المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤال عن البديهيات؟



aliali
04-25-2010, 08:35 PM
اخواني في الله بعد ان قرات موضوع الشيخ حسام الدين حامد جزاه الله خير وجدته تكلم عن البديهيات
فكيف لنا ان نعرف الامر البديهي من الامر غير البديهي وكيف لنا ان نثبت نثلا ان السببية بديهية من البديهيات ومسلمة من المسلمات وضعت السؤال هنا لكي تزيدونا علما جزاكم الله خير

مستفيد..
04-25-2010, 09:18 PM
السلام عليكم
الأمر البديهي هو الأمر الذي لا يحتاج لبرهان
فمثلا لو قلت لك أنك لن تسطيع أن تقود السيارة إلا لو كان فيها بنزين(أو طاقة)....هل يستحق هذا الكلام ان أعطيك برهانا على هذا...طبعا لا فالأمر بديهي...ولو قلت لك أنك تسطيع أن تقود السيارة بدون طاقة....الرد سيختلف هنا...ستطالبني بالبرهان فالأمر ليس بديهيا.

كل حقيقه علمية مهما دقت لا بد أن تعتمد في نهاية الأمر على حقيقة ضرورية (أي بديهية) لا تحتاج لبرهان، وإلا لظل الباحث يطلب البرهان تلو البرهان في سلسلة لا تنقضي فلا يزول الجهل ولا يحل محله العلم.
ومن هذه الحقائق :
-1بطلان الرجحان بدون مرجح : ومعنى الرجحان بدون مرجح أن يكون الشيء جارياً على نسق معين ثم يتغير عن نسقه ويتحول عنه بدون وجود أي مغير أو محول إطلاقاً فهذا من الأمور الواضحة البطلان وجميع العقلاء يعلمون أن الأصل بقاء ماكان عليه ولابد لتحويله عن حاله السابقة من محول ومؤثر يفرض عليه هذا الوضع الجديد وينسخ حالته القديمة.
فإذا عرفت هذا فلنطبق هذا البرهان على مسألة وجود الله عز وجل :إن جميع الأمور والأشكال المفروضه في الذهن لا تعدو أن تتصف بأحد أوصاف ثلاثة :الوجوب ،الاستحالة ، الإمكان
فما اتصف بالوجوب هو مايحيل العقل عدمه ،ومااتصف بالاستحاله هو مايحيل العقل وجوده، ومااتصف بالإمكان هو مالايحيل العقل وجوده ولا عدمه..
وهذ الكون الذي نراه في جملته إنما هو نوع من الممكن أي إن العقل يجزم بأنه لا يترتب أي محال على فرض انعدامه ويرى أن من الممكن أن توجد أسباب تعدمه من أصله دون أن يسلتزم محالاً لا يقبله العقل.وإذا فوجود الكون بحد ذاته ليس ضرورياً ولاضربة لازب. وكل ماكان شأنه فلا بد له مؤثر خارجي يرجح فيه أحد جانبي الإمكان ويبعد الجانب الآخر عنه . وهذا يعني أنه لابد لهذا الكون الذي كان في أصله قابلاً لكل من الوجود والعدم بحد سواء من قوة خارجة عنه مؤثرة فيه خصصته لجانب الوجود ، وتلك القوة هي قوة الله عز وجل.
فإن قلت لي: إنني أفرض أنه وجد بذاته دون أي قوة مؤثرة من الخارج استلزم فرضك هذا القول برجحان الشيء بدون مرجح له وهو باطل كما علمت فبطلت الفرضية التي استلزمتها أيضاً...
ونزيد المسألة إيضاحاً ، فنقول لا ريب أنه قد أتى حين من الدهر لم يكن هذا الكون شيئاً مذكورا إذ كان العدم المطلق هو المنبسط في مكان الوجود اليوم ومعنى ذلك أن كفة العدم كانت إذ ذاك هي الراجحة وكان الأمر مستمراً على ذلك ثم إن الأمر انعكس بعدئذٍ فترجحت كفة الوجود على كفة العدم المطلق فإن قلت إن العالم وجد بقوة ذاتية فيه دون حاجة إلى موجد فمعنى ذلك أنك تقول برجحان كفة الوجود على كفة العدم وانعكاس الأمر الذي كان مستمراً دون وجود أي عامل لهذا الرجحان أو الانعكاس الطارئ وهذا الأمر يعرف الإنسان بطلانه بمحض الفطرة.
غير أن هذا كله جارٍ على فرض أن المتشكك في وجود الله يقول كما يعتقد عامة العقلاء بأن العالم حادث أي سبقه عدم مهما كان عمر هذا الوجود متطاولاً
2-برهان بطلان التسلسل : نقول له عندئذٍ إنك تعني إذاً أن هذا العالم مستمر بحكم التولد الذاتي الذي لا أول له وهذا الفرض يسلتزم إمكانية التسلسل وقد علم العقلاء كلهم بحكم البداهة أن التسلسل محال فتبين بذلك استحاله الفرضية التي أدت إليه.
ومعنى التسلسل فرض أن المخلوقات كلها متوالدة عن بعضها إلى مالانهاية ، بحيث يكون كل واحد منها معلولاً لما قبله وعلة لما بعده دون أن تنبع هذه السلسلة أخيراً من علة واجبة الوجود هي التي تضفي الثأثير المتوالد على سائر الحلقات.
فهذا الفرض باطل يحكم العقل باستحالته بالضرورة إذ أن سلسلة المخلوقات الممكنة مهما طالت وطالت فإن استمرار طولها لا يخرجها على كل حال كونها ممكنة والممكنات لابد لرجحان أحد طرفي الإمكان فيها من مرجح كما قلنا فهذه السلسلة الطويلة التي تقول إنها ماضية في غور سحيق لا ينتهي مكونه من حلقات كل منها لم يكن يوجد لولا أن الحلقة السابقة عليها أعطتها الحياة والوجود، وتلك التي أعطتها الحياة كذلك ، إذاً فحلقات السلسلة كلها لا تأثير ذاتي في واحدة منها مهما طالت ، وإذاً فلكي نصدق أنها موجودة لا بد أن ننتظر ظهور المؤثر الخارجي الذي أمد السلسلة بالحياة التي راحت بدورها تنتقل من حلقة إلى حلقة . وإلا كان لابد من الجزم بأحد أمرين : إما أن هذه السلسلة كلها مفقودة إذ لم يثبت وجود ذلك الذي قذف فيها الحياة، وإما أنها موجودة ولكنها تنبع أخيراً من ذات واجبة الوجود تؤثر فيها ولا تتأثر بشيء ، فأما الأمر الأول فظاهر البطلان ، لأن الحس والمشاهدة يكذبانه ،والعالم موجود وتوالد العلل شيء مرئي ومحسوس . بقي الأمر الثاني وهو تيقن أن لا بد له من مصدر ذاتي وهبه الحياة والقدرة على الحركة والتطور والتوالد فبطل التسلسل المذكور.
ولنضرب للمسألة أمثلة أقل صغراً من حجم العالم كي يزداد الأمر بداهة ووضوحاً.
لو وقفت أدعي أمامك حقيقة علمية استيقنتها . ولما سألتني عن الدليل ذكرت لك برهاناً هو نفسه دعوى مجهولة تتوقف على برهان ،ولما سألتني عن برهان هذا البرهان جئتك ببرهان مثله في التوقف على برهان أخر وهكذا إلى مالانهاية أي دون أن تنتهي هذه البراهين كلها أخيراً إلى حقيقة ضرورية معروفة بالبداهة فإنك تكذبني في دعوى اليقين بهذه الحقيقة بل تكذبني في وجودها أصلاً ، إذ لم يقم عليها أي برهان بعد وكل البراهين المتسلسلة التي فرضنا أن لا نهاية لها ليست إلا ظلالاً تنتظر أصلها الأول فإن لم يوجد
ذلك الأصل فهذه الظلال نفسها غير موجودة ومن ثم فإن الحقيقة المدعاة أيضاً تكون غير موجودة.
وبعد هذا كله فإن فرض التسلسل منقوص بالحس والمشاهدة نفسها ذلك أننا جميعاً نعلم بأن هناك مخلوقات نوعية انقرضت وانتهت فلو صحّ أن الموجودات تتسلسل إلى مالا نهاية بأن يكون كل حلقة فيها معلولاً لما قبله وعلة لما بعدها لما انقرضت هذه الموجودات .إذ كيف تنقرض وهي علة لما بعدها ؟ فلما دلّ الحس ودلّت المشاهدة على انقراضها وعدم استمرارها في التوالد علمنا أن الحلقة الأخيرة فيها معلولة فقط وليست بعلة كسابقتها ،وهذا إخلال بنظام التسلسل المزعوم وطبيعته ، ودليل على أن ثمة مؤثراً خارجياً زيادة على نظام التسلسل الرتيب.
3-برهان بطلان الدور : ثم إننا نفرض أن المتشكك فكر ملياً ثم قال : فأنا أرجع إلى أن العالم حادث كما قلت أولاً وله علة أثرت في إيجاده ولكن لا تتمثل هذه العلة في أكثر من التفاعل الذاتي المتدرج فلم يكن الوجود أول نشأته أكثر من هواء يملأ الفراغ ثم وجد السديم وتعقدت منه أبخره وغازات معينة ثم تكاملت من ذلك العناصر الأولية للحياة كالكربون والأيدروجين والأكسجين ، فتلاقت من ذلك مركبات عضوية لا حصر لها ومرت على ذلك ملايين السنوات وهي تتفاعل خلال ذلك متنقلة م طور إلى طور بعامل الزمن والاستمرار إلى أن تكاملت أخيراً عناصر الموجودات الحية وغيرها فالعالم حادث ولكن الذي سبب حدوثه ووجوده هو هذا التفاعل بدأ بأبسط الموجودات ثم ترقى صعداً إلى أعقدها وأعلاها
فالجواب أن هذا الفرض يستلزم القول بالدور والدور فرضية باطلة لا تتحقق باتفاق العقلاء.
ومعنى الدور الباطل أن يتوقف الشيء في وجوده المطلق أو تكييف معين له على شيء أخر إلا أن هذا الشيء متوقف في ذلك الوجود أو التكييف وفي نفس الوقت على ذلك الشيء الأول. فمن المحال إذاً أن يوجد أو يتكيف هذا الشيء أو ذاك . ولا يمكن أن تجد عاقلاً يقول: بل إنهما تعاونا فأوجد كل منهما الأخر.
مثال ذلك ما لو فرضنا أنك حاولت الانتساب إلى كلية التربية فقيل لك إن ذلك متوقف على أن تكون موظفاً في سلك التدريس الرسمي ، ولما حاولت أن تدخل في سلك التدريس قيل لك إن ذلك متوقف على أن تكون متخرجاً من كلية التربية . إن من البديهي أنك لن تستطيع أن تحقق لنفسك أي الغرضين مادام الأمر كذلك .
ومثاله أيضاً مالو قلنا إن وجود لبيض متوقف على وجود الدجاج ، ثم تقول إن وجود الدجاج نفسه متوقف على البيض ، وفرضنا أن لاوسيلة إلى وجودها إلى وجود هذا ولا ذاك إلا عن هذا الطريق، فإن من البديهي أن كلا الأمرين يظلان معدومين حتى يأتي مؤثر خارجي يفك طوق الدور.
4-قانون العلية أو "العلة الغائية" : وهي عبارة عن القصد الذي يدفعك إلى تحقيق عمل من الأعمال , فلولا قيام هذا القصد بذهنك واتجاهك إلى تحقيقه لما قمت بهذا العمل المعين فقد كان قصدك هذا علة لوجوده. ومن شأن العلة الغائية هذه أن تسبق المعلول في الوجود الذهني . فالحصول على الشهادة علة غائية لدراسة الطالب وهو أمر مركوز وموجود في الذهن قبل الدراسة ثم يصبح موجوداً في الخارج من بعدها.
مثال لو فرضنا أنك دخلت إحدى المطارات العالمية ومعك حقائبك التي شغلت يديك ولما دنوت إلى الباب الزجاجي المغلق فوجئت بكلا مصراعيه ينفتحان أمامك في حركة تلقائية مجردة . حتى إذا دخلت وتجاوزته عاد مغلقاً كما كان ، وبينما أنت تشكر هذه المصادفة العجيبة التلقائية متلفتاً إلى الباب في دهشة واستغراب إذا به ينفتح مرة أخرى في استقبال قادم أخر مثلك ،وعندئذٍ وضعت حقائبك تتأمل فرأيت المسألة تتكرر بانتظام كلما جاء قادم ودعت الحاجة . ولما رحت تبحث عن حقيقة الأمر بدافع التطلع الفكري لديك أدركت أن هذا الباب يرتكز على جهاز خفي من تحته سرعان ما يتأثر عند اجتياز شخص من فوقه ،وينقدح في ذهنك بحكم البداهة أن لهذا الجهاز وحركته هذه علة غائية هي تسهيل المرور على المسافر الذي قد لا تساعده يده لما يحمل من أمتعة لدفع الباب ولما كانت هذه الغاية الإنسانية الرائعة ممالا يمكن أن تسند إلى الألات الجامدة التي لا تحس ولا تعقل فقد كان لابد أن يكون هذا التصميم من تدبير المفكرين.
فهذه هي الحقيقة البديهية التي يطلق عليها اسم دليل العلة الغائية أو دليل الحكمة والنظام في الشيء . وهي أصل في مسألة الدليل على وجود الله .يقوم على علة مؤثرة بالاستقراء ثابتة بالاستقراء التام.
فإذا انتقلت بعد ذلك لتنظر إلى بناء هذا الكون العجيب ,رأيت في تراكب أجزائه بعضها مع بعض وفي تراكب أجزاء أجزائه ،وفي تراكب ذراته الدقيقة التي لا تتجزأ تطابقاً على أدق مايمكن أن يتصور من معاني الدقة .ورأيت الأجزاء الصغيرة فيه مندفعة إلى تحقيق غايات معينة بالتآلف مع الأجزاء الأخرى ورأيت بعد ذلك مجموع الأجزاء والجزيئات مندفعة إلى تحقيق غايات نوعية سامية ضمن ظروف وشروط دقيقة لو تخلف بعض منها أقل مايمكن أن يتصوره الذهن من التخلف ،لما تحققت تلك الغايات بل لسرى الفساد إلى جميعها...
تأمل في الأرض لو زاد وزنها لزادت جاذبيتها ولو زادت جاذبيتها لما استطاع الإنسان أن ينتقل عليها .ولو قل وزن الأرض لقلت الجاذبية ولما أمكن الإنسان أن يستقر عليها .ويدل ذلك بوضوح على أن للأرض غاية هي أن تكون قراراً ومهاداً للإنسان يجد عليها مستقره الآمن...
وتتأمل في عينك الباصرة فتجدها في جملتها وتفصيلها قائمة على أدق قوانين الرؤية التي لا يزال يحار العلماء في فهمها ...ثم تنظر فتجد أن قوانين الضياء في الكون قد مهدّت لها وعبدّت لها الطريق من قبل ،فلا تشك في اجتماع هذه وتلك على غاية معينة هي أن ترى بهذين الثقبين العالم المرئي أجمع. ويتجسد أمامك المعنى عندما تستمع إلى أي عالم يصف لك دقائق العين مثلاً وكيفية تركيبها ، تجده لا يفتأ يستعمل لام التعليل في كل جملة من كلامه . فتجده يقول الأعصاب الممتدة من المخ إلى العين إنها متصلة بها لتنقل إلى الرطوبة الجليدية فيها أخبار الصور القادمة فترتسم فيها. وإنما كانت العنبية تلك القشرة السوداء تحت القرنية ملونة بالسواد لتحصر الأجسام المشفاة وراءها فلا ينتشر ما حصل فيها من الضياء. وإنما كانت القرنية محدودبة لتتجمع فيها الصور...إلخ
وقس على هذا الذي ذكرته لك سائر مظاهر الكون المختلفة التي تراها أو يصل فكرك إليها .فسترى أنها جميعاً تسير نحو غايات معينة تمد هذاالوجود بأدق صور التناسق والتنظيم .
هذه الحقيقة الواضحة، التي تشكل برهاناً يقينياً آخر على وجود الله جل جلاله . والتي يسميها الغربيون (العلة الغائية) وعلماء الكلام (دليل الحكمة والتناسق) هي التي يظل القرآن يوجه العقول إليها بأساليب رائعة مختلفة يفهمها الناس على اختلاف مستوياتهم وثقافتهم.....

