المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة الأسماء الحسني ‏(4)



د. محمود عبد الرازق الرضواني
07-06-2005, 11:30 PM
أسماء الله الكلية

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد‏..‏ من الأمور الضرورية التي تطرح نفسها في موضوع الأسماء الحسني كيفية الجمع بين عدم حصر اسماء الله الكلية في تسعة وتسعين اسما‏,‏ ومعني احصاء هذا العدد الذي يترتب عليه دخول الجنة‏,‏ فقد روي الامام أحمد وصححه الألباني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال في دعاء الكرب‏:(‏ أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو انزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك‏),‏ ومعني ذلك ان العدد الكلي للأسماء الحسني لا يعلمه الا الله‏,‏ وورد في الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال‏:(‏ ان لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من احصاها دخل الجنة‏),‏ فهل بين الحديثين تعارض؟ لقد ادي ذلك إلي ان تكون آراء أهل العلم في هذه القضية بين طرفين ووسط‏.‏

الأول‏:‏ فريق يقول بعدم حصر أسماء الله الواردة في الكتاب والسنة في عدد معين حيث توسع في تسمية الله بما يشاء اما جمعا من النصوص أو اشتقاقا من الافعال والاوصاف وحجته حديث ابن مسعود‏,‏ وقد تم تأويل حديث ابي هريرة علي أي معني لا يتعارض مع وجهته‏,‏ ومن ثم اخذ صاحب هذه الوجهة يشتق من افعال الله واوصافه ما يشاء من الاسماء‏,‏ أو يطلق ما قيده الله في كتابه‏,‏ أو يفصل ما اضافه النبي صلي الله عليه وسلم في سنته‏,‏ وقد تتبعت ما ذكره المتوسعون علي تنوع اجتهاداتهم واختلاف مقالاتهم فبلغ جمعهم وإحصاؤهم للأسماء علي أوسع ما ذكروا قرابة المائتين والتسعين اسما‏.‏

الثاني‏:‏ فريق له وجهة اخري تولاها ابن حزم الاندلسي حيث جزم بأن اسماء الله الكلية محصورة في تسعة وتسعين اسما فقط وهي الواردة في الكتاب والسنة وحجته حديث ابي هريرة رضي الله عنه‏,‏ ولما لزم ابن حزم استخراج التسعة والتسعين لم يتمكن الا من جمع اثنين وثمانين اسما من الكتاب والسنة‏,‏ قال رحمه الله‏:(‏ فصح انه لا يحل لاحد ان يسمي الله تعالي الا بما سمي به نفسه‏,‏ وصح ان اسماءه لا تزيد علي تسعة وتسعين شيئا لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ مائة إلا واحدا‏,‏ فنفي الزيادة وابطلها لكن يخبر عنه بما يفعل تعالي‏,‏ وجاءت احاديث في احصاء التسعة والتسعين اسما مضطربة لا يصح منها شئ اصلا‏,‏ فإنما تؤخذ من نص القرآن ومما صح عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم‏,‏ وقد بلغ إحصاؤنا منها إلي ما نذكر‏)(‏ المحلي‏31/8)‏ ثم ذكر رحمه الله في كتابه المحلي اثنين وثمانين اسما استخرجها من القرآن والسنة جميعها ينطبق مع ضوابط الإحصاء ما عدا اسمه الدهر‏.‏

أما الفريق الثالث فهو فريق وسط تولي وجهته ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومن انتهج نهجهما من أهل السنة والجماعة‏,‏ فلم يقل بقول ابن حزم ولم يتوسع في الاشتقاق كما فعل الفريق الأول‏,‏ بل اتفقوا جميعا علي ان الاسماء الحسني توقيفية علي النص‏,‏ لكن احدا منهم لم يستطع جمعها بتمامها أو حصرها من الكتاب والسنة‏,‏ وبقي الباحث مترددا في فهم اجاباتهم عن كون اسماء الله الحسني الواردة في الكتاب والسنة تتجاوز أو لا تتجاوز تسعة وتسعين اسما‏,‏ فيراهم يأخذون بالروايتين الثابتين معا‏,‏ رواية ابي هريرة ورواية ابن مسعود رضي الله عنهما‏,‏ وبقي السؤال عالقا في الاذهان‏:‏ ما الحكمة مما ورد في حديث ابي هريرة من النص علي هذا العدد بالذات؟ وهل من احصي تسعة وتسعين اسما من جملة اسماء الله الحسني الواردة في الكتاب والسنة ـ علي فرض انها اكثر من تسعة وتسعين اسما ـ فقد تحقق فيه الوصف بدخول الجنة؟‏!‏ وان كان هذا المعني المقصود فما عدد الاسماء الموجودة لدينا بالنص الصريح؟‏..‏

