المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يقظة تركستان الشرقية وحقوقها علينا



doktortash
09-04-2009, 02:20 AM
يقظة تركستان الشرقية وحقوقها علينا

د. ابراهيم البيومى غانم/ أستاذ العلوم السياسية
منذ بدايات شهر يوليو الجاري تجددت حملات القمع والتنكيل التي يتعرض لها شعب الأويغور المسلم في تركستان الشرقية ـ التي تطلق عليها الصين زوراً اسم "سينكيانج" أي الإقليم الجديد ـ ومع تجدد أعمال الاضطهاد والعنف التي يتعرض لها مسلمو تركستان نكتشف نحن في العالم العربي أن هناك بلداناً وشعوباً إسلامية بأكملها كادت تسقط من ذاكرتنا التاريخية، وتغيب عن وعينا، أو بالأصح يغيب وعينا عنها مثلما هو غائب عن قضايا ومشكلات كثيرة تعانيها شعوب أمتنا الإسلامية في الشرق والغرب على السواء.
"تركستان الشرقية" يبلغ تعداد سكانها تسعة ملايين نسمة من مسلمي الأويغور حسب الإحصاءات الصينية الرسمية، ولكن مصادر الأويغور تقول إن تعدادهم يتراوح بين 25 و30 مليون نسمة. ومن حيث مساحتها الجغرافية فإن تركستان تساوي 1.650.000 كم2 أي ضعف مساحة تركيا، ومرة ونصف مثل مساحة جمهورية مصر العربية. وهي تتاخم سبع دول هي: كازاكستان، وقرغيزستان، وأوزبكستان، وأفغانستان، وباكستان والهند من جهة الغرب، ومنغوليا من جهة الشرق. ومن حيث مواردها وثرواتها الطبيعية تعتبر أغنى الأقاليم الداخلة قهراً تحت الحكم الصيني منذ سنة 1949 فهي منطقة زراعية بامتياز، وتنتج أغلب محاصيل الصين من القمح والقطن والذرة، كما أن بها أغنى حقول البترول ومناجم المعادن، وجبال الذهب والفضة، ومادة اليورانيوم التي تعتمد عليها الصين في إنتاج أسلحتها النووية.
أما من الناحية التاريخية والحضارية فتركستان الشرقية هي الموطن الأصلي للقبائل التركية التي خرجت منها قبلية آل عثمان بقيادة أرطغرل الذي خلفه ابنه الغازي عثمان الذي نسبت الدولة العثمانية إليه منذ بدايتها سنة 699هـ ـ 1299 م ، إلى نهايتها سنة 1343هـ ـ 1924م ، بعد أن كانت قد امتد من "كاشغر" الواقعة في تركستان حالياً، إلى قارات العالم القديم الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوربا.
كانت فرحة الأويغوريين غامرة عندما زار الرئيس التركي عبد الله جول اللعاصمة أورومتشي في مطلع يوليو الجاري. والسبب في فرحتهم هو أنها أول زيارة لرئيس تركي لهم منذ مائة سنة، وليس فقط هو أنه أشار في حديثه مع المسئولين الحكوميين في الإقليم إلى علاقات النسب والأخوة التي تربط الشعب التركي بالشعب الأويغوري وبسائر الشعوب التركية في "تركستان الغربية" التي تضم الدول الخمس المستقلة عن الاتحاد السوفييت السابق وهي: قرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وأذربيجان، وتركمانستان.
كانت الشرارة الأولى التي فجرت الأحداث الدامية التي لا تزال تركستان الشرقية تعيش مأساتها، هي وقوع مذبحة للأويغوريين الذين يعملون في أحد المصانع بمنطقة جوان شاو الواقعة في أقصى جنوب الصين وعلى بعد آلاف الكيلومترات من مسقط رأسهم في تركستان الشرقية بأقصى غرب الصين. ونظراً للتعتيم الإعلامي الرهيب الذي تفرضه الحكومة الصينية فإن الأنباء تضاربت حول حقيقة ما حدث، ويقال إن العمال الصينيين من عرقية الهان ـ صاحبة الهيمنة في البلاد ـ استمروا في ضرب وتعذيب العمال الأويغوريين من الساعة الحادية عشرة مساءً إلى الرابعة صباحا، فقتلوا منهم عشرين شخصاً، وجرحوا أكثر من مائة بجروح متفاوتة الخطورة. وعندما تسربت أنباء الحادث ووصلت إلى أهالي الضحايا في تركستان الشرقية انتظروا أحد عشر يوماً ليروا كيف ستتصرف الحكومة الصينية تجاه ما جرى، ولكنها لم تفعل شيئاً، وتواترت الأنباء أن الشرطة التي حاصرت المصنع بعد اندلاع المصادمات فيه تراخت ولم تتدخل، وتركت العمال الهان يقتلون ويعذبون الأويغور كما يشاؤون.
