المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة الأسماء الحسني ‏( 3 )‏



د. محمود عبد الرازق الرضواني
07-01-2005, 11:26 AM
بقلم: د‏.‏ محمود عبد الرازق الرضواني



قال ابن الوزير اليماني‏:‏ تمييز التسعة والتسعين يحتاج الي نص متفق علي صحته او توفيق رباني‏,‏ وقد عدم النص المتفق علي صحته في تعيينها‏,‏ فينبغي في تعيين ما تعين منها الرجوع الي ما ورد في كتاب الله بنصه او ما ورد في المتفق علي صحته من الحديث العواصم‏228/7‏ والرجوع الي ما اشار اليه ابن الوزير مسألة اكبر من طاقة فرد واوسع من دائرة مجد‏,‏ لان الشرط الاول والاساسي في إحصاء الاسماء هو فحص جميع النصوص القرآنية وجميع ما ورد في السنة النبوية مما وصل الينا في المكتبة الاسلامية‏,‏

وهذا الامر يتطلب استقصاء شاملا لكل اسم ورد في القرآن‏,‏ وكذلك كل نص ثبت في السنة ويلزم من هذا بالضرورة فرز عشرات الآلاف من الاحاديث النبوبة وقراءتها كلمه للوصول الي اسم واحد‏,‏ وهذا في العادة خارج عن قدرة البشر المحدودة وايامهم المعدودة‏,‏ ولذلك لم يقم احد من اهل العلم سلفا وخلفا بتتبع الاسماء حصرا‏,‏ وانما كان كل منهم يجمع ما استطاع باجتهاده‏,‏

وكان اغلبهم يكتفي برواية الترمذي او ما رآه صوابا عند ابن ماجة والحاكم فيقوم بشرحه وتفسيره كما فعل الزجاج والبيهقي والقشيري والغزالي والرازي والقرطبي وغيرهم من القدامي والمعاصرين‏,‏ لكن الله عز وجل لما يسر الاسباب في هذا العصر اصبح من الممكن انجاز مثل هذا البحث في وقت قصير نسبيا‏,‏ وذلك من خلال استخدام الكمبيوتر والموسوعات الالكترونية التي قامت علي خدمة القرآن وحوت الاف الكتب العلمية واشتملت علي المراجع الاصلية للسنة النبوية وكتب التفسير والفقه والعقائد والادب والنحو والصرف وغيرها الكثير والكثير‏,‏

ولم تكن هذه التقنية قد ظهرت منذ عشر سنوات تقريبا‏,‏ او بصورة ادق لم يكن ما صدر منها كافيا لانجاز مثل هذا البحث‏,‏ ولما عايشت الحاسوب منذ اول ظهوره وظهور الموسوعات التراثية الالكترونية حتي جمعت بين يدي تباعا اكثر من خمس وثلاثين موسوعة الكترونية تراثية دفعني ذلك ومنذ عامين تقريبا الي ان اقدم علي هذا الموضوع مستعينا بالله اولا ثم بما سخره من هذه التقنية الحديثة وقدرة الحاسوب علي قراءة الاف المراجع الاصلية من هذه الموسوعات في ثوان معدودات‏,‏

فالرغبة في اتمام البحث مهما كانت النتائج امر ملح وضرورة يصعب دفعها عن النفس‏,‏ وكثيرا ما يشعر اي متخصص او اي داعية بالحيرة والاضطراب عندما يسأل عن تحرير المسألة في اسم من اسماء الله المشهورة كالخافض والرافع والمعطي والمانع والضار والنافع والمبدئ والمعيد والمعز والمذل والواجد والماجد والكافي والمنتقم والرازق والباقي والجليل وغير ذلك مما اشتهر علي ألسنة العامة والخاصة‏,‏ هل هذه من اسماء الله الحسني‏!‏ فكانت الاجابة محيرة بالفعل‏.‏

لقد كان لارتباط التقنية الحديثة بخبرة التخصص في العقيدة والتوصل الي القواعد العلمية والشروط المنهجية لاحصاء الاسماء الالهية التي تعرف الله بها الي عبادة اثر كبير في ظهور المفاجأة التي لم تكن متوقعة ولم تكن في حسبان احد‏,‏ وهي تصديق قول النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا ولنبدأ اولا بذكر الشروط التي يتمكن من خلالها اي مسلم ان يتعرف بسهولة ويسر علي كل اسم من الاسماء الحسني والدليل علي تلك الشروط من كتاب الله‏:‏

