المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مئة عام على مرور كذبة (داوسون)



الاشبيلي
06-24-2010, 11:57 AM
بداية اكتشاف عظام الإنسان الأول المزوّرة: "إنسان بيلتدَاون"
وصل في عام 1909م أول جزء من جمجمة " إنسان بيلتدَاون" " "Piltdown Man إلى المتحف البريطاني للتاريخ الطبيعي في الشمال، من قرية (بيلتداون) (لوحة1)، الواقعة في منتصف الطريق تقريباً بين (لندن) والشاطئ الجنوبي من بريطانيا، بمقاطعة سوسِكس (KSussex) (خارطة1)، بينما بداية الحفر في المكان تعاد إلى عام 1908م، وبذلك يكون قد مر مئة عام على ظهور هذه الكذبة الشهيرة في الوسط العلمي، والخاصة باكتشاف الإنسان المبكِّر، أو (الإنسان الفجري) (Eoanthropus) في بريطانيا، والذي سُمّي هذا " الإنسان" كذلك بأسماء أخرى كثيرة، ومنها: (الإنسان الانجليزي المبكر، أو الأول) (The Earliest English Man) ، و (الإنسان الفجري الدوسوني) ( (Eoanthropus dawsoni ، نسبة إلى مكتشفه (تشارلز دوسون (Charles Dawson ، والحلقة المفقودة (MISSING LINK) بين الإنسان، وعالم الحيوان ... الخ.
وقد تحدثت عن هذا "الاكتشاف" الكثير من الصحف، ووكالات الأنباء، آنذاك، وكُتِبت عنه العديد من المقالات، والكُتُب أيضاً، ووضعت له أفلام توثيقية، وانتشر الحديث عنه بشكل واسع داخل بريطانيا، وخارجها، ودُرِّس في الجامعات، وصار مؤخراً يُدوَّن عنه الكثير من الكتابات في الشبكة العنكبوتية، وبهذه المناسبة لابد من تذكير المهتمين بتاريخ البشرية، وبالأخص غير المتخصصين بعلم الآثار، والعامة من الناس، في المقام الأول، بذلك التزوير الشهير، الذي استمر قلعة علمية محصنة زهاء أربعين عاماً، منذ أن أِّقِرَّ ذلك التزوير في عام 1913م، بأنه حقيقة مسلَّمة، من قبل نخبة من العلماء، إلى أن تم اكتشاف هذا التزييف في عام 1953م، بعد أن ظهرت أولى طُرق التأريخ للمواد العظمية، والتي صارت تُستخدم في علم الآثار.

استحقاق التذكير بحادثة "إنسان بيلتداون" من طبيعة التخصص، ولكن العبرة أقوى
يُعد التذكير بهذه الحدث، استحقاقا علينا، بمناسبة مرور مئة عام على وقوعه، ليس لكونه تزويراً من العيار الثقيل، وحسب، وتمَّ إقراره من قبل نخبة علمية بريطانية، أيضاً، وإنما فيما كان سيترتب عليه من نتائج أخرى خطيرة، ونظريات جديدة، وحتى أن العنصريِّين أخذوا يروّجون لقدرات، وتفوق الجنس الأوربي، أو (الأبيض)، على الأجناس الأخرى، بما في ذلك تبرير الاستعمار ... الخ، ومنها قولهم بأن: تطور الإنسان الأوروبي كان قد سبق بمراحل قديمة الإنسان الإفريقي، والأسيوي، ومن هنا يأتي تفوق الجنس الأبيض على الأجناس الأخرى، وصار يُحسب لهذا "الاكتشاف" ألف حساب، بما في ذلك في علم الآثار، والأنثروبولوجيا (علم الإنسان)، وبالأخص أنه أحدث تغييراً في النتائج العلمية ذات الصلة التي تم التوصل إليها في القرون السابقة.

