المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة كشف الشخصيات (17) : ماركوز



حازم
06-07-2005, 07:44 PM
بقلم : سليمان الخراشى

ماركوز وآراؤه الثورية :

( 1 )

من هو ماركوز ؟ ([1])

هو «هربرت مرقس. أو ماركوز » فيلسوف يهودي معاصر، ألماني المولد، أمريكي النشأة. عاش من سنة (1898 إلى 1979م). استخدم طريقة نقد الفكر الحديث في علاقته بالمجتمع الحديث، فكان من أشد نقاده. وكان له بسبب ذلك تأثير سياسي فعال بالغرب. أخذ أتباعه يمجدونه حتى رفعوه إلى مصاف أنبياء بني إسرائيل. له كتاب «فلسفة النفي » وكتاب «الحب والحضارة ».

وأصدر سنة (1964م) كتابًا باسم « الإنسان ذو النظرة الواحدة » أو ذو البعد الواحد. دعا فيه إلى قيام جمهورية القلة، التي تمارس العقلانية بواسطة الصفوة، ووجه هذه الصفوة لاستغلال الحركات الطلابية الثورية، ولاستغلال المنبوذين، والخوارج، والمستغلين، والمضطهدين من مختلف الأجناس والعناصر والألوان، والعاطلين عن العمل، وغير القادرين عليه، للقيام بعمل ثوري جذري يحقق هذا الهدف، وتلتقي فيه أشد قُوى الوعي الإنساني المتمثلة بالصفوة، بأشد العناصر البشرية تعرضًا للاستغلال، أو الاضطهاد، والتي يمكن دفعها للثورة الهائجة، واستغلال ثورتها .

وروجت وسائل النشر والإعلام اليهودية لكتاب « ماركوز » هذا ترويجًا عظيمًا، وحولت «ماركوز » من أستاذ جامعي اشتهر بتفسير فلسفة «هيجل » إلى شخصية دولية، يستشهد به ويتتلمذ عليه بعض اليساريين، ويعتبرونه قديسهم الفكري .

ومعلوم أن الدعاية لتمجيد الأشخاص هدفها المعاصر التمجيد بأفكارهم وآرائهم، والتأثير بذلك على الجماهير حتى تؤمن بها، وتنساق وراء قادتها .

( 2 )

دوافع آرائه :

رأى شياطين اليهود الموجهون لمنظماتهم، والمخططون لحركاتهم في العالم، أنهم قد حققوا في الشرق والغرب قسمًا كبيرًا من مخططهم الرامي إلى هدم الدين والأخلاق، وإطلاق حرية الفكر، وحرية الجنس والحب، وحرية اختيار أسلوب العيش مهما كان فوضويًا .

فقد أسسوا الشيوعية وأقاموا ثورتها في الشرق، فتمكنوا من الهيمنة على ناصية دولتها الكبرى .

وسيطروا اقتصاديًا وسياسيًا وإعلاميًا وثقافيًا على الدول الرأسمالية والاشتراكية في الغرب.

وكان للعبث الفكري دوره التمهيدي العظيم في ذلك، وهو الذي صاغه أئمة منهم أمثال: «ماركس، وفرويد، ودوركايم » ونشرته مؤسساتهم وأجهزتهم السياسية والإعلامية والتعليمية .

بقي عليهم أن يحضروا لإقامة الثورات السياسة، ليركبوا صهواتها، ويصلوا فعلاً إلى قمة حكم ديكتاتوري صارم، يحكمون به دول العالم الغربي، تحت ستار حث الصفوة من المثقفين لاستغلال الحركات الطلابية الثورية، ولتحريك المنبوذين والمشردين والهيبيين والعاطلين ومن إليهم للقيام بالثورة المطلوبة .

وإذا حكموا دول العالم الغربي حكموا من بعد ذلك سائر دول العالم، فالقوتان الكبريان تكونان يومئذٍ تحت سلطانهم .

فدفعوا «ماركوز » أحد رجالهم المتخصصين في الدراسات الفلسفية، لنشر أفكار جديدة، ذات صيغة فلسفية، من شأنها إغراء المثقفين التحريين من كل القيم التقليدية، الذين يتخذون الوجودية والإلحاد بالرب الخالق مذهبًا لهم في الحياة، ويؤمنون بحرية الجنس ومشاعيته، وبحرية الفكر مهما انطلق في عبثه، ويستمتعون بأسلوب العيش الفوضوي الذي لا ضابط له ولا نظام، ويؤثرون الانطلاق البهمي، ولكن بنوازع وغرائز بشرية .

