المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تنبيه الإسلام الهيولاني!!! للبروفيسور جعفر إدريس



مجرّد إنسان
05-06-2010, 12:14 PM
من روائع الدكتور جعفر...في حديثه عن الخنفشاريين...نقدٌ ساخر ينطق بالمرارة من بني خنفشار:


الإسلام الهَيولاني[1] ليس إسلاماً لله تعالى، وإنما هو إسلام لأهواء كل من يدعي الانتساب إليه. إنه إسلام لا صورة له ولا محتوى، ولا يمكن أن يُعرَّف أو يوصف؛ لأنه دائم التغير والتشكل بأشكال تلك الأهواء التي لا تستقر على حال.


وهو قابل لهذا التشكل المستمر؛ لأن القرآن في نظر الهيولانيين وإن كان نصاً مقدساً إلا أن فهمه هو دائماً فهمٌ بشري، والفهم البشري يتغير، بل يجب أن يتغير بحسب ظروف القارئ للقرآن زماناً ومكاناً وثقافة ومزاجاً. وإذا كانت الفهوم كلها بشرية فكلها متساوية في كونها فهماً للقرآن الكريم. كيف بغير هذا يكون الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان؟


ما الإسلام إذن؟ من حق كل منتسب إلى الإسلام أن يجيب عن هذا السؤال بالطريقة التي يريدها، وليس من حق مخالفه أن يعترض عليه أو يصمه بالكفر أو الابتداع أو حتى الخطأ؛ لأن الحقيقة ليست ملكاً لأحد، وإنما هي أمر نسبي تابع لرؤى الناس وظروفهم. لا فرق إذن بين شيعة وسنة، ولا بين سني وأشعري ومعتزلي وخارجي، ولا بين معترف بالسنة ومنكر لها، ولا بين سلفي وصوفي حتى لو كان الصوفي من النوع الذي يعتقد الولاية في من قال:

وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسةِ

كل هؤلاء متساوون، ولكل منهم من الحقوق ما لغيره في الوطن المسلم الذي يعيشون فيه.


فالإسلام اشتراكي إذا كان هوى المنتسب اشتراكياً، وأبو ذر هو الاشتراكي الأول، وخديجة أم الاشتراكية [هذه أسماء كتب ظهرت في الخمسينيات] وهو رأسمالي إذا كان هواه مع الرأسمالية؛ لأن الله أحل البيع، أما الربا الذي حرمه فليس ربا البنوك الذي هو من ضرورات الاقتصاد الحديث، وإنما هو ربا العرب الجاهليين الذي كان يؤخذ أضعافاً مضاعفة استغلالاً لحجة المساكين.

والإسلام ديمقراطي؛ لأن الله ـ تعالى ـ يقول: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] إذ ما ذا تكون الشورى غير الديمقراطية؟ ولكنه أيضاً دكتاتوري؛ لأنه يامر بطاعة الحاكم وعدم الخروج عليه.

والإسلام دين الجَمال فهو لا يعترض على شيء من الفنون الجميلة رسماً ونحتاً ولا على ما يرسم أو ينحت مكسواً كان أم عارياً، متحركاً كان أم ساكناً، ما دام الغرض منه تذوُّق الجمال، وإدخال البهجة على النفوس.

والإسلام دين المتع البريئة؛ فلا اعتراض فيه على غناء أو موسيقى، ولا على رقص بين رجال ونساء؛ كيف يحرم الغناء والموسيقى من خلق الطيور المغردة ذات الأصوات الشجية؟

والإسلام دين السلام فلا مكان فيه لحرب ولا قتال؛ لأن الله ـ تعالى ـ يقول: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [النساء: 77] وأما الجهاد فإن المقصود منه جهاد النفس، وجهاد الكلمة والبيان؛ لأن الدعوة إلى الله لا تكون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة. كيف يكون في الإسلام قتال وهو الدين الوحيد الذي يعترف بالآخر ولا سيما إذا كان منتمياً إلى دين إبراهيمي؟ فالدين عند الله الإسلام، وكل الأنبياء مسلمون، وكل ما جاؤوا به من دين فهو إسلام؛ فكل من انتسب إلى دين من تلك الأديان فهو مسلم لا فرق بينه وبيننا نحن المنتسبين إلى الدين المحمدي. فإذا كنا نعتقد أنه لا معبود بحق إلا الله؛ فإن نصارى اليوم يعتقدون أنه لا نجاة إلا بعبادة المسيح ابن الله، واليهود يعتقدون أنه لا نجاة إلا لمن كان من الشعب الذي اختاره الله. لندع الخلق إذن لخالقها هو الذي يحكم بينها.