والأن: تبين لك أن القول بحدوث العالم طفرة بدون أي علة تؤثر فيه باطل .لأنه يستلزم فرضية بديهية البطلان وهي: الرجحان بدون مرجح.

وتبين أن القول بكونه قديماً باطل لأنه يستلزم تسلسل الممكنات إلى مالانهاية،والتسلسل باطل بالبداهة أيضاً.
وتبين أن القول بكون العالم علة نفسه والمؤثر في إيجاده . يستلزم القول بالدور ، وهو أيضاً من الأمور الباطلة بالضرورة..
فمالذي بقي ؟ بقي أن العالم لابد له من موجد مستقل عنه أوجده. وهذا الموجد لا يحتاج بدوره إلى موجد له ، وهو مانسميه بالذات الواجبة الوجود ، وهو الله سبحانه وتعالى .

من كتاب كبرى الحقائق الكونية ةةجةد الخالق ووظيفة المخلوق

د. هشام عزمي
04-25-2010, 09:20 PM
في كتابه الموسوعي (الفصل بين الملل و الأهواء و النحل) قام الإمام العلامة ابن حزم رحمه الله ببيان أن الإنسان عندما يولد يكون لديه أسس و بديهيات للتفكير السليم يصل بها لاستيعاب الحقائق و تمكنه من الوصول لها فقال :
والإدراك السادس علمها بالبديهيات‏.‏
فمن ذلك علمها بأن الجزء أقل من الكل فإن الصبي الصغير في أول تمييزه إذا أعطيته تمرتين بكى وإذا زدته ثالثة سر وهذا علم منه بأن الكل أكثر من الجزء وإن كان لا ينتبه لتحديد ما يعرف من ذلك ومن ذلك علمه بأن لا يجتمع المتضادان فإنك إذا وقفته قسراً بكى ونزع إلى القعود علماً منه بأنه لا يكون قائماً قاعداً معاً‏.‏
ومن ذلك علمه بأن لا يكون جسم واحد في مكانين فإنه إذا أراد الذهاب إلى مكان ما فأمسكته قسراً بكى وقال كلاماً معناه دعني أذهب علماً منه بأنه لا يكون في المكان الذي يريد أن يذهب إليه ما دام في مكان واحد‏.‏
ومن ذلك علمه بأنه لا يكون الجسمان في مكان واحد فإنك تراه ينازع على المكان الذي يريد أن يقعد فيه علماً منه بأنه لا يسعه ذلك المكان مع ما فيه فيدفع من في ذلك المكان الذي يريد أن يقعد فيه إذ يعلم أن مادام في المكان ما يشغله فإنه لا يسعه وهو فيه‏.‏
وإذا قلت له ناولني ما في هذا الحائط وكان لا يدركه قال لست أدركه وهذا علم منه بأن الطويل زائد على مقدار ما هو أقصر منه وتراه يمشي إلى الشيء الذي يريد ليصل إليه وهذا علم منه بأن ذا النهاية يحصر ويقطع بالعدو وإن لم يحسن العبارة بتحديد ما يدري من ذلك‏.‏
ومنها علمه بأنه لا يعلم الغيب أحد وذلك أنه إذا سألته عن شيءٍ لا يعرفه أنكر ذلك وقال لا أدري‏.‏
ومنها فرقة بين الحق والباطل فإنه إذا أخبر بخبر تجده في بعض الأوقات لا يصدقه حتى إذا تظاهر عنده بمخبر آخر وآخر صدقه وسكن إلى ذلك‏.‏
ومنها علمه بأنه لا يكون شيءٌ إلا في زمان فإنك إذا ذكرت له أمراً ما قال متى كان وإذا قلت له لم تفعل كذا وكذا قال ما كنت أفعله وهذا علم منه بأنه لا يكون شيء مما في العالم إلا في زمان‏.‏
ويعرف أن للأشياء طبائع وماهية تقف عندها ولا تتجاوزها فتراه إذا رأى شيئاً لا يعرفه قال أي شيء هذا فإذا شرح له سكت‏.‏
ومنها علمه بأنه لا يكون فعل إلا لفاعل فإنه إذا رأى شيئاً قال من عمل هذا ولا يقنع البتة بأنه انعمل دون عامل وإذا رأى بيد آخر شيئاً قال من أعطاك هذا‏.‏
ومنها معرفته بأنه في الخبر صدقاً وكذباً فتراه يكذب بعض ما يخبر به ويصدق بعضه ويتوقف في بعضه هذا كله مشاهد من جميع الناس في مبدأ نشأتهم‏.‏
قال أبو محمد فهذه أوائل العقل التي لا يختلف فيها ذو عقل وههنا أيضاً أشياء غير ما ذكرنا إذا فتشت وجدت وميزها كل ذي عقل من نفسه ومن غيره وليس يدري أحد كيف وقع العلم بهذه الأشياء كلها بوجه من الوجوه ولا يشك ذو تمييز صحيح في أن هذه الأشياء كلها صحيحة لا امتراء فيها وإنما يشك فيها بعد صحة علمه بها من دخلت عقله آفة وفسد تمييزه أو مال إلى بعض الآراء الفاسدة فكان ذلك أيضاً آفة دخلت على تمييزه‏ . ا.هـ.


ثم قال :
فهذه المقدمات التي ذكرناها هي الصحيحة التي لاشك فيها ولا سبيل إلى أن يطلب عليها دليلاً إلا مجنون أو جاهل لا يعلم حقائق الأشياء ومن الطفل أهدى منه‏.‏
وهذا أمر يستوي في الإقرار به كبار جميع بني آدم وصغارهم في أقطار الأرض إلا من غالط حسه وكابر عقله فيلحق بالمجانين لأن الاستدلال على الشيء لا يكون إلا في زمان ولابد ضرورة يعلم ذلك بأول العقل لأنه قد علم بضرورة العقل أنه لا يكون شيء مما في العالم إلا في وقت وليس بين أول أوقات تمييز النفس في هذا العالم وبين إدراكها لكل ما ذكرنا مهلة البتة لا دقيقة ولا جليلة ولا سبيل على ذلك فصح أنها ضرورات أوقعها الله في النفس ولا سبيل إلى الاستدلال البتة إلا من هذه المقدمات ولا يصح شيءٌ إلا بالرد إليها فما شهدت له مقدمة من هذه المقدمات بالصحة فهو صحيح متيقن وما لم تشهد له بالصحة فهو باطل ساقط‏ . ا.هـ.