(داوسون) وحده في قفص الاتهام
على الرغم من مرور مئة عام أو يزيد قليلاً، على حدوث هذا التزوير، إلاَّ أن الحادثة برمتها سُجلت على ذمة الشخص المتوفى الأول، من (رجال بيلتدَاون)، وهو (تشارلز داوسون)، باعتباره المكتشف الأول "للإنسان الانجليزي المبكر"، وعادة فأن حوادث كثيرة في التاريخ، تقيَّد ضد مجهولين، أو متوفيين في أحسن الأحوال. فقد افترض، من خلال اكتشاف الجوانب المهمة في ذلك التزوير، أن الفاعل، أو (المزوِّر)، هو هاوي الآثار (تشارلز داوسون Charles Dawson-) (لوحة2)، والذي توفي منتصراً في عام 1916م، هذا في الظاهر، أمّا الباطن، أو "الضمير" فلا يعلمه إلاّ الله، وقد سبق موته اكتشاف هذا التزوير بزهاء (37) عاماً، وبالتالي لم يتسن لذلك المتوفي في نشوة نصره، الدفاع عن نفسه فيما نُسب إليه، في هذه المرة، أو بالأحرى لم يروي بنفسه للآخرين تفاصيل ذلك التزوير، وإسراره، ودوافعه، والمشتركين معه في إخراجه، إن كان له شركاء، فبموته اختفت جوانب من أسرار ذلك التزوير.

دلائل الاتهام
كتب (تشارلز داوسون) في شهر مارس من عام 1909م إلى صديقه (سميث أود وارد Smith Woodward )، الذي كان يعمل في المتحف البريطاني للتاريخ الطبيعي، رسالة ذكر فيها بأنه ينتظر اكتشاف كبير لم يُعرف له التاريخ من قبل مثيلاً، وهو النبأ الذي أعقب مرحلة الانتهاء، على الأرجح، من فبركة ذلك التزوير بصورته النهائية، تمهيداً لنقله إلى الوسط العلمي، لإقراره. إحضار (تشارلز داوسون) في العام نفسه إلى المتحف المذكور جزء من جمجمة ذلك الإنسان، وأفاد بأن ذلك الجزء عثر عليه أحد العمال في قرية (بيلتدَاون Piltdown) (لوحة 1)، وبذلك وجَّه أنظار الباحثين إلى تلك الكذبة، التي فُبركت بإحكام، وكان صاحبها يعتقد، آنذاك، أنه إذا مُرِّر هذا التزوير في الوسط العلمي، فإنه لن يكشف بعد ذلك أبداً، مع أنه كان من المعروف تماماً، أن ما بني على باطل، يصبح باطلاً، سواء طال أجله، أو قصر.
بينما استخراج العظم المذكور من التربة التي وضِع فيها، حدث في عام 1908م، ومن قبل (تشارلز داوسون) نفسه، أيضاً، هذا حسب الافتراض، وليس من قبل ذلك العامل المجهول الذي أشار إليه (داوسون)، وهو العام نفسه الذي من المحتمل أن يكون (تشارلز داوسون) قد وضع فيه تلك العظام في ذلك المكان، في الوقت الذي كانت فيه خيوط هذه القصة قد أحيكت قبل هذا التاريخ، ولكن لم يُعرف بالتحديد متى كان ذلك، وكذا لم تُعرف مراحل التزوير، وتفاصيل أخرى كثيرة، ومنها القصة الحقيقية للأدوات الحجرية، التي وجِدت بجانب تلك البقايا العظمية، وكان لها دور كبير في الحكم على ذلك "الاكتشاف" فيما وصل إليه، وكذا طريقة الحصول على أجزاء هذه الجمجمة، أيضاً، سواء العلوية منها الخاصة بالإنسان، أو الفك الأسفل في تلك الجمجمة مع الأسنان، اللذان اتضح، فيما بعد، بأنهما مزوَّرة، ولأحد القردة.
ومن الأدلة الأخرى على أن (تشرلز داوسون) هو صاحب ذلك التزوير، حديثه مع (آرث سميث وود وارد) بالخطأ، من المحتمل، عن المادة التي قال بأنه استخدمها لتثبيت العظام من التفتُّت، فيما اتضحت بعد ذلك، بأنها صباغ طليت به باقي العظام الأخرى، أيضاً، لإعطائها سمة قديمة، كما يفعله اليوم المزوِّرون للآثار.