والإسلام دين الحرية؛ إذ لا إكراه في الدين؛ فمن شاء أن يدخل فيه دخل، ومن شاء أن يخرج منه خرج، ولا تثريب على داخل فيه أو خارج منه، فلا كلام في عصرنا عن ردة ومرتد. إن عصرنا هو عصر حرية التعبير؛ فدعوا كل إنسان يقول ما شاء كيف شاء، ويدعو إليه ويدافع عنه. دعوا الأفكار تتصارع ولا تحكموا على واحد منها بالحرمان من الدخول في حلبة المصارعة.

وإذا أراد المسلم أن يهاجر إلى بلد غير إسلامي ويعيش بين ظهراني أهله، فله أن يفعل ذلك؛ لأن الأرض كلها لله، والإسلام دين الله. ولكن عليه إذا اختار تلك الهجرة أن يعطي ولاءه الكامل لحكومة البلد الذي اختار الهجرة إليه، ولدستورها ولا سيما إذا كان دستوراً ديمقراطياً. فعلى من يعيش في الولايات المتحدة مثلاً أن يقرأ الدستور الأمريكي في أذن مولوده كما ينادي بالأذان في الأذن الأخرى[2]. وعليه أن يحتفل بما يحتفلون به من أعياد عامة كعيد الشكر، وأن يذبح البط كما يذبحون. ثم عليه أن يهنئهم بما يختصون به من أعياد دينية نصرانية كانت أم يهودية.

إعفاء اللحية من العادات التي لا علاقة لها بالعبادات؛ فإذا كان الناس يرون في الماضي أن اللحية زينة للرجال، وأنها تميز بينهم وبين النساء، فإن ثقافة اليوم تريد أن تقرب بين الرجال والنساء، وأن تمحو الفوارق بينهم؛ فلا بأس على المسلم لذلك أن يحلق لحيته وشاربه، وإن قيل إنه بذلك يشابه امرأته.

نظم الحكم وأمور السياسة والاقتصاد هي من أمر الدنيا الذي قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنه: «أنتم أعلم بأمر دنياكم» فلا بأس على المسلمين اليوم ان يتخذوا من أنظمة الحكم ما يرونه مناسباً لعصرهم ومحققاً لمطامحهم. وما دام الاتجاه الآن إلى مساواة النساء بالرجال في كل شيء فيجب أن نغير أحكام الميراث فلا يكون فيها فرق بين ذكور وإناث. ويجب أن يكون من حق المرأة أن تزاحم لتحتل مكانها في الصفوف الأمامية من المسجد، وان تخطب المصلين وتؤمهم في صلاة الجمعة كما يؤمهم الرجال. كما يجب أن تنال حقها في الاختلاط بالرجال ومزاحمتهم في أماكن العمل وفصول الدراسة وقاعاتها، وأن ترتدي من الملابس ما شاءت وكيف شاءت ما دام اللبس مما يعتبر في عصرها محتشماً؛ لأن الحشمة مسألة نسبية تختلف باختلاف الثقافات والعادات والتقاليد.

لماذا يُضطهد أناس خلق الله فيهم ميلاً طبيعياً إلى جنسهم رجالاً كانوا أم نساء؟ يجب أن نعطيهم حقوقهم في بلادنا الإسلامية كما تفعل الدول الراقية. أما قصة قوم لوط وعقاب الله لهم بجعل عالي أرضهم سافلها؛ فنحن مع أوليري ـ أحد مذيعي محطة فوكس الأمريكية ـ في أنها قصة رمزية لا حقيقة تاريخية، وإلا فلماذا لم يقلب الله مدينة سان فرانسسكو رأساً على عقب؟ كما قال هذا المذيع.

