المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة حقوق الجار للعلامتين بن باز والالبانى



ابو اسامه المصرى
04-07-2010, 05:58 PM
حمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم .. وبعد :
الله سبحانه ذكر الإحسان إلى الجار بعد ذكر عبادته وحده لاشريك له، وبعد ذكر حقوق الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، مما يدل على عظم هذه الحقوق وتأكيدها، قال تعالى { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } (النساء : 36 )
قال ابن عباس رضي الله عنه: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} يعني الذي بينك وبينه قرابة. {َالْجَارِ الْجُنُبِ} الذي ليس بينك وبينه قرابة.
والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالجار، وبين أن ذلك إنما هو بأمر الله عز وجل فقال صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه» متفق عليه. أي: حتى ظننت أنه سيجعل له نصيباً من الميراث ويدخله في جملة الورثة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره» متفق عليه.
حد الجوار
يطلق وصف الجار على من تلاصق داره دارك ، وعلى غير الملاصق إلى أربعين داراً ، وقد سئل الحسن البصري عن الجار فقال: «أربعين دارا أمامه وأربعين خلفه وأربعين عن يمينه وأربعين عن يساره» رواه البخاري في الأدب المفرد.
وروي عن علي رضي الله عنه أن من سمع النداء فهو جار.
وقيل: إن من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار.
وقد جعل الله عز وجل الاجتماع في المدينة جواراً، قال تعالى { لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً } (الأحزاب : 60 ) مما يدل على أن حد الجوار أكبر من ذلك.
من حقوق الجار
1- أن يسمح الرجل لجاره بغرز خشبه في جداره، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لايمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره. ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين ؟! والله لأرمين بها بين أكتافكم» متفق عليه.
وجمهور العلماء حملوه على الندب والاستحباب وبر الجار والتجاوز له والإحسان إليه، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: «لايحل مال امرى مسلم إلا عن طيب نفس منه» أخرجه البيهقي.
2- أن يتعاهد جيرانه ويطعمهم من طعامه إن رأوه أو شموا رائحته ويطفئ جوعهم إن علم بذلك وقدر عليه فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها ، وتعاهد جيرانك» رواه مسلم.
وروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعان وجاره جائع إلى جنبه» أخرجه الحاكم.
3- أن يقدم الجار الأقرب في الهدية مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لما سألته : «يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابا» رواه البخاري.
والحكمة في ذلك أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوق لها، بخلاف الأبعد، كما أن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المهمات ولا سيما في أوقات الغفلة.
كما أنه على المهدى له أن لا يستقله ويحتقره وإن كان قليلاً ولأجل كل ذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: «يا نساء المسلمات ، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» متفق عليه.
والفرسن: عظم قليل اللحم ، وهو خف البعير كالحافر للدابة.
4- أن يعينه إذا استعان به.
5- أن يقرضه إذا استقرضه.
6- أن يعوده إذا مرض.
7- أن يهنئه إذا أصابه خير.
8- أن يعزيه إذا أصابته مصيبة.
9- أن يتبع جنازته إذا مات.
10- أن لا يستطيل عليه بالبنيان فيحجب عنه الريح إلا بإذنه.
11- إن اشترى فاكهة فليهد له منها.
قال الغزالي: اعلم أنه ليس حق الجوار كف الأذى فقط بل احتمال الأذى، ولايكفى احتمال الأذى بل لابد من الرفق وإسداء الخير والمعروف.
مراتب الجــيــــــران
1- جار له حق واحد وهو المشرك له حق الجوار.
2- وجار له حقان وهو الجار المسلم له حق الجوار وحق الإسلام.
3- وجار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم له رحم له حق الجوار وحق الإسلام وحق القربى.
وأما من حيث القرب فالجار إما أن يكون قريباً منك وإما بعيداً، ملاصقاً أو غير ملاصق، ورتبة هؤلاء تتفاوت من حيث عدد الحقوق ومدى القرب، والجار الأقرب يُقَدم على الجار الأبعد، وهو ما استشعره علماء الإسلام ، فهذا الإمام البخاري نجده يبوب في كتابه (الأدب المفرد) «باب الأدنى فالأدنى من الجيران»، وذلك تنبيهاً على قدره، ويترتب عليه حسن المعاملة والوقوف بجانبه واجتناب أذيته ، وهذا من شأنه أن يكفل التعايش بين الناس في طمأنينة بسبب استشعار هذا البعد الديني في المعاملات ، وتحقيق الرحمة التي جاء بها الإسلام، وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يسمي نفسه بها ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: «أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة» رواه مسلم.
حقوق الجار غير المسلم
