وأما عيسى فقيل: سمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن، وقيل لأن زكريا مسحه، وقيل لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، وقيل لأنه كأن يمسح الأرض بسياحته، وقيل لأن رجله كانت لا أخمص لها، وقيل للبسه المسوح، وقيل هو بالعبرانية ماشيخا فعرب المسيح، وقيل المسيح الصديق كما سيأتي في التفسير ذكر قائله إن شاء الله تعالى. وذكر شيخنا الشيخ مجد الدين الشيرازي صاحب القاموس أنه جمع في سبب تسمية عيسى بذلك خمسين قولا أوردها في
ـــــــ
(1)ليله: في الاثنين
(2/318)

شرح المشارق. قوله: "فتنة المحيا وفتنة الممات" قال ابن دقيق العيد: فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت. وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قبل ذلك، ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، وقد صح يعني في حديث أسماء الآتي في الجنائز " إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال " ولا يكون مع هذا الوجه متكررا مع قوله: "عذاب القبر " لأن العذاب مرتب عن الفتنة والسبب غير المسبب. وقيل أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر، وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة، وهذا من العام بعد الخاص، لأن عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات، وفتنة الدجال داخلة تحت فتنة المحيا. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن سفيان الثوري أن الميت إذا سئل " من ربك " تراءى له الشيطان فيشير إلى نفسه إني أنا ربك، فلهذا ورد سؤال التثبت له حين يسأل. ثم أخرج بسند جيد إلى عمرو بن مرة " كانوا يستحبون إذا وضع الميت في القبر أن يقولوا: اللهم أعذه من الشيطان".قوله: "والمغرم" أي الدين، يقال غرم بكسر الراء أي أدان.قيل والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز وفيما يجوز ثم يعجز عن أدائه، ويحتمل أن يراد به ما هو أعم من ذلك. وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين. وقال القرطبي: المغرم الغرم، وقد نبه في الحديث على الضرر اللاحق من المغرم، والله أعلم. قوله: "فقال له قائل" لم أقف على اسمه، ثم وجدت في رواية للنسائي من طريق معمر عن الزهري أن السائل عن ذلك عائشة ولفظها " فقلت: يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ الخ". قوله: "ما أكثر" بفتح الراء على التعجب. و قوله: "إذا غرم" بكسر الراء. قوله: "ووعد فأخلف" كذا للأكثر. وفي رواية الحموي " وإذا وعد أخلف " والمراد أن ذلك شأن من يستدين غالبا. قوله: "وعن الزهري" الظاهر أنه معطوف على الإسناد المذكور، فكأن الزهري حدث به مطولا ومختصرا، لكن لم أره في شيء من المسانيد والمستخرجات من طريق شعيب عنه إلا مطولا ورأيته باللفظ المختصر المذكور سندا ومتنا عند المصنف في كتاب الفتن من طريق صالح بن كيسان عن الزهري، وكذلك أخرجه مسلم من طريق صالح. وقد استشكل دعاؤه صلى الله عليه وسلم بما ذكر مع أنه معصوم مغفور له ما تقدم وما تأخر، وأجيب بأجوبة، أحدها: أنه قصد التعليم لأمته، ثانيها: أن المراد السؤال منه لأمته فيكون المعنى هنا أعوذ بك لأمتي، ثالثها: سلوك طريق التواضع وإظهار العبودية وإلزام خوف الله وإعظامه والافتقار إليه وامتثال أمره في الرغبة إليه، ولا يمتنع تكرار الطلب مع تحقيق الإجابة لأن ذلك يحصل الحسنات ويرفع الدرجات، وفيه تحريض لأمته على ملازمة ذلك لأنه إذا كان مع تحقق المغفرة لا يترك التضرع فمن لم يتحقق ذلك أحرى بالملازمة. وأما الاستعاذة من فتنة الدجال مع تحققه أنه لا يدركه فلا إشكال فيه على الوجهين الأولين، وقيل على الثالث: يحتمل أن يكون ذلك قبل تحقيق عدم إدراكه، ويدل عليه قوله في الحديث الآخر عند مسلم: "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه " الحديث، والله أعلم. قوله: "عن أبي الخير" هو اليزني بالتحتانية والزاي المفتوحتين ثم نون، والإسناد كله سوى طرفيه مصريون، وفيه تابعي عن تابعي وهو يزيد عن أبي الخير، وصحابي عن صحابي وهو عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، هذه رواية الليث عن يزيد ومقتضاها أن الحديث من مسند الصديق رضي الله عنه، وأوضح من ذلك رواية أبي الوليد الطيالسي عن الليث فإن لفظه عن أبي بكر قال: "قلت يا رسول الله " أخرجه البراز من طريقه. وخالف عمرو بن الحارث الليث فجعله من مسند عبد الله ابن عمرو ولفظه:
(2/319)

"عن أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: إن أبا بكر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "هكذا رواه ابن وهب عن عمرو، ولا يقدح هذا الاختلاف في صحة الحديث. وقد أخرج المصنف طريق عمرو معلقة في الدعوات وموصولة في التوحيد، وكذلك أخرج مسلم الطريقين طريق الليث وطريق ابن وهب وزاد مع عمرو بن الحارث رجلا مبهما، وبين ابن خزيمة في روايته أنه ابن لهيعة. قوله: "ظلمت نفسي" أي بملابسة ما يستوجب العقوبة أو ينقص الحظ. وفيه أن الإنسان لا يعري عن تقصير ولو كان صديقا: قوله: "ولا يغفر الذنوب إلا أنت" فيه إقرار بالوحدانية واستجلاب للمغفرة، وهو كقوله تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} الآية، فأثنى على المستغفرين وفي ضمن ثنائه عليهم بالاستغفار لوح بالأمر به كما قيل: إن كل شيء أثنى الله على فاعله فهو آمر به، وكل شيء ذم فاعله فهو ناه عنه. قوله: "مغفرة من عندك" قال الطيبي: دل التنكير على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرك كهنه، ووصفه بكونه من عنده سبحانه وتعالى مريدا لذلك العظم لأن الذي يكون من عند الله لا يحيط به وصف. وقال ابن دقيق العيد: يحتمل وجهين، أحدهما الإشارة إلى التوحيد المذكور كأنه قال لا يفعل هذا إلا أنت فافعله لي أنت، والثاني - وهو أحسن - أنه إشارة إلى طلب مغفرة متفضل بها لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره. انتهى. وبهذا الثاني جزم ابن الجوزي فقال: المعنى هب لي المغفرة تفضلا وإن لم أكن لها أهلا بعملي. قوله: "إنك أنت الغفور الرحيم" هما صفتان ذكرتا ختما للكلام على جهة المقابلة لما تقدم، فالغفور مقابل لقوله اغفر لي، والرحيم مقابل لقوله ارحمني، وهي مقابلة مرتبة. وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا استحباب طلب التعليم من العالم، خصوصا في الدعوات المطلوب فها جوامع الكلم. ولم يصرح في الحديث بتعيين محله. وقد تقدم كلام ابن دقيق العيد في ذلك في أوائل الباب الذي قبله، قال: ولعله ترجح كونه فيما بعد التشهد لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل. ونازعه الفاكهاني فقال: الأولى الجمع بينهما في المحلين المذكورين، أي السجود والتشهد. وقال النووي: استدلال البخاري صحيح، لأن قوله: "في صلاتي " يعم جميعها، ومن مظانه هذا الموطن. قلت: ويحتمل أن يكون سؤال أبي بكر عن ذلك كان عند قوله لما علمهم التشهد " ثم ليتخير من الدعاء ما شاء " ومن ثم أعقب المصنف الترجمة بذلك.
(2/320)

150 - باب مَا يُتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ
835- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ الأَعْمَشِ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ قُلْنَا السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ
فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَقُولُوا السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو "
قوله: "باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد، وليس بواجب" يشير إلى أن الدعاء السابق في الباب الذي قبله لا
(2/320)

يجب وإن كان قد ورد بصيغة الأمر كما أشرت إليه، لقوله في آخر حديث التشهد " ثم ليتخير " والمنفي وجوبه يحتمل أن يكون الدعاء الذي لا يجب دعاء مخصوص، وهذا واضح مطابق للحديث، وإن كان التخيير مأمورا به. ويحتمل أن يكون المنفي التخيير، ويحمل الأمر الوارد به على الندب، ويحتاج إلى دليل. قال ابن رشيد: ليس التخيير في آحاد الشيء بدال على عدم وجوبه، فقد يكون أصل الشيء واجبا ويقع التخيير في وصفه. وقال الزين بن المنير: قوله: "ثم ليتخير " وإن كان بصيغة الأمر لكنا كثيرا ما ترد للندب، وادعى بعضهم الإجماع على عدم الوجوب، وفيه نظر، فقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طاوس ما يدل على أنه يرى وجوب الاستعاذة المأمور بها في حديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله، وذلك أنه سأل ابنه: هل قالها بعد التشهد؟ فقال: لا، فأمره أن يعيد الصلاة. وبه قال بعض أهل الظاهر. وأفرط ابن حزم فقال بوجوبها في التشهد الأول أيضا. وقال ابن المنذر: لولا حديث ابن مسعود " ثم ليتخير من الدعاء " لقلت بوجوبها، وقد قال الشافعي أيضا بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، وادعى أبو الطيب الطبري من أتباعه والطحاوي وآخرون أنه لم يسبق إلى ذلك، واستدلوا على ندبيتها بحديث الباب مع دعوى الإجماع، وفيه نظر لأنه ورد عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب. وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود راوي حديث الباب ما يقتضيه، فعند سعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص قال: قال عبد الله يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه بعد. وقد وافق الشافعي أحمد في إحدى الروايتين عنه وبعض أصحاب مالك. وقال إسحق بن راهويه أيضا بالوجوب لكن قال: إن تركها ناسيا رجوت أن يجزئه، فقيل إن له في المسألة قولين كأحمد، وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطا. ومنهم من قيد تفرد الشافعي بكونه عينها بعد التشهد لا قبله ولا فيه حتى لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء التشهد مثلا لم يجزئ عنده. وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى. قوله: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو" زاد أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه: "فيدعو به " ونحوه النسائي من وجه آخر بلفظ: "فليدع به " ولإسحاق عن عيسى عن الأعمش " ثم ليتخير من الدعاء ما أحب " وفي رواية منصور عن أبي وائل عند المصنف في الدعوات " ثم ليتخير من الثناء ما شاء " ونحوه لمسلم بلفظ: "من المسألة " واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة، قال ابن بطال: خالف في ذلك النخعي وطاوس وأبو حنيفة فقالوا: لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن، كذا أطلق هو ومن تبعه عن أبي حنيفة، والمعروف في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت في الحديث، وعبارة بعضهم: ما كان مأثورا، قال قائلهم: والمأثور أعم من أن يكون مرفوعا أو غير مرفوع، لكن ظاهر حديث الباب يرد عليهم، وكلا يرد على قول ابن سيرين: لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة، واستثنى بعض الشافعية ما يقبح في أمر الدنيا، فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل، وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقا لا يجوز، وقد ورد فيما يقال بعد التشهد أخبار من أحسنها ما رواه سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عمير بن سعد قال: "كان عبد الله - يعني ابن مسعود - يعلمنا التشهد في الصلاة ثم يقول: إذا فرغ أحدكم من التشهد فليقل اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم. اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبادك الصالحون. {ربنا آتنا في الدنيا حسنة } الآية. قال ويقول: لم
(2/321)

يدع نبي ولا صالح بشيء إلا دخل في هذا الدعاء. وهذا من المأثور غير مرفوع، وليس هو مما ورد في القرآن. وقد استدل البيهقي بالحديث المتفق عليه " ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به " وبحديث أبي هريرة رفعه: "إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ بالله " الحديث. وفي آخره: "ثم ليدعو لنفسه بما بدا له " هكذا أخرجه البيهقي. وأصل الحديث في مسلم. وهذه الزيادة صحيحة لأنها من الطريق التي أخرجها مسلم.
(2/322)

باب من لم يمسح جهته وأنفه حتى صلى
...
151 - باب مَنْ لَمْ يَمْسَحْ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ حَتَّى صَلَّى
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ رَأَيْتُ الْحُمَيْدِيَّ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لاَ يَمْسَحَ الْجَبْهَةَ فِي الصَّلاَةِ
836- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ "
قوله: "باب من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى" قال الزين بن المنير ما حاصله: ذكر البخاري المستدل ودليله، وكل الأمر فيه لنظر المجتهد هل يوافق الحميدي أو يخالفه، وإنما فعل ذلك لما يتطرق إلى الدليل من الاحتمالات، لأن بقاء أثر الطين لا يستلزم نفي مسح الجبهة، إذ يجوز أن يكون مسحها وبقي الأثر بعد المسح، ويحتمل أن يكون ترك المسح ناسيا أو تركه عامدا لتصديق رؤياه، أو لكونه لم يشعر ببقاء أثر الطين في جبهته، أو لبيان الجواز، أو لأن ترك المسح أولى لأن المسح عمل وإن كان قليلا، وإذا تطرقت هذه الاحتمالات لم ينهض الاستدلال، لا سيما وهو فعل من الجبليات لا من القرب. قوله: "قال أبو عبد الله" هو المصنف، والحميدي هو شيخه المشهور أحد تلامذة الشافعي. قوله: "يحتج بهذا" فيه إشارة إلى أنه يوافقه على ذلك، ومن ثم لم يتعقبه، وقد تقدم ما فيه وأنه إن احتج به على المنع جملة لم يسلم من الاعتراض وأن الترك أولى. قوله: "حدثنا هشام" هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير. قوله: "حتى رأيت أثر الطين" هو محمول على أثر خفيف لا يمنع مباشرة الجبهة للسجود، وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى.
(2/322)

152 - باب التَّسْلِيمِ
837- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا الزهري عن هند بنت الحارث أن أم سلمة رضي الله عنها قالت ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث يسيرا قبل أن يقوم قال بن شهاب فأرى والله أعلم أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم
[الحديث837 –طرفاه في: 850,849]
قوله: "باب التسليم" أي من الصلاة، قيل لم يذكر المصنف حكمه لتعارض الأدلة عنده في الوجوب وعدمه، ويمكن أن يؤخذ الوجوب من حديث الباب حيث جاء فيه: "كان إذا سلم " لأنه يشعر بتحقق مواظبته على ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي " وحديث: "تحليلها التسليم " أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح. أما حديث: "إذا
(2/322)

153 - باب يُسَلِّمُ حِينَ يُسَلِّمُ الإِمَامُ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْتَحِبُّ إِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ أَنْ يُسَلِّمَ مَنْ خَلْفَهُ
838- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ "
قوله: "باب يسلم" أي المأموم "حين يسلم الإمام" قال الزين بن المنير: ترجم بلفظ الحديث، وهو محتمل لأن يكون المراد أنه يبتدئ السلام بعد ابتداء الإمام له، فيشرع المأموم فيه قبل أن يتمه الإمام، ويحتمل أن يكون المراد أن المأموم يبتدئ السلام إذا أتمه الإمام، قال: فلما كان محتملا للأمرين وكل النظر فيه إلى المجتهد. انتهى ويحتمل أن يكون أراد أن الثاني ليس بشرط، لأن اللفظ يحتمل الصورتين، فأيهما فعل المأموم جاز، وكأنه أشار إلى أنه يندب أن لا يتأخر المأموم في سلامه بعد الإمام متشاغلا بدعاء وغيره، ويدل على ذلك ما ذكره عن ابن عمر، والأثر المذكور لم أقف على من وصله، لكن عند ابن أبي شيبة عن ابن عمر ما يعطى معناه. قد تقدم الكلام على حديث عتبان مطولا في أوائل الصلاة، وأورده هنا مختصرا جدا. وفي الباب الذي يليه أتم منه، وكلاهما من طريق عبد الله وهو ابن المبارك.
(2/323)

154 - باب مَنْ لَمْ يَرَ رَدَّ السَّلاَمِ عَلَى الإِمَامِ وَاكْتَفَى بِتَسْلِيمِ الصَّلاَةِ
839- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَزَعَمَ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَ فِي دَارِهِمْ قَالَ سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصارِيَّ ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَ أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ
قوله: "باب من لم يرد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة" أورد فيه حديث عتبان كما ذكرنا، واعتماده فيه على قوله: "ثم سلم وسلمنا حين سلم " فإن ظاهره أنهم سلموا نظير سلامه، وسلامه إما واحدة وهي التي يتحلل
(2/323)

155 - باب الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ
(2/324)

يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ
الحديث 841- طرفه 842]
842- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ
843- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ قَالَ أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا فَقَالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ
[الحديث843-طرفه في :6329]
844- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ أَمْلَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ"
وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهَذَا وَعَنْ الْحَكَمِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنْ وَرَّادٍ بِهَذَا وَقَالَ الْحَسَنُ الْجَدُّ غِنًى "
[الحديث844- أطرافه في: 7292,6615,6473,6330,5975,2408,1477]
قوله: "باب الذكر بعد الصلاة" أورد فيه أولا حديث ابن عباس من وجهين أحدهما أتم من الآخر، وأغرب المزي فجعلهما حديثين، والذي يظهر أنهما حديث واحد كما سنبينه.قوله: "أخبرني عمرو" هو ابن دينار المكي. قوله: "كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيه أن مثل هذا عند البخاري يحكم له بالرفع خلافا لمن شذ ومنع ذلك، وقد وافقه مسلم والجمهور على ذلك، وفيه دليل على جواز الجهر صلى الله عليه وسلم بالذكر عقب الصلاة قال الطبري: فيه الإبانة عن صحة ما كان يفعله بعض الأمراء من التكبير عقب الصلاة، وتعقبه ابن بطال بأنه لم يقف على ذلك عن أحد من
ـــــــ
(1)لو قال " على شرعية الجهر " لكان أصح , والله أعلم
(2/325)

السلف إلا ما حكاه ابن حبيب في " الواضحة " أنهم كانوا يستحبون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيرا عاليا ثلاثا، قال: وهو قديم من شأن الناس. قال ابن بطال: وفي " العتبية " عن مالك أن ذلك محدث. قال: وفي السياق إشعار بأن الصحابة لم يكونوا يرفعون أصواتهم بالذكر في الوقت الذي قال فيه ابن عباس ما قال. قلت: في التقييد بالصحابة نظر، بل لم يكن حينئذ من الصحابة إلا القليل. وقال النووي: حمل الشافعي هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتا يسيرا لأجل تعليم صفة الذكر، لا أنهم داوموا على الجهر به، والمختار أن الإمام والمأموم يخفيان الذكر إلا إن احتيج إلى التعليم. قوله: "وقال ابن عباس" هو موصول بالإسناد المبدأ به صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق به. قوله: "كنت أعلم" فيه إطلاق العلم على الأمر المستند إلى الظن الغالب. قوله: "إذا انصرفوا" أي أعلم انصرافهم بذلك أي برفع الصوت إذا سمعته أي الذكر، والمعنى كنت أعلم بسماع الذكر انصرافهم. قَالَ عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ كَانَ أَبُو مَعْبَدٍ أَصْدَقَ مَوَالِي ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ عَلِيٌّ وَاسْمُهُ نَافِذٌ قوله: "حدثني علي" هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار. قوله: "كنت أعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير" وقع في رواية الحميدي عن سفيان بصيغة الحصر، ولفظه: "ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير " وكذا أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان، واختلف في كون ابن عباس قال ذلك، فقال عياض: الظاهر أنه لم يكن يحضر الجماعة لأنه كان صغيرا ممن لا يواظب على ذلك ولا يلزم به، فكان يعرف انقضاء الصلاة بما ذكر. وقال غيره: يحتمل أن يكون حاضرا في أواخر الصفوف فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم، وإنما كان يعرفه بالتكبير. وقال ابن دقيق العيد: يؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت يسمع من بعد. قوله: "بالتكبير" هو أخص من رواية ابن جريج التي قبلها، لأن الذكر أعم من التكبير، ويحتمل أن تكون هذه مفسرة لذلك فكان المراد أن رفع الصوت بالذكر أي بالتكبير، وكأنهم كانوا يبدءون بالتكبير بعد الصلاة قبل التسبيح والتحميد، وسيأتي الكلام على ذلك في الحديث الذي بعده. قوله: "قال علي" هو ابن المديني المذكور وثبتت هذه الزيادة في رواية المستملي والكشميهني، وزاد مسلم في روايته المذكورة " قال عمرو - يعني ابن دينار - وذكرت ذلك لأبي معبد بعد فأنكره وقال لم أحدثك بهذا. قال عمرو: قد أخبرتنيه قبل ذلك " قال الشافعي بعد أن رواه عن سفيان كأنه نسيه بعد أن حدثه به. انتهى. وهذا يدل على أن مسلما كان يرى صحة الحديث ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلا، ولأهل الحديث فيه تفصيل: قالوا إما أن يجزم برده أو لا، وإذا جزم فإما أن يصرح بتكذيب الراوي عنه أو لا فإن لم يجزم بالرد كأن قال لا أذكره فهو متفق عندهم على قبوله صلى الله عليه وسلم لأن الفرع ثقة والأصل لم يطعن فيه، وإن جزم وصرح بالتكذيب فهو متفق عندهم على رده لأن جزم الفرع بكون الأصل حدثه يستلزم تكذيب الأصل في دعواه أنه كذب عليه، وليس قبول قول أحدهما بأولى من الآخر، وإن جزم بالرد ولم يصرح بالتكذيب فالراجح عندهم قبوله. وأما الفقهاء فاختلفوا: فذهب الجمهور في هذه الصورة إلى القبول، وعن بعض الحنفية ورواية عن أحمد لا يقبل قياسا على الشاهد، وللإمام فخر الدين في هذه المسألة تفصيل نحو ما تقدم وزاد. فإن كان الفرع مترددا في سماعه والأصل جازما بعدمه سقط لوجود التعارض، ومحصل كلامه آنفا أنهما إن تساويا فالرد، وإن رجح أحدهما عمل به، وهذا الحديث من أمثلته، وأبعد من قال إنما نفى أبو
ـــــــ
(1) كذا في الأصلين ولعله " المبدوء به"
(2) في حكاية الإتفاق نظر , فقد حكى المؤلف في النخبة وشرحها والوراق في الأفية اختلاف في ذلك
(2/326)

معبد التحديث ولا يلزم منه نفي الإخبار، وهو الذي وقع من عمرو ولا مخالفة، وترده الرواية التي فيها " فأنكره " ولو كان كما زعم لم يكن هناك إنكار، ولأن الفرق بين التحديث والإخبار إنما حدث بعد ذلك، وفي كتب الأصول حكاية الخلاف في هذه المسألة عن الحنفية. قوله: "عن عبيد الله" هو ابن عمر العمري، وسمي هو مولي أبي بكر بن عبد الرحمن وهما مدنيان، وعبيد الله تابعي صغير، ولم أقف لسمي على رواية عن أحد من الصحابة فهو من رواية الكبير عن الصغير، وهما مدنيان وكذا أبو صالح. قوله: "جاء الفقراء" سمي منهم في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة أبو ذر الغفاري أخرجه أبو داود وأخرجه جعفر الفرياني في كتاب الذكر له من حديث أبي ذر نفسه، وسمي منهم أبو الدرداء عند النسائي وغيره من طرق عنه، ولمسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنهم قالوا: "يا رسول الله " فذكر الحديث، والظاهر أن أبا هريرة منهم. وفي رواية النسائي عن زيد بن ثابت قال: "أمرنا أن نسبح " الحديث كما سيأتي لفظه، وهذا يمكن أن يقال فيه إن زيد بن ثابت كان منهم، ولا يعارضه قوله في رواية ابن عجلان عن سمي عند مسلم: "جاء فقراء المهاجرين " لكون زيد بن ثابت من الأنصار لاحتمال التغليب. قوله: "الدثور" بضم المهملة والمثلثة جمع دثر بفتح ثم سكون هو المال الكثير، و " من " في قوله: "من الأموال " للبيان، ووقع عند الخطابي " ذهب أهل الدور من الأموال " وقال: كذا وقع الدور جمع دار والصواب الدثور. انتهى. وذكر صاحب المطالع عن رواية أبي زيد المروزي أيضا الدور. قوله: "بالدرجات العلى" بضم العين جمع العلياء وهي تأنيث الأعلى، ويحتمل أن تكون حسية، والمراد درجات الجنات، أو معنوية والمراد علو القدر عند الله. قوله: "والنعيم المقيم" وصفه بالإقامة إشارة إلى ضده وهو النعيم العاجل، فإنه قل ما يصفو، وإن صفا فهو بصدد الزوال. وفي رواية محمد بن أبي عائشة المذكورة " ذهب أصحاب الدثور بالأجور " وكذا لمسلم من حديث أبي ذر، زاد المصنف في الدعوات من رواية ورقاء عن سمي " قال كيف ذلك " ونحوه لمسلم من رواية ابن عجلان عن سمي. قوله: "ويصومون كما نصوم" زاد في حديث أبي الدرداء المذكور " ويذكرون كما نذكر " وللبزار من حديث ابن عمر " صدقوا تصديقنا، وآمنوا إيماننا". قوله: "ولهم فضل أموال" كذا للأكثر بالإضافة. وفي رواية الأصيلي: "فضل الأموال " وللكشميهني: "فضل من أموال". قوله: "يحجون بها" أي ولا نحج، يشكل عليه ما وقع في رواية جعفر الفريابي من حديث أبي الدرداء " ويحجون كما نحج " ونظيره ما وقع هنا " ويجاهدون " ووقع في الدعوات من رواية ورقاء عن سمي: "وجاهدوا كما جاهدنا " لكن الجواب عن هذا الثاني ظاهر وهو التفرقة بين الجهاد الماضي فهو الذي اشتركوا فيه وبين الجهاد المتوقع فهو الذي تقدر عليه أصحاب الأموال غالبا. ويمكن أن يقال مثله في الحج، ويحتمل أن يقرأ: { يحجون بها " بضم أوله من الرباعي أي يعينون غيرهم على الحج بالمال. قوله: "ويتصدقون" عند مسلم من رواية ابن عجلان عن سمي " ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق". قوله: "فقال ألا أحدثكم بما إن أخذتم به" في رواية الأصيلي: "بأمر إن أخذتم " وكذا للإسماعيلي، وسقط قوله: "بما " من أكثر الروايات، وكذا قوله: "به " وقد فسر الساقط في الرواية الأخرى. وفي رواية مسلم: "أفلا أعلمكم شيئا " وفي رواية أبي داود " فقال يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات تقولهن". قوله: "أدركتم من سبقكم" أي من أهل الأموال الذين امتازوا عليكم بالصدقة، والسبقية هنا يحتمل أن تكون معنوية وأن تكون حسية، قال الشيخ تقي الدين: والأول أقرب وسقط قوله: "من سبقكم " من رواية الأصيلي. قوله: "وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم" بفتح النون وسكون
(2/327)

التحتانية. وفي رواية كريمة وأبي الوقت ظهرانيه بالإفراد، وكذا للإسماعيلي. وعند مسلم من رواية ابن عجلان " ولا يكون أحد أفضل منكم " قيل ظاهره يخالف ما سبق لأن الإدراك ظاهره المساواة، وهذا ظاهره الأفضلية. وأجاب بعضهم بأن الإدراك لا يلزم منه المساواة فقد يدرك ثم يفوق، وعلى هذا فالتقرب بهذا الذكر راجح على التقرب بالمال. ويحتمل أن يقال: الضمير في كنتم للمجموع من السابق والمدرك، وكذا قوله: "إلا من عمل مثل عملكم " أي من الفقراء فقال الذكر، أو من الأغنياء فتصدق، أو أن الخطاب للفقراء خاصة لكن يشاركهم الأغنياء في الخيرية المذكورة فيكون كل من الصنفين خيرا ممن لا يتقرب بذكر ولا صدقة، ويشهد له قوله في حديث ابن عمر عند البزار " أدركتم مثل فضلهم " ولمسلم في حديث أبي ذر " أو ليس قد جعل لكم ما تتصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة " الحديث. واستشكل تساوي فضل هذا الذكر بفضل التقرب بالمال مع شدة المشقة فيه، وأجاب الكرماني بأنه لا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حالة، واستدل لذلك بفضل كلمة الشهادة مع سهولتها على كثير من العبادات الشاقة. قوله: "وتسبحون وتحمدون وتكبرون" كذا وقع في أكثر الأحاديث تقديم التسبيح على التحميد وتأخير التكبير. وفي رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد خاصة، وفيه أيضا قول أبي صالح " يقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله " ومثله لأبي داود من حديث أم الحكم، وله من حديث أبي هريرة " تكبر وتحمد وتسبح " وكذا في حديث ابن عمر. وهذا الاختلاف دال على أن لا ترتيب فيها، ويستأنس لذلك بقوله في حديث الباقيات الصالحات " لا يضرك بأيهن بدأت " لكن يمكن أن يقال: الأولى البداءة بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائض عن الباري سبحانه وتعالى، ثم التحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال له، إذ لا يلزم من نفي النقائض إثبات الكمال. ثم التكبير إذ لا يلزم من نفي النقائض وإثبات الكمال أن يكون صلى الله عليه وسلم هناك كبير آخر. ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده سبحانه وتعالى بجميع ذلك. قوله: "خلف كل صلاة" هذه الرواية مفسرة للرواية التي عند المصنف في الدعوات وهي قوله: "دبر كل صلاة " ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر " أثر كل صلاة " وأما رواية: "دبر " فهي بضمتين، قال الأزهري: دبر الأمر يعني بضمتين ودبره يعني بفتح ثم سكون: آخره. وادعى أبو عمرو الزاهد أنه لا يقال بالضم إلا للجارحة، ورد بمثل قولهم أعتق غلامه عن دبر، ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة، فلو تأخر ذلك عن الفراع فإن كان يسيرا بحيث لا يعد معرضا أو كان ناسيا أو متشاغلا بما ورد أيضا بعد الصلاة كآيه الكرسي فلا يضر، وظاهر قوله: "كل صلاة " يشمل الفرض والنفل، لكن حمله أكثر العلماء على الفرض، وقد وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة، وكأنهم حملوا المطلقات عليها، وعلى هذا هل يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فاصلا بين المكتوبة والذكر أو لا؟ محل النظر، والله أعلم. قوله: "ثلاثا وثلاثين" يحتمل أن يكون المجموع للجميع فإذا وزع كان لكل واحد إحدى عشرة، وهو الذي فهمه سهيل بن أبي صالح كما رواه مسلم من طريق روح بن القاسم عنه، لكن لم يتابع سهيل على ذلك، بل لم أر في شيء من طرق الحديث كلها التصريح بإحدى عشرة إلا في حديث ابن عمر عند البزار وإسناده ضعيف، والأظهر أن المراد أن المجموع لكل فرد فرد، فعلى هذا ففيه تنازع أفعال في ظرف ومصدر والتقدير تسبحون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدون وتكبرون كذلك. قوله: "فاختلفنا بيننا" ظاهره أن أبا هريرة هو
ـــــــ
(1)كذا في الأصلين والصواب " أن لايكون"
(2/328)

القائل، وكذا قوله: "فرجعت إليه " وأن الذي رجع أبو هريرة إليه هو النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالخلاف في ذلك وقع بين الصحابة، لكن بين مسلم في رواية ابن عجلان عن سمي أن القائل " فاختلفنا " هو سمي، وأنه هو الذي رجع إلى أبي صالح، وأن الذي خالفه بعض أهله ولفظه: "قال سمي: فحدثت بعض أهل هذا الحديث، قال: وهمت، فذكر كلامه. قال: فرجعت إلى أبي صالح " وعلى رواية مسلم اقتصر صاحب العمدة، لكن لم يوصل مسلم هذه الزيادة، فإنه أخرج الحديث عن قتيبة عن الليث عن ابن عجلان ثم قال: زاد غير قتيبة في هذا الحديث عن الليث، فذكرها. والغير المذكور يحتمل أن يكون شعيب بن الليث أو سعيد بن أبي مريم، فقد أخرجه أبو عوانة في مستخرجه عن الربيع بن سليمان عن شعيب، وأخرجه الجوز في والبيهقي من طريق سعيد، وتبين بهذا أن في رواية عبيد الله بن عمر عن سمي في حديث الباب إدراجا، وقد روى ابن حبان هذا الحديث من طريق المعتمر بن سليمان بالإسناد المذكور فلم يذكر قوله: "فاختلفنا الخ". قوله: "ونكبر أربعا وثلاثين" هو قول بعض أهل سمي كما تقدم التنبيه عليه من رواية مسلم، وقد تقدم احتمال كونه من كلام بعض الصحابة، وقد جاء مثله في حديث أبي الدرداء عند النسائي، وكذا عنده من حديث ابن عمر بسند قوي، ومثله لمسلم من حديث كعب بن عجرة، ونحوه لابن ماجه من حديث أبي ذر لكن شك بعض رواته في أنهن أربع وثلاثون، ويخالف ذلك ما في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة عند أبي داود ففيه: "ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ"، وكذا لمسلم في رواية عطاء بن يزيد عن أبي هريرة، ومثله لأبي داود في حديث أم الحكم، ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر، قال النووي: ينبغي أن يجمع بين الروايتين بأن يكبر أربعا وثلاثين ويقول معها لا إله إلا الله وحده الخ. وقال غيره: بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة بلا إله إلا الله على وفق ما وردت به الأحاديث. قوله: "حتى يكون منهن كلهن" بكسر اللام تأكيدا للضمير المجرور. قوله: "ثلاث وثلاثون" بالرفع وهو اسم كان. وفي رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت " ثلاثا وثلاثين " وتوجه بأن اسم كان محذوف والتقدير حتى بكون العدد منهن كلهن ثلاثا وثلاثين. وفي قوله: "منهن كلهن " الاحتمال المتقدم: هل العدد للجميع أو المجموع. وفي رواية ابن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع لكن يقول ذلك مجموعا، وهذا اختيار أبي صالح. لكن الرواية الثابتة عن غيره الإفراد، قال عياض: وهو أولى. ورجح بعضهم الجمع للإتيان فيه بواو العطف والذي يظهر أن كلا من الأمرين حسن، إلا أن الإفراد يتميز بأمر آخر وهو أن الذاكر يحتاج إلى العدد، وله على كل حركة لذلك - سواء كان بأصابعه أو بغيرها - ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث. "تنبيهان": الأول وقع في رواية ورقاء عن سمي عند المصنف في الدعوات في هذا الحديث: "تسبحون عشرا وتحمدون عشرا وتكبرون عشرا، ولم أقف في شيء من طرق حديث أبي هريرة على من تابع ورقاء على ذلك لا عن سمي ولا عن غيره، ويحتمل أن يكون تأول ما تأول سهيل من التوزيع، ثم ألغى الكسر. ويعكر عليه أن السياق صريح في كونه كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وجدت لرواية العشر شواهد: منها عن علي عند أحمد، وعن سعد بن أبي وقاص عند النسائي، وعن عبد الله بن عمرو عنده، وعن أبي داود والترمذي، وعن أم سلمة عند البزار، وعن أم مالك الأنصارية عند الطبراني. وجمع البغوي في " شرح السنة " بين هذا الاختلاف باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات متعددة أولها عشرا عشرا ثم إحدى عشرة إحدى عشرة ثم ثلاثا وثلاثين ثلاثا وثلاثين، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل التخيير، أو يفترق بافتراق الأحوال. وقد جاء من حديث زيد بن ثابت وابن عمر " أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم
(2/329)

أن يقولوا كل ذكر منها خمسا وعشرين ويزيدوا فيها لا إله إلا الله خمسا وعشرين " ولفظ زيد بن ثابت " أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين، فأتى رجل في منامه فقيل له: أمركم محمد أن تسبحوا - فذكره - قال: نعم قال: اجعلوها خمسا وعشرين، واجعلوا فيها التهليل. فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال: فافعلوه " أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان، ولفظ ابن عمر " رأى رجل من الأنصار فيما يرى النائم - فذكر نحوه وفيه - فقيل له سبح خمسا وعشرين واحمد خمسا وعشرين وكبر خمسا وعشرين وهلل خمسا وعشرين فتلك مائة. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعلوا كما قال: "أخرجه النسائي وجعفر الفريابي.واستنبط من هذا أن مراعاة العدد المخصوص في الأذكار معتبرة وإلا لكان يمكن أن يقال لهم: أضيفوا لها التهليل ثلاثا وثلاثين. وقد كان بعض العلماء يقول: إن الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد، قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي: وفيه نظر، لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على الإتيان به فحصل له الثواب بذلك، فإذا زاد عليه من جنسه كيف تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله؟ ا هـ. ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية، فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم أتى بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا لا محالة، وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلا فرتبه هو على مائة فيتجه القول الماضي. وقد بالغ القرافي في القواعد فقال: من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعا، لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئا أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه مسيئا للأدب ا هـ. وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلا فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به، فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع. ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع الموالاة لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة خاصة تفوت بفواتها، والله أعلم. "التنبيه الثاني": زاد مسلم في رواية ابن عجلان عن سمي " قال أبو صالح فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلناه ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " ثم ساقه مسلم من رواية روح بن القاسم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة فذكر طرفا منه ثم قال بمثل حديث قتيبة، قال: إلا أنه أدرج في حديث أبي هريرة قول أبي صالح: فرجع فقراء المهاجرين. قلت: وكذا رواه أبو معاوية عن سهيل مدرجا أخرجه جعفر الفريابي، وتبين بهذا أن الزيادة المذكورة مرسلة، وقد روى الحديث البزار من حديث ابن عمر وفيه: "فرجع الفقراء " فذكره موصولا لكن قد قدمت أن إسناده ضعيف. ورواه جعفر الفريابي من رواية حرام بن حكيم وهو بحاء وراء مهملتين عن أبي ذر وقال فيه: "فقال أبو ذر: يا رسول الله إنهم قد قالوا مثل ما نقول. فقال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " ونقل الخطيب أن حرام بن حكيم يرسل الرواية عن أبي ذر، فعلى هذا لم يصح بهذه الزيادة إسناد، إلا أن هذين الطريقين يقوي بهما مرسل أبي صالح. قال ابن بطال عن المهلب: في هذا الحديث فضل الغني نصا لا تأويلا، إذا استوت أعمال الغني والفقير فيما افترض الله عليهما، فللغني حينئذ فضل عمل البر من الصدقة ونحوها مما لا سبيل للفقير إليه. قال: ورأيت بعض المتكلمين ذهب إلى أن هذا الفضل يخص الفقراء دون غيرهم، أي الفضل المترتب على الذكر المذكور، وغفل
(2/330)

عن قوله في نفس الحديث: "إلا من صنع مثل ما صنعتم " فجعل الفضل لقائله كائنا من كان. وقال القرطبي: تأول بعضهم قوله: "ذلك فضل الله يؤتيه " بأن قال: الإشارة راجعة إلى الثواب المترتب على العمل الذي يحصل به التفضيل عند الله، فكأنه قال: ذاك الثواب الذي أخبرتكم به لا يستحقه أحد بحسب الذكر ولا بحسب الصدقة، وإنما هو بفضل الله. قال: وهذا التأويل فيه بعد، ولكن اضطره إليه ما يعارضه. وتعقب بأن الجمع بينه وبين ما يعارضه ممكن من غير احتياج إلى التعسف. وقال ابن دقيق العيد: ظاهر الحديث القريب من النص أنه فضل الغني، وبعض الناس تأوله بتأويل مستكره كأنه يشير إلى ما تقدم. قال: والذي يقتضيه النظر أنهما إن تساويا وفضلت العبادة المالية أنه يكون الغني أفضل، وهذا لا شك فيه، وإنما النظر إذا تساويا وانفرد كل منهما بمصلحة ما هو فيه أيهما أفضل؟ إن فسر الفضل بزيادة الثواب فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة فيترجح الغني، وإن فسر بالإشراف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل لها من التطهير بسبب الفقر أشرف فيترجح الفقر، ومن ثم ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر. وقال القرطبي: للعلماء في هذه المسألة خمسة أقوال، ثالثها الأفضل الكفاف، رابعها يختلف باختلاف الأشخاص، خامسها التوقف. وقال الكرماني: قضية الحديث أن شكوى الفقر تبقى بحالها. وأجاب بأن مقصودهم كان تحصيل الدرجات العلا والنعيم المقيم لهم أيضا لا نفي الزيادة عن أهل الدثور مطلقا ا هـ. والذي يظهر أن مقصودهم إنما كان طلب المساواة. ويظهر أن الجواب وقع قبل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن متمني الشيء يكون شريكا لفاعله في الأجر كما سبق في كتاب العلم في الكلام على حديث ابن مسعود الذي أوله " لا حسد إلا في اثنتين " فإن في رواية الترمذي من وجه آخر التصريح بأن المنفق والمتمني إذا كان صادق النية في الأجر سواء، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء " فإن الفقراء في هذه القصة كانوا السبب في تعلم الأغنياء الذكر المذكور، فإذا استووا معهم في قوله امتاز الفقراء بأجر السبب مضافا إلى التمني، فلعل ذلك يقاوم التقرب بالمال، وتبقى المقايسة بين صبر الفقير على شظف العيش وشكر الغني على التنعم بالمال، ومن ثم وقع التردد في تفضيل أحدهما على الآخر، وسيكون لنا عودة إلى ذلك في الكلام على حديث: "الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر " في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى.
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن العالم إذا سئل عن مسألة يقع فيها الخلاف أن يجيب بما يلحق به المفضول درجة الفاضل، ولا يجيب بنفس، الفاضل لئلا يقع الخلاف، كذا قال ابن بطال، وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله: "ألا أدلكم على أمر تساوونهم فيه: "وعدل عن قوله نعم هم أفضل منكم بذلك.
وفيه التوسعة في الغبطة، وقد تقدم تفسيرها في كتاب العلم، والفرق بينها وبين الحسد المذموم.
وفيه المسابقة إلى الأعمال المحصلة للدرجات العالية لمبادرة الأغنياء إلى العمل بما بلغهم، ولم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم فيؤخذ منه أن قوله: "إلا من عمل " عام للفقراء والأغنياء خلافا لمن أوله بغير ذلك.
وفيه أن العمل السهل قد يدرك به صاحبه فضل العمل الشاق.
وفيه فضل الذكر عقب الصلوات، واستدل به البخاري على فضل الدعاء عقيب الصلاة كما سيأتي في الدعوات لأنه في معناها، ولأنها أوقات فاضلة يرتجى فيها إجابة الدعاء.
وفيه أن العمل القاصر قد يساوي المتعدي خلافا لمن قال إن المتعدي أفضل مطلقا، نبه على ذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام.
قوله: "حدثنا سفيان" هو الثوري، ورجال الإسناد كلهم كوفيون إلا محمد بن يوسف وهو الفريابي.
قوله: "عن وراد" في رواية معتمر بن سليمان عن سفيان عند الإسماعيلي: "حدثني
(2/331)

وراد". قوله: "أملى علي المغيرة" أي ابن شعبة "في كتاب إلى معاوية" كان المغيرة إذ ذاك أميرا على الكوفة من قبل معاوية وسيأتي في الدعوات من وجه آخر عن وراد بيان السبب في ذلك، وهو أن معاوية كتب إليه: اكتب لي بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي القدر من رواية عبدة بن أبي لبابة عن وراد قال: "كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إلى ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة". قد قيدها في رواية الباب بالمكتوبة فكأن المغيرة فهم ذلك من قرينة في السؤال واستدل به على العمل بالمكاتبة وإجرائها مجرى والسماع في الرواية ولو لم تقترن بالإجازة. وعلى الاعتماد على خبر الشخص الواحد. وسيأتي في القدر في آخره أن ورادا قال: "ثم وفدت بعد علي معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك " وزعم بعضهم أن معاوية كان قد سمع الحديث المذكور، وإنما أراد استثبات المغيرة واحتج بما في الموطأ من وجه آخر عن معاوية أنه كان يقول على المنبر " أيها الناس، إنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، ولا ينفع ذا الجد منه الجد. من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. ثم يقول: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد". قوله: "له لملك وله الحمد" زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة " يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير - إلى - قدير " ورواته موثقون. وثبت مثله عند البزار من حديث عبد الرحمن ابن عوف بسند ضعيف، لكن في القول إذا أصبح وإذا أمسى. قوله: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" قال الخطابي: الجد الغني ويقال الحظ، قال: و " من " في قوله: "منك " بمعنى البدل، قال الشاعر:
فليت لنا من ماء زمزم شربة ... مبردة باتت على الطهيان
يريد ليت لنا بدل ماء زمزم ا ه. وفي الصحاح: معنى " منك " هنا عندك، أي لا ينفع ذا الغنى عندك غناه، إنما ينفعه العمل الصالح. وقال ابن التين: الصحيح عندي أنها ليست بمعنى البدل ولا عند، بل هو كما تقول: ولا ينفعك مني شيء إن أنا أردتك بسوء. ولم يظهر من كلامه معنى، ومقتضاه أنها بمعنى عند أو فيه حذف تقديره من قضائي أو سطوتي أو عذابي. واختار الشيخ جمال الدين في المغني الأول، قال ابن دقيق العيد: قوله منك يجب أن يتعلق بينفع، وينبغي أن يكون ينفع قد ضمن معنى يمنع وما قاربه، ولا يجوز أن يتعلق منك بالجد كما يقال حظي منك كثير لأن ذلك نافع ا ه. والجد مضبوط في جميع الروايات بفتح الجيم ومعناه الغني كما نقله المصنف عن الحسن، أو الحظ. وحكى الراغب أن المراد به هنا أبو الأب، أي لا ينفع أحدا نسبه. قال القرطبي: حكى عن أبي عمرو الشيباني أنه رواه بالكسر وقال: معناه لا ينفع ذا الاجتهاد اجتهاده. وأنكره الطبري. وقال القزاز في توجيه إنكاره: الاجتهاد في العمل نافع لأن الله قد دعا الخلق إلى ذلك، فكيف لا ينفع عنده؟ قال: فيحتمل أن يكون المراد أنه لا ينفع الاجتهاد في طلب الدنيا وتضييع أمر الآخرة. وقال غيره: لعل المراد أنه لا ينفع بمجرده ما لم يقارنه القبول، وذلك لا يكون إلا بفضل الله ورحمته، كما تقدم في شرح قوله: "لا يدخل أحدا منكم الجنة عمله " وقيل المراد على رواية الكسر السعي التام في الحرص أو الإسراع في الهرب. قال النووي: الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه بالفتح وهو الحظ في الدنيا بالمال أو الولد أو العظمة أو السلطان، والمعنى لا ينجيه حظه منك، وإنما ينجيه فضلك ورحمتك. وفي الحديث استحباب هذا الذكر عقب الصلوات لما اشتمل عليه من ألفاظ التوحيد
ـــــــ
(1) في طبعة بولاق "على الظمآن" والتصحيح من لسان العرب ( مادة طهي ) ومن مخطوطة الرياض

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:52 AM
ونسبة الأفعال إلى الله والمنع والإعطاء وتمام القدرة، وفيه المبادرة إلى امتثال السنن وإشاعتها. "فائدة": اشتهر على الألسنة في الذكر المذكور زيادة " ولا راد لما قضيت " وهي في مسند عبد ابن حميد من رواية معمر عن عبد الملك بن عمير بهذا الإسناد، لكن حذف قوله: "ولا معطي لما منعت " ووقع عند الطبراني تاما من وجه آخر كما سنذكره في كتاب القدر إن شاء الله تعالى. ووقع عند أحمد والنسائي وابن خزيمة من طريق هشيم عن عبد الملك بالإسناد المذكور أنه كان يقول الذكر المذكور أو لا ثلاث مرات. قوله: "وقال شعبة عن عبد الملك بن عمير بهذا" وصله السراج في مسنده، والطبراني في الدعاء، وابن حبان من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة ولفظه عن عبد الملك بن عمير " سمعت ورادا كاتب المغيرة بن شعبة أن المغيرة كتب إلى معاوية " فذكره. وفي قوله: "كتب " تجوز لما تبين من رواية سفيان وغيره أن الكاتب هو وراد، لكنه كتب بأمر المغيرة وإملائه عليه. وعند مسلم من رواية عبدة عن وراد قال: "كتب المغيرة إلى معاوية، كتب ذلك الكتاب له وراد " فجمع بين الحقيقة والمجاز. قوله: "وقال الحسن جد غني" الأولى في قراءة هذا الحرف أن يقرأ بالرفع بغير تنوين على الحكاية، ويظهر ذلك من لفظ الحسن، فقد وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي رجاء وعبد بن حميد من طريق سليمان التيمي كلاهما عن الحسن في قوله تعالى: {وأنه تعالى جد ربنا} قال: غنى ربنا. وعادة البخاري إذا وقع في الحديث لفظة غريبة وقع مثلها في القرآن يحكي قول أهل التفسير فيها وهذا منها. ووقع في رواية كريمة: "قال الحسن الجد غني " وسقط هذا الأثر من أكثر الروايات. قوله: "وعن الحكم" هكذا وقع في رواية أبي ذر التعليق عن الحكم مؤخرا عن أثر الحسن. وفي رواية كريمة بالعكس وهو الأصوب، لأن قوله وعن الحكم معطوف على قوله عن عبد الملك، فهو من رواية شعبة عن الحكم أيضا، وكذلك أخرجه السراج والطبراني وابن حبان بالإسناد المذكور إلى شعبة ولفظه كلفظ عبد الملك إلا أنه قال فيه: "كان إذا قضى صلاته وسلم قال: "فذكره، ووقع نحو هذا التصريح لمسلم من طريق المسيب بن رافع عن وراد به.
(2/333)

156 - باب يَسْتَقْبِلُ الإِمَامُ النَّاسَ إِذَا سَلَّمَ
845- حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا أبو رجاء عن سمرة بن جندب قال ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه
[الحديث"845- أطرافه في: 7047,6096,4674,3354,2125,2791,2085,1386,1143]
846- حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد الجهني أنه قال ثم صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال أصبح من عبادي مؤمن وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب "
[الحديث846- 7503,4147,1038]
(2/333)