وقد حاول بعض المعاصرين جزاهم الله خيرا خوض التجربة بطريقة اجتهادية واستخراج الاسماء الحسني الثابتة في الكتاب والسنة دون تحديد ضوابط منهجية أو شروط معلنة‏,‏ فتوصل بعضهم إلي ما يزيد عن التسعة والتسعين اسما أو ما يقل علي ذلك‏,‏ لكن الملاحظ ان الزيادة أو النقص فيما وصلوا اليه لا تتجاوز خمسة اسماء‏,‏ والكل يجتمع علي اربعة وتسعين اسما صحيحا ثابتا بنص الكتاب أو صحيح السنة‏,‏ وكأن الدائرة تضيق لتنير الطريق إلي تحقيق مقتضي حديث أبي هريرة الذي نص فيه النبي صلي الله عليه وسلم علي تسعة وتسعين اسما أو مائة إلا واحدا ووعد من احصاها بدخول الجنة‏.‏

كيف نجمع بين رواية ابن مسعود ورواية ابي هريرة رضي الله عنهما؟ ما نود التنبيه اليه مما تجتمع الادلة عليه في هذه القضية ان جملة اسماء الله تعالي الكلية من الامور الغيبية التي استأثر الله بها‏,‏ وانها غير محصورة في عدد معين وهذا نص ظاهر في رواية ابن مسعود رضي الله عنه‏,‏ ولا يفهم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه الذي ورد فيه النص علي تسعة وتسعين اسما حصرها بمجموعها الكلي‏,‏ لان المقصود بإحصاء هذا العدد إحصاء الاسماء الحسني التي تعرف الله عز وجل بها إلي عباده في كتابه وفي سنة رسوله صلي الله عليه وسلم‏,‏

ولو كان المراد الحصر لقال النبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ ان اسماء الله تسعة وتسعون اسما من احصاها دخل الجنة أو نحو ذلك‏,‏ فمعني الحديث ان هذا العدد الذي تعرف الله به إلي عباده في كتابه وفي سنة رسوله صلي الله عليه وسلم من جملة اسماء الله عز وجل‏,‏ ومن شأنه ان من احصاه دخل الجنة‏,‏ ونظير هذا ان تقول‏:‏ عندي مائة درهم اعددتها للصدقة‏,‏ فإنه لا يمنع ان يكون عندك دراهم اخري لم تعدها للصدقة‏,‏ فالمراد اذ الاخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الاخبار بحصر اسماء الله الكلية‏,‏ وقد اظهرت نتيجة الاستقصاء الحاسوبي الشامل ان ما تعرف الله به إلي عباده من اسمائه الحسني التي وردت في كتابه وفي سنة رسوله صلي الله عليه وسلم هي الاسماء التسعة والتسعون المذكورة في العدد النبوي المخصوص‏,‏ وذلك عند تمييزها عن الاوصاف‏,‏ واخراج ما قيد منها بالاضافة أو بموضع الكمال عند انقسام المعني المجرد وتطرق الاحتمال‏,‏

هذا مع تحري ثبوتها بالنص وتتبعها بالدليل‏,‏ تلك الشروط أو الضوابط التي دل عليها دليل القرآن والسنة لم تنطبق الا علي تسعة وتسعين اسما فقط مما يتفق مع العدد المذكور في حديث ابي هريرة رضي الله عنه وقد تبين ايضا ان اظهار الاسماء الحسني مرتبط بمقتضي الحكمة الإلهية‏,‏ فكل مرحل من مراحلة الخلق يظهر فيها الحق سبحانه من اسمائه وصفاته ما يناسب الغاية من وجودها ويحقق كمال الحكمة في تكوينها ويظهر دلائل التوحيد في ابداعها‏,‏ ففي مرحلة الدنيا وما فيها من شبهات وشهوات وأهواء واختلاف في الآراء وتقليب الامور للانسان علي انواع الابتلاء‏,‏ وحكمة الله في تكليفه بالشرائع والاحكام وتمييز الحلال من الحرام‏,‏

