المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البحث عن إبراهيم عليه السلام - الجزء الأول: إبراهيم الباسيونار



عمر الأنصاري
02-10-2010, 02:21 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه دراسة بسيطة لإثبات وجود إبراهيم عليه السلام بأدلة خارج الكتب المقدسة الثلاث (التوراة، الإنجيل، القرآن)

ومواضيع البحث كالتالي:

الجزء الأول إبراهيم الباسيونار
الجزء الثاني مملكة إيبلا والدليل الأركيولوجي على وجود إبراهيم عليه السلام
الجزء الثالث إبراهيم وبراهما

وسأخصص هذا الشريط للجزء الأول

عمر الأنصاري
02-10-2010, 02:24 PM
المُقدمة

تُعتبر شخصية إبراهيم أحدَ أهمِ شخصيات الأديان السماوية الثلاث، (اليهودية والمسيحية والإسلام)، فإبراهيم هو أبو إسحاق الذي من نسله جاء موسى وعيسى عليهما السلام، وهو أيضا أبو إسماعيل والذي من نسله جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فلا جرم أنه أبو الأنبياء، ولا جرم أيضا أن تتجمع الجهود للكشف عن هذه الشخصية العظيمة، سواء كانت جهود المتدينين من لاهوتيين ومسلمين أو جهود علماء الآثار والتاريخ.
وفي هذا البحث البسيط سأقتصر فيه على بعض مما وقعت عليه يداي مما أظنه نافعا أن يكون دليلا على وجود إبراهيم عليه الصلاة والسلام من غير الاعتماد على ما جاء في الكتب السماوية الثلاثة، وقد يُطرح السؤال المُباشر: إذا كان الأثر التاريخي هو كل ما خلفته الأمم من كتابة ورمز وعمران أو هي جميع ما يترك الإنسان، أفلا يصلح إذاً أن يكون الكتاب المُقدس بعهديه والقرآن الكريم دليلين أركيولوجيين على وجود إبراهيم عليه الصلاة والسلام؟ وجوابه يحتاح تفصيل لا يسع المقام له، غير أن الذين نَحَّوا الكتاب المقدس عن اعتباره مصدراً تاريخياً حجتهم في ذلك ما طرأ على هذا الكتاب من تحريف على أيدي الكهنة.
وقصة إبراهيم في هذا الكتاب بالإضافة إلى ما تحويه من أساطير حسب زعم هذا الفريق فإنها أيضا تحوي مُخالطات تاريخية وعدم انسجام وتوافق في الأحداث، ويكفي أن علماء اللاهوت مُختلفون في الحقبة التي عاش فيها إبراهيم عليه الصلاة والسلام اختلافاً وصل مداه إلى ألف سنة، أضف إلى ذلك أن التوراة التي بين أيدينا لم تُكتب على عهد إبراهيم ولا حتى على عهد موسى عليهما الصلاة والسلام، مما يجعل هذا الكتاب لا يُعول عليه كمرجع تاريخي.
وهم -أي هذا الفريق- إن صح زعمهم في اعتبار الكتاب المُقدس ليس مرجعا تاريخيا يُعول عليه، فما هي حُجتهم في جعل القرآن الكريم مُوازيا للدركة التي أنزلوا فيها كتاب آبائهم، هذا يجعلنا نوقن أن البحث العلمي الحديث ليس بريئا في منهجه وفي مُنطلقاته، وهم بذلك نهجوا نهج كنيسة العصور الوُسطى، التي كانت تدفع مُعتنقيها إلى الاعتقاد أولاً ثم الاستدلال, وإني هاهنا لن أخوض في هذه المباحث وأفند زعمهم، ذلك أن بحثي مُوجه أساسا إلى ذلك الإنسان الذي لا يؤمن بالأديان ولا بالكتب السماوية، فسلمتُ معه جدلاً بما يعتقد من أجل أن أوصل له ما أعتقد، وما توفيقي إلا بالله.