ولكن ما هو المطلوب إغراء هؤلاء به، ودفعهم إليه ؟

المطلوب إغراؤهم به هو التحرك للاستيلاء على الحكم، وإقناعهم بأن الجيش الثوري الذي يمكن أن يستخدموه جسرًا يوصلهم إلى هذه الغاية، يؤلف من الحركات الطلابية الثورية، ومن فئات المنبوذين، والخارجين على تقاليـــد المجتمع، ولا يقيمـــون وزنًا لدين، أو خلقٍ، أو عرف، أو قاعدة اجتماعية، أو فضيلــــة خلقية، ويعرفون بالهبيين ([2]) والبوهيميين ([3]).

ومذهبهم الانعزالي يجعلهم ينفصلون عن الجماهير الواسعة، ثم يكون معهم المستغلون، والمضطهدون من قبل مجتمعاتهم، لأي سبب من الأسباب العرقية أو اللونية أو السلوكية أو غير ذلك، ومعهم أيضًا سائر المجرمين في الأرض .

أما طريقة الحكم بعد الظفر به، فينبغي أن تكون ديكتاتورية صارمة .

ولكن المكر اليهودي سيكون وراء كل هؤلاء الثوريين، إذ يتخذهم جميعًا مطايا، وهذه المطايا ستتساقط مطية فمطية، ويأكل منها اللاحق السابق، حتى تحين الفرصة المواتية لشياطين المكر المتربصين، وعندئذ سيكون شياطين المكر اليهودي هم الديكتاتوريين الحقيقيين، القابضين على كل مراكز القوة، والملوك الفعليين، الذين احتالوا للظفر بملك العالم بوسائل التضليل الفكري، والثورات التي تلتهب نيرانها بأجساد الحمقى الذين جعلوا أنفسهم مطايا لشياطين اليهود .

ويتوهم اليهود أنهم إذا حققوا هذا المخطط الأخير ملكوا الدنيا ملكًا علينًا صريحًا، واستعبدوا الشعوب بديكتاورية صارمة. لكن الله عز وجل لن يظفرهم بذلك، بل سيعيدهم إلى الوضع الذي هو القاعدة بالنسبة إليهم وما سواها شذوذ عنها .

( 3 )

ما يهمنا عرضه من آراء « ماركوز » وأفكاره :

1 – مهد لأفكاره برسم صورة لواقع مجتمعات الدول الصناعية الراقية الغربية، وحاول أن يجد في هذا الواقع ما يمكن أن يطلق منه نيران الثورة على الإدارات الحاكمة داخل شعور هذه الدول .

2 – أما السلاح الناري الذي أراد تفجيره لدى المستعدين لأن يستجيبوا لأفكاره، فهو سلاح الحرية .

واستخدم لتفجيره زخرف القول الذي حاول فيه أن يضع مفهومًا للحرية، إذ جعل الحرية قسمين: حرية سطحية تافهة لا قيمة لها، لكنها تخدر أصحابها، وتجعلهم يستكينون. وحرية حقيقية جوهرية، وهي التي يملك أصحابها إدارة أنفسهم بأنفسهم، دون أن يكون لأحد سلطان عليهم .

3 – حافظ في فلسفته التي عرضها على البناء الذي أسسه من قبله شياطين يهود، وهو البناء القائم على المادية الإلحادية الإباحية التحررية الفوضوية .

4 – أقام فلسفته المزيفة على دعامتين رئيسيتين :

الدعامة الأولى : فكرة مؤسس الشيوعية اليهودي « كارل ماركس » في «النظام الجماعي » الذي يمثله في الإدارة صفوة من الأفراد، وهي الفكرة التي تدعمها آراء عالم الاجتماع اليهودي «دوركايم » في خرافة « العقل الجمعي » التي سبق شرحها .

الدعامة الثانية : فكرة مؤسس مدرسة التحليل النفسي، اليهودي «فرويد »، القائمة على توحيد الدوافع الإنسانية كلها بالدافع الجنسي، ووجوب إطلاق هذا الدافع ليحقق رغباته، دون أية قيود دينية أو خلقية أو قواعد وأنظمة وعادات اجتماعية، أو غير ذلك.

