المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤال بسيط



فتى الإسلام
04-14-2010, 11:16 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي سؤال بسيط
هل للملحد توبة؟ وإذا تاب الملحد فهل تتبدل سيئاته حسنات؟
شكرا لكم

عبد الغفور
04-14-2010, 11:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم..

السؤال :

أنا من أتباع الشيوعية، ومن معاديّي الإسلام، ومن الناس الذين أشركوا بالله، وكذبوا باليوم الآخر، وها أنا الآن قد سئمت من حياتي، ومن كل ما صنعت يداي، وأريد التوبة والمغفرة، وقد نويت الالتزام.
أريد أن يكون ذلك عن طريق هذا الموقع، سائلاً منكم أن تدلوني على الطريق الصواب، وإن كان في الإمكان أن أتعلم الإسلام، وأن أكون من شيوخ الإسلام على أيديكم ومن موقعكم هذا.
وأنا جاهز أن أكون في كل محاضرات وتعاليم الإسلام.

كما أريد أن أعلم شيئًا عن هاتين الآيتين: (إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يُشرِك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدًا)، (إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).
هل معناها أن الله لا يغفر لمن يشرك به أحدًا و لو تاب عن ذلك؟؟
مع العلم أني في الأساس مسلم مُرتد عن الدين.
وشكرًا.

الجواب :

الأخ الحبيب هيثم؛
حمدًا لله سبحانه أن أعادك إلى بحبوحة رحمته، ورضوان طاعته، ومرحبًا بك أخًا مسلمًا مع أهل الإيمان، تزيد بهم ويزيدون بك، وتقوَى بهم ويقوون بك.
وهنيئًا لك ذلك النعيم الذي فتح الله له قلبك، نعيم الطاعة وحلاوة القرب من الله والأنس به سبحانه، والاطمئنان بمعيَّته، ففي الدنيا جنَّةٌ، مَن لم يدخلها لم يدخل جنَّة الآخرة، تلكم هي جنَّة القرب من الله والأنس به.
وما هداك الله سبحانه إلى رحابه، وأنقذك من خبيث الشرك ودرن المعصية، إلا لأنَّه يحبُّك، وإلا لتركك كالكثيرين ممَّن هانوا عليه فتركهم يرتعون في عفن المعصية وحمأة التمرُّد على الحقّ، فإنَّه سبحانه ما عُصي في الدنيا إلا بإرادته الكونيَّة، ولو شاء لهدى الناس جميعًا، ولكن تركهم، فعصاه عاصيهم لهوانه على الله، وأطاعه طائعهم لمكانته عند الله.
فالله – عزَّ وجلَّ - يُعطِى الدنيا مَن يحبُّ ومن لا يُحبّ، ولكنَّه لا يُعطِى الدين إلا لمن يحبّ، ولا يهدي لرحابه إلا من يريد أن يقرِّبه منه ويدخله جنَّته في الدنيا قبل الآخرة.

فهنيئًا لك – أخي - هذه التوبة وتلك الأوبة، وهنيئًا لك هذا الرجوع إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها.
واعلم أنَّ التوبة تَجُبُّ ما قبلها، كما أنَّ الإسلام يَجُبُّ ما قبله، وأنَّ خيار الناس في الجاهليَّة هم خيارهم في الإسلام، ولأن الله مَنَّ عليك بنعمة الإيمان، وأنقذك من دنس المعصية، فإنَّه مِن شُكر هذه النعمة أن تنتقل إلى الإسلام بخير ما أودعه الله فيك من علمٍ ومعرفةٍ ومن إمكاناتٍ ومواهب، فتسخِّر كلَّ ذلك في الدعوة لدين الله والذَّوْد عنه، وتفنيد شُبَه خصومه ودحض حججهم، وأنت بذلك أعلم ممَّن لم تكن له مثل تجربتك، ومَن لم يطرق ما طرقت من ميادين، فالذي يعرف الشرَّ والجاهليَّة أكثر من غيره قدرةً على أن يتصدَّى لها فكريّا، وعلى أن يفضحها أخلاقيّا وقيميّا.

وإن تكن ذنوبك عظُمَت فالله أعظم، أو كثُرت فالله أكثر، وكم من حائدٍ عن طريقه أصبح من أخلص أوليائه، وكم من محاربٍ له أصبح محاربًا عن دينه ومنهجه، والأمثلة على ذلك كثيرة، فقد كان الفضيل بن عياض قاطعًا للطريق، ثمَّ أصبح من علامات الطريق إلى الله وأدلَّته.
وجاء عمير بن وهب من مكة متوشِّحًا سيفه عازمًا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فعاد وقد فتح الله قلبه للإيمان، وأخذ على نفسه عهدًا ألا يدع موطنًا نال فيه من الإسلام ونبيِّه إلا ويدعو فيه إلى الإسلام ويذُبّ عنه.