وإذا كان من حق هؤلاء أن يقضوا شهوتهم بالطريقة التي تفرضها عليهم (جيناتهم)؛ فكذلك ينبغي أن يعامل بقية الرجال والنساء فيعطوا من الحرية ما أعطي هؤلاء متزوجين كانوا أم عزاباً ما داموا راشدين وما داموا متراضين. هكذا تفعل الدول الراقية، وهكذا ينبغي أن يفعل المسلمون إذا أرادوا أن يعيشوا عصرهم. أما ما كان يقال من اختلاط الأنساب؛ فقد وفرت لنا حبوب منع الحمل علاجاً شافياً له.

وإذا أخذنا بهذا فإنه يغنينا عن مسألة تعدد الزوجات ومشكلاتها. إنه من الواضح لنا أن القرآن لا يقر هذا التعدد؛ لأنه بناه على شرط ذكر لنا أن توفره مستحيل، فقال ـ تعالى ـ في آية: {فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، وقال في آية أخرى: {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129].

هذا الدين الهيولاني المطواع هو الإسلام الذي تريده أمريكا وترضى عنه، وما عداه وخالفه فإنما هو إسلام المتشددين من الوهابيين وأمثال الوهابيين الذين ما يزالون يعتقدون أن القرآن كله كلام الله، وأنه يجب الالتزام بكل ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما يجب الحكم بما أنزل الله.



--------------------------------------------------------------------------------

1 . الهيولاني نسبة إلى هيولى ـ بفتح الهاء ـ وهي في فلسفة ارستطاليس مادة ليس لها شكل ولا صورة ثابتة وإنما هي قابلة لأن تأخذ صوراً وأشكالاً مختلفة.

[2] . هذا واللهِ ما نصح به أحدهم المصلين في خطبة الجمعة في مسجد من مساجد أمريكا.

يحيى
05-17-2010, 09:34 PM
رائعة فعلا بارك الله فيك.
طبعا مع بعض التحفظ على أشياء قد تنكر الاختلاف جملة و تفصيلا.

الدكتور جعفر مفكر متميز لأنه جمع بين المعرفة الاسلامية و المعرفة بالايديولوجيات الوضعية.
شاهدت له محاضرة في قناة السلام حول "المعرفة .. و الإيمان" و المحاضرة هذه مسجلة على اليوتيوب (http://www.youtube.com/watch?v=n0HuFmkp6xY)ما أثار انتباهي و كنت أفكر في كيفية فهم ذلك بالعربية هو تفريقه 'الكافر' و "غير-المسلم" (بعد 25 دقيقة) لكن عندما نترجم لا-مسلم non-muslim الى العربية يجب أن نقول كافر, فما هو الفرق إذن في الكفر؟

نجد مثلا الشيخ مولانا عبدالحميد الفراهي في نظام القرآن يقول:
الكفر درجات، و له حالات
نقول: الكفر درجات، و له حالات، فيطلق اللفظ أحيانا على الكفر الهادئ، أو الكفر الخامد، أو الكفر النائم، و أحيانا أخرى يطلق، ويعنى به الكفر الجارح، أو الكفر الحاقد، أو الكفر الزاحف، أو الكفر الطاغي، أو الكفر المحارب، و ما إلى ذلك.
فالروايات التي جاءت بلفظ الكفر بعد الإسلام، و أباحت دم صاحبه، لا يعنى به إلا الكفر الحاقد المحارب؛ نظرا إلى روايات أخرى كثيرة متشابهة، وقبل ذلك نظرا إلى آيات متعددة جاءت في سياق الأعداء، مثل قوله تعالى في سورة براءة:
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًاأَلِيمًا فِي الدُّنْيَاوَالْآَخِرَةِ وَمَالَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ. (74)
ثم الآية التي تذكر تخطيط أهل الكتاب المحاربين، و تذكر تواطأهم على استخدام الردّة كأداة ناجحة لفتنة الناس عن دين الإسلام، و إيجاد البلبلة في صفوف المسلمين، تلك الآية أيضا لا تنبّه على تلك الخطة الخبيثة إلا بلفظ الكفر بعد الإيمان، حيث قال تعالى:
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. (آل عمران:72-74)
و هكذا إذا جمعنا الروايات الصحيحة بعضها إلى بعض، هُدينا إلى صحيح تأويلها، و تيسّر لنا التوفيق بينها، كما أسلفنا، و تبين لنا انسجامها مع القرآن، و انسجامها مع مبدئه العام، و هو قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)
فالقول بقتل المرتد غير المحارب قول كحُقّ الكَهوَل، و لم نطّلع له على دليل من نقل صحيح، أو عقل وجيه.
العفو عن المحارب إذا لم تكن ردة جماعية
....
http://www.nizamulquran.org/al_haqat_ul_saniya_ashra(7).html