847- حدثنا عبد الله سمع يزيد قال أخبرنا حميد عن أنس قال ثم أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ذات ليلة إلى شطر الليل ثم خرج علينا فلما صلى أقبل علينا بوجهه فقال إن الناس قد صلوا ورقدوا وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة"
قوله: "باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم" أورد فيه ثلاثة أحاديث: أحدها حديث سمرة بن جندب، وسيأتي مطولا في أواخر الجنائز، ثانيها حديث زيد بن خالد الجهني، وسيأتي في كتاب الاستسقاء. ثالثها: حديث أنس، وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت وفي فضل انتظار الصلاة من أبواب الجماعة. والأحاديث الثلاثة مطابقة لما ترجم له، وأصرحها حديث زيد بن خالد حيث قال فيه: "فلما انصرف " وأما قوله في حديث سمرة " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه " فالمعنى إذا صلى صلاة ففرغ منها أقبل علينا، لضرورة أنه لا يتحول عن القبلة قبل فراغ الصلاة. وقوله في حديث أنس " فلما صلى أقبل " يأتي فيه نحو ذلك، وسياق سمرة ظاهره أنه كان يواظب على ذلك. قيل الحكمة في استقبال المأمومين أن يعلمهم ما يحتاجون إليه، فعلى هذا يختص بمن كان في مثل حاله صلى الله عليه وسلم من قصد التعليم والموعظة. وقيل الحكمة فيه تعريف الداخل بأن الصلاة انقضت، إذ لو استمر الإمام على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلا. وقال الزين بن المنير: استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة، فإذا انقضت الصلاة زال السبب، فاستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين، والله أعلم.
(2/334)

157 - باب مُكْثِ الإِمَامِ فِي مُصَلاَهُ بَعْدَ السَّلاَمِ
848- وَقَالَ لَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةَ وَفَعَلَهُ الْقَاسِمُ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لاَ يَتَطَوَّعُ الإِمَامُ فِي مَكَانِهِ وَلَمْ يَصِحَّ
849- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَنُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِكَيْ يَنْفُذَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ النِّسَاءِ "
850- وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ قَالَ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مِنْ صَوَاحِبَاتِهَا قَالَتْ كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَتْنِي هِنْدُ الْفِرَاسِيَّةُ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ الْفِرَاسِيَّةُ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْقُرَشِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ وَكَانَتْ تَحْتَ مَعْبَدِ بْنِ الْمِقْدَادِ وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ الْقُرَشِيَّةُ وَقَالَ ابْنُ
(2/334)

أَبِي عَتِيقٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ الْفِرَاسِيَّةِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَدَّثَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام" أي وبعد استقبال القوم، فيلائم ما تقدم ثم أن المكث لا يتقيد بحال من ذكر أو دعاء أو تعليم أو صلاة نافلة، ولهذا ذكر في الباب مسألة تطوع الإمام في مكانه. قوله: "وقال لنا آدم الخ" هو موصول، وإنما عبر يقوله: "قال لنا " لكونه موقوفا مغايرة بينه وبين المرفوع، هذا الذي عرفته بالاستقراء من صنيعه. وقيل إنه لا يقول ذلك إلا فيما حمله مذاكرة، وهو محتمل لكنه ليس بمطرد، لأني وجدت كثيرا مما قال فيه: "قال لنا " في الصحيح قد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة " حدثنا " وقد روى ابن أبي شيبة أثر ابن عمر من وجه آخر عن أيوب عن نافع قال: "كان ابن عمر يصلي سبحته مكانه". قوله: "وفعله القاسم" أي ابن محمد بن أبي بكر الصديق، وقد وصله ابن أبي شيبة عن معتمر عن عبيد الله بن عمر قال: "رأيت القاسم وسالما يصليان الفريضة ثم يتطوعان في مكانهما". قوله: "ويذكر عن أبي هريرة رفعه" أي قال فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ذكره بالمعنى، ولفظه عند أبي داود " أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله في الصلاة"، ولابن ماجه: "إذا صلى أحدكم " زاد أبو داود يعني في السبحة صلى الله عليه وسلم وللبيهقي " إذا أراد أحدكم أن يتطوع بعد الفريضة فليتقدم " الحديث. قوله: "ولم يصح" هو كلام البخاري، وذلك لضعف إسناده واضطرابه تفرد به ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، واختلف عليه فيه. وقد ذكر البخاري الاختلاف فيه في تاريخه وقال: "لم يثبت هذا الحديث: "وفي الباب عن المغيرة بن شعبة مرفوعا أيضا بلفظ: "لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول " رواه أبو داود وإسناده منقطع، وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي قال: "من السنة أن لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكانه"، وحكى ابن قدامة في " المغني " عن أحمد أنه كره ذلك وقال: لا أعرفه عن غير على، فكأنه لم يثبت عنده حديث أبي هريرة ولا المغيرة، وكان المعنى في كراهة ذلك خشية التباس النافلة بالفريضة. وفي مسلم: "عن السائب بن يزيد أنه صلى مع معاوية الجمعة فتنفل بعدها، فقال له معاوية: إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك " ففي هذا إرشاد إلى طريق الأمن من الالتباس، وعليه تحمل الأحاديث المذكورة. ويؤخذ من مجموع الأدلة أن للإمام أحوالا لأن الصلاة إما أن تكون مما يتطوع بعدها أو لا يتطوع، الأول اختلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر المأثور ثم يتطوع؟ وهذا الذي عليه عمل الأكثر، وعند الحنفية يبدأ بالتطوع. وحجة الجمهور حديث معاوية. وبمكن أن يقال لا يتعين الفصل بين الفريضة والنافلة بالذكر، بل إذا تنحى من مكانه كفي. فإن قيل: لم يثبت الحديث في التنحي، قلنا: قد ثبت في حديث معاوية " أو تخرج " ويترجح تقديم الذكر المأثور بتقييده في الأخبار الصحيحة بدبر الصلاة. وزعم بعض الحنابلة أن المراد بدبر الصلاة ما قبل السلام، وتعقب بحديث: "ذهب أهل الدثور " فإن فيه: "تسبحون دبر كل صلاة وهو بعد السلام جزما، فكذلك ما شابهه. وأما الصلاة التي لا يتطوع بعدها فيتشاغل الإمام ومن معه بالذكر المأثور ولا يتعين له مكان بل إن شاءوا انصرفوا وذكروا، وإن شاءوا مكثوا وذكروا. وعلى الثاني إن كان للإمام عادة أن يعلمهم
ـــــــ
(1)في المخطوطة" المسجد"
(2/335)

أو يعظهم فيستحب أن يقبل عليهم بوجهه جميعا، وإن كان لا يزيد على الذكر المأثور فهل يقبل عليهم جميعا أو ينفتل فيجعل يمينه من قبل المأمومين ويساره من قبل القبلة ويدعو؟ الثاني هو الذي جزم به أكثر الشافعية. ويحتمل إن قصر زمن ذلك أن يستمر مستقبلا للقبلة صلى الله عليه وسلم من أجل أنها أليق بالدعاء، ويحمل الأول على ما لو طال الذكر والدعاء، والله أعلم. قوله: "عن هند بنت الحارث" هي تابعية ولا أعرف عنها راويا غير الزهري، وهي من أفراد البخاري عن مسلم، وسيأتي الخلاف في نسبتها. قوله: "قال ابن شهاب" هو الزهري، وهو موصولا بالإسناد المذكور. و قوله: "فنرى" بضم النون أي نظن. قوله: "من النساء" زاد في " باب التسليم " من هذا الوجه " قبل أن يدركهن من انصرف من القوم " أي الرجال، وهو لفظه في رواية يحيى بن قزعة الآتية بعد أبواب. قوله: "وقال ابن أبي مريم" رويناه موصولا في " الزهريات " لمحمد بن يحيى الذهلي قال: "حدثنا سعيد بن أبي مريم " فذكره. قوله: "من صواحباتها" جمع صاحبة وهي لغة، والمشهور صواحب كضوارب وضاربة، وقيل هو جمع صواحب وهو جمع صاحبة. قوله: "كان يسلم" أي النبي صلى الله عليه وسلم، وأفادت هذه الرواية الإشارة إلى أقل مقدار كان يمكثه صلى الله عليه وسلم. قوله: "وقال ابن وهب الخ" وصله النسائي عن محمد بن سلمة عنه بالإسناد المذكور ولفظه: "أن النساء كن إذا سلمن قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال. قوله: "وقال عثمان بن عمر" سيأتي موصولا بعد أربعة أبواب من طريقه. قوله: "وقال الزبيدي" وصله الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم عنه بتمامه، وفيه: "أن النساء كن يشهدن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سلم قام النساء فانصرفن إلى بيوتهن قبل أن يقوم الرجال". قوله: "وقال شعيب" هو ابن أبي حمزة، وابن أبي عتيق هو محمد بن عبد الله، وروايتهما موصولة في " الزهريات " أيضا. ومراد البخاري بيان الاختلاف في نسب هند وأن منهم من قال الفراسية نسبة إلى بني فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء آخره مهملة وهم بطن من كنانة، ومنهم من قال القرشية، فمن قال من أهل النسب إن كنانة جماع قريش فلا مغايرة بين النسبتين، ومن قال إن جماع قريش فهر بن مالك فيحتمل أن يكون اجتماع النسبتين لهند على أن إحداهما بالأصالة والأخرى بالمخالفة صلى الله عليه وسلم. وأشار البخاري برواية الليث الأخيرة إلى الرد على من زعم أن قول من قال: "القرشية " تصحيف من الفراسية، لقوله فيه: "عن امرأة من قريش " وفي رواية الكشميهني: "أن امرأة " وقوله فيه: "عن النبي صلى الله عليه وسلم: "غير موصولة لأنها تابعية كما تقدم، وكأن التقصير فيه من يحيى بن سعيد وهو الأنصاري، وروايته عن ابن شهاب من رواية الأقران: وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين، والاحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحذور. وفيه اجتناب مواضع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت. ومقتضى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالا فقط أن لا يستحب هذا المكث، وعليه حمل ابن قدامة حديث عائشة " أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " أخرجه مسلم: وفيه أن النساء كن يحضرن الجماعة في المسجد، وستأتي المسألة قريبا.
ـــــــ
(1)الصواب أن المشروع إقبال الإمام على المأمومين بوجهه بعد السلام والإستغفار وقول " اللهم أنت السلام الخ"مطلقا لما تقدم في الأحاديثالصحيحة. والله أعلم
(2)كذا في المطبوعة والمخطوطة , ولعله " بالمحالفة"
(2/336)

158 - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَذَكَرَ حَاجَةً فَتَخَطَّاهُمْ
851- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ "
[ الحديث851- أطرافه في: 6275,1430,1221]
قوله: "باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم" الغرض من هذه الترجمة بيان أن المكث المذكور في الباب قبله محله ما إذا لم يعرض ما يحتاج معه إلى القيام. قوله: "حدثنا محمد بن عبيد" أي ابن ميمون العلاف، وثبت كذلك في رواية ابن عساكر. قوله: "عن عمر بن سعيد" أي ابن أبي حسين المكي. قوله: "عن عقبة" هو ابن الحارث النوفلي، وللمصنف في الزكاة من رواية أبي عاصم عن عمر بن سعيد أن عقبة بن الحارث حدثه. قوله: "فمسلم فقام" في رواية الكشميهني: "ثم قام". قوله: "ففزع الناس" أي خافوا، وكانت تلك عادتهم إذا رأوا منه غير ما يعهدونه خشية أن ينزل فيهم شيء يسوؤهم.قوله: "فرأى أنهم قد عجبوا" في رواية أبي عاصم " فقلت أو فقيل له " وهو شك من الراوي، فإن كان قوله فقلت محفوظا فقد تعين الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة عن ذلك.قوله: "ذكرت شيئا من تبر" في رواية روح عن عمر بن سعيد في أواخر الصلاة " ذكرت وأنا في الصلاة " وفي رواية أبي عاصم " تبرا من الصدقة " والتبر بكسر المثناة وسكون الموحدة الذهب الذي لم يصف ولم يضرب، قال الجوهري: لا يقال إلا للذهب.وقد قاله بعضهم في الفضة. انتهى. وأطلقه بعضهم على جميع جواهر الأرض قبل أن تصاغ أو تضرب حكاه ابن الأنباري عن الكسائي، وكذا أشار إليه ابن دريد. وقيل هو الذهب المكسور، حكاه ابن سيده. قوله: "يحبسني" أي يشغلني التفكر فيه عن التوجه والإقبال على الله تعالى. وفهم منه ابن بطال معنى آخر فقالا: فيه أن تأخير الصدقة تحبس صاحبها يوم القيامة. قوله: "فأمرت بقسمته" في رواية أبي عاصم " فقسمته " وفي الحديث أن المكث بعد الصلاة ليس بواجب، وأن التخطي للحاجة مباح، وأن التفكر في الصلاة في أمر لا يتعلق بالصلاة لا يفسدها ولا ينقص من كمالها، وأن إنشاء العزم في أثناء الصلاة على الأمور الجائزة لا يضر، وفيه إطلاق الفعل على ما يأمر به الإنسان، وجواز الاستنابة مع القدرة على المباشرة.
(2/337)

159 - باب الِانْفِتَالِ وَالِانْصِرَافِ عَنْ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ
وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَيَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى أَوْ مَنْ يَعْمِدُ الِانْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ
852- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ الأَسْوَدِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلاَتِهِ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَنْصَرِفَ إِلاَّ عَنْ يَمِينِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ "
(2/337)

قوله: "باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال" قال الزين بن المنير: جمع في الترجمة بين الانفتال والانصراف للإشارة إلى أنه لا فرق في الحكم بين الماكث في مصلاه إذا انفتل لاستقبال المأمومين، وبين المتوجه لحاجته إذا انصرف إليها. قوله: "وكان أنس بن مالك الخ" وصله مسدد في مسنده الكبير من طريق سعيد عن قتادة قال: "كان أنس " فذكره وقال فيه: "ويعيب على من يتوخى ذلك أن لا ينفتل إلا عن يمينه ويقول: يدور كما يدور الحمار " وقوله: "يتوخى " بخاء معجمة مشددة أي يقصد، وقوله: "أو يعمد" شك من الراوي. قلت: وظاهر هذا الأثر عن أنس يخالف ما رواه مسلم من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال: "سألت أنسا كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه " ويجمع بينهما بأن أنسا عاب من يعتقد تحتم ذلك ووجوبه، وأما إذا استوى الأمران فجهة اليمين أولى. قوله: "عن سليمان" هو الأعمش. قوله: "عن عمارة" في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش " سمعت عمارة بن عمير " وفي الإسناد ثلاثة من التابعين كوفيون في نسق آخرهم الأسود وهو ابن يزيد النخعي. قوله: "لا يجعل" في رواية الكشميهني: "لا يجعلن " بزيادة نون التأكيد. قوله: "شيئا من صلاته" في رواية وكيع وغيره عن الأعمش عند مسلم: "جزءا من صلاته". قوله: "يرى" بفتح أوله أي يعتقد، ويجوز الضم أي يظن. و قوله: "أن حقا عليه" هو بيان للجعل في قوله: "لا يجعل". قوله: "أن لا ينصرف" أي يرى أن عدم الانصراف حق عليه، فهو من باب القلب قاله الكرماني في الجواب عن ابتدائه بالنكرة قال: أو لأن النكرة المخصوصة كالمعروفة. قوله: "كثيرا ينصرف عن يساره" في رواية مسلم: "أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله " فأما رواية البخاري فلا تعارض حديث أنس الذي أشرت إليه عند مسلم، وأما رواية مسلم فظاهرة التعارض لأنه عبر في كل منهما بصيغة أفعل، قال النووي: يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر، وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين. قلت: وهو موافق للأثر المذكور أولا عن أنس، ويمكن أن يجمع بينهما بوجه آخر، وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد، لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت من جهة يساره، ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر، ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح ابن مسعود لأنه أعلم وأسن وأجل وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى موقفه في الصلاة من أنس، وبان في إسناد حديث أنس من تكلم فيه وهو السدي، وبأنه متفق عليه بخلاف حديث أنس في الأمرين، وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على جهة يساره كما تقدم. ثم ظهر لي أنه بمكن الجمع بين الحديثين بوجه آخر، وهو أن من قال كان أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته في حال الصلاة، ومن قال كان أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته في حالة استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة، فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة، ومن ثم قال العلماء. يستحب الانصراف إلى جهة حاجته. لكن قالوا: إذا استوت الجهتان في حقه فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل التيامن كحديث عائشة المتقدم في كتاب الطهارة. قال ابن المنير: فيه أن المندوبات قد تنقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها، لأن التيامن مستحب في كل شيء أي من أمور العبادة، لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقدوا وجوبه أشار إلى كراهته، والله أعلم.
(2/338)

باب ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث
...
160 - باب مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النِّيِّ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ
وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكَلَ الثُّومَ أَوْ الْبَصَلَ مِنْ الْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا
583- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا
[الحديث853-أطرافه في: 7359,5452,855]
584- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يُرِيدُ الثُّومَ فَلاَ يَغْشَانَا فِي مَسَاجِدِنَا قُلْتُ مَا يَعْنِي بِهِ قَالَ مَا أُرَاهُ يَعْنِي إِلاَّ نِيئَهُ وَقَالَ مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ إِلاَّ نَتْنَهُ
585- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ قَالَ فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبُقُولِ فَقَالَ قَرِّبُوهَا إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لاَ تُنَاجِي "
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أُتِيَ بِبَدْرٍ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَعْنِي طَبَقًا فِيهِ خَضِرَاتٌ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وَأَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ الْقِدْرِ فَلاَ أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الْحَدِيثِ
586- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ مَا سَمِعْتَ نَبِيَّ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الثُّومِ فَقَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرَبْنَا أَوْ لاَ يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا "
[الحديث856-طرفه في : 5451]
قوله: "باب ما جاء في الثوم" هذه الترجمة والتي بعدها من أحكام المساجد. وأما التراجم التي قبلها فكلها من صفة الصلاة. لكن مناسبة هذه الترجمة وما بعدها لذلك من جهة أنه بنى صفة الصلاة على الصلاة في الجماعة، ولهذا لم يفرد ما بعد كتاب الأذان بكتاب، لأنه ذكر فيه أحكام الإقامة ثم الإمامة ثم الصفوف ثم الجماعة ثم صفة الصلاة، فلما كان ذلك كله مرتبطا بعضه ببعض واقتضى فضل حضور الجماعة بطريق العموم ناسب أن يورد فيه من قام به عارض كأكل الثوم، ومن لا يجب عليه ذلك كالصبيان، ومن تندب له في حالة دون حالة كالنساء، فذكر هذه التراجم فختم بها صفة الصلاة. قوله: "الثوم" بضم الثاء المثلثة، "والنيئ" بكسر النون وبعدها تحتانية ثم همزة وقد تدغم، وتقييده بالنيئ حمل منه للأحاديث المطلقة في الثوم على غير النضيج منه. وقوله في الترجمة " والكراث " لم يقع ذكره في أحاديث الباب التي ذكرها، لكنه أشار به إلى ما وقع في بعض طرق حديث جابر كما سأذكره، وهذا أولى من
(2/339)

قول بعضهم إنه قاسه على البصل. ويحتمل أن يكون استنبط الكراث من عموم الخضرات فإنه يدخل فيها دخولا أولويا لأن رائحته أشد. قوله: "وقول النبي صلى الله عليه وسلم" هو بكسر اللام، و قوله: "من الجوع أو غيره" لم أر التقييد بالجوع وغيره صريحا لكنه مأخوذ من كلام الصحابي في بعض طرق حديث جابر وغيره، فعند مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة وله من رواية أبي نضرة عن أبي سعيد " لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا في هذه البقلة والناس جياع " وقال ابن المنير في الحاشية: ألحق بعض أصحابنا المجذوم وغيره بآكل الثوم في المنع من المسجد، قال: وفيه نظر لأن آكل الثوم أدخل على نفسه باختياره هذا المانع، والمجذوم علته سماوية. قال: لكن قوله صلى الله عليه وسلم: "من جوع أو غيره: "يدل على التسوية بينهما. انتهى. وكأنه رأى قول البخاري في الترجمة وقول النبي صلى الله عليه وسلم الخ فظنه لفظ حديث، وليس كذلك، بل هو من تفقه البخاري وتجويزه لذكر الحديث بالمعنى. قوله: "من أكل" قال ابن بطال هذا يدل على إباحة أكل الثوم، لأن قوله: "من أكل " لفظ إباحة. وتعقبه ابن المنير بأن هذه الصيغة إنما تعطي الوجود لا الحكم، أي من وجد منه الأكل، وهو أعم من كونه مباحا أو غير مباح، وفي حديث أبي سعيد الذي أشرت إليه عند مسلم الدلالة على عدم تحريمه كما سيأتي. قوله: "حدثنا يحيى" هو القطان وعبيد الله هو ابن عمر. قوله: "قال في غزوة خيبر" قال الداودي أي حين أراد الخروج أو حين قدم. وتعقبه ابن التين بأن الصواب أنه قال ذلك وهو في الغزاة نفسها، قال ولا ضرورة تمنع أن يخبرهم بذلك في السفر. انتهى. فكأن الذي حمل الداودي على ذلك قوله في الحديث: "فلا يقربن مسجدنا " لأن الظاهر أن المراد به مسجد المدينة فلهذا حمل الخبر على ابتداء التوجه إلى خيبر أو الرجوع إلى المدينة، لكن حديث أبي سعيد عند مسلم دال على أن القول المذكور صدر منه صلى الله عليه وسلم عقب فتح خيبر فعلى هذا فقوله مسجدنا يريد به المكان الذي أعد ليصلي فيه مدة إقامته هناك أو المراد بالمسجد الجنس والإضافة إلى المسلمين أي فلا يقربن مسجد المسلمين. ويؤيده رواية أحمد عن يحيى القطان فيه بلفظ: "فلا يقربن المساجد " ونحوه لمسلم وهذا يدفع قول من خص النهي بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، وقد حكاه ابن بطال عن بعض أهل العلم ووهاه. وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء هل النهي للمسجد الحرام خاصة أو في المساجد؟ قال: لا بل في المساجد. قوله: "من هذه الشجرة يعني الثوم" لم أعرف القائل يعني ويحتمل أن يكون عبيد الله بن عمر، فقد رواه السراج من رواية يزيد بن الهادي عن نافع بدونها ولفظه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم يوم خيبر " وزاد مسلم من رواية ابن نمير عن عبيد الله " حتى يذهب ريحها". وفي قوله شجرة مجاز لأن المعروف في اللغة أن الشجرة ما كان لها ساق وما لا ساق له يقال له نجم، وبهذا فسر ابن عباس وغيره قوله تعالى: {والنجم والشجر يسجدان} ؛ ومن أهل اللغة من قال: كل ما ثبتت له أرومة، أي أصل في الأرض يخلف ما قطع منه فهو شجر، وإلا فنجم. وقال الخطابي: في هذا الحديث إطلاق الشجر على الثوم والعامة لا تعرف الشجر إلا ما كان له ساق ا هـ. ومنهم من قال: بين الشجر والنجم عموم وخصوص، فكل نجم شجر من غير عكس كالشجر والنخل، فكل نخل شجر من غير عكس. قوله: "حدثنا عبد الله بن محمد" هو المسندي وأبو عاصم هو النبيلي وهو شيخ البخاري وربما روي عنه بواسطة كما هنا. قوله: "يريد الثوم" لم أعرف الذي فسره أيضا وأظنه ابن جريج فإن في الرواية التي تلي هذه عن الزهري عن عطاء الجزم بذكر الثوم. على أنه قد اختلف في سياقه عن ابن جريج فقد رواه مسلم من رواية يحيى القطان عن ابن جريج بلفظ:
(2/340)

"من أكل من هذه البقلة الثوم " وقال مرة " من أكل البصل والثوم والكراث " ورواه أبو نعيم في المستخرج من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج مثله وعين الذي قال. وقال مرة ولفظه: قال ابن جريج وقال عطاء في وقت آخر " الثوم والبصل والكراث " ورواه أبو الزبير عن جابر بلفظ: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أكل البصل والكراث " قال: "ولم يكن ببلدنا يومئذ الثوم " هكذا أخرجه ابن خزيمة من رواية يزيد بن إبراهيم وعبد الرزاق عن ابن عيينة كلاهما عن أبي الزبير. قلت: هذا لا ينافي التفسير المتقدم إذ لا يلزم من كونه لم يكن بأرضهم أن لا يجلب إليهم، حتى لو امتنع هذا الحمل لكانت رواية المثبت مقدمة على رواية النافي، والله أعلم. قوله: "فلا يغشانا" كذا فيه بصيغة النفي التي يراد بها النهي. قال الكرماني: أو على لغة من يجري المعتل مجرى الصحيح، أو أشبع الراوي الفتحة فظن أنها ألف. والمراد بالغشيان الإتيان، أي فلا يأتينا. قوله: "في مسجدنا" في رواية الكشميهني وأبي الوقت " مساجدنا " بصيغة الجمع. قوله: "قلت ما يعني به" لم أقف على تعيين القائل والمقول له وأظن السائل ابن جريج والمسئول عطاء، في مصنف عبد الرزاق ما يرشد إلى ذلك، وجزم الكرماني بأن القائل عطاء والمسئول جابر، وعلى هذا فالضمير في " أراه " للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بضم الهمزة أي أظنه، و " نيئه " تقدم ضبطه. قوله: "وقال مخلد بن يزيد عن ابن جريج إلا نتنه" بفتح النون وسكون المثناة من فوق بعدها نون أخرى، ولم أجد طريق مخلد هذه موصولة بالإسناد المذكور، وقد أخرج السراج عن أبي كريب عن مخلد هذا الحديث لكن قال: "عن أبي الزبير " بدل عطاء عن جابر، ولم يذكر المقصود من التعليق المذكور، إلا أنه قال فيه: "ألم أنهكم عن هذه البقلة الخبيثة أو المنتنة " فإن كان أشار إلى ذلك وإلا فنا أظنه إلا تصحيفا، فقد رواه أبو عوانة في صحيحه من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج كما قال أبو عاصم، ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج بلفظ: "أراه يعني النيئة التي لم تطبخ " وكذا لأبي نعيم في المستخرج من طريق ابن أبي عدي عن ابن جريج بلفظ: "يريد النيئ الذي لم يطبخ " وهو تفسير للنيئ بأنه الذي لم يطبخ وهو حقيقته كما تقدم، وقد يطلق على أعم من ذلك وهو ما لم ينضج فيدخل فيه ما طبخ قليلا ولم يبلغ النضج. قوله: "عن يونس" هو ابن يزيد. قوله: "زعم عطاء" هو ابن أبي رباح وفي رواية الأصيلي: "عن عطاء"، ولمسلم من وجه آخر عن ابن وهب " حدثني عطاء". قوله: "أن جابر بن عبد الله زعم" قال الخطابي لم يقل زعم على وجه التهمة، لكنه لما كان أمرا مختلفا فيه أتى بلفظ الزعم لأن هذا اللفظ لا يكاد يستعمل إلا في أمر يرتاب به أو يختلف فيه. قلت: وقد يستعمل في القول المحقق أيضا كما تقدم، وكلام الخطابي لا ينفي ذلك. وفي رواية أحمد بن صالح الآتية عن جابر ولم يقل " زعم". قوله: "فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا" شك من الراوي وهو الزهري، ولم تختلف الرواة عنه في ذلك قوله: "أو ليقعد في بيته" كذا لأبي ذر بالشك أيضا، ولغيره: "وليقعد في بيته " بواو العطف، وكذا لمسلم، وهي أخص من الاعتزال لأنه أعم من أن يكون في البيت أو غيره. قوله: "وأن النبي صلى الله عليه وسلم" هذا حديث آخر، وهو معطوف على الإسناد المذكور، والتقدير وحدثنا سعيد بن عفير بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى، وقد تردد البخاري فيه هل هو موصول أو مرسل كما سيأتي وهذا الحديث الثاني كان متقدما على الحديث الأول بست سنين، لأن الأول تقدم في حديث ابن عمر وغيره أنه وقع منه صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر وكانت سنة سبع، وهذا وقع في السنة الأولى عند قدومه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزوله في بيت أبي أيوب الأنصاري كما سأبينه. قوله: "أتى بقدر" بكسر القاف وهو ما يطبخ فيه، ويجوز
(2/341)

فيه التأنيث والتذكير، والتأنيث أشهر، لكن الضمير في قوله: "فيه خضرات " يعود على الطعام الذي في القدر، فالتقدير أتى بقدر من طعام فيه خضرات، ولهذا لما أعاد الضمير على القدر أعاده بالتأنيث حيث قال: "فأخبر بما فيها " وحيث قال: "قربوها " وقوله: "خضرات " بضم الخاء وفتح الضاد المعجمتين كذا ضبط في رواية أبي ذر، ولغيره بفتح أوله وكسر ثانية وهو جمع خضرة، ويجوز مع ضم أوله ضم الضاد وتسكينها أيضا. قوله: "إلى بعب أصحابه" قال الكرماني فيه النقل بالمعنى، إذ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقله بهذا اللفظ بل قال قربوها إلى فلان مثلا، أو فيه حذف أي قال قربوها مشيرا أو أشار إلى بعض أصحابه. قلت والمراد بالبعض أبو أيوب الأنصاري، ففي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب في قصة نزول النبي صلى الله عليه وسلم عليه قال فكان يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فإذا جئ به إليه - أي بعد أن يأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه - سأل عن موضع أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، فصنع ذلك مرة فقيل له: لم يأكل، وكان الطعام فيه ثوم، فقال: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا ولكن أكرهه" . قوله: "كل فإني أناجي من لا تناجي" أي الملائكة، وفي حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة وابن حبان من وجه أخر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل أو كراث فلم ير فيه أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبي أن يأكل، فقال له: ما منعك؟ قال: لم أر أثر يدك قال: أستحي من ملائكة الله وليس بمحرم " ولهما من حديث أم أيوب قالت: نزل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلفنا له طعاما فيه بعض البقول، فذكر الحديث نحوه وقال فيه: "كلوا، فإني لست كأحد منكم، إني أخاف أو ذي صاحبي". قوله: "وقال أحمد بن صالح عن ابن وهب أتى ببدر" مراده أن أحمد بن صالح خالف سعيد بن عفير في هذه اللفظة فقط وشاركه في سائر الحديث عن ابن وهب بإسناده المذكور، وقد أخرجه البخاري في الاعتصام قال: "حدثنا أحمد بن صالح " فذكره بلفظ: "أتى ببدر " وفيه قول ابن وهب " يعني طبقا فيه خضرات"، وكذا أخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح، لكن أخر تفسير ابن وهب فذكره بعد فراغ الحديث. وأخرجه مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب فقال: "بقدر " بالقاف ورجح جماعة من الشراح رواية أحمد بن صالح لكون ابن وهب فسر " البدر " بالطبق فدل على أنه حدث به كذلك، وزعم بعضهم أن لفظة " بقدر " تصحيف لأنها تشعر بالطبخ وقد ورد الإذن بأكل البقول مطبوخة، بخلاف الطبق فظاهره أن البقول كانت فيه نيئة. والذي يظهر لي أن رواية: "القدر " أصح لما تقدم من حديث أبي أيوب وأم أيوب جميعا، فإن فيه التصريح بالطعام، ولا تعارض بين امتناعه صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم وغيره مطبوخا وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخا، فقد علل ذلك بقوله: "إني لست كأحد منكم " وترجم ابن خزيمة على حديث أبي أيوب ذكر ما خص الله نبيه به من ترك أكل الثوم ونحوه مطبوخا، وقد جمع القرطبي في " المفهم " بين الروايتين بأن الذي في القدر لم ينضج حتى تضمحل رائحته فبقي في حكم النيئ. قوله: "ببدر" بفتح الموحدة وهو الطبق، سمي بذلك لاستدارته تشبيها له بالقمر عند كماله. قوله: "ولم يذكر الليث وأبو صفوان عن يونس قصة القدر" أما رواية الليث فوصلها الذهلي في " الزهريات " وأما رواية أبي صفوان وهو الأموي فوصلها المؤلف في الأطعمة عن علي بن المديني عنه واقتصر على الحديث الأول وكذا اقتصر عقيل عن الزهري كما أخرجه ابن خزيمة. قوله: "فلا أدري الخ" هو من كلام البخاري، ووهم من زعم أنه كلام أحمد بن صالح أو من فوقه، وقد قال البيهقي: الأصل أن ما كان من الحديث متصلا به فهو منه حتى يجيء البيان الواضح بأنه مدرج فيه. قوله: "عن عبد العزيز" هو ابن صهيب. قوله: "سأل رجل" لم أقف على تسميته،
(2/342)

وقد تقدم الكلام على إطلاق الشجرة على الثوم، وقوله: "فلا يقربن " بفتح الراء والموحدة وتشديد النون، وليس في هذا تقييد النهي بالمسجد فيستدل بعمومه على إلحاق المجامع بالمساجد كمصلي العيد والجنازة ومكان الوليمة، وقد ألحقها بعضهم بالقياس والتمسك بهذا العموم أولى، ونظيره قوله: "وليقعد في بيته " كما تقدم، لكن قد علل المنع في الحديث بترك أذى الملائكة وترك أذى المسلمين، فإن كان كل منهما جزء علة اختص النهي بالمساجد وما في معناها، وهذا هو الأظهر، وإلا لعم النهي كل مجمع كالأسواق، ويؤيد هذا البحث قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم: "من أكل من هذه الشجرة شيئا فلا يقربنا في المسجد " قال القاضي ابن العربي: ذكر الصفة في الحكم يدل على التعليل بها، ومن ثم رد على المازري حيث قال: لو أن جماعة مسجد أكلوا كلهم ما له رائحة كريهة لم يمنعوا منه، بخلاف ما إذا أكل بعضهم، لأن المنع لم يختص بهم بل بهم وبالملائكة، وعلى هذا يتناول المنع من تناول شيئا من ذلك ودخل المسجد مطلقا ولو كان وحده. واستدل بأحاديث الباب على أن صلاة الجماعة ليست فرض عين. قال ابن دقيق العيد لأن اللازم من منعه أحد أمرين: إما أن يكون أكل هذه الأمور مباحا فتكون صلاة الجماعة ليست فرض عين، أو حراما فتكون صلاة الجماعة فرضا. وجمهور الأمة على إباحة أكلها فيلزم أن لا تكون الجماعة فرض عين. وتقريره أن يقال: أكل هذه الأمور جائز، ومن لوازمه ترك صلاة الجماعة، وترك الجماعة في حق آكلها جائز، ولازم الجائز جائز وذلك ينافي الوجوب صلى الله عليه وسلم. ونقل عن أهل الظاهر أو بعضهم تحريمها بناء على أن الجماعة فرض عين، وتقريره أن يقال: صلاة الجماعة فرض عين، ولا تتم إلا بترك أكلها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فترك أكل هذا واجب فيكون حراما ا ه. وكذا نقله غيره عن أهل الظاهر، لكن صرح ابن حزم منهم بأن أكلها حلال مع قوله بأن الجماعة فرض عين، وانفصل عن اللزوم المذكور بأن المنع من أكلها مختص بمن علم بخروج الوقت قبل زوال الرائحة. ونظيره أن صلاة الجمعة فرض عين بشروطها، ومع ذلك تسقط بالسفر. وهو في أصله مباح، لكن يحرم على من أنشأه بعد سماع النداء. وقال ابن دقيق العيد أيضا: قد يستدل بهذا الحديث على أن أكل هذه الأمور من الأعذار المرخصة في ترك حضور الجماعة، وقد يقال: إن هذا الكلام خرج مخرج الزجر عنها فلا يقتضي ذلك أن يكون عذرا في تركها إلا أن تدعو إلى أكلها ضرورة. قال: ويبعد هذا من وجه تقريبه إلى بعض أصحابه، فإن ذلك ينفي الزجر ا هـ. ويمكن حمله على حالتين، والفرق بينهما أن الزجر وقع في حق من أراد إتيان المسجد، والإذن في التقريب وقع في حالة لم يكن فيها ذلك، بل لم يكن المسجد النبوي إذ ذاك بني، فقد قدمت أن الزجر متأخر عن قصة التقريب بست سنين. وقال الخطابي: توهم بعضهم أن أكل الثوم عذر في التخلف عن الجماعة، وإنما هو عقوبة لآكله على فعله إذ حرم فضل الجماعة ا ه. وكأنه يخص الرخصة بما لا سبب للمرء فيه كالمطر مثلا، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون أكلها حراما، ولا أن الجماعة فرض عين. واستدل المهلب بقوله: "فإني أناجي من لا تناجي " على أن الملائكة أفضل من الآدميين. وتعقب بأنه لا يلزم من تفضيل بعض
ـــــــ
(1)ليس هذا التقرير بجيد , والصواب أن إباحة أكل هذه الخضروات ذوات الرائحة الكريهة لاينافي كون الجماعة فرض عين , كما أن حضور الطعام يسوغ ترك الجماعة لمن قدم بين يديه مع كون ذلك مباحا . وخلاصة الكلام أن الله سبحانه يسر على عباده , وجعل مثل هذه المباحات عذرا في ترك الجماعة لمصلحة شرعية , فإذا أراد أحد أن يتخذها حيلة لترك الجماعة حرم عليه ذلك . والله أعلم
(2/343)

الأفراد على بعض تفضيل الجنس على الجنس، واختلف هل كان أكل ذلك حراما على النبي صلى الله عليه وسلم أو لا؟ والراجح الحل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "وليس بمحرم " كما تقدم من حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة. ونقل ابن التين عن مالك قال: الفجل إن كان يظهر ريحه فهو كالثوم. وقيده عياض بالجشاء. قلت: وفي الطبراني الصغير من حديث أبي الزبير عن جابر التنصيص على ذكر الفجل في الحديث، لكن في إسناده يحيى بن راشد وهو ضعيف. وألحق بعضهم بذلك من بفيه بخر أو به جرح له رائحة. وزاد بعضهم فألحق أصحاب الصنائع كالسماك، والعاهات كالمجذوم، ومن يؤذي الناس بلسانه، وأشار ابن دقيق العيد إلى أن ذلك كله توسع غير مرضي. "فائدة": حكم رحبة المسجد وما قرب منها حكمه، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج من وجدت منه إلى البقيع كما ثبت في مسلم عن عمر رضي الله عنه. "تنبيه": وقع في حديث حذيفة عند ابن خزيمة: "من أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا، ثلاثا" . وبوب عليه " توقيت النهي عن إتيان الجماعة لآكل الثوم " وفيه نظر، لاحتمال أن يكون قوله: "ثلاثا " يتعلق بالقول، أي قال ذلك ثلاثا، بل هذا هو الظاهر، لأن علة المنع وجود الرائحة وهي لا تستمر هذه المدة.
(2/344)

باب وضوء الصيان ومتى يجب عليهم الغسل والطهور
...
161 - باب وُضُوءِ الصِّبْيَانِ وَمَتَى يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْغُسْلُ وَالطُّهُورُ وَحُضُورِهِمْ الْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَالْجَنَائِزَ وَصُفُوفِهِمْ
857- حدثنا بن المثنى قال حدثني غندر قال حدثنا شعبة قال سمعت سليمان الشيباني قال سمعت الشعبي قال أخبرني من مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ فأمهم وصفوا عليه فقلت يا أبا عمرو من حدثك فقال بن عباس "
[الحديث857- أطرافه في:2665,895,880,879]
858-حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حدثني صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم "
[الحديث858 –أطرافه : 22665,895,880,879]
859- حدثنا علي بن عبد الله قال أخبرنا سفيان عن عمرو قال أخبرني كريب عن بن عباس رضي الله عنهما قال ثم بت ثم خالتي ميمونة ليلة فنام النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان في بعض الليل قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شن معلق وضوءا خفيفا يخففه عمرو ويقلله جدا ثم قام يصلي فقمت فتوضأت نحوا مما توضأ ثم جئت فقمت عن يساره فحولني فجعلني عن يمينه ثم صلى ما شاء الله ثم اضطجع فنام حتى نفخ فأتاه المنادي يأذنه بالصلاة فقام معه إلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ قلنا لعمرو إن ناسا يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه قال عمرو سمعت عبيد بن عمير يقول إن رؤيا الأنبياء وحي ثم قرأ {إني أرى في المنام أني أذبحك}
(2/344)

860- حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه فقال قوموا فلأصلي بكم فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم واليتيم معي والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين "
861- حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس رضي الله عنهما أنه قال ثم أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد
862- حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت أعتم النبي صلى الله عليه وسلم وقال عياش حدثنا عبد الأعلى حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشاء حتى ناداه عمر قد نام النساء والصبيان فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه ليس أحد من أهل الأرض يصلي هذه الصلاة غيركم ولم يكن أحد يومئذ أهل المدينة "
863- حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا سفيان حدثني عبد الرحمن بن عابس سمعت بن عباس رضي الله عنهما قال له رجل شهدت الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم ولولا مكاني منه ما شهدته يعني من صغره أتى العلم الذي ثم دار كثير بن الصلت ثم خطب ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن أن يتصدقن فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى حلقها تلقي في ثوب بلال ثم أتى هو وبلال البيت "
قوله: "باب وضوء الصبيان" قال الزين بن المنير: لم ينص على حكمه، لأنه لو عبر بالندب لاقتضى صحة صلاة الصبي بغير وضوء، ولو عبر بالوجوب لاقتضى أن الصبي يعاقب على تركه كما هو حد الواجب، فأتى بعبارة سالمة من ذلك، وإنما لم يذكر الغسل لندور موجبه من الصبي بخلاف الوضوء، ثم أردفه بذكر الوقت الذي يجب فيه ذلك عليه فقال: ومتى يجب عليهم الغسل والطهور " وقوله: "والطهور " من عطف العام على الخاص، وليس في أحاديث الباب تعيين وقت الإيجاب إلا في حديث أبي سعيد فإن مفهومه أن غسل الجمعة لا يجب على غير المحتلم، فيؤخذ منه أن الاحتلام شرط لوجوب الغسل، وأما ما رواه أبو داود والترمذي وصححه وكذا ابن خزيمة والحاكم من طريق عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده مرفوعا: "علموا الصبي الصلاة ابن سبع، واضربوه عليها ابن عشر " فهو وإن اقتضى تعيين وقت الوضوء لتوقف الصلاة عليه فلم يقل بظاهر إلا بعض أهل العلم، قالوا: تجب الصلاة
(2/345)

على الصبي للأمر بضربه على تركها، وهذه صفة الوجوب، وبه قال أحمد في رواية، وحكى البندنيجي أن الشافعي أومأ إليه. وذهب الجمهور إلى أنها لا تجب عليه إلا بالبلوغ. وقالوا: الأمر بضربه للتدريب. وجزم البيهقي بأنه منسوخ بحديث: "رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم " لأن الرفع يستدعي سبق وضع. وسيأتي البحث في ذلك في كتاب النكاح. ويؤخذ من إطلاق الصبي على ابن سبع الرد على من زعم أنه لا يسمى صبيا إلا إذا كان رضيعا، ثم يقال له غلام إلى أن يصير ابن سبع، ثم يصير يافعا إلى عشر، ويوافق الحديث قول الجوهري: الصبي الغلام. قوله: "وحضورهم" بالجر عطفا على قوله: "وضوء الصبيان " وكذا قوله: "وصفوفهم". ثم أورد في الباب سبعة أحاديث أولها حديث ابن عباس في الصلاة على القبر، والغرض منه صلاة ابن عباس معهم ولم يكن إذ ذاك بالغا كما سيأتي دليله في خامس أحاديث الباب، وسيأتي الكلام عليه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى. ثانيها حديث أبي سعيد، وقد تقدم توجيه إيراده، ويأتي الكلام عليه في كتاب الجمعة إن شاء الله تعالى. ثالثها حديث ابن عباس في مبيته في بيت ميمونة، وفيه وضوؤه وصلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره له على ذلك بأن حوله فجعله عن يمينه، وقد تقدم من هذا الوجه في أوائل كتاب الطهارة، ويأتي بقية مباحثه في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى. رابعها حديث أنس في صف اليتيم معه خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ومطابقته للترجمة من جهة أن اليتم دال على الصبا إذ لا يتم بعد احتلام، وقد أقره صلى الله عليه وسلم على ذلك. خامسها حديث ابن عباس في مجيئه إلى منى ومروره بين يدي بعض الصف، ودخوله معهم وتقريره على ذلك وقال فيه إنه كان ناهز الاحتلام أي قاربه، وقد تقدمت مباحثه في أبواب سترة المصلي. سادسها حديث عائشة في تأخير العشاء حتى قال عمر " نام النساء والصبيان " قال ابن رشيد: فهم منه البخاري أن النساء والصبيان الذين ناموا كانوا حضورا في المسجد، وليس الحديث صريحا في ذلك، إذ يحتمل أنهم ناموا في البيوت، لكن الصبيان جمع محلى باللام فيعم من كان منهم مع أمه أو غيرها في البيوت ومن كان مع أمه في المسجد، وقد أورد المصنف في الباب الذي يليه حديث أبي قتادة رفعه: "إني لأقوم إلى الصلاة " الحديث وفيه: "فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه " وقد قدمنا في شرحه في أبواب الجماعة أن الظاهر أن الصبي كان مع أمه في المسجد وأن احتمال أنها كانت تركته نائما في بيتها وحضرت الصلاة فاستيقظ في غيبتها فبكى بعيد، لكن الظاهر الذي فهمه أن القضاء بالمرئي أولى من القضاء بالمقدر. انتهى. وقد تقدمت مباحثه في أبواب المواقيت، وساقه المصنف هنا من طريق معمر وشعيب بلفظ معمر ثم ساق لفظ شعيب في الباب الذي بعده، وقوله: "قال عياش " وقع في بعض الروايات " قال لي عياش " وهو بالتحتانية والمعجمة، وتحول الإسناد عند الأكثر من بعد الزهري، وأتمه في رواية المستملي، ثم ختم الباب بحديث ابن عباس في شهوده صلاة العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد صرح فيه بأنه كان صغيرا وسيأتي الكلام عليه في كتاب العيدين، وترجم له هناك " باب خروج الصبيان إلى المصلى " واستشكل قوله في الترجمة " وصفوفهم " لأنه يقتضي أن يكون للصبيان صفوف تخصهم وليس في الباب ما يدل على ذلك وأجيب بأن المراد بصفوفهم وقوفهم في الصف مع غيرهم، وفقه ذلك هل يخرج من وقف معه الصبي في الصف عن أن يكون فردا حتى يسلم من بطلان صلاته عند من يمنعه أو كراهته وظاهر حديث أنس يقتضي الإجزاء، فهو حجة على من منع ذلك من الحنابلة مطلقا، وقد نص أحمد على أنه يجزئ في النفل دون الفرض وفيه ما فيه
ـــــــ
(1)الصواب صحة مصافة الصبي في الفرض والنفل , لحديثي أنس وأبن عباس المذكورين في هذا الباب , والأصل أن الفريضة والنافلة سواء في الأحكام إلا ماخصه الدليل , وليس هنا دليل يمنع من مصافة الصبي في الفرض فوحبت التسوية بينهما . والله أعلم
(2/346)

باب خروج النساء إلى المساجد باليل والغلس
...
162 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ وَالْغَلَسِ
864- حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت " أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعتمة حتى ناداه عمر نام النساء والصبيان فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما ينتظرها أحد غيركم من أهل الأرض ولا يصلي يومئذ إلا بالمدينة وكانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول
865- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ "
تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس" أورد فيه ستة أحاديث تقدم الكلام عليها إلا الثاني والأخير، وبعضها مطلق في الزمان وبعضها مقيد بالليل أو الغلس، فحمل المطلق في الترجمة على المقيد، وللفقهاء في ذلك تفاصيل ستأتي الإشارة إلى بعضها. فأول أحاديث الباب حديث عائشة في تأخير العشاء حتى نادى عمر: نام النساء والصبيان، وقد تقدم سادسا لأحاديث الباب الذي قبله. ثانيها حديث ابن عمر في النهي عن منع النساء عن المسجد. ثالثها حديث أم سلمة في مكث الإمام بعد السلام حتى ينصرف النساء، وقد تقدم الكلام عليه قبل أربعة أبواب. رابعها حديث عائشة في صلاة الصبح بغلس ورجوع النساء متلفعات، وقد تقدم الكلام عليه قبل في المواقيت. خامسها حديث أبي قتادة في تخفيف الصلاة حين بكى الصبي لأجل أمه، وقد تقدم الكلام عليه في الإمامة. سادسها حديث عائشة في منع نساء بني إسرائيل المساجد، وسأذكر فوائده بعد الكلام على الحديث الثاني وهو حديث ابن عمر. قوله: "عن حنظلة" هو ابن أبي سفيان الجمحي، وسالم بن عبد الله أي ابن عمر. قوله: "إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد" لم يذكر أكثر الرواة عن حنظلة قوله: "بالليل " كذلك أخرجه مسلم وغيره، وقد اختلف فيه على الزهري عن سالم أيضا، فأورده المصنف بعد بابين من رواية معمر ومسلم من رواية يونس بن يزيد وأحمد من رواية عقيل والسراج من رواية الأوزاعي كلهم من الزهري بغير تقييد، وكذا أخرجه المصنف في النكاح عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن الزهري بغير قيد، ووقع عند أبي عوانة في صحيحه عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن عيينة مثله لكن قال في آخره: "يعني بالليل " وبين ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء أن سفيان بن عيينة هو القائل " يعني"، وله عن سعيد بن عبد الرحمن عن ابن عيينة قال: "قال نافع بالليل"، وله عن يحيى بن حكيم عن ابن عيينة قال: "جاءنا رجل فحدثنا عن نافع قال: إنما هو بالليل " وسمي عبد الرزاق عن ابن عيينة الرجل المبهم فقال بعد روايته عن الزهري " قال ابن عيينة وحدثنا عبد الغفار - يعني ابن القاسم - أنه سمع أبا جعفر يعني الباقر يخبر بمثل هذا عن ابن عمر، قال فقال له نافع مولي ابن عمر: إنما ذلك بالليل " وكأن اختصاص الليل بذلك لكونه أستر، ولا يخفى أن محل ذلك إذا أمنت المفسدة منهن وعليهن، قال النووي: استدل به على أن المرأة لا تخرج من
(2/347)

