المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدخل في حوار أهل الكتاب (1)



رياض الحمد
06-12-2005, 12:30 AM
- ( مدخل في حوار أهل الكتاب ) -
المبحث الأول: الحوار والجدل في اللغة والاصطلاح:
أولاً: الحوار والجدل في اللغة:
الحوار في اللغة ((تراجع الكلام)) . وفي ((لسان العرب)): ((وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام. والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة)) .
أما الجدل: فقال ابن فارس: ((الجيم والدال واللام أصل واحد وهو من باب استحكام الشيء في استرسال يكون فيه وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام)) .
ثانياً: الحوار والجدل في الاصطلاح:
الحوار في الاصطلاح: هو بنفس المعنى اللغوي السابق فهو إذاً: مراجعة للكلام بين طرفين أوأكثر دون وجود خصومة بينهم بالضرورة .
أما الجدل: فكما يعرفه الجويني هو: ((إظهار المتنازعين مقتضى نظرتهما على التدافع والتنافي بالعبارة أوما يقوم مقامهما من الإشارة والدلالة)) أهـ.
وتوجد ألفاظ قريبة من الحوار والجدال منها: المحاجة والمناظرة والمناقشة والمباحثة.
وبحثنا سيدور حول الجدال مع أهل الكتاب لا مع عموم الكفار والمشركين.
المبحث الثاني: أنواع المنكرين للجدال مع أهل الكتاب:
هناك إعراض من بعض المنتسبين للعلم عن دعوة ومواجهة أهل الكتاب. ودعا إلى ذلك جملة أسباب منها:
1- الركون إلى انتشار الإسلام.
2- أن الأصل في ذلك أنه من باب فروض الكفاية.
3- الاشتغال بالفروع الفقهية والتعصبات المذهبية وحصر جانب الجدال في باب المذاهب الفقهية الأربعة أوبين المعتزلة والأشاعرة أوأهل الكلام والفلاسفة.
وقد مرت فترات بالأمة ظهر فيها اشتغال مجرد بالعلم من قبل الطلبة وأهل العلم وهو اشتغال على مستوى الكتب والدراسة دون معرفة الواقع الذي يحتاج في كثير من مسائله إلى تفصيل وقول بعلم وعدل.
ولئن كانت تلك جملة من الأسباب التي منعت طوائف من أمة الإسلام عن الاشتغال بالرد على أهل الكتاب أوالحوار معهم فإنَّ هناك طوائف رأتْ أنَّ الباب يجب أنْ يغلق والنافذة يجب أن تسد فأنكرت الاشتغال بالرد عليهم من باب الشرع الذي دعاهم للقيام بالجدال والدعوة للإسلام!
فما هي أهم شبه هؤلاء وما هي أهم مرتكزاتهم؟
الشبهة الأولى: منع الجدال مع أهل الكتاب بناءً على ظهور دلائل النبوة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((… ومما يعجب منه أن بعض المنكرين لمجادلة الكفار بناءً على ظهور دلائل النبوة نجده هو ومن يعظمه من شيوخه الذين يعتمد في أصول النظر على نظرهم ومناظرتهم ويزعمون أنهم قرروا دلائل النبوة قد أوردوا من الشبهات والشكوك والمطاعن على دلائل النبوة ما يبلغ نحوثمانين سؤالاً وأجابوا عنه بأجوبة لا تصلح أن تكون جواباً في المسائل الظنية بل هي إلى تقرير شبه الطاعنين أقرب منها إلى تقرير أصول الدين …)) .
الشبهة الثانية: منع الجدال مع أهل الكتاب بناءً على نسخ آيات الجدال معهم بآيات السيف وفرضية الجهاد.
ردَّ شيخ الإسلام على أصحاب هذا الاتجاه من تسعة أوجه حررها في كتابه العظيم ((الجواب الصحيح)). يقول رحمه الله تعالى: ((فإنَّ من الناس من يقول: آيات المجادلة والمحاجة للكفار منسوخات بآية السيف لاعتقاده أن الأمر بالقتال المشروع ينافي المجادلة المشروعة وهذا غلط فإنَّ النسخ إنما يكون إذا كان الحكم الناسخ مناقضاً للحكم المنسوخ كمناقضة الأمر باستقبال المسجد الحرام في الصلاة للأمر باستقبال بيت المقدس بالشام …))
ثم قال رحمه الله تعالى: ((… وقوله: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [سورة العنكبوت 29/46] فهذا لا يناقض الأمر بجهاد من أمر بجهاده منهم ولكن الأمر بالقتال يناقض النهي عنه والاقتصار على المجادلة. فأما مع إمكان الجمع بين الجدال المأمور به والقتال المأمور به فلا منافاة بينهما وإذا لم يتنافيا بل أمكن الجمع لم يجز الحكم بالنسخ ومعلومٌ أن كلاً منهما ينفع حيث لا ينفع الآخر وأن استعمالهما جميعاً أبلغ في إظهار الهدى ودين الحق ومما يبين ذلك وجوه: …)) .
ثم عدَّدَ رحمه الله تعالى تسعة أوجه للقول بذلك وكلامه نفيس للغاية .