الشرط الاول هو ثبوت النص في القرآن او صحيح السنة
طالما انه لم يصح عن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ حديث في تعيينها وسردها فلا بد لاحصائها من وجود الاسم نصا في القرآن الكريم او صحيح السنة‏,‏ وهذا الشرط مأخوذ من قوله تعالي‏:‏ ولله الأسماء الحسني ولفظ الاسماء يدل علي ان انها معهودة موجودة فالالف واللام فيها للعهد‏,‏ ولما كان دورنا حيال الاسماء هو الاحصاء دون الاشتقاق والانشاء فان الاحصاء لايكون الا لشئ موجود ومعهود ولا يعرف ذلك الا بما نص عليه القرآن الكريم والسنة‏,‏ ومعلوم من مذهب اهل السنة والجماعة ان الاسماء توقيفية علي الادلة السمعية ولا بد فيها من تحري الدليل بطريقة علمية تضمن لنا مرجعية الاسم الي كلام الله ورسوله صلي الله عليه وسلم ـ‏,‏ ولا يكون ذلك الا بالرجوع الي ما ورد في القرآن الكريم بنصه او ما صح في السنة علي طريقة المحدثين‏;‏ فمحيط الرسالة لا يخرج عن هذه الدائرة‏,‏ وعلي ذلك ليس من اسماء الله النظيف والسخي والواجد والماجد والحنان والهوي والمفضل والمنعم ورمضان وآمين والاعز والقيام لانها جميعا لم تثبت الا في روايات ضعيفة او موقوفة او قراءة شاذة‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ علمية الاسم واستيفاء العلامات اللغوية
يشترط في جميع الاسماء واحصائها ان يرد الاسم في النص مرادا به العلمية ومتميزا بعلامات الاسمية المعروفة في اللغة‏,‏ كأن يدخل علي الاسم حرف الجر كما في قوله‏:‏ وتوكل علي الحي الذي لا يموت الفرقان‏:58‏ او يرد الاسم منونا كقوله‏:‏ سلام قولا من رب رحيم يس‏58,‏ او تدخل عليه ياء النداء كما ثبت في الدعاء المرفوع‏:‏ يا حي يا قيوم صحيح ابي داود‏1326,‏ أو يكون الاسم معرفا بالالف واللام كقوله‏:‏ سبح اسم ربك الاعلي الاعلي‏:1‏ او يكون المعني مسندا اليه محمولا عليه كقوله‏:‏ الرحمن فاسأل به خبيرا الفرقان‏:59,‏ فهذه خمس علامات يتميز بها الاسم عن الفعل والحرف وقد جمعها ابن مالك في قوله‏:‏ بالجر والتنوين والندا وأل‏:‏ ومسند للاسم تمييز حصل شرح ابن عقيل‏21/1‏ فلا بد اذن ان تتحقق في الاسماء علامات الاسم اللغوية وهذا الشرط مأخوذ من قوله‏:‏ ولله الاسماء ولم يقل الاوصاف او الافعال‏,‏ فالوصف او الفعل لا يقوم بنفسه كالسمع والبصر والعلم والقدرة وهي بخلاف الاسماء الدالة علي المسمي بها كالسميع والبصير والعليم والقدير‏,‏

كما ان معني الدعاء بالاسماء في قوله‏:‏فادعوه بها ان تدخل علي الاسماء اداة النداء سواء ظاهرة او مضمرة‏,‏ والنداء من علامات الاسمية‏,‏ وعليه فإن كثيرا من الاسماء المشتهرة علي ألسنة الناس ليست من الاسماء الحسني وانما هي في الحقيقة اوصاف او افعال لا تقوم بنفسها فكثير من العلماء ورواة الحديث جعلوا المرجعية في علمية الاسم الي انفسهم وليس الي النص الثابت‏,‏ فاشتقوا لله اسماء كثيرة من الاوصاف والافعال وهذا يعارض ما اتفق عليه السلف في كون الاسماء الحسني توقيفية علي النص فالمعز المذل اسمان اشتهرا بين الناس شهرة واسعة علي انهما من الاسماء الحسني‏,‏ وهما وان كان معناهما صحيحا لكنهما لم يردا في القرآن او السنة‏,‏ وقس علي ذلك الخافض‏,‏ المبدئ‏,‏ المعيد‏,‏ الضار‏,‏ النافع‏,‏ العدل‏,‏ الجليل‏,‏ الباعث‏,‏ المحصي‏,‏ المقسط‏,‏ المانع‏,‏ الباقي‏,‏ والفاتن والبالي والراتق والساتر والسخط والمبغض والمحب والمفني والمنجي والمرشد والمترع وغير ذلك من الاسماء التي اشتقها الكثيرون من أوصاف الله وافعاله‏.‏

