المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من الأوربة إلى الأمركة



حازم
12-16-2009, 11:16 AM
محمود سلطان | 15-12-2009 23:21
http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=22116


لم يكن المجتمع المصري حتى قبيل صدمة نابليون الحضارية "مجتمعا مهزوما"، كان يعيش تحت مفعول "سكرة" انتصاراته المتلاحقة على التتار والصليبيين، كان يعاني فقط من ظاهرة تعدد السلطات السياسية المأزومة والمهزومة أيضا، وهي مرحلة تختلف تماما، عن مرحلة ما بعد حملة بونابرت، فالأخيرة ألحقت الهزيمة بالمصريين جميعهم "مجتمعا ونظاما سياسيا". لقد كتب عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه، وببراءة شديدة، مسجلا صدمته وعدم قدرته على تصديق ما شاهده في معامل الفرنسيين الكيميائية، فاعتبرها أعمالا من "أفعال الجن والشياطين"!! وتجلت مقولة ابن خلدون المتعلقة بولع المغلوب بالغالب المنتصر، وهي درجة لم تبلغها أمة من الأمم إلا إذا هُزمت نخبها الفكرية والسياسية أيضا، واعتقدت الكمال في من غلبها، وإنزاله منزلة مصدر "الوحي والإلهام"، وأنه لا فلاح ولا نجاة إلا في تقليده وأتباع سننه شبرا بشبر وذراعا بذراع، في حلوه ومره، خيره وشره، كما كان يعتقد طه حسين.
هاشم صالح، وهو سليل صدمة الحداثة الفرنسية في الشام، وتلميذ حفيد الثقافة الفرنسية بالجزائر محمد أركون، وفي لحظة صدق نادرة، يصف هذه الحالة وصفا يكاد يكون دقيقا في مجلة الوحدة (عدد سبتمبر عام 1994) بقوله: "كالفلاح الفقير الذي يقف خجلاً بنفسه أمام الغني المؤثر، يقف مثقفنا العربي أمام نظيره الغربي، وهو يكاد يتهم نفسه ويعتذر عن شكله غير اللائق و(لغته غير الحضارية)، و(دينه المتخلف) ويستحسن المثقف الغربي منه هذا الموقف ويساعده على الغوص فيه أكثر فأكثر حتى ليكاد يلعن نفسه أو يخرج من جلده لكي يصبح حضارياً أو حداثياً مقبولا"ً.
ولذا.. فعندما أنكر محمد عبده ـ رحمه الله ـ وجود الملائكة والشياطين والجن، وفسر ذكرها في القرآن الكريم، باعتبارها من قبيل "الأمثال والاستعارات" ونفى أن تكون "موجودات مستقلة"، كان حينذاك يتصرف بروح الهزيمة، أمام "عقلانية" الغرب، فالرجل بلا وعي منه ساءه أو شعر بـ"الخجل" أن يتحدث عن "غيب" لن يقبله "المنتصر - العقلاني" الذي يعتقد عبده فيه "الكمال" والأحق بالإتباع والتقليد.
وعندما كتب علي عبد الرازق -وهو الشيخ الأزهري- كتابه "الإسلام وأصول الحكم" عام 1925، كان متأثرا بـ"عقدة تفوق" النظام السياسي العلماني الغربي، وكل ما كُتب لاحقا من أعمال مثيرة وصاخبة مثل "في الشعر الجاهلي" لطه حسين عام 1926 والفن القصصي في القرآن الكريم عام 1946 لمحمد أحمد خلف الله، وانتهاء بما كتبه نصر حامد أبو زيد ما بين (1992 ـ 1995)، كانت جميعها تعبيرات عن "توابع نفسية" لروح الهزيمة التي ألحقها نابليون بالمصريين مجتمعا ونظاما سياسيا عام 1798.
والحال أن هذه المرحلة أسدل عليها الستار تقريبا مع بداية أزمة أبو زيد في منتصف التسعينيات، والتي كشفت غياب "الشرعية العلمية" عن كل هذه الاتجاهات وانتهاء بأزمة "وليمة لأعشاب البحر" في نهاية القرن العشرين التي كشفت "البعد السوقي" المتخفي في تلابيب "الحداثة" وصدمت المجتمع المصري المحافظ، بأدبيات مسفة ومبتذلة، نشرتها الدولة، على نفقة دافع الضرائب في مصر.
ومع أحداث سبتمبر عام 2001 م، بدأت ظاهرة "الأوربة" في المجتمع المصري -والعربي كذلك- في الأفول، حيث تبنت واشنطن حرب الأفكار على العالم الإسلامي، وهي الإستراتيجية الجديدة التي لاقت هوى في نفوس "النخب المتأوربة" -التي عاشت متزامنة مع الصعود الإسلامي في نهاية القرن الماضي ـ العشرين- والتي كانت ترى في الحركات الإسلامية، أكبر عائق أمام تمرير مشروعها التغريبي في المنطقة، ما حملها على التخلي عن "الأوربة" والتحول إلى "الأمركة"، ومن الأهمية هنا أن نشير إلى أن بين الاثنين فارقا كبيرا، فالأولى خاصة في مرحلة ما قبل "الصحوة الإسلامية" كانت في أغلبها نوعا من "العفوية السلوكية"، التي تصدر عن عقل معلق فيمن يعتقد فيه التفوق والكمال، أما الثانية فإنها شيء مختلف، أقرب ما تكون لفكرة "الحرب بالوكالة" عن الآخر، ضد قوى في الداخل من مصلحة الطرفين ـ "الموّكل والوكيل" ـ تصفيتها، وهو ما حدث و لا يزال يحدث في عدد من الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها مصر.

الداعيه
12-17-2009, 06:36 PM
جزاك الله خيرا