المبحث الثالث: أنواع الداعين للحوار والجدال مع أهل الكتاب:
هناك عدة اتجاهات وتيارات تدعوللحوار والجدال مع أهل الكتاب. وكل اتجاه يحمل في طياته أفكاراً واجتهادات متنوعة تتنوع وتختلف بحسب اختلاف أفراده وبحسب ما يغلب عليهم من مواد . ومن هذه التيارات:
التيار الأول: دعاة التقريب بين الأديان: كروجيه جارودي وأحمد كفتارو وغيرهما. ويستند هؤلاء في الغالب على عقائد الباطنية وكلام ابن عربي وغيره من ملاحدة الصوفية الذين ينادون بصحة كل الأديان. يقول جارودي: ((إنني عندما أعلنت إسلامي لم أكن أعتقد بأني أتخلى عن مسيحيتي ولا عن ماركسيتي ولا أهتم بأن يبدوهذا متناقضاً أومبتدعاً)). ويقول: ((هذا النضال هو نضال كل أصحاب العقيدة أوالمؤمنين بعقيدة مهما يكن نوع إيمانهم ولا يهمني ما يقوله الإنسان عن عقيدته: أنا مسلم أو: أنا مسيحي أو: أنا يهودي أو: أنا هندوسي)) .
ولما انتشرت بعض آراءه الكفرية الإلحادية قيل: ((إنه ارتد عن الإسلام))! قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله تعالى: ((لا يحكم عليه بأنه مرتد عن دين الإسلام كما توهمه بعضهم وإنما هو كافر أصلي لم يدخل في الإسلام)) . ولهذا قال العلاَّمة بكر أبوزيد فيه: (النصراني المتلصص إلى الإسلام) .
التيار الثاني: دعاة العصرانية: يجمع هذا التيار في طياته: ((الفقيه الذي أثقلت كاهله المتغيرات الحديثة..والصحفي الذي يفتقر إلى علوم الشريعة.. والعقلاني المغرق في عقلانيته)) ..والمثقف الباحث عن موقع ثقافته الحضارية.. والقومي الذي يتخبط في خبال الجاهلية… وهم درجات بحسب ما يغلب عليهم من مواد. ومن أبرزهم: الدكتور حسن الترابي والدكتور يوسف الحسن والدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري والدكتور محمد عمارة وعبده سلاَّم وغيرهم.
ومن أهم الصيغ التي تحدد مباديء ((التعايش)) و ((الحوار)) بين ((المسلم)) و ((غير المسلم)) عند هؤلاء ما يلي:
أولاً: الاتفاق على استبعاد كل كلمة تخدش عظمة الله.
ثانياً: الاتفاق على أن الله يختار رسله من أهل الصدق والأمانة.
ثالثاً: ما وجدناه متوافقاً في تراثنا نرد إليه ما اختلف فيه وبذلك يمكن وضع قاعدة مشتركة بين الأديان .
ويقرر بعض هؤلاء أنهم لا يستطيعون التقريب بين الأديان أوتذويب أحدها في الآخر وأنَّ أيَّ محاولة لذلك إنما هي من قبيل الغش الثقافي والخداع الفكري وهي أشد خطراً من الغش الاقتصادي والتجاري.
كما يدرك بعضهم أن النصارى لا يؤمنون بالتعايش ولا بالحوار ولا بالتعاون؛ وهم - أي النصارى - إذا نادوا بالتعايش أودعوا إلى الحوار قصدوا بذلك استغلالهما لفرض الهيمنة الدينية التي لا تكاد تختلف في شيء عن الهيمنة السياسية والاقتصادية .
ويرون أن المسلمين لا يمنعهم مانع من أن يستجيبوا لدعوة ((التعايش)) مع غيرهم حتى وإنْ كان مفهوم ((التعايش)) عند غير المسلمين منافياً - جزئياً أوكلياً - للمفهوم الإنساني المتحضر الذي يؤمن به المسلمون .
ويتذرع هذا التيار في دعوته لإقامة الحوار مع أهل الكتاب بشبهات شتى منها: ((مواجهة الإلحاد المادي)) و((التعاون والتسامح)) و((التعارف)) و((الدعوة إلى الله وإفهام الغرب تعاليم الإسلام)) و((أنه ضرورة يفرضها النظام العالمي الجديد)) و((أنَّ الحوار وسيلة لتحاشي النزاعات والحروب وصدام الحضارات)) وأن ((الإسلام يدعوالعالم لأن يكون منتدى حضارات)) و((هو وسيلة لتحقيق الوحدة الوطنية بين مختلف طوائف الأمة)) و((أنه وسيلة للمحافظة على الأقليات المسلمة في الغرب)).
ولا ريب أنَّ هذه قضايا متفاوتة في نفسها ومتباينة في قائليها ولا يمكنُ رؤيتها من منظار واحد بل إن بعضها ربما دعا إليها تيار آخر كتيار دعاة التقريب بين الأديان وربما شاركهم فيها بعض الدعاة والمفكرين والقول في جميع تلك القضايا يحتاج إلى تفصيل في كل مسألة منها وليس هذا محل بسطها أونقدها .
التيار الثالث: بعض المتصدين للواقع من الدعاة والمفكرين.
ويمكن تصنيف هؤلاء على وجه الإجمال إلى فريقين:
الفريق الأول: من يلمس منه ضعف في التأصيل أوتذبذب في الموقف الشرعي. وربما اقترب هؤلاء من دعاة العصرانية في بعض المسائل والقضايا حتى لا يمكن التفريق بين أقوالهم.
والفريق الثاني: من يلمس منه وضوح في التأصيل الشرعي.
و من أبرز من تصدى لبيان بطلان أديان النصارى والرد عليهم في العصور المتأخرة: الشيخ رحمة الله الدهلوي الهندي والداعية أحمد ديدات.

يتبع ...الجزء الثاني :