عالِم المتحجِّرات ينطلق إلى نفس المكان، ويتفرغ من عمله لاستقبال "الجنتلمان"
فبعد وصول ذلك الجزء، من الجمجمة إلى المتحف المذكور، أنطلق (آرثر سميث وود وارد)، الذي كان يعمل في المتحف نفسه، والمتخصص بعلم المستحثات، أو (المتحجرات) (Paleontology) إلى المكان نفسه، الذي وصِف من قبل (تشارلز داوسون) بأن أحد العمال عثر فيه على ذلك الجزء من العظام، إلى درجة أن (سميث وود وارد) ترك عمله الرسمي، مؤخراً، في المتحف البريطاني، حتى لا يُشغل بعمل آخر، وتفرغ بشكل تام لذلك "الاكتشاف" المثير للاهتمام، كي يعثر على البقايا العظمية الأخرى لتلك الجمجمة، فبنى له بيتا صغيراً في قرية (بيلتداون)، وتمكن من خلال عملية الحفر في المكان المذكور لمدة ثلاث سنوات، من العثور على ثمانية أجزء أخرى للجمجمة نفسها، أغلبها عُثر عليها في الأعوام: 1911م، و1912م، وآخرها كان في عام 1913م، ومنها أحد أنياب الفك الأسفل، الذي عثر عليه الأنثروبولوجي الشهير (شارديان Chardian )في عام 1913م، وهي القشة التي قسمت ظهر البعير، كما يقال.
فقد بلغت الأجزاء العظمية التي جُمعت لذلك الإنسان من قرية (بيلتدَاون)- والذي سُمِّي كذلك بـ (إنسان بيلتدَاون) (Piltdown Man) نسبة إلى هذا المكان- زهاء تسعة أجزاء، سُلمت جميعها للمتحف البريطاني للتاريخ الطبيعي، بعد أن دُرست بدقة، كما قيل حينذاك، وهو المتحف المشهور، والذي احتفظ بعناية فائقة، أيضاً، بهذه العظام، باعتبارها براهين مادية عن وجود "الإنسان الإنجليزي المبكر"، ومن المحتمل أن المتحف المذكور ما زال يحتفظ بتلك العظام إلى اليوم، أيضاً، ولكن من اجل إثبات، هذه المرة، طُرق الفبركة، بعد أن تهاوى العرش الذي تربع عليه هذا " الإنسان" لأكثر من أربعين عاماً.

د. عبد الرزاق بن أحمد بن راشد المعمري- أستاذ مشارك في آثار ما قبل التاريخ بقسم الآثار- جامعة الملك سعود – الرياض.
المصدر : مجلة الآثار-20/32010الكاتب : د. عبد الرزاق بن أحمد بن راشد المعمري