5 – أبان في رسمه لصورة واقع مجتمعات الدول الرأسمالية الغربية، أن تقنية «تكنولوجيا » المجتمعات الصناعية الراقية، قد جعلت في وسع هذه المجتمعات أن تزيل التناقضات الموجودة فيها، وذلك من خلال استيعاب جميع أولئك الذين كانوا في ظل الأنظمة الاجتماعية السابقة يشكلون قوى انشقاقية، وأصواتًا رافضة .

وقد حصل هذا الاستيعاب بسبب الكفاية والوفرة المادية، وتحرر الكثرة الكاثرة من الحاجة المادية، فلم تعد هذه الحاجة المادية تضغط عليهم، لتطلق منهم أصوات الرفض للواقع الذي يعيشونه، وتشكل منهم القوى الانشقاقية عن المجتمع .

لكن تلبية احتياجات الناس المادية، التي أزالت أسباب انشقاقهم واحتجاجاتهم وتمردهم، قد ولدت لديهم العبودية والاستكانة لإدارتهم الحاكمة، وطبقاتهم المالكة لرؤوس الأموال، فغدوا أدوات سلبية للنظام السائد، يدعمون استمراره باستكانتهم، وبرضاهم بما حققه لهم من سعادة مادية، وبعدم قيامهم بأي احتجاج أو رفض، أو تحرك لإحداث قوى منشقة.

لكن هذه السعادة التي نالوها، واستكانوا بسب تخديرها لهم سعادة سطحية وهمية مزيفة. مثلها كمثل الدعايات التجارية حينما تتوسل لإغراء الجماهير بالرسوم والصور الجنسية، دون أن تحقق لهم الإشباع الجنسي الحقيقي الذي يتطلبونه .

وزعم « ماركوز » أن لدى الإنسان قسمين من الاحتياجات :

القسم الأول : الاحتياجات الحقيقية .

القسم الثاني : الاحتياجات الزائفة .

وزعم أن الاحتياجات الزائفة في حياة الإنسان، هي التي يتم بها إخضاع الفرد، وحرمانه من حريته الحقيقية، التي هي إدارة نفسه بنفسه، وعدم استكانته وخضوعه لأية سلطة مهما كانت .

فالكفاية والوفرة قد كان من نتائجها توليد الاستكانة والخضوع والعبودية لدى المجتمعات الغربية، بسب ما حققتا لها من تأمين احتياجاتها الزائفة السطحية، القائمة على سعادة الجسد ومتعته، وهي سعادة زائفة، لكنها بسبب ذلك تخدرت فلم تعد تنشد احتياجاتها الحقيقية، وهي حريتها الحقيقية، التي يكون الإنسان فيها سيد نفسه بنفسه لا يخضع معها لأحد .

لكنّ مصلحة الإنسان الحقيقية إنما تتمثل بحصوله على احتياجاته الحقيقية، وهذه مسؤولية الصفوة المثقفة الواعية .

إذ أن الأكثرية من الناس قد أصبحوا راضين تمامًا عن مجتمع الكفاية والوفرة، وسعداء بما تقدمه الإدارة لهم من سلع وخدمات، والعامل لا يشعر بأن رئيسه يتفوق عليه في مأكل أو مشرب أو ملبس أو مركب، حتى إنهما يشاهدان برامج تليفزيونية واحدة، ويقرآن جريدة واحدة، ويرتادان أماكن الترويح عن النفس بمستوى واحد .

ولا يعني هذا زوال الطبقات، بل هو يدل على المدى الذي يمكن أن يصل إليه إشباع الحاجات، الذي يخدم هدف الحافظ على السلام الاجتماعي ([4]) .

يضاف إلى ذلك أن الإدارة استطاعت أن تمتص كل أوقات فراغ هذا المجتمع الصناعي الراقي، فأوقات فراغ الناس فيه لم تعد حرة برغم ازدهارها ضمنه .

وأظهر «ماركوز » استياءه من أن ظروف العمل في المجتمع الصناعي الراقي تميل إلى جعل العامل سلبيًا، وتقضي على أي شعور لديه بمعارضة النظام، وأن ما تستحدثه الدولة من مؤسسات تنشد بها الإصلاح الاجتماعي، يكون في الوقت نفسه وسيلتها للسيطرة على حياة الذين ينعمون بفوائد ومزايا هذه المؤسسات، بسبب هيمنتها على مستوى معيشتهم ([5])، وكلما زاد استهلاك الناس كان ذلك ادعى إلى إضعاف حوافز تقرير المصير. سواء في ذلك الدولة الصناعية الغربية والدولة الشيوعية .

