المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حفظ رأس المال أولى من طلب الربح !



مالك مناع
04-09-2010, 02:14 AM
مدارك النظر: للشيخ عبد المالك الرمضاني.

لماذا عُنِيَت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالرد على الفرق المنحرفة ـ كالطرق الصوفية ـ أكثر من عنايتها بالرد على الإلحاد، مع وجود الاستعمار الفرنسي؟

هذه شبهة تَرِد كثيرا على لسان من لم يتضلَّع بمنهج السلف يجيب عنها الشيخ محمد البشير الإبرهيمي ـ رحمه الله ـ بقوله:

" وإنك لا تُبْعِد إذا قلت: إن لفشوِّ الخرافات وأضاليل الطرق بين الأمة أثرا كبيرا في فشوّ الإلحاد بين أبنائها المتعلمين تعلُّما أوروباويا الجاهلين بحقائق دينهم، لأنهم يحملون من الصغر فكرة أن هذه الأضاليل الطرقية هي الدين، وأن أهلها هم حملة الدين، فإذا تقدم بهم العلم والعقل لم يستسغها منهم علم ولا عقل، فأنكروها حقا وعدلاً، وأنكروا معها الدين ظلما وجهلاً، وهذه إحدى جنايات الطرقية على الدين. أرأيت أن القضاء على الطرقية قضاء على الإلحاد في بعض معانيه وحسم لبعض أسبابه. وقد قرأت في هذه الأيام لكاتب تونسي مقالاً ينعى فيه على جمعية العلماء إهمالها لهذه الجهة من جهات الفساد وهي الإلحاد، واعتذر عن علماء جامع الزيتونة بأنهم ـ وإن قعدوا في نواحي الإصلاح التي تخبّ فيها جمعية العلماء وتضع ـ قاموا في حرب الإلحاد بما شكرهم عليه، ولكنه حصر عملهم في هذا السبيل في خطب جمعية ينددون فيها بالإلحاد ويحذرونه، وفات هذا الكاتب الفاضل أن جمعية العلماء لم تسكت عن الإلحاد، بل هاجمته في أمنع معاقله، ونازلته في أضيق ميادينه، كما فاته أن صرعى الإلحاد لايغشون المساجد، فما تأثير الخطب الجمعية التي تلقى على المصلين؟ وهل يداوَى المريض بتحذير الأصحاء من المرض أو أسباب المرض؟ إلا أن العالم المرشد كالطبيب لا ينجح في إنقاذ المريض من الموت إلا بغشيان مواقع الموت ومباشرة جراثيم الموت ". (1)

فالله أكبر ما أقوى المنهج السلفي! وما أبخس الأحزاب لقدره!

إذن فمواجهة هؤلاء حماية لديار المسلمين من أن تُغتال من تحتها، بجهاد المنافقين الذين يتسللون الصفوف لِواذا، قال الله تعالى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ} قال ابن القيم: " وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بتبليغ الحجة .. " إلى أن قال: " فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواصّ الأمة وورثة الرسل. والقائمون به أفراد في العالم، والمشاركون فيه والمعاونون عليه ـ وإن كانوا هم الأقلِّين عدداً ـ فهم الأعظمون عند الله قَدْراً .. "(2).

ولما كان هؤلاء منضوين تحت صفوف المسلمين، فإن أمرهم قد يخفى على كثير من الناس، فكان بيان حالهم ـ لمن ولاؤنا لهم فرض علينا ـ آكد، ولذلك قال ابن تيمية: " وإذا كان أقوام ليسوا منافقين ولكنهم سمّاعون للمنافقين، قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا، وهو مخالف للكتاب، وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين، كما قال تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}، فلا بد من بيان حال هؤلاء، بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم، فإن فيهم إيمانا يوجب موالاتهم، وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين، فلا بد من التحذير من تلك البدع، وإن اقتضى ذلك ذِكْرُهم وتعيينُهم، بل ولو لم يكن قد تَلَقَّوْا تلك البدعة عن منافق، لكن قالوها ظانِّين أنها هدى وأنها خير وأنها دين، ولو لم تكن كذلك لوجب بيان حالهم "(3).