عمر الأنصاري
02-10-2010, 02:26 PM
الجزء الأول: إبراهيم الباسيونار

من خلال ما وصلنا من الكتب السماوية للديانات الثلاثة عن سيرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، سيظهر لنا جليا أن إبراهيم خرق تقاليد قومه وجاء بالتوحيد مُخالفا لما كان في حضارات مابين النهرين، قال الله عز وجل:
"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" [الأنعام:74].
ونجد سيدنا إبراهيم يُخاطب قومه زاجراً لهم على وثنيتهم فيقول:
"أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) ويقول أيضا: يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)" [الشعراء : 75 - 79].
ووُصف إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالأمة، قال تعالى:
"إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(120)[النحل:120].
ونقرأ في العهد القديم:
"وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ".[التكوين18.18]
وفي العهد الجديد:
"آمَنَ إبْرَاهِيمُ بِاللهِ، فَاعتَبَرَهُ اللهُ بَارَّاً بِسَبَبِ إيمَانِهِ".[ رومية 1.4]
إن الشاهد من نقل هذه النصوص يكمُن في إظهار وبيان أن إبراهيم خالف عادات قومه، وجاء بالتوحيد، داعيا إليه بين جميع الأمم.
والتوحيد الذي جاء به إبراهيم مُختلف كل الاختلاف عن ما وصلنا من توحيد الفراعنة المُتمثل في دعوة إخناتون أو توحيد غيره من الملوك والقبائل، فدعوة إبراهيم ربط بين السماء والأرض بوحي فيه أوامر وزواجر وشريعة وعهد بين الرب والعباد، أما توحيد الفرعون إخناتون أو غيره فهو توحيد وصلوا إليه عن طريق العقل والتأمل، غير أنهم لم يهتدوا لمعرفة ماذا يُريد الإله الخالق منهم، فالفرق بين إبراهيم وإخناتون، أن إبراهيم كان رسولاً نبيا تلقى الشريعة من الله، بينما أخناتون كان شاعرا ومُفكرا، قاده التأمل إلى الإيمان بخالق واحد.
لقد غيّر إبراهيم عادة الأسلاف ودعا إلى دين لم يكن مألوفا ولا مرغوبا، بل وتحمل المشقة وعرض نفسه للموت من أجل تبليغ هذه الرسالة، ولم تتوقف الرسالة بموته، بل استمرت في الانتشار والديوع في كل أرجاء العالم إلى يومنا هذا، إن هاهنا نتحدث عن الباسيونار كما يروق لعلماء التاريخ أن يصفوا به مثل هذه الشخصيات، يقول ميغوليفسكي في كتابه أسرار الآلهة والديانات Secrets of the gods and religions ص 339: "ومُصطلح الباسيونار مُشتق من الكلمة الإيطالية باسيو passio التي تعني الولع الشديد، والحماس الخارق، وجوهر الأمر هنا، هو أن الصدمة الخارجية التي تصيب المُجتمع كله، إنما تأتيه عبر أشخاص أفراد هو الباسيونار، ومن الواضح دون شك أن الصدمة الباسيونارية ليس فعلا فيزيائيا، إنما هي صدمة إعلامية يندفع سيل المعلومات من الخارج، فيتحول الشخص الذي نفذ السيل إليه، إلى الباسيونار، حامل هذا الولع الشديد، الولع الجامح، فلا يعود هذا يملك نفسه، بل يتصرّف بما يتوافق وهذه المعلومات، بما يتوافق وما قُدِّر له دون أن يُشفق على حياته"، وينقل ميغوليفسكي في نفس كتابه السابق أسرار الآلهة والديانات ص 339 كلاما للمؤرخ ل.ن. غومليوف عن الباسيونار فيقول: (والنص هاهنا لغومليوف) "يرتبط تشكل الإيتنوس دائما بتبدل المُحيط، الاجتماعي أو الطبيعي، وفي غضون ذلك غالبا ما يكون الهدف المرسوم وهميا أو مُتخيَّلا، لكن تحقيقه يعدُّ بالنسبة للفرد المعني أغلى من حياته نفسها، ومن البدهي أن تكون مثل هذه الظاهرة نادرة، ظاهرة خارجة عن معايير سلوك النَّوع، لأن الدّافع الموصوف هنا يتعارض مع غريزة الحفاظ على الذّات، غريزة حبُّ البقاء، فهو بالتالي يتحلى بسمة معكوسة، وقد يكون مرتبطا بوجود مؤهلات مفرطة (نبوغ، موهبة)، كما قد يكون مرتبطا بمؤهلات متوسطة، فهذا ما تظهره استقلاليَّته بين باقي دوافع السلوك الموصوفة في علم النفس، ولم يصف أحد حتى الآن هذه السمة أو يُحللها، ولكنها هي بالذات التي تقوم في صلب الخُلق المُتفاني (اللاأناني)، حيث مصالح الجماعة، حتى إذا لم تكن مُدرَكة إدراكا صحيحاً، تغلب على الشَّغف بالعيش والاهتمام بإنجاب الذُرّية، إن الشخصيات التي تملك مثل هذه السِّمة تحقق إذا ما لاقت ظروفاً ملائمة، أعمالاً تكسر بمجملها خمول التقليد وتنتج إيتنوسات جديدة".
فمن خلال كلام هذا المؤرخ يُمكن القول أن التغييرات التي تطرأ على الحضارات وأخُص هنا التغيير الذي جاء به إبراهيم عليه السلام والتحول من عبادة الآلهة والتقرب إلى الأصنام إلى عبادة الله الواحد القهار، هذه التغييرات لا يُمكن أن تكون وراءها شخصية أسطورية أو جماعة تواطأوا على خلق مثل هذه الشخصيات، بل إن العقل السليم سيُقر أن التحول من الوثنية إلى التوحيد والدعوة إلى هذا التوحيد وجمع الأمة عليه بل وتأسيس حضارات قائمة على هذا الركن، كل هذا لا بُد له من باسيونار واحد أو شخصية واحدة تكون هي أساس هذا التغيير.
وإبراهيم عليه السلام واحد من أعظم وأوائل الباسيونيرات، يقول ميغوليفسكي في نفس الكتاب، صفحة 340: "أما أعظم الباسيونار الذين عرفهم التَّاريخ البشري، فهم يسوع المسيح، ومحمد وبوذا، كما ينتمي إلى هذه الفئة أيضا، إبراهيم، وموسى وآخرون".