بيت زوجها إلا بإذنه لنوحه الأمر إلى الأزواج بالإذن، وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه إن أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب وهو ضعيف، لكن يتقوى بأن يقال: إن منع الرجال نساءهم أمر مقرر، وإنما علق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز فيبقى ما عداه على المنع، وفيه إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب، لأنه لو كان واجبا لانتفى معنى الاستئذان، لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان المستأذن مخيرا في الإجابة أو الرد. قوله: "تابعه شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر" ذكر المزي في الأطراف تبعا لخلف وأبي مسعود أن هذه المتابعة وقعت بعد رواية ورقاء عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عمر بهذا الحديث، ولم أقف على ذلك في شيء من الروايات التي اتصلت لنا من البخاري في هذا الموضع، وإنما وقعت المتابعة المذكورة عقب رواية حنظلة عن سالم، وقد وصلها أحمد قال: "حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة " فذكر الحديث بزيادة سيأتي ذكرها قريبا. نعم أخرج البخاري رواية ورقاء في أوائل كتاب الجمعة بلفظ: "ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد " ولم يذكر بعده متابعة ولا غيرها، ووافقه مسلم على إخراجه من هذا الوجه أيضا وزاد فيه: "فقال له ابن له يقال له واقد: إذا يتخذنه دغلا، قال: فضرب في صدره وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول لا " ولم أر لهذه القصة ذكرا في شيء من الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث، وقد أوهم صنيع صاحب العمدة خلاف ذلك، ولم يتعرض لبيان ذلك أحد من شراحه، وأظن البخاري اختصرها للاختلاف في تسمية ابن عبد الله بن عمر، فقد رواه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر وسمي الابن بلالا فأخرجه من طريق كعب بن علقمة عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ: "لا تمنعوا النساء حظوظهن المساجد إذا استأذنكم، فقال بلال: والله لنمنعهن " الحديث. وللطبراني من طريق عبد الله بن هبيرة عن بلال بن عبد الله نحوه وفيه: "فقلت أما أنا فسأمنع أهلي، فمن شاء فليسرح أهله " وفي رواية يونس عن ابن شهاب الزهري عن سالم في هذا الحديث: "قال فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن " ومثله في رواية عقيل عند أحمد، وعنده في رواية شعبة عن الأعمش المذكورة " فقال سالم أو بعض بنيه: والله لا ندعهن يتخذنه دغلا " الحديث. والراجح من هذا أن صاحب القصة بلال لورود ذلك من روايته نفسه ومن رواية أخيه سالم، ولم يختلف عليهما في ذلك. وأما هذه الرواية الأخيرة فمرجوحة لوقوع الشك فيها، ولم أره مع ذلك في شيء من الروايات عن الأعمش مسمى ولا عن شيخه مجاهد، فقد أخرجه أحمد من رواية إبراهيم بن مهاجر وابن أبي نجيح وليث بن أبي سليم كلهم عن مجاهد ولم يسمه أحد منهم، فإن كانت رواية عمرو بن دينار عن مجاهد محفوظة في تسميته واقدا فيحتمل أن يكون كل من بلال وواقع وقع منه ذلك إما في مجلس أو في مجلسين، وأجاب ابن عمر كلا منهما بجواب يليق به، ويقويه اختلاف النقلة في جواب ابن عمر، ففي رواية بلال عند مسلم: "فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته يسبه مثله قط " وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبراني السب المذكور باللعن ثلاث مرات. وفي رواية زائدة عن الأعمش " فانتهره وقال: أف لك " وله عن ابن نمير عن الأعمش " فعل الله بك وفعل " ومثله للترمذي من رواية عيسى بن يونس، ولمسلم من رواية أبي معاوية " فزبره " ولأبي داود من رواية جرير " فسبه وغضب " فيحتمل أن يكون بلال البادئ فلذلك أجابه بالسب المفسر باللعن، وأن يكون واقد بدأه فلذلك أجابه بالسب المفسر بالتأفيف مع الدفع في صدره، وكأن السر في ذلك أن بلالا عارض الخبر برأيه ولم يذكر علة المخالفة، ووافقه واقد لكن ذكرها بقوله: "يتخذنه دغلا " وهو بفتح المهملة ثم المعجمة وأصله الشجر الملتف ثم استعمل في المخادعة لكون المخادع
(2/348)

يلف في ضميره أمرا ويظهر غيره، وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت وحملته على ذلك الغيرة، وإنما أنكر عليه ابن عمر لتصريحه بمخالفة الحديث، وإلا فلو قال مثلا إن الزمان قد تغير وإن بعضهن ربما ظهر منه قصد المسجد وإضمار غيره لكان يظهر أن لا ينكر عليه، وإلى ذلك أشارت عائشة بما ذكر في الحديث الأخير. وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه، وعلى العالم بهواه، وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرا إذا تكلم بما لا ينبغي له، وجواز التأديب بالهجران، فقد وقع في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد " فما كلمه عبد الله حتى مات " وهذا إن كان محفوظا يحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة بيسير.
(2/349)

163- باب انتظار الناس قيام الإمام العالم
866- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ "
867- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ ح
وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ
868- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لاَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ "
869- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُلْتُ لِعَمْرَةَ أَوَمُنِعْنَ قَالَتْ نَعَمْ
ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث في مطلق حضور النساء الجماعة مع الرجال وهي حديث أم سلمة " أن النساء كن إذا سلمن من الصلاة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد مضى الكلام عليه في أواخر صفة الصلاة. وحديث عائشة " إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات " وقد تقدم شرحه في المواقيت. حديث أبي قتادة رفعه: "إني لأقوم في الصلاة " الحديث وفيه: "فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه " وقد تقدم شرحه في أبواب الإمامة، قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث عام في النساء، إلا أن الفقهاء خصوه بشروط: منها أن لا تتطيب، وهو في بعض الروايات " وليخرجن تفلات " قلت: هو بفتح المثناة وكسر الفاء أي غير متطيبات، ويقال امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح، وهو عند أبي داود وابن خزيمة من حديث أبي هريرة وعند ابن حبان من حديث
(2/349)

زيد بن خالد وأوله " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " ولمسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود " إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسن طيبا " انتهى. قال: ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال، وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر، إلا إن أخذ الخوف عليها من جهتها لأنها إذا عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الأمن عليها ولا سيما إذا كان ذلك بالليل. وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وذلك في رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر بلفظ: "لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن " أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة. ولأحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية " أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك. قال: قد علمت، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة " وإسناد أحمد حسن، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود. ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة، ومن ثم قالت عائشة ما قالت، وتمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقا وفيه نظر، إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته فقالت: "لو رأى لمنع " فيقال عليه: لم ير ولم يمنع، فاستمر الحكم حتى أن عائشة لم تصرح بالمنع وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع. وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى. وأيضا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثت، والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع التطيب والزينة، وكذلك التقيد بالليل كما سبق. قوله في حديث عائشة آخر أحاديث الباب "كما منعت نساء بني إسرائيل" وقول عمرة "نعم" في جواب سؤال يحيى بن سعيد لها يظهر أنها تلقته عن عائشة، ويحتمل أن يكون عن غيرها، وقد ثبت ذلك من حديث عروة عن عائشة موقوفا أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولفظه: "قالت: كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلا من خشب يتشرفن للرجال في المساجد، فحرم الله عليهن المساجد، وسلطت عليهن الحيضة " وهذا وإن كان موقوفا فحكمه حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي صلى الله عليه وسلم، وروى عبد الرزاق أيضا نحوه بإسناد صحيح عن ابن مسعود، وقد أشرت إلى ذلك في أول كتابه الحيض. "تنبيه": وقع في رواية كريمة عقب الحديث الثاني من هذا الباب: "باب انتظار الناس قيام الإمام العالم " وكذا في نسخة الصغاني، وليس ذلك بمعتمد إذ لا تعلق لذلك بهذا الموضع، بل قد تقدم في موضعه من الإمامة بمعناه.
(2/350)

164 - باب صَلاَةِ النِّسَاءِ خَلْفَ الرِّجَالِ
870- حدثنا يحيى بن قزعة قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم
ـــــــ
(1) هذا فيه نظر , والاقرب أنها تلقت ما ذكر عن نساء بني اسرائيل . ويدل إنكار الرفع قولها " وسلطت عليهن الحيضة " والحيض موجود في بني اسرائيل وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة لما حاضت في حجة الوداع " ان هذا شيء كتب الله على بنات آدم " في اثر ابن مسعود المذكور كالكلام في أثر عائشة. والله أعلم.
(2/350)

سلمة رضي الله عنها قالت ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ويمكث هو في مقامه يسيرا قبل أن يقوم قال نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال "
871- حدثنا أبو نعيم قال حدثنا بن عيينة عن إسحاق عن أنس رضي الله عنه قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم فقمت ويتيم خلفه وأم سليم خلفنا "
قوله: "باب صلاة النساء خلف الرجال" أورد فيه حديث أم سلمة في مكث الرجال بعد التسليم، وقد تقدم الكلام عليه. ومطابقته للترجمة من جهة أن صف النساء لو كان أمام الرجال أو بعضهم للزم من انصرافهن قبلهم أن يتخطينهم وذلك منهي عنه. ثم أورد فيه حديث أنس في صلاة أم سليم خلفه واليتيم معه، وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدم الكلام عليه في آخر أبواب الصفوف. وقوله فيه: "فقمت ويتيم خلفه " فيه شاهد لمذهب الكوفيين في إجازة العطف على الضمير المرفوع المتصل بدون التأكيد.
(2/351)

165 - باب سُرْعَةِ انْصِرَافِ النِّسَاءِ مِنْ الصُّبْحِ وَقِلَّةِ مَقَامِهِنَّ فِي الْمَسْجِدِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لاَ يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ أَوْ لاَ يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا "
قوله: "باب سرعة انصراف النساء من الصبح" قيد بالصبح لأن طول التأخير فيه يفضي إلى الإسفار، فناسب الإسراع، بخلاف العشاء فإنه يفضي إلى زيادة الظلمة فلا يضر المكث. قوله: "سعيد بن منصور" هو من شيوخ البخاري، وربما روي عنه بواسطة كما هنا. قوله: "فينصرفن" هو على لغة بني الحارث، وكذا قوله: "لا يعرفن بعضهن بعضا " وهذا في رواية الحموي والكشميهني ولغيرهما: "لا يعرف " بالإفراد على الجادة. قوله: "نساء المؤمنين" ذكر الكرماني أن في بعض النسخ " نساء المؤمنات " وذكر توجيهه، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في أبواب المواقيت.
(2/351)

166 - باب اسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ
873- حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها "
قوله: "باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد" أورد فيه حديث ابن عمر، وقد تقدم الكلام عليه قريبا، لكن أورده هنا من طريق يزيد بن زريع عن معمر وليس فيه تقييد بالمسجد. نعم أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه بذكر المسجد، وكذا أخرجه أحمد عن عبد الأعلى عن معمر وزاد فيه زيادة ستأتي قريبا. ومقتضى الترجمة أن جواز الخروج يحتاج إلى إذن الزوج، وقد تقدم البحث فيه أيضا، والله المستعان.
(2/351)

باب صلاة النساء خلف الرجال(1)
874- حدثنا أبو نعيم قال حدثنا ابن عيينه عن اسحاق عن أنس قال " صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم , فقمت ويتيم خلفه وأم سليم خلفنا "
875- حدثنا يحي بن قزعة حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه , وهو يمكث في مقامه يسيرا قبل أن يقوم . قالت ترى – والله أعلم – أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال "
"خاتمة": اشتملت أبواب صفة الصلاة إلى هنا من الأحاديث المرفوعة على مائة وثمانين حديثا، المعلق منها ثمانية وثلاثون حديثا، والبقية موصولة. المكرر منها - فيها وفيما مضى - مائة حديث وخمسة أحاديث وهي جملة المعلق إلا ثلاثة منه وسبعون أخرى موصولة، فالخالص منها خمسة وسبعون منها الثلاثة المعلقة، وافقه مسلم على تخريجها سوى ثلاثة عشر حديثا وهي: حديث ابن عمر في الرفع عند القيام من الركعتين، وحديث أنس في النهي عن رفع البصر في الصلاة، وحديث عائشة في أن الالتفات اختلاس من الشيطان، وحديث زيد بن ثابت في قراءة الأعراف في المغرب، وحديث أنس في قراءة الرجل قل هو الله أحد وهو معلق، وحديث أبي بكرة في الركوع دون الصف، وحديث أبي هريرة في جمع الإمام بين التسميع والتحميد، وحديث رفاعة في القول في الاعتدال، وحديث أبي سعيد في الجهر بالتكبير، وحديث ابن عمر في سنة الجلوس في التشهد، وحديث أم سلمة في سرعة انصراف النساء بعد السلام، وحديث أبي هريرة " لا يتطوع الإمام في مكانه " وهو معلق، وحديث عقبة بن الحارث في قسمة التبر. وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة وغيرهم ستة عشر أثرا منها ثلاثة موصولة وهي: حديث أبي يزيد عمرو بن سلمة في موافقته في صفه الصلاة لحديث مالك بن الحويرث وقد كرره، وحديث ابن عمر في صلاته متربعا ذكره في أثناء حديثه في سنة الجلوس في التشهد، وحديثه في تطوعه في المكان الذي صلى فيه الفريضة والبقية معلقات. والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــ
(1) هذه الترجمة تقدمت قريبا برقم الباب 164 , وكذلك حديثا الباب تقدما في ذلك الموضع برقم 871 و 870 فالتكرير وقع في الترجمة والحديثين معا
(2/352)

كتاب الجمعة
مدخل
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
11- كِتَاب الْجُمُعَةِ
"كتاب الجمعة" ثبتت هذه الترجمة للأكثر، ومنهم من قدمها على البسملة، وسقطت لكريمة وأبي ذر عن الحموي. والجمعة بضم الميم على المشهور، وقد تسكن وقرأ بها الأعمش، وحكى الواحدي عن الفراء فتحها، وحكى الزجاج الكسر أيضا. والمراد بيان أحكام صلاة الجمعة. واختلف في تسمية اليوم بذلك - مع الاتفاق على أنه كان يسمى في الجاهلية العروبة - بفتح العين المهملة وضم الراء وبالموحدة - فقيل: سمي بذلك لأن كمال الخلائق جمع فيه، ذكره أبو حذيفة النجاري في المبتدأ عن ابن عباس وإسناده ضعيف. وقيل: لأن خلق آدم جمع فيه ورد ذلك من حديث سلمان أخرجه أحمد وابن خزيمة وغيرهما في أثناء حديث، وله شاهد عن أبي هريرة ذكره ابن أبي حاتم موقوفا بإسناد قوي، وأحمد مرفوعا بإسناد ضعيف. وهذا أصح الأقوال. ويليه ما أخرجه عبد بن حميد عن ابن سيرين بسند صحيح إليه في قصة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة، وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة، فصلى بهم وذكرهم فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه، ذكره ابن أبي حاتم موقوفا. وقيل: لأن كعب بن لؤي كان يجمع قومه فيه فيذكرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم ويخبرهم بأنه سيبعث منه نبي، روى ذلك الزبير في " كتاب النسب " عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مقطوعا وبه جزم الفراء وغيره. وقيل: إن قصيا هو الذي كان يجمعهم ذكره ثعلب في أماليه. وقيل سمي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه، وبهذا جزم ابن حزم فقال: إنه اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية وإنما كان يسمى العروبة. انتهى. وفيه نظر، فقد قال أهل اللغة: أن العروبة اسم قديم كان للجاهلية. وقالوا في الجمعة هو يوم العروبة، فالظاهر أنهم غيروا أسماء الأيام السبعة بعد أن كانت تسمى: أول، أهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، شبار. وقال الجوهري: كانت العرب تسمي يوم الاثنين أهون في أسمائهم القديمة، وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء، وهي هذه المتعارفة الآن كالسبت والأحد إلى آخرها. وقيل: إن أول من سمى الجمعة العروبة كعب بن لؤي وبه جزم الفراء وغيره، فيحتاج من قال إنهم غيروها إلا الجمعة فأبقوه على تسمية العروبة إلى نقل خاص. وذكر ابن القيم في الهدى ليوم الجمعة اثنين وثلاثين خصوصية، وفيها أنها يوم عيد ولا يصام منفردا، وقراءة ألم تنزيل وهل أتى في صبيحتها والجمعة والمنافقين فيها، والغسل لها والطيب والسواك ولبس أحسن الثياب، وتبخير المسجد والتبكير والاشتغال بالعبادة حتى يخرج الخطيب، والخطبة والإنصات، وقراءة الكهف، ونفي كراهية النافلة وقت الاستواء، ومنع السفر قبلها، وتضعيف أجر الذاهب إليها بكل خطوة أجر سنة، ونفي تسجير جهنم في يومها، وساعة الإجابة، وتكفير الآثام، وأنها يوم المزيد والشاهد المدخر لهذه الأمة، وخير أيام الأسبوع، وتجتمع فيه الأرواح إن ثبت الخبر فيه، وذكر أشياء أخر فيها نظر، وترك أشياء يطول تتبعها. انتهى ملخصا والله أعلم.
(2/353)

1 - باب فَرْضِ الْجُمُعَةِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة الجمعة
(2/353)

876- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ "
قوله: "باب فرض الجمعة" لقول الله تعالى. {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } إلى هنا عند الأكثر، وسياق بقية الآية في رواية كريمة وأبي ذر. قوله: "فاسعوا فامضوا" هذا في رواية أبي ذر عن الحموي وحدة، وهو تفسير منه للمراد بالسعي هنا بخلاف قوله في الحديث المتقدم " فلا تأتوها تسعون " فالمراد به الجري. وسيأتي في التفسير أن عمر قرأ: { فامضوا } وهو يؤيد ذلك. واستدلال البخاري بهذه الآية على فرضية الجمعة سبقه إليه الشافعي في الأم، وكذا حديث أبي هريرة ثم قال: فالتنزيل ثم السنة يدلان على إيجابها، قال: وعلم بالإجماع أن يوم الجمعة هو الذي بين الخميس والسبت. وقال الشيخ الموفق: الأمر بالسعي يدل على الوجوب إذ لا يجب السعي إلا إلى واجب. واختلف في وقت فرضيتها فالأكثر على أنها فرضت بالمدينة وهو مقتضى ما تقدم أن فرضيتها بالآية المذكورة وهي مدنية. وقال الشيخ أبو حامد: فرضت بمكة، وهو غريب. وقال الزين ابن المنير: وجه الدلالة من الآية الكريمة مشروعية النداء لها، إذ الأذان من خواص الفرائض، وكذا النهي عن البيع لأنه لا ينهي عن المباح - يعني نهى تحريم - إلا إذا أفضى إلى ترك واجب، ويضاف إلى ذلك التوبيخ على قطعها. قال: وأما وجه الدلالة من الحديث فهو من التعبير بالفرض لأنه للإلزام، وإن أطلق على غير الإلزام كالتقدير لكنه متعين له لاشتماله على ذكر الصرف لأهل الكتاب عن اختياره وتعيينه لهذه الأمة سواء كان ذلك وقع لهم بالتنصيص أم بالاجتهاد. وفي سياق القصة إشعار بأن فرضيتها على الأعيان لا على الكفاية، وهو من جهة إطلاق الفرضية ومن التعميم في قوله: "فهدانا الله له والناس لنا فيه تبع" . قوله: "نحن الآخرون السابقون" في رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم: "نحن الآخرون ونحن السابقون " أي الآخرون زمانا الأولون منزلة، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية فهي سابقة لهم في الآخرة بأنهم أول من يحشر وأول من يحاسب وأول من يقضي بينهم وأول من يدخل الجنة. وفي حديث حذيفة عند مسلم: "نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق" . وقيل: المراد بالسبق هنا إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، ويوم الجمعة وإن كان مسبوقا بسبت قبله أو أحد لكن لا يتصور اجتماع الأيام الثلاثة متوالية إلا ويكون يوم الجمعة سابقا. وقيل المراد بالسبق أي إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا سمعنا وعصينا، والأول أقوى، قوله: "بيد" بموحدة ثم تحتانية ساكنة مثل غير وزنا ومعنى، وبه جزم الخليل والكسائي ورجحه ابن سيده، وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن الربيع عنه أن معنى " بيد " من أجل، وكذا ذكره ابن حبان والبغوي عن المزني عن الشافعي. وقد استبعده عياض ولا بعد فيه، بل معناه أنا سبقنا بالفضل هدينا للجمعة مع تأخرنا في الزمان، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم، ويشهد له ما وقع في فوائد ابن المقري من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: "نحن الآخرون في الدنيا ونحن السابقون أول من يدخل الجنة لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا " وفي
(2/354)

موطأ سعيد بن عفير عن مالك عن أبي الزناد بلفظ: "ذلك بأنهم أوتوا الكتاب " وقال الداودي: هي بمعنى على أو مع، قال القرطبي: إن كانت بمعنى غير فنصب على الاستثناء، وإن كانت بمعنى مع فنصب على الظرف. وقال الطيبي: هي للاستثناء، وهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم، والمعنى نحن السابقون للفضل غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ووجه التأكيد فيه ما أدمج فيه من معنى النسخ، لأن الناسخ هو السابق في الفضل وإن كان متأخرا في الوجود، وبهذا التقرير يظهر موقع قوله: "نحن الآخرون " مع كونه أمرا واضحا. قوله: "أوتوا الكتاب" اللام للجنس، والمراد التوراة والإنجيل، والضمير في " أوتيناه " للقرآن. وقال القرطبي: المراد بالكتاب التوراة، وفيه نظر لقوله: "وأوتيناه من بعدهم " فأعاد الضمير على الكتاب، فلو كان المراد التوراة لما صح الإخبار، لأنا إنما أوتينا القرآن. وسقط من الأصل قوله: "وأوتيناه من بعدهم " وهي ثابتة في رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه، أخرجه الطبراني في مسند الشاميين عنه، وكذا لمسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد، وسيأتي تاما عند المصنف بعد أبواب من وجه آخر عن أبي هريرة. قوله: "ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم" كذا للأكثر، وللحموي " الذي فرض الله عليهم " والمراد باليوم يوم الجمعة، والمراد باليوم بفرضه فرض تعظيمه، وأشير إليه بهذا لكونه ذكر في أول الكلام كما عند مسلم من طريق آخر عن أبي هريرة، ومن حديث حذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا " الحديث. قال ابن بطال: ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن، وإنما يدل - والله أعلم - أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أي الأيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة، ومال عياض إلى هذا ورشحه بأنه لو كان فرض عليهم بعينه لقيل فخالفوا بدل فاختلفوا. وقال النووي: يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا هل يلزم تعينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر فاجتهدوا في ذلك فأخطئوا. انتهى. ويشهد له ما رواه الطبري بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى:{إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه" قال: أرادوا الجمعة فأخطئوا وأخذوا السبت مكانه. ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والنصارى في ذلك، وقد روى ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي التصريح بأنهم فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا، ولفظه: "إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا: يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا، فجعل عليهم " وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى: {ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة} وغير ذلك، وكيف لا وهم القائلون {سمعنا وعصينا} . قوله: "فهدانا الله له" يحتمل أن يراد بأن نص لنا عليه، وأن يراد الهداية إليه بالاجتهاد، ويشهد للثاني ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيربن قال: "جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن تنزل الجمعة، فقالت الأنصار: إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى كذلك، فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره. فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ، وأنزل الله تعالى بعد ذلك: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} الآية، وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك قال: "كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسعد بن زرارة " الحديث. فمرسل ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد، ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي وهو
(2/355)

بمكة فلم يتمكن من إقامتها، ثم فقد ورد فيه حديث عن ابن عباس عند الدار قطني، ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن إسحاق وغيره، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق. وقيل في الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه، والإنسان إنما خلق للعبادة فناسب أن يشتغل بالعبادة فيه، ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه. قوله: "اليهود غدا والنصارى بعد غد" في رواية أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عند ابن خزيمة: "فهو لنا، ولليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد " والمعنى أنه لنا بهداية الله تعالى ولهم باعتبار اختيارهم وخطئهم في اجتهادهم. قال القرطبي: غدا هنا منصوب على الظرف، وهو متعلق بمحذوف وتقديره اليهود يعظمون غدا، وكذا قوله: "بعد غد " ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة. انتهى. وقال ابن مالك: الأصل أن يكون المخبر عنه بظرف الزمان من أسماء المعاني كقولك غدا للتأهب وبعد غد للرحيل فيقدر هنا مضافان يكون ظرفا الزمان خبرين عنهما، أي تعييد اليهود غدا وتعييد النصارى بعد غد ا هـ. وسبقه إلى نحو ذلك عياض، وهو أوجه من كلام القرطبي. وفي الحديث دليل على فرضية الجمعة كما قال النووي، لقوله: "فرض عليهم فهدانا الله له " فإن التقدير فرض عليهم وعلينا فضلوا وهدينا، وقد وقع في رواية سفيان عن أبي الزناد عند مسلم بلفظ: "كتب علينا" . وفيه أن الهداية والإضلال من الله تعالى كما هو قول أهل السنة، وأن سلامة الإجماع من الخطأ مخصوص بهذه الأمة، وأن استنباط معنى من الأصل يعود عليه بالإبطال باطل، وأن القياس مع وجود النص فاسد، وأن الاجتهاد في زمن نزول الوحي جائز، وأن الجمعة أول الأسبوع شرعا، ويدل على ذلك تسمية الأسبوع كله جمعة وكانوا يسمون الأسبوع سبتا كما سيأتي في الاستسقاء في حديث أنس، وذلك أنهم كانوا مجاورين لليهود فتبعوهم في ذلك، وفيه بيان واضح لمزيد فضل هذه الأمة على الأمم السابقة زادها الله تعالى.
(2/356)

باب فصل الغسل يوم الجمعة
...
3 - باب فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ .
وَهَلْ عَلَى الصَّبِيِّ شُهُودُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ عَلَى النِّسَاءِ
877- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ "
[الحديث 877- طرفاه في:919,894]
878- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَاهُ عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ قَالَ إِنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ فَلَمْ أَزِدْ أَنْ تَوَضَّأْتُ فَقَالَ وَالْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ "
[الحديث878-طرفه في:882]

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:55 AM
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ "
قوله: "باب فضل الغسل يوم الجمعة" قال الزين بن المنير: لم يذكر الحكم لما وقع فيه من الخلاف، واقتصر على الفضل لأن معناه الترغيب فيه وهو القدر الذي تتفق الأدلة على ثبوته. قوله: "وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء" اعترض أبو عبد الملك فيما حكاه ابن التين على هذا الشق الثاني من الترجمة فقال: ترجم هل على الصبي أو النساء جمعة؟ وأورد " إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل " وليس فيه ذكر وجوب شهود ولا غيره، وأجاب ابن التين بأنه أراد سقوط الوجوب عنهم، أما الصبيان فبالحديث الثالث في الباب حيث قال: "على كل محتلم " فدل على أنها غير واجبة على الصبيان، قال: وقال الداودي فيه دليل على سقوطها عن النساء لأن الفروض تجب عليهن في الأكثر بالحيض لا بالاحتلام، وتعقب بأن الحيض في حقهن علامة للبلوغ كالاحتلام، وليس الاحتلام مختصا بالرجال وإنما ذكر في الخبر لكونه الغالب وإلا فقد لا يحتلم الإنسان أصلا ويبلغ بالإنزال أو السن وحكمه حكم المحتلم. وقال الزين بن المنير: إنما أشار إلى أن غسل الجمعة شرع للرواح إليها كما دلت عليه الأخبار، فيحتاج إلى معرفة من يطلب رواحه فيطلب غسله، واستعمل الاستفهام في الترجمة للإشارة إلى وقوع الاحتمال في حق الصبي في عموم قوله : "أحدكم " لكن تقيده بالمحتلم في الحديث الآخر يخرجه، وأما النساء فيقع فيهن الاحتمال بأن يدخلن في " أحدكم " بطريق التبع، وكذا احتمال عموم النهي في منعهن المساجد، لكن تقيده بالليل يخرج الجمعة ا هـ. ولعل البخاري أشار بذكر النساء إلى ما سيأتي قريبا في بعض طرق حديث نافع، وإلى الحديث المصرح بأن لا جمعة على امرأة ولا صبي لكونه ليس على شرطه وإن كان الإسناد صحيحا وهو عند أبي داود من حديث طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم ورجاله ثقات، لكن قال أبو داود: لم يسمع طارق من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه رآه ا هـ. وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق طارق عن أبي موسى الأشعري، قال الزين بن المنير: ونقل عن مالك أن من يحضر الجمعة من غير الرجال أن حضرها لابتغاء الفضل شرع له الغسل وسائر آداب الجمعة، وإن حضرها لأمر اتفاقي فلا. ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث: حديث نافع عن ابن عمر أخرجه من حديث مالك عنه بلفظ: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل " وقد رواه ابن وهب عن مالك أن نافعا حدثهم فذكره، أخرجه البيهقي، والفاء للتعقيب، وظاهره أن الغسل يعقب المجيء، وليس ذلك المراد وإنما التقدير إذا أراد أحدكم، وقد جاء مصرحا به في رواية الليث عن نافع عند مسلم ولفظه: "إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل " ونظير ذلك قوله تعالى: {إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} فإن المعنى إذا أردتم المناجاة بلا خلاف.ويقوي رواية الليث حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح " فهو صريح في تأخير الرواح عن الغسل، وعرف بهذا فساد قول من حمله على ظاهره واحتج به على أن الغسل لليوم لا للصلاة، لأن الحديث واحد ومخرجه واحد، وقد بين الليث في روايته المراد، وقواه حديث أبي هريرة، ورواية نافع عن ابن عمر لهذا الحديث مشهورة جدا فقد اعتنى بتخريج طرقه أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين نفسا رووه عن نافع، وقد تتبعت ما فاته وجمعت ما وقع لي من طرقه في جزء مفرد لغرض اقتضى ذلك فبلغت أسماء من رواه عن نافع مائة وعشرين نفسا، فما يستفاد منه هنا ذكر سبب
(2/357)

الحديث، ففي رواية إسماعيل بن أمية عن نافع عند أبي عوانة وقاسم بن أصبغ " كان الناس يغدون في أعمالهم، فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب متغيرة، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من جاء منكم الجمعة فليغتسل " ومنها ذكر محل القول، ففي رواية الحكم بن عتيبة عن نافع عن ابن عمر " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد هذا المنبر بالمدينة يقول: "أخرجه يعقوب الجصاص في فوائده من رواية اليسع بن قيس عن الحكم، وطريق الحكم عند النسائي وغيره من رواية شعبة عنه بدون هذا السياق بلفظ حديث الباب إلا قوله: "جاء " فعنده " راح " وكذا رواه النسائي من رواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب ومنصور ومالك ثلاثتهم عن نافع، ومنها ما يدل على تكرار ذلك ففي رواية صخر بن جويرية عن نافع عند أبي مسلم الكجي بلفظ: "كان إذا خطب يوم الجمعة قال: "الحديث. ومنها زيادة في المتن، ففي رواية عثمان بن واقد عن نافع عند أبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان في صحاحهم بلفظ: "من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل " ورجاله ثقات، لكن قال البزار: أخشى أن يكون عثمان بن واقد وهم فيه. ومنها زيادة في المتن والإسناد أيضا، أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من طرق عن مفضل بن فضالة عن عياش بن عباس الكثباني عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجمعة واجبة على كل محتلم، وعلى من راح إلى الجمعة الغسل " قال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن نافع بزيادة حفصة إلا بكير، ولا عنه إلا عياش تفرد به مفضل. قلت: رواته ثقات، فإن كان محفوظا فهو حديث آخر ولا مانع أن يسمعه ابن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره من الصحابة، فسيأتي في ثاني أحاديث الباب من رواية ابن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما مع اختلاف المتون، قال ابن دقيق العيد: في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة، واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب، ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور قالوا: يجزئ من بعد الفجر، ويشهد لهم حديث ابن عباس الآتي قريبا. وقال الأثرم: سمعت أحمد سئل عمن اغتسل ثم أحدث هل يكفيه الوضوء؟ فقال: نعم. ولم أسمع فيه أعلى من حديث ابن أبزي، يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه وله صحبة " أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث فيتوضأ ولا يعيد الغسل " ومقتضى النظر أن يقال: إذا عرف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة والتنظيف رعاية الحاضرين من التأذي بالرائحة الكريهة، فمن خشي أن يصيبه في أثناء النهار ما يزيل تنظيفه استحب له أن يؤخر الغسل لوقت ذهابه، ولعل هذا هو الذي لحظه مالك فشرط اتصال الذهاب بالغسل ليحصل الأمن مما يغاير التنظيف والله أعلم. قال ابن دقيق العيد: ولقد أبعد الظاهري إبعادا يكاد أن يكون مجزوما ببطلانه حيث لم يشترط تقدم الغسل على إقامة صلاة الجمعة حتى لو اغتسل قبل الغروب كفى عنده تعلقا بإضافة الغسل إلى اليوم، يعني كما سيأتي في حديث الباب الثالث، وقد تبين من بعض الروايات أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة يعني كما سيأتي من حديث عائشة بعد أبواب، قال: وفهم منه أن المقصود عدم تأذي الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة، وكذلك أقول لو قدمه بحيث لا يتحصل هذا المقصود لم يعتد به. والمعنى إذا كان معلوما كالنص قطعا أو ظنا مقارنا للقطع فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من اتباع مجرد اللفظ. قلت: وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة ولا فعل ما أمر به. وادعى ابن حزم أنه قول جماعة من الصحابة والتابعين وأطال في تقرير ذلك بما هو بصدد المنع، والرد يفضي إلى التطويل بما لا طائل تحته،
(2/358)

ولم يورد عن أحد ممن ذكر التصريح بإجزاء الاغتسال بعد صلاة الجمعة، وإنما أورد عنهم ما يدل على أنه لا يشترط اتصال الغسل بالذهاب إلى الجمعة، فأخذ هو منه أنه لا فرق بين ما قبل الزوال أو بعده والفرق بينهما ظاهر كالشمس، والله أعلم. واستدل من مفهوم الحديث على أن الغسل لا يشرع لمن لم يحضر الجمعة، وقد تقدم التصريح بمقتضاه في آخر رواية عثمان بن واقد عن نافع، وهذا هو الأصح عند الشافعية، وبه قال الجمهور خلافا لأكثر الحنفية، وقوله فيه: "الجمعة " المراد به الصلاة أو المكان الذي تقام فيه، وذكر المجيء لكونه الغالب وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورا للجامع أو مقيما به، واستدل به على أن الأمر لا يحمل على الوجوب إلا بقرينه لقوله كان يأمرنا مع أن الجمهور حملوه على الندب كما سيأتي في الكلام على الحديث الثالث، وهذا بخلاف صيغة أفعل فإنها على الوجوب حتى تظهر قرينة على الندب. حديث مالك عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن عمر عن ابن عمر رضي الله عنهما " أن عمر بن الخطاب بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة " الحديث أورده من رواية جويرية ابن أسماء عن مالك وهو عند رواة الموطأ عن مالك ليس فيه ذكر ابن عمر، فحكى الإسماعيلي عن البغوي بعد أن أخرجه من طريق روح بن عبادة عن مالك أنه لم يذكر في هذا الحديث أحد عن مالك عن عبد الله بن عمر غير روح بن عبادة وجويرية ا هـ. وقد تابعهما أيضا عبد الرحمن بن مهدي، أخرجه أحمد ابن حنبل عنه بذكر ابن عمر. وقال الدار قطني في الموطأ رواه جماعة من أصحاب مالك الثقات عنه خارج الموطأ موصولا عنهم فذكر هؤلاء الثلاثة ثم قال: وأبو عاصم النبيل وإبراهيم بن طهمان والوليد بن مسلم وعبد الوهاب بن عطاء، وذكر جماعة غيرهم في بعضهم مقال، ثم ساق أسانيدهم إليهم بذلك، وزاد ابن عبد البر فيمن وصله عن مالك القعنبي في رواية إسماعيل بن إسحاق القاضي عنه، ورواه عن الزهري موصولا يونس بن يزيد عند مسلم ومعمر عند أحمد وأبو أويس عند قاسم بن أصبغ، ولجويرية بن أسماء فيه إسناد آخر أعلى من روايته عن مالك أخرجه الطحاوي وغيره من رواية أبي غسان عنه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما. قوله: "بينما" أصله " بين " وأشبعت الفتحة، وقد تبقى بلا إشباع ويزاد فيها " ما " فتصير " بينما " وهي رواية يونس، وهي ظرف زمان فيه معنى المفاجأة. قوله: "إذ جاء رجل" في رواية المستملي والأصيلي وكريمة: "إذ دخل". قوله: "من المهاجرين الأولين" قيل في تعريفهم من صلى إلى القبلتين، وقيل من شهد بدرا، وقيل من شهد بيعة الرضوان. ولا شك أنها مراتب نسبية والأول أولى في التعريف لسبقه، فمن هاجر بعد تحويل القبلة وقبل وقعة بدر هو آخر بالنسبة إلى من هاجر قبل التحويل، وقد سمي ابن وهب وابن القاسم في روايتهما عن مالك في الموطأ الرجل المذكور عثمان بن عفان، وكذا سماه معمر في روايته عن الزهري عند الشافعي وغيره، وكذا وقع في رواية ابن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر، قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافا في ذلك، وقد سماه أيضا أبو هريرة في روايته لهذه القصة عند مسلم كما سيأتي بعد بابين. قوله: "فناداه" أي قال له يا فلان. قوله: "أية ساعة هذه" أية بتشديد التحتانية تأنيث أي يستفهم بها، والساعة اسم لجزء من النهار مقدر وتطلق على الوقت الحاضر وهو المراد هنا، وهذا الاستفهام استفهام توبيخ وإنكار، وكأنه يقول لم تأخرت إلى هذه الساعة؟ وقد ورد التصريح بالإنكار في رواية أبي هريرة فقال عمر: لم تحتبسون عن الصلاة. وفي رواية مسلم: "فعرض عنه عمر فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء " والذي يظهر أن عمر قال ذلك كله فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر، ومراد عمر التلميح إلى ساعات التبكير التي وقع الترغيب فيها وأنها إذا انقضت طوت الملائكة الصحف كما سيأتي قريبا،
(2/359)

وهذا من أحسن التعويضات وأرشق الكنايات، وفهم عثمان ذلك فبادر إلى الاعتذار عن التأخر. قوله: "إني شغلت" بضم أوله، وقد بين جهة شغله في رواية عبد الرحمن بن مهدي حيث قال: "انقلبت من السوق فسمعت النداء " والمراد به الأذان بين يدي الخطيب كما سيأتي بعد أبواب. قوله: "فلم أزد على أن توضأت" لم أشتغل بشيء بعد أن سمعت النداء إلا بالوضوء، وهذا يدل على أنه دخل المسجد في ابتداء شروع عمر في الخطبة. قوله: "والوضوء أيضا؟" فيه إشعار بأنه قبل عذره في ترك التبكير لكنه استنبط منه معنى آخر اتجه له عليه فيه إنكار ثان مضاف إلى الأول، وقوله: "والوضوء " في روايتنا بالنصب، وعليه اقتصر النووي في شرح مسلم، أي والوضوء أيضا اقتصرت عليه أو اخترته دون الغسل؟ والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء؟ وجوز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي والوضوء أيضا يقتصر عليه، وأغرب السهيلي فقال: اتفق الرواة على الرفع لأن النصب يخرجه إلى معنى الإنكار، يعني والوضوء لا ينكر، وجوابه ما تقدم. والظاهر أن الواو عاطفة. وقال القرطبي: هي عوض عن همزة استفهام كقراءة ابن كثير " قال فرعون وآمنتم به " وقوله: "أيضا: "أي ألم يكفك أن فاتك فضل التبكير إلى الجمعة حتى أضفت إليه ترك الغسل المرغب فيه؟ ولم أقف في شيء من الروايات على جواب عثمان عن ذلك، والظاهر أنه سكت عنه اكتفاء بالاعتذار الأول لأنه قد أشار إلى أنه كان ذاهلا عن الوقت، وأنه بادر عند سماع النداء، وإنما ترك الغسل لأنه تعارض عنده إدراك سماع الخطبة والاشتغال بالغسل وكل منهما مرغب فيه فآثر سماع الخطبة، ولعله كان يرى فرضيته فلذلك آثره، والله أعلم. قوله: "كان يأمر بالغسل" كذا في جميع الروايات لم يذكر المأمور، إلا أن في رواية جويرية عن نافع بلفظ: "كنا نؤمر " وفي حديث ابن عباس عند الطحاوي في هذه القصة " أن عمر قال له: لقد علم أنا أمرنا بالغسل. قلت: أنتم المهاجرون الأولون أم الناس جميعا؟ قال: لا أدري " رواته ثقات، إلا أنه معلول. وقد وقع في رواية أبي هريرة في هذه القصة " أن عمر قال: ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل " كذا هو في الصحيحين وغيرهما، وهو ظاهر في عدم التخصيص بالمهاجرين الأولين. وفي هذا الحديث من الفوائد القيام في الخطبة وعلى المنبر، وتفقد الإمام رعيته، وأمره لهم بمصالح دينهم، وإنكاره على من أخل بالفضل وإن كان عظيم المحل، ومواجهته بالإنكار ليرتدع من هو دونه بذلك، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أثناء الخطبة لا يفسدها، وسقوط منع الكلام عن المخاطب بذلك. وفيه الاعتذار إلى ولاة الأمر، وإباحة الشغل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء ولو أفضى إلى ترك فضيلة البكور إلى الجمعة، لأن عمر لم يأمر برفع السوق بعد هذه القصة. واستدل به مالك على أن السوق لا تمنع يوم الجمعة قبل النداء لكونها كانت في زمن عمر، ولكون الذاهب إليها مثل عثمان. وفيه شهود الفضلاء السوق، ومعاناة المتجر فيها. وفيه أن فضيلة التوجه إلى الجمعة إنما تحصل قبل التأذين. وقال عياض: فيه حجة لأن السعي إنما يجب بسماع الأذان، وأن شهود الخطبة لا يجب، وهو مقتضى قول أكثر المالكية. وتعقب بأنه لا يلزم من التأخير إلى سماع النداء فوات الخطبة، بل تقدم ما يدل على أنه لم يفت عثمان من الخطبة شيء. وعلى تقدير أن يكون فاته منها بشيء فليس فيه دليل على أنه لا يجب شهودها على من تنعقد به الجمعة. واستدل به على أن غسل الجمعة واجب لقطع عمر الخطبة وإنكاره على عثمان تركه، وهو متعقب لأنه أنكر عليه ترك السنة المذكورة وهي التبكير إلى الجمعة فيكون الغسل كذلك، وعلى أن الغسل ليس
(2/360)

شرطا لصحة الجمعة. وسيأتي البحث فيه في الحديث بعده. حديث مالك أيضا عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، لم تختلف رواة الموطأ على مالك في إسناده، ورجاله مدنيون كالأول، وفيه رواية تابعي عن تابعي صفوان عن عطاء، وقد تابع مالكا على روايته الدراوردي عن صفوان عند ابن حبان، وخالفهما عبد الرحمن بن إسحاق فرواه عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أخرجه أبو بكر المروذي في كتاب الجمعة له. قوله: "غسل يوم الجمعة" استدل به لمن قال الغسل لليوم للإضافة إليه، وقد تقدم ما فيه، واستنبط منه أيضا أن ليوم الجمعة غسلا مخصوصا حتى لو وجدت صورة الغسل فيه لم يجز عن غسل الجمعة إلا بالنية، وقد أخذ بذلك أبو قتادة فقال لابنه وقد رآه يغتسل يوم الجمعة " إن كان غسلك عن جنابة فأعد غسلا آخر للجمعة " أخرجه الطحاوي وابن المنذر وغيرهما. ووقع في رواية مسلم في حديث الباب الغسل يوم الجمعة وكذا هو في الباب الذي بعد هذا، وظاهره أن الغسل حيث وجد فيه كفى لكون اليوم جعل ظرفا للغسل، ويحتمل أن يكون اللام للعهد فتتفق الروايتان. قوله: "واجب على كل محتلم" أي بالغ، وإنما ذكر الاحتلام لكونه الغالب، واستدل به على دخول النساء في ذلك كما سيأتي بعد ثمانية أبواب، واستدل بقوله واجب على فرضية غسل الجمعة، وقد حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمار بن ياسر وغيرهما، وهو قول أهل الظاهر وإحدى الروايتين عن أحمد، وحكاه ابن حزم عن عمر وجمع جم من الصحابة ومن بعدهم، ثم ساق الرواية عنهم لكن ليس فيها عن أحد منهم التصريح بذلك إلا نادرا، وإنما اعتمد في ذلك على أشياء محتملة كقول سعد " ما كنت أظن مسلما يدع غسل يوم الجمعة"، وحكاه ابن المنذر والخطابي عن مالك.
وقال القاضي عياض وغيره ليس ذلك بمعروف في مذهبه، قال ابن دقيق العيد: قد نص مالك على وجوبه فحمله من لم يمارس مذهبه على ظاهره وأبى ذلك أصحابه ا هـ.
والرواية عن مالك بذلك في التمهيد.
وفيه أيضا من طريق أشهب عن مالك أنه سئل عنه فقال: حسن وليس بواجب.
وحكاه بعض المتأخرين عن ابن خزيمة من أصحابنا، وهو غلط عليه فقد صرح في صحيحه بأنه على الاختيار، واحتج لكونه مندوبا بعدة أحاديث في عدة تراجم.
وحكاه شارح الغنية لابن سريح قولا للشافعي واستغرب، وقد قال الشافعي في الرسالة بعد أن أورد حديثي ابن عمر وأبي سعيد: احتمل قوله واجب معنيين، الظاهر منهما أنه واجب فلا نجزي الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل، واحتمل أنه واجب في الاختيار وكرم الأخلاق والنظافة.
ثم استدل للاحتمال الثاني بقصة عثمان مع عمر التي تقدمت قال: فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل ولم يأمره عمر بالخروج للغسل دل ذلك على أنهما قد علما أن الأمر بالغسل للاختيار ا هـ.
وعلى هذا الجواب عول أكثر المصنفين في هذه المسألة كابن خزيمة والطبري والطحاوي وابن حبان وابن عبد البر وهلم جرا، وزاد بعضهم فيه أن من حضر من الصحابة وافقوهما على ذلك فكان إجماعا منهم على أن الغسل ليس شرطا في صحة الصلاة وهو استدلال قوي، وقد نقل الخطابي وغيره الإجماع على أن صلاة الجمعة بدون الغسل مجزئة، لكن حكى الطبري عن قوم أنهم قالوا بوجوبه ولم يقولوا إنه شرط بل هو واجب مستقل تصح الصلاة بدونه كأن أصله قصد التنظيف وإزالة الروائح الكريهة التي يتأذى بها الحاضرون من الملائكة والناس، وهو موافق لقول من قال: يحرم أكل الثوم على من قصد الصلاة في الجماعة، ويرد عليهم أنه يلزم من ذلك تأثيم عثمان، والجواب أنه كان معذورا لأنه إنما تركه ذاهلا عن الوقت، مع أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار، لما ثبت في صحيح مسلم عن حمران أن عثمان لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفيض عليه الماء، وإنما لم يعتذر بذلك لعمر كما اعتذر عن التأخر
(2/361)

لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة كما هو الأفضل، وعن بعض الحنابلة التفصيل بين ذي النظافة وغيره، فيجب على الثاني دون الأول نظرا إلى العلة، حكاه صاحب الهدى، وحكى ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه أن قصة عمر وعثمان تدل على وجوب الغسل لا على عدم وجوبه من جهة ترك عمر الخطبة واشتغاله بمعاتبة عثمان وتوبيخ مثله على رءوس الناس، فلو كان ترك الغسل مباحا لما فعل عمر ذلك، وإنما لم يرجع عثمان للغسل لضيق الوقت إذ لو فعل لفاتته الجمعة أو لكونه كان اغتسل كما تقدم. قال ابن دقيق العيد: ذهب الأكثرون إلى استحباب غسل الجمعة وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر، وقد أولوا صيغة الأمر على الندب وصيغة الوجوب على التأكيد كما يقال: إكرامك على واجب، وهو تأويل ضعيف إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا على هذا الظاهر. وأقوى ما عارضوا به هذا الظاهر حديث: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل " ولا يعارض سنده سند هذه الأحاديث، قال: وربما تأولوه تأويلا مستكرها كمن حمل لفظ الوجوب على السقوط.انتهى. فأما الحديث فعول على المعارضة به كثير من المصنفين، ووجه الدلالة منه قوله: "فالغسل أفضل " فإنه يقتضي اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل، فيستلزم إجزاء الوضوء. ولهذا الحديث طرق أشهرها وأقواها رواية الحسن عن سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وابن خزيمة وابن حبان، وله علتان: إحداهما أنه من عنعنة الحسن، والأخرى أنه اختلف عليه فيه. وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس، والطبراني من حديث عبد الرحمن ابن سمرة، والبزار من حديث أبي سعيد، وابن عدي من حديث جابر وكلها ضعيفة. وعارضوا أيضا بأحاديث، منها الحديث الآتي في الباب الذي بعده فإن فيه: "وأن يستن، وأن يمس طيبا " قال القرطبي: ظاهره وجوب الاستنان والطيب لذكرهما بالعاطف، فالتقدير الغسل واجب والاستنان والطيب كذلك، قال: وليسا بواجبين اتفاقا، فدل على أن الغسل ليس بواجب، إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد. انتهى. وقد سبق إلى ذلك الطبري والطحاوي، وتعقبه ابن الجوزي بأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب، لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف. وقال ابن المنير في الحاشية: إن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه لأن للقائل أن يقول: أخرج بدليل فبقي ما عداه على الأصل، وعلى أن دعوى الإجماع في الطيب مردودة، فقد روى سفيان بن عيينة في جامعه عن أبي هريرة أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة وإسناده صحيح، وكذا قال بوجوبه بعض أهل الظاهر. ومنها حديث أبي هريرة مرفوعا: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له " أخرجه مسلم. قال القرطبي: ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه الثواب المقتضى للصحة، فدل على أن الوضوء كاف. وأجيب بأنه ليس فيه نفي الغسل. وقد ورد من وجه آخر في الصحيحين بلفظ: "من اغتسل " فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء. ومنها حديث ابن عباس أنه " سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو؟ فقال: لا، ولكنه أطهر لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس بواجب عليه. وسأخبركم عن بدء الغسل: كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون، وكان مسجدهم ضيقا، فلما آذى بعضهم بعضا قال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا " قال ابن عباس " ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع المسجد". أخرجه أبو داود والطحاوي وإسناده حسن، لكن الثابت عن ابن عباس خلافه كما سيأتي قريبا. وعلى تقدير الصحة فالمرفوع منه ورد بصيغة الأمر الدالة على الوجوب، وأما نفي الوجوب فهو موقوف
(2/362)