حسام الدين حامد
04-25-2010, 09:41 PM
أخي الكريم .. دمت حريصًا على التعلم!

لنفرض أن ابنك سألك سؤالًا: لماذا يا أبي تقول إن هناك من حرّك الكتاب من مكانه؟
فتقول: لأني وجدت الكتاب في مكانٍ غير الذي تركته فيه.
فيسألك ابنك: نعم أفهم ذلك .. لكن لماذا تقول إن هناك من حرّكه؟؟ لماذا لا تقول إنّ هذا حدث من غير فاعل؟؟
فتقول: لأن كل حادثٍ له سبب.
فيسألك: نعم أفهم ذلك .. ولكن لماذا تقول إن لكل حادث سببًا؟؟

هل سألت نفسك هذا السؤال قبلُ؟
من الذي وضع في عقلك هذه القاعدة؟؟

هذه القواعد وأمثالها هي التي تسمى بالبدهيات الأولية، أو المبادئ الفطرية ....

فهي قضايا "تحدث في الإنسان من جهة قوته العقلية، من غير معنى زائد عليها يوجب التصديق بها"، وهي تمتاز بأنها : ضرورية، يكفي أن يتصور العقل طرفيها (كل حادث) (له سبب) ليجزم بها، دون أن يحتاج العقل إلى دليل يثبتها، فهي ليست مبنية على الاستقراء كما يزعم الجاهلون، وتمتاز كذلك بأنها كلية، فهي تشمل جميع الموجودات.

فالسببية لا تثبت بغيرها، وإنما هي ثابتة بذاتها، ضرورة فطرية، وقضية كلية، وكل من يشكك فيها لا يزيد عن لغو القول، وستجده يأخذ بالسببية في شأنه كله، دقه وجله.

ومن حمقٍ أن يزعم زاعم أنه سيأتي يوم يحدث شيء بلا سبب، لأننا نقول له:
- لنفرض أنك جئتنا تزعم أنه قد حدث شيء بلا سبب، فهل ستعتمد حينها على هذا (الشيء الحادث بلا سبب) لتلغي قانون السببية؟
- فيقول: نعم!
- فنقول: يعني إنك ستتخذ هذا (الحادث بلا سبب) "سببًا" في إبطال السببية؟؟
- فيقول: نعم!
- فنقول: إذن أنت تستدل بقانون السببية في حين أنك تلغيه!! وهذا من أبطل الباطل وأوضح التناقض!!

وللاستزادة: انظر كتاب (الحد الأرسطي .. أصوله ولوازمه وآثاره على العقيدة الإسلامية) رسالة ماجستير أعدها الشيخ سلطان العميري، من صفحة 282 وحتى صفحة 314، فقد تكلم فيها عن المبادئ الفطرية ورد على الاعتراضات المتوجهة إليها بأسلوبٍ أحسبه سهلًا، والكتاب موجود على الشبكة.

وفقك الله وعلمك ما ينفع ونفعك بما تعلم!

aliali
04-25-2010, 10:18 PM
رويدا رويدا اخواني الدكتور هشام والشيخ حسام الدين يردون جزاكم الله خير وزادكم علما وعملا
اخي حسام الدين حامد هل يمكن ان تعطيني مثال اخر عن اليديهيات حتى تتضح الصورة اكثر ثم اخي هل كل شئ يمكن ادراك طرفيه فهو بديهي ولو تعطيني مثال على امر ليس بديهي وكيف اني لا استطيع ادراك طرفيه وجزاكم الله خير

حسام الدين حامد
04-25-2010, 11:02 PM
هل يمكن ان تعطيني مثال اخر عن اليديهيات حتى تتضح الصورة اكثر

مثال ( اجتماع النقيضين محال)
فلا يقال عن الشيء إنه قصيرٌ طويل، صغيرٌ كبير، أبيضُ أسود، محدثٌ قديم، في آنٍ واحدٍ باعتبارٍ واحد!



ثم اخي هل كل شئ يمكن ادراك طرفيه فهو بديهي

البديهي أخي الكريم هو (ما إذا تُصُوِّر طرفاه جزم العقل به)"درء التعارض : 1/ 31".

ففي المثال السابق، الطرف الأول الموضوع (اجتماع النقيضين)، والطرف الثاني المحمول (محال)، فتصوّرك لاجتماع النقيضين وتصورك للمحال، يجعلك تجزم بأن اجتماع النقيضين محال.

مجرد تصورك لشيءٍ أسود أبيض في نفس الوقت، يجعل تجزم باستحالته، هذه هي صفة البديهة.


ولو تعطيني مثال على امر ليس بديهي وكيف اني لا استطيع ادراك طرفيه

كثيرًا ما يقول الملاحدة إن هناك أمورًا كان القدماء يحسبونها بديهيات، ثم مع تقدم العلم تبيّن أنها ليست بديهيات!
فنقول لهم: مثل ماذا؟!
فيقولون مثلًا: ما كان يظنه بعض الأقدمين أن الأرض كانت محمولة على قرن ثور؟!
فنقول: ومن قال إن هذه بديهة، فهل العقل يجزم أن (الأرض) (محمولة على قرن ثور)؟؟ هل يجزم العقل بذلك في أي وقت من الأوقات؟!

هذا أخي الكريم هو الفرق بين البديهة والخرافة، فالخرافة أمرٌ مسلم به، لا برهان عليه، ولكنه ليس بضروري ولا كلي، ولا يكفي تصوره للجزم به، أما البديهة فعلى العكس من ذلك، والمخالفون لنا لا يعرفون معنى البديهة ولا معنى الخرافة.

aliali
04-25-2010, 11:13 PM
اخي حسام الدين حامد جزاك الله خير اخي ولكن عندي مازال بعض الاسالة
اولا قد يقول القائل ان هذه البديهية زرعت في عقولنا بعض ما راينا ما في هذا العالم من ان اغلب الامور لها سبب فحكمنا على هذه انها بديهية لانها لا تخالف ما نراه فكيف نرد على ذلك فلو كان ما حولنا مخالف لهذه القاعدة لما كانت هذه بديهية
ثم اخي ان الكتاب ذكر دليل الحسيين على نفي البديهيات وكان ما يستدلون به واضحا ومفهوما ولكن الرد على دليلهم لم يكن مفهما بالنسبة لي فارجو ان تكتب لي رد اوضح وخصوصا الرد على دليلهم الاول النتعلق بلاطفال والبلهاء وان هذه البديهيات غير موجودة عندهم منذ ولادتهم
ثم اخي هل يمكنك ان توضح اكثر معنى ان اتصور طرفي البديهية اي كيف يكون هذا التصور ولي المزيد من الاسالة لوكن بعد حين وجزاكم الله خير

حسام الدين حامد
04-25-2010, 11:57 PM
اولا قد يقول القائل ان هذه البديهية زرعت في عقولنا بعض ما راينا ما في هذا العالم من ان اغلب الامور لها سبب فحكمنا على هذه انها بديهية لانها لا تخالف ما نراه فكيف نرد على ذلك فلو كان ما حولنا مخالف لهذه القاعدة لما كانت هذه بديهية

أولًا: عندما تلمس رضيعًا صغيرًا من حيث لا يراك، ستجده يتلفت حوله يبحث عن الفاعل، وعندما تنادي عليه، ستجده يبحث عن مصدر الصوت، فهل الرضيع زرعت السببية في عقله بناءً على ما رآه في العالم، أم أنها أصلها موجودٌ فيه ابتداءً؟!

ثانيًا: القول بأن (أغلب الأمور لها سبب) هو قول خطأ، فإن كل الحوادث لها سبب.

ثالثًا: نقول –كما سبق- عندما يجد المخالف لنا حادثًا بلا سبب، فإنه سيتخذ هذا (الحادث بلا سبب) دليلًا على بطلان السببية، أي سيكون (الحادث بلا سبب) "سببًا" في قوله ببطلان السببية، أي سيستدل بالسببية على بطلان السببية، وهذا من أبطل الباطل وأمحل المحال وأوضح التناقض!

رابعًا: (لو كان ما حولنا مخالف لهذه القاعدة لما كانت هذه بديهية)، هذا كلام لا وزن له، فما معنى "لو كان .. لما كان"، فهل أقول للملحد مثلًا "لو كنتَ غير موجود لما كان وجودك حقيقة" ثم أستنتج من ذلك أن "وجود الملحد مشكوك فيه"!! أي استدلال هذا؟!

خامسًا: العلماء عندما يجدون شيئًا لا يعرفون سببه، فإنهم يقولون إنه غير معروف السبب، ولا يقولون إنه لا سبب له، فلماذا يزعم الملاحدة أنه سيأتي يوم يغير فيه العلماء ديدنهم فيقولون عما لا يعرفون سببه إنه عديم السبب!

سادسًا: البديهة كما قلنا ليست مبنية على الاستقراء، بل هي ثابتة بنفسها، يكفي للجزم بها تصور طرفيها، والسببية هي من أركان كل العلوم، وعليها مدار البحث!


ثم اخي ان الكتاب ذكر دليل الحسيين على نفي البديهيات وكان ما يستدلون به واضحا ومفهوما ولكن الرد على دليلهم لم يكن مفهما بالنسبة لي فارجو ان تكتب لي رد اوضح وخصوصا الرد على دليلهم الاول النتعلق بلاطفال والبلهاء وان هذه البديهيات غير موجودة عندهم منذ ولادتهم

الحسيون ذكروا نفيهم وجود البدهيات، واعتمادهم على أن الأطفال والبله لا يعرفون شيئًا عن هذه البدهيات!

باختصار نقول إن هذا الإلزام لا يلزمنا، لأننا نقول إن البديهي هو ما إذا تصور طرفاه جزم العقل به، وهؤلاء عدموا الآلة التي يحصل لهم بها التصور، فخرجوا بذلك عن محل النزاع! بمعنى أن هذا الأبله لم يدرك البديهة لأنه لم يستطع تصور طرفيها لا لأن البديهة غير ثابتة، فلو كان سويًّا لتمكّن من تصور طرفي البديهة وبالتالي لجزم بها!

ولعلك تقرأ الكتاب بتأنٍّ فإن فيه فوائد كثيرة!


هل يمكنك ان توضح اكثر معنى ان اتصور طرفي البديهية اي كيف يكون هذا التصور

ببساطة:
تخيل الآن في ذهنك ورقة .. ثم تخيل أن هذه الورقة سوداء بيضاء في نفس الوقت..


هذا يجعلك تجزم بأن هذا محال! دون أن آتي لك بورقة وأحاول أن ألونها بالأسود، لأبين لك أن السواد سيذهب بالبياض فلا يجتمعان، يعني مجرد تصورك الأمر جعلك تجزم باستحالته!