اعتنت الشريعة الإسلامية الغراء بحقوق غير المسلمين، ومعلوم أن الذين يحظون بكل هذه العناية هم الذين لا يؤذون جماعة المسلمين، ولا يكيدون لهم كيداً، ولا يناصبونهم العداء، ولهم ذمة.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في حسن تعامله مع جيرانه من غير المسلمين ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار» رواه البخاري.
وهذا عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - وقد ذبح شاة نجده يقول: «أهديتم لجاري اليهودي ؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» رواه أبو داود.
فالخلاف في الدين لا يوجب ظلم الناس، والمحافظة على حقوقهم مع اختلاف العقيدة ماداموا ملتزمين بواجباتهم.
النتائج والثمرات
1- هي سبب في تعمير الديار لما يحس به المرء من راحة البال بجوار جاره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة ، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار» أخرجه أحمد.
2- يقبل الله عز وجل شهادة جيرانه في حقه بالخير ويغفر له ما لا يعلمون وفي ذلك روى أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أبيات من جيرانه الأدنين إلا قال: قد قبلت فيه علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون» أخرجه أحمد والحاكم.
3- هي سبب رفع منزلته في الدنيا لأن الإحسان إلى الجار والكف عن أذيته من مكارم الأخلاق التي تعد شرطاً في المروءة.
4- هي سبب رفع منزلته عند الله عز وجل. وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب عند الله عز وجل خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» أخرجه أحمد والترمذي.
5- هي سبب سعادة المرء، وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم: «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح ، والمركب الهنيء » أخرجه ابن حبان.
كيف أكسب جاري
ما نراه اليوم من جفوة بين الجيران وخصومات وسوء عشرة وعداوة في بعض الأحيان ما هو إلا نتاج الإهمال والتفريط فهذه وسائل وطرق شرعية تحفظ دفء العلاقات بين الجيران منها:
1- كف الأذى وبذل الندى.
2- البدء بالسلام.
3- طلاقة الوجه.
4- المواساة في الشدة.
5- احترام الخصوصيات.
6- قبول الأعذار بالمسامحة والرفق واللين.
7- النصح برفق ولين.
8- الستر وترك التعيير.
9- الزيارة في الأوقات المناسبة.
10- المجاملة اللطيفة.
الترهيب من الإساءة إلى الجار
لاشك أن الأذية للجار أعظم من أذية غيره، وكلما كانت أكبر كانت أعظم حتى قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : «لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره، وقال : ما تقولون في السرقة؟ قالوا : حرمها الله ورسوله، فهي حرام . قال : لأن يسرق الرجل عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره» أخرجه أحمد .
وفي حقهم قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث هن العواقر: إمام إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر وجار إن رأى خيرا دفنه وإن رأى شرا أشاعه وامرأة إن حضرتك آذتك وإن غبت عنها خانتك» أخرجه الطبراني في المعجم الكبير .
ومن كان متصفاً بهذه الصفات السيئة لزم أن يكون ناقص الإيمان إن لم يكن عديمه وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل : ومن يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه» رواه البخاري.
وفي هذا الحديث تأكيد لحق الجار ، لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتكريره اليمين ثلاث مرات ، وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل حسب ظاهر الحديث . وقد حمله كثير من العلماء على أن مراده نفي كمال الإيمان ولا شك أن العاصي غير كامل الإيمان .
عاقبة الإساءة إلى الجار
1- عدم حمد أحد سلوكه في الدنيا ، وتشكي الناس من سوء فعاله كما في الحديث الذي اشتكى فيه أحدهم من سوء معاملة جاره له . وفي وصية لقمان لابنه ، قال: «يابني ، حملت الجندل و الحديد فلم أر شيئاً أثقل من جار سوء وذقت المرار كله فلم أر شيئاً أمر من الفقر» رواه ابن أبي شيبة والبيهقي.
2- انتشار سوء الجوار من علامات الساعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبغض الفحش والتفحش، والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يخون الأمين ويؤتمن الخائن حتى يظهر الفحش والتفحش وقطيعة الأرحام وسوء الجوار...» رواه أحمد والحاكم في المستدرك.
3- أول الخصوم يوم القيامة هم الجيران لعظم الذنب المقترف في حقهم واستهانة الناس بهم. رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أول خصمين يوم القيامة : جاران» رواه أحمد والطبراني في الكبير .
4- العذاب بالنار إلا أن يتغمده الله برحمته ، عن أبى هريرة رضي الله عنه أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: «إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها، هي من أهل النار» رواه البخاري في الأدب المفرد.
نقلته من سلسلة حقوق الجار فى شريعة الاسلام للعلامتين بن باز والالبانى
رجاء الثواب والفائده والخير للاسلا والمسلمين
ابو اسامه المصرى