لأنه من استنباط ابن عباس، وفيه نظر إذ لا يلزم من زوال السبب زوال المسبب كما في الرمل والجمار، على تقدير تسليمه فلمن قصر الوجوب على من به رائحة كريهة أن يتمسك به. ومنها حديث طاوس " قلت لابن عباس: زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رءوسكم إلا أن تكونوا جنبا " الحديث. قال ابن حبان بعد أن أخرجه: فيه أن غسل الجمعة يجزئ عنه غسل الجنابة، وأن غسل الجمعة ليس بفرض، إذ لو كان فرضا لم يجز عنه غيره. انتهى. وهذه الزيادة " إلا أن تكونوا جنبا " تفرد بها ابن إسحاق عن الزهري، وقد رواه شعيب عن الزهري بلفظ: "وأن تكونوا جنبا " وهذا هو المحفوظ عن الزهري كما سيأتي بعد بابين. ومنها حديث عائشة الآتي بعد أبواب بلفظ: "لو اغتسلتم " ففيه عرض وتنبيه لا حتم ووجوب، وأجيب بأنه ليس فيه نفي الوجوب، وبأنه سابق عل الأمر به والإعلام بوجوبه. ونقل الزين بن المنير بعد قول الطحاوي لما ذكر حديث عائشة: فدل على أن الأمر بالغسل لم يكن للوجوب، وإنما كان لعلة ثم ذهبت تلك العلة فذهب الغسل، وهذا من الطحاوي يقتضي سقوط الغسل أصلا فلا يعد فرضا ولا مندوبا لقوله زالت العلة الخ، فيكون مذهبا ثالثا في المسألة. انتهى. ولا يلزم من زوال العلة سقوط الندب تعبدا، ولا سيما مع احتمال وجود العلة المذكورة. ثم إن هذه الأحاديث كلها لو سلمت لما دلت إلا على نفي اشتراط الغسل لا على الوجوب المجرد صلى الله عليه وسلم كما تقدم. وأما ما أشار إليه ابن دقيق العيد من أن بعضهم أوله بتأويل مستكره فقد نقله ابن دحية عن القدوري من الحنفية وأنه قال: قوله واجب أي ساقط، وقوله على بمعنى عن، فيكون المعنى أنه غير لازم، ولا يخفى ما فيه من التكلف. وقال الزين بن المنير: أصل الوجوب في اللغة السقوط، فلما كان في الخطاب على المكلف عبء ثقيل كان كل ما أكد طلبه منه يسمى واجبا كأنه سقط عليه، وهو أعم من كونه فرضا أو ندبا. وهذا سبقه ابن بزيزة إليه، ثم تعقبه بأن اللفظ الشرعي خاص بمقتضاه شرعا لا وضعا، وكأن الزين استشعر هذا الجواب فزاد أن تخصيص الواجب بالفرض اصطلاح حادث. وأجيب بأن " وجب " في اللغة لم ينحصر في السقوط، بل ورد بمعنى مات، وبمعنى اضطرب، وبمعنى لزم وغير ذلك. والذي يتبادر إلى الفهم منها في الأحاديث أنها بمعنى لزم، لا سيما إذا سيقت لبيان الحكم. وقد تقدم في بعض طرق حديث ابن عمر " الجمعة واجبة على كل محتلم " وهو بمعنى اللزوم قطعا ويؤيده أن في بعض طرق حديث الباب: "واجب كغسل الجنابة " أخرجه ابن حبان من طريق الدراوردي عن صفوان بن سليم، وظاهره اللزوم، وأجاب عنه بعض القائلين بالندبية بأن التشبيه في الكيفية لا في الحكم. وقال ابن الجوزي: يحتمل أن تكون لفظة " الوجوب " مغيرة من بعض الرواة أو ثابتة ونسخ الوجوب، ورد بأن الطعن في الروايات الثابتة بالظن الذي لا مستند له لا يقبل، والنسخ لا يصار إليه إلا بدليل، ومجموع الأحاديث يدل على استمرار الحكم، فإن في حديث عائشة أن ذلك كان في أول الحال حيث كانوا مجهودين، وأبو هريرة وابن عباس إنما صحبا النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن حصل التوسع بالنسبة إلى ما كانوا فيه أولا، ومع ذلك فقد سمع كل منهما منه صلى الله عليه وسلم الأمر بالغسل والحث عليه والترغيب فيه فكيف يدعي النسخ بعد ذلك؟. "فائدة": حكى ابن العربي وغيره أن بعض أصحابهم قالوا: يجزئ عن الاغتسال للجمعة التطيب لأن المقصود النظافة. وقال بعضهم: لا يشترط له الماء المطلق بل يجزئ بماء الورد ونحوه، وقد عاب ابن العربي ذلك وقال: هؤلاء وقفوا مع المعنى وأغفلوا المحافظة على التعبد بالمعين، والجمع بين التعبد والمعنى أولى. انتهى.
ـــــــ
(1) كذا في الأصلين . ولعله " لاعلى نفي الوجوب المجرد"
(2/363)

وعكس ذلك قول بعض الشافعية بالتيمم، فإنه تعبد دون نظر إلى المعنى، أما الاكتفاء بغير الماء المطلق فمردود لأنها عبادة لثبوت الترغيب فيها فيحتاج إلى النية ولو كان لمحض النظافة لم تكن كذلك، والله أعلم.
(2/364)

3 - باب الطِّيبِ لِلْجُمُعَةِ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكرِ بْنِ الْمُنكَدِرِ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ قَالَ عَمْرٌو أَمَّا الْغُسْلُ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَمَّا الِاسْتِنَانُ وَالطِّيبُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لاَ وَلَكِنْ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ هُوَ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَلَمْ يُسَمَّ أَبُو بَكْرٍ هَذَا رَوَاهُ عَنْهُ بُكَيْرُ بْنُ الأَشَجِّ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلاَلٍ وَعِدَّةٌ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ يُكْنَى بِأَبِي بَكْرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ
قوله: "باب الطيب للجمعة" لم يذكر حكمه أيضا لوقوع الاحتمال فيه كما سبق. قوله: "حدثنا علي بن عبد الله بن جعفر" كذا في رواية ابن عساكر، وهو ابن المديني، واقتصر الباقون على " حدثنا على". قوله: "قال أشهد على أبي سعيد" ظاهر في أنه سمعه منه، قال ابن التين: أراد بهذا اللفظ التأكيد للرواية. انتهى. وقد أدخل بعضهم بين عمرو بن سليم القائل " أشهد " وبين أبي سعيد رجلا كما سيأتي. قوله: "وأن يستن" أي يدلك أسنانه بالسواك. قوله: "وأن يمس" بفتح الميم في الأفصح. قوله: "إن وجد" متعلق بالطيب، أي إن وجد الطيب مسه، ويحتمل تعلقه بما قبله أيضا. وفي رواية مسلم: "ويمس من الطيب ما يقدر عليه " وفي رواية: "ولو من طيب المرأة " قال عياض: يحتمل قوله: "ما يقدر عليه " إرادة التأكيد ليفعل ما أمكنه، ويحتمل إرادة الكثرة، والأول أظهر. ويؤيده قوله: "ولو من طيب المرأة " لأنه يكره استعماله للرجل، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه، فإباحته للرجل لأجل عدم غيره يدل على تأكد الأمر في ذلك. ويؤخذ من اقتصاره على المس الأخذ بالتخفيف في ذلك. قال الزين ابن المنير: فيه تنبيه على الرفق، وعلى تيسير الأمر في التطيب بأن يكون بأقل ما يمكن حتى إنه يجزئ مسه من غير تناول قدر ينقصه تحريضا على امتثال الأمر فيه. قوله: "قال عمرو" أي ابن سليم راوي الخبر، وهو موصول بالإسناد المذكور إليه. قوله: "وأما الاستنان والطيب فالله أعلم" هذا يؤيد ما تقدم من أن العطف لا يقتضي التشريك من جميع الوجوه، وكأن القدر المشترك تأكيد الطلب للثلاثة، وكأنه جزم بوجوب الغسل دون غيره للتصريح به في الحديث، وتوقف فيما عداه لوقوع الاحتمال فيه. قال الزين بن المنير: يحتمل أن يكون قوله: "وأن يستن " معطوفا على الجملة المصرحة بوجوب الغسل فيكون واجبا أيضا، ويحتمل أن يكون مستأنفا فيكون التقدير وأن يستن ويتطيب استحبابا، ويؤيد الأول ما سيأتي في آخر الباب من رواية الليث عن خالد بن يزيد حيث قال فيها " إن الغسل واجب " ثم قال: "والسواك وأن يمس من الطيب " ويأتي في شرح " باب الدهن يوم الجمعة " حديث ابن عباس " وأصيبوا من الطيب " وفيه تردد ابن عباس في وجوب الطيب. وقال ابن الجوزي: يحتمل أن يكون قوله: "وأن يستن الخ " من كلام أبي سعيد خلطه الراوي بكلام النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. وإنما قال ذلك لأنه ساقه بلفظ: "قال
(2/364)

أبو سعيد وأن يستن " وهذا لم أره في شيء من نسخ الجمع بين الصحيحين الذي تكلم ابن الجوزي عليه. ولا في واحد من الصحيحين ولا في شيء من المسانيد والمستخرجات، بل ليس في جميع طرق هذا الحديث: "قال أبو سعيد " فدعوى الإدراج قيه لا حقيقة لها، ويلتحق بالاستنان والتطيب التزين باللباس، وسيأتي استعمال الخمس التي عدت من الفطرة، وقد صرح ابن حبيب من المالكية به فقال: يلزم الآتي الجمعة جميع ذلك، وسيأتي في " باب الدهن للجمعة " " ويدهن من دهنه وبمس من طيبه " والله أعلم. قوله: "قال أبو عبد الله" أي البخاري، ومراده بما ذكر أن محمد بن المنكدر وإن كان يكنى أيضا أبا بكر لكنه ممن كان مشهورا باسمه دون كنيته، بخلاف أخيه أبي بكر راوي هذا الخبر فإنه لا اسم له إلا كنيته، وهو مدني تابعي كشيخه. قوله: "روى عنه بكير بن الأشج وسعيد بن أبي هلال" كذا في رواية أبي ذر، ولغيره: "رواه عنه " وكأن المراد أن شعبة لم ينفرد برواية هذا الحديث عنه لكن بين رواية بكير وسعيد مخالفة في موضع من الإسناد، فرواية بكير موافقة لرواية شعبة ورواية سعيد أدخل فيها بين عمرو بن سليم وأبي سعيد واسطة كما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه فذكر الحديث وقال في آخره: "إلا أن بكيرا لم يذكر عبد الرحمن " وكذلك أخرج أحمد من طريق ابن لهيعة عن بكير ليس فيه عبد الرحمن، وغفل الدار قطني في " العلل " عن هذا الكلام الأخير فجزم بأن بكيرا وسعيدا خالفا شعبة فزادا في الإسناد عبد الرحمن وقال: إنهما ضبطا إسناده وجوداه وهو الصحيح، وليس كما قال، بل المنفرد بزيادة عبد الرحمن هو سعيد بن أبي هلال، وقد وافق شعبة وبكيرا على إسقاطه محمد بن المنكدر أخو أبي بكر أخرجه ابن خزيمة من طريقه، والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد. والذي يظهر أن عمرو ابن سليم سمعه من عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه، ثم لقي أبا سعيد فحدثه، وسماعه منه ليس بمنكر لأنه قديم ولد في خلافة عمر بن الخطاب ولم يوصف بالتدليس. وحكى الدار قطني في " العلل " فيه اختلافا آخر على علي بن المديني شيخ البخاري فيه، فذكر أن الباغندي حدث به عنه بزيادة عبد الرحمن أيضا، وخالفه تمام عنه فلم يذكر عبد الرحمن، وفيما قال نظر، فقد أخرجه الإسماعيلي عن الباغندي بإسقاط عبد الرحمن، وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أبي إسحاق بن حمزة وأبي أحمد الغطريفي كلاهما عن الباغندي، فهؤلاء ثلاثة من الحفاظ حدثوا به عن الباغندي فلم يذكروا عبد الرحمن في الإسناد، فلعل الوهم فيه ممن حدث به الدار قطني عن الباغندي، وقد وافق البخاري على ترك ذكره محمد بن يحيى الذهلي عند الجوزقي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة عند ابن خزيمة وعبد العزيز بن سلام عند الإسماعيلي وإسماعيل القاضي عند ابن منده في " غرائب شعبة " كلهم عن علي بن المديني، ووافق علي بن المديني على ترك ذكره أيضا إبراهيم ابن محمد وإسماعيل بن عرعرة عن حرمي بن عمارة عند أبي بكر المروذي في " كتاب الجمعة " له ولم أقف عليه من حديث شعبة إلا من طريق حرمي وأشار ابن منده إلى أنه تفرد به عنه. "تنبيه" ذكر المزي في " الأطراف " أن البخاري قال عقب رواية شعبة هذه: وقال الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه، ولم أقف على هذا التعليق في شيء من النسخ التي وقعت لنا من الصحيح، ولا ذكره أبو مسعود ولا خلف، وقد وصله من طريق الليث كذلك أحمد والنسائي وابن خزيمة بلفظ: "أن الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، والسواك، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه" .
(2/365)

4 - باب فَضْلِ الْجُمُعَةِ
881- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ "
قوله: "باب فضل الجمعة" أورد فيه حديث مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة " من اغتسل يوم الجمعة ثم راح " الحديث. وإسناده مدنيون، ومناسبته للترجمة من جهة ما اقتضاه الحديث من مساواة المبادر إلى الجمعة للمتقرب بالمال فكأنه جمع بين عبادتين بدنية ومالية، وهذه خصوصية للجمعة لم تثبت لغيرها من الصلوات. قوله: "من اغتسل" يدخل فيه كل من يصح التقرب منه من ذكر أو أنثى حر أو عبد. قوله: "غسل الجنابة" بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي غسلا كغسل الجنابة، وهو كقوله تعالى: {وهي تمر مر السحاب} وفي رواية ابن جريج عن سمي عند عبد الرزاق " فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة " وظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم وهو قول الأكثر، وقيل فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجنابة، والحكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاة ولا تمتد عينه إلى شيء يراه، وفيه حمل المرأة أيضا على الاغتسال ذلك اليوم، وعليه حمل قائل ذلك حديث: "من غسل واغتسل " المخرج في السنن على رواية من روى غسل بالتشديد، قال النووي: ذهب بعض أصحابنا إلى هذا وهو ضعيف أو باطل، والصواب الأول. انتهى. وقد حكاه ابن قدامة عن الإمام أحمد، وثبت أيضا عن جماعة من التابعين. وقال القرطبي: إنه أنسب الأقوال فلا وجه لادعاء بطلانه وإن كان الأول أرجح صلى الله عليه وسلم ولعله عنى أنه باطل في المذهب. قوله: "ثم راح" زاد أصحاب الموطأ عن مالك " في الساعة الأولى". قوله: "فكأنما قرب بدنة" أي تصدق بها متقربا إلى الله، وقيل المراد أن للمبادر في أول ساعة نظير ما لصاحب البدنة من الثواب ممن شرع له القربان، لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للأمم السالفة. وفي رواية ابن جريج المذكورة " فله من الأجر مثل الجزور " وظاهره أن المراد أن الثواب لو تجسد لكان قدر الجزور صلى الله عليه وسلم. وقيل ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة، وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى البدنة في القيمة مثلا، ويدل عليه أن في مرسل طاوس عند عبد الرزاق " كفضل صاحب الجزور على صاحب البقرة " ووقع في رواية الزهري الآتية في " باب الاستماع إلى الخطبة " بلفظ: "كمثل الذي يهدي بدنة " فكأن المراد بالقربان في رواية الباب الإهداء إلى الكعبة. قال الطيبي: في لفظ الإهداء إدماج بمعنى التعظيم للجمعة، وأن المبادر إليها كمن ساق الهدي،
ـــــــ
(1) في مخطوطةالرياض " راجحا"
(2) ليس هذا بشيء , والصواب أن معنى رواية ابن جريج موافق لمعنى بقية الروايات , وأن المراد بذلك بيان فضل المبادر إلى الجمعة , وأنه بمنزلة من قرب بدنة إلخ . والله أعلم
(2/366)

والمراد بالبدنة البعير ذكرا كان أو أنثى، والهاء فيها للوحدة لا للتأنيث، وكذا في باقي ما ذكر. وحكى ابن التين عن مالك أنه كان يتعجب ممن يخص البدنة بالأنثى. وقال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: البدنة لا تكون إلا من الإبل، وصح ذلك عن عطاء، وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم، هذا لفظه. وحكى النووي عنه أنه قال: البدنة تكون من الإبل والبقر والغنم، وكأنه خطأ نشأ عن سقط. وفي الصحاح: البدنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة، سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها. انتهى. والمراد بالبدنة هنا الناقة بلا خلاف، واستدل به على أن البدنة تختص بالإبل لأنها قوبلت بالبقرة عند الإطلاق، وقسم الشيء لا يكون قسيمه، أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد. وقال إمام الحرمين: البدنة من الإبل، ثم الشرع قد يقيم مقامها البقرة وسبعا من الغنم. وتظهر ثمرة هذا فيما إذا قال: لله علي بدنة، وفيه خلاف، الأصح تعين الإبل إن وجدت، وإلا فالبقرة أو سبع من الغنم. وقيل: تتعين الإبل مطلقا، وقيل يتخير مطلقا. قوله: "دجاجة" بالفتح، ويجوز الكسر، وحكى الليث الضم أيضا. وعن محمد بن حبيب أنها بالفتح من الحيوان وبالكسر من الناس. واستشكل التعبير في الدجاجة والبيضة بقوله في رواية الزهري " كالذي يهدى " لأن الهدي لا يكون منهما، وأجاب القاضي عياض تبعا لابن بطال بأنه لما عطفه على ما قبله أعطاه حكمه في اللفظ فيكون من الاتباع كقوله: "متقلدا سيفا ورمحا". وتعقبه ابن المنير في الحاشية بأن شرط الاتباع أن لا يصرح باللفظ في الثاني فلا يسوغ أن يقال متقلدا سيفا ومتقلدا رمحا. والذي يظهر أنه من باب المشاكلة، وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله: هو من تسمية الشيء باسم قرينه. وقال ابن دقيق العيد: قوله: "قرب بيضة " وفي الرواية الأخرى " كالذي يهدي " يدل على أن المراد بالتقريب الهدي، وينشأ منه أن الهدي يطلق على مثل هذا حتى لو التزم هديا هل يكفيه ذلك أو لا؟ انتهى. والصحيح عند الشافعية الثاني، وكذا عند الحنفية والحنابلة، وهذا ينبني على أن النذر هل يسلك به مسلك جائز الشرع أو واجبه؟ فعلى الأول يكفي أقل ما يتقرب به، وعلى الثاني يحمل على أقل ما يتقرب به من ذلك الجنس، ويقوي الصحيح أيضا أن المراد بالهدي هنا التصدق كما دل عليه لفظ التقرب، والله أعلم. قوله: "فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" استنبط منه الماوردي أن التبكير لا يستحب للإمام، قال: ويدخل للمسجد من أقرب أبوابه إلى المنبر، وما قاله غير ظاهر لإمكان أن يجمع الأمرين بأن يبكر ولا يخرج من المكان المعد له في الجامع إلا إذا حضر الوقت، أو يحمل على من ليس له مكان معد. وزاد في رواية الزهري الآتية " طووا صحفهم " ولمسلم من طريقه " فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر " وكأن ابتداء طي الصحف عند ابتداء خروج الإمام وانتهاءه بجلوسه على المنبر، وهو أول سماعهم للذكر، والمراد به ما في الخطبة من المواعظ وغيرها. وأول حديث الزهري " إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول " ونحوه في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي. وفي رواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عند ابن خزيمة: "على كل باب من أبواب المسجد ملكان يكتبان الأول فالأول " فكأن المراد بقوله في رواية الزهري " على باب المسجد " حنس الباب، ويكون من مقابلة المجموع بالمجموع، فلا حجة فيه لمن أجاز التعبير عن الاثنين بلفظ الجمع. ووقع في حديث ابن عمر صفة الصحف المذكورة، أخرجه أبو نعيم في الحليلة مرفوعا بلفظ: "إذا كان يوم الجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور وأقلام من نور " الحديث، وهو دال على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة، والمراد بطي الصحف طي صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وإدراك الصلاة
(2/367)

والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك، فإنه يكتبه الحافظان قطعا، ووقع في رواية ابن عيينة عن الزهري في آخر حديثه المشار إليه عند ابن ماجه: "فمن جاء بعد ذلك فإنما يجيء لحق الصلاة " وفي رواية ابن جريج عن سمي من الزيادة في آخره: "ثم إذا استمع وأنصت غفر له ما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام" . وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن خزيمة: "فيقول بعض الملائكة لبعض: ما حبس فلانا؟ فتقول: اللهم إن كان ضالا فاهده، وإن كان فقيرا فأغنه، وإن كان مريضا فعافه" . وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحض على الاغتسال يوم الجمعة وفضله، وفضل التبكير إليها، وأن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعهما. وعليه يحمل ما أطلق في باقي الروايات من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغسل. وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم، وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع، وأن التقرب بالإبل أفضل من التقرب بالبقر وهو بالاتفاق في الهدي، واختلف في الضحايا، والجمهور على أنها كذلك. وقال الزين بن المنير: فرق مالك بين التقربين باختلاف المقصودين، لأن أصل مشروعية الأضحية التذكير بقصة الذبيح، وهو قد فدى بالغنم. والمقصود بالهدي التوسعة على المساكين فناسب البدن. واستدل به على أن الجمعة تصح قبل الزوال كما سيأتي نقل الخلاف فيه بعد أبواب، ووجه الدلالة منه تقسيم الساعة إلى خمس. ثم عقب بخروج الإمام، وخروجه عند أول وقت الجمعة، فيقتضي أنه يخرج في أول الساعة السادسة وهي قبل الزوال. والجواب أنه ليس في شيء من طرق هذا الحديث ذكر الإتيان من أول النهار، فلعل الساعة الأولى منه جعلت للتأهب بالاغتسال وغيره، ويكون مبدأ المجيء من أول الثانية فهي أولى بالنسبة للمجيء ثانية بالنسبة للنهار، وعلى هذا فآخر الخامسة أول الزوال فيرتفع الإشكال، وإلى هذا أشار الصيدلاني شارح المختصر حيث قال: إن أول التبكير يكون من ارتفاع النهار، وهو أول الضحى، وهو أول الهاجرة. ويؤيده الحث على التهجير إلى الجمعة. ولغيره من الشافعية في ذلك وجهان اختلف فيهما الترجيح، فقيل: أول التبكير طلوع الشمس، وقيل طلوع الفجر، ورجحه جمع، وفيه نظر إذ يلزم منه أن يكون التأهب قبل طلوع الفجر، وقد قال الشافعي: يجزئ الغسل إذا كان يعد الفجر فأشعر بأن الأولى أن يقع بعد ذلك. ويحتمل أن يكون ذكر الساعة السادسة لم يذكره الراوي، وقد وقع في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي من طريق الليث عنه زيادة مرتبة بين الدجاجة والبيضة وهي العصفور، وتابعة صفوان بن عيسى عن ابن عجلان، أخرجه محمد بن عبد السلام الخشني، وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه حميد بن زنجويه في الترغيب له بلفظ: "فكمهدي البدنة إلى البقرة إلى الشاة إلى علية الطير إلى العصفور " الحديث، ونحوه في مرسل طاوس عند سعيد بن منصور، ووقع عند النسائي أيضا في حديث الزهري من رواية عبد الأعلى عن معمر زيادة البطة بين الكبش والدجاجة، لكن خالفه عبد الرزاق، وهو أثبت منه في معمر فلم يذكرها، وعلى هذا فخروج الإمام يكون عند انتهاء السادسة، وهذا كله مبني على أن المراد بالساعات ما يتبادر الذهن إليه من العرف فيها، وفيه نظر إذ لو كان ذلك المراد لاختلف الأمر في اليوم الشاتي والصائف، لأن النهار ينتهي في القصر إلى عشر ساعات وفي الطول إلى أربع عشرة، وهذا الإشكال للقفال، وأجاب عنه القاضي حسين بأن المراد بالساعات ما لا يختلف عدده بالطول والقصر، فالنهار اثنتا عشرة ساعة لكن يزيد كل منها وينقص والليل كذلك، وهذه تسمى الساعات الآفاقية عند أهل الميقات وتلك التعديلية، وقد روى أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث جابر مرفوعا: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة " وهذا وإن لم يرد في حديث التبكير فيستأنس به في المراد
(2/368)

بالساعات، وقيل المراد بالساعات بيان مراتب المبكرين من أول النهار إلى الزوال وأنها تنقسم إلى خمس، وتجاسر الغزالي فقسمها برأيه فقال: الأولى من طلوع. الفجر إلى طلوع الشمس، والثانية إلى ارتفاعها، والثالثة إلى انبساطها، والرابعة إلى أن ترمض الأقدام، والخامسة إلى الزوال. واعترضه ابن دقيق العيد بأن الرد إلى الساعات المعروفة أولى وإلا لم يكن لتخصيص هذا العدد بالذكر معنى لأن المراتب متفاوتة جدا، وأولى الأجوبة الأول إن لم تكن زيادة ابن عجلان محفوظة، وإلا فهي المعتمدة. وانفصل المالكية إلا قليلا منهم وبعض الشافعية عن الإشكال بأن المراد بالساعات الخمس لحظات لطيفة أولها زوال الشمس وآخرها قعود الخطيب على المنبر، واستدلوا على ذلك بأن الساعة تطلق على جزء من الزمان غير محدود، تقول جئت ساعة كذا، وبأن قوله في الحديث: "ثم راح " يدل على أن أول الذهاب إلى الجمعة من الزوال، لأن حقيقة الرواح من الزوال إلى آخر النهار، والغدو من أوله إلى الزوال. قال المازري: تمسك مالك بحقيقة الرواح وتجوز في الساعة وعكس غيره. انتهى. وقد أنكر الأزهري على من زعم أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال، ونقل أن العرب تقول " راح " في جميع الأوقات بمعنى ذهب، قال: وهي لغة أهل الحجاز، ونقل أبو عبيد في " الغريبين " نحوه. قلت: وفيه رد على الزين بن المنير حيث أطلق أن الرواح لا يستعمل في المضي في أول النهار بوجه، وحيث قال إن استعمال الرواح بمعنى الغدو لم يسمع ولا ثبت ما يدل عليه. ثم إني لم أر التعبير بالرواح في شيء من طرق هذا الحديث إلا في رواية مالك هذه عن سمي، وقد رواه ابن جريج عن سمي بلفظ: "غدا " ورواه أبو سلمة عن أبي هريرة بلفظ: "المتعجل إلى الجمعة كالمهدي بدنة " الحديث وصححه ابن خزيمة، وفي حديث سمرة " ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الجمعة في التبكير كناحر صلى الله عليه وسلم البدنة " الحديث، أخرجه ابن ماجه، ولأبي داود من حديث علي مرفوعا: "إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق، وتغدو الملائكة فتجلس على باب المسجد فتكتب الرجل من ساعة والرجل من ساعتين " الحديث، فدل مجموع هذه الأحاديث على أن المراد بالرواح الذهاب، وقيل: النكتة في التعبير بالرواح الإشارة إلى أن الفعل المقصود إنما يكون بعد الزوال، فيسمى الذاهب إلى الجمعة رائحا وإن لم يجيء وقت الرواح، كما سمي القاصد إلى مكة حاجا. وقد اشتد إنكار أحمد وابن حبيب من المالكية ما نقل عن مالك من كراهية التبكير إلى الجمعة وقال أحمد: هذا خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. واحتج بعض المالكية أيضا بقوله في رواية ا لزهري " مثل المهجر " لأنه مشتق من التهجر وهو السير في وقت الهاجرة، وأجيب بأن المراد بالتهجير هنا التبكير كما تقدم نقله عن الخليل في المواقيت. وقال ابن المنير في الحاشية: يحتمل أن يكون مشتقا من الهجير بالكسر وتشديد الجيم وهو ملازمة ذكر الشيء، وقيل: هو من هجر المنزل وهو ضعيف لأن مصدره الهجر لا التهجير. وقال القرطبي: الحق أن التهجير هنا من الهاجرة وهو السير وقت الحر، وهو صالح لما قبل الزوال وبعده، فلا حجة فيه لمالك. وقال التوربشتي: جعل الوقت الذي يرتفع فيه النهار ويأخذ الحر في الازدياد من الهاجرة تغليبا، بخلاف ما بعد زوال الشمس فإن الحر يأخذ في الانحطاط، ومما يدل على استعمالهم التهجير في أول النهار ما أنشد ابن الأعرابي في نوادره لبعض العرب تهجرون تهجير الفجر واحتجوا أيضا بأن الساعة لو لم تطل لزم تساوي الآتين فيها، والأدلة تقتضي رجحان السابق،
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض " كأجر "
(2) في المخطوطة "تهجيرالعرب "
(2/369)

بخلاف ما إذا قلنا إنها لحظة لطيفة. والجواب ما قاله النووي في شرح المهذب تبعا لغيره. أن التساوي وقع في مسمى البدنة والتفاوت في صفاتها، ويؤيده أن في رواية ابن عجلان تكرير كل من المتقرب به مرتين حيث قال: "كرجل قدم بدنة، وكرجل قدم بدنة " الحديث ولا يرد على هذا أن في رواية ابن جريج صلى الله عليه وسلم: "وأول الساعة وآخرها سواء " لأن هذه التسوبة بالنسبة إلى البدنة كما تقرر. واحتج من كره التبكير أيضا بأنه يستلزم تخطي الرقاب في الرجوع لمن عرضت له حاجة فخرج لها ثم رجع، وتعقب بأنه لا حرج عليه في هذه الحالة لأنه قاصد للوصول لحقه. وإنما الحرج على من تأخر عن المجيء ثم جاء فتخطى، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(2/370)

باب حدثنا أتو نعيم قال حدثنا شيبان عن يحي عن أبي هريرة
...
5 – باب
288 -حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَ تَحْتَبِسُونَ عَنْ الصَّلاَةِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ تَوَضَّأْتُ فَقَالَ أَلَمْ تَسْمَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ "
قوله: "باب" كذا في الأصل بغير ترجمة، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، ووجه تعلقه به أن فيه إشارة إلى الرد على من ادعى إجماع أهل المدينة على ترك التبكير إلى الجمعة لأن عمر أنكر عدم التبكير بمحضر من الصحابة وكبار التابعين من أهل المدينة. ووجه دخوله في فضل الجمعة ما يلزم من إنكار عمر على الداخل احتباسه مع عظم شأنه، فإنه لولا عظم الفضل في ذلك لما أنكر عليه، وإذا ثبت الفضل في التبكير إلى الجمعة ثبت الفضل لها. قوله: "إذ دخل رجل" سماه عبيد الله بن موسى في روايته عن شيبان " عثمان بن عفان " أخرجه الإسماعيلي ومحمد بن سابق عن شيبان عند قاسم بن أصبغ، وكذا سماه الأوزاعي عند مسلم وحرب بن شداد عند الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، وصرح مسلم في روايته بالتحديث في جميع الإسناد. وقد تقدمت بقية مباحثه في " باب فضل الغسل يوم الجمعة".
(2/370)

6 - باب الدُّهْنِ لِلْجُمُعَةِ
883- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ وَدِيعَةَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى
[الحديث883- طرفه في: 910]
884- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ طَاوُسٌ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنْ الطِّيبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
ـــــــ
(1) في المخطوطة"ابن عجلان"
(2/370)

7 - باب يَلْبَسُ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ
886- حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء ثم باب المسجد فقال ثم يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه منها حلة فقال عمر يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة
(2/373)

8 - باب السِّوَاكِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَنُّ
887- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لاَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ "
[الحديث887- طرفه في: 7240]
888- حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا شعيب بن الحبحاب حدثنا أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكثرت عليكم في السواك "
(2/374)

889- حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن منصور وحصين عن أبي وائل عن حذيفة قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام يشوص فاه "
قوله: "باب السواك يوم الجمعة" أورد فيه حديثا معلقا وثلاثة موصولة، والمعلق طرف من حديث أبي سعيد المذكور في " باب الطيب للجمعة " فإن فيه: "وأن يستن " أي يدلك أسنانه بالسواك." وأما الموصولة فأولها حديث أبي هريرة " لولا أن أشق " ومطابقته للترجمة من جهة اندراج الجمعة في عموم قوله: "كل صلاة " وقال الزين بن المنير: لما خصت الجمعة بطلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظيف والتطيب ناسب ذلك تطيب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة، وإزالة ما يضر الملائكة وبني آدم. ثاني الموصولة حديث أنس " أكثرت عليكم في السواك " قال ابن رشيد مناسبته للذي قبله من جهة أن سبب منعه من إيجاب السواك واحتياجه إلى الاعتذار عن إكثاره عليهم فيه وجود المشقة، ولا مشقة في فعل ذلك في يوم واحد وهو يوم الجمعة. ثالث الموصولة حديث حذيفة " أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه " ووجه. مناسبته أنه شرع في الليل لتجمل الباطن فيكون في الجمعة أحرى لأنه شرع لها التجمل في الباطن والظاهر، وقد تقدم الكلام على حديث حذيفة في آخر كتاب الوضوء وأما حديث أبي هريرة فلم يختلف على مالك في إسناده وإن كان له في أصل الحديث إسناد آخر بلفظ آخر سيأتي الكلام عليه في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى. قوله: "أو لولا أن أشق على الناس" هو شك من الراوي، ولم أقف عليه بهذا اللفظ في شيء من الروايات عن مالك ولا عن غيره، وقد أخرجه الدار قطني في الموطآت من طريق الموطأ لعبد الله بن يوسف شيخ البخاري فيه بهذا الإسناد بلفظ: "أو على الناس " لم يعد قوله: "لولا أن أشق " وكذا رواه كثير من رواة الموطأ ورواه أكثرهم بلفظ: "المؤمنين " بدل " أمتي " ورواه يحيى بن يحيى الليثي بلفظ: "على أمتي " دون الشك. قوله: "لأمرتهم بالسواك" أي باستعمال السواك، لأن السواك هو الآلة، وقد قيل إنه يطلق على الفعل أيضا. فعلى هذا لا تقدير. والسواك مذكر على الصحيح، وحكى في الحكم تأنيثه، وأنكر ذلك الأزهري. قوله: "مع كل صلاة" لم أرها أيضا في شيء من روايات الموطأ إلا عن معن بن عيسى لكن بلفظ: "عند كل صلاة " وكذا النسائي عن قتيبة عن مالك، وكذا رواه مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد، وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال: "مع الوضوء " بدل الصلاة أخرجه أحمد من طريقه، قال القاضي البيضاوي: "لولا " كلمة تدل على انتقاء الشيء لثبوت غيره، والحق أنها مركبة من " لو " الدالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره و " لا " النافية، فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيا لثبوت المشقة، وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين: أحدهما أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية، ولو كان للندب لما جاز النفي، ثانيهما أنه جعل الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب، إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك. وقال الشيخ أبو إسحاق في " اللمع " في هذا الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به ا هـ. ويؤكده قوله في رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة عند النسائي بلفظ: "لفرضت عليهم " بدل لأمرتهم. وقال الشافعي: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبا لأمرهم شق عليهم به أو لم يشق ا هـ. وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم، بل ادعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكى الشيخ
(2/375)

أبو حامد وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه قال: هو واجب لكل صلاة، فمن تركه عامدا بطلت صلاته. وعن داود أنه قال: وهو واجب لكن ليس شرطا. واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجه من حديث أبي أمامة مرفوعا: "تسوكوا " ولأحمد نحوه من حديث العباس، وفي الموطأ في أثناء حديث: "عليكم بالسواك " ولا يثبت شيء منها، وعلى تقدير الصحة فالمنفي في مفهوم حديث الباب الأمر به مقيدا بكل صلاة لا مطلق الأمر، ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق ولا من ثبوت المطلق التكرار كما سيأتي. واستدل بقوله: "كل صلاة " على استحبابه للفرائض والنوافل، ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة وما ضاهاها من النوافل التي ليست تبعا لغيرها كصلاة العيد، وهذا اختاره أبو شامة، ويتأيد بقوله في حديث أم حبيبة عند أحمد بلفظ: "لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون " وله من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك " فسوى بينهما. وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا إن طال الفصل مثلا، فكذلك السواك. ويمكن أن يفرق بينهما بأن الوضوء أشق من السواك، ويتأيد بما رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين، ثم ينصرف فيستاك " وإسناده صحيح، لكنه مختصر من حديث طويل أورده أبو داود، وبين فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نوم. وأصل الحديث في مسلم مبينا أيضا. واستدل به على أن الأمر يقتضي التكرار، لأن الحديث دل على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك، ولا مشقة في وجوبه مرة، وإنما المشقة في وجوب التكرار. وفي هذا البحث نظر، لأن التكرار لم يؤخذ هنا من مجرد الأمر، وإنما أخذ من تقييده بكل صلاة. وقال المهلب: فيه أن المندوبات ترتفع إذا خشي منها الحرج. وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته. وفيه جواز الاجتهاد منه فيما لم ينزل عليه فيه نص، لكونه جعل المشقة سببا لعدم أمره، فلو كان الحكم متوقفا على النص لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص لا وجود المشقة. قال ابن دقيق العيد: وفيه بحث، وهو كما قال، ووجهه أنه يجوز أن يكون إخبارا منه صلى الله عليه وسلم بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة، فيكون معنى قوله: "لأمرتهم " أي عن الله بأنه واجب. واستدل به النسائي على استحباب السواك للصائم بعد الزوال، لعموم قوله: "كل صلاة"، وسيأتي البحث فيه في كتاب الصيام. "فائدة": قال ابن دقيق العيد: الحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها حالا رب إلى الله، فاقتضى أن تكون حال كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة، وقد ورد من حديث علي عند البزار ما يدل على أنه لأمر يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي، فلا يزال يدنو منه حتى يضع فاه على فيه، لكنه لا ينافي ما تقدم. وأما حديث أنس فرجال إسناده بصريون، وقوله: "أكثرت " وقع في رواية الإسماعيلي: "لقد أكثرت الخ " أي بالغت في تكرير طلبه منكم، أو في إيراد الأخبار في الترغيب فيه. وقال ابن التين: معناه أكثرت عليكم، وحقيق أن أفعل، وحقيق أن تطيعوا. وحكى الكرماني أنه روى بضم أوله أي بولغت من عند الله بطلبه منكم. ولم أقف على هذه الرواية إلى الآن صريحة. "تنبيه" ذكره ابن المنير بلفظ: "عليكم بالسواك " ولم يقع ذلك في شيء من الروايات في صحيح البخاري، وقد تعقبه ابن رشيد. واللفظ المذكور وقع في الموطأ عن الزهري عن عبيد بن السباق مرسلا، وهو في أثناء حديث وصله ابن ماجه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري يذكر ابن عباس فيه، وسبق الكلام عليه في آخر " باب الدهن للجمعة " ورواه معمر عن الزهري قال: "أخبرني من لا
(2/376)

أتهم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم سمعوه يقول ذلك".
(2/377)

9 - باب مَنْ تَسَوَّكَ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ
890- حدثنا إسماعيل قال حدثني سليمان بن بلال قال قال هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها قالت ثم دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقصمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مستسند إلى صدري "
[الحديث 890- أطرافه في :
[6510.5217.4451.4450.4449.4446.4438.3774.3100.1389]
قوله: "باب من تسوك بسواك غيره" أورد فيه حديث عائشة في قصة دخول عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سواك، وأنها أخذته منه فاستاك به النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن مضغته. وهو مطابق لما ترجم له، والكلام عليه يذكر مستوفى إن شاء الله تعالى في أواخر المغازي عند ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن القصة كانت في مرض موته. وقولها فيه: "فقصمته " بقاف وصاد مهملة للأكثر، أي كسرته، وفي رواية كريمة وابن السكن بضاد معجمة، والقضم بالمعجمة الأكل بأطراف الأسنان، قال ابن الجوزي: وهو أصح. قلت: ويحمل الكسر على كسر موضع الاستياك، فلا ينافي الثاني، والله أعلم. وقد أورد الزين بن المنير على مطابقة الترجمة بأن تعيين عائشة موضع الاستياك بالقطع، وأجاب أن استعماله بعد أن مضغته واف بالمقصود. وتعقب بأنه إطلاق في موضع التقييد، فينبغي تقييد الغير بأن يكون ممن لا يعاف أثر فمه، إذ لولا ذلك ما غيرته عائشة. ولا يقال لم يتقدم فيه استعمال، لأن في نفس الخبر يستن به، وفيه دلالة على تأكد أمر السواك لكونه صلى الله عليه وسلم لم يخل به مع ما هو فيه من شاغل المرض. "فائدة": رجال الإسناد مدنيون، وإسماعيل شيخ البخاري هو ابن أبي أويس، ولم أره في شيء من الروايات من غير طريق البخاري عنه بهذا الإسناد، وقد ضاق على الإسماعيلي مخرجه فاستخرجه من طريق البخاري نفسه عن إسماعيل، وكأن إسماعيل تفرد به أيضا فإنني لم أره من رواية غيره عن سليمان ابن بلال، إلا أن أبا نعيم أورده في المستخرج من طريق محمد بن الحسن المدني عن سليمان، ومحمد ضعيف جدا. فكان ما صنعه الإسماعيلي أولى. وقد سمع إسماعيل من سليمان ويروى عنه أيضا بواسطة كثيرا.
(2/377)

3 - باب مَا يُقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
891- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ {الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ } وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ}
[الحديث 891 – طرفه في 1068]
قوله: "باب ما يقرأ" بضم الياء - ويجوز فتحها أي الرجل - ولم يقع قوله: "يوم الجمعة" في أكثر الروايات
(2/377)

11 - باب الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى وَالْمُدُنِ
892- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنْ الْبَحْرَيْنِ "
[الحديث 893- طرفه في: 4317
(2/379)

893- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ كَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِي الْقُرَى هَلْ تَرَى أَنْ أُجَمِّعَ وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ وَرُزَيْقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَنَا أَسْمَعُ يَأْمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ "
[الحديث 893- أطرافه في: 7138.5200.5188.2751.2558.2554]
قوله: "باب الجمعة في القرى والمدن" في هذه الترجمة إشارة إلى خلاف من خص الجمعة بالمدن دون القرى، وهو مروي عن الحنفية. وأسنده ابن أبي شيبة عن حذيفة وعلى وغيرهما وعن عمر أنه كتب إلى أهل البحرين أن جمعوا حيثما كنتم. وهذا يشمل المدن والقرى. أخرجه ابن أبي شيبة أيضا من طريق أبي رافع عن أبي هريرة عن عمر، وصححه ابن خزيمة. وروى البيهقي من طريق الوليد بن مسلم سألت الليث ابن سعد فقال: كل مدينة أو قرية فيها جماعة أمروا بالجمعة، فإن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد عمر وعثمان بأمرهما وفيهما رجال من الصحابة. وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعيب عليهم، فلما اختلف الصحابة وجب الرجوع إلى المرفوع صلى الله عليه وسلم. قوله: "عن ابن عباس" كذا رواه الحفاظ من أصحاب إبراهيم بن طهمان عنه، وخالفهم المعافى ابن عمران فقال: عن ابن طهمان عن محمد بن زياد عن أبي هريرة، أخرجه النسائي، وهو خطأ من المعافى، ومن ثم تكلم محمد بن عبد الله بن عمار في إبراهيم بن طهمان ولا ذنب له فيه كما قاله صالح جزرة، وإنما الخطأ في إسناده من المعافى. ويحتمل أن يكون لإبراهيم فيه إسنادان. قوله: "إن أول جمعة جمعت" زاد وكيع عن ابن طهمان " في الإسلام " أخرجه أبو داود. قوله: "بعد جمعة" زاد المصنف في أواخر المغازي " جمعت". قوله: "في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية وكيع " بالمدينة " ووقع في رواية المعافى المذكورة " بمكة " وهو خطأ بلا مرية. قوله: "بجواثى" بضم الجيم وتخفيف الواو وقد تهمز ثم مثلثة خفيفة. قوله: "من البحرين" في رواية وكيع " قرية من قرى البحرين " وفي أخرى عنه " من قرى عبد القيس " وكذا للإسماعيلي من رواية محمد بن أبي حفصة عن ابن طهمان، وبه يتم مراد الترجمة. ووجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي، ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن كما استدل جابر وأبو سعيد على جواز العزل بأنهم فعلوه والقرآن ينزل فلم
ـــــــ
(1) وهو فصل الجمعة كما فعل أهل جواثي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم , وذلك يدل على مشروعية إقامة الجمعة بالقرى . والله أعلم
(2/380)

ينهوا عنه. وحكى الجوهري والزمخشري وابن الأثير أن جوائي اسم حصن بالبحرين، وهذا لا ينافي كونها قرية. وحكى ابن التين صلى الله عليه وسلم عن أبي الحسن اللخمي أنها مدينة، وما ثبت في نفس الحديث من كونها قرية أصح مع احتمال أن تكون في الأول قرية ثم صارت مدينة، وفيه إشعار بتقدم إسلام عبد القيس على غيرهم من أهل القرى، وهو كذلك كما قررته في أواخر كتاب الإيمان. قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد الأيلي. قوله: "كلكم راع وزاد الليث الخ" فيه إشارة إلى أن رواية الليث متفقة مع ابن المبارك إلا في القصة فإنها مختصة برواية الليث، ورواية الليث معلقة، وقد وصلها الذهلي عن أبي صالح كاتب الليث عنه، وقد ساق المصنف رواية ابن المبارك بهذا الإسناد في كتاب الوصايا فلم يخالف رواية الليث إلا في إعادة قوله في آخره: "وكلكم راع الخ". قوله: "وكتب رزيق بن حكيم" هو بتقديم الراء على الزاي، والتصغير في اسمه واسم أبيه في روايتنا، وهذا هو المشهور في غيرها، وقيل بتقديم الزاي وبالتصغير فيه دون أبيه. قوله: "أجمع" أي أصلي بمن معي الجمعة. قوله: "على أرض يعملها" أي يزرع فيها. قوله: "ورزيق يومئذ على أيلة" بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام بلدة معروفة في طريق الشام بين المدينة ومصر على ساحل القلزم، وكان رزيق أميرا عليها من قبل عمر بن عبد العزيز، والذي يظهر أن الأرض التي كان يزرعها من أعمال أيلة، ولم يسأل عن أيلة نفسها لأنها كانت مدينة كبيرة ذات قلعة وهي الآن خراب ينزل بها الحاج المصري والغزي صلى الله عليه وسلم وبعض آثارها ظاهر. قوله: "وأنا أسمع" هو قول يونس، والجملة حالية، وقوله: "يأمره " حالة أخرى، وقوله: "يخبره " حال من فاعل يأمره، والمكتوب هو الحديث، والمسموع المأمور به قاله الكرماني. والذي يظهر أن المكتوب هو عين المسموع، وهو الأمر والحديث معا. وفي قوله: "كتب " تجوز كأن ابن شهاب أملاه على كاتبه فسمعه يونس منه، ويحتمل أن يكون الزهري كتبه بخطه وقرأه بلفظه فيكون فيه حذف تقديره فكتب ابن شهاب وقرأه وأنا أسمع، ووجه ما احتج به على التجميع من قوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع " أن على من كان أميرا إقامة الأحكام الشرعية - والجمعة منها - وكان رزيق عاملا على الطائفة التي ذكرها، وكان عليه أن يراعي حقوقهم ومن جملتها إقامة الجمعة. قال الزين بن المنير: في هذه القصة إيماء إلى أن الجمعة تنعقد بغير إذن من السلطان إذا كان في القوم من يقوم بمصالحهم. وفيه إقامة الجمعة في القرى خلافا لمن شرط لها المدن، فإن قيل؛ قوله: "كلكم راع " يعم جميع الناس فيدخل فيه المرعي أيضا، فالجواب أنه مرعي باعتبار، راع باعتبار، حتى ولو لم يكن له أحد كان راعيا لجوارحه وحواسه، لأنه يجب عليه أن يقوم بحق الله وحق عباده، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى. قوله فيه "قال وحسبت أن قد قال" جزم الكرماني بأن فاعل " قال: "هنا هو يونس، وفيه نظر، والذي يظهر أنه سالم، ثم ظهر لي أنه ابن عمر. وسيأتي في كتاب الاستقراض بيان ذلك إن شاء الله تعالى. وقد رواه الليث أيضا عن نافع عن ابن عمر بدون هذه الزيادة، أخرجه مسلم.
(2/381)

12 - باب هَلْ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ غُسْلٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ
(2/381)

894- حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني سالم بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من جاء منكم الجمعة فليغتسل "
895- حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم "
896- حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا وهيب قال حدثنا بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن الآخرون السابقون يوم القيامة أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله فغدا لليهود وبعد غد للنصارى فسكت
897- ثم قال حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده "
[الحديث897 – طرفاه في :3487.898]
898- رواه أبان بن صالح عن مجاهد عن طاوس عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لله تعالى على كل مسلم حق أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما.
(2/382)