كيف ينبغي إذن فهم الفرق؟

مجرّد إنسان
05-18-2010, 09:03 AM
حياك الله أخي الكريم...وأسأل الله تعالى لك دوام التوفيق.....وبعد:


فتحت الرابط الصوتي الذي أتيت به....لأسمع كلام البروفيسور حتى أعرف ما الذي قاله....فإذا به باللغة الإنجليزية....


على أية حال....وبعيداً عما قاله البروفيسور....لربما ظنّ ظانٌّ بنقلك لكلام الفراهي أنك تنكر حكم قتل المرتدّ الذي قام عليه الإجماع ونقله كثيرٌ من العلماء(أي نقل الإجماع) منهم على سبيل المثال (لا الحصر) :

المجموع 18/11

فتح القدير لابن الهمام 6/68

المغني 9/4

حاشية الخرشي 8/65


وغنيّ عن القول أن الإجماع هو من الأدلة الأصوليّة المعتبرة....هذا مع غض النظر عن الحديث المتواتر معنى....الصحيح الصريح...وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((من بدل دينه فاقتلوه))


والكلام عن فقه هذا الحديث....وعن أحكام المرتدّ....وعن القول في تأويل (أي تفسير) قوله تعالى : ((لا إكراه في الدين))...كثيرٌ جدا...وستجد ذلك مفصّلاً غاية التفصيل في الرسائل الجامعية التالية:

أحكام المرتد في الاسلام.
تأليف: عبد الحليم حاج أحمد.
رابط الرسالة:
http://www.mediafire.com/download.php?gyjz1nyy3tq


موقف الإسلام من الإكراه على الحق

- نوع الوثيقة : (رسالة علمية)
- رقم الرسالة : 3827
- اللغة : العربية
- المؤلف : عبد الله عيد صالح المالكي
- الكلية : الدعوة وأصول الدين
- الدرجة : ماجستير


http://libback.uqu.edu.sa/hipres/FUTXT/3827.pdf




وكنت قد خصصت موضوعاً في المكتبة حول الرسائل الجامعية التي تخصّ توجهات المنتدى وموضوعاته:

http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?p=153192#post153192



كما أن هناك كتاباً ماتعاً ودراسة تأصيلية بعنوان: ((المفصل في شرح حديث من بدل دينه فاقتلوه)) للباحث علي بن نايف الشحود (ربما تجده في فضاء الشبكة العنكبوتية).



أما (مولانا الفراهي) فهو من المتأخرين جداً....حيث وُلد سنة 1864م...وتفسير كلام الله تعالى يؤخذ من أعلام المفسرين الأوائل....لا من المتأخرين...


وقد ذكرت طرفاً من ذلك في موضوع سابق :


بعد حمد الله على الوجه الذي يليق بكماله وعظيم صفاته...والصلاة على سيد النبيين وخاتم المرسلين وعلى آله وصحبه :

فالمراد هنا تنبيه الأخوان الأفاضل على أمورٍ قد لا تظهر لغير المختصّ...وذلك في غمرة حماسته -غير المنضبطة بقانون علمائنا المتقدّمين- في الدفاع عن دين الله....ولا مشكلة في مجرّد الخطأ فكلّنا يخطيء ويصيب...ويكون جاهلاً ثم يتعلّم...فالكلّ ماضٍ في التعلّم والتعليم....وهذا هو قدرنا....


النقطة الأولى: لم يكن لكثير من الأخوة الأفاضل طريقة واضحة ومنهجيّة مرسومة للتعامل مع (تفاسير القرآن الكريم) والتي ألّفها علماء السلف رحمهم الله.