ابو اسامه المصرى
04-07-2010, 06:00 PM
الجار قبل الدار.. مقولة شائعة بين الناس، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار، والجار الصالح من السعادة.


فضل الإحسان إلى الجار في الإسلام :


لقد عظَّم الإسلام حق الجار، وظل جبريل عليه السلام يوصي نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بالجار حتى ظنَّ النبي أن الشرع سيأتي بتوريث الجار: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سَيُورِّثه". وقد أوصى القرآن بالإحسان إلى الجار: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)[النساء:36].


وانظر كيف حض النبي صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى الجار وإكرامه: "...ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره". وعند مسلم: "فليحسن إلى جاره".


بل وصل الأمر إلى درجة جعل فيها الشرع محبة الخير للجيران من الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه".


والذي يحسن إلى جاره هو خير الناس عند الله: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره".


من هو الجار؟


الجار هو مَن جاورك، سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا، وأما حد الجوار فقد تعددت أقوال أهل العلم في بيان ذلك الحد، ولعل الأقرب – والعلم عند الله – أن ما تعارف عليه الناس أنه يدخل في حدود الجوار فهو الجار. والجيران يتفاوتون من حيث مراتبهم،فهناك الجار المسلم ذو الرحم ، وهناك الجار المسلم ، والجار الكافر ذو الرحم ،والجار الكافر الذي ليس برحم ،وهؤلاء جميعا يشتركون في كثير من الحقوق ويختص بعضهم بمزيد منها بحسب حاله ورتبته.


من صور الجوار:


يظن بعض الناس أن الجار هو فقط من جاوره في السكن، ولا ريب أن هذه الصورة هي واحدة من أعظم صور الجوار، لكن لا شك أن هناك صورًا أخرى تدخل في مفهوم الجوار، فهناك الجار في العمل، والسوق، والمزرعة، ومقعد الدراسة،... وغير ذلك من صور الجوار.


و المسلم يلتزم بحقوق جيرانه كاملة، كما وضحها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حيث روى أنه قال: (أتدرون ما حق الجار؟ إن استعان بك أعنته، وإن استنصرك نصرته، وإن استقرضك أقرضته، وإن افتقر عدت عليه، وإن مرض عدته، وإن مات تبعت جنازته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا تَسْتَعْلِ عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له، فإن لم تفعل فأدخلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده، ولا تؤذه بقتار قِدْرِك (رائحة طعامك) إلا أن تغرف له منه، ثم قال: أتدرون ما حق الجار؟ والذي نفسي بيده، لا يبلغ حقَّ الجار إلا من رحمه الله) [البزار].