باب حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا شبابة
...
13- باب 899 - حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا شبابة حدثنا ورقاء عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد "
900- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَتْ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ قَالَتْ وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي قَالَ يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ "
قوله: "باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم" تقدم التنبيه على ما تضمنته هذه الترجمة في " باب فضل الغسل " ويدخل في قوله: "وغيرهم " العبد والمسافر والمعذور، وكأنه استعمل الاستفهام في الترجمة للاحتمال الواقع في حديث أبي هريرة " حق على كل مسلم أن يغتسل " فإنه شامل للجميع، والتقييد في حديث ابن عمر بمن حاء منكم يخرج من لم يجيء، والتقييد في حديث أبي سعيد بالمحتلم يخرج الصبيان، والتقييد في النهي عن منع النساء المساجد بالليل يخرج الجمعة. وعرف بهذا وجه إيراد هذه الأحاديث في هذه الترجمة، وقد تقدم الكلام على أكثرها. قوله: "وقال ابن عمر إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة" وصله البيهقي بإسناد صحيح عنه وزاد: "والجمعة على من يأتي أهله " ومعنى هذه الزيادة أن الجمعة تجب عنده على من يمكنه الرجوع إلى موضعه قبل دخول الليل، فمن كان فوق هذه المسافة لا تجب عليه عنده. وسيأتي البحث فيه بعد باب. وقد تقرر أن الآثار التي يوردها البخاري في
(2/382)

التراجم تدل على اختيار ما تضمنته عنده، فهذا مصير منه إلى أن الغسل للجمعة لا يشرع إلا لمن وجبت عليه. قوله في حديث أبي هريرة "فسكت ثم قال: حق على كل مسلم الخ" فاعل " سكت " هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أورده المصنف في ذكر بني إسرائيل من وجه آخر عن وهيب بهذا الإسناد دون قوله: "فسكت ثم قال: "ويؤكد كونه مرفوعا رواية مجاهد عن طاوس المقتصرة على الحديث الثاني، ولهذه النكتة أورده بعده فقال: "رواه أبان بن صالح الخ " وكذا أخرجه مسلم من وجه آخر عن وهيب مقتصرا، وهذا التعليق عن مجاهد قد وصله البيهقي من طريق سعيد بن أبي هلال عن أبان المذكور، وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن طاوس وصرح فيه بسماعه له من أبي هريرة، أخرجه من طريق عمرو بن دينار عن طاوس وزاد فيه: "ويمس طيبا إن كان لأهله " واستدل بقوله: "لله على كل مسلم حق " للقائل بالوجوب، وقد تقدم البحث فيه. قوله: "في كل سبعة أيام يوما" هكذا أبهم في هذه الطريق، وقد عينه جابر في حديثه عند النسائي بلفظ: "الغسل واجب على كل مسلم في أسبوع يوما وهو يوم الجمعة " وصححه ابن خزيمة. ولسعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة من حديث البراء بن عازب مرفوعا نحوه ولفظه: "إن من الحق على المسلم أن يغتسل يوم الجمعة " الحديث، ونحوه للطحاوي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من الصحابة أنصاري مرفوعا. قوله في رواية نافع عن ابن عمر "قال كانت امرأة لعمر" هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل أخت سعيد بن زيد أحد العشرة مما سماها الزهري فيما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه قال: "كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل عند عمر بن الخطاب، وكانت تشهد الصلاة في المسجد، وكان عمر يقول لها: والله إنك لتعلمين أني ما أحب هذا. قالت: والله لا أنتهي حتى تنهاني. قال: فلقد طعن عمرو وإنها لفي المسجد " كذا ذكره مرسلا، ووصله عبد الأعلى عن معمر بذكر سالم بن عبد الله عن أبيه، لكن أبهم المرأة. أخرجه أحمد عنه، وسماها أحمد من وجه آخر عن سالم قال: "كان عمر رجلا غيورا وكان إذا خرج إلى الصلاة اتبعته عاتكة بنت زيد " الحديث، وهو مرسل أيضا، وعرف من هذا أن قوله في حديث الباب: "فقيل لها لم تخرجين الخ " أن قائل ذلك كله هو عمر بن الخطاب، ولا مانع أن يعبر عن نفسه بقوله: "إن عمر الخ " فيكون من باب التجريد أو الالتفات، وعلى هذا فالحديث من مسند عمر كما صرح به في رواية سالم
(2/383)

المرسلة، ويحتمل أن تكون المخاطبة دارت بينها وبين ابن عمر أيضا لأن الحديث مشهور من روايته، ولا مانع أن يعبر عن نفسه بقيل لها الخ، وهذا مقتضى ما صنع الحميدي وأصحاب الأطراف، فإنهم أخرجوا هذا الحديث من هذا الوجه في مسند ابن عمر، وقد تقدم الكلام على فوائده مستوفى قبيل كتاب الجمعة. "تنبيه": قال الإسماعيلي: أورد البخاري حديث مجاهد عن ابن عمر بلفظ: "ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد " وأراد بذلك أن الإذن إنما وقع لهن بالليل فلا تدخل فيه الجمعة. قال: ورواية أبي أسامة التي أوردها بعد ذلك تدل على خلاف ذلك، يعني قوله فيها " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " انتهى. والذي يظهر أنه جنح إلى أن هذا المطلق يحمل على ذلك المقيد. والله أعلم.
(2/384)

14 - باب الرُّخْصَةِ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْجُمُعَةَ فِي الْمَطَرِ
901- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلاَ تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا قَالَ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي إِنَّ الْجُمْعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ "
قوله: "باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر" ضبط في روايتنا بكسر إن وهي الشرطية، ويحضر بفتح أوله أي الرجل. وضبطه الكرماني بفتح أن ويحضر بلفظ المبني للمفعول، وهو متجه أيضا. وأورد المصنف هنا حديث ابن عباس من رواية إسماعيل وهو المعروف بابن علية، وهو مناسب لما ترجم له، وبه قال الجمهور ومنهم من فرق بين قليل المطر وكثيره. وعن مالك: لا يرخص في تركها بالمطر. وحديث ابن عباس هذا حجة في الجواز. وقال الزين بن المنير: الظاهر أن ابن عباس لا يرخص في ترك الجمعة، وأما قوله: "صلوا في بيوتكم " فإشارة منه إلى العصر، فرخص لهم في ترك الجماعة فيها، وأما الجمعة فقد جمعهم لها فالظاهر أنه جمع بهم فيها. قال: ويحتمل أن يكون جمعهم للجمعة ليعلمهم بالرخصة في تركها في مثل ذلك ليعملوا به في المستقبل. انتهى. والذي يظهر أنه لم يجمعهم، وإنما أراد بقوله صلوا في بيوتكم مخاطبة من لم يحضر وتعليم من حضر. قوله: "إن الجمعة عزمة" استشكله الإسماعيلي فقال: لا أخا له صحيحا، فإن أكثر الروايات بلفظ: "إنما عزمة " أي كلمة المؤذن وهي " حي على الصلاة " لأنها دعاء إلى الصلاة تقتضي لسامعه الإجابة، ولو كان معنى الجمعة عزمة لكانت العزيمة لا تزول بترك بقية الأذان. انتهى. والذي يظهر أنه لم يترك بقية الأذان، وإنما أبدل قوله: "حي على الصلاة " بقوله: "صلوا في بيوتكم " والمراد بقوله: "إن الجمعة عزمة " أي فلو تركت المؤذن يقول حي على الصلاة لبادر من سمعه إلى المجيء في المطر فيشق عليهم فأمرته أن يقول صلوا في بيوتكم لتعلموا أن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة. قوله: "والدحض" بفتح الدال المهملة وسكون الحاء المهملة - ويجوز فتحها - وآخره ضاد معجمة هو الزلق، وحكى ابن التين أن في رواية القابسي بالراء بدل الدال وهو الغسل، قال: ولا معنى له هنا إلا إن حمل على أن الأرض حين أصابها المطر كالمغتسل والجامع بينهما الزلق. وقد تقدمت بقية مباحث الحديث في أبواب الأذان. "تنبيه": وقع في السياق عن عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيربن، وأنكره الدمياطي فقال: كان زوج
(2/384)

بنت سيرين فهو صهر ابن سيربن لا ابن عمه. قلت: ما المانع أن يكون بين سيرين والحارث أخوة من رضاع ونحوه، فلا ينبغي تغليط الرواية الصحيحة مع وجود الاحتمال المقبول.
(2/385)

15 - باب مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ
لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الجمعة: من الآية9)
وَقَالَ عَطَاءٌ إِذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ فَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْهُ وَكَانَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَصْرِهِ أَحْيَانًا يُجَمِّعُ وَأَحْيَانًا لاَ يُجَمِّعُ وَهُوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْعَوَالِيِّ فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَارِ يُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُمْ الْعَرَقُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي
فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا "
قوله: "باب من أين تؤتي الجمعة، وعلى من تجب؟ لقول الله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} يعني أن الآية ليست صريحة في وجوب بيان الحكم المذكور، فلذلك أتى في الترجعة بصيغة الاستفهام.والذي ذهب إليه الجمهور أنها تجب على من سمع النداء أو كان في قوة السامع سواء كان داخل البلد أو خارجه، ومحله كما صرح به الشافعي ما إذا كان المنادي صيتا والأصوات هادئة والرجل سميعا.وفي السنن لأبي داود من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: "إنما الجمعة على من سمع النداء " وقال: إنه اختلف في رفعه ووقفه.وأخرجه الدار قطني من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم " أتسمع النداء؟ قال: نعم.قال: فأجب " وقد تقدم في صلاة الجماعة ذكر من احتج به على وجوبها، فيكون في الجمعة أولى لثبوت الأمر بالسعي إليها.وأما حديث: "الجمعة على من آواه الليل إلى أهله " فأخرجه الترمذي، ونقل عن أحمد أنه لم يره شيئا.وقال لمن ذكره: "استغفر ربك".وقد تقدم قبل بباب من قول ابن عمر نحوه، والمعنى أنها تجب على من يمكنه الرجوع إلى أهله قبل دخول الليل، واستشكل بأنه يلزم منه أنه يجب السعي من أول النهار وهو بخلاف الآية. قوله: "وقال عطاء الخ" وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه، وقوله: "سمعت النداء أو لم تسمعه، يعني إذا كنت داخل البلد، وبهذا صرح أحمد، ونقل النووي أنه لا خلاف فيه، وزاد عبد الرزاق في هذا الأثر عن ابن جريح أيضا قلت لعطاء: ما القرية الجامعة؟ قال: ذات الجماعة والأمير والقاضي والدور المجتمعة الآخذ بعضها ببعض مثل جدة. قوله: "وكان أنس - إلى قوله - لا يجمع" وصله مسدد في مسنده الكبير عن أبي عوانة عن حميد بهذا. وقوله: "يجمع " أي يصلي بمن معه الجمعة، أو يشهد الجمعة بجامع البصرة. قوله: "وهو" أي القصر، والزاوية موضع ظاهر البصرة معروف كانت فيه وقعة كبيرة بين الحجاج وابن الأشعث. قال أبو عبيد البكري: هو بكسر الواو موضع دان من البصرة. وقوله: "على فرسخين " أي من البصرة. وهذا وصله ابن أبي شيبة من وجه آخر عن
(2/385)

اخت مسلمة
06-10-2009, 01:57 AM
أنس أنه كان يشهد الجمعة من الزاوية وهي على فرسخين من البصرة، وهذا يرد على من زعم أن الزاوية موضع بالمدينة النبوية كان فيه قصر لأنس على فرسخين منها ويرجح الاحتمال الثاني، وعرف بهذا أن التعليق المذكور ملفق من أثرين، ولا يعارض ذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن ثابت قال: "كان أنس يكون في أرضه وبينه وبين البصرة ثلاثة أميال فيشهد الجمعة بالبصرة " لكون الثلاثة أميال فرسخا واحدا لأنه يجمع بأن الأرض المذكورة غير القصر، وبأن أنسا كان يرى التجميع حتما إن كان على فرسخ ولا يراه حتما إذا كان أكثر من ذلك، ولهذا لم يقع في رواية ثابت التخيير في رواية حميد.قوله."حدثنا أحمد بن صالح" كذا في رواية أبي ذر، ووافقه ابن السكن، وعن غيرهما: "حدثنا أحمد " غير منسوب، وجزم أبو نعيم في المستخرج بأنه ابن عيسى، والأول أصوب وفي هذا الإسناد لطيفة، وهو أن فيه ثلاثة دون عبيد الله بن أبي جعفر من أهل مصر وثلاثة فوقه من أهل المدينة. قوله: "ينتابون الجمعة" أي يحضرونها نوبا، والانتياب افتعال من النوبة. وفي رواية: "يتناوبون". قوله: "والعوالي" تقدم تفسيرها في المواقيت وأنها على أربعة أميال فصاعدا من المدينة. قوله: "فيأتون في الغبار فيصيبهم الغبار" كذا وقع للأكثر، وعند القابسي " فيأتون في العباء " بفتح المهملة والمد وهو أصوب، وكذا هو عند مسلم والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب. قوله: "إنسان منهم" لم أقف على اسمه، وللإسماعيلي: "ناس منهم". قوله: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا" لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب، أو للشرط والجواب محذوف تقديره لكان حسنا. وقد وقع في حديث ابن عباس عند أبي داود أن هذا كان مبدأ الأمر بالغسل للجمعة، ولأبي عوانة من حديث ابن عمر نحوه، وصرح في آخره بأنه صلى الله عليه وسلم قال حينئذ " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " وقد استدلت به عمرة على أن غسل الجمعة شرع للتنظيف لأجل الصلاة كما سيأتي في الباب الذي بعده، فعلى هذا فمعنى قوله: "ليومكم هذا " أي في يومكم هذا. وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا رفق العالم بالمتعلم، واستحباب التنظيف لمجالسة أهل الخير، واجتناب أذى المسلم بكل طريق، وحرص الصحابة على امتثال الأمر ولو شق عليهم. وقال القرطبي: فيه رد على الكوفيين حيث لم يوجبوا الجمعة على من كان خارج المصر، كذا قال. وفيه نظر لأنه لو كان واجبا على أهل العوالي ما تناوبوا ولكانوا يحضرون جميعا، والله أعلم.
(2/386)

16 - باب وَقْتُ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ
وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
903- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَمْرَةَ عَنْ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ وَكَانُوا إِذَا رَاحُوا إِلَى الْجُمُعَةِ رَاحُوا فِي هَيْئَتِهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ لَوْ اغْتَسَلْتُمْ "
[الحديث 903 – طرفه في 2071]
904- حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ "
(2/386)

905- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ وَنَقِيلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ "
[الحديث905- طرفه في:940]
قوله: "باب وقت الجمعة" أي أوله "إذا زالت الشمس" جزم بهذه المسألة مع وقوع الخلاف فيها لضعف دليل المخالف عنده. قوله: "وكذا يذكر عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث" قيل إنما اقتصر على هؤلاء من الصحابة دون غيرهم لأنه نقل عنهم خلاف ذلك، وهذا فيه نظر لأنه لا خلاف عن علي ومن بعده في ذلك، وأغرب ابن العربي فنقل الإجماع على أنها لا تجب حتى تزول الشمس، إلا ما نقل عن أحمد أنه إن صلاها قبل الزوال أجزأ ا هـ. وقد نقله ابن قدامة وغيره عن جماعة من السلف كما سيأتي، فأما الأثر عن عمر فروى أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له وابن أبي شيبة من رواية عبد الله بن سيدان قال: "شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، وشهدتها مع عمر رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار " رجاله ثقات إلا عبد الله بن سيدان وهو بكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة فإنه تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة، قال ابن عدي شبه المجهول. وقال البخاري لا يتابع على حديثه، بل عارضه ما هو أقوى منه فروى ابن أبي شيبة من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس إسناده قوي، وفي الموطأ عن مالك بن أبي عامر قال: "كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشيها ظل الجدار خرج عمر " إسناده صحيح، وهو ظاهر في أن عمر كان يخرج بعد زوال الشمس، وفهم منه بعضهم عكس ذلك، ولا يتجه إلا إن حمل على أن الطنفسة كانت تفرش خارج المسجد وهو بعيد، والذي يظهر أنها كانت تفرش له داخل المسجد، وعلى هذا فكان عمر يتأخر بعد الزوال قليلا، وفي حديث السقيفة عن ابن عباس قال: "فلما كان يوم الجمعة وزالت الشمس خرج عمر فجلس على المنبر؛ وأما علي فروى ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق أنه " صلى خلف علي الجمعة بعد ما زالت الشمس " إسناده صحيح، وروى أيضا من طريق أبي رزين قال: "كنا نصلي مع علي الجمعة فأحيانا نجد فيئا وأحيانا لا نجد " وهذا محمول على المبادرة عند الزوال أو التأخير قليلا، وأما النعمان بن بشير فروى ابن أبي شيبه بإسناد صحيح عن سماك بن حرب قال: "كان النعمان بن بشير يصلي بنا الجمعة بعد ما تزول الشمس". قلت: وكان النعمان أميرا على الكوفة في أول خلافة يزيد بن معاوية، وأما عمرو بن حريث فأخرجه ابن أبي شيبة أيضا من طريق الوليد بن العيزار قال: "ما رأيت إماما كان أحسن صلاة للجمعة من عمرو بن حريث، فكان يصليها إذا زالت الشمس " إسناده صحيح أيضا، وكان عمرو ينوب عن زياد وعن ولده في الكوفة أيضا. وأما ما يعارض ذلك عن الصحابة فروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن سلمة وهو بكسر اللام قال: "صلى بنا عبد الله - يعني ابن مسعود - الجمعة ضحى وقال: خشيت عليكم الحر " وعبد الله صدوق إلا أنه ممن تغير لما كبر قاله شعبة وغيره، ومن طريق سعيد بن سويد قال: "صلى بنا معاوية الجمعة ضحى " وسعيد ذكره ابن عدي في الضعفاء واحتج بعض الحنابلة بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا يوم جعله الله عيد للمسلمين " قال فلما سماه عيدا جازت الصلاة فيه وقت العيد كالفطر والأضحى، وتعقب بأنه لا يلزم من تسمية يوم الجمعة عيدا أن يشتمل على جميع أحكام العيد، بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقا سواء صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة باتفاقهم. قوله: "أخبرنا عبد الله" هو
(2/387)

ابن المبارك، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري. قوله: "كان الناس مهنة" بنون وفتحات جمع ما هن ككتبة وكاتب أي خدم أنفسهم، وحكى ابن التين أنه روى بكسر أوله وسكون الهاء ومعناه بإسقاط محذوف أي ذوي مهنة. ولمسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد " كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كفأة " أي لم يكن لهم من يكفيهم العمل من الخدم. قوله: "وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم" استدل البخاري بقوله: "راحوا " على أن ذلك كان بعد الزوال لأنه حقيقة الرواح كما تقدم عن أكثر أهل اللغة، ولا يعارض هذا ما تقدم عن الأزهري أن المراد بالرواح في قوله: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح " الذهاب مطلقا لأنه إما أن يكون مجازا أو مشتركا، وعلى كل من التقديرين فالقرينة مخصصه وهي في قوله: "من راح في الساعة الأولى " قائمة في إرادة مطلق الذهاب، وفي هذا قائمة في الذهاب بعد الزوال لما جاء في حديث عائشة المذكور في الطريق التي في آخر الباب الذي قبل هذا حيث قالت: "يصيبهم الغبار والعرق " لأن ذلك غالبا إنما يكون بعد ما يشتد الحر، وهذا في حال مجيئهم من العوالي، فالظاهر أنهم لا يصلون إلى المسجد إلا حين الزوال أو قريبا من ذلك، وعرف بهذا توجيه إيراد حديث عائشة في هذا الباب. "تنبيه": أورد أبو نعيم في المستخرج طريق عمرة هذه في الباب الذي قبله وعلى هذا فلا إشكال فيه أصلا. قوله: "عن أنس" صرح في رواية الإسماعيلي من طريق زيد بن الحباب عن فليح بسماع عثمان له من أنس. قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس" فيه إشعار بمواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة الجمعة إذا زالت الشمس. أما رواية حميد التي بعد هذا عن أنس " كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة " فظاهره أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار، لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض، وقد تقرر فيما تقدم أن التبكير يطلق على فعل الشيء في أول وقته أو تقديمه على غيره وهو المراد هنا، والمعنى أنهم كانوا يبدؤون بالصلاة قبل القيلولة، بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر في الحر فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإيراد، ولهذه النكتة أورد البخاري طريق حميد عن أنس عقب طريق عثمان بن عبد الرحمن عنه، وسيأتي في الترجمة التي بعد هذه التعبير بالتبكير والمراد به الصلاة في أول الوقت وهو يؤيد ما قلناه. قال الزين بن المنير في الحاشية: فسر البخاري حديث أنس الثاني بحديث أنس الأول إشارة منه إلى أنه لا تعارض بينهما. "تنبيهان" الأول: حكى ابن التين عن أبي عبد الملك أنه قال: إنما أورد البخاري الآثار عن الصحابة لأنه لم يجد حديثا مرفوعا في ذلك، وتعقبه بحديث أنس هذا وهو كما قال الثاني: لم يقع التصريح عند المصنف برفع حديث أنس الثاني، وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق فضيل بن عياض عن حميد فزاد فيه: "مع النبي صلى الله عليه وسلم: "وكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق محمد بن إسحاق حدثني حميد الطويل، وله شاهد من حديث سهل بن سعد يأتي في آخر كتاب الجمعة، وفيه رد على من زعم أن الساعات المطلوبة في الذهاب إلى الجمعة من عند الزوال لأنهم يتبادرون إلى الجمعة قبل القائلة.
(2/388)

17 - باب إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
906- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ هُوَ خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاَةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلاَةِ يَعْنِي الْجُمُعَةَ "
(2/388)

قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ فَقَالَ بِالصَّلاَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمُعَةَ وَقَالَ بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا أَمِيرٌ الْجُمُعَةَ ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ
قوله: "باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة" لما اختلف ظاهر النقل عن أنس وتقرر أن طريق الجمع أن يحمل الأمر على اختلاف الحال بين الظهر والجمعة كما قدمناه، جاء عن أنس حديث آخر يوهم خلاف ذلك فترجم المصنف هذه الترجمة لأجله. قوله: "حدثنا أبو خلدة" بفتح المعجمة وسكون اللام، والإسناد كله بصريون. قوله: "بكر بالصلاة" أي صلاها في أول وقتها. قوله: "وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة" لم يجزم المصنف بحكم الترجمة للاحتمال الواقع في قوله: "يعني الجمعه " لاحتمال أن يكون من كلام التابعي أو من دونه، وهو ظن ممن قاله، والتصريح عن أنس في رواية حميد الماضية أنه كان يبكر بها مطلقا من غير تفصيل، ويؤيده الرواية المعلقة الثانية فإن فيها البيان بأن قوله: "يعني الجمعة " إنما أخذه قائله مما فهمه من التسوية بين الجمعة والظهر عند أنس حيث استدل لما سئل عن الجمعة بقوله: "كان يصلي الظهر"، وأوضح من ذلك رواية الإسماعيلي من طريق أخرى عن حرمي ولفظه: "سمعت أنسا - وناداه يزيد الضبي يوم جمعة: يا أبا حمزة قد شهدت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف كان يصلي الجمعة؟ - " فذكره ولم يقل بعده يعني الجمعة. قوله: "وقال يونس بن بكير" وصله المصنف في " الأدب المفرد " ولفظه: "سمعت أنس بن مالك وهو مع الحكم أمير البصرة على السرير يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبرد بالصلاة، وإذا كان البرد بكر بالصلاة " وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن يونس وزاد: "يعني الظهر". والحكم المذكور هو ابن أبي عقيل الثقفي كان نائبا عن ابن عمه الحجاج بن يوسف، وكان على طريقة ابن عمه في تطويل الخطبة يوم الجمعة حتى يكاد الوقت أن يخرج. وقد أورد أبو يعلى قصة يزيد الضبي المذكور وإنكاره على الحكم هذا الصنيع واستشهاده بأنس واعتذار أنس عن الحكم بأنه أخر للإبراد، فساقها مطولة في نحو ورقة. وعرف بهذا أن الإبراد بالجمعة عند أنس إنما هو بالقياس على الظهر لا بالنص، لكن أكثر الأحاديث تدل على التفرقة بينهما. قوله: "وقال بشر بن ثابت" وصله الإسماعيلي والبيهقي بلفظ: "كان إذا كان الشتاء بكر بالظهر، وإذا كان الصيف أبرد بها " وعرف من طريق " الأدب المفرد " تسمية الأمير المبهم في هذه الرواية المعلقة، ومن رواية الإسماعيلي وغيره سبب تحديث أنس بن مالك بذلك حتى سمعه أبو خلدة. وقال الزين بن المنير: نحا البخاري إلى مشروعية الإبراد بالجمعة ولم يبت الحكم بذلك، لأن قوله: "يعني الجمعة " يحتمل أن يكون قول التابعي مما فهمه، ويحتمل أن يكون من نقله، فرجح عنده إلحاقها بالظهر، لأنها إما ظهر وزيادة أو بدل عن الظهر، وأيد ذلك قول أمير البصرة لأنس يوم الجمعة " كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر " وجواب أنس من غير إنكار ذلك. وقال أيضا: إذا تقرر أن الإبراد يشرع في الجمعة أحذ منه أنها لا تشرع قبل الزوال، لأنه لو شرع لما كان اشتداد الحر سببا لتأخيرها، بل كان يستغني عنه بتعجيلها قبل الزوال. واستدل به ابن بطال على أن وقت الجمعة وقت الظهر لأن أنسا سوى بينهما في جوابه، خلافا لمن أجاز الجمعة قبل الزوال، وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله. وفيه إزالة التشويش عن المصلي بكل طريق محافظة على الخشوع لأن ذلك هو السبب في مراعاة الإبراد في الحر دون البرد.
(2/389)

18 - باب الْمَشْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ
وَقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}
وَمَنْ قَالَ السَّعْيُ الْعَمَلُ وَالذَّهَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا}
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ وَقَالَ عَطَاءٌ تَحْرُمُ الصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ
907-حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ قَالَ أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ "
[الحديث907- طرفه في : 2811]
908- حدثنا آدم قال حدثنا بن أبي ذئب قال الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون عليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا
990- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ
قوله: "باب المشي إلى الجمعة وقول الله جل ذكره فاسعوا إلى ذكر الله" ومن قال السعي العمل والذهاب لقوله تعالى وسعى لها سعيها".قال ابن المنير في الحاشية: لما قابل الله بين الأمر بالسعي والنهي عن البيع دل أن المراد بالسعي العمل الذي هو الطاعة لأنه هو الذي يقابل بسعي الدنيا كالبيع والصناعة، والحاصل أن المأمور به سعي الآخرة، والمنهي عنه سعي الدنيا.وفي الموطأ عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن هذه الآية فقال: كان عمر يقرؤها " إذا نودي للصلاة فامضوا " وكأنه فسر السعي بالذهاب، قال مالك: وإنما السعي العمل لقول الله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ} وقال: {وأما من جاءك يسعى} قال مالك: وليس السعي الاشتداد ا هـ. وقراءة عمر المذكورة سيأتي الكلام عليها في التفسير. وقد أورد المصنف في الباب حديث: "لا تأتوها وأنتم تسعون " إشارة منه إلى أن السعي المأمور به في الآية غير السعي المنهي عنه في الحديث، والحجة فيه أن السعي في الآية فسر بالمضي، والسعي في الحديث فسر بالعدو. لمقابلته بالمشي حيث قال: لا تأتوها تسعون وأتوها تمشون. قوله: "وقال ابن عباس يحرم البيع حينئذ" أي إذا نودي بالصلاة، وهذا الأثر ذكره ابن حزم من طريق عكرمة عن ابن عباس بلفظ: "لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادي للصلاة، فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع " ورواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا، وإلى القول بالتحريم ذهب الجمهور، وابتداؤه عندهم من حين الأذان بين يدي
(2/390)

الإمام لأنه الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي قريبا. وروى عمر بن شبة في " أخبار المدينة " من طريق مكحول أن النداء كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن يوم الجمعة مؤذن واحد حين يخرج الإمام، وذلك النداء الذي يحرم عنده البيع، وهو مرسل يعتضد بشواهد تأتي قريبا. وأما الأذان الذي عند الزوال فيجوز عندهم البيع فيه مع الكراهة، وعن الحنفية يكره مطلقا ولا يحرم، وهل يصح البيع مع القول بالتحريم؟ قولان مبنيان على أن النهي هل يقتضي الفساد مطلقا أو لا؟ قوله: "وقال عطاء تحرم الصناعات كلها" وصله عبد بن حميد في تفسيره بلفظ: "إذا نودي بالأذان حرم اللهو والبيع والصناعات كلها والرقاد وأن يأتي الرجل أهله وأن يكتب كتابا " وبهذا قال الجمهور أيضا. قوله: "وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري الخ" لم أره من رواية إبراهيم، وقد ذكره ابن المنذر عن الزهري وقال: إنه اختلف عليه فيه فقيل عنه هكذا، وقيل عنه مثل قول الجماعة إنه لا جمعة على مسافر، كذا رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري، قال ابن المنذر: وهو كالإجماع من أهل العلم على ذلك، لأن الزهري اختلف عليه فيه ا هـ. ويمكن حمل كلام الزهري على حالين، فحيث قال: "لا جمعة على مسافر " أراد على طريق الوجوب، وحيث قال: "فعليه أن يشهد " أراد على طريق الاستحباب. ويمكن أن تحمل رواية إبراهيم بن سعد هذه على صورة مخصوصة، وهو إذا اتفق حضوره في موضع تقام فيه الجمعة فسمع النداء لها، لا أنها تلزم المسافر مطلقا حتى يحرم عليه السفر قبل الزوال من البلد الذي يدخلها مجتازا مثلا، وكأن ذلك رجح عند البخاري، ويتأيد عنده بعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فلم يخص مقيما من مسافر، وأما ما احتج به ابن المنذر على سقوط الجمعة عن المسافر بكونه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر جميعا بعرفة وكان يوم جمعة فدل ذلك من فعله على أنه لا جمعة على مسافر فهو عمل صحيح، إلا أنه لا يدفع الصورة التي ذكرتها. وقال الزين بن المنير: قرر البخاري في هذه الترجمة إثبات المشي إلى الجمعة مع معرفته بقول من فسرها بالذهاب الذي يتناول المشي والركوب، وكأنه حمل الأمر بالسكينة والوقار على عمومه في الصلوات كلها فتدخل الجمعة كما هو مقتضى حديث أبي هريرة، وأما حديث أبي قتادة فيؤخذ من قوله: "وعليكم السكينة " فإنه يقتضي عدم الإسراع في حال السعي إلى الصلاة أيضا. قوله: "حدثني علي بن عبد الله" هو ابن المديني. قوله: "يزيد" بالتحتانية والزاي، و "عباية" بفتح المهملة بعدها موحدة وهو ابن رفاعة بن رافع ابن خديج. قوله: "أدركني أبو عبس" بفتح المهملة وسكون الموحدة، وهو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة واسمه عبد الرحمن على الصحيح، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد. قوله: "وأنا أذهب" كذا وقع عند البخاري أن القصة وقعت لعباية مع أبي عبس، وعند الإسماعيلي من رواية علي بن بحر وغيره عن الوليد بن مسلم أن القصة وقعت ليزيد بن أبي مريم مع عباية، وكذا أخرجه النسائي عن الحسين بن حريث عن الوليد ولفظه: "حدثني يزيد قال: لحقني عباية بن رفاعة وأنا ماش إلى الجمعة " زاد الإسماعيلي في روايته: "وهو راكب، فقال: احتسب خطاك هذه " وفي رواية النسائي: "فقال أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله، فإني سمعت أبا عبس بن جبر " فذكر الحديث، فإن كان محفوظا احتمل أن تكون القصة وقعت لكل منهما، وسيأتي الكلام على المتن في كتاب الجهاد، وأورده هنا لعموم قوله: "في سبيل الله " فدخلت فيه الجمعة، ولكون راوي الحديث استدل به على ذلك. وقال ابن المنير في الحاشية: وجه دخول حديث أبي عبس في الترجمة من قوله: "أدركني أبو عبس " لأنه لو كان يعدو لما احتمل وقت المحادثة لتعذرها مع الجري، ولأن أبا عبس
(2/391)

جعل حكم السعي إلى الجمعة حكم الجهاد. وليس العدو من مطالب الجهاد فكذلك الجمعة، انتهى. وحديث أبي هريرة تقدم الكلام عليه في أواخر أبواب الأذان، وقد سبق في أول هذا الباب توجيه إيراده هنا. قوله: "عن عبد الله بن أبي قتادة قال أبو عبد الله: لا أعلمه إلا عن أبيه" انتهى. أبو عبد الله هذا هو المصنف. وقع قوله: "قال أبو عبد الله " في رواية المستملي وحده، وكأنه وقع عنده توقف في وصله لكونه كتبه من حفظه أو لغير ذلك، وهو في الأصل موصول لا ريب فيه، فقد أخرجه الإسماعيلي عن ابن ناجية عن أبي حفص - وهو عمرو بن علي شيخ البخاري فيه - فقال: "عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه " ولم يشك، وأغرب الكرماني فقال: إن هذا الإسناد منقطع وإن حكم البخاري بكونه موصولا لأن شيخه لم يروه إلا منقطعا، انتهى. وقد تقدم في أواخر الأذان أن البخاري علق هذه الطريق من جهة على ابن المبارك ولم يتعرض للشك الذي هنا، وتقدم الكلام على المتن أيضا، وموضع الحاجة منه هنا قوله: "وعليكم السكينة " قال ابن رشيد: والنكتة في النهي عن ذلك لئلا يكون مقامهم سببا لإسراعه في الدخول إلى الصلاة فينافي مقصوده من هيئة الوقار، قال: وكأن البخاري استشعر إيراد الفرق بين الساعي إلى الجمعة وغيرها بأن السعي إلى الصلاة غير الجمعة منهي لأجل ما يلحق الساعي من التعب وضيق النفس فيدخل في الصلاة وهو منبهر فينافي ذلك خشوعه، وهذا بخلاف الساعي إلى الجمعة فإنه في العادة يحضر قبل إقامة الصلاة فلا تقام حتى يستريح مما يلحقه من الانبهار وغيره، وكأنه استشعر هذا الفرق فأخذ يستدل على أن كل ما آل إلى إذهاب الوقار منع منه، فاشتركت الجمعة مع غيرها في ذلك، والله أعلم.
(2/392)

19 - باب لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
910- حدثنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن بن وديعة عن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع من طهر ثم ادهن أو مس من طيب ثم راح فلم يفرق بين اثنين فصلى ما كتب له ثم إذا خرج الإمام أنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى "
قوله: "باب لا يفرق" أي الداخل "بين اثنين" كذا ترجم ولم يثبت الحكم، وقد نقل الكراهة عن الجمهور ابن المنذر واختار التحريم، وبه جزم النووي في " زوائد الروضة " والأكثر على أنها كراهة تنزيه، ونقله الشيخ أبو حامد عن النص، والمشهور عند الشافعية الكراهة كما جزم به الرافعي، والأحاديث الواردة في الزجر عن التخطي مخرجة في المسند والسنن وفي غالبها ضعف، وأقوى ما ورد فيه ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق أبي الزاهرية قال: "كنا مع عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أن رجلا جاء يتخطى والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: اجلس فقد آذيت " ولأبي داود من طريق عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: "ومن تخطى رقاب الناس كانت له ظهرا " وقيد مالك والأوزاعي الكراهة بما إذا كان الخطيب على المنبر، قال الزين بن المنير: التفرقة بين اثنين يتناول القعود بينهما وإخراج أحدهما والقعود مكانه، وقد يطلق على مجرد التخطي، وفي التخطي زيادة رفع رجليه على رءوسهما أو أكتافهما، وربما تعلق بثيابهما شيء مما برجليه، وقد استثنى من كراهة التخطي ما إذا كان في الصفوف الأول
(2/392)

فرجة فأراد الداخل سدها فيغتفر له لتقصيرهم. أورد فيه حديث سلمان، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في " باب الدهن للجمعة".
(2/393)

20 - باب لاَ يُقِيمُ الرَّجُلُ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَقْعُدُ فِي مَكَانِهِ
911- حدثنا محمد قال أخبرنا مخلد بن يزيد قال أخبرنا بن جريج قال سمعت نافعا يقول سمعت بن عمر رضي الله عنهما يقول ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه قلت لنافع الجمعة قال الجمعة وغيرها
[الحديث911- طرفاه في: 6370.6369]
قوله باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد مكانه هذه الترجمة المقيدة بيوم الجمعة ورد فيها حديث صحيح لكنه ليس على شرط البخاري أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول تفسحوا ويؤخذ منه أن الذي يتخطى بعد الاستئذان خارج عن حكم الكراهة وقوله في الحديث لا يقيم الرجل أخاه لا مفهوم له بل ذكر لمزيد التنفير عن ذلك لقبحه لأنه إن فعله من جهة الكبر كان قبيحا وأن فعله من جهة الأثره كان أقبح وكأن البخاري اغتنى عنه بعموم حديث بن عمر المذكور فى الباب وبالعموم المذكور احتج نافع حين سأله بن جريج عن الجمعة وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وقد تقدم بيان دخول هذه الصورة في التفرقة التي قبلها وشيخ البخاري فيه هو محمد بن سلام كما وقع منسوبا في رواية أبي ذر
(2/393)

21 - باب الأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ "
[الحديث912- أطرافه في :916.915.913]
قوله: "باب الأذان يوم الجمعة" أي متى يشرع. قوله: "عن السائب بن يزيد" في رواية عقيل عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد أخبره. وفي رواية يونس عن الزهري سمعت السائب، وسيأتيان بعد هذا. قوله: "كان النداء يوم الجمعة" في رواية أبي عامر عن ابن أبي ذئب عند ابن خزيمة كان ابتداء النداء الذي ذكره الله في القرآن يوم الجمعة، وله في رواية وكيع عن ابن أبي ذئب " كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة " قال ابن خزيمة: قوله أذانين يريد الأذان والإقامة، يعني تغليبا أو لاشتراكهما في الإعلام كما تقدم في أبواب الأذان. قوله: "إذا جلس الإمام على المنبر" في رواية أبي عامر المذكورة " إذا خرج الإمام وإذا أقيمت الصلاة " وكذا للبيهقي من طريق ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب، وكذا في رواية الماجشون الآتية عن الزهري ولفظه: "وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام، يعني على المنبر " وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن الماجشون بدون قوله:
(2/393)

باب الؤذن الواحد يوم الجمعة
...
22 - باب الْمُؤَذِّنِ الْوَاحِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
913- حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن الزهري عن السائب بن يزيد " أن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان رضي الله عنه حين كثر أهل المدينة ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم , واحد وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام ,يعني على المنبر
قوله: "باب المؤذن الواحد يوم الجمعة" أورد فيه حديث السائب بن يزيد المذكور في الباب قبله وزاد فيه: "ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن غير واحد " ومثله للنسائي وأبي داود من رواية صالح ابن كيسان، ولأبى داود وابن خزيمة من رواية ابن إسحاق كلاهما عن الزهري، وفي مرسل مكحول المتقدم نحوه، وهو ظاهر في إرادة نفي تأذين اثنين معا، والمراد أن الذي كان يؤذن هو الذي كان يقيم. قال الإسماعيلي لعل قوله: "مؤذن " يريد به التأذين فعبر عنه بلفظ المؤذن لدلالته عليه. انتهى. وما أدرى ما الحامل له على هذا التأويل؟ فإن المؤذن الراتب هو بلال، وأما أبو محذورة وسعد القرظ فكان كل منهما بمسجده الذي رتب فيه، وأما ابن أم مكتوم فلم يرد أنه كان يؤذن إلا في الصبح كما تقدم في الأذان، فلعل الإسماعيلي استشعر إيراد أحد هؤلاء فقال ما قال، ويمكن أن يكون المراد بقوله: "مؤذن واحد " أي في الجمعة
(2/395)

فلا ترد الصبح مثلا، وعرف بهذا الرد على ما ذكر ابن حبيب أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رقى المنبر وجلس أذن المؤذنون وكانوا ثلاثة واحد بعد واحد، فإذا فرغ الثالث قام فخطب، فإنه دعوى تحتاج لدليل، ولم يرد ذلك صريحا من طريق متصلة يثبت مثلها. ثم وجدته في مختصر البويطي صلى الله عليه وسلم عن الشافعي.
ـــــــ
(1) في المخطوطة الرياض " المزني"
(2/396)

23 - باب يُجِيبُ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ
914- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ مُعَاوِيَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَنَا فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَنَا فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي "
قوله: "باب يجيب الإمام على المنبر إذا سمع النداء" في رواية كريمة: "يؤذن " بدل يجيب، فكأنه سماه أذانا لكونه بلفظه. قوله: "عن أبي أمامة" في رواية الإسماعيلي من طريق حبان وعبدان عن عبد الله - وهو ابن المبارك - سمعت أبا أمامة. قوله: "وأنا" أي أشهد، أو أنا أقول مثله. قوله: "فلما أن قضى" أي فرغ " وأن " زائده، وسقطت في رواية الأصيلي، وللكشميهني: "فلما أن انقضى " أي انتهى. وفي هذا الحديث من الفوائد تعلم العلم وتعليمه من الإمام وهو على المنبر، وأن الخطيب يجيب المؤذن وهو على المنبر، وأن قول المجيب " وأنا كذلك " ونحوه يكفي في إجابة المؤذن، وفيه إباحة الكلام قبل الشروع في الخطبة، وأن التكبير في أول الأذان غير مرجع وفيهما نظر، وفيه الجلوس قبل الخطبة. وبقية مباحثه تقدمت في أبواب الأذان.
(2/396)

24 - باب الْجُلُوسِ عَلَى الْمِنْبَرِ عِنْدَ التَّأْذِينِ
915- حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب أن السائب بن يزيد أخبره أن التأذين الثاني يوم الجمعة أمر به عثمان حين كثر أهل المسجد وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام"
قوله: "باب الجلوس على المنبر عند التأذين" تقدمت مباحث حديث السائب قريبا، ومناسبته للذي قبله ظاهرة جدا، وأشار الزين بن المنير إلى أن مناسبة هذه الترجمة الإشارة إلى خلاف من قال الجلوس على المنبر عند التأذين غير مشروع وهو عن بعض الكوفيين. وقال مالك والشافعي والجمهور: هو سنة. قال الزين: والحكمة فيه سكون اللفظ، والتهيؤ للإنصات، والاستنصات لسماع الخطبة، وإحضار الذهن للذكر.
(2/396)

25 - باب التَّأْذِينِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ
916- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ
(2/396)

26 - باب الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ
وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ
917- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ الْقُرَشِيُّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وَقَدْ امْتَرَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لاَعْرِفُ مِمَّا هُوَ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فُلاَنَةَ امْرَأَةٍ مِنْ الأَنْصَارِ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ ثُمَّ جَاءَ بِهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي "
918- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ "
قَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ
919- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ "
قوله: "باب الخطبة على المنبر" أي مشروعيتها، ولم يقيدها بالجمعة ليتناولها ويتناول غيرها. قوله: "وقال أنس خطب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر" هذا طرف من حديث أورده المصنف في الاعتصام وفي الفتن مطولا وفيه قصة عبد الله بن حذافة، ومن حديثه أيضا في الاستسقاء في قصة الذي قال: "هلك المال " وسيأتي ثم. قوله: "أن رجالا أتوا سهل بن سعد" لم أقف على أسمائهم. قوله: "امتروا" من المماراة وهي المجادلة. وقال الكرماني: من الامتراء وهو
(2/397)

الشك، ويؤيد الأول قوله في رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عند مسلم: "أن تماروا " فإن معناه تجادلوا، قال الراغب: الامتراء والمماراة المجادلة، ومنه "فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا". وقال أيضا: المرية التردد في الشيء، ومنه "فلا تكن في مرية من لقائه". قوله: "والله إني لأعرف مما هو" فيه القسم على الشيء لإرادة تأكيده للسامع. وفي قوله: "ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه " زيادة على السؤال، لكن فائدته إعلامهم بقوه معرفته بما سألوه عنه، وقد تقدم في باب الصلاة على المنبر أن سهلا قال: "ما بقي أحد أعلم به مني". قوله: "أرسل الخ" هو شرح الجواب. قوله: "إلى فلانة امرأة من الأنصار" في رواية أبي غسان عن أبي حازم " امرأة من المهاجرين " كما سيأتي في الهبة، وهو وهم من أبي غسان لإطباق أصحاب أبي حازم على قولهم " من الأنصار"، وكذا قال أيمن عن جابر كما سيأتي في علامات النبوة، وقد تقدم الكلام على اسمها في " باب الصلاة على المنبر " في أوائل الصلاة. قوله: "مري غلامك النجار" سماه عباس بن سهل عن أبيه فيما أخرجه قاسم بن أصبغ وأبو سعد في " شرف المصطفي " جميعا من طريق يحيى بن بكير عن ابن لهيعة حدثني عمارة بن غزية عنه ولفظه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة، فلما كثر الناس قيل له: لو كنت جعلت منبرا. قال وكان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون " فذكر الحديث، وأخرجه ابن سعد من رواية سعيد بن سعد الأنصاري عن ابن عباس نحو هذا السياق ولكن لم يسمه، وفي الطبراني من طريق أبي عبد الله الغفاري " سمعت سهل بن سعد يقول: كنت جالسا مع خال لي من الأنصار. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج إلى الغابة، وآتني من خشبها، فاعمل لي منبرا " الحديث. وجاء في صانع المنبر أقوال أخرى: أحدها اسمه إبراهيم، أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبي نضرة عن جابر. وفي إسناده العلاء بن مسلمة الرواس وهو متروك، ثانيها باقول بموحدة وقاف مضمومة، رواه عبد الرزاق بإسناد ضعيف منقطع، ووصله أبو نعيم في المعرفة لكن قال باقوم آخره ميم وإسناده ضعيف أيضا. ثالثها صباح بضم المهملة بعدها موحدة خفيفة وآخره مهملة أيضا ذكره ابن بشكوال بإسناد شديد الانقطاع. رابعها قبيصة أو قبيصة المخزومي مولاهم، ذكره عمر بن شبة في " الصحابة " بإسناد مرسل. خامسها كلاب مولى العباس كما سيأتي. سادسها تميم الداري رواه أبو داود مختصرا والحسن بن سفيان والبيهقي من طريق أبي عاصم عن عبد العزيز ابن أبي رواد " عن نافع عن ابن عمر أن تميما الداري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثر لحمه: ألا نتخذ لك منبرا يحمل عظامك؟ قال: بلى، فاتخذ له منبرا " الحديث وإسناده جيد، وسيأتي ذكره في علامات النبوة، فإن البخاري أشار إليه ثم، وروى ابن سعد في " الطبقات " من حديث أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب وهو مستند إلى جذع فقال: إن القيام قد شق على . فقال له تميم الداري: ألا أعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام؟ فشاور النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين في ذلك فرأوا أن يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب: إن لي غلاما يقال له كلاب أعمل الناس، فقال: مره أن يعمل " الحديث رجاله ثقات إلا المواقدي. سابعها ميناء ذكره ابن بشكوال عن الزبير بن بكار " حدثني إسماعيل - هو ابن أبي أويس - عن أبيه قال: عمل المنبر غلام لامرأة من الأنصار من بني سلمة - أو من بني ساعدة أو امرأة لرجل منهم - يقال له ميناء " انتهى. وهذا يحتمل أن يعود الضمير فيه على الأقرب فيكون ميناء اسم زوج المرأة، وهو بخلاف ما حكيناه في " باب الصلاة على المنبر والسطوح " عن ابن التين أن المنبر عمله غلام سعد بن عبادة، وجوزنا أن تكون المرأة زوج سعد. وليس في جميع هذه الروايات التي سمي فيها النجار شيء قوي السند إلا حديث ابن عمر، وليس فيه التصريح بأن الذي اتخذ المنبر تميم الداري، بل قد تبين من رواية ابن
(2/398)

سعد أن تميما لم يعمله. وأشبه الأقوال بالصواب قول من قال هو ميمون لكون الإسناد من طريق سهل بن سعد أيضا وأما الأقوال الأخرى فلا اعتداد بها لوهائها. ويبعد جدا أن يجمع بينها بأن النجار كانت له أسماء متعددة. وأما احتمال كون الجميع اشتركوا في عمله فيمنع منه قوله في كثير من الروايات السابقة " لم يكن بالمدينة إلا نجار واحد " إلا إن كان يحمل على أن المراد بالواحد الماهر في صناعته والبقية أعوانه فيمكن والله أعلم. ووقع عند الترمذي وابن خزيمة وصححاه من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يخطب، فجاء إليه رومي فقال: ألا أصنع لك منبرا " الحديث، ولم يسمه يحتمل أن يكون المراد بالرومي تميم الداري لأنه كان كثير السفر إلى أرض الروم. وقد عرف مما تقدم سبب عمل المنبر، وجزم ابن سعد بأن ذلك كان في السنة السابعة، وفيه نظر لذكر العباس وتميم فيه وكان قدوم العباس بعد الفتح في آخر سنة ثمان، وقدوم تميم سنة تسع. وجزم ابن النجار بأن عمله كان سنة ثمان، وفيه نظر أيضا لما ورد في حديث الإفك في الصحيحين عن عائشة قالت: "فثار الحيان الأوس والخزرج حتى كادوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فنزل فخفضهم حتى سكتوا " فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر وإلا فهو أصح مما مضى. وحكى بعض أهل السير أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبر من طين قبل أن يتخذ المنبر الذي من خشب، ويعكر عليه أن في الأحاديث الصحيحة أنه كان يستند إلى الجذع إذا خطب، ولم يزل المنبر على حاله ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله، وكان سبب ذلك ما حكاه الزبير بن بكار في أخبار المدينة بإسناده إلى حميد ابن عبد الرحمن بن عوف قال: "بعث معاوية إلى مروان - وهو عامله على المدينة - أن يحمل إليه المنبر، فأمر به فقلع، فأظلمت المدينة، فخرج مروان فخطب وقال: إنما أمرني أمير المؤمنين أن أرفعه، فدعا نجارا، وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التي هي عليها اليوم"، ورواه من وجه آخر قال: فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم وقال: "فزاد فيه ست درجات وقال: إنما زدت فيه حين كثر الناس " قال ابن النجار وغيره: استمر على ذلك إلا ما أصلح منه إلى أن احترق مسجد المدينة سنة أربع وخمسين وستمائة فاحترق، ثم جدد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين منبرا، ثم أرسل الظاهر بيبرس بعد عشر سنين صلى الله عليه وسلم منبرا فأزيل منبر المظفر، فلم يزل إلى هذا العصر فأرسل الملك المؤيد سنة عشرين وثمانمائة منبرا جديدا، وكان أرسل في سنة ثماني عشرة منبرا جديدا إلى مكة أيضا، شكر الله له صالح عمله آمين. قوله: "فعملها من طرفاء الغابة" في رواية سفيان عن أبي حازم " من أثلة الغابة " كما تقدم في أوائل الصلاة، ولا مغايرة بينهما فإن الأثل هو الطرفاء وقيل يشبه الطرفاء وهو أعظم منه، والغابة بالمعجمة وتخفيف الموحدة موضع من عوالي المدينة جهة الشام، وهي اسم قرية بالبحرين أيضا، وأصلها كل شجر ملتف. قوله: "فأرسلت" أي المرأة تعلم بأنه فرغ. قوله: "فأمر بها فوصعت" أنث لإرادة الأعواد والدرجات، ففي رواية مسلم من طريق عبد العزيز ابن أبي حازم " فعمل له هذا الدرجات الثلاث". قوله: "ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها" أي على الأعواد، وكانت صلاته على الدرجة العليا من المنبر. قوله: "وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقري" لم يذكر القيام بعد الركوع في هذه الرواية وكذا لم يذكر القراءة بعد التكبيرة، وقد تبين ذلك في رواية سفيان عن أبي حازم ولفظه: "كبر فقرأ وركع
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق"في نسخة أخرى : بعد عشرين سنة"
(2/399)

