المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنا أخالفك ورأيي هو الصواب!



عبد الغفور
02-02-2010, 06:52 PM
نلاحظ في وقتنا الحاضر ترديد عبارة الإمام الشافعي - رحمه الله رحمة واسعة -: "قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب" كثيرًا، وذلك في الصحافة، ووسائل الإعلام المختلفة، والاستدلال بها في موضوع حرية التعبير، وإبداء وجهات النظر، فهل كان الشافعي - رحمه الله - يقصد هذا المعنى؟

إن الإمام الشافعي - رحمه الله - يرى هذا الرأي في المسائل الفقهية الاجتهادية، فهو قد يختار في المسألة الفقهية ما هو راجح عنده؛ لقوة الدليل لديه، فيكون ما رآه هو الصواب، بينما رأي غيره من مخالفيه من العلماء في نفْس المسألة خطأ؛ لضَعْف دليلِه عند الشافعي، فإذا اتَّضَح بعد ذلك رجحان دليل مخالفه، أَخَذَ برأْي مخالفه؛ لقوَّة دليل المخالف، وهذا من اتِّباعه - رحمه الله - للدليل.

إذًا؛ العبارة أعلاه كلها تدور حول القضايا الفقهيَّة الاجتهادية والدَّليل عليها، وأين هذا مما يحدث في وسائل الإعلام في الوقت الحاضر؟

ترى في وسائل الإعْلام المختلفة؛ سواء كانت الصحافة أم التلفزيون أم الإذاعة، مَن يَتَعَرَّض لقضايا المسلمين، والمسائل الكبرى، وأحوال المجتمع، ثم يحتج عليك بالنهاية بقول الإمام الشافعي - رحمه الله - أعلاه.

أتدرون يا سادة إلى ماذا يجرُّ هذا المنهج؟
هذا المنهج يجر إلى النسبية والعبثية، وأنه ليس هناك شيء مطلق أبدًا، والمطلق - كما يشير المفكر السياسي الكبير الدكتور/ عبدالوهاب المسيري -: يتَّصف بالثبات والعالمية، وأما النسبي فهو مقيد وناقص ومحدود، ويذكر - رحمه الله - النص التالي: "وفي غياب المطلق تُصبح كل الظواهر نسبيَّة متساوية؛ إذ لا يمكن القَوْل بشأنها: "هذا أفضل من ذلك".

ويقول: "و النسبية الكاملة تؤدي إلى العدمية؛ لأنها تنكر وجود أي تميُّز أو اختلاف، أو مقدرة على إصدار الأحكام الأخلاقية أو المعرفية، أو حتى الجمالية، أو على تغيير العالم، أو على إصلاح الذات؛ ولذا فهي تنتهي بإنكار كل شيء: الأخلاق والميتافيزيقيا (الغيبيات)، والكليات والإنسان".

إذًا؛ النسبية تؤدي للعدمية؛ أي: بعبارة أوضح لا يصبح لأي شيء معنى، لا الحياة، ولا الدين، ولا الأخلاق، ولا القِيَم والمعْتَقَدات، وتصبح الحياة كلها تدور في العَبَث والفوْضَى.

ثم يقول قائلهم - وبمنتهى التبجُّح -: إن رأيي صحيح يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب، محتجين بقول واحد من أئمة السنة والجماعة! شاهت العقول.

رأيك - أيها الكاتب أو القائل - صواب يحتمل الخطأ، إذا كان لديك الدليل والحجة والبرهان على ما تقول، سواء كان هذا الدليل من الكتاب أم من السنة، المبني على منهج السلف الصالح، أو كانت لديك الدراسات والبحوث العلمية الموثَّقة التي قام بها علماء مشهود لهم في مجالهم، وبشرط ألاَّ تكون مخالِفةً لما جاء في القرآن الكريم، أو السنة النبوية، ففي هذه الساعة يُنْظر في قولك وصحته وخطئه، وأما أن تأتينا بآراء واجتهادات وأهواء شخصية، تصوغها في جميل العبارة، ثم تقول: رأيي صواب يحتمل الخطأ، فهذه عبثية وفَوْضى، لا يرضاها عاقلٌ.

إنَّ الكلِمة الواحدة لها عند العلماء وأهْل الفكر السليم قيمة كبيرة، ومعنى عظيم في نفوسهم؛ ولذا نلاحِظ دقتهم العالية، وتحرِّيهم في اخْتيار المفاهيم المصطلحات، فكيف بالرأي؟!

وقد فرَّق اللهُ - عز وجل - بين الكلِمة الطيبة والكلمة الخبيثة؛ فقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم: 25، 26].

وإن تبني المنهجية الفكرية العلمية هي صفة من صفات أهل الوعي والإدراك والتفكير السليم، وهذه المنهجية تعتمد على عامل رئيس ومهمٍّ في هذه القضية، هو البحث عن الدليل والبرهان في كل قضية تُقرَأ أو تسمع؛ حتى لا تنطلي على المستمِع أو القارئ تلك الأفكار والانحرافات، التي تبثُّ من خلال بعض الفضائيات والصُّحُف.

فليكن شعارنا جميعًا في كل قضية نسمعها أو نقرؤها هو الشعار التالي: أين البرهان والدليل على ما تقول؟

وقد أمر الله - عز وجل، وهو الواحد القهار الجبار المتكبر - مَن ادَّعى أن مع الله - عز وجل - إلهًا بقوله تعالى: {أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64].

http://www.alukah.net/articles/1/6235.aspx

يحيى
02-02-2010, 08:57 PM
أحسنت بارك الله فيك

"قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب"

صحيحة فيما يسمى في العلوم الشرعية ب: الاجتهاد.
صحيحة فيما يسمى في العلوم الطبيعية ب: النظرية.

أنت اجتهادك و أنا اجتهادي, لك نظريتك و لي نظريتي, أنت تأتي بحججك و أنا بحججي.

أما في اليقينيات فلا مجال للنظرية أو الاجتهاد لأن الحاكم هو البرهان, و لا الدليل حتى لكن البرهان.

الدليل (عندي) أقوى من الحجة و البرهان هو الأقوى, لأني أعتبر proof أقوى من evidence و هذه الاخيرة أقوى من argument و بالتالي اعتمد الترجمة: برهان -> دليل -> حجة

massoud
02-03-2010, 12:09 PM
كلام سليم أخي الكريم...بارك الله فيك




تحياتي