وأما مواجهتهم من الخارج؛ فلأن العدو لا يدخل عليك بيتك إلا إذا كانت منافذه مفتوحة أو ضعيفة، والفرق الإسلامية المنحرفة عن الناجية هم منافذ الكفار، وهل يجهل المسلمون أثر المتصوفة في استعمار البلاد الإسلامية وإعانتهم الكفار على ذلك؟ وقد قال ابن تيمية في الشيعة الروافض: " وهم يستعينون بالكفار على المسلمين، وقد رأينا ورأى المسلمون أنه إذا ابتُلي المسلمون بعدوّ كافر كانوا معه على المسلمين، كما جرى لجنكزخان ملك التتر الكفار، فإن الرافضة أعانته على المسلمين، وأما إعانتهم لهولاكو ابن ابنِه لما جاء إلى خراسان والعراق والشام فهذا أظهر وأشهر من أن يخفى على أحد، فكانوا بالعراق وخراسان من أعظم أنصاره ظاهرا و باطنا، وكان وزير الخليفة ببغداد الذي يقال له ابن العلقمي منهم، فلم يزل يمكر بالخليفة والمسلمين، ويسعى بقطع أرزاق عسكر المسلمين وضعفهم، وينهى عن قتالهم ويكيد أنواعا من الكيد، حتى دخلوا فقتلوا من المسلمين ما يقال: إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان أو أكثر أو أقل ... ولما انكسر المسلمون سنة غازان أخذوا الخيل والسلاح والأسرى وباعوهم للكفار النصارى بقبرص، وأخذوا من مرَّ بهم من الجند، وكانوا أضر على المسلمين من جميع الأعداء ..."(4).

قلت: ولذلك كان أئمتنا أفقه من أن يداهنوا المنحرفين عن منهج السلف، بل رأوا جهادهم أكبر الجهادين، كما قال يحيى بن يحيى شيخ البخاري ومسلم: " الذبّ عن السنة أفضل من الجهاد "(5)، رواه الهرويُّ بسنده إلى نصر بن زكريا قال سمعتُ محمد بن يحيى الذهلي يقول سمعتُ يحيى بن يحيى يقول: " الذّبُّ عن السُّنّة أفضلُ من الجهاد في سبيل الله، قال محمد: قلتُ ليحيى: الرجلُ ينفِقُ مالَه ويُتْعِبُ نفسَه ويجاهد، فهذا أفضلُ منه؟! قال: نعم بكثير! "(6).

وقال الحميدي شيخ البخاري : " والله! لأن أغزو هؤلاء الذين يَرُدُّون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إلي من أن أغزو عِدَّتهم من الأتراك "(7)، يعني بالأتراك: الكفار. وقد وجدتُ مثل هذا عند من هو أعلى طبقةً من الحميدي؛ قال عاصم بن شُمَيْخ: فرأيتُ أبا سعيد ـ يعني الخدري ـ بعد ما كبِر ويداه ترتعش يقول: " قتالهم ـ أي الخوارج ـ أجلّ عندي من قتال عِدَّتهم من الترك "(8).

قلت: ولذلك قال ابن هبيرة في حديث أبي سعيد في قتال الخوارج: " وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين؛ والحكمة فيه أن قتالهم حفظ رأس مال الإسلام، وفي قتال أهل الشرك طلب الربح؛ وحفظ رأس المال أولى "(9).

وقال أبو عبيد القاسم بن سلاّم: " المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله "(10). وقال ابن القيم: " والجهاد بالحجة واللسان مقدَّم على الجهاد بالسيف والسنان "(11).

---------------

(1 ) » آثار محمد البشير الإبراهيمي « (1/132ـ133).
(2 ) » زاد المعاد « (3/5).
(3 ) » مجموع الفتاوى « (28/233).
(4 ) » منهاج السنة « (5/155ـ159)، وانظر » مدارج السالكين « لابن القيم (1/72).
(5 ) » مجموع الفتاوى « (4/13).
(6 ) (( ذمّ الكلام )) ق ( 111ـ أ ).
(7 ) رواه الهرويُّ بسنده في » ذمّ الكلام « (228 ـ الشبل).
(8 ) رواه ابن أبي شيبة (15/303) وأحمد (3/33)، هكذا وقع عنده: عاصم بن شميخ بالخاء وهو الصحيح، وقد رواه ابنه عبد الله في » كتاب السنة « (2/635) بإسناد أبيه نفسه إلا أنه جاء في المطبوع بتحقيق محمد بن سعيد القحطاني: عاصم بن شميج بالجيم، وقد كنت حسبته خطأ مطبعيا لولا أني وجدته مُثبَتا كذلك مرتين! قال محققه في أولاهما(2/634): " عاصم بن شميج! بمعجمتين مصغرا، وتشديد الجيم!! الغيلاني ... التقريب (1/384)!!!". فرجعت إلى » التقريب « فإذا فيه: " عاصم بن شميخ بمعجمتين مصغرا، أبو الفَرَجَّل بفتح الفاء والراء وتشديد الجيم ..."، فعرفت أن هذا الخطأ من تصرّف المحقق حين انقلبت عليه خاء اسم أبي عاصم إلى جيم كنيته، مع أن قراءة شميج بجيم مشددة متعذِّرة!
وهذه الرواية أعلّها المحقق بعكرمة بن عمار، إلا أنني وجدت لها متابعاً عند ابن أبي شيبة في » المصنف « (15/331) من طريق يزيد بن هارون قال أخبرنا العوام بن حوشب قال حدَّثني من سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول في قتال الخوارج: " لَهُوَ أحبّ إليّ من قتال الديلم "، ومثل هذه المتابعة تنفع على الرغم من جهالة من روى عنه العوام بن حوشب، كما أجابني به شيخاي الفاضلان: عبد المحسن العباد وربيع المدخلي إذا لم يكن في الإسناد مقال آخر، ولا سيما وأن المجهول من أهل القرون المشهود لها بالخيرية كما نبّه عليه ابن كثير في » الباعث الحثيث « ص (97)، مع العلم أنه ممن ثبت سماعه من أبي سعيد ـ كما مرّ ـ وليس هو عاصم بن شميخ الذي في إسناد أحمد؛ لأنه ليس في شيوخ العوام، وحديث عكرمة ينجبر؛ لأن ضعفه يسير، فقد قال فيه الحافظ في » التقريب « رقم (276): " صدوق يغلط " والله أعلم.
فائدة: نقل ابن منظور في » لسان العرب « في مادة: ( دلم ) عن ابن سيده أن الديلم جيل من الناس من الترك.
(9 ) » فتح الباري « لابن حجر (12/301).
(10 ) » تاريخ بغداد « (12/410).
(11 ) » شرح القصيدة النونية « للشيخ محمد خليل هراس (1/12)، وانظر: » الجواب
الصحيح « لابن تيمية (1/237).

