المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحقائق المكللة في بيان إعجاز فواصل الآيات المنزلة



memainzin
06-14-2010, 11:51 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا بحث متواضح في مجال الفواصل القرآنية

جامعة القرويين مسلك الدراسات العربية
كلية اللغة العربية مجزوءة: إعجاز القرآن
مراكش ذ: أنس وجاج


بحث بعنوان
الحقائق المكللة في بيان إعجاز فواصل الآيات المنزلة



من جمع وإعداد الطالب
السعيد وعزوز



السنة الجامعية

2007-2008 / 1428-1429




الحمد لله الذي أنزل القرآن ومثله معه, وصلى الله على من أوتي من الكلم جوامعه, وعلى آله وصحبه ومن تبعه. وبعد فكتاب الله تعالى أجل معتنى , به وكل الخير منه مجتنى, أظهر الله به الحق, وأعجز به الخلق, بعث به النبي الأمين, وتحدى به الخلق أجمعين.فأعجز به البلغاء, وأظهر وهن الفصحاء.وبعد فالفواصل القرآنية من معجزات هذا الكتاب. ومن آياته الباهرة, وقد جاء هذا البحث المتواضع, جمعا لجهود علمائنا الفحول, المستندين إلى المنقول والمعقول, أسميته: الحقائق المكللة, في بيان إعجاز فواصل الآيات المنزلة.فالله أستعين في كل قول وعمل, إليه قصدي وعليه المتكل.وقد عالجت الموضوع من جوانب أهمها:
· تاريخ التأليف في علم الفواصل القرآنية والبحث فيها.
· تعريف الفاصلة القرآنية.
· هل في القرآن المعجز سجع.
· مبحث في طرق معرفة الفواصل القرآنية.
· ذكر بعض فوائد معرفة فواصل الآي.
· أنواع الفواصل ووجوه ورودها.
· مراعاة الفاصلة القرآنية للمعنى قبل المبنى.



تاريخ التأليف في علم الفواصل القرآنية
والبحث فيها
يذكر في هذا المبحث من ألف في علم الفاصلة القرآنية, وصنف فيه, أو بحثه ضمن مباحث علوم القرآن أو إعجازه. وقد كان على رأس المهتمين ببحوث الفاصلة بحسب التسلسل الزماني :
علماءالكلام ، بما فيهم المعتزلة والأشاعرة ممن تدارس إعجاز القرآن العظيم, يليهم اللغويون : من رجال النحو على وجه الخصوص. المفسرون وجماعة المؤلفين في علوم القرآن. إنتهاء إلى البلاغيين وأصحاب البيان.[1]
وفي حدود ما وصلنا من الدراسات القديمة حول (الفاصلة ) ننوه بنوّعين :
· النــوع الأول: وهو الكتب التي أُفردت للفاصلة ، مثل: كتاب ( بغيةالواصـــــــل لمـــعرفة
الفواصـــل )(كتاب مفقود) لنجم الدين الطوفي الصرصري (670- 710هـ ) ، و (إحكام الراي في أحكام الآي ) لشمس الدين ابن الصائغ ( 710 – 776هـ) ( مفقود لكن نقل منه السيوطي وغيره نقولاً ) ، و( منظومة في فواصل ميم الجمع )( مخطوطة ) لمحمدالخروبي ( نظمها 1026هـ) ، و(القول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز )(مخطوط ) لرضوان المخللاتي ، و( نفائس البيان : شرح الفرائد الحسان ، في عدّ آي القرآن ) (مطبوع)لعبد الفتاح القاضي ، ( وهو شرح وجيز لمنظومة في علم الفواصل.
النوع الثاني : وهو الفقرات التي عُقدت للفاصلة في أثناء دراسات أعمّ :
أ – فمن مؤلفات علماء الكلام : لدينا رسالة ( النُّـكَت في إعـجاز القرآن ) للرمّـاني المعتزلي , و(إعجاز القرآن ) للباقلاني الأشعري .
ب – ومن مؤلفات النحويين : لدينا ( معاني القرآن ) للفرَاء ، و ( مجاز القرآن ) لأبي عبيدة.
ج – ومن أسفار المفسرين وعلماء القرآن : لدينا ( البرهان في علوم القرآن ) للزركشي ، و( الإتقان في علوم القرآن ) للسيوطي .
د – ومن تصانيف البلاغيين : لدينا (سرّالفصاحة ) لابن سنان الخفاجي ، وكتاب ( الفوائد- المشوق إلى علوم القرآن وعلمالبيان ) لابن قيم الجوزية .
تناولت جهود القدماء الفاصلة في أبعادهاالمختلفة ، ولكن الجهد الأكبر قد انصبّ على بُعد الفاصلة العلمي ، لا سيما جهودالمتأخرين منهم .
أما في الزمن الحديث ، فلا تكاد تجد باحثاً في أسلوب القرآن الكريم إلا تناول ( الفاصلة ) في معرض حديثه ، ويمكن أن نجعل المحدثين على ثلاث فئات ، نجملها فيما يلي :
أ – فئة وقفت عند حدود الجمع والتنسيق لجهودالقدماء ، مثل : الدكتور أحمد أحمد بدوي ولبيب السعيد وكامل السيد شاهين .
ب – فئة تجاوزت الجمع والتنسيق إلى المناقشة والترجيح وبعض الإضافة ، مع تفاوت بين أفرادها ، مثل : مصطفى صادق الرافعي ومحمد عبد الوهاب حمودة وعلي الجندي ومحمد المبارك وعائشة عبد الرحمن وعبد الكريم الخطيب .
ج – سيد قطب : انصرف إلى فتح أبواب جديدة في مناحي الفاصلة الجمالية ، كالتصوير والإيقاع.. وإن كان القدماء أنفسهم لم يهملوا إيقاع الفواصل .