تخيل معي أن حادثةً حدثت .. ثم تخيل أن هذه الحادثة حدثت بغير سبب!
ستجزم باستحالة وجود هذا الأمر بمجرد تصوره!

ATmaCA
04-26-2010, 04:14 AM
جزاك الله خيرًا أخى الحبيب حسام الدين حامد على هذه الفوائد القيمة .

أعتقد أن البديهية من الأمور التى لاتحتاج عند العقلاء إلى كثير شرح وتوضيح , ولكن الملاحدة بسفههم يشككون الناس فى البديهيات العقلية حتى البسيط منها , لانهم يعرفون جيدًا قوة حجة البديهية والسببية والحجج الأخرى التى يستدل بها المؤمن على إيمانه . والغريب أن بعض الناس يشك فى البديهيات العقلية! . ويربط الملحد دائمًا بين البديهية والسببية , فيقول ان حجة السببية ليست بديهية بل يمكن نقضها , ثم يقعون فى الحيرة عندما يحاولون نقض الحجة , فنقول لهم مثلًا نريد تصميم بدون مصمم ( هذه بديهية يجادلون فيها دائمًا ) او اثبتوا لنا أن الشىء ليس نفسه !! فيقعون فى الحيرة .. أو يحاولون ذكر أمثلة من عقائد الناس قديمًا , فيذكرون كروية الأرض و حركة الأرض وو إلى أخره .. ولكن هذه الأمور ليست بديهية , بل أن هناك من قال قديمًا بكروية الأرض وحركة الأرض , فهم يخطئون فى مفهوم البديهية نفسه فقط لحفظ ماء الوجه , لعل الحوار يطول ولايفرق القارىء بين الجاهل والمتعلم ..

وإن أردت الحق .. لايجب على المؤمن محاورة الملحد فى بديهيات مثل وجود الله تعالى , فمن الغريب جدًا أن تصل السفاهة بشخص تجعله لايفرق بين حجر ملقى على الأرض وبجواره حاسب صغير , فيقول الحجر مثله مثل الحاسب بالضبط والحاسب بهذا التصميم لم يصنعه أحد !! فحججهم وسفاهتهم لم تعد تؤتى أُكُلَها , حتى أن عملاقهم الصغير ريتشارد دوكنز يدأ يقول أن الحياة على الأرض قد يكون مصدرها مخلوقات فضائية! .. ويبدو أنه يخاف أن يتهم بالجنون لو استمر فى قوله أن كل هذا الإبداع بسبب الصدفة والتراكم العشوائى عبر ملايين السنين .

aliali
04-26-2010, 11:21 AM
اخي حسام لدين حامد انا ما قصدته ان بعض القائليين من الملاحدة يقول ان هذه البديهيات ليست موجودة في العقل اصلا ولكن هي ماخوذة من الحس والمشاهدة ولوو ان الواقع الذي حولنا كان غير الذي نعرفه لكانت البديهيات المدعاه غير هذه البديهيات اي اننا نظرنا وتاملنا في الكون فوجدنا ان مانراه من حوادث له سبب فستنتجنا هذه القاعدة
ثم اخي هل ينمكن ان تعطيني مثال على شئ ليس بديهي وياخذ عن طريق الاستقراء وان توضح لي اكثر بلامثلة ما الفرق بين البديهي وما هو غير بديهي وما الفرق بين البديهي وما ياخذ بلاستقراء

aliali
04-26-2010, 05:10 PM
جزاك الله خير اخي حسام الدين حامد عدت فقرات كلامك بتاني ووجدت فيه من الفائدة الكثير واتمنى اخي ان تكمل معي الحوار كي استفيد منك اخي

حسام الدين حامد
04-26-2010, 06:01 PM
جزاك الله خيرًا أخي الحبيب أتماكا.


انا ما قصدته ان بعض القائليين من الملاحدة يقول ان هذه البديهيات ليست موجودة في العقل اصلا ولكن هي ماخوذة من الحس والمشاهدة ولوو ان الواقع الذي حولنا كان غير الذي نعرفه لكانت البديهيات المدعاه غير هذه البديهيات اي اننا نظرنا وتاملنا في الكون فوجدنا ان مانراه من حوادث له سبب فستنتجنا هذه القاعدة

أخي الحبيب علي..

عندما تلمس رضيعًا صغيرًا من حيث لا يراك، ستجده يتلفت حوله يبحث عن الفاعل، وعندما تنادي عليه، ستجده يبحث عن مصدر الصوت، فهل الرضيع زرعت السببية في عقله بناءً على ما رآه في العالم، أم أنها أصلها موجودٌ فيه ابتداءً؟!

أنت تحتكم حال بناء المعرفة على الحس إلى خلفية معرفية سابقة، فأنت حين تُبصر المكتب، تعرف أنه موجود.

الطفل الصغير لا يقوم أحد بتعليمه أن لكل حادث سببًا، وإن كنت تعلمه كيف يقول "أبي" و "أمي"، ولكنك لا تعلمه البديهيات.

نحن نرى من البله والمجانين من هو يسمع ويري ويتكلم، ورغم ذلك تخلفت عنه علوم العقلاء، وبديهيات العقول، فما الذي يصيبه بهذا رغم أنه سليم الحس؟!


ثم اخي هل ينمكن ان تعطيني مثال على شئ ليس بديهي وياخذ عن طريق الاستقراء وان توضح لي اكثر بلامثلة ما الفرق بين البديهي وما هو غير بديهي وما الفرق بين البديهي وما ياخذ بلاستقراء

مثلًا يا أخي: بكتريا H. pylori وقرحة المعدة.

هل هناك علاقة بديهية بين الاثنين؟؟ هل ترى أن البكتريا تسبب القرحة؟ أم أن القرحة تساعد على نشاط البكتريا؟ أم أنه لا علاقة بينهما؟؟ أم أن البكتريا تساعد في التئام القرحة؟!

هذا مثال لشيء ليس بديهيا، كيف تمت دراسته؟؟
باستقراء حال المصابين بقرحة المعدة، والكشف عن إصابتهم بتلك البكتريا بالطرق المختلفة، وإعطاء المرضى المضادات الحيوية التي تقضي على تلك البكتريا، لنرى أثر ذلك في شفاء هذه القرحة.

تبين أن هذه البكتريا تسبب قرحة المعدة، وبُني على هذا أن علاج قرحة المعدة –ما لم تكن بسبب ظاهر غير البكتريا كتناول المسكنات- علاج القرحة يجب أن يشتمل على مضاد حيوي يقضي على تلك البكتريا.

هل قمنا باستقراء أحوال كل المصابين بقرحة المعدة؟؟
بالتأكيد لا!
فهذا استقراء ناقص أو أغلبي، بنينا عليه معرفة طبية، ينبني عليها علاج المرضى، فهل يطعن الملاحدة في ذلك بحجة أنه استقراء ناقص؟ أم أنهم لا يعلمون عن طبيعة هذه الأمور شيئًا أصلًا؟!

aliali
04-26-2010, 06:37 PM
خي جزاك الله خير ولكنك اخي عندما طلبت مني ان اتصور طرفي البديهية تصورة اشياء من الواقع مثلا عتدما قلت لكل حادث تصورة تحطم السيارة وعندما قلت سبب تصورة اصتضام السيارة بلجدار اليس هذا اخي دليل ماخوذ من الواقع ثم اخي لم افهم كلامك ان كلامي عن الحس ماخوذ من معرفة مسبقة وضربت لي مثالا المكتب
اما بالنسبة للرضيع فيمكن القول بات الرضيع تعلم ان لكل صوت مصدر وما الى ذلك ولم يولد بدليل انك لو ذهبت ىالى مولود حديث الولادة فانك قد تنادي عليه او تحدث صوتا ولكنه لا يلتفت

حسام الدين حامد
04-26-2010, 07:20 PM
ولكنك اخي عندما طلبت مني ان اتصور طرفي البديهية تصورة اشياء من الواقع مثلا عتدما قلت لكل حادث تصورة تحطم السيارة وعندما قلت سبب تصورة اصتضام السيارة بلجدار اليس هذا اخي دليل ماخوذ من الواقع، ثم اخي لم افهم كلامك ان كلامي عن الحس ماخوذ من معرفة مسبقة وضربت لي مثالا المكتب

أخي الكريم، نحن لا نلغي دور الحس، فسلامة الحس تساعد على حصول التصور، واستعمالك لمفردات من الواقع ليست (دليلًا) على شيء يخالف ما سبق.
والبديهة كذلك ضرورية لكي تبني معرفة على ما يأتيك من حس، فرؤيتك لشيءٍ ما تجعلك تقول بوجوده، دون أن تحتاج إلى إثبات ذلك.



اما بالنسبة للرضيع فيمكن القول بات الرضيع تعلم ان لكل صوت مصدر وما الى ذلك ولم يولد بدليل انك لو ذهبت ىالى مولود حديث الولادة فانك قد تنادي عليه او تحدث صوتا ولكنه لا يلتفت

حديث الولادة لا يلتفت لأنه لا يميز حدوث الصوت أصلًا يا أخي، فهذا خارج عن محل كلامنا أصلًا!

أما الرضيع الذي يميز الصوت ويلتفت ليبحث عن مصدره، فأنت تقول (الرضيع تعلم ان لكل صوت مصدر)، كيف تعلّم ذلك؟ ومن الذي علمه؟ وهل هناك أحد يقول إن الرضيع يسمع مرةً فلا يبحث عن مصدر الصوت، ومرة وثانية وثالثة ورابعة، ثم في الخامسة مثلًا يبحث عن مصدر الصوت؟؟


أخي الكريم .. إيجاد المبررات والاحتمالات أمر سهل جدًّا ويحسنه كل أحد، ولو أردتُ أن أورد على نفسي الاحتمالات لأوردتُ الكثير، لكن هذه الاحتمالات لا تعدو كونها ظنونًا لا تغني من الحق شيئًا، كما أن الاحتمالات المذكورة لا تتطرق لكل أوجه الرد، بل تنتقي بعضها دون بعض.

أخي الحبيب .. حقيقةً أنا أعد العدة لأسافر الآن، ولم أحب أن أترك كلامك دون رد، فإني قد أتأخر في ردّ ما "قد" تسأل بعدُ، ولذا لعلك تستهلك بعض هذا الوقت في قراءة ما سبق، وقراءة الكتاب الذي أحلتك عليه، وتعطي القراءة حقها، والتأمل وقتها، ثم بعد ذلك تبادر بالسؤال.

وفقك الله ونفع بك.

aliali
04-27-2010, 01:25 PM
اخي حسام الدين حامد جزاك الله خير ساقوم بقرائة الردود مرة اخرى اما بلنسبة للكتاب فانه ليس جيد بالنسبة للذين من امثالي فانه شتتني اكثر واورد علي المزيد من التساؤلات وجزاك الله خير وارجو ان تعود بالسلامة كي اكمل معك الحوار

عبد الغفور
04-28-2010, 04:54 AM
بارك الله فيك أخي حسام الدين على هذا الكتاب المفيد فهو يتميز بوضوح الشرح وسهولة العبارة وأنا الآن وصلت في القراءة الى منتصف الصفحات التي حددتها وجزاك الله خيراً.