الحلقة الثانية:
إقرار التزوير، والتربُّع على العرش لأكثر من أربعين عاماً
فحصت بقايا (إنسان بيلتداون) العظمية نخبة من العلماء المشهورين في الوسط العلمي البريطاني، بينهم أساتذة جامعات، ومن تخصصات علمية مختلفة، أيضاً: من علم الأنثروبولوجية (Anthropology) (علم الإنسان)، (أرثر كيت) (Arthur Keith- 1866- 1955) ، وهو الشخص الوحيد من أبطال (بلتداون)، الذي عاصر اكتشاف ذلك التزوير، ومن علم الأحافير، أو (المستحثات) (Paleontology) ، (آرثر سميث وود وارد) (Arthur Smith Woodward –1864- 1944) ، ومن علم التشريح (Anatomy) (غرافتون أليوت سميث) (Grafton Elliot Smith- 1871- 1937) ، ومن علم الحيوانات القديمة (Zoology) (رِاي لينكستر) (Ray Lankester – 1847- 1929)، وآخرون، أيضاً.
وقد أقرَّت هذه النخبة بشكل نهائي في عام 1913م بأن تلك البقايا العظمية ترجع إلى أقدم إنسان عُرف على الأرض آنذاك، فسُمي، بناءً على ذلك الحكم، بـ (الإنسان الفجري) "Eoanthropus "، أو (الإنسان الانجليزي المبكر، أو الأول) (The Earliest English Man) ، وعلى أساس بدائية عظام تلك الجمجمة، وآثار البِلى على العظام، ونوعية الطبقة الجيولوجية، أعيد تاريخ هذا الإنسان إلى مليون سنة.

الجمجمة مزورة، وغظ الطرف عنها قد يكون لمصلحة مدبَّرة
لقد كان الفك الأسفل من تلك الجمجمة، الذي عُثر عليه في الحفرة نفسها التي عُثر فيها على البقايا العظمية الأخرى، على قدر كبير من البدائية، إلى درجة كان يُصعب معه أيجاد إي نوع من المقارنة بينه، وبين فك الإنسان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن ذلك الفك كان لا يتلاءم، بحجمه الصغير نسبياً، مع باقي الأجزاء الأخرى لتلك الجمجمة، وبذلك فقد كان فك غريب جداً، على الأقل، في هذا الجانب، مقارنة بذلك الانسجام، أو التلاءم الذي وجَد بين أجزاء جمجمة إنسان (جاوة)، رغم بدائيتها، وإنسان (هيدل برج)، والتي كانت هذه الجماجم قد عُرفت في تلك الفترة، إلى درجة أن هناك من أعتقد أن ذلك الفك، هو فك لقرد شمابنزي، ولكن الخوف من الاتهام بضعف الوطنية، كان يستدعي غظ الطرف عن ذلك، خاصة وإن المملكة البريطانية العظمى كانت حينها مقبلة على دخول الحرب العالمية الأولى، أيضاً، وبالتالي قد تكون هي الأخرى بحاجة إلى مثل ذلك الاكتشاف، وبالأخص في هذا الوقت بالذات. " دولة عظيمة، ولا أحد يعصي الدولة".

إنجليزي جاهز بجنسيته من المصنع
إن الحقبة التاريخية التي زُعم أن "إنسان بيلتداون" يرجع إليها، والتي قُدِّرت بمليون سنة، لم تكن قد تشكلت فيها السلالات البشرية، المعروفة اليوم: القوقازية، أو (الهندو- أوروبية)، والمغولية، والزنجية، ما بالك بالحديث عن تشكل الإثنية، أو (الجنس) الانجليزي، الذي لا يتعد تاريخه تاريخ العصر الحديدي، وقد يقل بكثير عن ألف سنة، ومع ذلك فقد سُمِّي بـ " الإنسان الإنجليزي المبكِّر، أو الأول" (The Earliest English Man)، إلى جانب التسميات الأخرى، سالفة الذكر. وقد يكون اكتشاف (إنسان هيدلبرج) نفسه في عام 1907م، سبب من الأسباب التي دفعت بالبحث عن إنسان إنجليزي قديم، جاهز بجنسيته، حتى وإن جُهِّز في ورشة، أو مصنع، استناداً في ذلك إلى أن اكتشاف "إنسان بيلتداون" حدث بعد اكتشاف (إنسان هيدلبرج) بزهاء سنة واحدة، مع أن ذلك التزامن قد يكون مجرد صدفة، وما أحلى الصدف أحياناً، وخاصة في مثل هذه الحالة.
أضف إلى ذلك أن في عام 1856م أكتُشف إنسان (نياندارتال) في ألمانيا، أيضاً، وفي أسبانيا كذلك تم اكتشاف إنسان جبل طارق في عام 1848م، في الوقت الذي كانت فيه مستعمرات كل من أسبانيا، وألمانيا، قليلة، مقارنة بمستعمرات المملكة البريطانية العظمى التي كانت لا تغيب الشمس عنها آنذاك، وبالتالي كيف لا يكون لهذه المملكة العظمى إنسانها القديم، أيضاً، مقارنة على الأقل بأسبانيا، وألمانيا، إضافة إلى ذلك كان البعض يرى أن موطن (تشارلز داروين) لا يخلو بدوره من وجود هذه الآدميات القديمة، أيضاً.
والأنكى من تلك الاكتشافات، سالفة الذكر، هو اكتشاف إنسان (جاوة) في عام 1891م في (إندنوسيا)، في وقت كانت فيه (إندنوسيا) مستعمرة من مستعمرات بريطانيا العُظمى، ومن الغضب على هذا البلد، تغيير بنيتها الإثنية، والدينية، من خلال ترحيل أكبر عدد ممكن من الهندوس إليها، والذي قد لا يكون له علاقة بهذا الشأن، وإنما طريقة من طرق التفكير عند النفس التي استطاعت أن تخلق "إنسان بيلتداون" من العدم.