عياض
11-13-2010, 07:18 PM
وقصة إبراهيم في هذا الكتاب بالإضافة إلى ما تحويه من أساطير حسب زعم هذا الفريق فإنها أيضا تحوي مُخالطات تاريخية وعدم انسجام وتوافق في الأحداث، ويكفي أن علماء اللاهوت مُختلفون في الحقبة التي عاش فيها إبراهيم عليه الصلاة والسلام اختلافاً وصل مداه إلى ألف سنة، أضف إلى ذلك أن التوراة التي بين أيدينا لم تُكتب على عهد إبراهيم ولا حتى على عهد موسى عليهما الصلاة والسلام، مما يجعل هذا الكتاب لا يُعول عليه كمرجع تاريخي.
ألا ترى أستاذي ان هذا أيضا من غلو الامبيريقيين و الشكوكيين و اضرابهم في كلامهم على مناهج العلوم و رفضهم المطلق للحقائق من داخل النظام المعرفي المنتقد مما يتجاوز المنافع المرجوة من المنهج النقدي الابستمولوجي ..فما الذي جد؟؟ اذ قضبة التحريف ليست وليدة اليوم اذ الباحثين السابقين ايضا من اللاهوتيين من اهل الكتاب انفسهم و لم يكن يعزب عنهم التحريف ..و كذلك المؤرخين..و مع ذلك لم يصل الأمر الى ازاحتها بالمرة كدليل تاريخي..؟ قد يفهم عدم الثقة بتفاصيل الوقائع المختلف عليها..اما تجاوزه الى انكار المجمع عليه منها ..الا يبدو ايضا غلوا في النفي من غير دليل؟؟

عمر الأنصاري
11-13-2010, 08:09 PM
بارك الله فيكم أستاذي عياض وزادكم الله رفعة وتواضعا

أرى أستاذ الفاضل عياض أنه من الضروري أن نربط بين المنهج امبيريقي (إن صح اعتباره منهجا) وبين تقدم علم الآثار

وبهذا نقول أن العلماء الأقدمين من أهل الكتاب لم يُشككوا في النص التوراتي أو الإنجيلي إلا بقدر طفيف، بل وتلمسوا له الأعذار

