المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا تغتر بظهور الكفار



الخياط
06-30-2005, 08:59 PM
لا تغتر بظهور الكفار

الفتن العظيمة التي لحقت بالأمة، والمصائب الكبيرة التي نزلت على أَهْلِ هذه الملة، قد ألحقت الهزيمة بنفوس كثيرٍ من المسلمين، وزرعت الريب في أفئدة جُمُوعٍ من أبناء هذا الدين، إذ استعظموا قوة الأعداء، ويئسوا من الظهور عليهم، واستبطؤوا نصرة الله تعالى.
ولَوْ فَقِهَ هؤلاء، لَعَلِمُوا أن الدنيا دار ابتلاء، وأنها أهون عند الله تعالى من جناح بعوضة، ولو كانت تساوي ذاك الجناح ما سقى منها كافراً شربة ماء، كما أخبر بذلك خاتم الأنبياء، ولكن الله تعالى يَبْتَلِي عباده بالسَّراء والضراء، ويبلوهم بالخير والشرِّ فِتْنَةً، ويستدرج الكافرين من حيث لا يعلمون، وهو سبحانه القائل: {وَلَوْلاَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً، لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ، وَزُخْرُفاً، وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحيَاةِ الدُّنْيَا، وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِين}.
ولو لَم يأتِ في بَيَانِ هذا الأمر شرع منـزل، لكان حَرِيّاً بالعقل الصريح أن يعرف اتضاع الدنيا وهوانها، إِذْ كيف يُفْرَحُ بسؤددٍ مهما طال يزول ؟! أو بغنى لا يدوم ؟ وأي قيمة لنصر يعقبه موت المنتصر والمهزوم ؟ وأي اعتبار لِمُلْكٍ يتلوه زوال المالك والمملوك ؟ وأي شأنٍ لقوة يردفها قَبْرُ القوي والضعيف؟!
وهذه الأمور لو تأملها الإنسان بعقل ناصح لظهرت له حقيقتها، ولهذا جاء الوحي من الله تعالى يكشف للمؤمنين حقيقة الصراع في هذه الحياة الدنيا، وَيَدُلُّهُمْ على أن الثبات على دين الله تعالى والاعتصام بحبله أعظم عند الله تعالى من شأن النصر الدنيوي الظاهر، بل يجعل هذا النصر نفسه ثمرة من ثمار الأخذ بمقتضيات الإيمان بالله واليوم الآخر، الذي يعني النهوض بأسباب صلاح الإرادة وكمال القدرة الموجبين لتنفيذ الأمر الإلهي المتعلق بالدنيا والآخرة.
فإذا تبين هذا، عُلِمَ حينئذ لماذا أمر الله تعالى عباده ألا يغتروا بقوة الكافرين وظهورهم في الدنيا، ولماذا يُعَلِّقُ الله تعالى قلوب أهل الإيمان بالآخرة، وَيُعْلِمُهُمْ أن المصير فيها هو الفَيْصَلُ في الفوز أو الخسران، كما قال تعالى: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلاَدِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ، ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المِهَاد}.
بل أراد الحقُّ سبحانه وتعالى أن يُعَلِّمَ عباده أن تعجيل انتقامه من العاتين عن أمره، المعتدين على أوليائه، ليس حَتْماً لاَزِماً، فإنّما الدنيا دار ابتلاء واستدراج، وقد يكون فيها نوع عقاب وانتقام مما يظهر أو يخفى، فيلزم المؤمن ألا يَمُنُّ على الله بإيمانه، فيستحسر لعدم الأخذ على أيدي الكافرين والمعتدين، وألا ييأس من رحمة رب العالمين، وألا يظن بالله تعالى الغفلة عن المحاربين لدينه، الباغين على أوليائه، فإن الله تعالى لا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ النَّاسِ، كما أخبر بذلك رسوله الكريم.
وهو سبحانه قد أقام دون هذه الدنيا يوما آخر، يُؤَخِّرُ فيه تعالى العقوبة للظالمين، ويثأر لأوليائه المتقين، ويقيم فيه موازين القصاص والعدل بين العالمين، قال الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ، إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ، وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ، أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ، وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ، وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ، وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ، وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ، فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ، يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ، وَبَرَزُوا لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ، وَتَرَى المُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ، سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ، لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ، هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الأَلْبَاب}.
هذا أَصْلٌ عظيم من أصول دين الله تعالى، وقاعدةٌ جليلة من قواعد الفهم عن الله تعالى، إذا لَم يتدبرها المؤمن خِيفَ عليه من سوء الظن بالله تعالى، والشَّكِّ في وعوده تعالى، فَإِنْ تَدَبَّرَهَا، وَعَلِمَ ما تضمنته من قيام أمر الدنيا على الابتلاء والتمحيص، وقيام أمر الدين على الصبر واليقين، وقاه الله تعالى بفضله آثار البلايا، وأعاذه من الفتن ومزالق الأهواء والمحن.
وإن أهل الإيمان اليوم أشد حاجة إلى تدبر هذا الأصل النافع، فإن ما أصاب الأمة من بلاء شديدٍ ، وفتنة عامة مَاحِقَةٍ ، لا نجاة منها إلا بالاعتصام بأمر الله تعالى ، والثقة بوعوده سبحانه وتعالى .
لكن العرفان بهذا الأصل لا يعني من قريب أو بعيد إسلاس القياد للقدر على فهم أهل الجبر، فإن القدر للإيمان والشرع للعمل، القَدَرُ فعل الله تعالى، والشرع أمره تعالى، فإن فُهِمَ قَدَرُهُ تعالى على وجه شرعي صحيح، لَزِمَ مع ذلك العمل بشرعه على ما يناسب القدر بوجه سليم، ولا عمل بالشرع إلا بعد العلم به، ولا تعامل مع ما قُدِّرَ إلا بعد فهمه حق الفهم، ولذلك كان الاجتهاد في دين الله تعالى مشروطا بهذا وهذا، وبذلك جاء التحقيق عن أئمة العلم، إذ قالوا: (لاَ يَتَمَكَّنُ المفتي ولاَ الحاكمُ مِنَ الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفَهْمِ، أَحَدُهُمَا: فَهْمُ الواقعِ والفِقْهُ فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيطَ بِهِ عِلْماً، والنَّوْعُ الثَّاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فَهْمُ حُكْمِ الله الذي حَكَمَ به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع، ثم يُطَبِّقُ أحدَهما على الآخر) [أعلام الموقعين871]
فلا بُدَّ من فقه الواقع ومعرفة الحال على التَّحْقِيق، ولا بُدَّ من فقه الدين ومعرفة الواجب على التَّعْيِين.

من كتاب "واجب الأمة في المرحلة الراهنة" للشيخ محمد بُوالنِّيت المراكشي

الخياط
06-30-2005, 09:11 PM
http://www.tawhed.ws/r?i=1831

http://www.islam.org.au/editions/jul2003/arabic/2.php

muslimah
07-01-2005, 06:38 PM
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ }البقرة214
أظننتم -أيها المؤمنون- أن تدخلوا الجنة, ولمَّا يصبكم من الابتلاء مثل ما أصاب المؤمنين الذين مضوا من قبلكم: من الفقر والأمراض والخوف والرعب, وزُلزلوا بأنواع المخاوف, حتى قال رسولهم والمؤمنون معه -على سبيل الاستعجال للنصر من الله تعالى-: متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب من المؤمنين.


{.............. وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }المنافقون8