الإعلان عن "إنسان بيلتداون" سبق (هتلر) بتوظيفه المقلوب لعلم الآثار
يُعدُّ إقرار وجود "إنسان بيلتداون" في عام 1913م، سابق لوصول (هتلر) إلى السلطة، بزهاء إحدى وعشرين عاماً، خاصة منذ أن أخذ يؤله الجنس (الآري) على الأجناس الأخرى، بدءاً بعام 1934م، مستخدماً في ذلك معطيات علم الآثار بطريقته الخاصة، ولكن فقد وجَد "إنسان بيلتداون" واقفاً له بالمرصاد، آنذاك، لأن تاريخه كان قد حُدِّد بما لا يقل عن مليون سنة، وبالتالي لا طاقة للجنس (الآري) هنا بالمنافسة، بما في ذلك إنسان (هيدلبرج)، الذي أكتشف في عام 1907م، كما سلف الذكر، في ألمانيا، وهذه خدمة من الخدمات، التي قد تكون مفيدة من اكتشاف "إنسان بيلتداون" في تلك الفترة، ومع ذلك لا يُستبعد أن يكون (تشارلز داوسون)، سواء أكان وحيداً، أم مع آخرين، قد رغب شخصياً بدخول التاريخ من هذا الباب.

اتهام "الإنسان الإنجليزي المبكِّر" بعدم الذكاء فيه جفاء للحقيقة
كان واضحاً من أن سعة الجبين، وبروزه إلى الأمام، وارتفاعه، أيضاً، في جمجمة ذلك الإنسان، الذي زُعم بأنه "الإنسان الإنجليزي الأول" (وهي المنطقة الواقعة بين حواجب العينين، وخصلات الشعر في مقدمة الرأس)، إلى جانب الحجم الكبير للمخ نفسه في تلك الجمجمة، أيضاً، والبالغ (1350سم مكعب) (لوحة1)، يدل على أن ذلك الإنسان غير بدائي، أو أن ذكاءه لا يقل عن ذكاء أولئك الذين أعادوا بقاياه العظمية إلى زهاء مليون سنة، مع فارق في التعليم، بينهما، والشهادات "العلمية"، أو على الأقل لم يكن ذلك الإنسان غبي مقارنة بالإنسان المعاصر، بوجه عام، فهو ينتمي إلى الإنسان العاقل (Homo Sapiens)، أو (الإنسان المعاصر)، وحتى أن تلك الصفة الوحيدة البدائية، التي وجدت في تلك الجمجمة، وهي ثخانة سمكها، والبالغ مقداره (10مم) (لوحة1)، توجد هي الأخرى عند بعض الناس المعاصرين، أيضاً، ومع ذلك فإن هذه الخصائص، لم تعيق النتيجة النهائية التي توصلت إليها نخبة العلماء، سالفة الذكر.