تعريف الفاصلة القرآنية
قال الأزهري في تهذيب اللغة: وأواخر الآيات في كتاب الله فواصل، بمنزلة قوافي الشِّعر، واحدتها فاصلة. وقول الله جل وعز: {بِكِتَابٍ فُصِّلَتْ آياتُهُ} له معنيان: أحدهما -تفصل آياته بالفواصل،
والمعنى الثاني فصَّلناه: بّيّناه. وقوله جل وعز: {آياتٍ مُفصلاتٍ} بين كل آيتين مُهلة. وقيل:
مُفَصَّلات مبيَّنات، والله أعلم.ويقال: فصل فلان من عندي فُصولاً: إذا خرج. وفصل مني إليه كتاب: إذا نَفَذ، قال الله جل وعز: {ولمّا فَصلتِ العِيرُ قال أبوهم} أي خرجت. قلت: ففصل يكون لازماً وواقعا، وإذا كان واقعا فمصدره الفَصل وإذا كان لازما فمصدره الفُصول. وقال أبو تراب: قال شَبَّاية. فصلت المرأة ولدها وفسلته: أي فطمته. (تهذيب اللغة للأزهري: مادة "فصل").
وجاء في الإتقان قول السيوطي الإمام:الفاصلة كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع‏.‏وقال الداني‏:‏ كلمة آخر الجملة‏.‏قال الجعبري وهوخلاف المصطلح ولا دليل له في تمثيل سيبويه بيوم يأتيوما كنا نبغي وليسا رأس الآية لأن مراده الفواصل اللغوية لا الصناعية‏.‏وقال القاضي أبو بكر‏:‏ الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع يقع بهاإفهام المعاني‏.‏وفرق الداني بين الفواصل ورؤوس الآي فقال‏:‏ الفاصلة هي الكلام المنفصل عما بعده والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس وكذلك الفواصل يكن رؤوس آية وغيرها وكل رأس آية فاصلة وليس كل فاصلة رأس آية‏.‏
وقال الشيخ عبد الفتاح القاضي[2]: "وسميت فاصلة لأنها فصلت بين الآيتين، والآية التي هي رأسها، والآية التي بعدها، ولعل هذه التسمية أخذت من قوله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}.[3] وقوله جلّ ذكره :{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.[4]