ومعلوم أن التفسير كعلم مستقلّ له أصوله وضوابطه ...والتي تبيّن طرائق التفسير وأوجه اختلاف السلف ...وأنواع التفاسير والقواعد التي مشى عليها المفسّرون...وأمور أخرى كثيرة لا مجال لذكرها هنا...


ولزام على كلّ من استقى من تفاسير السلف وتعامل معها...أن يعلم (الحدّ الأدنى) من أصول التفسير....ومن أبرز وأسهل الكتب التي أُلّفت كمدخل لهذا العلم هو كتاب الدكتور مساعد الطيار واسمه :

فصول في أصول التفسير


وهذا رابط الكتاب:


http://www.4shared.com/file/93863817/8797aeba/___.html

وأما كلام المؤلف الذي نقلت عنه (الفراهي من أهل الهند) ففي قوله الكثير من الخلط والخطأ...ويحتاج إلى وقفة تفصيلية لا أظن أن لدي من الوقت ما يعينني على مثلها...لكن يكفيك قوله في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وكفرٌ بعد إسلام)):



نقول: الكفر درجات، و له حالات، فيطلق اللفظ أحيانا على الكفر الهادئ، أو الكفر الخامد، أو الكفر النائم، و أحيانا أخرى يطلق، ويعنى به الكفر الجارح، أو الكفر الحاقد، أو الكفر الزاحف، أو الكفر الطاغي، أو الكفر المحارب، و ما إلى ذلك.

سألتك بالله أخي يحيى...أهذا كلامٌ علمي منضبط؟؟؟ أهذا كلام من يعرف اللغة العربية ويفهم مدلولات ألفاظها؟؟؟ كفرٌ زاحف؟؟

كفرٌ هاديء؟؟؟

أمثل هذا القول جارٍ على قانون السلف في فهم دلالات الألفاظ والقول في تأويل آي القرآن العظيم؟؟؟ أم هو من التفسير بالرأي المذموم؟؟؟

إن المؤلف حاول أن يفسّر ترك الدين ومفارقة الجماعة...بالحرابة...ونسي أن الحرابة شيء....والردة شيء آخر...ولكل منهما تعريفه وأحكامه...


ومن المحاربين من هو مسلم لكنه مع ذلك يُقتل أو يُصلب....ومن المرتدين من ليس من أهل الحرابة...ومنهم من يجمع بينهما...فلماذا فسّر الثاني بالأوّل...مع أن نصّ الحديث جعل لكلٍ منهما حكماً؟؟؟

ثم أين عموم قوله( ص ): ((كفرٌ بعد إسلام))؟؟؟؟

ثم أين عموم قوله( ص ) الثابت في صحيح البخاري:((من بدل دينه فاقتلوه))؟؟؟؟


وبعيداً عن النصوص الشرعيّة: أين الإجماع في ذلك كلّه؟؟؟؟


على أية حال: أنا لم أقصد أنك تقول بذلك كلّه...لكن وجب التذكير من باب :(الشيء بالشيء يذكر)

وهنا تنبيه عام يحسن تقييده ....ولا أقصدك به كذلك...ولكن لعموم الفائدة:


وهو أن من المسالك المذمومة التي يقع بها بعض الأخوة وفقهم الله: هو أنهم يرون الرأي....ولا يكون مستند رأيهم (في الأصل) بناء على دراسة موضوعيّة حياديّة ومبنيّة على طرائق الترجيح المعروفة...ولا هي صادرةٌ ممن ملك أدوات الفهم الصحيح وعلوم الآلة....

ولكنها وافقت هوى في النفس....ورغبة في الذوق....


ثم


ثم يبحث في الكتب وفي المواقع عمن قال بهذا القول....فيتبنّى رأيه...ويحفظ أقواله....ويبحث في سيرة القائل ويضخّم مكانته...يتخذ كلّ ذلك حيلاً نفسيّة ليُقنع نفسه ويُقنع غيره أنه أدى ما أمره الله من سؤال أهل العلم...

بمعنى: يعتقد ثم يستدلّ....


