المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا لتدريس (المنطق)



بكار
10-18-2009, 12:36 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


اطلعت على مقالة ( تدريس المنطق ضرورة لمنهجة التفكير) للأستاذ يوسف أبا الخيل في جريدة الرياض صفحة حروف وأفكار عدد (13797) ، وقبل البدء بالتعقيب على مقالة الأستاذ يوسف أود أن أجمل أبرز الأفكار التي أوضحها الكاتب في مقالته حسب ترتيب السياق :
1- اختزال مناهج التفكير في المنطق وحده وأنه يعصم من الزلل في التفكير وأنه لابد منه لكل باحث !! .
2- ارجاع سبب تخلف المسلمين عن ركب المنطق إلى العلماء الذين قالوا (من تمنطق فقد تزندق) وأنه (من علوم الكفار)!
3- ثناء الكاتب على المنطق الأرسطي نسبة إلى المعلم الأول أرسطو وشرحه لأسلوبه في كونه منطق يعتمد على مقدمتين يبنى عليهما نتيجته وذكر المثال: كل إنسان فان, وبما أن سقراط إنسان فإن سقراط فان .
4- استشهاده بمقولة لابن رشد وكذلك أخرى لابن حزم في الثناء على المنطق ومنهجه .
5- توصية الكاتب بضرورة تدريس المنطق في مرحلتي الماجستير والدكتوراه لطلاب الشريعة وأصول الدين .
6- ثمة إشارات من الكاتب إلى تنقص خصوم المنطق والفلسفة وأنهم أعطوا وجهاً كالحاً للمنطق!! وأن تعثر المنطق في الثقافة العربية كونه من (علوم الكفار)! وبسبب قوة وسيطرة التيار البياني في نسخته التقليدية النصية!! يعني بذلك (مدرسة أهل الأثر) .
ولعلي ابتداءً أثني على الكاتب الأستاذ يوسف أبا الخيل في جودة ترتيب أفكاره وتسلسلها بغض النظر عن موافقتنا له أو مخالفتنا .
ثم لعلي أنطلق من فكرة أوردها أشاطره الرأي فيها وهي ذم المنطق من قبل علماء المسلمين أو بتعبير أكثر دقة نقد المنطق لا سيما المنطق الأرسطي . فقد سبق علماء الإسلام علماء أوربا بقرون في نقدهم للمنطق الأرسطي ولعل حامل الراية في هذا شيخ الإسلام ابن تيمية فلقد ألف كتاب (نقض المنطق)، وكتاب (الرد على المنطقيين) وهو من أعظم الكتب في التراث الفكري الإسلامي بل التراث الإنساني كافة .

وأول قضية يحاول ابن تيمية أن ينفيها في رده على المنطق اليوناني هي الزعم بأن هذا المنطق لابد منه لكل باحث وعالم !! (خلافاً لما يدعو له أبا لخيل هنا) وابن تيمية لا يكتفي بإصدار الفتاوى بالتحريم كما فعل بعض العلماء . بل يكشف بطريقة منهجية فساد هذا المنطق ولعل من الأهمية أن نوضح المنطق الأرسطي وأن المدرسيين (المشائيين) من أتباع أرسطو كانوا ساخطين على التجربة وبعيدين عن مواجهة الطبيعة ومعالجة الواقع بل محاربين لها لأن الطريقة المنطقية - في زعمهم - تكفي في معرفة القواعد التي تخضع لها الأشياء !