استمر صمت الحكومة الصينية أحد عشر يوماً لم تحرك فيها ساكنا من أجل معاقبة الجناة من عرقية الهان. وفي يوم 5 يوليو الجاري نظم ثلاثمائة طالب جامعي أويغوري مظاهرة سلمية في أورومتشي رافعين الأعلام الصينية ـ وليس أعلاماً خاصة انفصالية كما تدعي حكومة الصين ـ احتجاجاً على ما حدث، وطالبوا بالتحقيق فيما جرى. ولكن السلطات واجهتهم بعنف، فزاد عدد المتظاهرين ووصل حسب بعض التقديرات إلى أكثر من عشرة آلاف متظاهر، قتلت الشرطة منهم خلال أيام قليلة حوالي 200 شخص. ومن هنا انتشرت المظاهرات إلى مدن تركستانية أخرى مثل: كاشغر، وياركند، وأكسو، وخوتان،وغولجا، واتسع نطاق المواجهات وسقط مزيد من الضحايا بين قتلى وجرحى ومعتقلين.
الرواية الصينية التي تذيعها وسائل الإعلام الحكومية تشير إلى أن سبب اندلاع أحداث المصنع في منطقة جوان دونغ هو أن اثنين من العمال الأويغوريين هناك اغتصبوا فتاة من الهان، وعليه رد العمال الهانيون بضرب من ضربوا وقتل من قتلوا من العمال الأويغوريين. ومن الصعب التحقق من صدق هذه الرواية التي سربها الإعلام الصيني لتبرير ما حدث، وحتى على فرض صحتها ـ وهو فرض بعيد جداً عن الحقيقة ـ فإنها لا تبرر الموقف المتراخي للسلطات الرسمية في إدارة الأزمة والسيطرة على أعمال العنف الوحشي الذي راح ضحيته مئات القتلى من العمال الأبرياء فقط لأنهم من الأويغوريين المسلمين.
والثابت ـ على الجانب الآخر ـ هو أن الأويغوريين يتعرضون للاضطهاد المبرمج من جانب السلطات الصينية على مستويات محلية وإقليمية وفي عديد من المجالات، وقد رصدت تقارير حقوق الإنسان الدولية الكثير من ألوان الاضطهاد والانتهاكات التي يعاني منها الأويغورييون ومن ذلك على سبيل المثال:
ـ إجبار العمال الأويغور على العمل في مصانع تقع في أقاليم صينية نائية جداً عن موطنهم في تركستان الشرقية ، وبأجور أقل من قرنائهم من العرقيات الأخرى، وخاصة الهان ، وعدم السماح لهم بالاتصال بذويهم في تركستان.
ـ التفريق في محلات الإقامة والسكن بين العمال المرحلين إلى مناطق نائية وزوجاتهم المرافقات لهم، الأمر الذي يعرضهن لكثير من المضايقات ويشعرهن بالخوف الدائم من الوحدة واحتمال تعرضهن للاعتداء .
ـ عدم مراعاة تقاليد الطعام والشراب الخاصة بالعمال المسلمين الأويغوريين، وإجبارهم على تناول أطعمة وأشربة يرون أنها غير مباحة طبقاً لتعاليم الإسلام وأحكامه.