وهذا هو المسلك المذموم...فليس فيه إصابة للحق...وهو مؤشرٌ على ضعف التسليم لله في أوامره الشرعيّة....فإن البعض (يتبرّم) من أحكام الله حينما لم يعلم الحكمة الشرعيّة منها...وليته أوكل أمرها إلى الله وقال لا أعلم...وليته قاس ما علم من الحكمة الله في شريعته على ما لم يعلم....لكنّه (كره) حكم الله ولم يسلّم تسليماً....ثم بحث عن (مخرج) لها ولو كان فيه ليّاً لأعناق النصوص وإخراجاً لها عن مدلولها....حتى صرّح بعض المعاصرين عن مكنونات نفسه بقوله : (( شوفوا لنا حلّ لحكم كذا وكذا...)) ولا حول ولا قوة إلا بالله....


أخيرا: وإتماماً للفائدة....أقتبس الحكمة من قتل المرتد من كلام الأستاذ ناصر الشريعة:



وبالنسبة لحكم المرتدّ: فإن كل أمم الأرض تسعى للحفاظ على سلامة الصفّ الداخلي والحفاظ على الهويّة، ومنع من يقوم بمجاهرتها بالعداء، ومن يقوم بذلك يُعاقب بالقانون، والمرتدّ المجاهر بردّته كأنّه يقوم بادعاء بطلان الإسلام وبشريّته، وفي هذا فتنة للناس وبلبلة لا يمكن السكوت عليها، فإن تُركت تفشّت وتجذّرت، وتلك خيانة عظمى غير مسموح بها.

ومثل هذه العقوبة تمنع من المؤمرات الدنيئة للمندسّين في الصف الإسلامي للتخريب والتشويش، مقتدين بأسلافهم من أهل الكتاب الذين ذكر الله حالهم بقوله : ((و قالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون)).

والمرتد يقتل بعد الاستتابة ، فإن كانت لديه شبهة أقيمت الحجة عليه وبين بطلانها له ، فلا يقتل إلا وهو قد أقيمت عليه الحجة وبطلت شبهته. فلا حجة لأحد في الاعتذار لجاحد الحق بعدما تبين له .

فتبين بهذا أن المرتد إن كان باق بين المسلمين فيجب أن يبين له الحق وتقام عليه الحجة التي لا يعذر مخالفها ، فإن قدر عليه بعد ذلك وهو مصر على ردته فحكمه القتل جزاء عناده الحق الذي قامت عليه حججه وقطعت به شبهته.

فإن قلت وأين حرية الاعتقاد ، فيقال حرية الاعتقاد ليست هي حرية الردة عن الإسلام ، وليست هي حريّة الجهر بالكفر ليفتن غيره من الضعفاء في دينهم، وما نفع الحق إن كان يدعو أهله إلى الجرأة على الباطل وتقحمه ؟!

ومن عرف قدر الحق وشرفه ودناءة الباطل ووضاعته ، وعلم أن أعظم ما في هذا الوجود هو الإيمان بالله ، وأن أشد ما في هذا الوجود من الظلم والضلال هو جحد هذا الإيمان والإعراض عنه بعد قيام الحجج القاطعة عليه والبراهين الساطعة الدالة إليه ، لم يسترب أبدا في حكم المرتد في الإسلام ، والذي هو صيانة للحق وأهله عن الوقوع في شرك الردى ومهاوي الضلال.



ما بعد الأخير: ربما كان -أخي يحيى- في كلامي خروجاً عن مداخلتك....لكن أحسب أنها لا تخلو من فائدة...والله أعلم

عصام محمد
05-18-2010, 11:42 AM
من روائع الدكتور جعفر...في حديثه عن الخنفشاريين...نقدٌ ساخر ينطق بالمرارة من بني خنفشار:

والإسلام دين المتع البريئة؛ فلا اعتراض فيه على غناء أو موسيقى، ولا على رقص بين رجال ونساء؛ كيف يحرم الغناء والموسيقى من خلق الطيور المغردة ذات الأصوات الشجية؟


جزاكم الله خيرا أخى .. فعلاً رائعــة
وخصوصا هذه الفقرة فهكذا يستدلون بهذه الطرق الفاسدة ، فبنى قاديــان يسيرون على نفس النهج تحت خط عريــــض وهو "تنزيه الله وتنزيه الرسول" فما وافق هواهم فهو التنزيه وإلا فيذهبون الى الإسلام الهَيولاني.