هل في القُرآن الُمعجز سَجعٌ؟!
قال الإمام في الإتقان: وهل يجوز استعمال السجع في القرآن؟ خلاف: الجمهور على المنع لأن أصله من سجع الطير فشرف القرآن أن يستعار لشيء منه لفظ أصله مهمل ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في وصفه بذلك ولأن القرآن من صفاته تعالى فلا يجوزوصفه بصفة لم يرد الإذن بها‏.‏
قال الرماني في إعجاز القرآن‏:‏ ذهب الأشعرية إلى امتناع أن يقال في القرآن سجع وفرقوا بأن السجع هو الذي في نفسه ثم يحال المعنى عليه والفواصل التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في نفسها‏.‏
قال‏:‏ ولذلك كانت الفواصل بلاغة واسجع عيبًا‏.‏وتبعه على ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني ونقله عن نص أبي الحسن الأشعري وأصحابنا كلهم قال‏:‏ وذهب كثير من غير الأشاعرة إلى إثبات السجع في القرآن وزعموا أن ذلك مما يبين به فصل الكلام وأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة كالجناس والالتفات ونحوهما‏...
وقال ابن حجة الحموي في "ثمرات الاورق في المحاضرات":قلت السجع مأخوذ من سجع الحمام واختلف فيه هل يقال في فواصل القرآن أسجاع أم لا فمنهم من منعه ومنهم من أجازه والذي منع تمسك بقوله تعالى كتاب فصلت آياته فقال قدسماه فواصل فليس لنا أن نتجاوز ذلك .
وجاء في سر الفصاحة لابن سنان الخفاجي قوله: .. وأما الفواصل التي في القرآن فإنهم
سموها فواصل ولم يسموها أسجاعاً وفرقوا فقالوا: إن السجع هو الذي يقصد في نفسه ثم يحمل المعنى عليه، والفواصل التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في أنفسها، وقال على بن عيسى الرماني: إن الفواصل بلاغة، والسجع عيب، وعلل ذلك بما ذكرناه من أن السجع تتبعه المعاني والفواصل تتبع المعاني، وهذا غير صحيح والذي يجب أن يحرر في ذلك أن يقال: إن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفصول على ما ذكرناه، والفواصل على ضربين؛ ضرب يكون سجعاً وهو ما تماثلت حروفه في المقاطع، وضرب لا يكون سجعاً وهو ما تقابلت حروفه في المقاطع ولم تتماثل، ولا يخلو كل واحد من هذين القسمين أعني المتماثل والمتقارب من أن يكون يأتى طوعا سهلا وتابعا للمعاني وبالضد من ذلك؛ حتى يكون متكلفاً يتبعه المعنى، فإن كان من القسم الأول فهو المحمود الدال على الفصاحة
وحسن البيان، وإن كان من الثاني فهو مذموم مرفوض.


مبحث في طرق معرفة الفواصل القرآنية
ولمعرفة فواصل القرآن الكريم ورؤوس آيه طريقان:
· الطريق الأول : توقيفي سماعي ثابت من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وسماع الصحابة
لها, كفواصل سورة الفاتحة؛ فقد روى أبو داود وغيره عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته آية آية، يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم" ثم يقف ثم يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ثم يقف، ثم يقول: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ثم يقف، ثم يقول: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، ثم يقف، ثم يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، ثم يقف، ثم يقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، ثم يقف، ثم يقول: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}"، وإنما وقف صلى الله عليه وسلم على هذه الكلمات: الرحيم، العالمين، الرحيم، الدين، نستعين، المستقيم، الضالين؛ ليعلم الصحابة أنّ كل كلمة من هذه الكلمات فاصلة، ورأس آية، يصح الوقوف عليها اختيارا.. وهكذا كل ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقف عليه في قراءته دائما نتحقق أنه فاصلة، ورأس آية، ويصح أن نقف عليه حال الاختيار.
وأما ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وصله ولم يقف عليه أبدا فهو غير فاصلة، وغير رأس آية قطعا, فلا ينبغي الوقوف عليه في حال الاختيار.
وفي القرآن العظيم كلمات وقف عليها صلى الله عليه وسلم حينا، ووصلها حينا، وهذه محل نظر العلماء، ومحط اختلافهم؛ لأن وقفه - عليه السلام - عليها في المرة الأولى يحتمل أن يكون لبيان أن هذه الكلمات فواصل، ورؤوس آيات، ويحتمل أن يكون لبيان صحة الوقف عليها، وإن لم تكن فواصل، ووصله - عليه السلام - لها في المرة الثانية يحتمل أن يكون لبيان أنها ليست رؤوس آيات، ويحتمل أنه وصلها - وهي فواصل في الواقع - لأنه وقف عليها في المرة الأولى لتعليم الصحابة أنها فواصل, فلما اطمأنت نفسه إلى معرفتهم إياها في المرة الأولى وصلها في المرة الثانية، ومن هنا نشأ اختلاف علماء الأمصار: المدينة، مكة، الكوفة، البصرة، الشام، في مقدار عدد آي القرآن، وعدد آياتها.
· الطريق الثاني:- لمعرفة الفواصل-: قياسي؛ وهو ما ألحق فيه غير المنصوص عليه
بالمنصوص عليه لعلاقة تقتضي ذلك، وليس في هذا محذور، لأنه لا يترتب عليه زيادة في القرآن، ولا نقص منه، بل قصارى ما فيه تعيين محال الفصل والوصل.[5]