أخي على أنصحك أن تعيد القراءة في ما كتب بهدوء وروية

الباحثة عن البينة
04-28-2010, 04:35 PM
أنا آسفة عالتدخل في الحوار
بس ممكن اسأل سؤال في نفس الموضوع
هو شكله غبي جدا لكن يهمني
ازاي أعرف ان الخير خير والشر شر
يعني مثلا الكذب شر
ايه اللي عرفني ده
يعني مثلا لو واحد تربي في بيئة بتقول ان الكذب خير هينشأ علي كده ولا لأ؟
وآسفة اخي علي عالتدخل في الحوار.

شرف الدين الصافي
04-29-2010, 01:05 AM
ازاي أعرف ان الخير خير والشر شر
يعني مثلا الكذب شر
ايه اللي عرفني ده
يعني مثلا لو واحد تربي في بيئة بتقول ان الكذب خير هينشأ علي كده ولا لأ؟
.
الجواب باختصار أختي الفاضلة ،الخير والشر يعرف بالشرع ويمكن أيضا بالفطرة والعقل .
وإن سألت عن العقل فهو يحكم على أمر بالشر من حيث المضار والمفاسد الناجمة عنه
ويحكم على شيء آخر بالخير من حيث المنافع والمصالح المترتبة عليه .
فالكذب شر وسوء ولا يمكن لم أعطي مسحة من عقل أن ينكر ذلك
ولا يخفى على أحد كثرة المفاسد الناجمة عنه ومن بينها ضياع الحقوق وانتشار الفوضى وذهاب العدل
ومن يكذب بدعوى أنه رُبي على استحسان الكذب فليقلب القضية ، فهل سيرضى أن يقابله أحد بالكذب .

ATmaCA
05-07-2010, 07:33 AM
ولوو ان الواقع الذي حولنا كان غير الذي نعرفه لكانت البديهيات المدعاه غير هذه البديهيات اي اننا نظرنا وتاملنا في الكون فوجدنا ان مانراه من حوادث له سبب فستنتجنا هذه القاعدة


هذه الحجة تصنف - برأيى- ككلام سوفسطائى أوله مثل آخره ؛ وظهره مثل بطنه ولا ذيل له! ؛ ويستخدم الملاحدة هذه الحجة للتدليل على غياب النظام الذى يحتاج لتدبير وتنظيم .. وحتى يزال الإشكال ( و كمحاولة للزحف بجوار الدكتور حسام الدين حامد! ) سأوضح فقط فيم تستخدم هذه الحجة ؛ وكيف يرى الملاحدة أنها تخدم مذهبهم .. وعلى سبيل المثال :

الأكسجين غاز يتصاعد ؛كذلك الهيدروجين ؛ وعند إتحادهما يتكون الماء.
(هكذا تصنف طبيعة العلاقة بين الأكسجين والهيدروجين علميًا )
فيقول المؤمن : الله تعالى الذى خلقهما بهذه الطبيعة حتى يتكون الماء الذى له فوائد لاحصر لها للكائنات الأرضية .

ولكن ماذا سيقول الملحد ؟ بالتأكيد سيسفسط؛ فالملحد لايقول إلا سفسطة ..
سيقول الملحد الحجة السوفسطائية فى الإقتباس :

"ولوو ان الواقع الذي حولنا كان غير الذي نعرفه لكانت البديهيات المدعاه غير هذه البديهيات اي اننا نظرنا وتاملنا في الكون فوجدنا ان مانراه من حوادث له سبب فستنتجنا هذه القاعدة "

ما هذا إلا قمة الإستخفاف بالعقول ..

وقد يضيف بعض الحشو قائلًا : لو أن الأكسجين والهيدروجين يكونان لبنًا عند إتحادهما , فسيقول المؤمن أيضًا هاهى طبيعتهما التى خلقها الله فيهما ؛ فمهما كان ما وجدناه سنسأل عن مغزاه

فالارض تدور ؛ والمؤمن يسمى هذا الفعل (نظام) أما الملحد فيقول أن الارض لو كانت تتبع أى قانون آخر غير النظام (الدوران) لكان قال عنه المؤمن نظام ايضًا ؛ ولكن هذا النظام نقول عنه نظام لأننا وجدناه بهذا الشكل ؛ولو كنا وجدناه بشكل آخر لقلنا على هذا الشىء الاخر أيضًا نظام ! فالنظام فى عقل المؤمن فقط أما الكون فعشوائى . هذا كلامهم ..

هذا الكلام ضعيف المنطق من عدة أوجه :

فأولًا : -فى مثال الأكسجين- لا إرادة للأكسجين والهيدروجين ؛ فكلاهما مادة لا عقل فيها!؛ ونحن لانعرف أى نظام خلفهما؛ نعرف فقط النظام الذى حولنا الذى خلقه الله تعالى؛ ولايملكان القدرة على الإختيار أو تغيير نتيجة الإتحاد ؛ فلو مرت ملايير السنين سيظل الناتج واحد وهو الماء ؛ إذن هو نظام ثابت ومخلوق ومدبر ؛ وليس نظرة مستنبطة من الكون ؛ إذ لو كانت نظرة مستنبطة لكانت متغيرة بتغير نظرتنا لها ؛ ولكن ما إكتشفناه فى هذه الذرات هو مجرد إكتشاف لبديع صنع الله تعالى .

ثانيًا : لا يوجد أى معنى لإختراع نظام أو "منظومة" أخرى حولنا لأن النظام موجود اصلًا ؛لذلك قلت أن هذه الحجة سوفسطائية ولامعنى لها .
و ما يخرق النظام -فى الواقع المادى- نسميه معجزة كما تتحول العصى إلى حية ؛ والماء إلى طود عظيم .

ثالثًا : هذا الكلام لادليل عليه لذلك لا وزن له فى المنطق العلمى ؛ بالضبط كما تقول للقاضى أن شبح خفى قتل فلان! هذا الكلام لن يكون مقبولًا عند القاضى .

رابعًا : الأرض كروية ؛ ولو كانت مستطيلة لكنت قلت نفس كلامك ؛ ولو كانت مكعبة لكنت قلت نفس كلامك أيضًا .. فالمسالة هنا نسبية ؛ ولو كان الأكسجين والهيدروجين يكونان التراب!! لكنت قلت هما يكونان التراب لأنهما موجودان هكذا بطريقة عشوائية ؛ ولو كانا يكونان عسلًا لكنت قلت هما يكونان عسلًا بطريقة عشوائية ؛ فقط للهروب من النظام ؛ وهكذا ستظل على موقفك السوفسطائى هذا ؛ فالغرض عند الملحد هو الهروب من النظام .

خامسًا : لو تأملت فى الكلام -بدون إستنتاج له- سيكون كتقرير حال أو كيأس لعدم حصول ما تقول كنوع من أنواع التمنى ! , فهو كلام سليم ؛ ولكنه لم يحدث (إبتسامة) :

ولوو ان الواقع الذي حولنا كان غير الذي نعرفه لكانت البديهيات المدعاه غير هذه البديهيات

و" لو" حرف إمتناع ؛ وكما نقول فى مصر : و"لو" هو حرف متشعلق فى الجو !! ( مثله مثل الملحد تمامًا ).
والله أعلم؛ والحمد لله رب العالمين.

حسام الدين حامد
05-11-2010, 03:45 AM
جزى الله الأحباب علي وعبد الغفور وشرف الدين الصافي وأتماكا خيرًا على جميل القول وحسن الفعل، وبانتظار ما تريد النقاش حوله أخي الكريم علي.

الأخت الكريمة الباحثة عن البينة:


ازاي أعرف ان الخير خير والشر شر، يعني مثلا الكذب شر، ايه اللي عرفني ده، يعني مثلا لو واحد تربي في بيئة بتقول ان الكذب خير هينشأ علي كده ولا لأ؟

هذا الموضوع مما يرتبط بصلة وثيقة والبديهيات، ومما يجتمع مع الفطرة على ذات السبيل، ولو صبرتِ على تأخير الجواب قليلًا لاستفززنا الذهن بسؤال: من أين جاء معيار الخير والشر؟! وعلى أي أساس تُبنى هذه المصادرة بأن هذا خير وهذا شر إن لم نؤمن بوجود الخالق تعالى؟!

إن تمسك الملاحدة بالأخلاق (http://www.eltwhed.com/vb/showpost.php?p=31742&postcount=7) قولًا أو فعلًا - وإن كان نادرًا - يتناقض مع مذهبهم، وهم وإن صرخوا ألف مرة وزادوا أنهم مؤدبون صادقون، فإن سلمنا لهم بذلك - ولو جدلًا - لم يسلموا من الوقوع في التناقض، فإن كفرهم بالخالق وإنكارهم البعث يتنافى مع الأخلاق، وأي قيمة ينتظرها من لا يؤمن بالبعث وينظر لأخيه الإنسان على أنه كائن متطور وحسب، أي قيمة ينتظرها من هذه حاله من الصدق أو الأمانة مع كتلة عديدة الخلايا التي "تصادف" أنها قادرة على التفكير والكلام واسمها "الإنسان"؟!

أليس من الغباء ومخالفة الطبيعة أن يجد الملحد نفسه في حاجة للكذب فلا يكذب، فما الذي يحمله على الصدق إن كان في الصدق أذاه؟! ولننظر إلى هؤلاء الذين لم يؤمنوا بالخالق كيف نظروا للأخلاق!

يقول ول ديورانت في الكلام عن المشكلة الأخلاقية، وكيف تكون إن نُظر إليها نظرة مادية:
(هذا هو الميثاق الذي ينسب اليوم قليلًا أو كثيرًا إلى نيتشه الفيلسوف الألماني عندما يقول: حقًّا إنني أسخر كثيرًا من الضعفاء الذين يفكرون أنفسهم صالحين لأنهم ليس لديهم مخالب لينشبوها، لقد عبر شتيرنر عن هذه الفكرة باختصار عندما قال: حفنة من القوة خير من كيس من الحق، ربما يكون هذا المبدأ خير من وضعه أفلاطون نفسه في تاريخ الفلسفة في حوار آخر "جورجياس"، حيث ينبذ السفسطائي كاليكلس الأخلاق ويستنكرها على أساس كونها بدعة من اختراع الضعفاء لتقييد قوة الأقوياء، إنهم يوزعون المديح واللوم بالنسبة إلى مصالحهم، ويقولون إن عدم الأمانة عار والخيانة فضيحة والقوة ظلم، ويقصدون بعدم الأمانة الرغبة في الحصول على أكثر من جيرانهم، لأنهم يعرفون ضعفهم وعجزهم ويفرحون بالحصول على المساواة والدعوة إليها.
ولكن إذا قام رجل قوي لديه القوة الكافية "وهنا يدخل السوبرمان الذي نادى به نيتشه" واستطاع أن يهز هذه القيود والسلاسل الأخلاقية ويحطمها ويخرج منها، فإنه سيقوض تحت أقدامه جميع قوانيننا وسحرنا ودساتيرنا وشرائعنا وتعاويذنا وخرافاتنا التي تتنافى مع طبيعة الكون والحياة، إن من يريد الحياة حقًّا يجب أن يسمح لرغباته في الانطلاق إلى أوسع مدى، ولكن عند بلوغ الرغبات مداها الأقصى ينبغي أن تتوفر لديه الشجاعة والذكاء في توجيهها وإشباعها، وأؤكد أن هذا هو النبل والعدالة الطبيعية، ولكن الكثيرين من الناس لا يقدرون على فعل ذلك، لذلك فهم يلومون مثل هؤلاء الأشخاص الأقوياء، والسبب هو عجزهم وضعفهم الذي يريدون التستر عليه ومواراته، وبذلك يسمون الإفراط سفالة ودناءة، إنهم يستعذبون الطبائع النبيلة، ويمدحون العدالة لأنهم جبناء ضعفاء). "قصة الفلسفة - ص24 فما بعدها - ول ديورانت - ترجمة د.فتح الله محمد ".