مالك مناع
10-28-2010, 12:53 AM
من أعظم أسباب تسلط الكفار على المسلمين:

قال شيخ الإسلام كما مجموع الفتاوى (13 / 177_ 182): "وهذا الجعد اليه ينسب مروان بن محمد الجعدي، آخر خلفاء بنى أمية، وكان شؤمه عاد عليه حتى زالت الدولة، فإنه إذا ظهرت البدع التى تخالف دين الرسل انتقم الله ممن خالف الرسل وانتصر لهم، ولهذا لما ظهرت الملاحدة الباطنية، وملكوا الشام وغيرها، ظهر فيها النفاق والزندقة، الذى هو باطن أمرهم، وهو حقيقة قول فرعون إنكار الصانع وإنكار عبادته، وخيار ما كانوا يتظاهرون به الرفض! فكان خيارهم وأقربهم الى الإسلام الرافضة !! وظهر بسببهم الرفض والالحاد، حتى كان من كان ينزل الشام مثل بني حمدان الغالية ونحوهم متشيعين وكذلك من كان من بني بويه فى المشرق.

وكان ابن سينا وأهل بيته من أهل دعوتهم قال: و"بسبب ذلك اشتغلتُ فى الفلسفة"؛ وكان مبدأ ظهورهم من حين تولى المقتدر، ولم يكن بلغ بعد، وهو مبدأ انحلال الدولة العباسية، ولهذا سمى حينئذٍ بأمير المؤمنين الأموي الذى كان بالأندلس، وكان قبل ذلك لا يسمى بهذا الاسم، ويقول لا يكون للمسلمين خليفتان. فلما ولى المقتدر؛ قال هذا صبي، لا تصح ولايته، فسمى بهذا الاسم، وكان بنوا عبيد الله القداح الملاحدة يسمون بهذا الاسم، لكن هؤلاء كانوا فى الباطن ملاحدة زنادقة منافقين وكان نسبهم باطلا كدينهم بخلاف الأموي والعباسي فإن كلاهما نسبه صحيح وهم مسلمون كأمثالهم من خلفاء المسلمين.

فلما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسول؛ سلطت عليهم الأعداء، فخرجت الروم النصارى الى الشام والجزيرة مرة بعد مرة، وأخذوا الثغور الشامية شيئاً بعد شيء، إلى أن أخذوا بيت المقدس فى أواخر المائة الرابعة. وبعد هذا بمدة حاصروا دمشق، وكان أهل الشام بأسوأ حال: بين الكفار النصارى، والمنافقين الملاحدة، إلى أن تولّى نور الدين الشهيد، وقام بما قام به من أمر الاسلام وإظهاره والجهاد لأعدائه. ثم استنجد به ملوك مصر بنو عبيد على النصارى، فأنجدهم وجرت فصول كثيرة، الى أن أخذت مصر من بني عبيد، أخذها صلاح الدين يوسف بن شادي، وخطب بها لبني العباس، فمن حينئذ ظهر الاسلام بمصر بعد أن مكثت بأيدي المنافقين المرتدين عن دين الاسلام مائة سنة فكان الإيمان بالرسول والجهاد عن دينه سببا لخير الدنيا والآخرة وبالعكس البدع والالحاد ومخالفة ما جاء به سبب لشر الدنيا والآخرة .