من حقوق الجار:


لا شك أن الجار له حقوق كثيرة نشير إلى بعضها، فمن أهم هذه الحقوق:


1- رد السلام وإجابة الدعوة:


وهذه وإن كانت من الحقوق العامة للمسلمين بعضهم على بعض، إلا أنها تتأكد في حق الجيران لما لها من آثار طيبة في إشاعة روح الألفة والمودة.


2- كف الأذى عنه:


نعم فهذا الحق من أعظم حقوق الجيران، والأذى وإن كان حرامًا بصفة عامة فإن حرمته تشتد إذا كان متوجهًا إلى الجار، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أذية الجار أشد التحذير وتنوعت أساليبه في ذلك، واقرأ معي هذه الأحاديث التي خرجت من فم المصطفى صلى الله عليه وسلم:


• "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: مَن لا يأمن جاره بوائقه".


• ولما قيل له: يا رسول الله! إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار، وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها. قال: "لا خير فيها، هي في النار".


"لا يدخل الجنة مَن لا يأمن جاره بوائقه".


• وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه أذى جاره. فقال: "اطرح متاعك في الطريق". ففعل؛ وجعل الناس يمرون به ويسألونه. فإذا علموا بأذى جاره له لعنوا ذلك الجار. فجاء هذا الجار السيئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو أن الناس يلعنونه. فقال صلى الله عليه وسلم: "فقد لعنك الله قبل الناس".


3- تحمل أذى الجار:


وإنها والله لواحدة من شيم الكرام ذوي المروءات والهمم العالية، إذ يستطيع كثير من الناس أن يكف أذاه عن الآخرين، لكن أن يتحمل أذاهم صابرًا محتسبًا فهذه درجة عالية: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)[المؤمنون:96]. ويقول الله تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)[الشورى:43]. وقد ورد عن الحسن – رحمه الله – قوله: ليس حُسْنُ الجوار كفّ الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى.


4- تفقده وقضاء حوائجه:


إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم". وإن الصالحين كانوا يتفقدون جيرانهم ويسعون في قضاء حوائجهم، فقد كانت الهدية تأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيبعث بها إلى جاره، ويبعث بها الجار إلى جار آخر، وهكذا تدور على أكثر من عشرة دور حتى ترجع إلى الأول.


ولما ذبح عبد الله بن عمر رضي الله عنهما شاة قال لغلامه: إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي. وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: "إلى أقربهما منكِ بابًا".


5- ستره وصيانة عرضه:


وإن هذه لمن أوكد الحقوق، فبحكم الجوار قد يطَّلع الجار على بعض أمور جاره فينبغي أن يوطن نفسه على ستر جاره مستحضرًا أنه إن فعل ذلك ستره الله في الدنيا والآخرة، أما إن هتك ستره فقد عرَّض نفسه لجزاء من جنس عمله: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت:46].


وقد كان العرب يفخرون بصيانتهم أعراض الجيران حتى في الجاهلية، يقول عنترة:


وأغض طرفي إن بدت لي جارتي.. ... ..حتى يواري جارتي مأواها


وأما في الإسلام فيقول أحدهم:


ما ضـر جاري إذ أجاوره ألا يـكــون لبـيـته ســــتـر


أعمى إذا ما جارتي خرجت حتى يواري جارتي الخدر


وأخيرًا فإننا نؤكد على أن سعادة المجتمع وترابطه وشيوع المحبة بين أبنائه لا تتم إلا بالقيام بهذه الحقوق وغيرها مما جاءت به الشريعة، وإن واقع كثير من الناس ليشهد بقصور شديد في هذا الجانب حتى إن الجار قد لا يعرف اسم جاره الملاصق له في السكن، وحتى إن بعضهم ليغصب حق جاره، وإن بعضهم ليخون جاره ويعبث بعرضه وحريمه، وهذا والله من أكبر الكبائر. سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ ". عدَّ من الذنوب العظام: "أن تزاني حليلة جارك".


نسأل الله أن يعيننا والمسلمين على القيام بحقوق الجوار.. وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.



منقول