والادعاء أن هذا الفعل صواب وهذا الفعل خطأ هو مصادرة على اختيار الآخر، لا أساس لها إلا الإيمان والفطرة، ولذا فهذه المصادرة لا تستقيم أبدًا من منكرٍ لوجود الخالق عز وجل!

يقول ويليام ليلي :
(فإذا كانت الحياة الأخلاقية ممكنة بالمرة عند باحث علم الأخلاق، فإن هذا يعني قبول هذا الباحث لوجهة نظر معينة عن طبيعة الكون، وإذا كان هناك أي معنى حقيقي في أن تقول أنه يجب عليك أن تفعل شيئًا مختلفًا عما تفعله الآن، فإن هذا يعني أنك تكون حرًّا في الاختيار بين فعلين مختلفين، ومن الواضح أن الميتافيزيقا أو الفلسفة الأولى تقوم بإخبار رجال علم الأخلاق عما إذا كانت لديهم دعائم تعتمد عليها افتراضاتهم عن الحرية الإنسانية في الاختيار، ونطلق على مثل هذه الافتراضات اسم المصادرات، ولقد قسم راشدال المصادرات الميتافيزيقة التي تهتم بها الأخلاق إلى مجموعتين هما:
- مصادرات ضرورية لابد أن نقبلها إذا كان هناك إحساس أخلاقي بإظهار الاختلاف بين الأفعال الصائبة والخاطئة.
- مصادرات يمكن التمسك بدونها بالتمييز بين الصواب والخطأ، لكن قبولها يضيف وضوحًا ومعقولية إلى مبادئ نظرية الأخلاق.
وهناك اختلاف مماثل في مصادرات العلوم الأخرى، ففي معظم العلوم الطبيعية يتم قبول قانون العليّة بصور ما كمصادرات ضرورية، لكن علم الكيمياء حينما يصادر بوجود الذرات فهو يقبل الفرض الذي يجعل تفسيراتها أكثر وضوحًا ومعقولية) "مقدمة في علم الأخلاق - 86 وما بعدها - تأليف: ويليام ليلي - ترجمة: د.علي عبد المعطي)

فالسببية أو العلية وهي بديهة أولية هي بالنسبة للعلوم الطبيعية، كالمصادرة التي يجدها الإنسان في نفسه ضرورةً حتى يستقيم حسنُ الأخلاق!

فالحاصل أن الأخلاق جزء من الفطرة، ولا يستقيم القول بحسنها عند الماديين المنكرين لوجود الخالق عز وجل.

وتتمة لجواب السؤال :
فإن معرفة الخير والشر تتحقق إجمالًا بالعقل، فالعقل يعرف أن الكذب سيء، وأن السرقة شر، ولن نجد منصفًا يقول إن الكذب والإخبار بالشيء على غير حقيقته شيء حسن، أو إن أخذ ما ليس من حقك أمر جميل، وهذه المعرفة العقلية لا يترتب على الجهل بها العقاب، لأن الله قال "وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولًا".

وهنا يقال (ماذا لو أتينا بطفل صغير وربيناه على أن الكذب جميل ومستساغ)، فالجواب أن هذا لا يضرنا شيئًا، لأننا لا نمنع أن تُشوه الفطرة، وتجتالها الشياطين، "فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، لكن الأصل أن الإنسان لو خُلي وفطرته لأدرك أن الكذب قبيح والصدق حسن كما سبق، فتصور الكذب يجعلك تجزم بقبحه، وتصور الصدق يجعلك تجزم بحسنه.

أما معرفة الخير والشر على التفصيل فهذا يُعرف من طريق الشرع، ولذلك فنحن نعلم أن الكذب حرام، ولكن الحالات التي يباح فيها الكذب، لتحقيق مصالح الإصلاح بين المتخاصمين، وتأليف قلب الزوجة، وفي الحرب دون نقض عهد أو أمان، هذا التفصيل لا يُقر إلا من طريق الشرع.

وفقكم الله ونفع بكم.

شرف الدين الصافي
05-11-2010, 05:21 PM
أليس من الغباء ومخالفة الطبيعة أن يجد الملحد نفسه في حاجة للكذب فلا يكذب، فما الذي يحمله على الصدق إن كان في الصدق أذاه؟!
.
بارك الله بكم أخي الكريم وزادكم علما
نعم ، فلا شك أن السلوك فرع من التصور والاعتقاد
فأفعال الإنسان وسلوكياته نابعة من الصور المكونة في ذهنه عن الإله والكون والحياة .
فالإنسان الذي يقمع فطرته و يرغم عقله على الاعتقاد بأن الوجود مادة فحسب
ولا وجود لإله خالق مطلع على كل صغيرة وكبيرة ، وينكرأن له موقف بين يديه ينتهي بمجازاته على ما قدم .
فإلهه ومعبوده هما (هواه ومصلحته) ، ومهما تقنع بالأخلاق والفضائل فإن هذا القناع ما يلبث أن يسقط عند عروض أي عائق يحول دون الوصول لمصلحته ، عندها تظهر حقيقة سلوكه الحتمية المنبثقة عن اعتقاده ، فيبادر لاقتلاع كل من يقف في طريقه ولا يبالي بأي وسلية كانت
ويقوم بأفعال أعتى الحيوانات المفترسة حينها تكون أقرب للرحمة والشفقة من الانسان .
فما الذي يمنع من هذا حاله ، أن يفتك ويظلم ويقتل ويستلب الحقوق ؟
الذي يمنعه شيء واحد وهو العجز ، فإذا رأى نفسه قويا ، يستعمل وسائله التي لا يعرفها الحيوان ، فلديه العقل والعلم والقدرة على التخطيط وما سخره الله له ، فيصبح كل ذلك وسائل لتحقيق رغائبة ورعوناته التي لا تنتهي ، وأسلحة للفتك والتدمير لكل من يقف في طريقه .
فتتحول الحياة إلى ميدان لتصارع القوى ، وذلك يؤول بالإنسانية حتما لشقاء ووبال لا آخر له .

نقطة أخيرة
أرجو بارك الله بكم توضيح قولكم (وهذه المعرفة العقلية لا يترتب على الجهل بها العقاب )
فكأني فهمت إمكانية جهل الإنسان بها
فهل هناك احتمال بأن يعيش إنسان جاهلا قبح الكذب أوالسرقة مثلا ، وإن كان فكيف ؟؟
جزاكم الله خيرا .

المغربية
05-11-2010, 06:28 PM
شكرا لكل الإخوة إستفدت منكم كثيرا و لدي إضافة لو سمحتم و هي لن تكون في مستوى ما تقدمت به لكن ربما تفيد
و عن عن السببية و إستدلال بما نلاحظه لإنكار البديهيات
1 التجربة لا يمكن أن تتبث لنا البديهيات و منها مبدأ السببية ، لأن هذا المبدأ منه ننطلق ، فننطلق أن لكل حادث سبب و هذا ما يجعلنا نربط بين الأشياء ، أما عدم إنطلافنا منه فلن نخرج بأية نتيجة سوى ملاحظة ظواهر متعاقبة دون أي ترابط بينها فلا نستطيع القول أن هذا سببه هذا لأننا من البداية ننكر هذا المبدأ
الشيء الأخر و هو التعميم كيف مثلا لملاحظاتنا أن تتبث لنا مبدأ السببية ، فهل جربنا كل ما حولنا حتى نخرج بنتيجة أن لكل حادث سبب

عساف
05-11-2010, 07:15 PM
أختي المغربية..
اذا سمحت لي..

لا يجب أن نجرب كل شيء في الوجود حتى نثبت أن له سبب.. (حتى عندما يحرم الشارع أمرا ما.. لابد من وجود حكمة وعلة للتحريم.. قد تظهر وقد تخفى.. وخفاؤها عنا لا يعني عدمها)
ولكن أنت كما قلت أن السببية مبدأ، والمبدأ حكمٌ عامٌ ناتج عن التصور.. فلا يمكن أن نتصور أمرا ما بدون سبب..
إليك المثال التالي..
جهاز الحاسب الذي يعمل بين يديك.. لو توقف فجأة عن العمل.. هل من الممكن أن تتصورين أنه توقف عن العمل بلا سبب؟؟!!
حتى لو افترضنا أن للحاسوب مزاجا كالبشر.. فكان توقفه مزاجيا.. فحتى المزاجية اذا حللناها عند البشر نجد أنها نتاج تفاعلات داخلية في العقل البشري مع عوامل خارجية.. فلاشيء يمكن أن يحدث بلا سبب (في التصور ).. والحكم على الشيء جزء من تصوره.
فالعدم ليس له وجود حقيقي،، فالعدم والوجود نقيضين.. لذلك اذا قلنا ان شيئا ما حدث (وجِد) بلاسبب، فنحن نرجع السبب - حتى وان لم نقصد ذلك - للعدم.
فقولنا بعدم وجود سبب للحادث = قولنا أن سبب وجود الحادث هو العدم..
ما كتبته بالخط الأحمر هو استنتاج شخصي مني.. اذا كان هناك أي خطأ بالمعادلة أرجو أن توضح لي.. فقد أكون اغفلت امرا.. واذا كانت صحيحة فالحمد لله،، ففيها اثبات لمبدأ السببية بمنطقية واضحة وبسيطة..

حسام الدين حامد
05-11-2010, 07:30 PM
الأخ الفاضل عساف، ما فهمتُه من كلام الأخت الفاضلة المغربية أنها تقرر ما ذكرتَه أنت، بقولها (ن هذا المبدأ منه ننطلق)، وتثني بالرد على من يدعي أن السببية بُنيت على الاستقراء بقولها (كيف مثلا لملاحظاتنا أن تتبث لنا مبدأ السببية ، فهل جربنا كل ما حولنا حتى نخرج بنتيجة أن لكل حادث سبب)، ولا أظن أن الأخت تستفهم أو تستشكل، بل هي تضيف للموضوع كما ذكرتْ، والله أعلم.

الأخ الكريم شرف الدين حفظك الله ووفقك لخدمة الدين بما علمت.


(وهذه المعرفة العقلية لا يترتب على الجهل بها العقاب)
فكأني فهمت إمكانية جهل الإنسان بها
فهل هناك احتمال بأن يعيش إنسان جاهلا قبح الكذب أوالسرقة مثلا ، وإن كان فكيف ؟؟

نعم أخي الكريم، هناك إمكانية لجهل الإنسان بقبح الكذب والسرقة، وهذه الإمكانية تقوم في العقل ابتداءً، إذ لا يستحيل في العقل أن ينشأ إنسانٌ نشأة غير سوية على القول بحسن الكذب والسرقة، ثم تتأكد هذه الإمكانية بالنص إذ إن الفطرة السليمة قد تتعرض لما يجتالها ويجدع أنفها ويشوهها، ثم يتأكد ذلك بأنه وقعَ بالفعل، ألا ترى أخي الكريم إلى الشيعة الإمامية يجعلون تسعة أعشار الدين في التقية، ولا يضعون للتقية شروطًا تجعلها من باب الرخصة التي تقابل العزيمة، فيدينون بالكذب – تعالى الله أن يشرع لعباده الكذب!