فلما ظهر فى الشام ومصر والجزيرة الالحاد والبدع سلط عليهم الكفار ولما اقاموا ما أقاموه من الاسلام وقهر الملحدين والمبتدعين نصرهم الله على الكفار تحقيقا لقوله: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون فى سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة فى جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ).

وكذلك لما كان أهل المشرق قائمين بالإسلام؛ كانوا منصورين على الكفار المشركين من الترك والهند والصين وغيرهم، فلما ظهر منهم ما ظهر من البدع والإلحاد والفجور سلّط عليهم الكفار. قال تعالى: (وقضينا الى بني اسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فاذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وان عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً ).

وكان بعض المشايخ يقول: هولاكو - ملك الترك، التتار الذى قهر الخليفة بالعراق، وقتل ببغداد مقتلة عظيمة جدا، يقال: قتل منهم ألف ألف !! وكذلك قتل بحلب دار الملك حينئذ - كان بعض الشيوخ يقول: هو للمسلمين بمنزلة بختنصر لبني اسرائيل.

وكان من أسباب دخول هؤلاء ديار المسلمين: ظهور الإلحاد والنفاق والبدع، حتى أنه صنف الرازي كتاباً فى عبادة الكواكب والأصنام وعمل السحر، سمّاه: السر المكتوم فى السحر ومخاطبة النجوم، ويقال أنه صنفه لأم السلطان علاء الدين محمد بن لكش بن جلال الدين خوارزم شاه، وكان من أعظم ملوك الأرض، وكان للرازي به اتصال قوى، حتى أنه وصى إليه على أولاده، وصنف له كتابا سمّاه: الرسالة العلائية فى الاختيارات السماوية.

وهذه الاختيارات لأهل الضلال بدل الاستخارة التى علّمها النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين، كما قال جابر فى الحديث الصحيح الذى رواه البخاري وغيره: (كان رسول الله يعلمنا الإستخارة فى الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر؛ فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، اللهم ان كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسميه باسمه- خير لي في دينى، ومعاشي، وعاقبة أمري، فاقدره لى، ويسره، ثم بارك لى فيه. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر؛ شرٌّ لي فى ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، فاصرفه عنى واصرفنى عنه، واقدر لى الخير حيث كان ثم رضنى به).

وأهل النجوم لهم اختيارات، إذا أراد أحدهم أن يفعل فعلا؛ أخذ طالعاً سعيداً، فعمل فيه ذلك العمل لينجح بزعمهم، وقد صنف الناس كتباً فى الرد عليهم، وذكروا كثرة ما يقع من خلاف مقصودهم، فيما يخبرون به ويأمرون به، وكم يخبرون من خبر فيكون كذباً، وكم يأمرون باختيار فيكون شراً. والرازي صنف الاختيارات لهذا الملك !! وذكر فيه الاختيار لشرب الخمر، وغير ذلك .. كما ذكر فى السر المكتوم فى عبادة الكواكب ودعوتها، مع السجود لها والشرك بها ودعائها !! مثل ما يدعو الموحدون ربهم، بل أعظم !! والتقرب اليها بما يظن أنه مناسب لها من الكفر والفسوق والعصيان، فذكر أنه يتقرب إلى الزهرة بفعل الفواحش وشرب الخمر والغناء ونحو ذلك مما حرمه الله ورسوله.

وهذا فى نفس الأمر؛ يقرب إلى الشياطين الذين يأمرونهم بذلك، ويقولون لهم: إن الكوكب نفسه يحب ذلك، وإلا فالكواكب مسخرات بأمر الله، مطيعة لله، لا تأمر بشرك ولا غيره من المعاصى، ولكن الشياطين هى التى تأمر بذلك، ويسمونها روحانية الكواكب، وقد يجعلونها ملائكة، وإنما هى شياطين. فلما ظهر بأرض المشرق مثل هذا الملك ونحوه، ومثل هذا العالم ونحوه، ما ظهر من الإلحاد والبدع .. سلط الله عليهم الترك المشركين الكفار فأبادوا هذا الملك، وجرت له أمور فيها عبرة لمن يعتبر، ويعلم تحقيق ما أخبر الله به فى كتابه حيث يقول: (سنريهم آياتنا فى الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) - أي أن القرآن حق - وقال: (سأريكم آياتى فلا تستعجلون) وبسط هذا له موضع آخر.

والمقصود هنا: أن دولة بنى أمية كان انقراضها بسبب هذا الجعد المعطل، وغيره من الأسباب، التى أوجبت إدبارها .."

انتهى كلامه رحمه الله ..