ثم رفع رأسه ثم رجع القهقري " القهقرى بالقصر المشي إلى خلف. والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة. وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني " فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبر وهو على المنبر " فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة. قوله: "في أصل المنبر" أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه. قوله: "ثم عاد" زاد مسلم من رواية عبد العزيز حتى فرغ من صلاته قوله: "ولتعلموا" بكسر اللام وفتح المثناة وتشديد اللام أي لتتعلموا، وعرف منه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر ليراه من قد يخفي عليه رؤيته إذا صلى على الأرض ويستفاد منه أن من فعل شيئا يخالف العادة أن يبين حكمته لأصحابه. وفيه مشروعية الخطبة على المنبر لكل خطيب خليفة كان أو غيره. وفيه جواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل، وجواز العمل اليسير في الصلاة، وكذا الكثير إن تفرق، وقد تقدم البحث فيه وكذا في جواز ارتفاع الإمام في " باب الصلاة في السطوح " وفيه استحباب اتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه، واستحباب الافتتاح بالصلاة في كل شيء جديد صلى الله عليه وسلم إما شكرا وإما تبركا. وقال ابن بطال: إن كان الخطيب هو الخليفة فسنته أن يخطب على المنبر، وإن كان غيره يخير بين أن يقوم على المنبر أو على الأرض. وتعقبه الزين بن المنير بأن هذا خارج عن مقصود الترجمة ولأنه إخبار عن شيء أحدثه بعض الخلفاء، فإن كان من الخلفاء الراشدين فهو سنة متبعة، وإن كان من غيرهم فهو بالبدعة أشبه منه بالسنة. قلت: ولعل هذا هو حكمة هذه الترجمة، أشار بها إلى أن هذا التفصيل غير مستحب، ولعل مراد من استحبه أن الأصل أن لا يرتفع الإمام عن المأمومين. ولا يلزم من مشروعية ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ثم لمن ولى الخلافة أن يشرع لمن جاء بعدهم، وحجة الجمهور وجود الاشتراك في وعظ السامعين وتعليمهم بعض أمور الدين، والله الموفق. قوله: "أخبرني يحيى بن سعيد" هو الأنصاري، وابن أنس هو حفص بن عبيد الله بن أنس كما سيأتي في الرواية المعلقة، ونسب في هذه إلى جده، قال أبو مسعود الدمشقي في " الأطراف ": إنما أبهم البخاري حفصا لأن محمد بن جعفر بن أبي كثير يقول: "عبيد الله بن حفص " فيقلبه. قلت: كذا رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن مسكين عن ابن أبي مريم شيخ البخاري فيه، ولكن أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي الأحوص محمد بن الهيثم عن ابن أبي مريم فقال: "عن حفص بن عبيد الله " على الصواب، وقلبه أيضا عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عن يحيى بن سعيد أخرجه الإسماعيلي من طريقه وقال: الصواب فيه حفص بن عبيد الله. روفي تاريخ البخاري " حفص بن عبيد الله بن أنس. وقال بعضهم: عبيد الله بن حفص، ولا يصح عبيد الله". قوله: "أصوات العشار" بكسر المهملة بعدها معجمة قال الجوهري: العشار جمع عشراء بالضم ثم الفتح وهي الناقة الحامل التي مضت لها عشرة أشهر ولا يزال ذلك اسمها إلى أن تلد. وقال الخطابي: العشار الحوامل من الإبل التي قاربت الولادة. ويقال: اللواتي أتى على حملهن عشرة أشهر، يقال ناقة عشراء ونوق عشار على غير قياس. وسيأتي الكلام علي حديث الجذع في علامات النبوة إن شاء الله تعالى. قوله: "وقال سليمان عن يحيى أخبرني حفص بن عبيد الله" أما سليمان فهو ابن بلال، وأما يحي فهو ابن سعيد، وقد وصله المصنف في علامات النبوة بهذا الإسناد، وزعم بعضهم أنه سليمان بن كثير لأنه رواه عن يحيى بن سعيد، لكن فيه نظر لأن سليمان بن كثير قال فيه عن يحيى عن سعيد بن المسيب عن جابر كذلك
ـــــــ
(1) في هذا الإستنباط نظر , لأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح في هذا الحديث أنه صلى على المنبر ليأتم به الناس ويتعلموا منه ولو كان صلى عليه للذي استنبطه الشارح لبينه . والله أعلم
(2/400)

أخرجه الدارمي عن محمد بن كثير عن أخيه سليمان، فإن كان محفوظا فليحيى بن سعيد فيه شيخان والله أعلم. قوله: "يخطب على المنبر" هذا القدر هو المقصود إيراده في هذا الباب، وقد تقدم الكلام على المتن في " باب فضل الغسل يوم الجمعة " ويستفاد منه أن للخطيب تعليم الأحكام على المنبر.
(2/401)

27 - باب الْخُطْبَةِ قَائِمًا
وَقَالَ أَنَسٌ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَائِمًا
920- حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا خالد بن الحارث قال حدثنا عبيد الله عن نافع عن بن عمر رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما يباع يقوم كما تفعلون الآن "
[الحديث920 - طرفه في 928]
قوله: "باب الخطبة قائما" قال ابن المنذر الذي حمل عليه جل أهل العلم من علماء الأمصار ذلك، ونقل غيره عن أبي حنيفة أن القيام في الخطبة سنة وليس بواجب، وعن مالك رواية أنه واجب، فإن تركه أساء وصحت الخطبة، وعند الباقين أن القيام في الخطبة يشترط للقادر كالصلاة، واستدل للأول بحديث أبي سعيد الآتي في المناقب " أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله " وبحديث سهل الماضي قبل " مري غلامك يعمل لي أعوادا أجلس عليها " والله الموفق. وأجيب عن الأول أنه كان في غير خطبة الجمعة، وعن الثاني باحتمال أن تكون الإشارة إلى الجلوس أول ما يصعد وبين الخطبتين، واستدل للجمهور بحديث جابر بن سمرة المذكور وبحديث كعب بن عجرة أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أبي الحكم يخطب قاعدا، فأنكر عليه وتلا "وتركوك قائما" وفي رواية ابن خزيمة ما رأيت كاليوم قط إماما يؤم المسلمين يخطب وهو جالس، يقول ذلك مرتين " وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وأبو بكر وعمر وعثمان، وأول من جلس على المنبر معاوية " وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على القيام، وبمشروعية الجلوس بين الخطبتين، فلو كان القعود مشروعا في الخطبتين ما احتيج إلى الفصل بالجلوس، ولأن الذي نقل عنه القعود كان معذورا. فعند ابن أبي شيبة من طريق الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعدا لما كثر شحم بطنه ولحمه، وأما من احتج بأنه لو كان شرطا ما صلى من أنكر ذلك مع القاعد فجوابه أنه محمول على أن من صنع ذلك خشي الفتنة، أو أن الذي قعد قعد باجتهاد كما قالوا في إتمام عثمان الصلاة في السفر، وقد أنكر ذلك ابن مسعود ثم إنه صلى خلفه فأتم معه واعتذر بأن الخلاف شر. قوله: "وقال أنس الخ" هو طرف من حديث الاستسقاء أيضا وسيأتي في بابه. ثم أورد في الباب حديث ابن عمر، وقد ترجم له بعد بابين " القعدة بين الخطبتين " وسيأتي الكلام عليه ثم. وفي الباب حديث جابر بن سمره " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب " أخرجه مسلم، وهو أصرح في المواظبة من حديث ابن عمر إلا أن إسناده ليس على شرط البخاري. وروى ابن أبي شيبه من طريق طاوس قال: "أول من خطب قاعدا معاوية حين كثر شحم بطنه " وهذا مرسل، يعضده ما روى سعيد بن منصور عن الحسن قال: "أول من استراح في الخطبة يوم الجمعة عثمان، وكان إذا أعي جلس ولم يتكلم حتى يقوم، وأول من خطب جالسا معاوية " وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة " أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يخطبون يوم الجمعة، حتى شق على عثمان القيام فكان يخطب قائما ثم يجلس، فلما كان معاوية خطب الأولى جالسا والأخرى قائما " ولا حجة في ذلك
(2/401)

لمن أجاز الخطبة قاعدا لأنه تبين أن ذلك للضرورة.
(2/402)

28 - باب يَسْتَقْبِلُ الإِمَامُ الْقَوْمَ وَاسْتِقْبَالِ النَّاسِ الإِمَامَ إِذَا خَطَبَ
وَاسْتَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الإِمَامَ
921- حدثنا معاذ بن فضالة قال حدثنا هشام عن يحيى عن هلال بن أبي ميمونة حدثنا عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري قال إن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله "
[الحديث921- أطرافه في : 6427.2842.1465]
قوله: "باب استقبال الناس الإمام إذا خطب" زاد في رواية كريمة في أول الترجمة " يستقبل الإمام القوم " ولم يبت الحكم وهو مستحب عند الجمهور، وفي وجه يجب، جزم به أبو الطيب الطبري من الشافعية فإن فعل أجزأ، وقيل لا، ذكره الشاشي، ونقل في شرح المهذب أن الالتفات يمينا وشمالا مكروه اتفاقا إلا ما حكى عن بعض الحنفية فقال أكثرهم: لا يصح، ومن لازم الاستقبال استدبار الإمام القبلة، واغتفر لئلا يصير مستدبر القوم الذين يعظهم ومن حكمة استقبالهم للإمام التهيؤ لسماع كلامه وسلوك الأدب معه في استماع كلامه، فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه كان أدعى لتفهم موعظته وموافقته فيما شرع له القيام لأجله. قوله: "واستقبل ابن عمر وأنس الإمام" أما ابن عمر فرواه البيهقي من طريق الوليد بن مسلم قال: ذكرت لليث بن سعد فأخبرني عن ابن عجلان أنه أخبره عن نافع أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام، فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله. وأما أنس فرويناه في نسخة نعيم صلى الله عليه وسلم ابن حماد بإسناد صحيح عنه أنه كان إذا أخذ الإمام في الخطبة يوم الجمعة يستقبله بوجهه حتى يفرغ من الخطبة، ورواه ابن المنذر من وجه آخر " عن أنس أنه جاء يوم الجمعة فاستند إلى الحائط واستقبل الإمام " قال ابن المنذر: لا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء. وحكى غيره عن سعيد بن المسيب والحسن شيئا محتملا. وقال الترمذي: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، يعني صريحا. وقد استنبط المصنف من حديث أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله " مقصود الترجمة، وهو طرف من حديث طويل سيأتي بهذا الإسناد في كتاب الزكاة في باب الصدقة على اليتامى، ويأتي الكلام عليه في الرقاق إن شاء الله تعالى. ووجه الدلالة منه أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضي نظرهم إليه غالبا، ولا يعكر على ذلك ما تقدم من القيام في الخطبة لأن هذا محمول على أنه كان يتحدث وهو جالس على مكان عال وهم جلوس أسفل منه، إذا كان ذلك في غير حال الخطبة كان حال الخطبة أولى لورود الأمر بالاستماع لها والإنصات عندها، والله أعلم.
(2/402)

29 - باب مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ أَمَّا بَعْدُ
رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
922- وَقَالَ مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ
ـــــــ
(1) في طبعة بولاق : في نسخة أخرى " من نسخة شيخة نعيم"
(2/402)

30 - باب الْقَعْدَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
928- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا
قوله: "باب القعدة بين الخطبتين" قال الزين بن المنير: لم يصرح بحكم الترجمة لأن مستند ذلك الفعل ولا عموم له ا هـ. ولا اختصاص بذلك لهذه الترجمة فإنه لم يصرح بحكم غيرها من أحكام الجمعة، وظاهر صنيعه أنه يقول بوجوبها كما يقول به في أصل الخطبة. قوله: "يخطب خطبتين يقعد بينهما" مقتضاه أنه كان يخطبهما قائما، وصرح به في رواية خالد بن الحارث المتقدمة قبل ببابين ولفظه: "كان يخطب قائما ثم يقعد ثم يقوم " وللنسائي والدار قطني من هذا الوجه " كان يخطب خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس " وغفل صاحب العمدة فعزا هذا اللفظ للصحيحين، ورواه أبو داود بلفظ: "كان يخطب خطبتين: كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن، ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب " واستفيد من هذا أن حال الجلوس بين الخطبتين لا كلام فيه، لكن ليس فيه نفي أن يذكر الله أو يدعوه سرا. واستدل به الشافعي في إيجاب الجلوس بين الخطبتين لمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك مع قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" . قال ابن دقيق العيد: يتوقف ذلك على ثبوت أن إقامة الخطبتين داخل تحت كيفية الصلاة، وإلا فهو استدلال بمجرد الفعل. وزعم الطحاوي أن الشافعي تفرد بذلك، وتعقب بأنه محكي عن مالك أيضا في رواية، وهو المشهور عن أحمد نقله شيخنا في شرح الترمذي، وحكى ابن المنذر أن بعض العلماء عارض الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم واظب على الجلوس قبل الخطبة الأولى، فإن كانت مواظبته دليلا على شرطية الجلسة الوسطى فلتكن دليلا على شرطية الجلسة الأولى، وهذا متعقب بأن جل الروايات عن ابن عمر ليست فيها هذه الجلسة الأولى وهي من رواية عبد الله العمري المضعف فلم تثبت المواظبة عليها، بخلاف التي بين الخطبتين. وقال صاحب " المغني ": لم يوجبها أكثر أهل العلم لأنها جلسة ليس فيها ذكر مشروع فلم تجب، وقدرها من قال بوجوبها بقدر جلسة الاستراحة وبقدر ما يقرأ سورة الإخلاص. واختلف في حكمتها فقيل: للفصل بين الخطبتين، وقيل للراحة وعلى الأول - وهو الأظهر - يكفي السكوت بقدرها، ويظهر أثر الخلاف أيضا فيمن خطب قاعدا لعجزه عن القيام. وقد ألزم الطحاوي من قال بوجوب الجلوس بين الخطبتين أن يوجب القيام في الخطبتين، لأن كلا منهما اقتصر على فعل شيء واحد. وتعقبه الزين بن المنير. وبالله التوفيق.
ـــــــ
(1) يشير الشارح بهذا إلى قوله تعالى في سورة ص {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} ومقصوة أن قوله تعالى {هذا وإن } بمنزلة " أما بعد " والله أعلم
(2/406)

31 - باب الِاسْتِمَاعِ إِلَى الْخُطْبَةِ
930- حدثنا آدم قال حدثنا بن أبي ذئب عن الزهري عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة ليث يهدي بقرة كبشا دجاجة بيضة فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر "
[الحديث929- طرفه في : 3211]
قوله: "باب الاستماع" أي الإصغاء للسماع، فكل مستمع سامع من غير عكس، وأورد المصنف فيه حديث كتابة الملائكة من يبكر يوم الجمعة، وفيه: "فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر " وقد تقدم الكلام عليه مستوفي في " باب فضل الجمعة " وفيه إشارة إلى أن من الكلام من ابتداء الإمام في الخطبة لأن الاستماع لا يتجه إلا إذا تكلم. وقالت الحنفية: يحرم الكلام من ابتداء خروج الإمام، وورد فيه حديث ضعيف سنذكره في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى.
(2/407)

3 - باب إِذَا رَأَى الإِمَامُ رَجُلًا جَاءَ وَهُوَ يَخْطُبُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ
930- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ قَالَ لاَ قَالَ قُمْ فَارْكَعْ"
[الحديث930-طرفاه في:1166.931]
قوله: "باب إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين" أي إذا كان لم يصلهما قبل أن يراه.
قوله: "عن جابر بن عبد الله" صرح في الباب الذي يليه بسماع عمرو له من جابر. قوله: "جاء رجل" هو سليك بمهملة مصغرا ابن هدية وقيل ابن عمرو الغطفاني بفتح المعجمة ثم المهملة بعدها فاء من غطفان بن سعد بن قيس عيلان، ووقع مسمى في هذه القصة عند مسلم من رواية الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: "جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فقعد سليك قبل أن يصلي، فقال له: أصليت ركعتين؟ فقال: لا. فقال: قم فاركعهما " ومن طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر نحوه وفيه: "فقال له: يا سليك، قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما " هكذا رواه حفاظ أصحاب الأعمش عنه، ووافقه الوليد أبو بشر عن أبي سفيان عند أبي داود والدار قطني، وشذ منصور أبي الأسود عن الأعمش بهذا الإسناد فقال: "جاء النعمان بن نوفل " فذكر الحديث أخرجه الطبراني، قال أبو حاتم الرازي: وهم فيه منصور يعني في تسمية الآتي، وقد رواه الطحاوي من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال: سمعت أبا صالح يحدث بحديث سليك الغطفاني، ثم سمعت أبا سفيان يحدث به عن جابر، فتحرر أن هذه القصة لسليك. وروى الطبراني أيضا من طريق أبي صالح عن أبي ذر " أنه أتى النبي
(2/407)

صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال لأبي ذر: صليت ركعتين؟ قال: لا " الحديث، وفي إسناده ابن لهيعة، وشذ بقوله: "وهو يخطب " فإن الحديث مشهور عن أبي ذر أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، أخرجه ابن حبان وغيره. وأما ما رواه الدار قطني من حديث أنس قال: "دخل رجل من قيس المسجد " فذكر نحو قصة سليك، فلا يخالف كونه سليكا فإن غطفان من قيس كما تقدم، وإن كان بعض شيوخنا غاير بينهما وجوز أن تكون الواقعة تعددت فإنه لم يتبين لي ذلك. واختلف فيه على الأعمش اختلافا آخر رواه. الثوري عنه عن أبي سفيان عن جابر عن سليك فجعل الحديث من مسند سليك، قال ابن عدي: لا أعلم أحدا قاله عن الثوري هكذا غير الفريابي وإبراهيم بن خالد ا هـ. وقد قاله عنه أيضا عبد الرزاق، أخرجه هكذا في مصنفه وأحمد عنه وأبو عوانة والدار قطني من طريقه، ونقل ابن هدي عن النسائي أنه قال: هذا خطأ ا هـ. والذي يظهر لي أنه ما عني أن جابرا حمل القصة عن سليك، وإنما معناه أن جابرا حدثهم عن قصة سليك، ولهذا نظير سأذكره في حديث أبي مسعود في قصة أبي شعيب اللحام في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى. ومن المستغربات ما حكاه ابن بشكوال في المبهمات أن الداخل المذكور يقال له أبو هدية، فإن كان محفوظا فلعلها كنية سليك صادفت اسم أبيه. قوله: "فقال صليت؟" كذا للأكثر بحذف همزة الاستفهام وثبت في رواية الأصيلي. قوله: "قم فاركع" زاد المستملي والأصيلي: "ركعتين " وكذا في رواية سفيان في الباب الذي بعده " فصل ركعتين"، واستدل به على أن الخطبة لا تمنع الداخل من صلاة تحية المسجد، وتعقب بأنها واقعة عين لا عموم لها فيحتمل اختصاصها بسليك، ويدل عليه قوله في حديث أبي سعيد الذي أخرجه أصحاب السنن وغيرهم " جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب والرجل في هيئة بذة، فقال له: أصليت؟ قال: لا. قال: صل ركعتين، وحض الناس على الصدقة " الحديث فأمره أن يصلي ليراه بعض الناس وهو قائم فيتصدق عليه، ويؤيده أن في هذا الحديث عند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا الرجل دخل المسجد في هيئه بذة فأمرته أن يصلي ركعتين وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه " وعرف بهذه الرواية الرد على من طعن في هذا التأويل فقال: لو كان كذلك لقال لهم: إذا رأيتم ذا بذة فتصدقوا عليه، أو إذا كان أحد ذا بذة فليقم فليركع حتى يتصدق الناس عليه. والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتني في مثل هذا بالإجمال دون التفصيل كما كان يصنع عند المعاتبة، ومما يضعف الاستدلال به أيضا على جواز التحية في تلك الحال أنهم أطلقوا أن التحية تفوت بالجلوس، وورد أيضا ما يؤكد الخصوصية وهو قوله صلى الله عليه وسلم لسليك في آخر الحديث: "لا تعودن لمثل هذا " أخرجه ابن حبان، انتهى ما اعتل به من طعن في الاستدلال بهذه القصة على جواز التحية، وكله مردود، لأن الأصل عدم الخصوصية. والتعليل بكونه صلى الله عليه وسلم قصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية، فإن المانعين منها لا يجيزون التطوع لعلة التصدق، قال ابن المنير في الحاشية: لو ساغ ذلك لساغ مثله في التطوع عند طلوع الشمس وسائر الأوقات المكروهة ولا قائل به، ومما يدل على أن أمره بالصلاة لم ينحصر في قصد التصدق معاودته صلى الله عليه وسلم بأمره بالصلاة أيضا في الجمعة الثانية بعد أن حصل له في الجمعة الأولى ثوبين فدخل بهما في الثانية فتصدق بأحدهما فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أخرجه النسائي وابن خزيمة من حديث أبي سعيد أيضا، ولأحمد وابن حبان أنه كرر أمره بالصلاة ثلاث مرات في ثلاث جمع، فدل على أن قصد التصدق عليه جزء عله لا علة كاملة. وأما إطلاق من أطلق أن التحية تفوت بالجلوس فقد حكى النووي في شرح مسلم عن المحققين أن ذلك في حق العامد العالم، أما الجاهل أو الناسي فلا، وحال هذا الداخل محمولة في الأولى على أحدهما وفي المرتين
(2/408)

الأخريين على النسيان، والحامل للمانعين على التأويل المذكور أنهم زعموا أن ظاهره معارض للأمر بالإنصات والاستماع للخطبة، قال ابن العربي: عارض قصة سليك ما هو أقوى منها كقوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت " متفق عليه، قال: فإذا امتنع الأمر بالمعروف وهو أمر اللاغي بالإنصات مع قصر زمنه فمنع التشاغل بالتحية مع طول زمنها أولى. وعارضوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الذي دخل يتخطى رقاب الناس: "اجلس فقد آذيت " أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث عبد الله بن بشر، قالوا: فأمره بالجلوس ولم يأمره بالتحية. وروى الطبراني من حديث ابن عمر رفعه: "إذا دخل أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام " والجواب عن ذلك كله أن المعارضة التي تئول إلى إسقاط أحد الدليلين إنما يعمل بها عند تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن أما الآية فليست الخطبة كلها قرآنا، وأما ما فيها من القرآن فالجواب عنه كالجواب عن الحديث وهو تخصيص عمومه بالداخل، وأيضا فمصلي التحية يجوز أن يطلق عليه أنه منصت، فقد تقدم في افتتاح الصلاة من حديث أبي هريرة أنه قال: "يا رسول الله سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه؟ " فأطلق على القول: سرا السكوت، وأما حديث ابن بشر فهو أيضا واقعة عين لا عموم فيها، فيحتمل أن يكون ترك أمره بالتحية قبل مشروعيتها، وقد عارض بعضهم في قصة سليك بمثل ذلك، ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون قوله له " اجلس " أي بشرطه، وقد عرف قوله للداخل " فلا تجلس حتى تصلي ركعتين " فمعنى قوله اجلس أي لا تتخط، أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز فإنها ليست واجبة، أو لكون دخوله وقع في أواخر الخطبة بحيث ضاق الوقت عن التحية، وقد اتفقوا على استثناء هذه الصورة. ويحتمل أن يكون صلى التحية في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة فوقع منه التخطي فأنكر عليه. والجواب عن الحديث ابن عمر بأنه ضعيف فيه أيوب بن نهيك وهو منكر الحديث، قاله أبو زرعة وأبو حاتم الأحاديث الصحيحة لا تعارض بمثله. وأما قصة سليك فقد ذكر الترمذي أنها أصح شيء روى في هذا الباب وأقوى، وأجاب المانعون أيضا بأجوبة غير ما تقدم، اجتمع لنا منها زيادة على عشرة أوردتها ملخصة مع الجواب عنها لتستفاد: "الأول" قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم لما خاطب سليكا سكت عن خطبته حتى فرغ سليك من صلاته، فعلى هذا فقد جمع سليك بين سماع الخطبة وصلاة التحية، فليس فيه حجة لمن أجاز التحية والخطيب يخطب، والجواب أن الدار قطني الذي أخرجه من حديث أنس قد ضعفه وقال: إن الصواب أنه من رواية سليمان التيمي مرسلا أو معضلا، وقد تعقبه ابن المنير في الحاشية بأنه لو ثبت لم يسغ على قاعدتهم، لأنه يستلزم جواز قطع الخطبة لأجل الداخل، والعمل عندهم لا يجوز قطعه بعد الشروع فيه لا سيما إذا كان واجبا. "الثاني" قيل: لما تشاغل النبي صلى الله عليه وسلم بمخاطبة سليك سقط فرض الاستماع عنه، إذ لم يكن منه حينئذ خطبة لأجل تلك المخاطبة، قاله ابن العربي وادعى أنه أقوى الأجوبة. وتعقب بأنه من أضعفها لأن المخاطبة لما انقضت رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خطبته، وتشاغل سليك بامتثال ما أمره به من الصلاة، فصح أنه صلى في حال الخطبة. "الثالث": قيل كانت هذه القصة قبل شروعه صلى الله عليه وسلم في الخطبة، ويدل عليه قوله في رواية الليث عند مسلم: "والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر " وأجيب بأن القعود على المنبر لا يختص بالابتداء، بل يحتمل أن يكون بين الخطبتين أيضا، فيكون كلمه بذلك وهو قاعد، فلما قام ليصلي قام النبي صلى الله عليه وسلم لخطبة لأن زمن القعود بين الخطبتين لا يطول. ويحتمل أيضا أن يكون الراوي تجوز في قوله: "قاعد "
(2/409)

لأن الروايات الصحيحة كلها مطبقة على أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب. "الرابع" قيل: كانت هذه القصة قبل تحريم الكلام في الصلاة، وتعقب بأن سليكا متأخر الإسلام جدا وتحريم الكلام متقدم جدا كما سيأتي في موضعه في أواخر الصلاة، فكيف يدعي نسخ المتأخر بالمتقدم مع أن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وقيل: كانت قبل الأمر بالإنصات، وقد تقدم الجواب عنه، وعورض هذا الاحتمال بمثله في الحديث الذي استدلوا به وهو ما أخرجه الطبراني عن ابن عمر " إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام " لاحتمال أن يكون ذلك قبل الأمر بصلاة التحية، والأولى في هذا أن يقال على تقدير تسليم ثبوت رفعه: يخص عمومه بحديث الأمر بالتحية خاصة كما تقدم. "الخامس" قيل: اتفقوا على أن منع الصلاة في الأوقات المكروهة يستوي فيه من كان داخل المسجد أو خارجه، وقد اتفقوا على أن من كان داخل المسجد يمتنع عليه التنفل حال الخطبة فليكن الآتي كذلك قاله الطحاوي، وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد، وما نقله من الاتفاق وافقه عليه الماوردي وغير، وقد شذ بعض الشافعية فقال: ينبني على وجوب الإنصات، فإن قلنا به امتنع التنفل وإلا فلا. "السادس" قيل: اتفقوا على أن الداخل والإمام في الصلاة تسقط عنه التحية، ولا شك أن الخطبة صلاة فتسقط عنه فيها أيضا، وتعقب بأن الخطبة ليست صلاة من كل وجه والفرق بينهما ظاهر من وجوه كثيرة، والداخل في حال الخطبة مأمور بشغل البقعة بالصلاة قبل جلوسه، بخلاف الداخل في حال الصلاة فإن إتيانه بالصلاة التي أقيمت يحصل المقصود، هذا مع تفريق الشارع بينهما فقال: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " وقد وقع في بعض طرقه: "فلا صلاة إلا التي أقيمت " ولم يقل ذلك في حال الخطبة بل أمرهم فيها بالصلاة. "السابع" قيل: اتفقوا على سقوط التحية عن الإمام مع كونه يجلس على المنبر مع أن له ابتداء الكلام في الخطبة دون المأموم، فيكون ترك المأموم التحية بطريق الأولى، وتعقب بأنه أيضا قياس في مقابلة النص فهو فاسد، ولأن الأمر وقع مقيدا بحال الخطبة فلم يتناول الخطيب. وقال الزين بن المنير: منع الكلام إنما هو لمن شهد الخطبة لا لمن خطب، فكذلك الأمر بالإنصات واستماع الخطبة. "الثامن" قيل: لا نسلم أن المراد بالركعتين المأمور بهما تحية المسجد، بل يحتمل أن تكون صلاة فائته كالصبح مثلا قاله بعض الحنفية وقواه ابن المنير في الحاشية وقال: لعله صلى الله عليه وسلم كان كشف له عن ذلك، وإنما استفهمه ملاطفة له في الخطاب، قال: ولو كان المراد بالصلاة التحية لم يحتج إلى استفهامه لأنه قد رآه لما دخل. وقد تولى رده ابن حبان في صحيحه فقال: لو كان كذلك لم يتكرر أمره له بذلك مرة بعد أخرى. ومن هذه المادة قولهم: إنما أمره بسنة الجمعة التي قبلها، ومستندهم قوله في قصة سليك عند ابن ماجه: "أصليت قبل أن تجيء " لأن ظاهره قبل أن تجيء من البيت، ولهذا قال الأوزاعي: إن كان صلى في البيت قبل أن يجيء فلا يصلي إذا دخل المسجد. وتعقب بأن المانع من صلاة التحية لا يجيز التنفل حال الخطبة مطلقا، ويحتمل أن يكون معنى قبل أن تجيء أي إلى الموضع الذي أنت به الآن وفائدة الاستفهام احتمال أن يكون صلاها في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة كما تقدم في قصة الذي تخطى، ويؤكده أن في رواية لمسلم: "أصليت الركعتين " بالألف واللام وهو للعهد ولا عهد هناك أقرب من تحية المسجد. وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شيء كما سيأتي في بابه. "التاسع" قيل: لا نسلم أن الخطبة المذكورة كانت للجمعة، ويدل عل أنها كانت لغيرها قوله للداخل " أصليت " لأن وقت الصلاة لم يكن دخل اهـ. وهذا ينبني على أن الاستفهام وقع عن صلاة الفرض فيحتاج إلى ثبوت ذلك، وقد وقع في حديث الباب وفي الذي بعده أن ذلك
(2/410)

كان يوم الجمعة فهو ظاهر في أن الخطبة كانت لصلاة الجمعة. "العاشر" قال جماعة منهم القرطبي: أقوى ما اعتمده المالكية في هذه المسألة عمل أهل المدينة خلفا عن سلف من لدن الصحابة إلى عهد مالك أن التنفل في حال الخطبة ممنوع مطلقا، وتعقب بمنع اتفاق أهل المدينة على ذلك، فقد ثبت فعل التحية عن أبي سعيد الخدري وهو من فقهاء الصحابة من أهل المدينة وحمله عنه أصحابه من أهل المدينة أيضا، فروى الترمذي وابن خزيمة وصححاه عن عياض بن أبي سرح " أن أبا سعيد الخدري دخل ومروان يخطب فصلى الركعتين، فأراد حرس مروان أن يمنعوه فأبى حتى صلاهما ثم قال: ما كنت لأدعهما بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بهما " انتهى. ولم يثبت عن أحد من الصحابة صريحا ما يخالف ذلك. وأما ما نقله ابن بطال عن عمر وعثمان وغير واحد من الصحابة من المنع مطلقا فاعتماده في ذلك على روايات عنهم فيها احتمال، كقول ثعلبة بن أبي مالك " أدركت عمر وعثمان - وكان الإمام - إذا خرج تركنا الصلاة " ووجه الاحتمال أن يكون ثعلبة عني بذلك من كان داخل المسجد خاصة، قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي: كل من نقل عنه - يعني من الصحابة - منع الصلاة والإمام يخطب محمول على من كان داخل المسجد لأنه لم يقع عن أحد منهم التصريح بمنع التحية، وقد ورد فيها حديث يخصها فلا تترك بالاحتمال، انتهى. ولم أقف على ذلك صريحا عن أحد من الصحابة. وأما ما رواه الطحاوي " عن عبد الله بن صفوان أنه دخل المسجد وابن الزبير يخطب فاستلم الركن ثم سلم عليه ثم جلس ولم يركع " وعبد الله بن صفوان وعبد الله بن الزبير صحابيان صغيران فقد استدل به الطحاوي فقال: لما لم ينكر ابن الزبير على ابن صفوان ولا من حضرهما من الصحابة ترك التحية دل على صحة ما قلناه، وتعقب بأن تركهم النكير لا يدل على تحريمها بل يدل على عدم وجوبها، ولم يقل به مخالفوهم. وسيأتي في أواخر الكلام على هذا الحديث البحث في أن صلاة التحية هل تعم كل مسجد، أو يستثنى المسجد الحرام لأن تحيته الطواف؟ فلعل ابن صفوان كان يرى أن تحيته استلام الركن فقط. وهذه الأجوبة التي قد قدمناها تندفع من أصلها بعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " متفق عليه، وقد تقدم الكلام عليه. وورد أخص منه في حال الخطبة، ففي رواية شعبة عن عمرو بن دينار قال: "سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهو يخطب: إذا جاء أحدكم والإمام يخطب - أو قد خرج - فليصل ركعتين " متفق عليه أيضا، ولمسلم من طريق أبي سفيان عن جابر أنه قال ذلك في قصة سليك ولفظه بعد قوله فاركعهما وتجوز فيهما " ثم قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " قال النووي: هذا نص لا يتطرق إليه التأويل ولا أظن عالما يبلغه هذا اللفظ ويعتقده صحيحا فيخالفه. وقال أبو محمد بن أبي جمرة: هذا الذي أخرجه مسلم نص في الباب لا يحتمل التأويل. وحكى ابن دقيق العيد أن بعضهم تأول هذا العموم بتأويل مستكره، وكأنه يشير إلى بعض ما تقدم من ادعاء النسخ أو التخصيص. وقد عارض بعض الحنفية الشافعية بأنهم لا حجة لهم في قصة سليك، لأن التحية عندهم تسقط بالجلوس، وقد تقدم جوابه. وعارض بعضهم بحديث أبي سعيد رفعه: "لا تصلوا والإمام يخطب " وتعقب بأنه لا يثبت، وعلى تقدير ثبوته فيخص عمومه بالأمر بصلاة التحية. وبعضهم بأن عمر لم يأمر عثمان بصلاة التحية مع أنه أنكر عليه الاقتصار على الوضوء، وأجيب باحتمال أن يكون صلاهما. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز صلاة التحية في الأوقات المكروهة، لأنها إذا لم تسقط
(2/411)

في الخطبة مع الأمر بالإنصات لها فغيرها أولى. وفيه أن التحية لا تفوت بالقعود، لكن قيده بعضهم بالجاهل أو الناسي كما تقدم، وأن للخطيب أن يأمر في خطبته وينهي ويبين الأحكام المحتاج إليها، ولا يقطع ذلك التوالي المشترط فيها، بل لقائل أن يقول كل ذلك بعد من الخطبة. واستدل به على أن المسجد شرط للجمعة للاتفاق على أنه لا تشرع التحية لغير المسجد وفيه نطر. واستدل به على جواز رد السلام وتشميت العاطس في حال الخطبة لأن أمرهما أخف وزمنهما أقصر ولا سيما رد السلام فإنه واجب، وسيأتي البحث في ذلك بعد ثلاثة أبواب. "فائدة": قيل يخص عموم حديث الباب بالداخل في آخر الخطبة كما تقدم، قال الشافعي: أرى للإمام أن يأمر الآتي بالركعتين ويزيد في كلامه ما يمكنه الإتيان بهما قبل إقامة الصلاة، فإن لم يفعل كرهت ذلك. وحكى النووي عن المحققين أن المختار إن لم يفعل أن يقف حتى تقام الصلاة لئلا يكون جالسا بغير تحيه أو متنفلا حال إقامة الصلاة. واستثنى المحاملي المسجد الحرام لأن تحيته الطواف، وفيه نظر لطول زمن الطواف بالنسبة إلى الركعتين. والذي يظهر من قولهم إن تحية المسجد الحرام الطواف إنما هو في حق القادم ليكون أول شيء يفعله الطواف، وأما المقيم فحكم المسجد الحرام وغيره في ذلك سواء، ولعل قول من أطلق أنه يبدأ في المسجد الحرام بالطواف لكون الطواف يعقبه صلاة الركعتين فيحصل شغل البقعة بالصلاة غالبا وهو المقصود، ويختص المسجد الحرام بزيادة الطواف، والله أعلم.
(2/412)

33 - باب مَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ
931- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا قَالَ "دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ أَصَلَّيْتَ قَالَ لاَ قَالَ قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ"
قوله: "باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين" قال الإسماعيلي: لم يقع في الحديث الذي ذكره التقييد بكونهما خفيفتين. قلت: هو كما قال، إلا أن المصنف جرى على عادته في الإشارة إلى ما في بعض طرق الحديث وهو كذلك، وقد أخرجه أبو قرة في السنن عن الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بلفظ: "قم فاركع ركعتين خفيفتين " وقد تقدم أنه عند مسلم بلفظ: "وتجوز فيهما". وقال الزين بن المنير ما ملخصه: في الترجمة الأولى أن الأمر بالركعتين يتقيد برؤية الإمام الداخل في حال الخطبة بعد أن يستفسره هل صلي أم لا؟ وذلك كله خاص بالخطيب، وأما حكم الداخل فلا يتقيد بشيء من ذلك، بل يستحب له أن يصلي تحية المسجد، فأشار المصنف إلى ذلك كله بالترجمة الثانية بعد الأولى، مع أن الحديث فيهما واحد. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار، ووقع التصريح بسماع سفيان منه في هذا الحديث في مسند الحميدي، وهو عند أبي نعيم في المستخرج. قوله: "صليت" كذا للأكثر أيضا بحذف الهمزة، وثبتت لكريمة وللمستملي. قوله: "قال فصل" زاد في رواية أبي ذر " قال قم فصل".
(2/412)

34 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ
932- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ يُونُسَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَهَلَكَ الشَّاءُ
(2/412)

35 - باب الِاسْتِسْقَاءِ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
933- حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا الوليد قال حدثنا أبو عمرو قال حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال أصابت الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة قام أعرابي فقال يا رسول الله هلك الماء وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى وقام ذلك الأعرابي أو قال غيره فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع يديه فقال اللهم حوالينا ولا علينا فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرا ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود
قوله: "باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة" أورد فيه الحديث المذكور مطولا من وجه آخر عن أنس، وهو مطابق للترجمة أيضا وفيه الاكتفاء في الاستسقاء بخطبة الجمعة وصلاتها، ويأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب الاستسقاء إن شاء الله تعالى. واستدل به على جواز الكلام في الخطبة كما سيأتي في الباب الذي بعده.
(2/413)

36 - باب الإِنْصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ
وَإِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا وَقَالَ سَلْمَانُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ
(2/413)

37 - باب السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ
935-حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا
[الحديث 935 – طرفاه في:6400.5294]
(2/415)

قوله: "باب الساعة التي في يوم الجمعة" أي التي يجاب فيها الدعاء. قوله: "عن أبي الزناد" كذا رواه أصحاب مالك في الموطأ، وثم فيه إسناد آخر إلى أبي هريرة وفيه قصة له مع عبد الله بن سلام. قوله: "فيه ساعة" كذا فيه مبهمة، وعينت في أحاديث أخر كما سيأتي. قوله: "لا يوافقها" أي يصادفها، وهو أعم من أن يقصد لها أو يتفق له وقوع الدعاء فيها. قوله: "وهو قائم يصلي يسأل الله" هي صفات لمسلم أعربت حالا، ويحتمل أن يكون يصلي حالا منه لاتصافه بقائم، ويسأل حال مترادفة أو متداخلة، وأفاد ابن عبد البر أن قوله: "وهو قائم " سقط من رواية أبي مصعب وابن أبي أويس ومطرف والتنيسي وقتيبة وأثبتها الباقون، قال: وهي زيادة محفوظة عن أبي الزناد من رواية مالك وورقاء وغيرهما عنه، وحكى أبو محمد بن السيد عن محمد بن وضاح أنه كان يأمر بحذفها من الحديث، وكان السبب في ذلك أنه يشكل على أصح الأحاديث الواردة في تعيين هذه الساعة، وهما حديثان أحدهما أنها من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة، والثاني أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس. وقد احتج أبو هريرة على عبد الله بن سلام لما ذكر له القول الثاني بأنها ليست ساعة صلاة وقد ورد النص بالصلاة فأجابه بالنص الآخر أن منتظر الصلاة في حكم المصلي، فلو كان قوله: "وهو قائم " عند أبي هريرة ثابتا لاحتج عليه بها لكنه سلم له الجواب وارتضاه وأفتى به بعده. وأما إشكاله على الحديث الأول فمن جهة أنه يتناول حال الخطبة كله وليست صلاة على الحقيقة، وقد أجيب عن هذا الإشكال بحمل الصلاة على الدعاء أو الانتظار، ويحمل القيام على الملازمة والمواظبة، ويؤيد ذلك أن حال القيام في الصلاة غير حال السجود والركوع والتشهد مع أن السجود مظنة إجابة الدعاء، فلو كان المراد بالقيام حقيقته لأخرجه، فدل على أن المراد مجاز القيام وهو المواظبة ونحوها ومنه قوله تعالى: { إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً } فعلى هذا يكون التعبير عن المصلي بالقائم من باب التعبير عن الكل بالجزء، والنكتة فيه أنه أشهر أحوال الصلاة. قوله: "شيئا" أي مما يليق أن يدعو به المسلم ويسأل ربه تعالى. وفي رواية سلمة بن علقمة عن محمد ابن سيرين عن أبي هريرة عند المصنف في الطلاق " يسال الله خبرا " ولمسلم من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة مثله، وفي حديث أبى لبابة عند ابن ماجه: "ما لم يسأل حراما " وفي حديث سعد بن عبادة عند أحمد " ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم " وهو نحو الأول، وقطيعة الرحم من جملة الإثم فهو من عطف الخاص على العام للاهتمام به. قوله: "وأشار بيده" كذا هنا بإبهام الفاعل. وفي رواية أبي مصعب عن مالك " وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وفي رواية سلمة بن علقمة التي أشرت إليها " ووضع أنملته على بطن الوسطى أو الخنصر قلنا يزهدها " وبين أبو مسلم الكجي أن الذي وضع هو بشر بن المفضل راويه عن سلمة بن علقمة، وكأنه فسر الإشارة بذلك، وأنها ساعة لطيفة تتنقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره، وبهذا يحصل الجمع بينه وبين قوله: "يزهدها " أى يقللها، ولمسلم من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة " وهي ساعة خفيفة " وللطبراني في الأوسط في حديث أنس " وهي قدر هذا، يعني قبضة " قال الزين بن المنير: الإشارة لتقليلها هو للترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها. وقد اختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في هذه الساعة هل هي باقية أو رفعت؟ وعلى البقاء هل هي في كل جمعة أو في جمعة واحدة من كل سنة؟ وعلى الأول هل هي وقت من اليوم معين أو مبهم؟ وعلى التعيين هل تستوعب الوقت أو تبهم فيه؟ وعلى الإبهام ما ابتداؤه وما انتهاؤه؟ وعلى كل ذلك هل تستمر أو تنتقل؟ وعلى الانتقال هل تستغرق اليوم أو بعضه؟ وها أنا أذكر تلخيص ما اتصل إلى من الأقوال مع أدلتها، ثم أعود إلى الجمع بينها والترجيح. فالأول: أنها رفعت، حكاه ابن عبد البر عن قوم وزيفه. وقال عياض: رده السلف
(2/416)

على قائله. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن عبس مولى معاوية قال: "قلت لأبي هريرة: إنهم زعموا أن الساعة التي في يوم الجمعة يستجاب فيها الدعاء رفعت، فقال: كذب من قال ذلك. قلت: فهي في كل جمعة؟ قال نعم " إسناده قوي. وقال صاحب الهدى: إن أراد قائله أنها كانت معلومة فرفع علمها عن الأمة فصارت مبهمة احتمل، وإن أراد حقيقتها فهو مردود على قائله، القول الثاني: أنها موجودة لكن في جمعة واحدة من كل سنة، قاله كعب الأحبار لأبي هريرة، فرد عليه فرجع إليه، رواه مالك في الموطأ وأصحاب السنن. الثالث: أنها مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليله القدر في العشر. روى ابن خزيمة والحاكم من طريق سعيد بن الحارث عن أبي سلمة " سألت أبا سعيد عن ساعة الجمعة فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: قد أعلمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر". وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري فقال: لم أسمع فيها بشيء، إلا أن كعبا كان يقول لو أن إنسانا قسم جمعة في جمع لأتى على تلك الساعة، قال ابن المنذر: معناه أنه يبدأ فيدعو في جمعة من الجمع من أول النهار إلى وقت معلوم، ثم في جمعة أخرى يبتدئ من ذلك الوقت إلى وقت آخر حتى بأتي على آخر النهار. قالة: وكعب هذا هو كعب الأحبار، قال: وروينا عن ابن عمر أنه قال: إن طلب حاجة في يوم ليسير، قال: معناه أنه ينبغي المداومة على الدعاء يوم الجمعة كله ليمر بالوقت الذي يستجاب فيه الدعاء انتهى. والذي قاله ابن عمر يصلح لمن يقوى على ذلك، وإلا فالذي قاله كعب سهل على كل أحد، وقضية ذلك أنهما كانا يريان أنها غير معينة، وهو قضية كلام جمع من العلماء كالرافعي وصاحب المغني وغيرهما حيث قالوا: يستحب أن يكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة، ومن حجة هذا القول تشبيهها بليلة القدر والاسم الأعظم في الأسماء الحسنى، والحكمة في ذلك حث العباد على الاجتهاد في الطلب واستيعاب الوقت بالعبادة، بخلاف ما لو تحقق الأمر في شيء من ذلك لكان مقتضيا للاقتصار عليه وإهمال ما عداه. الرابع: أنها تنتقل في يوم الجمعة ولا تلزم ساعة معينه لا ظاهرة ولا مخفية، قال الغزالي: هذا أشبه الأقوال، وذكره الأثرم احتمالا، وجزم به ابن عساكر وغيره. وقال المحب الطبري إنه الأظهر، وعلى هذا لا يتأتى ما قاله كعب في الجزم بتحصيلها. الخامس: إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة، ذكره شيخنا الحافظ أبو الفضل في " شرح الترمذي " وشيخنا سراج الدين بن الملقن في " شرحه على البخاري " ونسباه لتخريج ابن أبي شيبة عن عائشة، وقد رواه الروياني في مسنده عنها فأطلق الصلاة ولم يقيدها. رواه ابن المنذر فقيدها بصلاة الجمعة، والله أعلم. السادس: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، رواه ابن عساكر من طريق أبي جعفر الرازي عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة، وحكاه القاضي أبو الطيب الطبري وأبو نصر بن الصباغ وعياض والقرطبي وغيرهم وعبارة بعضهم: ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس. السابع مثله وزاد: ومن العصر إلى الغروب. رواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة عن ليث ابن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة، وتابعه فضيل بن عياض عن ليث عند ابن المنذر، وليث ضعيف وقد اختلف عليه فيه كما ترى. الثامن مثله وزاد: وما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن يكبر رواه حميد بن زنجويه في الترغيب له من طريق عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة قال: "التمسوا الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة في هذه الأوقات الثلاثة " فذكرها. التاسع: أنها أول ساعة بعد طلوع الشمس حكاه الجبلي في " شرح التنبيه " وتبعه المحب الطبري في شرحه. العاشر: عند طلوع الشمس حكاه الغزالي في الإحياء وعبر عنه الزين بن المنير في شرحه بقوله: هي ما بين أن ترتفع الشمس شبرا إلى ذراع، وعزاه لأبي ذر.