ومن الطريف أن أرسطو كان يعتقد أن أسنان الرجل أكثر من أسنان المرأة!! و لو أنه كلف زوجته أن تفتح فمها لأدرك خطأ مقولته ! لكن ذلك خروج من القياس إلى التجربة وهو ما لا يروقه !
وطالما صرح ابن تيمية بأن المنطق اليوناني ( لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد!) ، ولقد لخص ابن تيمية رأيه في المنطق اليوناني بقوله : "فإذا كانت صناعتهم بين معلوم لا يحتاج إلى القياس المنطقي، وبين مالا يمكنهم أن يستعملوا فيه القياس المنطقي كان عديم الفائدة" .
وممن نقد المنطق الأرسطي وهو ليس من التيار البياني في نسخته التقليدية النصية !! بل ليس من المسلمين ! (فرانسيس بيكون ت 1626) و (جون ستيورات مل 72) و (جون لوك) .
يقول الدكتور الشيعي العراقي على الوردي: "وصل نقد المنطق على يد ابن تيمية إلى القمة ... إن العلوم الطبيعية في نظر ابن تيمية تجريبية أكثر مما هي قياسية" .
وهذه ما يقرره الدكتور مصطفى طبا طبائي وهو شيعي إيراني في كتابه القيم (المفكرون الإسلاميون في مواجهة المنطق اليوناني, ص138) ، يقول : "... ابن تيمية عاش قبل فرنسيس بيكون بثلاثمائة عام، وقبل جون لوك وقبل جورج بركلي بأربعة قرون وقد سبقهم جميعاً في نقد المنطق" .
وابن تيمية هنا يتضح فيه قول الدكتور عبدالرحمن الوكيل : "... أما ابن تيمية فكان بين معجب لم يعن ببحث مناحي العظمة الفكرية للإمام ابن تيمية، وبين حاقد موتور يحاول طمس هذه العظمة وتلك العبقرية" .
يقول ابن خلدون عن المنطق (وأظنه ليس من العلماء النصيين في النسخة التقليدية) كما يقول أبا الخيل!! . يقول ابن خلدون : "إن كثيراً من فحول النظار في الخليقة يحصلون على المطالب في العلوم بدون صناعة المنطق" [المقدمة : ص49] .
وهذا الأمر مشاهد وأنظر على سبيل المثال دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت على البراجماتية ، وعلماءها من أفلس الناس في جانب الفلسفة ومع ذلك تجد معظم المخترعين العلماء لا يعرفون عن المنطق شيئاً ولم يضيرهم ذلك ولم يعيقهم عن التقدم والصناعة !! .
إن المنهج التجريبي الذي يرفل الغرب في ثيابه اليوم في العلوم الطبيعية كان من نتاج الفكر الإسلامي يقول (بريفولت) في كتابه (بناء الإنسانية) : "إن روجر بيكون - واضع المنهج التجريبي - درس اللغة العربية والعلم العربي في مدرسة أكسفورد على خلفاء معلميه العرب، وليس لروجر بيكون ولا فرنسيس بيكون الذي جاء بعده . الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي فلم يكن روجر بيكون إلا رسولاً من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوربا المسيحية" .
ومن المنصفين الغربيين الذين شهدوا بهذا كذلك (برانتل) ، ولعل من نافلة القول لدى المختصين أن أوربا لم تقم من كبوتها ولم تظهر نهضتها العلمية إلا بعد أن تخلصت من أغلال المنطق الأرسطي الذي يدعو الأستاذ يوسف أبا الخيل جامعتنا إلى تبنيه وأنه سبيل التقدم لكن إلى أين ؟ إنه التقدم إلى الوراء !!
ففي الوقت الذي يدعوا العلماء والممنهجين إلى أهمية المنهج التجريبي - خصم المنطق - وتبنيه لاسيما في العلوم الطبيعية دون الإنسانية ؛ يأتي الأستاذ أبا الخيل ليخالف هذا الزخم العلمي الضخم من العلماء المسلمين وغير المسلمين !! النصيين وغير النصيين ليقول : لا . المنطق أهم شيء وهو سبيل الخروج والنهوض وأداة التفكير المثلى !! بل يقرر أنه عدم الأخذ به سبب للتخلف ويعنف على عبارة (من تمنطق تزندق) ويسخر بمن قال أنه من علوم الكفار !!
إن المنطق الأرسطي ليست أداة متحررة من الثقافة بل هو إرث إغريقي قائمٌ على تصورات ومبادئ اليونان الوثنية ، ولقد تُرجم في عهد المأمون وكان معظم المترجمين من غير المسلمين من اليعاقبة والنساطرة واليزيدية وغيرهم . ولهذا ولما سبق جاءت الفتوى بتحريمه، وأظن أن من الموضوعية !! يا أستاذ يوسف عدم محاكمة الأفكار والعبارات مبتوتةً عن سياقها الموضوعي والزماني (من تمنطق تزندق) .