الشرط الثالث إطلاق الاسم دون اضافة او تقييد
والمقصود بهذا الشرط ان يرد الاسم مطلقا دون تقييد ظاهر او اضافة مقترنة بحيث يفيد المدح والثناء بنفسه‏,‏ لان الاضافة والتقييد يحدان من اطلاق الحسن والكمال علي قدر المضاف وشأنه‏,‏ وقد ذكر الله اسماءه بطلاقة الحسن فقال‏:‏ ولله الاسماء الحسني‏,‏ اي البالغة مطلق الحسن بلا حد او قيد‏,‏ قال القرطبي‏:‏ وحسن الاسماء انما يتوجه بتحسين الشرع لاطلاقها والنص عليها تفسير القرطبي‏343/10,‏ ويدخل في الاطلاق ايضا اقتران الاسم بالعلو المطلق لان معاني العلو هي في حد ذاتها اطلاق فالعلو يزيد الاطلاق كمالا علي كمال‏,‏ وكذلك ايضا اذا ورد الاسم معرفا بالالف واللام مطلقا بصيغة الجمع والتعظيم فإنه يزيد الاطلاق عظمة وجمالا وحسنا وكمالا وينفي في المقابل اي احتمال لتعدد الذوات او دلالة الجمع علي غير التعظيم والاجلال‏,‏ قال ابن تيمية في تقرير الشروط الثلاثة السابقة‏:‏ الاسماء الحسني المعروفة هي التي يدعي الله بها وهي التي جاءت في الكتاب والسنة‏,‏ وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها‏)[‏ الاصفهانية ص‏19].‏

وإذا كانت الاسماء الحسني لا تخلو في أغلبها من تصور التقييد العقلي بالممكنات وارتباط آثارها بالمخلوقات كالخالق والخلاق والرازق والرزاق أو لا تخلو من تخصيص ما يتعلق ببعض المخلوقات دون بعض‏,‏ كالاسماء الدالة علي صفات الرحمة والمغفرة مثل الرحيم والرءوف والغفور فإن ذلك التقييد لا يدخل تحت الشرط المذكور‏,‏ وإنما المقصود هو التقييد بالاضافة الظاهرة في النص‏,‏ فلا يدخل في اسماء الله الحسني البالغ لقوله‏:(‏ إن الله بالغ أمره‏)[‏ الطلاق‏:3]‏ ولا يصح اطلاقه في حق الله‏,‏ بل يذكر علي التقييد كما ورد النص‏,‏

وليس من اسمائه المخزي أو العدو أو الخادع أو المتم أو الفالق أو المخرج لأنها اسماء مقيدة لا يجوز اطلاقها بل تذكر كما وردت في قوله‏:(‏ وأن الله مخزي الكافرين‏)[‏ التوبة‏:2]‏ وقوله‏:(‏ فإن الله عدو للكافرين‏)[‏ البقرة‏:98]‏ وقوله‏:(‏ إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم‏)[‏ النساء‏:142]‏ وقوله‏(‏ والله متم نوره‏)[‏ الصف‏:8]‏ وقوله‏:(‏ إن الله فالق الحب والنوي‏..‏ ومخرج الميت‏)[‏ الأنعام‏:95],‏ وكذلك من الاسماء المقيدة الغافر والقابل والشديد وقس علي ذلك الفاطر والجاعل والرافع والمطهر والمهلك والحفي والمنزل والسريع والمحيي والرفيع والنور والبديع والكاشف والصاحب والخليفة والقائم والزارع والموسع والمنشئ والماهد وغير ذلك كثير‏,‏ فهذه اسماء مقيدة تذكر في حق الله علي الوضع الذي قيدت به ويدعي بها علي ما ورد في النص من غير اطلاق اللفظ‏,‏ فتقول كما قال النبي‏:‏ يا مقلب القلوب‏,‏ ولا نقول يا مقلب فقط‏.‏

الشرط الرابع دلالة الاسم علي الوصف
والمقصود بدلالة الاسم علي الوصف أن يكون اسما لأن القرآن بين أن اسماء الله اعلام وأوصاف فقال في الدلالة علي علميتها‏:(‏ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسني‏)[‏ الإسراء‏:110]‏ فكلها تدل علي مسمي واحد ولا فرق بين الرحمن أو الرحيم أو الملك أو القدوس أو السلام إلي آخر ما ذكر في الدلالة علي ذااته‏,‏ وقال في كون اسمائه دالة علي الأوصاف‏:(‏ ولله الاسماء الحسني فادعوه بها‏)‏ فدعاء الله بها مرتبط بحال العبد ومطلبه وما يناسب حاجته واضطراره من ضعف أو فقر أو ظلم أو قهر أو مرض أو جهل أو غير ذلك من أحوال العباد‏,