ذكر بعض فوائد معرفة فواصل الآي
ولمعرفة فواصل الآيات رؤوسها فوائد جمة، ومنافع جليلة، منها:
· تمكين المكلف من الحصول على الأجر الموعود به على قراءة عدد معين من الآيات في الصلاة,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيجب أحدكم إذا رجع إلى أهله وبيته أن يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان؟ قالوا: نعم، قال: فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان". [6] ... فإذا لم يكن المكلف عالما بفواصل الآيات رؤوسها ومبدئها ومنتهاها لا يتيسر له إحراز هذا الأجر، والظفر بهذا الثواب. ومن أجل ذلك كان بعض الصحابة يعقدون أصابعهم في الصلاة لمعرفة عدد ما يقرؤون فيها من الآيات رغبة منهم في نيل هذا الأجر، وحرصا على إحراز هذا الثواب.
وممن روى عنه عقد الأصابع في الصلاة ابن عباس وابن عمر وعائشة من الصحابة, وعروة، وعمر بن عبد العزيز من التابعين.
· صحة الصلاة؛ فإن صحتها - في بعض الأوقات - تتوقف على معرفة الفواصل؛ وذلك أن فقهاء
الإسلام- وبخاصة علماء الشافعية- قرروا أن من لم يحفظ الفاتحة - وهي ركن من أركان الصلاة - يتعين عليه أن يأتي بسبع آيات بدلا منها، فإذا كان عالما بالفواصل استطاع أن يأتي بالآيات التي تصح بها صلاته، وإذا لم يكن عالما بالفواصل عجز عن الإتيان بما ذكر.
· صحة الخطبة فإن صحتها - في بعض المذاهب - تتوقف على العلم بالفواصل؛ وذلك أن فقهاء
الشافعية نصُّوا على أن الخطبة لا تصح إلا بقراءة آية تامة, فمن لم يكن عالما بالفواصل يعسر عليه معرفة ما يصحح به الخطبة.
· العلم بتحديد ما تسنّ قراءته بعد الفاتحة في الصلاة، فقد نصّ العلماء على أنه لا تحصل السنة إلا
بقراءة ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة، ومن يرى منهم وجوب القراءة بعد الفاتحة لا يكتفي بأقل من هذه العدد، فإنّ من لم يعرف الفواصل لا يتيسر له تحصيل هذه السنة، أو هذا الواجب.[7]