6 – ورأى «مركوز » أن هذا الواقع في المجتمع الصناعي الراقي، يمكن أن يكون مدخلاً إلى مستقبل ينتهي فيه النزاع بين الطبقات، ذلك لأن المجتمع الصناعي الراقي، هو بحق نظام توازن القوى الذي يتحقق بسيطرة النخبة من المتنافسين على الحكم، ولا يمكن أن يكون حكم النخبة من السياسيين إلا انعكاسًا لصالح هذا النظام، الذي يتمتع فيه أفراد النخبة بما يقرب من السيطرة التامة عليه .

وهذا أمر يسوؤه ويغيظ المخطط اليهودي العالمي .

7 – ويرى «ماركوز » أن الوارث الطبيعي للنظام الحر «الليبرالي » ([6]) الذي أخذ الغرب يطبقه في ديمقراطياته، هو النظام الجماعي « التوتاليتاري » ([7]) أي: النظام الاستبدادي باسم الجماعة .

قال: وهذا النظام هو المسيطر حاليًا على الأفكار الصناعية الراقية، ومعنى ذلك أن النظاميين الشيوعي والغربي متشابهان، أو أنه يوجد في النظام الغربي قوى متناهية، يمكن أن تعتبر مماثلة للنظام الفاشي أو الشيوعي .

لكن «التوتاليتارية » أي: الاستبدادية الغربية لا تعبر عن نفسها من خلال الحكم «الديكتاتوري » الاستبدادي الصريح، بل من خلال القضاء على الثقافة القديمة والفن القديم، بالمؤسسات الحديثة، التي من شأنها تصفية الإنسان ذي النظرتين، ليحل محله الإنسان ذو النظرة الواحدة، ومن هنا أخذ « ماركوز » عنوان كتابه « الإنسان ذو النظرة الوحدة ».

ويعني بالنظرة الواحدة نظرة الإنسان إلى حاجاته الجسدية، وإهماله لحاجاته الحقيقية، التي تتحقق بحريته الحقيقية في أن يكون سيد نفسه بنفسه، لا يخضع لأحد، ولا يستكين لأحد. (أي: إن الثقافة الغربية جعلت الإنسان الغربي لا ينظر إلا بعين احتياجاته الجسدية المادية فقط) .

ورأى أن اللغة المعاصرة في المجتمعات الغربية، قد انحطت حتى صارت خادمة للنظام الجماعي «التوتاليتاري » الغربي المعاصر، فقد غدت مجرد اختصارات ورموز لأشياء مادية، حتى الرغبة الجنسية بإطلاقها وإشباعها بطريقة سطحية، قد صارت من الأدوات الخادمة للنظام الاستبدادي القادم، على ما خلاف ما كان يقصد إليه «فرويد ».

8 – بعد أن عرض « ماركوز » تصوراته السالفة عن المجتمعات الغربية، رأى أنه قد هيأ ما يلزم لتوجيه مخططه الثوري، ويبرز ذلك بالنقاط التالية :

· إن مصلحة الإنسان الحقيقية إنما تتحقق بحصوله على احتياجاته الحقيقية، التي تكون بحريته في إدارة نفسه بنفسه، وبأن يكون هو سيد نفسه بنفسه، لا سلطان لأحد عليه .

· لكنّ الجماهير في المجتمعات الغربية الصناعية الراقية قد أصبحت راضية سعيدة، مخدرة بما تقدم لها هذه المجتمعات من تأمين احتياجاتها السطحية الزائفة .

· فمسؤولية إيصال هذه الجماهير الراضية المخدرة بأمور زائفة، للمستوى الذي تحصل فيه على احتياجاتها الحقيقية، إنما تقع على الصفوة الواعية من الناس، فهي التي تستطيع تغيير هذا الواقع، وتحقيق الأمر المنشود، لأنها هي الأكثر وعيًا بمتطلبات العصر وبمتطلبات الأكثرية.