ـ إجبار الفتيات من بنات الأويغور ما بين15 ـ و25 سنة ، على الرحيل إلى مدن صينية نائية عن أهاليهن في تركستان الشرقية، وتشغيلهن كعاملات في المصانع لساعات طويلة، وبأجور متدنية، مع قطع وسائل الاتصال بينهن وبين ذويهن لسنوات متتالية، في إطار سياسة "تصيين الهوية التركية" وتذويبها في الهوية الهانية. وتشير بعض الإحصاءات غير الرسمية إلى أنه قد تم ترحيل 250.000 فتاة أويغورية خلال السنوات الثلاث الماضية فقط.
ـ حظر استعمال اللغة التركية في التعليم الجامعي. ومنع كل من هم دون سن الثامنة عشرة من دخول المساجد لأداء الصلاة في جميع أنحاء البلاد، وفي تركستان وحدها 22 ألف مسجد كلها موروثة من العهود الإسلامية القديمة . إضافة إلى حظر أداء الصلاة داخل محلات العمل أو المؤسسات العامة. وكذلك التعنت في الموافقة على منح تأشيرات للراغبين في أداء الحج والعمرة من أبناء تركستان الشرقية. تلك بعض الأمثلة فقط على ما يتعرض له مسلمو الأويغور في تركستان الشرقية، ليس اليوم فقط وإنما منذ عشرات السنين. وقد كان الأويغور ومسلمو الصين عامة هم أول ضحايا الصراعات داخل الصين، فسقط منهم مليون قتيل في الفترة من سنة 1929 إلى 1945 إبان الثورة الشيوعية، وعندما شن ماوتسي تونج الثورة الثقافية الصينية التي استمرت ثلاثين عاماً (1959ـ1979)؛ كان الأويغوريون هم أول ضحاياها؛ إذ لم تحترم تلك الثورة أية خصوصية لمسلمي الصين، ويكفي أن نشير إلى أنهم أجبروا على الامتثال للمشاركة في نظام "الأكل الجماعي"، والأحوال الشخصية؛ بما في ذلك أحكام الزواج والطلاق والمواريث، دون مراعاة لأية تعاليم أو أحكام خاصة بالمسلمين.
كان لذلك الاضطهاد المنظم والقمع العنيف الذي تعرضت له الأجيال الأكبر سناً من أبناء الأويغور أثر بالغ في غرس الخوف والرعب في قلوبهم في العقود الماضية، وخاصة أن أناتهم وشكاواهم لم يكن يسمع بها أحد. وفي رأي السيدة ربيعة قديرـ التي تقود المعارضة حالياً في الخارج باسم الأويغوريين ضد الظلم الصيني لأبناء قوميتها ـ أن الحكومة الصينية تشجع النزعة القومية لدى عرقية الهان بهدف إحلال الأفكار القومية محل الأيديولوجية الشيوعية التي سقطت في عقر دارها قبل عقدين من الزمن.
اليوم، تكشف ردات فعل الأويغوريين ضد المظالم التي يتعرضون لها عن أنهم متمسكون بإسلامهم، وبهويتهم التي ساهم الإسلام في تشكيلها ورسم ملامحها قبل أكثر من ألف سنة. ومع تكرار سياسات القمع الصيني ضدهم، ومع تطور وسائل الاتصالات، دبت روح اليقظة بين أبناء تركستان، وخاصة من جيل الشباب وطلاب الجامعات على وجه التحديد. وباتوا يدركون أنهم قادرون على رد الظلم عن أنفسهم، ووقف مسلسل العذاب الذي نال من أهاليهم على مدى عقود طويلة من الزمن. كما باتوا يدركون أنهم جزء لا يتجزأ من العالم التركي/ المسلم الذي يشهد هو الآخر يقظة كبيرة انطلاقاً من تركيا التي تضم اسطنبول العاصمة التاريخية للدولة العثمانية التي نبتت بذورها في أرض بلادهم "تركستان الشرقية". كما أن الأويغور جزء لا يتجزأ من جسد الأمة الإسلامية الممتد من طنجة غرباً إلى جاكرتا شرقاً، وبقي أن تتيقظ بقية الشعوب الإسلامية والعربية، وتجدد سدى التراحم ولحمته فيما بينها لرد العدوان والمحافظة على حقوقها في كل ميدان، وهذا من أبسط حقوق الأويغور علينا.

المصدر/ جريدة السبيل الأردنية
تاريخ النشر : 19/07/2009