أنواع الفاصلة ووجوه ورودها
الفاصلة أقسام من حيث توافر الوزن و انتفاؤه ، ومن حيث اجتماع الوزن مع عنصر آخر ،أو انفراده ، فهناك (المطرّف )أو ( المعطوف ):[8]وهو ما اتفق في حروف الروي لا فيالوزن ، نحو قولــه تعالى : { ما لكم لا تَرجونَ للهِ وَقاراَ . وقد خلقكم أطواراً}(نوح :31-14). وهناك (المتوازي ): وهو رعاية الكلمتين الأخيرتين في الوزنوالرويّ ، مثل قوله تعالى : {فيها سُرُرٌ مَرفوعةٌ . وأَكوابٌ موضوعةٌ} (الغاشية 13- 14:).وهناك ( المتوازن): وهو ما راعى في مقاطع الكلام الوزن وحسب ،كقوله تعالى : { ونمارِقُ مَصفوفةٌ. وزَرابيُّ مبثوثة ٌ}
( الغاشية :15-16) . وهناك المُرصّع: وهو أن يكون المتقدّم من الفقرتين مؤلفاً من كلمات مختلفة ، والثانيمن مثلها في ثلاثة أشياء: وهي الوزن والتقفية وتقابل القرائن ، كقوله تعالى :
{ إنَإلينا إيابَهم .ثمّ إنّ علينا حِسابَهم } ( الغاشية :25-26) . وهناك أخيراً(المتماثل ) وهو : أن تتساوى الفقرتان في الوزن دون التقفية ، وتكون أفرادالأولى مقابلة لما في الثانية ، فهو بالنسبة إلى المُرَصَّع كالمتوازن إلى المتوازي . قال تعالى : { وآتيناهما الكِتابَ المُستَبِينَ . وهديناهما الصِّراطَالمُستقِيمَ } ( الصافات: 117- 118 ). فالكتاب والصراط يتوازنان ، وكذا المستبينوالمستقيم ، واختلفا في الحرف الأخير .
لكل فاصلة قرينة ، جمعها قرائن ،سميت بذلك لمقارنة أختها وتُسمّى فِقْرة ، غير أن الفِقرة أعمّ من القرينة ،لأنها مماثلة لقرينتها بحرف الرويّ ( مسجوعة ) ، وغير مماثلة ، والقرينة لا تكونإلا مماثلة ، والقرينتان في النثر بمنزلة البيت من الشعر.[9] وقد ترتب على طولالفقرة وقصرها أقسام ، قال قوم : هي ثلاثة أقسام : قصير موجز ، ومتوسط مُعجز ،وطويل مُفصح للمعنى مُبرز.[10] ومن القصير ما يكون من لفظ واحد ، أو عدد منالحروف : ( آلم- حم –طسم )أو ( الرحمن – الحاقة – القارعة ) . وأطول الفقراتالقصار ما يكون من عشر لفظات .وما بين هذين متوسط ، كقوله تعالى : {والنجمِ إذاهوى.ما ضلّ صاحبُكم وما غوى.وما يَنطِقُ عن الهوى.إنْ هوَ إلا وَحيٌ يُوحى}النجم :1-4 من الفواصل ما هو آية كاملة ، وما هو بعض آية ، وهذا النوعالثاني هو النوع الغالب المضطرد . والفاصلة التي تستغرق آية ترد في فواتح السور ،وهي على شكلين :
- الشكل الأول : المؤلف من مجوعة حروف مثل : ( ألم – حم –طسم ).- الشكل الثاني : المؤلف من كلمة مثل : ( الرحمن ) أو ( الحاقَّة)أو (القارعة). أما الفواصل التي هي بعض آية ، فعلى وجهين : أحدهما ما كانجزءًا من الآية ، لا تقوم الآيات إلا به ، ولا تستقل هي بمفهوم في غير آياتها ،وذلك كثير في القرآن الكريم ، كقوله تعالى : { والنجمِ إذا هوى ...} وأكثر قصارالسور جاءت فواصلها على هذا النحو من الاتصال . ثانيهما : ما جاء وكأنه تعقيب علىالآية ، أو تلخيص لمضمونها ، أو توكيد لمعناها .. وقد تصرف القرآن في هذا تصرفاًعجيباً ، فجاء بالفواصل بعد الآيات كأنها رجع الصدى ، أو إجابة الداعي إذا دعا.[11]
كقوله تعالى : { وردّ اللهُ الذين كفروا بِغيظِهم لم يَنالوا خيراً ، وكفى اللهُالمؤمنين القتالَ وكانَ اللهُ قويّاً عزيزاً } (الأحزاب : 10).

مراعاة الفاصلة القرآنية للمعنى قبل المبنى
لا يراد بالفاصلة القرآنية مراعاة الحروف وإنما يراد المعنى قبل ذلك ويلتقي الحرف بالمشابهة اللفظية مع المعنى. وأحياناً لا يراعي القرآن الكريم الفاصلة بل قد تأتي مغايرة عن غيرها وهذا دليل على أن المقصود بالدرجة الأولى هو المعنى.
في سورة طه مثلا: تأتي الآية (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ {78}) مغايرة للفاصلة القرآنية في باقي آيات السورة (تزكى، يخشى، هدى) لأن المقصود الأول هو المعنى. وكذلك في سورة الأنبياء الآية (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ {66}) مغايرة لباقي آيات السورة (يشهدون، ينطقون، تعقلون) وليس لها ارتباط بما قبلها وبعدها.
ومثال آخر في سورة الإنشقاق الآية (إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ {14}) فلو قال (يحورا) لتغيّر المعنى وفي هذا دلالة على أن القرآن يراعي المعنى قبل مراعاة الناحية اللفظية.
في أول سورة الأحزاب (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً {3} مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ {4} ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً {5}) جاءت كلمة السبيل في آخر الآية 4 بينما جاء ما قبلها وبعدها بالألف، وفي أواخر سورة الأحزاب (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا {66} وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا {67}) جاءت كلمة السبيلا بالألف، والكلام في هذه الآيات عن هؤلاء في النار ويمدون أصواتهم في النار والرسولا بالألف هو صوت الباكي أما في أول السورة فبليس هناك عذاب فجاءت على حالها (السبيل) وليست السبيلا، تصور الحالة الطبيعية من اصطراخ فجاءت الألف تعبيراً عن حالهم وهم يصطرخون في النار في كلمة (الرسولا) في أواخر السورة.[12]