يتبع

اخت مسلمة
06-10-2009, 02:00 AM
الحادي عشر: أنها في آخر الساعة الثالثة من النهار حكاه صاحب " المغني " وهو في مسند الإمام أحمد من طريق على بن أبي طلحة عن أبي هريرة مرفوعا: "يوم الجمعة فيه طبعت طينة آدم، وفي آخر ثلاث ساعات منه ساعة من دعا الله فيها استجيب له " وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف، وعلي لم يسمع من أبي هريرة، قال المحب الطبري: قوله: "في آخر ثلاث ساعات " يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون المراد الساعة الأخيرة من الثلاث الأول، ثانيهما أن يكون المراد أن في آخر كل ساعة من الثلاث ساعة إجابة، فيكون فيه تجوز لإطلاق الساعة على بعض الساعة. الثاني عشر: من الزوال إلى أن يصير الظل نصف ذراع حكاه المحب الطبري في الأحكام وقبله الزكي المنذري. الثالث عشر: مثله لكن قال أن يصير الظل ذراعا حكاه عياض والقرطبي والنووي. الرابع عشر: بعد زوال الشمس بشبر إلى ذراع رواه ابن المنذر وابن عبد البر بإسناد قوي إلى الحارث بن يزيد الحضرمي عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي ذر أن امرأته سألته عنها فقال ذلك، ولعله مأخذ القولين اللذين قبله. الخامس عشر: إذا زالت الشمس حكاه ابن المنذر عن أبي العالية، وورد نحوه في أثناء حديث عن علي، وروى عبد الرزاق من طريق الحسن أنه كان يتحراها عند زوال الشمس بسبب قصة وقعت لبعض أصحابه في ذلك، وروى ابن سعد في الطبقات عن عبيد الله بن نوفل نحو القصة، وروى ابن عساكر من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت الشمس، وكأن مأخذهم في ذلك أنها وقت اجتماع الملائكة وابتداء دخول وقت الجمعة وابتداء الأذان ونحو ذلك. السادس عشر: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة رواه ابن المنذر عن عائشة قالت: "يوم الجمعة مثل يوم عرفة تفتح فيه أبواب السماء، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه. قيل: أية ساعة؟ قالت: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة " وهذا يغاير الذي قبله من حيث أن الأذان قد يتأخر عن الزوال، قال الزين بن المنير: ويتعين حمله على الأذان الذي بين يدي الخطيب. السابع عشر: من الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة ذكره ابن المنذر عن أبي السوار العدوي، وحكاه ابن الصباغ بلفظ: إلى أن يدخل الإمام الثامن عشر: من الزوال إلى خروج الإمام حكاه القاضي أبو الطيب الطبري. التاسع عشر: من الزوال إلى غروب الشمس حكاه أبو العباس أحمد بن علي بن كشاسب الدزماري وهو بزاي ساكنة وقبل ياء النسب راء مهملة في نكته على التنبيه عن الحسن ونقله عنه شيخنا سراج الدين ابن الملقن في شرح البخاري، وكان الدزماري المذكور في عصر ابن الصلاح. العشرون: ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة رواه ابن المنذر عن الحسن. وروى أبو بكر المروزي في " كتاب الجمعة " بإسناد صحيح إلى الشعبي عن عوف بن حصيرة رجل من أهل الشام مثله. الحادي والعشرون: عند خروج الإمام رواه حميد بن زنجويه في " كتاب الترغيب " عن الحسن أن رجلا مرت به وهو ينعس في ذلك الوقت. الثاني والعشرون: ما بين خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن سالم عن الشعبي قوله. ومن طريق معاوية بن قرة عن أبي بردة عن أبى موسى قوله، وفيه أن ابن عمر استصوب ذلك. الثالث والعشرون: ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل رواه سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قوله أيضا، قال الزين بن المنير: ووجهه أنه أخص أحكام الجمعة لأن العقد باطل عند الأكثر فلو اتفق ذلك في غير هذه الساعة بحيث ضاق الوقت فتشاغل اثنان بعقد البيع فخرج وفاتت تلك الصلاة لأثما ولم يبطل البيع. الرابع والعشرون: ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة رواه حميد بن زنجويه عن ابن عباس وحكاه البغوي في شرح السنة عنه. الخامس والعشرون: ما بين أن يجلس الإمام
(2/418)

على المنبر إلى أن تقضي الصلاة رواه مسلم وأبو داود من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى أن ابن عمر سأله عما سمع من أبيه في ساعة الجمعة فقال: سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وهذا القول يمكن أن يتخذ من اللذين قبله. السادس والعشرون: عند التأذين وعند تذكير الإمام وعند الإقامة رواه حميد بن زنجويه من طريق سليم بن عامر عن عوف بن مالك الأشجعي الصحابي. السابع والعشرون: مثله لكن قال: إذا أذن وإذا رقي المنبر إذا أقيمت الصلاة رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي أمامة الصحابي قوله، قال الزين بن المنير: ما ورد عند الأذان من إجابة الدعاء فيتأكد يوم الجمعة وكذلك الإقامة، وأما زمان جلوس الإمام على المنبر فلأنه وقت استماع الذكر، والابتداء في المقصود من الجمعة. الثامن والعشرون: من حين يفتتح الإمام الخطبة حتى يفرغ رواه ابن عبد البر من طريق محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا وإسناده ضعيف. التاسع والعشرون. إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة حكاه الغزالي في الإحياء. الثلاثون: عند الجلوس بين الخطبتين حكاه الطيبي عن بعض شراح المصابيح. الحادي والثلاثون: أنها عند نزول الإمام من المنبر رواه ابن أبي شيبة وحميد بن زنجويه وابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق عن أبي بردة قوله، وحكاه الغزالي قولا بلفظ: إذا قام الناس إلى الصلاة. الثاني والثلاثون: حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه حكاه ابن المنذر عن الحسن أيضا، وروى الطبراني من حديث ميمونة بنت سعد نحوه مرفوعا بإسناد ضعيف، الثالث والثلاثون: من إقامة الصف إلى تمام الصلاة رواه الترمذي وابن ماجه من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا وفيه: قالوا أية ساعة يا رسول الله؟ قال: حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها، وقد ضعف كثير رواية كثير، ورواه البيهقي في الشعب من هذا الوجه بلفظ ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة ورواه ابن أبي شيبة من طريق مغيرة عن واصل الأحدب عن أبي بردة قوله، وإسناده قوى إليه، وفيه أن ابن عمر استحسن ذلك منه وبرك عليه ومسح على رأسه، وروى ابن جرير وسعيد بن منصور عن ابن سيرين نحوه. الرابع والثلاثون: هي الساعة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة رواه ابن عساكر بإسناد صحيح عن ابن سيرين، وهذا يغاير الذي قبله من جهة إطلاق ذاك وتقييد هذا، وكأنه أخذه من جهة أن صلاة الجمعه أفضل صلوات ذلك اليوم، وأن الوقت الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأوقات، وأن جميع ما تقدم من الأذان والخطبة وغيرهما وسائل وصلاة الجمعة هي المقصودة بالذات، ويؤيده ورود الأمر في القرآن بتكثير الذكر حال الصلاة كما ورد الأمر بتكثير الذكر حال القتال وذلك في قوله تعالى: { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وفي قوله: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } - إلى أن ختم الآية بقوله – {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وليس المراد إيقاع الذكر بعد الانتشار وإن عطف عليه، وإنما المراد تكثير المشار إليه أول الآية صلى الله عليه وسلم والله أعلم. الخامس والثلاثون: من صلاة العصر إلى غروب الشمس رواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا، ومن طريق صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ: "فالتمسوها بعد العصر " وذكر ابن عبد البر أن قوله: "فالتمسوها الخ " مدرج في الخبر من قول أبي سلمة، ورواه ابن منده من هذا الوجه وزاد: "أغفل ما يكون الناس " ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق الشيباني عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أخيه عبيد الله
ـــــــ
(1)هذا فيه نظر , وسياق الآية مخالفة. والله أعلم
(2/419)

كقول ابن عباس، ورواه الترمذي من طريق موسى بن وردان عن أنس مرفوعا بلفظ: "بعد العصر إلى غيبوبة الشمس " وإسناده ضعيف. السادس والثلاثون: في صلاة العصر رواه عبد الرزاق عن عمر بن ذر عن يحي بن إسحاق بن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وفيه قصة. السابع والثلاثون: بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار حكاه الغزالي في الإحياء. الثامن والثلاثون: بعد العصر كما تقدم عن أبي سعيد مطلقا، ورواه ابن عساكر من طريق محمد بن سلمة الأنصاري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعا بلفظ: "وهي بعد العصر " ورواه ابن المنذر عن مجاهد مثله، ورواه ابن جريج صلى الله عليه وسلم من طريق إبراهيم بن ميسرة عن رجل أرسله عمرو بن أويس إلى أبي هريرة فذكر مثله قال: وسمعته عن الحكم عن ابن عباس مثله، ورواه أبو بكر المروذي من طريق الثوري وشعبة جميعا عن يونس بن خباب قال الثوري: عن عطاء. وقال شعبة: عن أبيه عن أبي هريرة. مثله " وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يتحراها بعد العصر، وعن ابن جريج عن بعض أهل العلم قال: لا أعلمه إلا من ابن عباس مثله، فقيل له: لا صلاة بعد العصر، فقال: بلى، لكن من كان في مصلاه لم يقم منه فهو في صلاة". التاسع والثلاثون: من وسط النهار إلى قرب آخر النهار كما تقدم أول الباب عن سلمة بن علقمة. الأربعون: من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن إسماعيل بن كيسان عن طاوس قوله، وهو قريب من الذي بعده. الحادي والأربعون: آخر ساعة بعد العصر رواه أبو داود والنسائي والحاكم بإسناد حسن عن أبي سلمة عن جابر مرفوعا وفي أوله " أن النهار اثنتا عشرة ساعة " ورواه مالك وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد الله ابن سلام قوله، وفيه مناظرة أبي هريرة له في ذلك واحتجاج عبد الله بن سلام بأن منتظر الصلاة في صلاة، وروى ابن جرير صلى الله عليه وسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا مثله ولم يذكر عبد الله ابن سلام قوله ولا القصة، ومن طريق ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن كعب الأحبار قوله. وقال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة أنه سمع أبا سلمة يقول: حدثنا عبد الله بن عامر فذكر مثله، وروى البزار وابن جرير من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد الله بن سلام مثله، وروى ابن أبي خيثمة من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبي سعيد فذكر الحديث وفيه: قال أبو سلمة فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له ذلك فلم يعرض بذكر النبي صلى الله عليه وسلم بل قال: النهار اثنتا عشرة ساعة، وإنها لفي آخر ساعة من النهار. ولابن خزيمة من طريق أبي النضر عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال: قلت - ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس - إنا لنجد في كتاب الله أن في الجمعة ساعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو بعض ساعة، قلت: نعم أو بعض ساعة الحديث، وفيه: قلت أي ساعة؟ فذكره. وهذا يحتمل أن يكون القائل " قلت " عبد الله بن سلام فيكون مرفوعا، ويحتمل أن يكون أبا سلمة فيكون موقوفا وهو الأرجح لتصريحه في رواية يحيى بن أبي كثير بأن عبد الله بن سلام لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الجواب. الثاني والأربعون: من حين يغيب نصف قرص الشمس، أو من حين تدلي الشمس للغروب إلى أن يتكامل غروبها رواه الطبراني في الأوسط والدار قطني في العلل والبيهقي في الشعب وفضائل الأوقات من طريق زيد بن علي
ـــــــ
(1)في مخطوطة الرياض"ابن جرير"
(2) في مخطوطة الرياض " ابن حزم"
(2/420)

ابن الحسين بن علي حدثتني مرجانة مولاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: حدثتني فاطمة عليها السلام عن أبيها فذكر الحديث، وفيه: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أي ساعة هي؟ قال: إذا تدلى نصف الشمس للغروب. فكانت فاطمة إذا كان يوم الجمعة أرسلت غلاما لها يقال له زيد ينظر لها الشمس فإذا أخبرها أنها تدلت للغروب أقبلت على الدعاء إلى أن تغيب، في إسناده اختلاف على زيد بن علي، وفي بعض رواته من لا يعرف حاله. وقد أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق سعيد بن راشد عن زيد بن على عن فاطمة لم يذكر مرجانة وقال فيه: إذا تدلت الشمس للغروب وقال فيه: تقول لغلام يقال له أربد: اصعد على الظراب، فإذا تدلت الشمس للغروب فأخبرني، والباقي نحوه، وفي آخره: ثم تصلي يعني المغرب. فهذا جميع ما اتصل إلى من الأقوال في ساعة الجمعة مع ذكر أدلتها وبيان حالها في الصحة والضعف والرفع والوقف والإشارة إلى مأخذ بعضها، وليست كلها متغايرة من كل جهة بل كثير منها يمكن أن يتحد مع غيره. ثم طفرت بعد كتابة هذا بقول زائد على ما تقدم وهو غير منقول، استنبطه صاحبنا العلامة الحافظ شمس الدين الجزري وأذن لي في روايته عنه في كتابه المسمى " الحصن الحصين " في الأدعية لما ذكر الاختلاف في ساعة الجمعه واقتصر على ثمانية أقوال مما تقدم ثم قال ما نصه: والذي أعتقده أنها وقت قراءة الإمام الفاتحة في صلاة الجمعة إلى أن يقول آمين، جمعا بين الأحاديث التي صحت. كذا قال، ويخدش فيه أنه يفوت على الداعي حينئذ الإنصات لقراءة الإمام، فليتأمل. قال الزين بن المنير: يحسن جمع الأقوال، وكان قد ذكر مما تقدم عشرة أقوال تبعا لابن بطال. قال: فتكون ساعة الإجابة واحدة منها لا بعينها، فيصادفها من اجتهد في الدعاء في جميعها والله المستعان. وليس المراد من أكثرها أنه يستوعب جميع الوقت الذي عين، بل المعنى أنها تكون في أثنائه لقوله فيما مضى " يقللها " وقوله: "وهي ساعة خفيفة". وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلا وانتهاؤه انتهاء الصلاة. وكأن كثيرا من القائلين عين ما اتفق له وقوعها فيه من ساعة في أثناء وقت من الأوقات المذكورة، فبهذا التقرير يقل الانتشار جدا. ولا شك أن أرجح الأقوال المذكورة حديث أبي موسى وحديث عبد الله بن سلام كما تقدم. قال المحب الطبري: أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى، وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام ا هـ. وما عداهما إما موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف، ولا يعارضهما حديث أبي سعيد في كونه صلى الله عليه وسلم أنسيها بعد أن علمها لاحتمال أن يكونا سمعا ذلك منه قبل أن أنسى، أشار إلى ذلك البيهقي وغيره. وقد اختلف السلف في أيهما أرجح، فروى البيهقي من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمه النيسابوري أن مسلما قال: حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه، بذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة. وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره. وقال النووي: هو الصحيح، بل الصواب. وجزم في الروضة بأنه الصواب، ورجحه أيضا بكونه مرفوعا صريحا وفي أحد الصحيحين، وذهب آخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال: أكثر الأحاديث على ذلك. وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب. وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة. ورجحه كثير من الأئمة أيضا كأحمد وإسحاق ومن المالكية الطرطوشي، وحكى العلائي أن شيخه ابن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص الشافعي. وأجابوا عن كونه ليس في أحد الصحيحين
(2/421)

بأن الترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ، كحديث أبي موسى هذا فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب: أما الانقطاع فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه، قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه، وكذا قال سعيد بن أبي مريم عن موسى بن سلمة عن مخرمة وزاد: إنما هي كتب كانت عندنا. وقال علي بن المديني: لم أسمع أحدا من أهل المدينة يقول عن مخرمة إنه قال في شيء من حديثه سمعت أبي، ولا يقال مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك هنا، لأنا نقول: وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع. وأما الاضطراب فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله، وهؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني، وهم عدد وهو واحد. وأيضا فلو كان عند أبي بردة مرفوعا لم يفت فيه برأيه بخلاف المرفوع، ولهذا جزم الدار قطني بأن الموقوف هو الصواب، وسلك صاحب الهدي مسلكا آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البر: الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين. وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد، وهو أولى في طريق الجمع. وقال ابن المنير في الحاشية: إذا علم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة ولليلة القدر بعث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء، ولو بين لاتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها، فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها. وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الإجابة، وفي مسلم أنه خير يوم طلعت عليه الشمس. وفيه فضل الدعاء واستحباب الإكثار منه، واستدل به على بقاء الإجمال بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتعقب بأن لا خلاف في بقاء الإجمال في الأحكام الشرعية لا في الأمور الوجودية كوقت الساعة، فهذا الاختلاف في إجماله، والحكم الشرعي المتعلق بساعة الجمعة وليلة القدر - وهو تحصيل الأفضلية - يمكن الوصول إليه والعمل بمقتضاه باستيعاب اليوم أو الليلة، فلم يبق في الحكم الشرعي إجمال والله أعلم. فإن قيل: ظاهر الحديث حصول الإجابة لكل داع بالشرط المتقدم، مع أن الزمان يختلف باختلاف البلاد والمصلي فيتقدم بعض على بعض، وساعة الإجابة متعلقة بالوقت، فكيف تتفق مع الاختلاف؟ أجيب باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصل، كما قيل نظيره في ساعة الكراهة، ولعل هذا فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها وإن كانت هي خفيفة، ويحتمل أن يكون عبر عن الوقت بالفعل فيكون التقدير وقت جواز الخطبة أو الصلاة ونحو ذلك، والله أعلم.
(2/422)

38 - باب إِذَا نَفَرَ النَّاسُ عَنْ الإِمَامِ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَصَلاَةُ الإِمَامِ وَمَنْ بَقِيَ جَائِزَةٌ
936- حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا }
[الحديث936-أطرافه في:4899.2064.2058]
قوله: "باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة الخ" ظاهر الترجمة أن استمرار الجماعة الذين تنعقد بهم الجمعة إلى تمامها ليس بشرط في صحتها، بل الشرط أن تبقى منهم بقية ما. ولم يتعرض البخاري لعدد من تقوم بهم
(2/422)

الجمعة لأنه لم يثبت منه شيء على شرطه، وجملة ما للعلماء فيه خمسة عشر قولا: أحدها تصح من الواحد، نقله ابن حزم. الثاني اثنان كالجماعة، وهو قول النخعي وأهل الظاهر والحسن بن حي. الثالث اثنان مع الإمام، عند أبي يوسف ومحمد. الرابع ثلاثة معه، عند أبي حنيفة. الخامس سبعة، عند عكرمة. السادس تسعة، عند ربيعة. السابع اثنا عشر عنه في رواية. الثامن مثله غير الإمام عند إسحاق. التاسع عشرون في رواية ابن حبيب عن مالك. العاشر ثلاثون كذلك. الحادي عشر أربعون بالإمام عند الشافعي. الثاني عشر غير الإمام عنه وبه قال عمر بن عبد العزيز وطائفة. الثالث عشر خمسون عن أحمد في رواية وحكى عن عمر بن عبد العزيز. الرابع عشر ثمانون حكاه المازري. الخامس عشر جمع كثير بغير قيد. ولعل هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل، ويمكن أن يزداد العدد باعتبار زيادة شرط كالذكورة والحرية والبلوغ والإقامة والاستيطان فيكمل بذلك عشرون قولا. قوله: "جائزة" في رواية الأصيلي: "تامة". قوله: "عن حصين" هو ابن عبد الرحمن الواسطي ومدار هذا الحديث في الصحيحين عليه، وقد رواه تارة عن سالم بن أبي الجعد وحده كما هنا وهي رواية أكثر أصحابه، وتارة عن أبي سفيان طلحة بن نافع وحده وهي رواية قيس بن الربيع وإسرائيل عند ابن مردويه، وتارة جمع بينهما عن جابر وهي رواية خالد بن عبد الله عند المصنف في التفسير وعند مسلم، وكذا رواية هشيم عنده أيضا. قوله: "بينما نحن نصلي" في رواية خالد المذكورة عند أبي نعيم في المستخرج " بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة " وهذا ظاهر في أن انفضاضهم وقع بعد دخولهم في الصلاة، لكن وقع عند مسلم من رواية عبد الله بن إدريس عن حصين " ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب " وله في رواية هشيم " بينا النبي صلى الله عليه وسلم قائم - زاد أبو عوانة في صحيحه والترمذي والدار قطني من طريقه - يخطب " ومثله لأبي عوانة من طريق عباد بن العوام، ولعبد بن حميد من طريق سليمان بن كثير كلاهما عن حصين، وكذا وقع في رواية قيس بن الربيع وإسرائيل، ومثله في حديث ابن عباس عند البزار. وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط وفي مرسل قتادة عند الطبراني وغيره. فعلى هذا فقوله: "نصلي " أي ننتظر الصلاة. وقوله: "في الصلاة " أي في الخطبة مثلا وهو من تسمية الشيء بما قاربه، فبهذا يجمع بين الروايتين، ويؤيده استدلال ابن مسعود على القيام في الخطبة بالآية المذكورة كما أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح، وكذا استدل به كعب بن عجرة في صحيح مسلم، وحمل ابن الجوزي قوله: "يخطب قائما " على أنه خبر آخر غير خبر كونهم كانوا معه في الصلاة فقال: التقدير صلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يخطب قائما الحديث، ولا يخفى تكلفه. قوله: "إذ أقبلت عير" بكسر المهملة هي الإبل التي تحمل التجارة طعاما كانت أو غيره، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها. ونقل ابن عبد الحق في جمعه أن البخاري لم يخرج قوله إذ أقبلت عير تحمل طعاما وهو ذهول منه، نعم سقط ذلك في التفسير وثبت هنا وفي أوائل البيوع وزاد فيه أنها أقبلت من الشام، ومثله لمسلم من طريق جرير عن حصين، ووقع عند الطبري من طريق السدي عن أبي مالك ومرة فرقهما أن الذي قدم بها من الشام دحية بن خليفة الكلبي، ونحوه في حديث ابن عباس عند البزار، ولابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس " جاءت عير لعبد الرحمن بن عوف " وجمع بين هاتين الروايتين بأن التجارة كانت لعبد الرحمن بن عوف وكان دحية السفير فيها أو كان مقارضا. ووقع في رواية ابن وهب عن الليث أنها كانت لوبرة الكلبي، ويجمع بأنه كان رفيق دحية. قوله: "فالتفتوا إليها" في رواية ابن فضيل في البيوع "
ـــــــ
(1)في المخطوطة" الطبري
(2/423)

"فانفض الناس " وهو موافق للفظ القرآن ودال على أن المراد بالالتفات الانصراف، وفيه رد على من حمل الالتفات على ظاهره فقال: لا يفهم من هذا الانصراف عن الصلاة وقطعها، وإنما يفهم منه التفاتهم بوجوههم أو بقلوبهم، وأما هيئة الصلاة المجزئة فباقية. ثم هو مبني على أن الانفضاض وقع في الصلاة، وقد ترجح فيما مضى أنه إنما كان في الخطبة، فلو كان كما قيل لما وقع هذا الإنكار الشديد، فإن الالتفات فيها لا ينافي الاستماع، وقد غفل قائله عن بقية ألفاظ الخبر. وفي قوله: "فالتفتوا " الحديث التفات، لأن السياق يقتضى أن يقول فالتفتنا، وكأن الحكمة في عدول جابر عن ذلك أنه هو لم يكن ممن التفت كما سيأتي. قوله: "إلا اثني عشر" قال الكرماني ليس هذا الاستثناء مفرغا فيجب رفعه، بل هو من ضمير بقى الذي يعود إلى المصلى فيجوز فيه الرفع والنصب، قال: وقد ثبت الرفع في بعض الروايات ا ه. ووقع في تفسير الطبري وابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى أبي قتادة قال: "قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أنتم؟ فعدوا أنفسهم، فإذا هم اثنا عشر رجلا وامرأة " وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي " وامرأتان " ولابن مردويه من حديث ابن عباس " وسبع نسوة " لكن إسناده ضعيف. واتفقت هذه الروايات كلها على اثني عشر رجلا إلا ما رواه علي بن عاصم عن حصين بالإسناد المذكور فقال: "إلا أربعين رجلا " أخرجه الدار قطني وقال: تفرد به على بن عاصم وهو ضعيف الحفظ، وخالفه أصحاب حصين كلهم. وأما تسميتهم فوقع في رواية خالد الطحان عند مسلم أن جابرا قال: "أنا فيهم"، وله في رواية هشيم " فيهم أبو بكر وعمر"، وفي الترمذي أن هذه الزيادة في رواية حصين عن أبي سفيان دون سالم، وله شاهد عند عبد بن حميد عن الحسن مرسلا ورجال إسناده ثقات، وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي " أن سالما مولى أبي حذيفة منهم " وروى العقيلي عن ابن عباس " أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسا من الأنصار " وحكى السهيلي أن أسد بن عمرو روى بسند منقطع " أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة وبلال وابن مسعود " قال وفي رواية: "عمار " بدل ابن مسعود ا هـ. ورواية العقيلي أقوى وأشبه بالصواب، ثم وجدت رواية أسد بن عمرو عند العقيلي بسند متصل لا كما قال السهيلي أنه منقطع أخرجه من رواية أسد عن حصين عن سالم. قوله: "فنزلت هذه الآية" ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة، والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القادمين وما معهم. ووقع عند الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا " كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، وكانت لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل السمن، فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوه، وكان لهم لهو يضربونه فنزلت: " ووصله أبو عوانة في صحيحه والطبري بذكر جابر فيه: "أنهم كانوا إذا نكحوا تضرب الجواري بالمزامير فيشتد الناس إليهم ويدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فنزلت هذه الآية " وفي مرسل مجاهد عن عبد بن حميد " كان رجال يقومون إلى نواضحهم، وإلى السفر يقدمون يبتغون التجارة واللهو، فنزلت: " ولا بعد في أن تنزل في الأمرين معا وأكثر، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفي مع تفسير الآية المذكورة في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى. والنكتة في قوله: "انفضوا إليها" دون قوله إليهما أو إليه أن اللهو لم يكن مقصودا لذاته وإنما كان تبعا للتجارة، أو حذف لدلالة أحدهما على الآخر. وقال الزجاج: أعيد الضمير إلى المعنى، أي انفضوا إلى الرؤية أي ليروا ما سمعوه. "فائدة": ذكر الحميدي في الجمع أن أبا مسعود الدمشقي ذكر في آخر هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا " قال: وهذا لم أجده في الكتابين ولا في مستخرجي الإسماعيلي والبرقاني، قال: وهي فائدة من أبي مسعود،
(2/424)

ولعلنا نجدها بالإسناد فيما بعد انتهى. ولم أر هذه الزيادة في الأطراف لأبي مسعود ولا هي في شيء من طرق حديث جابر المذكورة، وإنما وقعت في مرسلي الحسن وقتادة المتقدم ذكرهما، وكذا في حديث ابن عباس عند ابن مردويه وفي حديث أنس عند إسماعيل بن أبي زياد وسنده ساقط. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن الخطبة تكون عن قيام كما تقدم، وأنها مشترطة في الجمعة حكاه القرطبي واستبعده، وأن البيع وقت الجمعة ينعقد ترجم عليه سعيد بن منصور، وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بفسخ ما تبايعوا فيه من العير المذكورة ولا يخفى ما فيه. وفيه كراهية ترك سماع الخطبة بعد الشروع فيها، واستدل به على جواز انعقاد الجمعة باثني عشر نفسا وهو قول ربيعة، ويجئ أيضا على قول مالك، ووجه الدلالة منه أن العدد المعتبر في الابتداء يعتبر في الدوام فلما لم تبطل الجمعة بانفضاض الزائد على الاثني عشر دل على أنه كاف. وتعقب بأنه يحتمل أنه تمادى حتى عادوا أو عاد من تجزئ بهم، إذ لم يرد في الخبر أنه أتم الصلاة. ويحتمل أيضا أن يكون أتمها ظهرا. وأيضا فقد فرق كثير من العلماء بين الابتداء والدوام في هذا فقيل: إذا انعقدت لم يضر ما طرأ بعد ذلك ولو بقي الإمام وحده. وقيل: يشترط بقاء واحد معه، وقيل اثنين، وقيل يفرق بين ما إذا انفضوا بعد تمام الركعة الأولى فلا يضر بخلاف ما قبل ذلك، وإلى ظاهر هذا الحديث صار إسحاق بن راهويه فقال: إذا تفرقوا بعد الانعقاد فيشترط بقاء اثني عشر رجلا. وتعقب بأنها واقعة عين لا عموم فيها، وقد تقدم أن ظاهر ترجمة البخاري تقتضي أن لا يتقيد الجمع الذي يبقى مع الإمام بعدد معين، وتقدم ترجيح كون الانفضاض وقع في الخطبة لا في الصلاة، وهو اللائق بالصحابة تحسينا للظن بهم، وعلى تقدير أن يكون في الصلاة حمل على أن ذلك وقع قبل النهي كآية "لا تبطلوا أعمالكم"، وقبل النهي عن الفعل الكثير في الصلاة. وقول المصنف في الترجمة " فصلاة الإمام ومن بقي جائزة " يؤخذ منه أنه يرى أن الجميع لو انفضوا في الركعة الأولى ولم يبق إلا الإمام وحده أنه لا تصح له الجمعة، وهو كذلك عند الجمهور كما تقدم قريبا. وقيل تصح إن بقي واحد، وقيل إن بقي اثنان، وقيل ثلاثة، وقيل إن كان صلى بهم الركعة الأولى صحت لمن بقي، وقيل يتمها ظهرا مطلقا. وهذا الخلاف كله أقوال مخرجة في مذهب الشافعي إلا الأخير فهو قوله في الجديد، وإن ثبت قول مقاتل بن حيان الذي أخرجه أبو داود في المراسيل أن الصلاة كانت حينئذ قبل الخطبة زال الإشكال، لكنه مع شذوذه معضل. وقد استشكل الأصيلي حديث الباب فقال: إن الله تعالى قد وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" ثم أجاب باحتمال أن يكون هذا الحديث كان قبل نزول الآية. انتهى. وهذا الذي يتعين المصير إليه مع أنه ليس في آية النور التصريح بنزولها في الصحابة، وعلى تقدير ذلك فلم يكن تقدم لهم نهي عن ذلك، فلما نزلت آية الجمعة. وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه فوصفوا بعد ذلك بما في آية النور. والله أعلم.
(2/425)

39- باب الصَّلاَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا
حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين "
[الحديث937- أطرافه في 1180.1172.1165]
(2/425)

قوله: "باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها" أورد فيه حديث ابن عمر في التطوع بالرواتب وفيه: "وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين " ولم يذكر شيئا في الصلاة قبلها. قال ابن المنير في الحاشية: كأنه يقول الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه، لأن الجمعة بدل الظهر. قال: وكانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر، ولذلك قدمه في الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد انتهى. ووجه العناية المذكورة ورود الخبر في البعد صريحا دون القبل. وقال ابن بطال: إنما أعاد ابن عمر ذكر الجمعة بعد الظهر من أجل. أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي سنة الجمعة في بيته بخلاف الظهر، قال: والحكمة فيه أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على ركعتين ترك التنفل بعدها في المسجد خشية أن يظن أنها التي حذفت. انتهى. وعلى هذا فينبغي أن لا يتنفل قبلها ركعتين متصلتين بها في المسجد لهذا المعنى. وقال ابن التين: لم يقع ذكر الصلاة قبل الجمعة في هذا الحديث، فلعل البخاري أراد إثباتها قياسا على الظهر. انتهى. وقواه الزين بن المنير بأنه قصد التسوية بين الجمعة والظهر في حكم التنفل كما قصد التسوية بين الإمام والمأموم في الحكم، وذلك يقتضي أن النافلة لهما سواء. انتهى. والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب، وهو ما رواه أبو داود وان حبان من طريق أيوب عن نافع قال: "كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك " احتج به النووي في الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها، وتعقب بأن قوله: "وكان يفعل ذلك " عائد على قوله: "ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته " ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع لك " أخرجه مسلم. وأما قوله: "كان يطيل الصلاة قبل الجمعة " فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة، وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل هو تنفل مطلق، وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم في حديث سلمان وغيره حيث قال فيه: "ثم صلى ما كتب له". وورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة منها عن أبي هريرة رواه البزار بلفظ: "كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعا " وفي إسناده ضعف، وعن علي مثله رواه الأثرم والطبراني في الأوسط بلفظ: "كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا " وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي وهو ضعيف عند البخاري وغيره. وقال الأثرم إنه حديث واه. ومنها عن ابن عباس مثله وزاد: "لا يفصل في شيء منهن " أخرجه ابن ماجه بسند واه، قال النووي في الخلاصة: إنه حديث باطل. وعن ابن مسعود عند الطبراني أيضا مثله وفي إسناده ضعف وانقطاع. ورواه عبد الرزاق عن ابن مسعود موقوفا وهو الصواب. وروى ابن سعد عن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم موقوفا نحو حديث أبي هريرة، وقد تقدم في أثناء الكلام على حديث جابر في قصة سليك قبل سبعة أبواب قول من قال: إن المراد بالركعتين اللتين أمره بهما النبي صلى الله عليه وسلم سنة الجمعة، والجواب عنه، وقد تقدم نقل المذاهب في كراهة التطوع نصف النهار ومن استثنى يوم الجمعة دون بقية الأيام في " باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر " في أواخر المواقيت. وأقوى ما يتمسك به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ما صححه ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعا: "ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان " ومثله حديث عبد الله بن مغفل الماضي في وقت المغرب بين كل أذانين صلاة، وسيأتي الكلام على بقية حديث ابن عمر في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى
(2/426)

باب قول الله تعالى (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ... الآية)
...
40 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى "فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ"
938- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا فَتَكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُهُ وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ "
[الحديث938- أطرافه في :6279.6248.5403.2349.941.939]
939- حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بهذا وقال ثم "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة "
قوله: "باب قول الله عز وجل: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ } الآية". أورد فيه حديث سهل بن سعد في قصة المرأة التي كانت تطعمهم بعد الجمعة، فقيل أراد بذلك بيان أن الأمر في قوله: "فانتشروا - وابتغوا" للإباحة لا للوجوب لأن انصرافهم إنما كان للغداء ثم للقائلة عوضا مما فاتهم من ذلك في وقته المعتاد لاشتغالهم بالتأهب للجمعة ثم بحضورها ووهم من زعم أن الصارف للأمر عن الوجوب هنا كونه ورد بعد الحظر لأن ذلك لا يستلزم عدم الوجوب، بل الإجماع هو الدال على أن الأمر المذكور للإباحة، وقد جنح الداودي إلى أنه على الوجوب في حق من يقدر على الكسب، وهو قول شاذ نقل عن بعض الظاهرية. وقيل هو في حق من لا شيء عنده ذلك اليوم فأمر بالطلب بأي صورة اتفقت ليفرح عياله ذلك اليوم لأنه يوم عيد، والذي يترجح أن في قوله: "انتشروا - وابتغوا" إشارة إلى استدراك ما فاتكم من الذي انفضضتم إليه فتنحل إلى أنها قضية شرطية، أي من وقع له في حال خطبة الجمعة وصلاتها زمان يحصل فيه ما يحتاج إليه من أمر دنياه ومعاشه فلا يقطع العبادة لأجله بل يفرغ منها ويذهب حينئذ لتحصيل حاجته، وبالله التوفيق. قوله: "حدثنا أبو غسان" هو محمد بن مطرف المدني، وأبو حازم هو سلمة بن دينار، ووهم من زعم أنه سلمان مولى عزة صاحب أبي هريرة. قوله: "كانت فينا امرأة" لم أقف على اسمها. قوله: "تجعل" في رواية الكشميهني تحقل بمهملة بعدها قاف أي تزرع، والأربعاء جمع ربيع كأنصباء ونصيب، والربيع الجدول وقيل الصغير وقيل الساقية الصغيرة وقيل حافات الأحواض، والمزرعة بفتح الراء وحكى ابن مالك جواز تثليثها، والسلق بكسر المهملة معروف وحكم الكرماني أنه وقع هنا سلق بالرفع وتكلف في توجيهه. قوله: "تطحنها" في رواية المستملي: "تطبخها " بتقديم الموحدة بعدها معجمة وكلاهما صحيح. قوله: "فتكون أصول السلق عرقه" بفتح المهملة وسكون الراء بعدها قاف ثم هاء ضمير أي عرق الطعام، والعرق اللحم الذي على العظم، والمراد أن السلق يقوم مقامه عندهم. وسيأتي في الأطعمة من وجه آخر في آخر الحديث: "والله ما فيه شحم ولا ودك " وفي رواية الكشميهني: "غرقة " بفتح المعجمة وكسر الراء وبعد القاف هاء التأنيث، والمراد أن السلق يغرق في المرقة لشدة نضجه، وفي هذا الحديث جواز السلام على النسوة الأجانب، واستحباب التقرب بالخير ولو بالشيء الحقير، وبيان ما كان الصحابة عليه من القناعة وشدة العيش والمبادرة إلى الطاعة رضي الله عنهم. قوله: "بهذا" أي بالحديث الذي
(2/427)

قبله، وظاهره أن أبا غسان وعبد العزيز بن أبي حازم اشتركا في رواية هذا الحديث عن أبي حازم، وزاد عبد العزيز الزيادة المذكورة وهي قوله: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة " وقد رواها أبو غسان مفردة كما في الباب الذي بعده، لكن ليس فيه ذكر الغداء، وبين رواية أبي غسان وعبد العزيز تفاوت يأتي بيانه في " باب تسليم الرجال على النساء " من كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى. واستدل بهذا الحديث لأحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وترجم عليه ابن أبي شيبة: "باب من كان يقول الجمعة أول النهار " وأورد فيه حديث سهل هذا وحديث أنس الذي بعده وعن ابن عمر مثله وعن عمر وعثمان وسعد وابن مسعود مثله من قولهم، وتعقب بأنه لا دلالة فيه على أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال، بل فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء والقاثلة بالتهيؤ للجمعة ثم بالصلاة، ثم ينصرفون فيتداركون ذلك. بل ادعى الزين بن المنير أنه يؤخذ منه أن الجمعة تكون بعد الزوال لأن العادة في القائلة أن تكون قبل الزوال فأخبر الصحابي أنهم كانوا يشتغلون بالتهيؤ للجمعة عن القائلة ويؤخرون القائلة حتى تكون بعد صلاة الجمعة.
(2/428)

باب القئلة بعد الجمعة
...
41 - باب الْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ
940- حدثنا محمد بن عقبة الشيباني قال حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن حميد قال سمعت أنسا يقول "كنا نبكر إلى الجمعة ثم نقيل "
941- حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا أبو غسان قال حدثني أبو حازم عن سهل قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم تكون القائلة "
قوله: "باب القائلة بعد الجمعة" أورد فيه حديث أنس، وقد تقدم في " باب وقت الجمعة " وحديث سهل وقد تقدم في الباب الذي قبله والله الموفق. "خاتمة": اشتمل كتاب الجمعة من الأحاديث المرفوعة على تسعة وسبعين حديثا الموصول منها أربعه وستون حديثا، والمعلق والمتابعة خمسة عشر حديثا، المكرر منها فيها وفيما مضى ستة وثلاثون حديثا، والخالص ثلاثة وأربعون حديثا كلها موصولة، وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث سليمان في الاغتسال والدهن والطيب، وحديث عمر وامرأة عمر في النهي عن منع النساء المساجد، وحديث أنس في صلاة الجمعة حين تميل الشمس، وحديثه في القائلة بعدها وحديثه " كان إذا اشتد البرد بكر بالصلاة " وحديث أبي عبس " من اغبرت قدماه " وحديث السائب بن يزيد في النداء يوم الجمعة، وحديث أنس في الجذع، وحديث عمرو بن تغلب " إني أكل أقواما " وحديث ابن عباس في الوصية بالإنصات، وحديث سهل بن سعد الأخير في قصة المرأة والقائلة بعد الجمعة. وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين أربعة عشر أثرا.
(2/428)

كتاب الخوف
باب صلاة الخوف
...
12- كتاب الخوف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1- باب صَلاَةِ الْخَوْفِ
وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً } { َإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً } [النساء101-102]
942- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي صَلاَةَ الْخَوْفِ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَنَا فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ فَجَاءُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ "
[الحديث 942-أطرافه في: 4535.4133.4132.943]
قوله: "وقول الله عز وجل" {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} ثبت سياق الآيتين بلفظهما إلى قوله: "مهينا" في رواية كريمة، واقتصر في رواية الأصيلي على ما هنا وقال: إلى قوله: "عذابا مهينا". وأما أبو ذر فساق الأولى بتمامها ومن الثانية إلى قوله: "معك" ثم قال إلى قوله: "عذابا مهينا". قال الزين بن المنير: ذكر صلاة الخوف أثر صلاة الجمعة لأنهما من جملة الخمس، لكن خرج كل منهما عن قياس حكم باقي الصلوات، ولما كان خروج الجمعة أخف قدمه تلو الصلوات الخمس، وعقبه بصلاة الخوف لكثرة المخالفة ولا سيما عند شدة الخوف، وساق الآيتين في هذه الترجمة مشيرا إلى أن خروج صلاة الخوف عن هيئة بقية الصلوات ثبت بالكتاب قولا وبالسنة فعلا. انتهى ملخصا. ولما كانت الآيتان قد اشتملتا على مشروعية القصر في صلاة الخوف وعلى كيفيتها ساقهما معا وآثر تخريج حديث ابن عمر لقوة شبه الكيفية التي ذكرها فيه بالآية. ومعنى قوله تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ } أي سافرتم، ومفهومه أن القصر مختص بالسفر وهو كذلك. وأما
(2/429)

قوله: "إن خفتم" فمفهومه اختصاص القصر بالخوف أيضا، وقد سأل يعلى بن أمية الصحابي عمر بن الخطاب عن ذلك فذكر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " أخرجه مسلم، فثبت القصر في الأمن ببيان السنة، واختلف في صلاة الخوف في الحضر فمنعه ابن الماجشون أخذا بالمفهوم أيضا وأجازه الباقون. وأما قوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} فقد أخذ بمفهومه أبو يوسف في إحدى الروايتين عنه والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحابه وإبراهيم بن علية، وحكى عن المزني صاحب الشافعي، واحتج عليهم بإجماع الصحابة على فعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي " فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم. وقال ابن العربي وغيره: شرط كونه صلى الله عليه وسلم فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده، والتقدير: بين لهم بفعلك لكونه أوضح من القول. ثم إن الأصل أن كل عذر طرأ على العبادة فهو على التساوي كالقصر، والكيفية وردت لبيان الحذر من العدو، وذلك لا يقتضي التخصيص بقوم دون قوم. وقال الزين المنير: الشرط إذا خرج مخرج التعليم لا يكون له مفهوم كالخوف في قوله تعالى: { أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} وقال الطحاوي: كان أبو يوسف قد قال مرة: لا تصلي صلاة الخوف بعد رسول صلى الله عليه وسلم وزعم أن الناس إنما صلوها معه لفضل الصلاة معه صلى الله عليه وسلم، قال: وهذا القول عندنا ليس بشيء، وقد كان محمد بن شجاع يعيبه ويقول: إن الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت أفضل من الصلاة مع الناس جميعا إلا أنه يقطعها ما يقطع الصلاة خلف غيره انتهى. وسيأتي سبب النزول وبيان أول صلاة صليت في الخوف في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى. قوله: "عن الزهري سألته" القائل هو شعيب والمسئول هو الزهري وهو القائل " أخبرني سالم " أي ابن عبد الله بن عمر، ووقع بخط بعض من نسخ الحديث عن الزهري قال سألته فأثبت قال ظنا أنها حذفت خطأ على العادة، وهو محتمل، ويكون حذف فاعل قال، لا أن الزهري هو الذي قال: والمتجه حذفها وتكون الجملة حالية أي أخبرني الزهري حال سؤالي إياه. وقد رواه النسائي من طريق بقية عن شعيب حدثني الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه، وأخرجه السراج عن محمد بن يحيى عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه فزاد فيه ولفظه: "سألته هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف أم لا؟ وكيف صلاها إن كان صلاها؟ وفي أي مغازيه كان ذلك؟ " فأفاد بيان المسئول عنه وهو صلاة الخوف. قوله: "غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل نجد" بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة نجد، ونجد كل ما ارتفع من بلاد العرب، وسيأتي بيان هذه الغزوة في الكلام على غزوة ذات الرقاع من المغازي. قوله: "فوازينا" بالزاي أي قابلنا، قال صاحب الصحاح: يقال آزيت، يعني بهمزة ممدودة لا بالواو. والذي يظهر أن أصله الهمزة فقلبت واوا. قوله: "فصاففناهم" في رواية المستملي والسرخسي " فصاففنا لهم " وقوله: "فصلي لنا " أي لأجلنا أو بنا. قوله: "ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل" أي فقاموا في مكانهم، وصرح به في رواية بقية المذكورة، ولمالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر " ثم استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون " وسيأتي عند المصنف في التفسير. قوله: "ركعة وسجد سجدتين" زاد عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري " مثل نصف صلاة الصبح " وفي قوله مثل نصف صلاة الصبح إشارة إلى أن الصلاة المذكورة كانت غير الصبح، فعلى هذا فهي رباعية، وسيأتي في المغازي ما يدل على أنها كانت العصر، وفيه دليل على أن الركعة المقضية لا بد فيها من القراءة لكل من الطائفتين خلافا لمن أجاز للثانية ترك القراءة. قوله: "فقام كل واحد منهم فركع لنفسه" لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا، وظاهره أنهم
(2/430)

أتموا لأنفسهم في حالة واحدة، ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة، وإفراد الإمام وحده. ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه: "ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا " ا هـ. وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها، ووقع في الرافعي تبعا لغيره من كتب الفقه أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة، ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا، ولم نقف على ذلك في شيء من الطرق، وبهذه الكيفية أخذ الحنفية، واختار الكيفية التي في حديث ابن مسعود أشهب والأوزاعي، وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك عن يحيى بن سعيد، واستدل بقوله طائفة على أنه لا يشترط استواء الفريقين في العدد، لكن لا بد أن تكون التي تحرس يحصل الثقة بها في ذلك، والطائفة تطلق على الكثير والقليل حتى على الواحد، فلو كانوا ثلاثة ووقع لهم الخوف جاز لأحدهم أن يصلي بواحد. ويحرس واحد ثم يصلي الآخر، وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة على القول بأقل الجماعة مطلقا، لكن قال الشافعي: أكره أن تكون كل طائفة أقل من ثلاثة لأنه أعاد عليهم ضمير الجمع بقوله: "أسلحتهم" ذكره النووي في شرح مسلم وغيره، واستدل به على عظم أمر الجماعة، بل على ترجيح القول بوجوبها لارتكاب أمور كثيرة لا تغتفر في غيرها، ولو صلى كل امرئ منفردا لم يقع الاحتياج إلى معظم ذلك، وقد ورد في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة، ورجح ابن عبد البر هذه الكيفية الواردة في حديث ابن عمر على غيرها لقوة الإسناد لموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه، وعن أحمد قال: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز، ومال إلى ترجيح حديث سهل ابن أبي حثمة الآتي في المغازي، وكذا رجحه الشافعي، ولم يختر إسحاق شيئا على شيء، وبه قال الطبري وغير واحد منهم ابن المنذر وسرد ثمانية أوجه، وكذا ابن حبان في صحيحه وزاد تاسعا. وقال ابن حزم: صح فيها أربعة عشر وجها، وبينها في جزء مفرد. وقال ابن العربي في " القبس ": جاء فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة، ولم يبينها. وقال النووي نحوه في شرح مسلم ولم يبينها أيضا، وقد بينها شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي وزاد وجها آخر فصارت سبعة عشر وجها، لكن يمكن أن تتداخل. قال صاحب الهدى: أصولها ست صفات، وبلغها بعضهم أكثر، وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من اختلاف الرواة ا هـ. وهذا هو المعتمد، وإليه أشار شيخنا بقوله: يمكن تداخلها. وحكى ابن القصار المالكي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها عشر مرات. وقال ابن العربي: صلاها أربعا وعشرين مرة. وقال الخطابي: صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة بأشكال متباينة يتحرى فيها ما هو الأحوط للصلاة والأبلغ للحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى ا هـ. وفي كتب الفقه تفاصيل لها كثيرة وفروع لا يتحمل هذا الشرح بسطها والله المستعان.
(2/431)

2 - باب صَلاَةِ الْخَوْفِ رِجَالًا وَرُكْبَانًا رَاجِلٌ قَائِمٌ
943- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ إِذَا اخْتَلَطُوا قِيَامًا وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا"
(2/431)

قوله: "باب صلاة الخوف رجالا وركبانا" قيل: مقصوده أن الصلاة لا تسقط عند العجز عن النزول عن الدابة ولا تؤخر عن وقتها، بل تصلي على أي وجه حصلت القدرة عليه بدليل الآية. قوله: "راجل: قائم" يريد أن قوله: "رجالا " جمع راجل والمراد به هنا القائم، ويطلق على الماشي أيضا وهو المراد في سورة الحج بقوله تعالى: {يأتوك رجالا} أي مشاة، وفي تفسير الطبري بسند صحيح عن مجاهد {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} إذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا. قوله: "عن نافع عن ابن عمر نحوا من قول مجاهد إذا اختلطوا قياما، وزاد ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا قياما وركبانا "" هكذا أورده البخاري مختصرا وأحال على قول مجاهد، ولم يذكره هنا ولا في موضع آخر من كتابه، فأشكل الأمر فيه فقال الكرماني: معناه أن نافعا روى عن ابن عمر نحوا مما روى مجاهد عن ابن عمر، المروي المشترك بينهما هو ما إذا اختلطوا قياما، وزيادة نافع على مجاهد قوله: "وإن كانوا أكثر من ذلك الخ " قال: ومفهوم كلام ابن بطال أن ابن عمر قال مثل قول مجاهد، وأن قولهما مثلا في الصورتين، أي في الاختلاط وفي الأكثرية، وأن الذي زاد هو ابن عمر لا نافع ا هـ. وما نسبه لابن بطال بين في كلامه إلا المثلية في الأكثرية فهي مختصة بابن عمر وكلام ابن بطال هو الصواب وإن كان لم يذكر دليله. والحاصل أنهما حديثان: مرفوع وموقوف، فالمرفوع من رواية ابن عمر وقد يروى كله أو بعضه موقوفا عليه أيضا، والموقوف من قول مجاهد لم يروه عن ابن عمر ولا غيره، ولم أعرف من أين وقع للكرماني أن مجاهدا روى هذا الحديث عن ابن عمر فإنه لا وجود لذلك في شيء من الطرق، وقد رواه الطبري عن سعيد بن يحيى شيخ البخاري فيه بإسناده المذكور عن ابن عمر قال: "إذا اختلطوا " يعني في القتال " فإنما هو الذكر وإشارة الرأس " قال ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن كانوا أكثر من ذلك فيصلون قياما وركبانا " هكذا اقتصر على حديث ابن عمر، وأخرجه الإسماعيلي عن الهيثم بن خلف عن سعيد المذكور مثل ما ساقه البخاري سواء، وزاد بعد قوله: "اختلطوا: فإنما هو الذكر وإشارة الرأس " ا هـ. وتبين من هذا أن قوله في البخاري " قياما " الأولى تصحيف من قوله: "فإنما " وقد ساقه الإسماعيلي من طريق أخرى بين لفظ مجاهد وبين فيها الواسطة بين ابن جريج وبينه، فأخرجه من رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال: "إذا اختلطوا فإنما هو الإشارة بالرأس " قال ابن جريج " حدثني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر بمثل قول مجاهد إذا اختلطوا فإنما هو الذكر وإشارة الرأس " وزاد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن كثروا فليصلوا ركبانا أو قياما على أقدامهم " فتبين من هذا سبب التعبير بقوله: "نحو قول مجاهد " لأن بين لفظه وبين لفظ ابن عمر مغايرة، وتبين أيضا أن مجاهدا إنما قاله برأيه لا من روايته عن ابن عمر والله أعلم. وقد أخرج مسلم حديث ابن عمر من طريق سفيان الثوري عن موسى بن عقبة فذكر صلاة الخوف نحو سياق الزهري عن سالم وقال في آخره: "قال ابن عمر: فإذا كان خوف أكثر من ذلك فليصل راكبا أو قائما يومئ إيماء " ورواه ابن المنذر من طريق داود بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة موقوفا لكن قال في آخره: "وأخبرنا نافع أن عبد الله بن عمر كان يخبر بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فاقتضى ذلك رفعه كله. وروى مالك في الموطأ عن نافع كذلك لكن قال في آخره: "قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وزاد في آخره: "مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها". وقد أخرجه المصنف من هذا الوجه في تفسير سورة البقرة، ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا كله بغير شك أخرجه ابن ماجه ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في صلاة
(2/432)