على أنَّني – أخي الكريم - يُهمُّني أن أتوجَّه إليك ببعض النصائح – والدين النصيحة، لله ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامتهم -:
أوَّلاً: لقد عشتَ وحشة البعد عن الله، وجرَّبتَ معصيته، ثمَّ ها أنت ذا تعود إلى رحابه بفضلٍ منه سبحانه، فاستمسك بهذه النعمة العظيمة التي منَّ الله بها عليك، وأدِّ حقَّها، وحقُّ النعمة شكرها، وشكرها كما يكون باللسان والقلب يكون بالعمل، والعمل هنا يتمثَّل في أكثر من ناحية:
- يتمثل في أن تعمل دومًا على الارتقاء بذاتك علميّا بالمعنى الشامل للعلم: العلم الشرعي الذي تصِح به عقيدتك وعبادتك وقراءتك لكتاب الله، ولئن كنتَ قد أمضيت سنوات تطَّلع فيها على أبواب من المعرفة قد تكون نافعة، لكنها لا تبنى شخصيتك المسلمة، فإنه حق عليك الآن بعد أن عرفت الحق أن تلزمه، ولن يكون ذلك إلا بالعلم، وإنما العلم بالتعلم، ولذا فإني أنصحك أخي أن يكون لك منهج في الانفتاح على العلوم الشرعية، ولنبدأ بما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجة بسند صحيح.
والعلم الذي هو فريضة هو الذي لا يسع مسلمًا الجهل به في جوانب: العقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق.
فلتتعلم ما تصح به عقيدتك، وتصح به عبادتك، وتسلم به معاملتك، من بيع أو شراء أو تجارة أو نكاح أو غيرها، وتستقيم به أخلاقك؛ لأن أكثر ما يدخل الناس الجنة حُسن الخلق، كما ورد عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
فإذا أسستَ هذا الأساس، فلتنتقل إلى البناء المعرفي المتكامل من العلوم الشرعية، وهذا بالطبع لن يكون بين عشية وضحاها، ولكن يتحقق بالجهد والإخلاص في طلب العلم.
وهذا باب واسع، ولكن لا أقل من قدر من الإلمام بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وشيء عن علوم القرآن والحديث الشريف، مع الاهتمام بواقع المسلمين، فمَن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
وأرجو أن يكون في موقفنا هذا ما يدلك على منهج للبناء العلمي والمعرفي في هذا السبيل.
ثم لنعمل على الارتقاء بنفسك روحيّا، فالعلم سبيل إلى العمل، والقلب له حياة وغذاء، كما أن الجسد كذلك، ولا شك أنك بتجربتك التي خُضتها، وبالإيمان الذي أفاض الله به عليك تعلم ذلك وتحسه.
ولهذا لابد أن تعمل دومًا على الارتقاء في هذا الجانب، وذلك أيضًا بقدر من التعلم من كتب القوم، كمنهاج العابدين للغزالي، وأخبار الغزالي أيضًا، وتقوى القلوب لأبي طالب المكي، والرسالة التفسيرية شرح الحكم العطائية، إلى غير ذلك من الكتب التي رسم بها هؤلاء الأعلام الطريق إلى الله تعالى والمسلمون معاني الإخلاص والتوكل والتسليم والصبر والرضى، على أن العلم هنا لا ينفع وحده، بل لابد من السلوك، فليكن لك زادك الروحي من ورد قرآني، ومحافظة على أذكار الصباح والمساء، وحبذا لو استمسكت بركعتين في جوف الليل أو صيام بعض النوافل.
ثم يأتي دورك كمسلم، مُطالَب أن يقوم بدعوة غيره إلى الإيمان والطاعة على أنني هنا - أخي الكريم - أنبهك ألا تتصدى لقضايا خلافية أو تدخل في مشكلات فقهية، ففي أساسيات الإسلام والإيمان، وفي المتفق عليه، كفاية لأن نقوم بدورنا في الدعوة.
وكل مسلم قادر على أن يقوم بواجبه في الدعوة إلى الله بعمله الصالح وسلوكه القويم، وبالحكمة والموعظة الحسنة، في الأمور الواضحة البيّنة التي يجهلها كثير من المسلمين.
واعلم أن إخلاص الداعية وصدقه هو أهم ما يؤثر فيمَن يدعوه، ولعلك بإخلاصك وصدقك في نقل تجربتك لآخرين ستكون إن شاء الله خير هادٍ لغيرك ممَّن لا يزال بعيدًا عن الله سبحانه وتعالى.