أما كيفية حدوث ذلك، فقد يكون بتسمية الأشياء بغير اسمها، كما تستباح الخمور بوصفها مشروبات روحية، والمعازف بوصفها غذاء الروح، والكذب بوصفه تقية، وقد يكون ذلك بالنشأة في جماعةٍ منحرفة، كمن يرى السرقة مهارة لأنه تربى في عصابة من اللصوص، وقد يكون ذلك بتلقين من معلّم أو مربي، وغير ذلك من سبل لا أقصد إلى حصرها الآن!

أما عدم ترتب العقاب على الجهل بها، فمثاله يتضح بالخمر التي قال فيها الوليد بن المغيرة في الجاهلية "والله لا أشربها حتى لا يلعب بي الصبيان"، ولو صورتَ السُّكر على أنه ذهاب العقل بما يعرض الإنسان والجماعة للمخاطر، لو صورتها على ذلك – وهي كذلك - لما خالفك منصفٌ في قبحها ولزوم منعها، لكنّنا لا نقول إن من شرب الخمر وسكر قبل ورود تحريمه سيُعاقب أو سيؤاخذ بجهله بقبحه.

وفقكم الله وبارك لكم.

المغربية
05-11-2010, 07:53 PM
أستاذ عساف ما قصدت قوله هو ما قاله الأستاذ حسام الدين حامد لأن هناك نوعان من الأشخاص
شخص ينكر مبدأ السببية
و شخص يرفض البديهيات و يريد أن يبرهن على أن مبدأ السببية هو تجريبي و ليس عقلي
الأول إن أنكر المبدأ فنقول له أنك هدمت العلوم لأنها تقوم على هذا المبدأ
و الثاني نقول له أن المبدأ منه ننطلق دون حاجة لتجربة ، فهو بديهي و لو أنكرناه لما إستطعنا الربط بين الأشياء بل كل ما سنلاحظه هو ظوهر متعاقبة دون أن نستطيع الربط بينها بما أننا ننكر المبدأ من البداية
هذا ما قصدته و ربما لم أستطع أن أعبر بطريقة أفضل ففهم ما قلته بطريقة معكوسة

عساف
05-11-2010, 08:17 PM
أختي المغربية..

أنا فهمت ماكنت تعنين بالضبط..
لكني أريد أن أثبت مبدأ السببية بطريقة منطقية مختصرة.. ولا تعارض ولا خلاف بيننا.. ولم أفهم كلامك بطريقة معكوسة.. بالعكس..
ولكنك حاولتي اثبات مبدأ السببية بقولك:

فهو بديهي و لو أنكرناه لما إستطعنا الربط بين الأشياء بل كل ما سنلاحظه هو ظوهر متعاقبة دون أن نستطيع الربط بينها بما أننا ننكر المبدأ من البداية
وهذا كلام صحيح ولكنه لايثبت شيئا.. فقد حاجني أحد الملحدين بأن هذا مجرد كلام انشائي.. ولا تقوم به الحجة على اثبات مبدأ السببية على كل شيء.. وهو نفس التساؤل الذي طرحتيه:

كيف مثلا لملاحظاتنا أن تتبث لنا مبدأ السببية ، فهل جربنا كل ما حولنا حتى نخرج بنتيجة أن لكل حادث سبب
ولكن لو قلنا له أن القول بانعدام السبب عن الحادث. يعني أن سبب الحدوث هو العدم.. وذلك يلزمه بأنه يرى وجود العدم.. فتسقط حجته..
ارجو أن يكون كلامي واضح.. فكل مافعلته هو تبسيط لمبدأ السببية واثباته بعبارة منطقية مختصرة تغني عن الكثير من الانشاء..
شكرا لك.. أختي.. فقد كنت أحاور عقلي في المداخلة السابقة أكثر مماكنت أحاورك.. فلا تسيئي فهمي ^_^

المغربية
05-11-2010, 08:32 PM
على ما يبدوا أننا ندافع على نفس الطريقة في الإثبات فقط إختلفت طريقتنا
لنرى الأن ما قلته
1 ننطلق من إنكار مبدأ السببة
2 لنرى الأن الظواهر و لنأخذ مثلا غليان الماء
- إرتفاع درجة الحرارية و غليان الماء
لو أنكرنا المبدأ لما إستطعنا القول أن سبب غليان الماء هو إرتفاع درجة الحرارة
و كلما سنخرج به هو ظاهرتين متعاقبتين يعني : إرتفاع درجة الحرارة و الظاهرة التي تعاقبها هو الغليان ، دون أن نستطيع الربط بينهم ، أو أن نقول أن الأول سبب الثاني
كحالة الليل و النهار ظاهرتين متعاقبتين و ليس الأول سبب الثاني
ما أردت قوله من خلال تساؤلي هو رد على من ينكر البديهيات و لا يعترف إلا بالتجربة ، هؤلاء سيجدون أكبر مشكل هو التعميم ماذا يعني هذا ، يعني هل ما هو صحيح في المختبرهو صحيح خارج المختبر ، فالتجريبي هنا رغم أنفه يؤمن بالبديهيات

عساف
05-12-2010, 05:08 AM
أظن ذلك..
شكرا لك

شرف الدين الصافي
05-12-2010, 04:57 PM
جزاكم الله خيرا أستاذ حسام الدين حامد على ما أتحفتمونا به من ردودكم القيمة

ولكن أخي الكريم ألا ترى معي أن هنالك فرق بين جهل الإنسان بقبح الكذب أو السرقة كتصور لحقيقتها مجرد عن الاعتبارات
والممارسات ، وبين جهله بتلك الاعتبارات الفاسدة التي سوغت السرقة أو الكذب .

فما قصدته أخي الفاضل هو هل يمكن لأحد أن يجهل قبح الكذب ( القول بخلاف الحقيقة ) أو شناعة السرقة ( أخذ مال الغير بغير حق )
أي أن يتصور حقيقتها وما يترتب عليها من ضرر للمكذوب عليه أو المسروق له ، مجردة عن اعتبارات أخرى مصاحبة لها ثم يعتقد أن الكذب والصدق سيان ، أو أن أخذ المال باستحقاق هو والسرقة سواء .

ولأبين الفرق أذكر لذلك أمثلة
فكما يقول علماء النفس بل كما هو معروف و مشاهد في واقع الأمر
أن الإنسان عندما ينظر لإنسان آخر ، وهو يتألم كأن رآه (يحترق أو يغرق ) مثلا ، فإنه في ذلك الوقت يضيق ويتألم له ،
وسبب ذلك يكون لأمرين
1 - أن الناظر لديه تصور مسبق لحقيقة الألم (ذلك الشعور البغيض الغير مرغوب به)
2 – علمه بأن الذي يحترق يشاركه بنفس الحواس ، وبالتالي يشعر بما يشعر به لو كان مكانه .
وتصور الناظر لحقيقة الألم البغيضة لم يكن لولا أنه مر عليه وذاق شيئا منه ، فمن هنا تتولد وتتكون الصورة القبيحة للألم في ذهنه .

كذلك السرقة فما من إنسان على وجه الأرض إذا سلب منه ماله أو ما يملكه ، إلا ساءه وآلمه هذا الأمر
وإدراكه للسرقة وما يترتب عليها من ضرر عليه ابتداءا (يجعله يتصور قبح السرقة )
ثم يتصور الضرر نفسه الذي سيكون لغيره فيما لو حصل له .

كذلك الكذب ، فلنفترض أن أحدهم قُتِل ، وأشير بإصبع الاتهام لرجل بريء ( وهذا الرجل البريء نشأ في بيئة تستحسن الكذب )
ثم جاء من شهد على هذا الرجل البريء كاذبا أمام القاضي أنه هو من قام بالقتل
فلنسأل هنا ماذا سيكون موقف هذا الرجل البريء - الجاهل لقبح الكذب - من الشخص الذي شهد عليه بخلاف الحقيقة ، لا شك أنه سينقم عليه ويتمنى لو يصل إليه لينال منه ( ونقمته عليه ، لأنه قال بخلاف الحقيقة وترتب على قوله الضرر الحاصل له بغير وجه حق)
فهل بعد تصوره للكذب وما ترتب عليه يمكن أن يبقى جاهلا لقبحه وشناعته .

أما مسألة الشيعة واللصوص ، فربما كان الأمر مختلفا
فمثلا لا أحد يجهل أن قطع يد إنسان فيه إيلام شديد له ، وبالتالي هو فعل شنيع
ولكن عندما تقطع يده في حد السرقة ، فنرى أن الأمر لا إشكال فيه ، وذلك لاعتبارٍ صاحَب هذا الفعل
وهو أنه يستحق ذلك جزاء على ما اقترفته يداه .

كذلك كيّ إنسان بالنار لا يشك أحد ببشاعة هذا الفعل ولكن عندما يصاحب هذا الفعل اعتبار يبرره كأن يكون للعلاج ، أو للتعذيب لحمله على الاعتراف ، يُرى أن الأمر لا إشكال فيه
فالشيعة عندما يجيزون التقية بل يعتبرونها في بعض الأحيان واجبة ليس لأنهم يقولون بحسن الكذب على إطلاقه ، بل لاعتبارات دخلت على هذا الفعل كانت بمثابة تبرير له (طبعا بغض النظر عن فساد تلك الاعتبارات والتبريرات أو صحتها في كل الأمثلة)
فالشرع عندما أجاز القول بخلاف الحقيقة في حالة الحرب مع العدو ، أو للإصلاح بين متخاصمين
بناء على مصلحة محترمة ، جعلت القول بخلاف الحقيقة في هذه الحالة المخصوصة جائز
ولكن الكذب في أصله مجردا عن هذه الاعتبارات والقرائن لا شك أنه مذموم .

كذلك اللصوص فعندما يستحلون السرقة ليس لجهلهم بقبح هذا الفعل – بل لاعتبارات رافقت هذا الفعل
كما كان عليه العرب في الجاهلية فكانوا لا يجدون أي غضاضة في الإغارة على القبائل ونهب أموالها
بل كانوا يفاخرون بهذه الأفعال ويعدونها من الشجاعة
ولكن عندما هموا ببناء الكعبة تحروا أن لا يدخلوا فيها من هذه الأموال شيئا .

والخلاصة : أعتقد أن إدراك العقل لخيرية الأشياء أو شرها يكون على تفاوت وذلك بحسب وضوع أثر ما يترتب عليها
ضررا كان أو نفعا
فالكذب والسرقة ضررها أوضح من ضررالخمر، والخمر أوضح من المعازف .. وهكذا .

أخيرا أرجو المعذرة على كثرة الكلام فليس من وراءه إلا الرغبة في الاستفادة من علمكم والوصول للرأي الصحيح في المسألة.
وبانتظار ردكم بارك الله بكم .

حسام الدين حامد
05-12-2010, 09:03 PM
الأخ النبيل شرف الدين حفظك الله.