· ولا سبيل أمام الصفوة لتأسيس مجتمع المستقبل القائم على العقلانية والتحرير والتسامح إلا بالثورة والاستيلاء على مقاليد الحكم، وإعلان ديكتاتورية الأقلية .

· ووسيلة الصفوة إلى ذلك القوى الثورية الحقيقية، وتتألف عالميًا من الحركات الطلابية، وأنصار جهات التحرير والثورة الثقافية .

وخصص « ماركوز » جزءًا من فلسفته، للثورة الطلابية، ونوه بطابعتها الجمالي الذي زعمه، وبلغتها التي أطلق عليه اسم لغة الروح ولغة الثقافة «الهيبة ».

· وتبرز في اليسار الذي ينتمي إليه « ماركوز » عناصر المنبوذين، والخارجين على تقاليد المجتمع، ولا يقيمون وزنًا لدين أو خلق أو عرف أو تقاليد أو عادات أو قواعد اجتماعية، ويعرفون بالهيبيين، والبوهيميين .

· وطبيعي أن تستغل الثورة عند قيامها كل المضطهدين والمستغلين من قبل مجتمعاتهم، لأي سبب من الأسباب، مع كل المجرمين في الأرض، لتحقق أهدافها .

( 4 )

كشف الزيف :

1 – إن أفكار «ماركوز » التي سبق عرض أهمها، لا تحتاج فيما أرى إلى باحث متعمق يكشف زيوفها، فكلها زيوف، وما فيها من صدق لا يتعدى بعض أوصاف ذكرها لواقع المجتمعات الغربية، وبعض أفكار .

2 – على أن الفكرة الأساسية التي أظهر حماسته من أجلها، وأراد إقامة الثورات على نظم المجتمعات الغربية وإداراتها، بسبب حرمان جماهير هذه المجتمعات منها، وهي ما أسماه بالاحتياجات الحقيقية إلى الحرية الحقيقية، في أن يكون الإنسان سيد نفسه بنفسه، لا سلطان لأحد عليه، وهي التي حرمته منها نظم المجتمعات الغربية وإداراتها، وجعلته بوسائلها التخديرية راضيًا سعيدًا، إذ منحته احتياجاته المادية الزائفة، فخدرته بها .

هذه الفكرة الأساسية التي من أجلها يريد أن يقيم الدنيا ويقعدها، لم يتضمن برنامج الثورة التي يدعو إلى تحقيقها، بل يتضمن تحقيق نقيضها تمامًا .

إن برنامج الثورة التي يدعو إليها يقرر إقامة الحكم المنشود على أساس ديكتاتورية الأقلية.

وحين يقام الحكم على أساس ديكتاتورية الأقلية، فماذا سيكون نصيب جماهير الأفراد من الحرية، سواء في احتياجاتهم الحقيقية أو الزائفة بحسب مزاعم «ماركوز »؟

إنهم بداهة وحتمًا سيكونون محرومين من كل لون من ألوان الحرية، كما هو الحال في ديكتاتورية الدول الشيوعية، المتسترة بقناع النظام الجماعي، وتأمين مصلحة الجماهير الكادحة.

3 – ما أظن أحدًا يخفى عليه أن العبث الفكري الذي عرضه وزخرفه لصغار العقول، إنما يقصد منه زلزلة المجتمعات الغربية، التي غدت جماهيرها العامة خاوية من المبادئ والقيم والعقائد التي تعصمها من عاديات زيوف فكرية، وأوبئة مذاهب هدامة، لتمكين القلة اليهودية المنظمة، من الظفر بحكم ديكتاتوري صارم، مستخدمة أجراءها وعملاءها، من مختلف هذه المجتمعات .

4 – هل رضا الشعوب بسعاداتها، التي تحققها لها أنظمة مجتمعاتها، يعتبر من سيئات هذه الأنظمة، أم من حسناتها ؟!

5 – هل يوجد بدليل حقيقي صالح يكون فيه كل فرد من الناس مالكًا لحريته التامة، التي يكون فيها سيد نفسه بنفسه من كل الوجوه ؟!

حين توجد هذه الحرية تعم الفوضى، ويكون الدمار، ويغلب الأقوياء المستبدون، وينقسم الناس إلى سادة وعبيد .

والبديل الذي طرحه « ماركوز » هو الديكتاتورية الصارمة، أي: الحرمان المطلق من كل الحريات .