ثانيًا: اعلم يا أخي أن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، فإن المُنبتَّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى، فهنيئًا لك هداية الله، ويُحمَد لك رغبتك الدافعة في أن تتعرف على أمور دينك، وأن تكون من دعاته، ولكن الأمر - أخي - يحتاج إلى رفق وتؤدة، حتى تقيم بناءك الروحي والعلمي بشكل صحيح، فإياك أن تأخذك العاطفة والحماسة، فتندفع تريد أن تعرف كل شيء وتقوم بكل شيء، وتتصدى لكل باطل، هكذا بلا تدرج ولا تخطيط.
فالتدرج سُنَّة من سنن هذا الدين، ومعلم من أهم معالمه، هكذا علمنا الله سبحانه، فقد ذمَّ الخمر مرتين وحرمها في الثالثة، وبدأ بتأسيس العقيدة، واستغرق في ذلك المرحلة المكية بأكملها، ثم شرع في بناء المجتمع والدولة، فنزلت التشريعات تنظم حياة الناس، وفي ذلك تقول عائشة رضي الله عنها: (إنما نَزَل أول ما نزل منه – أي القرآن – سورة من المُفصَّل، فيها ذِكْر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنُوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا) رواه البخاري.
والشاهد من هذا - أخي - أن التدرج في التعبير لابد منه، فلتبدأ في بناء ذاتك روحيّا وعلميّا، وبالالتزام عباديّا وأخلاقيّا، ولكن حبذا لو كان ذلك رويدًا رويدًا، وفي الحديث القدسي العظيم قوله تعالى: (وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه) رواه البخاري.
فانظر كيف بدأ عز وجل بالفرائض، وجعلها أفضل ما يتقرب إليه سبحانه به، ثم ثنَّى بالنوافل، وعدها طريقًا لنيل محبة الله سبحانه.
ومن مقولات أبي بكر في نصيحته لعمر - رضي الله عنهما - عندما استخلف على الناس: (اعلم أن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدَّى الفريضة).

والإنسان - أخي - لا يولَد عالمًا، وإنما العلم بالتعلم، والصبر بالتصبر، والحلم بالتحلم، ومن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومن يتوقَّ الشر يوقه.
وقد رأينا نماذج عديدة لأناس اندفعوا بحماس شديد في طريق الهداية، لكنهم لم يثبِّتوا أقدامهم على الطريق، فكان أن عادوا من حيث أتوا - وقانا الله وإياك ذلك - أو فترت همتهم بعد حين.
وفي الحديث: (إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك) رواه أحمد بسند صحيح.
أي أن العمل له فترة اندفاع، يبلغ فيها ذروته، ثم يعتريه فتور بعد الاندفاع، لكن هذا الفتور ينبغي أن يكون في حدود الهدي النبوي العظيم، وإلا ضل صاحبه، (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان).
لذلك - أخي الكريم - أرجو أن تكون حماستك المحمودة ورغبتك القوية في أن تستدرك ما فاتك وتستقيم على طريق الله، أرجو أن يعقبها سير هادئ متزن في طريق الله، تثبت به الأقدام على طريق الهداية، ويستنير فيه العقل والقلب، وتكون بمشيئة الله سبحانه من دعاته العاملين الثابتين على طريق الهداية.

أما بالنسبة لتساؤلك عن قول الله سبحانه: (إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يُشرِك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدًا)، وقوله عز وجل: (إنه من يُشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)، فالمعني أخي الكريم أن الذي يموت على الشرك - والعياذ بالله - قد حُرِم من ولوج هذا الباب العظيم، وهو وقوعه تحت رحمة الله في الآخرة، وحُرمت عليه الجنة ومأواه النار.
أما أن الله لا يغفر الشرك ويغفر ما دون ذلك، أي أن الإنسان ما لم يمت على الشرك بل مات موحدًا على ملة الإسلام، فهو في مشيئة الله سبحانه بالنسبة لذنوبه التي ارتكبها، إن شاء سبحانه عذَّبه عليها، وإن شاء غفرها له بفضله سبحانه، وفيه يقول صلى الله عليه وسلم: (من أصاب من ذلك شيئًا فعوقِب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، و إن شاء عفا عنه) متفق عليه.
أي أن من ارتكب ما يوجب معاقبته في الدنيا ووقعت عليه العقوبة فهي كفارة له، أي لا يُعذَّب بهذا الجُرْم في الآخرة.
ومن ارتكب ما يوجب الحد ولكنه لم يُقَم عليه، وظل ذنبه مستورًا عن العباد فهو في الآخرة تحت مشيئته سبحانه، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له ذلك إذا مات على ملة التوحيد.
أماتنا الله وإياك على ملة التوحيد، وجمعنا في فردوسه الأعلى.. آمين.

http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid=1120711349499&pagename=IslamOnline-Arabic-Daawa_Counsel/DaawaA/DaawaCounselingA