لا أعرف في المسألة خلافًا عند من يقول بالتحسين والتقبيح العقلي، حتى يقع الخلاف بيني وبينك فيها، فكلامي واضح في أني أرى هذه التفرقة والتمييز من الفطرة ومن سبيل البديهيات، ولو صح أن يتصور الإنسان خلافها لما كان لإقامة الحجة عليه سبيل، فالظاهر أن الأمر راجع إلى سوء بيان أو فهم، والظاهر أمامي أن الرأي واحد واللفظ مختلف!

فقولك :


فما قصدته أخي الفاضل هو هل يمكن لأحد أن يجهل قبح الكذب ( القول بخلاف الحقيقة ) أو شناعة السرقة ( أخذ مال الغير بغير حق ) أي أن يتصور حقيقتها وما يترتب عليها من ضرر للمكذوب عليه أو المسروق له ، مجردة عن اعتبارات أخرى مصاحبة لها ثم يعتقد أن الكذب والصدق سيان ، أو أن أخذ المال باستحقاق هو والسرقة سواء .

هو قولي:


الأصل أن الإنسان لو خُلي وفطرته لأدرك أن الكذب قبيح والصدق حسن كما سبق، فتصور الكذب يجعلك تجزم بقبحه، وتصور الصدق يجعلك تجزم بحسنه.

وقولك:


فرق بين جهل الإنسان بقبح الكذب أو السرقة كتصور لحقيقتها مجرد عن الاعتبارات والممارسات ، وبين جهله بتلك الاعتبارات الفاسدة التي سوغت السرقة أو الكذب .

هو قولي:


هناك إمكانية لجهل الإنسان بقبح الكذب والسرقة، وهذه الإمكانية تقوم في العقل ابتداءً، إذ لا يستحيل في العقل أن ينشأ إنسانٌ نشأة غير سوية على القول بحسن الكذب والسرقة، ثم تتأكد هذه الإمكانية بالنص إذ إن الفطرة السليمة قد تتعرض لما يجتالها ويجدع أنفها ويشوهها، ثم يتأكد ذلك بأنه وقعَ بالفعل، ألا ترى أخي الكريم إلى الشيعة الإمامية يجعلون تسعة أعشار الدين في التقية، ولا يضعون للتقية شروطًا تجعلها من باب الرخصة التي تقابل العزيمة، فيدينون بالكذب – تعالى الله أن يشرع لعباده الكذب!

أما كيفية حدوث ذلك، فقد يكون بتسمية الأشياء بغير اسمها، كما تستباح الخمور بوصفها مشروبات روحية، والمعازف بوصفها غذاء الروح، والكذب بوصفه تقية، وقد يكون ذلك بالنشأة في جماعةٍ منحرفة، كمن يرى السرقة مهارة لأنه تربى في عصابة من اللصوص، وقد يكون ذلك بتلقين من معلّم أو مربي، وغير ذلك من سبل لا أقصد إلى حصرها الآن!

وقد بحثتُ في كلامي عن مبهمٍ لم يعقبه بيانُ أو مجملٍ لم يفصَّل فلم أجد، ولذا فأعتذر لك مقدمًا عما وجدتَه في كلامي من غموضٍ وعجزتُ عن الوقوف عليه.

وفقكم الله ونفع بكم وجمعني وإياكم في الفردوس!

شرف الدين الصافي
05-13-2010, 06:47 PM
الأستاذ المفضال حسام الدين رعاك الله

نعم أخي وأنا أيضا لا أعلم خلافا ،
وإني سأقوم بتحرير محل الخلاف على حسب ما فهمت وإن كان في فهمي لقولك جنوح عن مرادك
فأرجوا تصويبه منك ، وإرشادي لما أردتَ فمنكم نتعلم بارك الله بكم .

في تعقيبي الأول كان سؤالي لكم :
أرجو بارك الله بكم توضيح قولكم (وهذه المعرفة العقلية لا يترتب على الجهل بها العقاب) فكأني فهمت إمكانية جهل الإنسان بها
فهل هناك احتمال بأن يعيش إنسان جاهلا قبح الكذب أو السرقة مثلا ، وإن كان فكيف ؟؟

فكان ردكم :
(نعم أخي الكريم، هناك إمكانية لجهل الإنسان بقبح الكذب والسرقة، وهذه الإمكانية تقوم في العقل ابتداءً، إذ لا يستحيل في العقل أن ينشأ إنسانٌ نشأة غير سوية على القول بحسن الكذب والسرقة، ثم تتأكد هذه الإمكانية بالنص إذ إن الفطرة السليمة قد تتعرض لما يجتالها ويجدع أنفها ويشوهها، ثم يتأكد ذلك بأنه وقعَ بالفعل، ألا ترى أخي الكريم إلى الشيعة الإمامية يجعلون تسعة أعشار الدين في التقية، ولا يضعون للتقية شروطًا تجعلها من باب الرخصة التي تقابل العزيمة، فيدينون بالكذب – تعالى الله أن يشرع لعباده الكذب!)

وما فهمته من هذا الكلام هو إمكانية أن يجهل الإنسان قبح الكذب أو السرقة (على إطلاقه وحتى لو تصورها)
إن نشأ في بيئة منحرفة لقنته القول بحسنها ، وأنك أكدت ذلك بمثالك عن الشيعة

فكان قولي:
(هنالك فرق بين جهل الإنسان بقبح الكذب أو السرقة كتصور لحقيقتها مجرد عن الاعتبارات والممارسات
، وبين جهله بتلك الاعتبارات الفاسدة التي سوغت السرقة أو الكذب )

أي أنه لا يمكن لأي إنسان مهما كانت البيئة التي يعيش فيها أن يجهل قبح الكذب أو السرقة ، أي (يعتقد أن الكذب والصدق سيان ، أو أن أخذ المال باستحقاق هو والسرقة سواء .) طبعا إن كان سليم الآلات أي ليس مجنونا أو معتوها

وما قصدته من قولي
(وبين جهله بتلك الاعتبارات الفاسدة التي سوغت السرقة أو الكذب)
فهو أنه ما من شيعي يجهل قبح الكذب ، وقولهم بالتقية لا يعني جهلهم بالكذب على إطلاقه
وإنما جهلهم به في هذه الحالة المخصوصة وهي (التقية ) والسبب في ذلك الاعتبار الفاسد الذي لبّس على بعضهم الأمر فاعتقدوا بشرعية التقية .
وهو كالاعتبار المحترم الذي على أساسه أباح الشارع الكذب في الإصلاح بين المتخاصمين والاعتبار الشرعي هو ( إن لم نجد سبيلا للإصلاح بين المؤمنين إلا الكذب جاز بقدر الضرورة نظرا للمصلحة المترتبة على ذلك )
فصار في هذه الحالة المخصوصة القول بخلاف الحقيقة جائزا مباحا
مع أنه في أصلة مجردا عن هذا الاعتبار قبيح .
والفرق بين اعتبار الشيعة واعتبار الشرع ، أن الأول فاسد والثاني صحيح


وفي الحقيقة تعذر علي التوفيق بين قولكم :
(أرى هذه التفرقة والتمييز من الفطرة ومن سبيل البديهيات، ولو صح أن يتصور الإنسان خلافها لما كان لإقامة الحجة عليه سبيل ) ، (الأصل أن الإنسان لو خُلي وفطرته لأدرك أن الكذب قبيح والصدق حسن كما سبق، فتصور الكذب يجعلك تجزم بقبحه، وتصور الصدق يجعلك تجزم بحسنه)

و قولكم : (هناك إمكانية لجهل الإنسان بقبح الكذب والسرقة، وهذه الإمكانية تقوم في العقل ابتداءً، إذ لا يستحيل في العقل أن ينشأ إنسانٌ نشأة غير سوية على القول بحسن الكذب والسرقة، ثم تتأكد هذه الإمكانية بالنص إذ إن الفطرة السليمة قد تتعرض لما يجتالها ويجدع أنفها ويشوهها، ثم يتأكد ذلك بأنه وقعَ بالفعل، ألا ترى أخي الكريم إلى الشيعة الإمامية يجعلون تسعة أعشار الدين في التقية، ولا يضعون للتقية شروطًا تجعلها من باب الرخصة التي تقابل العزيمة، فيدينون بالكذب – تعالى الله أن يشرع لعباده الكذب! )
وذلك ، لأنه إن كان انحراف الفطرة هو السبب ، فما مقصودكم بانحراف الفطرة ؟
أليس الملاحدة منحرفوا الفطر ، فهل يجهلون قبح الكذب
أما إن قصدت طروء خلل في آلات الإدراك والتمييز فهل الشيعة منهم ؟

جزاكم الله خيرا أخي الكريم ، وفي انتظار توضيحكم لما خفي علي .

حسام الدين حامد
05-13-2010, 07:14 PM
الأخ الكريم والأستاذ الفاضل شرف الدين حفظك الله


وما فهمته من هذا الكلام هو إمكانية أن يجهل الإنسان قبح الكذب أو السرقة (على إطلاقه وحتى لو تصورها) إن نشأ في بيئة منحرفة لقنته القول بحسنها ، وأنك أكدت ذلك بمثالك عن الشيعة

قد يصح هذا الفهم لو أخذت قولي "هناك إمكانية لجهل الإنسان بقبح الكذب والسرقة" مقتطعًا من سياقه، وقد وضحت هذه الإمكانية بقولي "لا يستحيل في العقل أن ينشأ إنسانٌ نشأة غير سوية ..."، فالمسألة مسألة تنشئة كما قلتُ أو اعتبارات فاسدة كما قلتَ، وقد مثلت في كلامي بعد ذلك بالمقصود، وما قبله الذي ذكرت فيه الأصل، وحيث إني لم أقل إن الإنسان يقول بقبح الكذب والصدق حتى لو تصورها، بل قلت بالعكس، فالسياق يوضح أنني أقول إن التحسين والتقبيح يكون بالاعتبارات الفاسدة كما كان لفظك، فنحن نتكلم في ألفاظ مختلفة والمعنى واحد.

فمثلًا لو قلتُ لمن يستعمل التقية في غير موضعها يحسب أنه يحسن صنعًا: أنت تدين الله تعالى بالكذب؟
فجاء معترض ليقول لي: لكن ما من إنسان عاقل يدين الله بالكذب، فإما أنك تزعم أن هذا الشيعي مجنون، أو تقول بإمكانية أن يرى العاقل في الكذب دينًا.

فلفظي حين يؤخذ مجردًا عن سياقه يُفهم منه ما قد يقوله هذا المعترض، لكن اللفظ إن وضع في السياق - وهو السياق الذي لم يقل بخلافه أحد ممن يرى التحسين والتقبيح العقلي - فهو مفهوم على وجهه.

سلمك الله من كل سوء، وكتبني وإياك من المقربين!

شرف الدين الصافي
05-13-2010, 11:17 PM
جزاك الله خيرا أستاذي الفاضل على ما تفضلت به
مما أوضح الصورة وأزال اللبس
بارك الله في علمك وعملك
ولا تنساني أخي من دعائك بارك الله بك .

حسام الدين حامد
05-14-2010, 06:31 PM
وجزاكم الله خيرًا ونفع بكم وجعلني وإياكم من أهل الإخلاص.