الواقع أن القائلين بالتحريم كابن تيمية وابن الصلاح والنووي قد تابعوا في ذلك الإمام الشافعي فقد أخرج النووي في ذم الكلام أن بشراً المريسي دخل على الشافعي فقال له الشافعي : أخبرني عما تدعوا إليه؟ أكتاب ناطق وفريضة مفترضة وسنةٌ قائمة وجدت عن السلف البحث فيه والسؤال ؟ قال بشر : لا إلا أنني لا يسعني خلافه، فقال الشافعي : أقررت بنفسك على الخطأ، فأين أنت من الكلام في الفقه والأخبار . فلما خرج قال : لا يفلح" [السيوطي : صون المنطق ، 1/35] ، وقد روي مثل ذلك عن الإمامين أبي حنيفة ومالك [السابق ،1/64]
أما لمز الأستاذ يوسف أبا الخيل في مقولة (علوم الكفار) وتنصيصه لى ذلك فإن كنت تقصد السخرية بهذا فلم يثبت عن المسلمين النهي عن الأخذ عن الكفار فيما هو من علوم الدنيا ومن النتاج البشري الذي لا يخالف العقيدة الإسلامية . وأهل السنة والجماعة من المسلمين من أشد الناس إنصافاً مع غيرهم وها هو عمرو بن العاص يثني على الروم : "إن فيهم لخصالاً أربعاً. إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرةً بعد فرةٍ وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسةً حسنةً جميلةً وأمنعهم من ظلم الملوك" (صحيح مسلم, كتاب الفتن وأشراط الساعة) .
أما إن كان الأستاذ يوسف يعّرض بـ (علوم الكفار) باعتراضه على كلمة الكفار فأظنه يحفظ سورة {قل يا أيها الكافرون} !! .
أما ثناؤه ثم شرحه للأسلوب القائم عليه المنطق الأرسطي وأنه يتألف من مقدمتين (الكبرى والصغرى) ثم النتيجة، فلعلي أنقل ما قال الدكتور محمود الدسوقي في (منهج البحث في العلوم الإنسانية) ومجمل كلامه أن المنطق الأرسطي لا يكسب علماً جديداً بل يدور في دائرة مغلقة ذلك أنه يهتم بأسلوب التفكير ولا يهتم بموضوع ومحتوى التفكير . ثم ذكر أنه يمكن أن تكون المقدمتان صحيحتين : والنتيجة خطأ ومثال ذلك (مثال جدلي) مقدمة كبرى : الحرية حق لكل إنسان، مقدمة صغرى : المجرم إنسان، (مقدمتان صحيحتان) النتيجة الحرية حق للمجرم (نتيجة خطأ) .
وقد تكون المقدمتان خاطئتين والنتيجة صحيحة . مثال ذلك : (المقدمة الكبرى) : كل إنسان حصان، (المقدمة الصغرى) : كل حصان عاقل؛ النتيجة : كل إنسان عاقل (نتيجة صحيحة) .

أما استشهاد الكاتب بمقولات عن ابن رشد وابن حزم، فابن رشد يقول عنه المستشرق مونك : "إنه لم يكن مبتكراً وأنه لا يختلف لا في القليل ولا في الكثير عن غيره من الفلاسفة الذين تأثروا بمذهب الأفلاطونية الحديثة" .
ثم يقول مونك: "... نعم ابن رشد مجرد ناقل وشارح لأرسطو ومنطقه الذي يعد الآن منطق متخلف أصبح من الذكريات" (نصوص ومصطلحات فلسفية ص172) .
وحسبك أن مونك وقبله بيكون وبيكون الآخر وستيورات مل وجون لوك وغيرهم وهم الورثة الشرعيون للإرث الإغريقي قد لفظوه ورموا به عرض الحائط !
أما ابن حزم رحمه الله وهو من علماء الإسلام الكبار وحسبك من مؤلفاته : (الفصل في الملل والنحل) في العقائد و(المحلى) في الفقه . فقد كان يرى ضرورة تعلم المنطق بالرغم من عدم قبوله لقياس العلة وللقياس كمصدر ثانوي للتشريع في الإسلام ولكن ابن حزم كما يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الصاعدي أن ابن حزم أعرض عنه وتركه في آخر حياته،،وقد سبقه في هذا الغزالي, فقد كان شديد الثقة بالمنطق وكتب كتاباً فيه سماه (القسطاس المستقيم) زعم فيه أنه تعلمه من الأنبياء، وإنما تعلمه من ابن سينا، وابن سينا تعلمه من كتب أرسطو، وإن كان الغزالي في آخر حياته رجع عن ذلك وبين عيب المنطق ولوازمه الفاسدة ونهى عنه، وحذر منه . [انظر : الرد على المنطقيين (14 - 15) لابن تيمية] ، و [المنقذ من الضلال للغزالي : 66-99] .
ثم بعد ذلك أود أن أوضح أن المنطق يدرس في مرحلة الدكتوراه في الأقسام الشرعية، ففي قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود على سبيل المثال هناك مقرر المنطق ولكن يدرس ويُنقد لا يدرس ليُمجد ! لا للشيء إلا أنه جاء من غير التيار البياني في نسخته التقليدية !! الذين نتشرف بالانتماء إليهم .