خاتمة
قال الله تعالى في قرآنه المعجز: { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (هود1).فواصله معجزة للبشر كما أن الإتيان ولو بجزء من أيه معجز للجن والإنس ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.ففواصل القرآن العظيم تراعي معنى الكلام ودلالاته قبل ألفاظه ومبانيه, بخلاف ما عليه كلام البشر من مبالغة الإهتمام بالصياغة اللفظية والصناعة القولية مع إغفال جوانب الدلالة والمعنى المراد من وراء التلفظ بالقول. ولا مجال للمقارنة فجل الله تعالى وعز عن أن يداني كلامه كلام بني البشر. وللفاصلة القرآنية جوانب جمالية وفنية, تسهم في تأثير كلام الباري جل في علاه في نفس السامع وتجلب اهتمامه وتحشد ذهنه كاملا لتدبر معاني هذا الكتاب العزيز.
ونحيل من يحبالاستزادة إلى مطالعة هذا السفر الخالد الذي لا تنقضي عجائبه ، والذي لا حدَّلجمالِه ودقّة إحكامه، ويرتّل معنا بإمعان : { أفلا يَتدبّرون القرآنَ ، ولو كانمن عند غير اللهِ لوجدوا فيهِ اختِلافاً كثيراً } (النساء 81) .

المصادر والمراجع
· القران الكريم. مصحف المدينة النبوية, مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد, لطباعة المصحف الشريف.
· الإتقان في علوم القرآن – السيوطي – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم- مطبعة المشهدالحسيني بالقاهرة – 1961م.
· البرهان في علوم القرآن – الزركشي – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم – دار إحياءالكتب العربية بمصر – 1384هـ .
· ثلاث رسائل في إعجاز القرآن : النكت للرماني – تحقيق محمد خلف الله ومحمد زغلولسلام – دار المعارف بمصر – 1961م .
· كتاب الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان – ابن قيم الجوزية – مطبعةالسعادة بمصر 1327هـ - ط1.
· مقال بعنوان "فواصل القرآن الكريم" للشيخ عبد الفتاح القاضي, مجلة الجامعة الإسلامية .العدد 35- 3-6. السنة: ذو الحجة 1396هـ. .
· موضوع الفاصلة القرآنية من حيث المعنى للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي استاذ الآدب في كلية اللغة العربية في جامعة الشارقة . عُرض على قناة الشارقة الفضائية وقد بثّت هذه الحلقة بتاريخ 8/6/2001 م.


تم بحمد الله


[1] - بحث (في تاريخ فكرة إعجاز القرآن) مجلة (المجمع العلمي العربي) بدمشق- مج27-ص573 . بتصرف.

[2] - مقال بعنوان "فواصل القرآن الكريم" للشيخ عبد الفتاح القاضي, مجلة الجامعة الإسلامية .العدد 35- 3-6. السنة: ذو الحجة 1396هـ.

[3] - آية 2 من سورة هود.

[4] - آية 3 من سورة فصلت.

[5] - المقال لعبد الفتاح القاضي. مقال بعنوان "فواصل القرآن الكريم" للشيخ عبد الفتاح القاضي, مجلة الجامعة الإسلامية .العدد 35- 3-6. السنة: ذو الحجة 1396هـ. نقل الطريقين عن البرهان الجعبري.

[6] - رواه مسلم. والخلفات- بفتح الخاء وكسر اللام-: الحوامل من الإبل, والواحدة خلفة.

[7] - المقال السابق.

[8] - كتاب الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان – ابن قيم الجوزية – مطبعةالسعادة بمصر 1327هـ - ط1 – ص226-227 .

[9] - صور البديع – فن الاسجاع – لعلي الجندي – دار الفكر العربي بالقاهرة 1370هـ= 1951م.1/195

[10] - صبح الأعشى في صناعة الإنشا – للقلقشندي – نسخة مصورة عن الطبعة الأميريةبمصر 1388هـ.


[11] - كتاب الفوائد : 227 .

[12] - موضوع الفاصلة القرآنية من حيث المعنى للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي استاذ الآدب في كلية اللغة العربية في جامعة الشارقة . عُرض على قناة الشارقة الفضائية وقد بثّت هذه الحلقة بتاريخ 8/6/2001 م.

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=117896