6 – الأفكار الزيوف الكثيرة التي عرضها ضمن فلسفته، سبق في مواطن أخرى من هذا الكتاب كشفها، وبيان وجوه الحق فيها .

( المرجع : كواشف زيوف ، عبدالرحمن الميداني ، ص 393-404).



--------------------------------------------------------------------------------

([1] ) انظر: الموسوعة النقدية للفلسفة اليهودية. تأليف: « د. عبدالمنعم الحنفي » وغيرها من الموسوعات.

([2] ) من موسوعة لاروس الكبرى، طبعة لاروس. باريس 1975م الجزء 22 (Hippie - Hippy) كلمة أمريكية الأصل، وكانت تعني إيقاعًا معينًا في الجاز، ثم صارت تخص مدخن الماريجوان. والمعنى الشائع الحالي لها يطلق على أولئك الشباب الذين لهم طريقة معينة في الحياة (حياة جماعية فيها تقديس أو عبادة الطبيعة والحب والحرية الجنسية) ويعرفون بأزيائهم الغريبة وشعورهم الطويلة، ومعارضتهم لقيم المجتمع الغربي، ومنهم عرفت « الحركة الهبية ».

في الأصل الموسوعي: ظهرت الهيبة من حركة سابقة لها اسمها « بيتنيكس Beatniks » وهي تقوم على فلسفة عدم العنف، التي تصل أحيانًا إلى الحزن والاستسلام .

وقد ظهرت في سنوات الأربعين هاتان الحركتان في مدينة « سان فرانسيسكو » بينهم الكاتب «كيرواك » وعدد من الرسامين، ونجوم هيولويد الممزقين. وقد جذبت هذه الحركة الشباب الذين يرفضون العنف .

ظهرت الجمعيات الأولى للهبيين في السهول المحيطة بسان فرانسيسكو، وعاشوا بطريقة مستوحاة من تقاليد الهنود الحمر. وقد تحطمت الجمعيات الهيبية الأولى نتيجة استشراء الأمراض بينها، لاسيما السل. «مراجعة د. خلدون الحكيم ».

([3] ) البوهيمي: هو المتشرد، الذي لا يألف التوطن، ولا يطيق التقيد بالأنظمة المدنية، أو القواعد الدينية والأخلاقية، والضوابط الاجتماعية .

بوهيما : منطقة تسكنها جماعة من الكتاب والرسامين ومحبي الفن الذين يعيشون حياة بوهيمية .

البوهيمي : الغجري. الذي لا يقيم وزنًا للأعراف والقواعد الاجتماعية، كذلك الهيبي، وتطلق أيضًا على من كان على هذا المذهب كلمة : «خنفوس ».

([4] ) هو فيما يزينه من أفكار لا يريد الحفاظ على السلام الاجتماعي، بل يريد إيقاد نيران الثورة على المجتمع، والنظم القائمة، لتمكين شياطين اليهود من الوصول إلى حكم هذه المجتمعات الغربية حكمًا مباشرًا .

([5] ) يذكرنا هذا بمعارضة الشيوعيين دائمًا لأي إصلاح اجتماعي، لأن ذلك يضعف عوامل الثورة على النظم الاجتماعية والإدارية القائمة، وهي الثورة التي يخطط الشيوعيون لإقامتها، واستغلالها، وركوب موجتها وظفرهم بالحكم بعد ذلك، وإقامة دولتهم الشيوعية الديكتاتورية الصارمة .

([6] ) الليبرالي، منسوب إلى الليبرالية، أي الحرية، ففي جانب الفكر تؤكد على الحرية الفكرية. والليبرالية الاقتصادية: هي نظرية في الاقتصاد تؤكد على الحرية الفردية، وتقوم عادة على المنافسة الحرة. والليبرالية السياسية: فلسفة سياسية تقوم على فكرة استقلال الفرد الذاتي وتنادي بحماية الحريات السياسية والمدنية .

([7] ) التوتاليتاري : هو النظام الديكتاتوري الاستبدادي، (الكلي الشامل) والنظام التوتاليتاري ذو علاقة بنظام سياسي مبني على إخضاع الفرد للدولة، وعلى السيطرة الصارمة على جميع مظاهر حياة الأمة وطاقاتها المنتجة. ويبرر الاستبداد فيه بأنه نظام جماعي، تحكم فيه الجماعة عن طريق الصفوة منها.