أخيراً : إنني إذ أشكر الأستاذ يوسف أبا الخيل على طرح مثل هذه الموضوعات النخبوية أرجو أن يتقبل النقد والتعقيب بصدر رحب ، لكن لتتذكر قول الأول : علمت شيئاً وغابت عنك أشياءُ .


إضاءة :

ماذا أحدِّثُ عن صنعاء يا أبتي! مليحةٌ عاشقاها السلُ والجربُ
منقــــــــــــول
http://www.alqlm.com/index.cfm?method=home.con&ContentId=320

عمر الأنصاري
10-18-2009, 01:20 AM
موضوع قيم

جزاك الله خير

InTiK
10-18-2009, 01:36 AM
نقدك للمنطق هو تاسيس لمنطق جديد وما نقد ابن تيمية للمنطق الا كتاسيس لمنطق جديد
فابن تيمية كان ينتقد المنطق الارسطي لان المنطق كما تعلم قد انتقل الى المسلمين ممزوجا بالفسلفة الوجودية اي بكلمة اخرى ممزوجا باراء ووجهات نظر الفلاسفة اليونانيين ...فابن تيمية ينتقد بعض الفلاسفة المسلمين كالفارابي مثلااللذي اتبع افلوطين في القول بنظرية الفيض .
فالمنطق بعيدا عن اراء ووجهات نظر الفلاسفة هو علم يحتاجه كل باحث ومفكر لصيانة فكره من الزيغ والضلال .

riozaki
10-18-2009, 01:56 AM
الاسلام يتجاوز ويحوي ويتخطى المنطق ولا اشكال
أما من ما زال كابن تيمية يرى المنطق برؤية معينة أو يدعو لتركه ، فهذا ليس ذنب الاسلام
(...)



اقرأ الموضوع أولا قبل أن تنتقد صاحبه
ودعك من الألفاظ المسيئة، فأنت مسلم وتُخاطب مسلما وما تفعله هاهنا ليس من منهج الإسلام في شيء
مشرف 3

عياض
10-18-2009, 06:12 AM
مقال قيم جزاك الله خيرا...المقصود بالمنطق هنا ليس مطلق المنطق العقلي..و انما هو من جهة موجه للدعاة للعودة لتبني المنطق الأرسطي الوسطوي بعد ان لفظه ابناؤه أنفسهم و مقولة اعتبار هذا المنطق الهرم العجوز البالي الفاني مرة أخرى ضمانة للتفكير السليم...فبعد أن تلقى ضربات هيغل و هيوم و لوك و بيكون و باقي التيار التجريبي و سددت اليه ضربات اقوى من بيركلي ثم نيتشه ثم توالت عليه المدارس الوضعية في بحثها عن المنطق الجامع لطرائق التفكير في كل الميادين ..فمزقت البقية البقية من اسطورة كون المنطق الأرسطي هو معيار الزلل و العاصم للتفكير من الخطأ..حتى بات أشلاءا مع هوسرل و هايدغر وهايزنبرغ و فوكو ممن كان مجرد ذكر ان منطقا ما أي منطق- دع عنك المنطق الأرسطي التحفة- هو ضمانة من الزلل ...مجرد ذكر هذا يثير عندهم الشفقة على قائله ...هذا في الفلسفة التي لم يعد لها حضور كبير أصلا على أرض الواقع حتى بعد تحررها الشبه التام من أغلال الارث الأرسطي...أما في الفيزياء و العلوم الطبيعية و غيرها فلم يرفعوا قط رأسا للمنطق الأرسطي لا قديما و لا حديثا...بل لم يرفعوا رأسا حتى للرياضيات النظرية و التي ما زالت بها بعض شوائب هذا المنطق..فكيف بالمنطق الأرسطي نفسه؟؟؟ فالتشبت بمنطق خرافي قديم أكل عليه الدهر و شرب و تتويجه مرة اخرى ملكا على مناهج البحث و التعليم هي أكبر السخافات عندهم قبل ان تكون عندنا...و أعجب كيف لأبي الخيل و بقية الزمرة يريدون اقناعنا بهذه الطريقة المفضوحة و التي توقف حتى المستشرقون من ممارستها و كاننا معزولون و كأنهم فقط من يقرأ و يدري....