المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العقوبات في الإسلام مقننة وفي الغرب وحشية مفرطة



عَرَبِيّة
05-30-2010, 12:27 AM
جريدة الشرق القطرية 23/11/2004
الدكتور محمد كمال إمام عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر

القاهرة - أحمد عطية :
يتميز الاسلام على سائر النظم الوضعية بفقه جنائى متميز يحقق العدالة بين أطراف النزاع فيحفظ للجانى انسانيته ويعيد للمجنى عليه حقوقه ويضمن للقاضى نزاهته وعدم الانحراف عن الحق. ورغم ان هذا الفقه استمر باستمرار الحضارة والثقافة الاسلامية على مدار اكثر من 14 قرنا من الزمان فإنه يتعرض لهجمات شرسة من جانب الغربيين فيتهم هذا الفقه بانه لم يعد ملائما للواقع وانه لا يحقق مصلحة الانسان وتتهم الحدود أو العقوبات الاسلامية بالوحشية. إذا كانت الدول الاسلامية قد ادخلت بعض القوانين والتشريعات الوضعية فهل كان ذلك معناه انها استغنت عن الفقه الجنائى الاسلامى؟ وما هو مفهوم هذا الفقه وما الذى تستطيع الدول الاسلامية ان تستفيد منه فى الوقت الحاضر. هذه القضية نناقشها مع الدكتور محمد كمال إمام رئيس قسم الشريعة الاسلامية بكلية الحقوق جامعة الاسكندرية وعضو مجمع البحوث الاسلامية بالازهر:
< فضيلتكم متخصص فى الفقه الجنائى الاسلامى فما هو مفهوم هذا الفقه؟
- الفقه الجنائى الاسلامى هو مجموعة الاحكام الشرعية المتعلقة بالجرائم والعقوبات والاجراءات التى تتخذ فى القضايا الجنائية وهذا هو مجمل الفقه الجنائى الاسلامى سواء فى الفقه الوضعى او الشرعى لانه يشتمل على مجموعة من الاجراءات نسميها فقه الاجراءات الجنائية او فقه المرافعات الشرعية الجنائية ويشمل الجزء الخاص بالجرائم والعقوبات سواء فى قسمها العام او الخاص ولدينا فى الشريعة الاسلامية تقسيم آخر يتعلق بالحدود والتعازير او العقوبات المقدرة والعقوبات غير المقدرة اى تلك التى لها نصوص توضح عقوباتها المحددة من الشارع كعقوبة السرقة والقصاص وغير ذلك أما غير المحددة والتى نسميها التعازير فتشمل جميع الجرائم التى ليس لها حد وليست ضمن جرائم القصاص.

مصادر مرنة
< الى متى ظل الفقه الجنائى الاسلامى مطبقا فى الدول الاسلامية؟ ولماذا تخلت عنه هذه الدول؟
- كل مجتمع له قواعده فى الجرائم والعقوبات وقد ظلت الشريعة الاسلامية مطبقة فى العالم الاسلامى الى أواخر القرن الثامن عشر حيث بدأت تتسلل بعض القوانين الاجنبية للمجتمعات الاسلامية سواء بفعل الاستعمار كما حدث فى الجزائر او بفعل التطورات التشريعية مثلما حدث فى مصر نتيجة ما نسميه الاستجلاب التشريعى كما حدث فى الدولة العثمانية وهذا لا يعنى ان البلاد العربية ككل قد تخلصت من القوانين الجنائية الاسلامية فقد ظل القانون الجنائى الاسلامى فى مصر له عمله وفى عدد من الدول العربية فى مقدمتها المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج الى ان حدثت عملية التقنينات والانظمة المعاصرة التى لا نستطيع ان نقول انها بعيدة عن الشريعة الاسلامية ولكنها فى بعض منها لم تحرص على الجزء الخاص بالحدود أما بقية العقوبات فهى تعازير الا اذا استثنينا تلك الجرائم التى لا تحدد لها القوانين الجنائية عقوبات مستمدة من الشريعة الاسلامية كجرائم الزنا وغيرها.

محاذير
< هل معنى ذلك انه لا توجد قيود فى الفقه الجنائى الاسلامى على عملية النقل عن الآخرين والاستفادة من تجاربهم؟
- نحن فى الفقه الجنائى الاسلامى ليست لدينا محاذير، البعض قد يقول ان عقوبات قطع اليد وبعض الحدود شديدة لكن نقول ان شدة العقوبة وتخفيفها ليست أمرا متعلقا بنص العقاب وانما القدرة على تحقيق المصلحة المحمية وحماية المجتمع واتساءل كم عدد الايدى التى قطعت فى ظل الشريعة الاسلامية التى طبقت على مدى ثلاثة عشر قرنا فى البلاد العربية والاسلامية؟ بالطبع أعداد قليلة جدا لكنها عقوبات رادعة وهى لا تطبق إلا على من تستنفذ فيه الشروط التى يمكن ان تحقق نوعا من الردع العام والردع الخاص وهذه الحدود لا يقصد بها تعذيب الانسان او انتهاك حقوقه وقطع يديه أو رجليه وان كان الانسان الذى يهدر حقوق الغير ويغتصب أمواله وممتلكاته لا ينبغى ان يكون محلا للحماية وانما ينبغى ان يكون محلا للعقاب.