الخوف: أن يكون الإمام يصلي بطائفة " فذكر نحو سياق سالم عن أبيه وقال في آخره: "فإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا وركبانا " وإسناده جيد. والحاصل أنه اختلف في قوله: "فإن كان خوف أشد من ذلك " هل هو مرفوع أو موقوف على ابن عمر، والراجح رفعه، والله أعلم. قوله: "وإن كانوا أكثر من ذلك" أي إن كان العدو، والمعنى أن الخوف إذا اشتد والعدو إذا كثر فخيف من الانقسام لذلك جازت الصلاة حينئذ بحسب الإمكان، وجاز ترك مراعاة ما لا يقدر عليه من الأركان، فينتقل عن القيام إلى الركوع، وعن الركوع والسجود إلى الإيماء إلى غير ذلك، وبهذا قال الجمهور، ولكن قال المالكية: لا يصنعون ذلك حتى يخشى فوات الوقت، وسيأتي مذهب الأوزاعي في ذلك بعد باب. "تنبيه": ابن جريج سمع الكثير من نافع، وقد أدخل في هذا الحديث بينه وبين نافع موسى بن عقبة، ففي هذا التقوية لمن قال إنه أثبت الناس في نافع، ولابن جريج فيه إسناد آخر أخرجه عبد الرزاق عنه عن الزهري عن سالم عن أبيه.
(2/433)

3 - باب يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ
944-حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ مَعَهُ ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ وَأَتَتْ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلاَةٍ وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا "
قوله: "باب يحرس بعضهم بعضا في الخوف" قال ابن بطال: محل هذه الصورة إذا كان العدو في جهة القبلة فلا يفترقون والحالة هذه، بخلاف الصورة الماضية في حديث ابن عمر. وقال الطحاوي: ليس هذا بخلاف القرآن لجواز أن يكون قوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى} إذا كان العدو في غير القبلة، وذلك ببيانه صلى الله عليه وسلم. ثم بين كيفية الصلاة إذا كان العدو في جهة القبلة، والله أعلم. قوله: "عن الزبيدي" في رواية الإسماعيلي: "حدثنا الزبيدي " ولم أره من حديثه إلا من رواية محمد ابن حرب عنه، وافقه عليه النعمان بن راشد عن الزهري أخرجه البزار وقال: لا نعلم رواه عن الزهري إلا النعمان، ولا عنه إلا وهيب يعني ابن خالد ا هـ. ورواية الزبيدي ترد عليه. قوله: "وركع ناس منهم" زاد الكشميهني: "معه". قوله: "ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا معه" في رواية النسائي والإسماعيلي: "ثم قام إلى الركعة الثانية فتأخر الذين سجدوا معه". قوله: "فركعوا وسجدوا" في روايتهما أيضا: "فركعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم". قوله: "في صلاة" زاد الإسماعيلي: "يكبرون " ولم يقع في رواية الزهري هذه هل أكملوا الركعة الثانية أم لا، وقد رواه النسائي من طريق أبي بكر بن أبي الجهم من شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فزاد في آخره: "ولم يقضوا " وهذا كالصريح في اقتصارهم على ركعة ركعة. وفي الباب عن حذيفة وعن زيد ابن ثابت عند أبي داود والنسائي وابن حبان، وعن جابر عند النسائي، ويشهد له ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة " وبالاقتصار في الخوف على ركعة واحدة يقول إسحاق والثوري ومن تبعهما. وقال به أبو هريرة وأبو موسى الأشعري وغير واحد
(2/433)

من التابعين، ومنهم من قيد ذلك بشدة الخوف، وسيأتي عن بعضهم في شدة الخوف أسهل من ذلك. وقال الجمهور: قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد، وتأولوا رواية مجاهد هذه على أن المراد به ركعة مع الإمام، وليس فيه نفي الثانية. وقالوا: يحتمل أن يكون قوله في الحديث السابق " لم يقضوا " أي لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن والله أعلم. "فائدة": لم يقع في شيء من الأحاديث المروية في صلاة الخوف تعرض لكيفية صلاة المغرب، وقد أجمعوا على أنه لا يدخلها قصر، واختلفوا هل الأولى أن يصلي بالأولى ثنتين والثانية واحدة أو العكس.
(2/434)

4 - باب الصَّلاَةِ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ الْحُصُونِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْحُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ صَلَّوْا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الإِيمَاءِ أَخَّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ أَوْ يَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا لاَ يُجْزِئُهُمْ التَّكْبِيرُ وَيُؤَخِّرُوهَا حَتَّى يَأْمَنُوا وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ فَلَمْ نُصَلِّ إِلاَّ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى فَفُتِحَ لَنَا وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلاَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
945- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُبَارَكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَأَنَا وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا بَعْدُ قَالَ فَنَزَلَ إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَابَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا "
قوله: "باب الصلاة عند مناهضة الحصون" أي عند إمكان فتحها، وغلبة الظن على القدرة على ذلك. قوله: "ولقاء العدو" وهو من عطف الأعم على الأخص، قال الزين بن المنير: كأن المصنف خص هذه الصورة لاجتماع الرجاء والخوف في تلك الحالة، فإن الخوف يقتضي مشروعية صلاة الخوف والرجاء بحصول الظفر يقتضي اغتفار التأخير لأجل استكمال مصلحة الفتح، فلهذا خالف الحكم في هذه الصورة الحكم في غيرها عند من قال به. قوله: "وقال الأوزاعي الخ" كذا ذكره الوليد بن مسلم عنه في كتاب السير. قوله: "إن كان تهيأ الفتح" أي تمكن. وفي رواية القابسي " إن كان بها الفتح " بموحدة وهاء الضمير وهو تصحيف. قوله: "فإن لم يقدروا على الإيماء" قيل: فيه إشكال لأن العجز عن الإيماء لا يتعذر مع حصول العقل، إلا أن تقع دهشة فيعزب استحضاره ذلك، وتعقب. قال ابن رشيد: من باشر الحرب واشتغال القلب والجوارح إذا اشتغلت عرف كيف يتعذر الإيماء، وأشار ابن بطال إلى أن عدم القدرة على ذلك يتصور بالعجز عن الوضوء أو التيمم للاشتغال بالقتال، ويحتمل أن الأوزاعي كان يرى استقبال القبلة شرطا في الإيماء فيتصور العجز عن الإيماء إليها حينئذ. قوله: "فلا يجزيهم التكبير" فيه إشارة إلى
ـــــــ
(1)هذا الجواب من الجمهور فيه نظر . والصواب قول من قال : يجوز الإقتصار على ركعة واحدة في الخوف لصحة الأحاديث بذلك . والله أعلم.
(2/434)

خلاف من قال يجزئ كالثوري، وروى ابن أبي شيبة من طريق عطاء وسعيد بن جبير وأبي البختري في آخرين قالوا " إذا التقى الزحفان وحضرت الصلاة فقولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فتلك صلاتهم بلا إعادة " وعن مجاهد والحكم: إذا كان عند الطراد والمسابقة يجزئ أن تكون صلاة الرجل تكبيرا، فإن لم يكن إلا تكبيرة واحدة أجزأته أين كان وجهه. وقال إسحاق بن راهويه: يجزئ عند المسابقة ركعة واحدة يومئ بها إيماء، فإن لم يقدر فسجدة، فإن لم يقدر فتكبيرة. قوله: "وبه قال مكحول" قال الكرماني: يحتمل أن يكون بقية من كلام الأوزاعي، ويحتمل أن يكون من تعليق البخاري. انتهى. وقد وصله عبد بن حميد في تفسيره عنه من غير طريق الأوزاعي بلفظ: "إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلوا على ظهر الدواب ركعتين، فإن لم يقدروا فركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا أخروا الصلاة حتى يأمنوا فيصلوا بالأرض". "تنبيه": ذكر ابن رشيد أن سياق البخاري لكلام الأوزاعي مشوش، وذلك أنه جعل الإيماء مشروطا بتعذر القدرة، والتأخير مشروطا بتعذر الإيماء، وجعل غاية التأخير انكشاف القتال، ثم قال: "أو يأمنوا فيصلوا ركعتين " فجعل الأمن قسيم الانكشاف يحصل الأمن فكيف يكون قسيمه؟ وأجاب الكرماني عن هذا بأن الانكشاف قد يحصل ولا يحصل الأمن لخوف المعاودة، كما أن الأمن يحصل بزيادة القوة واتصال المدد بغير انكشاف، فعلى هذا فالأمن قسيم الانكشاف أيهما حصل اقتضى صلاة ركعتين. وأما قوله: "فإن لم يقدروا " فمعناه على صلاة ركعتين بالفعل أو بالإيماء " فواحدة " وهذا يؤخذ من كلامه الأول قال: "فإن لم يقدروا عليها أخروا " أي حتى يحصل الأمن التام. والله أعلم. قوله: "وقال أنس" وصله ابن سعد وابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه، وذكره " خليفة في تاريخه " وعمر بن شبة في " أخبار البصرة " من وجهين آخرين عن قتادة، ولفظ عمر " سأل قتادة عن الصلاة إذا حضر القتال فقال: حدثني أنس بن مالك أنهم فتحوا تستر وهو يومئذ على مقدمة الناس وعبد الله بن قيس - يعني أبا موسى الأشعري - أميرهم". قوله: "تستر" بضم المثناة الفوقانية وسكون المهملة وفتح المثناة أيضا بلد معروف من بلاد الأهواز، وذكر خليفة أن فتحها كان في سنة عشرين في خلافة عمر، وسيأتي الإشارة إلى كيفيته في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى. قوله: "اشتعال القتال" بالعين المهملة. قوله: "فلم يقدروا على الصلاة" يحتمل أن يكون للعجز عن النزول، ويحتمل أن يكون للعجر عن الإيماء أيضا، فيوافق ما تقدم عن الأوزاعي، وجزم الأصيلي بأن سببه أنهم لم يجدوا إلى الوضوء سبيلا من شدة القتال. قوله: "إلا بعد ارتفاع النهار" في رواية عمر بن شبة " حتى انتصف النهار". قوله: "ما يسرني بتلك الصلاة" أي بدل تلك الصلاة. وفي رواية الكشميهني: "من تلك الصلاة". قوله: "الدنيا وما فيها" في رواية خليفة: الدنيا كلها، والذي يتبادر إلى الذهن من هذا أن مراده الاغتباط بما وقع، فالمراد بالصلاة على هذا هي المقضية التي وقعت، ووجه اغتباطه كونهم لم يشتغلوا عن العبادة إلا بعبادة أهم منها عندهم، ثم تداركوا ما فاتهم منها فقضوه، وهو كقول أبي بكر الصديق " لو طلعت لم تجدنا غافلين " وقيل: مراد أنس الأسف على التفويت الذي وقع لهم، والمراد بالصلاة على هذه الفائتة ومعناه: لو كانت في
ـــــــ
(1) كذا في الأصول " ولعلها " المسايفة "
(2)في المخطوطة " من طريق"
(3) قوله " أهم منها " يعني في ذلك الوقت , لأن الفتح قد يفوت بالصلاة , والصلاة لاتفوت لإمكان قضائها بعد الفتح , وإلا فمعلوم من الأدلة الشرعية أن الشرعية أن الصلاة أهم وأعظم من الجهاد . فتنبه. والله أعلم
(2/435)

وقتها كانت أحب إلي فالله أعلم، وممن جزم بهذا الزين بن المنير فقال: إيثار أنس الصلاة على الدنيا وما فيها يشعر بمخالفته لأبي موسى في اجتهاده المذكور، وأن أنسا كان يرى أن يصلي للوقت وإن فات الفتح، وقوله هذا موافق لحديث: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " انتهى، وكأنه أراد الموافقة في اللفظ، وإلا فقصة أنس في المفروضة والحديث في النافلة، ويخدش فيما ذكره عن أنس من مخالفة اجتهاد أبي موسى أنه لو كان كذلك لصلى أنس وحده ولو بالإيماء، لكنه وافق أبا موسى ومن معه فكيف يعد مخالفا؟ والله أعلم. قوله: "حدثنا يحيى حدثنا وكيع" كذا في معظم الروايات، ووقع في رواية أبي ذر في نسخة " يحيى ابن موسى " وفي أخرى " يحيى بن جعفر " وهذا المعتمد، وهي نسخة صحيحة بعلامة المستملي، وفي بعض النسخ " يحيى بن موسى بن جعفر " وهو غلط ولعله كان فيه يحيى بن موسى وفي الحاشية ابن جعفر على أنها نسخة فجمع بينهما بعض من نسخ الكتاب، واسم جد يحيى بن موسى عبد ربه بن سالم وهو الملقب خت بفتح المعجمة بعدها مثناة فوقانية ثقيلة، واسم جد يحيى بن جعفر أعين وكلاهما من شيوخ البخاري وكلاهما من أصحاب وكيع. قوله: "عن جابر" تقدم الكلام على حديثه في أواخر المواقيت، ونقل الاختلاف في سبب تأخير الصلاة يوم الخندق هل كان نسيانا أو عمدا، وعلى الثاني هل كان للشغل بالقتال أو لتعذر الطهارة أو قبل نزول آية الخوف؟ وإلى الأول وهو الشغل جنح البخاري في هذا الموضع ونزل عليه الآثار التي ترجم لها بالشروط المذكورة، ولا يرده ما تقدم من ترجيح كون آية الخوف نزلت قبل الخندق لأن وجهه أنه أقر على ذلك، وآية الخوف التي في البقرة لا تخالفه لأن التأخير مشروط بعدم القدرة على الصلاة مطلقا، وإلى الثاني جنح المالكية والحنابلة لأن الصلاة لا تبطل عندهم بالشغل الكثير في الحرب إذا احتيج إليه، وإلى الثالث جنح الشافعية كما تقدم في الموضع المذكور، وعكس بعضهم فادعى أن تأخيره صلى الله عليه وسلم للصلاة يوم الخندق دال على نسخ صلاة الخوف، قال ابن القصار: وهو قول من لا يعرف السنن، لأن صلاة الخوف أنزلت بعد الخندق فكيف ينسخ الأول الآخر؟ فالله المستعان.
(2/436)

5 - باب صَلاَةِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ رَاكِبًا وَإِيمَاءً
وَقَالَ الْوَلِيدُ ذَكَرْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ صَلاَةَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَأَصْحَابِهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَقَالَ كَذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَنَا إِذَا تُخُوِّفَ الْفَوْتُ وَاحْتَجَّ الْوَلِيدُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ "
946- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنْ الأَحْزَابِ لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمْ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ "
[الحديث946- طرفه في:4119]
قوله: "باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء" كذا للأكثر. وفي رواية الحموي من الطريقين، إليه " وقائما " قال ابن المنذر: كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول: إن المطلوب يصلي على دابته يومئ إيماء، وإن كان طالبا
(2/436)

باب التبكير والغلس بالصبح والصلاة عند الإغارة والحرب
...
6 - باب التَّكْبِيرِ وَالْغَلَسِ بِالصُّبْحِ وَالصَّلاَةِ عِنْدَ الإِغَارَةِ وَالْحَرْبِ
947- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ وَيَقُولُونَ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذَّرَارِيَّ فَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِثَابِتٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ مَا أَمْهَرَهَا قَالَ أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا فَتَبَسَّمَ
قوله: "باب التكبير" كذا للأكثر، وللكشميهني من الطريقين " التبكير " بتقديم الموحدة وهو أوجه. قوله: "والصلاة عند الإغارة" بكسر الهمزة بعدها معجمة، وهي متعلقة بالصلاة وبالتكبير أيضا. أورد فيه حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بغلس ثم ركب، وقد تقدم في أوائل الصلاة في " باب ما يذكر في الفخذ " من طريق أخرى عن أنس وأوله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلى عندها صلاة الغداة " الحديث بطوله، وهو أتم سياقا مما هنا، وقوله: "ويقولون: محمد والخميس " فيه حمل لرواية عبد العزيز بن صهيب على رواية ثابت، فقد تقدم في الباب المذكور أن عبد العزيز لم يسمع من أنس قوله: "والخميس " وأنها في رواية ثابت عند مسلم. قوله: "فصارت صفية لدحية الكلبي، وصارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم" ظاهره أنها صارت لهما معا، وليس كذلك بل صارت لدحية أولا ثم صارت بعده لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم إيضاحه في الباب المذكور، وسيأتي بقية الكلام عليه في المغازي وفي النكاح إن شاء الله تعالى. ووجه دخول هذه الترجمة في أبواب صلاة الخوف للإشارة إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها التأخير إلى آخر الوقت كما شرطه من شرطه في صلاة شدة الخوف عند التحام المقاتلة، أشار إلى ذلك الزين بن المنير. ويحتمل أن يكون للإشارة إلى تعين المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها قبل الدخول في الحرب والاشتغال بأمر العدو. وأما التكبير فلأنه ذكر مأثور عند كل أمر مهول، وعند كل حادث سرور، شكرا لله تعالى وتبرئة له من كل ما نسب إليه أعداؤه ولا سيما اليهود قبحهم الله تعالى. "خاتمة": اشتملت أبواب صلاة الخوف على ستة أحاديث مرفوعة موصولة، تكرر منها فيما مضى حديثان والأربعة خالصة وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث ابن عباس. وفيها من الآثار عن الصحابة والتابعين ستة آثار، منها واحد موصول وهو أثر مجاهد، والله أعلم.
(2/438)

كتاب العيدين
باب في العيدين والتجمل فيه
...
بسم الله الرحمن الرحيم
13- كتاب العيدين
1 - باب فِي الْعِيدَيْنِ وَالتَّجَمُّلِ فِيهِ
948- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ "
قوله: "باب في العيدين والتجمل فيه" كذا في رواية أبي علي بن شبويه، ونحوه لابن عساكر، وسقطت البسملة لأبي ذر، وله في رواية المستملي: "أبواب " بدل " كتاب". واقتصر في رواية الأصيلي والباقين على قوله: "باب الخ " والضمير في " فيه: "راجع إلى جنس العيد. وفي رواية الكشميهني: "فيهما". قوله: "أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم" كذا للأكثر " أخذ " بهمزة وخاء وذال معجمتين في الموضعين، وفي بعض النسخ " وجد " بواو وجيم في الأول وهو أوجه، وكذا أخرجه الإسماعيلي والطبراني في مسند الشاميين وغير واحد من طرق إلى أبي اليمان شيخ البخاري فيه.ووجه الكرماني الأول بأنه أراد ملزوم الأخذ وهو الشراء وفيه نظر لأنه لم يقع منه ذلك، فلعله أراد السوم. قوله: "ابتع هذه تجمل بها" كذا للأكثر بصيغة الأمر مجزوما وكذا جوابه. ووقع في رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي " ابتاع هذه تجمل " وضبط في نسخ معتمدة بهمزة استفهام ممدودة ومقصورة وضم لام تجمل على أن أصله تتجمل فحذفت إحدى التاءين كأن عمر استأذن أن يبتاعها ليتجمل بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون بعض الرواة أشبع فتحة التاء فطنت ألفا. وقال الكرماني قوله: "هذه " إشارة إلى نوع الجبة، كذا قال، والذي يظهر إشارة إلى عينها ويلتحق بها جنسها، وقد تقدم في كتاب الجمعة توجيه الترجمة وأنها مأخوذة من تقريره صلى الله عليه وسلم على أصل التجمل، وإنما زجره عن الجبة لكونها كانت حريرا. قوله: "للعيد والوفود" تقدم في كتاب الجمعة بلفظ: "للجمعة " بدل للعيد وهي رواية نافع، وهذه رواية سالم، وكلاهما صحيح. وكأن ابن عمر ذكرهما معا فاقتصر كل راو على أحدهما. قوله: "تبيعها وتصيب بها حاجتك" في رواية الكشميهني: "أو تصيب " ومعنى الأول وتصيب بثمنها، والثاني يحتمل أن " أو " بمعنى الواو فهو كالأول أو التقسيم، والمراد المقايضة أو أعم من ذلك والله أعلم. وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب اللباس، إن شاء الله تعالى. "فائدة": روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين.
(2/439)

2 - باب الْحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ الْعِيدِ
949- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَسَدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَم فَقَالَ دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا "
[الحديث949- أطرافه في:3931.3530.2907.987.952]
950- وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ حَسْبُكِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبِي "
قوله: "باب الحراب والدرق يوم العيد" الحراب بكسر المهملة جمع حربة، والدرق جمع درقة وهي الترس. قال ابن بطال: حمل السلاح في العيد لا مدخل له في سنة العيد ولا في صفة الخروج إليه، ويمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم كان محاربا خائفا فرأى الاستظهار بالسلاح، لكن ليس في حديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم خرج بأصحاب الحراب معه يوم العيد، ولا أمر أصحابه بالتأهب بالسلاح، يعني فلا يطابق الحديث الترجمة. وأجاب ابن المنير في الحاشية بأن مراد البخاري الاستدلال على أن العيد يغتفر فيه من الانبساط ما لا يغتفر في غيره ا هـ. وليس في الترجمة أيضا تقييده بحال الخروج إلى العيد، بل الظاهر أن لعب الحبشة إنما كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من المصلى، لأنه كان يخرج أول النهار فيصلي ثم يرجع. قوله: "حدثنا أحمد" كذا للأكثر غير منسوب. وفي رواية أبي ذر وابن عساكر: "حدثنا أحمد ابن عيسى " وبه جزم أبو نعيم في المستخرج، ووقع في رواية أبي علي بن شبويه " حدثنا أحمد بن صالح " وهو مقتضى إطلاق أبي علي بن السكن حيث قال: كل ما في البخاري " حدثنا أحمد " غير منسوب فهو ابن صالح. قوله: "أخبرنا عمرو" هو ابن الحارث المصري، وشطر هذا الإسناد الأول مصريون والثاني مدنيون. قوله: "دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد في رواية الزهري عن عروة " في أيام منى " وسيأتي بعد ثلاثة وعشرين بابا. قوله: "جاريتان" زاد في الباب الذي بعده " من جواري الأنصار " وللطبراني من حديث أم سلمة أن إحداهما كانت لحسان بن ثابت، وفي الأربعين للسلمي أنهما كانتا لعبد الله بن سلام، وفي العيدين لابن أبي الدنيا من طريق فليح عن هشام بن عروة " وحمامة وصاحبتها تغنيان " وإسناده صحيح، ولم أقف على تسمية الأخرى، لكن يحتمل أن يكون اسم الثانية زينب وقد ذكره في كتاب النكاح، ولم يذكر حمامة الذين صنفوا في الصحابة وهي على شرطهم. قوله: "تغنيان" زاد في رواية الزهري " تدففان " بفاءين أي تضربان بالدف، ولمسلم في رواية هشام أيضا: "تغنيان بدف " وللنسائي: "بدفين " والدف بضم الدال على الأشهر وقد تفتح، ويقال له أيضا الكربال بكسر الكاف وهو
ـــــــ
(1)في المخطوطة "ذكرته"
(2/440)

الذي لا جلاجل فيه، فإن كانت فيه فهو المزهر، وفي حديث الباب الذي بعده " بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث " أي قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء، وللمصنف في الهجرة " بما تعازفت " بمهملة وزاي وفاء من العزف وهو الصوت الذي له دوي. وفي رواية: "تقاذفت " بقاف بدل العين وذال معجمة بدل الزاي وهو من القذف وهو هجاء بعضهم لبعض، ولأحمد من رواية حماد ابن سلمة عن هشام يذكر أن يوم بعاث يوم قتل فيه صناديد الأوس والخزرج ا هـ. وبعاث بضم الموحدة وبعدها مهملة وآخره مثلثة قال عياض ومن تبعه: أعجمها أبو عبيدة وحده. وقال ابن الأثير في الكامل: أعجمها صاحب العين يعني الخليل وحده، وكذا حكى أبو عبيد البكري في معجم البلدان عن الخليل، وجزم أبو موسى في ذيل الغريب بأنه تصحيف وتبعه صاحب النهاية، قال البكري: هو موضع من المدينة على ليلتين. وقال أبو موسى وصاحب الهداية: هو اسم حصن للأوس، وفي كتاب أبي الفرج الأصفهاني في ترجمة أبي قيس بن الأسلت: هو موضع في دار بني قريظة فيه أموال لهم، وكان موضع الوقعة في مزرعة لهم هناك. ولا منافاة بين القولين. وقال صاحب المطالع: الأشهر فيه ترك الصرف. قال الخطابي: يوم بعاث يوم مشهور من أيام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج، وبقيت الحرب قائمة مائة وعشرين سنة إلى الإسلام على ما ذكر ابن إسحاق وغيره. قلت: تبعه على هذا جماعة من شراح الصحيحين، وفيه نظر لأنه يوهم أن الحرب التي وقعت يوم بعاث دامت هذه المدة، وليس كذلك فسيأتي في أوائل الهجرة قول عائشة " كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله فقدم المدينة وقد افترق ملؤهم وقتلت سراتهم " وكذا ذكره ابن إسحاق والواقدي وغيرهما من أصحاب الأخبار، وقد روى ابن سعد بأسانيده أن النفر الستة أو الثمانية الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم بمنى أول من لقيه من الأنصار - وكانوا قد قدموا إلى مكة ليحالفوا قريشا - كان في جملة ما قالوه له لما دعاهم إلى الإسلام والنصر له: واعلم إنما كانت وقعة بعاث عام الأول، فموعدك الموسم القابل، فقدموا في السنة التي تليها فبايعوه، وهي البيعة الأولى، ثم قدموا الثانية فبايعوه وهم سبعون نفسا، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل التي تليها. فدل ذلك على أن وقعة بعاث كانت قبل الهجرة بثلاث سنين، وهو المعتمد، وهو أصح من قول ابن عبد البر في ترجمة زيد ابن ثابت من الاستيعاب: إنه كان يوم بعاث ابن ست سنين، وحين قدم النبي صلى الله عليه وسلم كان ابن إحدى عشرة، فيكون يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنين. نعم دامت الحرب بين الحيين الأوس والخزرج المدة التي ذكرها في أيام كثيرة شهيرة، وكان أولها فيما ذكر ابن إسحاق وهشام بن الكلبي وغيرهما أن الأوس والخزرج لما نزلوا المدينة وجدوا اليهود مستوطنين بها فحالفوهم وكانوا تحت قهرهم، ثم غلبوا على اليهود في قصة طويلة بمساعدة أبي جبلة ملك غسان، فلم يزالوا على اتفاق بينهم حتى كانت أول حرب وقعت بينهم حرب سمير - بالمهملة مصغرا - بسبب رجل يقال له كعب من بني ثعلبة نزل على مالك ابن عجلان الخزرجي فحالفه، فقتله رجل من الأوس يقال له سمير فكان ذلك سبب الحرب بين الحيين، ثم كانت بينهم وقائع من أشهرها يوم السرارة بمهملات، ويوم فارع بفاء ومهملة، ويوم الفجار الأول والثاني، وحرب حصين بن الأسلت، وحرب حاطب بن قيس، إلى أن كان آخر ذلك يوم بعاث وكان رئيس الأوس فيه حضير والد أسيد وكان يقال له حضير الكتائب، وجرح يومئذ ثم مات بعد مدة من جراحته، وكان رئيس الخزرج عمرو بن النعمان، وجاءه سهم في القتال فصرعه فهزموا بعد أن كانوا قد ستظهروا، ولحسان وغيره من الخزرج وكذا لقيس بن الحطيم وغيره من الأوس في ذلك أشعار كثيرة مشهورة في دواوينهم. قوله: "فاضطجع على الفراش" في رواية الزهري
(2/441)

المذكورة أنه " تغشى بثوبه " وفي رواية مسلم: "تسجى " أي التف بثوبه. قوله: "وجاء أبو بكر" في رواية هشام بن عروة في الباب الذي بعده " دخل على أبو بكر وكأنه جاء زائرا لها بعد أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته". قوله: "فانتهرني" في رواية الزهري " فانتهرهما " أي الجاريتين، ويجمع بأنه شرك بينهن في الانتهار والزجر، أما عائشة فلتقريرها، وأما الجاريتان فلفعلهما. قوله: "مزمارة الشيطان" بكسر الميم يعني الغناء أو الدف، لأن المزمارة أو المزمار مشتق من الزمير وهو الصوت الذي له الصفير، ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء، وسميت به الآلة المعروفة التي يزمر بها، وإضافتها إلى الشيطان من جهة أنها تلهي، فقد تشغل القلب عن الذكر. وفي رواية حماد بن سلمة عند أحمد " فقال: يا عباد الله أبمزمور الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال القرطبي: المزمور الصوت، ونسبته إلى الشيطان ذم على ما ظهر لأبي بكر، وضبطه عياض بضم الميم وحكى فتحها. قوله: "فأقبل عليه" في رواية الزهري " فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه " وفي رواية فليح " فكشف رأسه " وقد تقدم أنه كان ملتفا. قوله: "دعهما" زاد في رواية هشام " يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " ففيه تعليل الأمر بتركهما، وإيضاح خلاف ما ظنه الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه صلى الله عليه وسلم لكونه دخل فوجده مغطى بثوبه فظنه نائما فتوجه له الإنكار على ابنته من هذه الأوجه مستصحبا لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو، فبادر إلى إنكار ذلك قياما عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مستندا إلى ما ظهر له، فأوضح له النبي صلى الله عليه وسلم الحال، وعرفه الحكم مقرونا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد، أي يوم سرور شرعي، فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس، وبهذا يرتفع الإشكال عمن قال: كيف ساغ للصديق إنكار شيء أقره النبي صلى الله عليه وسلم؟ وتكلف جوابا لا يخفى تعسفه. وفي قوله: "لكل قوم " أي من الطوائف وقوله: "عيد " أي كالنيروز والمهرجان، وفي النسائي وابن حبان بإسناد صحيح عن أنس " قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما: يوم الفطر والأضحى " واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم، وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقال: من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله تعالى. استنبط من تسمية أيام منى بأنها أيام عيد مشروعية قضاء صلاة العيد فيها لمن فاتته كما سيأتي بعد. واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها " وليستا بمغنيتين " فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ، لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب بفتح النون وسكون المهملة على الحداء. ولا يسمى فاعله مغنيا وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح، قال القرطبي: قولها " ليستا بمغنيتين " أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه، قال: وأما ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير، حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان، حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة، وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال، وأن ذلك يثمر سني الأحوال وهذا - على التحقيق - من آثار الزندقة، وقول أهل المخرفة والله المستعان ا هـ. وينبغي أن يعكس مرادهم ويقرأ:
(2/442)

" سيء " عوض النون الخفيفة المكسورة بغير همز بمثناة تحتانية ثقيلة مهموزا. وأما الآلات فسيأتي الكلام على اختلاف العلماء فيها عند الكلام على حديث المعازف في كتاب الأشربة، وقد حكى قوم الإجماع على تحريمها، وحكى بعضهم عكسه، وسنذكر بيان شبهة الفريقين إن شاء الله تعالى. ولا يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحوه إباحة غيره من الآلات كالعود ونحوه كما سنذكر ذلك في وليمة العرس إن شاء الله تعالى. وأما التفافه صلى الله عليه وسلم بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك، لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل، والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل والله أعلم. وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى. وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين. وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وهي عند زوجها إذا كان له بذلك عادة، وتأديب الأب بحضرة الزوج وإن تركه الزوج، إذ التأديب وظيفة الآباء، والعطف مشروع من الأزواج للنساء. وفيه الرفق بالمرأة واستجلاب مودتها، وأن مواضع أهل الخير تنزه عن اللهو واللغو وإن لم يكن فيه إثم إلا بإذنهم. وفيه أن التلميذ إذا رأى عند شيخه ما يستكره مثله بادر إلى إنكاره، ولا يكون في ذلك افتئات على شيخه، بل هو أدب منه ورعاية لحرمته وإجلال لمنصبه، وفيه فتوى التلميذ بحضرة شيخه بما يعرف من طريقته، ويحتمل أن يكون أبو بكر ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نام فخشي أن يستيقظ فيغضب على ابنته فبادر إلى سد هذه الذريعة. وفي قول عائشة في آخر هذا الحديث: "فلما غفل غمزتهما فخرجتا " دلالة على أنها مع ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لها في ذلك راعت خاطر أبيها وخشيت غضبه عليها فأخرجتهما، واقتناعها في ذلك بالإشارة فيما يظهر للحياء من الكلام بحضرة من هو أكبر منها والله أعلم. واستدل به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء ولو لم تكن مملوكة لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر سماعه بل أنكر إنكاره، واستمرتا إلى أن أشارت إليهما عائشة بالخروج. ولا يخفى أن محل الجواز ما إذا أمنت الفتنة بذلك، والله أعلم. قوله: "وكان يوم عيد" هذا حديث آخر وقد جمعهما بعض الرواة وأفردهما بعضهم، وقد تقدم هذا الحديث الثاني من وجه آخر عن الزهري عن عروة في أبواب المساجد، ووقع عند الجوزقي في حديث الباب هنا " وقالت - أي عائشة - كان يوم عيد " فتبين بهذا أنه موصول كالأول. قوله: "يلعب فيه السودان" في رواية الزهري المذكورة " والحبشة يلعبون في المسجد " وزاد في رواية معلقة ووصلها مسلم: "بحرابهم " ولمسلم من رواية هشام عن أبيه " جاء حبش يلعبون في المسجد"، قال المحب الطبري: هذا السياق يشعر بأن عادتهم ذلك في كل عيد، ووقع في رواية ابن حبان: "لما قدم وفد الحبشة قاموا يلعبون في المسجد " وهذا يشعر بأن الترخيص لهم في ذلك بحال القدوم، ولا تنافي بينهما لاحتمال أن يكون قدومهم صادف يوم عيد وكان من عادتهم اللعب في الأعياد ففعلوا ذلك كعادتهم ثم صاروا يلعبون يوم كل عيد، ويؤيده ما رواه أبو داود عن أنس قال: "لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة فرحا بذلك لعبوا بحرابهم"؛ ولا شك أن يوم قدومه صلى الله عليه وسلم كان عندهم أعظم من يوم العيد، قال الزين بن المنير: سماه لعبا وإن كان أصله التدريب على الحرب وهو من الجد لما فيه من شبه اللعب، لكونه يقصد إلى الطعن ولا يفعله ويوهم بذلك قرنه ولو كان أباه أو ابنه. قوله: "فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال: تشتهين تنظرين" هذا تردد منها فيما كان وقع له هل كان أذن لها في ذلك ابتداء منه أو عن سؤال منها، وهذا
(2/443)

بناء على أن سألت بسكون اللام على أنه كلامها، ويحتمل أن يكون بفتح اللام فيكون كلام الراوي فلا ينافي مع ذلك قوله: "وإما قال تشتهين تنظرين " وقد اختلفت الروايات عنها في ذلك: ففي رواية النسائي من طريق يزيد بن رومان عنها " سمعت لغطا وصوت صبيان، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن - أي ترقص - والصبيان حولها فقال: يا عائشة، تعالي فانظري " ففي هذا أنه ابتدأها. وفي رواية عبيد بن عمير عنها عند مسلم أنها قالت للعابين " وددت أني أراهم " ففي هذا أنها سألت، ويجمع بينهما بأنها التمست منه ذلك فأذن لها. وفي رواية النسائي من طريق أبي سلمة عنها " دخل الحبشة يلعبون، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم " إسناده صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا. وفي رواية أبي سلمة هذه من الزيادة عنها قالت: "ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا " كذا فيه بالنصب، وهو حكاية قول الحبشة، ولأحمد والسراج وابن حبان من حديث أنس " أن الحبشة كانت تزفن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ويتكلمون بكلام لهم، فقال: ما يقولون؟ قال يقولون: محمد عبد صالح". قوله: "فأقامني وراءه خدي على خده" أي متلاصقين وهي جملة حالية بدون واو كما قيل في قوله تعالى: { اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} وفي رواية هشام عن أبيه عند مسلم: "فوضعت رأسي على منكبه " وفي رواية أبي سلمة المذكورة " فوضعت ذقني على عاتقه وأسندت وجهي إلى خده " وفي رواية عبيد ابن عمير عنها " أنظر بين أذنيه وعاتقه " ومعانيها متقاربة، ورواية أبي سلمة أبينها. وفي رواية الزهري الآتية بعد عن عروة " فيسترني وأنا أنظر " وقد تقدم في أبواب المساجد بلفظ: "يسترني بردائه " ويتعقب به على الزين بن المنير في استنباطه من لفظ حديث الباب جواز اكتفاء المرأة بالتستر بالقيام خلف من تستر به من زوج أو ذي محرم إذا قام ذلك مقام الرداء، لأن القصة واحدة، وقد وقع فيها التنصيص على وجود التستر بالرداء. قوله: "وهو يقول: دونكم" بالنصب على الظرفية بمعنى الإغراء والمغري به محذوف وهو لعبهم بالحراب، وفيه إذن وتنهيض لهم وتنشيط. قوله: "يا بني أرفدة" بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء وقد تفتح، قيل هو لقب للحبشة، وقيل هو اسم جنس لهم، وقيل اسم جدهم الأكبر وقيل المعنى يا بني الإماء، زاد في رواية الزهري عن عروة " فزجرهم عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمنا بني أرفدة " وبين الزهري أيضا عن سعيد عن أبي هريرة وجه الزجر حيث قال: "فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعهم يا عمر " وسيأتي في الجهاد، وزاد أبو عوانة في صحيحه " فإنهم بنو أرفدة " كأنه يعني أن هذا شأنهم وطريقتهم وهو من الأمور المباحة فلا إنكار عليهم. قال المحب الطبري: فيه تنبيه على أنه يغتفر لهم ما لا يغتفر لغيرهم، لأن الأصل في المساجد تنزيهها عن اللعب فيقتصر على ما ورد فيه النص، انتهى. وروى السراج من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال يومئذ " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة " وهذا يشعر بعدم التخصيص، وكأن عمر بنى على الأصل في تنزيه المساجد فبين له النبي صلى الله عليه وسلم وجه الجواز فيما كان هذا سبيله كما سيأتي تقريره، أو لعله لم يكن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يراهم. قوله: "حتى إذا مللت" بكسر اللام الأولى -. وفي رواية الزهري " حتى أكون أنا الذي أسأم " ولمسلم من طريقه " ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا الذي أنصرف " وفي رواية يزيد بن رومان عند النسائي: "أما شبعت؟ أما شبعت؟ قالت: فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتي عنده "
ـــــــ
(1) في مخطوطة الرياض " أذنه"
(2/444)

وله من رواية أبي سلمة عنها: "قلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال: حسبك؟ قلت: لا تعجل. قال: وما بي حب النظر إليهم ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه " وزاد في النكاح في رواية الزهري " فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو " وقولها " اقدروا " بضم الدال من التقدير ويجوز كسرها، وأشارت بذلك إلى أنها كانت حينئذ شابة، وقد تمسك به من ادعى نسخ هذا الحكم وأنه كان في أول الإسلام كما تقدمت حكايته في أبواب المساجد، ورد بأن قولها: "يسترني بردائه " دال على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب، وكذا قولها " أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي " مشعر بأن ذلك وقع بعد أن صارت لها ضرائر، أرادت الفخر عليهن، فالظاهر أن ذلك وقع بعد بلوغها، وقد تقدم من رواية ابن حبان أن ذلك وقع لما قدم وفد الحبشة وكان قدومهم سنة سبع فيكون عمرها حينئذ خمس عشرة سنة، وقد تقدم في أبواب المساجد شيء نحو هذا والجواب عنه واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه، واستنبط منه جواز المثاقفة لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب، قال عياض: وفيه جواز نظر النساء إلى فعل الرجال الأجانب لأنه إنما يكره لهن النظر إلى المحاسن والاستلذاذ بذلك، ومن تراجم البخاري عليه " باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة " وقال النووي: أما النظر بشهوة وعند خشية الفتنة فحرام اتفاقا، وأما بغير شهوة فالأصح أنه محرم. وأجاب عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل بلوغ عائشة، وهذا قد تقدمت الإشارة إلى ما فيه، قال: أو كانت تنظر إلى لعبهم بحرابهم لا إلى وجوههم وأبدانهم، وإن وقع بلا قصد أمكن أن تصرفه في الحال. انتهى. وقد تقدمت بقية فوائده في أبواب المساجد. وسيأتي بعد ستة أبواب وجه الجمع بين ترجمة البخاري هذا الباب والباب الآتي هناك حيث قال: "باب ما يكره من حمل السلاح في العيد " إن شاء الله تعالى.
(2/445)

3 - باب سُنَّةِ الْعِيدَيْنِ لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ
951- حدثنا حجاج قال حدثنا شعبة قال أخبرني زبيد قال سمعت الشعبي عن البراء قال ثم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال إن أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل فقد أصاب سنتنا
[الحديث951-أطرافه في:6673.5563.5560.5557.5556.5545.983.976.968.965.9 55]
952- حدثنا عبيد بن إسماعيل قال حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت ثم دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا
قوله: "باب سنة العيد لأهل الإسلام" كذا للأكثر، وقد اقتصر عليه الإسماعيلي في المستخرج وأبو نعيم وزاد أبو ذر عن الحموي في أول الترجمة " الدعاء في العيد " قال ابن رشيد أراه تصحيفا، وكأنه كان فيه اللعب في العيد، يعني فيناسب حديث عائشة وهو الثاني من حديثي الباب، ويحتمل أن يوجه بأن الدعاء بعد صلاة العيد يؤخذ حكمه من
(2/445)

جواز اللعب بعدها بطريق الأولى. وقد روى ابن عدي من حديث واثلة أنه " لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فقال: تقبل الله منا ومنك، فقال: نعم تقبل الله منا ومنك " وفي إسناده محمد بن إبراهيم الشامي وهو ضعيف، وقد تفرد به مرفوعا، وخولف فيه، فروى البيهقي من حديث عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "ذلك فعل أهل الكتابين " وإسناده ضعيف أيضا، وكأنه أراد أنه لم يصح فيه شيء. وروينا في " المحامليات " بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك " وأما مناسبة حديث عائشة للترجمة التي اقتصر عليها الأكثر فقد قيل: إنها من قوله: "وهذا عيدنا " لإشعاره بالندب إلى ذلك، وفيه نظر لأن اللعب لا يوصف بالندبية، لكن يقربه أن المباح قد يرتفع بالنية إلى درجة ما يثاب عليه، ويحتمل أن يكون المراد أن تقديم العبادة على اللعب سنة أهل الإسلام، أو تحمل " السنة " في الترجمة على المعنى اللغوي. وأما حديث البراء فهو طرف من حديث سيأتي بتمامه بعد باب، وحجاج المذكور في الإسناد هو ابن منهال. واستشكل الزين بن المنير مناسبته للترجمة من حيث أنه قال فيها العيدين بالتثنية مع أنها لا تتعلق إلا بعيد النحر، وأجاب بأن في قوله: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي " إشعارا بأن الصلاة ذلك اليوم هي الأمر المهم، وأن ما سواها من الخطبة والنحر والذكر وغير ذلك من أعمال البر يوم النحر فبطريق التبع، وهذا القدر مشترك بين العيدين، فحسن أن لا تفرد الترجمة بعيد النحر. انتهى. وقد تقدم الكلام على حديث عائشة مستوفي في الباب الذي قبله.
(2/446)

4 - باب الأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ
953- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَقَالَ مُرَجَّأُ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا "
قوله: "باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج" أي إلى صلاة العيد. قوله: "أخبرنا عبيد الله" هو بالتصغير، وفي نسخة الصغاني " حدثنا عبد الله بن أنس " بحذف أبي بكر، هكذا رواه سعيد بن سليمان عن هشيم، وتابعه أبو الربيع الزهراني عند الإسماعيلي، وجبارة ابن المغلس عند ابن ماجه، ورواه عن هشيم قتيبة عند الترمذي، وأحمد بن منيع عند ابن خزيمة، وأبو بكر ابن أبي شيبة عند ابن حبان والإسماعيلي، وعمرو بن عون عند الحاكم فقالوا كلهم " عن هشيم عن محمد ابن إسحاق عن حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس " قال الترمذي صحيح غريب، وأعله الإسماعيلي بأن هشيما مدلس، وقد اختلف عليه فيه، وابن إسحاق ليس من شرط البخاري. قلت: وهي علة غير قادحة لأن هشيما قد صرح فيه بالإخبار فأمن تدليسه، ولهذا نزل فيه البخاري درجة لأن سعيد بن سليمان من شيوخه، وقد أخرج هذا الحديث عنه بواسطة لكونه لم يسمعه منه ولم يلق من أصحاب هشيم مع كثرة من لقيه منهم من يحدث به مصرحا عنه فيه بالإخبار، وقد جزم أبو مسعود الدمشقي بأنه كان عند هشيم على الوجهين، وأن أصحاب هشيم القدماء كانوا يروونه عنه على الوجه الأول فلا تضر طريق ابن إسحاق المذكورة، قال البيهقي: ويؤكد ذلك أن سعيد بن سليمان قد رواه عن هشيم على الوجهين، ثم ساقه من رواية معاذ بن المثنى عنه عن هشيم بالإسنادين المذكورين فرجح
(2/446)

صنيع البخاري، ويؤيد ذلك متابعة مرجى بن رجاء لهشيم على روايته له عن عبيد الله بن أبي بكر، وقد علقها البخاري هنا، وأفادت ثلاث فوائد: الأولى هذه، والثانية تصريح عبيد الله فيه بالإخبار عن أنس، والثالثة تقييد الأكل بكونه وترا. وقد وصلها ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق أبي النضر عن مرجى بلفظ: "يخرج " بدل " يغدو " والباقي مثل لفظ هشيم وفيه الزيادة، وكذا وصله أبو ذر في زياداته في الصحيح عن أبي حامد بن نعيم عن الحسين بن محمد بن مصعب عن أبي داود السنجي عن أبي النضر، وأخرجه الإمام أحمد عن حرمي بن عمارة عن مرجى بلفظ: "ويأكلهن أفرادا " ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في تاريخه، وله راو ثالث عن عبيد الله بن أبي بكر أخرجه الإسماعيلي أيضا وابن حبان والحاكم من رواية عتبة بن حميد عنه بلفظ: "ما خرج يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل من ذلك أو أكثر وترا، وهي أصرح في المداومة على ذلك، قال المهلب: الحكمة في الأكل قبل الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد، فكأنه أراد سد هذه الذريعة. وقال غيره: لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى، ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك، ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع، وأشار إلى ذلك ابن أبي جمرة. وقال بعض المالكية: لما كان المعتكف لا يتم اعتكافه حتى يغدو إلى المصلى قبل انصرافه إلى بيته خشي أن يعتمد في هذا الجزء من النهار باعتبار استصحاب الصائم ما يعتمد من استصحاب الاعتكاف، ففرق بينهما بمشروعية الأكل قبل الغدو. وقيل لأن الشيطان الذي يحبس في رمضان لا يطلق إلا بعد صلاة العيد، فاستحب تعجيل الفطر بدارا إلى السلامة من وسوسته. وسيأتي توجيه آخر لابن المنير في الباب الذي بعده. وقال ابن قدامة: لا نعلم في استحباب تعجيل الأكل يوم الفطر اختلافا. انتهى. وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود التخيير فيه، وعن النخعي أيضا مثله. والحكمة في استحباب التمر لما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم، ولأن الحلو مما يوافق الإيمان ويعبر به المنام ويرق به القلب وهو أيسر من غيره، ومن ثم استحب بعض التابعين أنه يفطر على الحلو مطلقا كالعسل رواه ابن أبي شيبة عن معاوية بن قرة وابن سيرين وغيرهما، وروى فيه معنى آخر عن ابن عون أنه سأل عن ذلك فقال: إنه يحبس البول، هذا كله في حق من يقدر على ذلك وإلا فينبغي أن يفطر ولو على الماء ليحصل له شبه ما من الاتباع أشار إليه ابن أبي جمرة. وأما جعلهن وترا فقال المهلب: فللإشارة إلى وحدانية الله تعالى، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يفعله في جميع أموره تبركا بذلك. "تنبيه": مرجى بوزن معلى، وأبوه بلفظ رجاء ضد الخوف بصري مختلف في الاحتجاج به، وليس له في البخاري غير هذا الموضع الواحد.
(2/447)

5 - باب الأَكْلِ يَوْمَ النَّحْرِ
954- حدثنا مسدد قال حدثنا إسماعيل عن أيوب عن محمد عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم من ذبح قبل الصلاة فليعد فقام رجل فقال هذا يوم يشتهي فيه اللحم وذكر من جيرانه بالحق النبي صلى الله عليه وسلم صدقه قال وعندي جذعة أحب إلي من شاتي لحم فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم فلا أدري أبلغت الرخصة من سواه أم لا "
[الحديث954-أطرافه في:5561.5549.5546.984]
955- حدثنا عثمان قال حدثنا جرير عن منصور عن الشعبي عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال

يتبع