فالضعيف يدعو الله باسمه القادر المقتدر القوي‏,‏ والفقير يدعوه باسمه الرازق الرزاق الغني‏,‏ والمقهور المظلوم يدعوه باسمه الحي القيوم إلي غير ذلك مما يناسب أحوال العباد والتي لا تخرج علي اختلاف تنوعها عما أظهر لهم من اسمائه الحسني فلو كانت الاسماء جامدة لا تدل علي وصف ولا معني لم تكن حسني‏,‏ وعندها يلزم أنه لا معني لها ولا قيمة لتعدادها أو الدعوة إلي احصائها ويترتب علي ذلك أيضا رد حديث الصحيحين‏:(‏ إن لله تسعة وتسعين اسما‏)‏ كما أن الله اثني بها علي نفسه فقال‏:(‏ ولله الاسماء الحسني‏)‏ والجامد لا مدح فيه ولا دلالة له علي الثناء‏,

أما مثال ما لم يتحقق فيه الدلالة علي الوصف من الاسماء الجامدة ما ورد عن البخاري مرفوعا‏:(‏ قال الله عز وجل‏:‏ يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار‏)[‏ البخاري‏4549]‏ فالدهر اسم لا يحمل معني يلحقه بالاسماء الحسني‏,‏ كما أنه في حقيقته اسم للوقت والزمن‏,‏ فمعني أنا الدهر أي خالق الدهر‏[‏ فتح الباري‏566/10]‏ ويلحق بذلك أيضا الحروف المقطعة في أوائل السور والتي اعتبرها البعض من اسماء الله فلا يصح أن تدعو الله بها فتقول في ألم‏:‏ اللهم يا ألف ويا لام ويا ميم اغفر لي‏.‏

الشرط الخامس‏:‏ دلالة الوصف علي الكمال المطلق
والمقصود أن يكون الوصف الذي دل عليه الاسم في غاية الجمال والكمال فلا يكون المعني عند تجرد اللفظ منقسما إلي كمال أو نقص أو يحتمل شيئا يحد من اطلاق الكمال والحسن‏,‏ وذلك الشرط مأخوذ من قوله تعالي‏:(‏ ولله الاسماء الحسني فادعوه بها‏)‏ وكذلك قوله‏:(‏ تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام‏)[‏ الرحمن‏:78]‏ فالآية تعني أن اسم الله تنزه وتمجد وتعظم وتقدس عن كل معاني النقص لأنه سبحانه له مطلق الحسن والجلال وكل معاني الكمال والجمال‏,‏ فليس من اسمائه الحسني الماكر والخادع والفاتن والمضل والمستهزئ والمكايد ونحوها لأن ذلك يكون كمالا في موضع ونقصا في آخر‏,‏ فلا يوصف الله به إلا موضع الكمال فقط كما ورد به نص القرآن والسنة‏.‏

ارتباط البحث في الموسوعات الالكترونية بالشروط المنهجية أظهرت مفاجأة لم تكن متوقعة

هذه هي الشروط التي تضمنها قوله تعالي‏:(‏ ولله الاسماء الحسني فادعوه بها‏)‏ وعندما تتبعت ما ورد في الكتاب والسنة من خلال الموسوعات الالكترونية واستخدام تقنية البحث الحاسوبية‏,‏ وما ذكره مختلف العلماء الذين تكلموا في احصاء الاسماء‏,‏ والذين بلغ احصاؤهم جميعا ما يزيد علي المائتين والثمانين اسما ثم مطابقة هذه الشروط علي ما جمعوه أكثر من مرة‏,‏ فإن النتيجة التي يمكن لأي باحث أن يصل إليها هي تسعة وتسعون اسما فقط دون لفظ الجلالة‏,‏ وأكرر تسعة وتسعون اسما فقط‏,‏ وهو إعجاز جديد بتقنية الكمبيوتر يصدق قول النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث‏:(‏ إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا‏)‏ وقد كانت مفاجأة لي كما هو الحال لدي القارئ‏,‏ أما الاسماء الثابتة الصحيحة فسوف نعرضها بأدلتها التفصيلية في العدد القادم بإذن الله‏.‏