يحيى
05-31-2010, 08:58 AM
بارك الله فيك أستاذنا مجرّد إنسان
و جزاك الله خيرا

في الجقيقة أنا لا أريد أن أجعل موضوع المشاركة في الحديث عن المرتد فالمرتد في دولة إسلامية دستورها الاسلام و مرجعتها الاسلام هو في الحقيقة محارب إذ أعلن حربه (ردته) على الدستور و على عقائد الناس و دين الحق بدون برهان و لا كتاب منير لذلك كان هناك حلين فقط: إما أن تواجه تحديك للدولة و إنقلابك الفردي بمصيرك المحتوم و هو الموت إن لم تتب شفويا و علنا, و ما تضمره في قلبك فهو شأنك, و إما تستتر جماعيا و تستعد للانقلاب عندما تستطيع فحتى الأنبياء -و الحق المطلق معهم- ما استطاعوا أن يدعوا إلى ما يخالف الشرك بدون أن يواجهوا أية صعوبات بل و ربما واجهوا موت و التهجير و الطرد و السخرية وو... أو تهديد أو أو.. فكيف بواحد حقير لا يساوي شيئا يطلع في وسط الناس -و هم على الدين الذي يرتد عنه- و ينادي في السوق أنه كافر بدين الحق و دستور الدولة و نظام المجتمع و عقائد الناس و و ... ؟؟؟

لكن كنت أريد أن أشير إلى ما ذكره الدكتور جعفر من تفريقه بين الكافر و غير المسلم.
هو يقول ليس كل غير-مسلم كافر, لكن كل كافر هو غير-مسلم
ما هو الكافر؟ الكافر هو الشخص الذي يرفض و ينكر الحق. حتى يكون الانسان كافرا, يجب أن يكون عارفا بالحقيقة. و إن لم يكن يعرف ما الحق أو ما هي الحقيقة فلا يمكن أن تقول أنه كافر. (هذا هو تقريبا ما سمعته في تلك المحضارة عن المعرفة و الايمان و هي محاضرة قيمة و لا أخفي عليك أني تعرفت على الرجل لأول مرة من خلال تلك المحاضرة).

المهم كيف نترجم غير-المسلم الى العربية؟ هذا كان سؤالي لأن الترجمة الحرفية ل non-muslim تعطي لنا غير-مسلم إلا أن الشرع و مصادر الاسلام لا تعرف هذا المصطلح, فلازم يكون هناك مصطلح آخر أو تكون هناك درجات في الكفر, و لما بحثت عن أحوال الكفر و درجاته و جدت كلام الشيخ مولانا عبدالحميد الفراهي.

تحياتي :emrose:

مجرّد إنسان
05-31-2010, 09:23 AM
بارك الله فيك أخي الحبيب

هو يقول ليس كل غير-مسلم كافر, لكن كل كافر هو غير-مسلم
ما هو الكافر؟ الكافر هو الشخص الذي يرفض و ينكر الحق. حتى يكون الانسان كافرا, يجب أن يكون عارفا بالحقيقة. و إن لم يكن يعرف ما الحق أو ما هي الحقيقة فلا يمكن أن تقول أنه كافر

كأني -والله أعلم- فهمت منه اعتبار أن من تصله الحجة الرساليّة فهو غير مسلم...لكنه غير كافر...

والذي يظهر أن الدكتور أخذ الكفر هنا بالمعنى اللغوي...أي الستر والجحود...فكأن من لم تبلغه الرسالة لم يستر ولم يجحد وبالتالي فهو ليس بجاحد...

لكن هذا المنحى ليس بسديد...ذلك لأن كلا علماء الشرع وعلماء اللغة يرون أن الكفر هو ضدّ الإيمان...وقد نصّوا على ذلك سواء في كتب اللغة أم في كتب الشريعة...لكننا نقول أن ذلك الكافر الذي لم تصله الحجة الرساليّة هو كافرٌ معذورٌ سوف يُختبر في الآخرة على نحو ما جاءت النصوص....لكن أحكام الكفار تجري عليه في الدنيا ولا بد....ومن ذلك أحكام الوصيّة وعدم الصلاة عليه والوراثة وغير ذلك مما تعلمه.


لكن حتى البروفسيور وفقه الله يقول بأن هذا (الغير مسلم) تجري عليه أحكام الدنيا....والله أعلم