على سبيل المثال، نقد جون أستروك للتوراة (القرن 18) في كتابه الذي أحدث ضجة كبيرة (نظريات حول المصادر التي يُعتقد أن موسى استعان بها في كتابة سفر التكوين) لم يجعل صاحب الكتاب يُلحد أو يُشكك جملة وتفصيلا في التوراة
وما قام به هو مُحاولة للتعديل ولإزالة الخطأ عن التوراة، وهو نفسه عمل المُصلح مارثن لوثر
كانت الدراسات أنذاك داراست لغوية بالدرجة الأولى، ولا تعتمد على علم الآثار كمعيار لتقييم النص التوارتي

لكن بعد تقدم علم الآثار وبيان الكم الكبير من الأباطيل في الكتاب المقدس سيكون من الصعب الاعتماد عليه (الكتاب المقدس) كمرجع تاريخي، خصوصا مع اكتشاف مصادر أخرى أبعد عن الطابع اللاهوتي، والتي احتوت معلومات مُختلفة تماما على ما احتوته الاسفار

هذا بخصوص العلماء الغربيين، ولعل هذا هو مُبررهم في طرح الكتاب المقدس جانبا وعدم التعويل عليه

وأما بالنسبة للمسلم الذي يؤمن بالأنبياء وبوجودهم، فيُضاف مُشكلة أخرى تزيد من زعزعة الاعتماد على الكتاب المقدس (التوراة تحديدا) كمرجع تاريخي
ألا وهي مشكلة اندماج التاريخ الزمني مع التاريخ اللاهوتي، وهي مشكلة في الفكر الديني اليهودي يصعب حلها لشدة ارتابط الزمنين ببعضها البعض [بل إن بعض طوائف اليهود وهو الأكثر انتشارا في الحاضر يقولون بحلول "إلوهيم" في التاريخ وحلوله في الشعب اليهودي]

التاريخ الزمني هو حيز التجربة البشرية فيه تكون الرذيلة والفضيلة أما التاريخ اللاهوتي هو تاريخ مثالي نموذجي. وبالتالي فالأحداث الموجودة في أسفار اليهودي كلها تم صبغها بطابع لاهوتي مثالي يُزيل هامش الخطأ وهامش الرذيلة، مُظهرا فقط الجانب المشرق من شعب الله المختار (حسب زعمهم)، وبالتالي فالاعتماد على هذا النص كمرجع تاريخي سيتسبب في حجب الحقيقة، وزيادة الباطل

وطبعا هذا لا يعني أن الكتاب المقدس لا يحوي بعض الحقائق التاريخية المُجمع عليها، لكن يبقى كشفها وبيانها يعتمد بالاساس على مرجع آخر وليس على الكتاب المقدس نفسه

وأشكركم مُجددا على قراءة مقالي المتواضع

عياض
11-13-2010, 08:35 PM
بل الشكر لكم استاذي على التوضيح المهم المختصر..و فعلا ..الأمر فعلا يدعو للتفكير..هل عندك علم سيدي بمصادر تناولت احوال الباسيونار بالتفصيل ؟؟

عمر الأنصاري
11-13-2010, 11:14 PM
جزاكم الله خيرا أستاذي الفاضل عياض، كُنت أتمنى أن تدخلوا أكثر في نقد المقال وفتح باب للحوار، والتطرق لنقاط ربما لم أقصدها أنا أيضا من مقالي

كالحديث عن الكتاب المقدس واشكالية اعتباره مصدرا تاريخيا لأحداث الشرق الأدنى القديم

فوالله لا نعدم فائدة من مُشاركاتكم القيمة :emrose::emrose:


هل عندك علم سيدي بمصادر تناولت احوال الباسيونار بالتفصيل ؟؟

وجدت ذلك في كتاب أسرار الآلهة والديانات لميغوليفسكي وكذلك في كتاب للعقاد في حديثه عن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام
وهذا الدليل كثيرا ما يستعمله من يُريد اثبات شخصية عيسى عليه السلام خصوصا بعدما أصبح البوق مسموعا للمشككين في تاريخية عيسى عليه السلام