في هذه المرحلة تعرف الله عز وجل إلي عباده بجملة من اسمائه وصفاته تناسب حاجة الانسان وضرورياته‏,‏ فيبدي لربه اقصي طاقاته وامكاناته في تحقيق التوحيد بمقتضي هذه الاسماء‏,‏ تلك الاسماء هي المعنية بقول النبي صلي الله عليه وسلم‏:(‏ ان لله تسعة وتسعين اسما‏).‏

ولمزيد من البيان يمكن القول ان الحياة الدنيا لما كانت دارا للابتلاء والامتحان ومحلا لاختيار الكفر أو الايمان وكان الناس فيها متفاوتين مختلفين آجالا وأرزاقا وألوانا وأخلاقا‏,‏ منهم الغني والفقير والاعمي البصير‏,‏ منهم القوي والضعيف والظالم والمظلوم والحاكم والمحكوم والمالك والمعدوم‏,‏ منهم الكاذب والصادق والمخلص والمنافق إلي غير ذلك من انواع الاخلاق وتنوع الارزاق واختلاف السلوك وابتلاء ملك الملوك‏,‏ لما كانت الدنيا كذلك فإن حكمة الله تظهر في تعريف الخلائق بما يناسبهم من اسمائه وصفاته‏,‏ فالمذنب من العباد ان اراد التوبة سيجد الله توابا رحيما عفوا غفورا‏,‏ والمظوم سيجده حقا مبينا حكما عدلا وليا نصيرا‏,‏ والضعيف المقهور سيجده قويا عزيزا جبارا قديرا‏,‏ والفقير سيجد الله رزاقا حسيبا مقيتا وكيلا‏,‏

وهكذا سيجد العباد من اسماء الله وصفاته ما يناسب حاجتهم ويلبي بغيتهم‏,‏ فالفطرة التي فطر الله الخلائق عليها اقتضت ان تلجأ النفوس إلي قوة عليا عند ضعفها وتطلب غنيا أعلي عند فقرها‏,‏ وتوابا رحيما عند ذنبها‏,‏ وسميعا قريبا بصيرا مجيبا عند سؤالها‏,‏ ومن هنا كانت لكل مرحلة من مراحل الخلق التي قدرها الله عز وجل ما يناسبها من اسمائه وصفاته وافعاله‏.‏

الا تري انه في البدء عندما اسكن الله آدم وحواء جنة الابتلاء فأكلا من الشجرة وانكشفت العورة وتطلبت الفطرة فرجا ومخرجا كان الفرج والمخرج في تعريفهما بأسماء الله عز وجل التي تناسب حالهما وما يغفر به ذنبهما‏,‏ فعلمهما كلمات هي في حقيقتها اسماء لله وصفات‏,‏ علم آدم ان يدعو الله باسمه التواب الرحيم‏,‏ أو يدعو بوصف التوبة والرحمة كما قال سبحانه‏:(‏ فتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم‏)(‏ البقرة‏:37)‏ فتعلمها ودعا الله بها‏:(‏ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‏)(‏ الاعراف‏:23)‏ روي عن انس بن مالك وابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف رضي الله عنهم أنهم قالوا‏:(‏ الكلمات التي تلقي آدم من ربه فتاب عليه‏..‏ لا إله الا انت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك انت التواب الرحيم‏).‏

وطالما ان الدنيا خلقت للابتلاء فإن الله قد عرفنا بما يناسبنا ويناسبها من الاسماء‏,‏ وقد لا ينفع الدعاء بهذه الاسماء أو بعضها في مرحلة اخري كمرحلة القيامة والدار الآخرة‏,‏ فلو دعا المشركون أو الكفار المخلدون ربهم يوم القيامة باسمه العظيم القريب الرفيق المجيب الواسع المنان الرحيم الرحمن المحسن السلام الجواد الفتاح الستير الرءوف الودود اللطيف الكريم الأكرم الغفور الغفار البر الطيب العفو التواب‏,‏ لو دعا المخلدون في النار ربهم بأي اسم من هذه الاسماء ان يغفر ذنبهم وان يفرج كربهم وان يعفو عنهم وان يقبل التوبة منهم وان يرحمهم من العذاب‏,‏ فإن ذلك لا يتحقق ولا يستجاب لمخالفته مقتضي الحكمة وما دون في ام الكتاب‏,

ولذلك قال تعالي عن أهل النار ودعائهم‏:‏ ‏(‏ وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أو لمتك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلي قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال‏)0‏ غافر‏:50/49),‏ ومن ثم فإن كل مرحلة من مراحل الخلق لها ما يناسبها من الحكم وابداء الاسماء والصفات‏.‏