عقوبات وحشية
< اذا كانت الحدود الاسلامية عقوبات شديدة ورادعة فهل العقوبات فى الدول الاخرى اقل تشددا وردعا؟
- العقوبات الشديدة موجودة فى كل مكان، والآن توجد فى الولايات المتحدة الامريكية بعد أحداث 11 سبتمبر قوانين تضر بحقوق الانسان فهى تطبق عقوبات بدنية وعقوبات وحشية اذا قورنت بالعقوبات الاسلامية فالحدود لا تطبق على المكره ولا تطبق على الجائع فى حد السرقة، ولذلك قيل "تدرأ الحدود بالشبهات" فنحن لدينا نظام كامل لا نستطيع ان نترك جزءا منه ونقول انه سيئ، فهذا تتضح أهميته فى اطار النسق العام والكلى فمثلا لا نستطيع ان نقول ان هذه "العجلة" فى تلك السيارة سيئة فى حد ذاتها وانما اذا لم تستطع ان تؤدى وظيفتها داخل بناء السيارة او القطار او الطائر ككل.
والنظام الاسلامى له قواعده وضوابطه ونطرياته وشروطه وآليات التطبيق وكل هذا ينبغى ان نراه وهو يتحرك على ارض الواقع بحيث يحقق الاهداف ويؤدى الوظائف وتخضع كافة الجرائم للضوابط الاجتماعية او للتعقيد ونجاح النظام الاجتماعى ليس باختفاء الجريمة تماما فالجريمة لن تختفى وهى ضرورة فى الحياة الاجتماعية أما الذى نريد ان يختفى فهو التأثير السيئ لتلك الجريمة وكذلك تختفى شدة الجريمة وحدتها، ويقاس النظام الجنائى بمدى قدرته على الحد من الجريمة ومعالجة آثارها السلبية وليس بان نقول هذه العقوبة شديدة او غير شديدة.

حضارة معادية
< لكن لماذا يهاجم النظام الجنائى الاسلامى والحدود والعقوبات فى الاسلام؟
- نحن نعيش فى ظل حضارة معادية الآن ترى ان كل أنظمتنا غير صالحة بل ان مجتمعاتنا فى حد ذاتها غير صالحة واذكر اننى قرأت كتابا فيه تعليق لرئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارجريت تاتشر تدعو فيه الدول الغربية الى الاستيلاء على ثروات العالم الاسلامى لانه لا يستحقها وانما الغربيون هم الذين يستحقونها فهذا نوع من تبرير العدوان والاستعمار والهجوم علينا.

السياسة الشرعية
< يركز الفقه الجنائى الاسلامى على العقوبات او الحدود فهل هناك مرافعات اسلامية؟
- المرافعات سياسة شرعية فهناك مبادئ اساسية للمرافعات مثل وجود سلطة قضائية قوية وعدالة القاضى ونزاهته وشروط تولية القضاة أما الدعوى وكيفية رفعها وما الى ذلك فهذا ما نسميه فقه السياسة الشرعية التى تتغير من مجتمع الى آخر وكلمة سياسة معناها أحكام مستمدة من الشريعة الاسلامية لكنها متغيرة فكما ان السياسة بمعنى رعاية مصالح الناس متغيرة لان الواقع يتغير، فمصالح الناس اليوم تختلف عن مصالحهم بالامس او فى الغد فهذه الرعاية تتم بطريقة متوالية.

العدل
< يتهم الغربيون الحدود الاسلامية بانها وحشية فما ردكم على هؤلاء؟
- لو نظر الغربيون الى العقوبات الموجودة فى القوانين الامريكية لادركوا مدى قسوتها ووحشيتها فامريكا الغت الاعدام ثم عادت اليه والاعدام اذا كان بغير حق لا يجوز واذا كان بحق فهو جائز وهذا أمر لا خلاف عليه والا لكان قتل الجندى فى المعركة ضد الحق وضد العدل وبالنسبة للعقوبات الاخرى فان الجلد مثلا اخف من السجن الذى يشبه الجب والجلد له مواصفات وله شروط وبالنسبة لقطع اليد فهو لا ينفذ الا بعد توافر شروط من الصعب توافرها وفى القوانين الغربية هناك التحريق بالنار والكى للمتهمين خاصة فى امريكا، امريكا ليست لديها منظومة تسوقها وكل ما لديها يؤثر بالسلب على حياة الانسان ومقوماته. اما نحن فنركز على هل تؤدى العقوبة وظيفتها ام لا تؤدى. ونحن نتساءل عن أعداد الذين ماتوا فى محاكم التفتيش وكم أعداد الذين ماتوا بعد احداث 11 سبتمبر وكم اعداد الذين وضعوا فى السجون دون محاكمات على مدى الاعوام الثلاثة الماضية بعد أحداث سبتمبر وكم أعداد الذين ماتوا فى افغانستان والعراق وكم أعداد الذين انتهكت حقوقهم فى مقابل ذلك كم كان عدد الذين قطعت ايديهم على مدار 14 قرنا فى العالم الاسلامى فى تطبيق حد السرقة فهذه الاتهامات تعبر عن مدى عداء صاحبها للاسلام وعدم رغبته في الوصول الى الحق.