المصدر : مجلة الآثار-8/4/2010 الكاتب : الدكتور عبدالرزاق المعمري
الحلقة الثالثة غير متوفرة



الحلقة الرابعة:
"الإنسان الإنجليزي المبكر" في خَطَر:
توصل الأستاذ (كنيت أوكليKenneth Oakley) الذي كان يعمل في المتحف البريطاني، سالف الذكر، إلى طريقة يختبر بها مستوى قِدم المواد العظمية التي توجد في التربة، من خلال قياس نسبة غاز (الفلور) فيها، وهي الطريقة التي جعلت أي مُدّع كان، متخصص، أو هاوي، بأنه إذا عثر على بقايا عظمية قديمة، سواء للإنسان، أو لغيره، أن يفكر بصحة اكتشافه جيداً، قبل أن يُطلب منه تقديم عينة من تلك العظام، لاجتياز ذلك الاختبار، أو حينها قد تحدث الكارثة، إن كان اكتشافه كاذباً. وهو اختبار مَعْمَلي، إلى درجة أن (أوكلي) كان يذهب بنفسه إلى المكان الذي يُعثر فيه على المواد العظمية القديمة، ويأخذ تلك العينات بنفسه، أيضاً، وبالأخص بعد أن عُرف أن عظام "الإنسان الإنجليزي المبكر" كانت عظام مزوّرة بجودة عالية.
وتتلخص هذه الطريقة بأن غاز (الفلور)، الذي يوجد في المياه الجوفية، بنسبة زهاء جزء واحد في المليون، تمتصه العظام، عندما تمكث فترة طويلة من الزمن في التربة، حيث تتصل (أيُّونات) غاز (الفلور) بفوسفات الكالسيوم الموجودة في العظام، بما في ذلك الأسنان، فتقوم بامتصاص هذا الغاز، وكلَّما مكث العظم فترة طويلة في التربة، كلما زادت فيه نسبة ذلك الغاز. وتُعد العينة الصالحة من العظام لاجتياز هذا لاختبار بنجاح، هي التي يمضى عليها في التربة زهاء (10) ألف سنة، أو أكثر، بينما المواد العظمية التي تمكث في التربة أقل من هذا التأريخ، من غير الممكن قياس نسبة غاز (الفلور) فيها، بسبب الزمن غير الكافي لعملية الامتصاص، وبذلك يكون هذا النوع من العظام، في الوقت نفسه، حديث العهد، أيضاً. علما أن معرفة وجود (الفلور) في المياه الجوفية، وكذا امتصاص العظام لهذا العنصر، كانت قد سبقت هذا التاريخ بكثير، ولكن كثرة الإدعاءات في العثور على مثل تلك العظام القديمة، آنذاك، عجلت بظهور طريقة قياس نسبة ذلك العنصر في المواد العظمية القديمة، أو كما يُقال: "الحاجة أم الاختراع".

الاختبار الأول، والنتيجة بين عض الأصابع، ووقوع الكارثة:
أقرّ بعض العلماء في عام 1953م تقديم عظام (إنسان بيلتداَون)، أو " الإنسان الإنجليزي المبكر" إلى ذلك الاختبار، باعتباره صار اختباراً مطلوباً للبقايا العظمية التي يدَّعي أصحابها بأنها قديمة، سواء للإنسان، أو لفصيلة الآدميات بوجه عام، وقد كان من غير المقبول أن يُطلب من الآخرين تقديم مكتشفاتهم لاجتياز هذا الاختبار، ولا يُطلب تقديم عظام "إنسان بيلتداون" لنفس الاختبار، أيضاً، وبالأخص أن تلك العظام كانت محفوظة في المتحف البريطاني، كما سلف الذكر، مع أن الكيل بمكيالين يحدث أحياناً "عيني عينك"، وفي قضايا كثيرة. ولكن تقديم تلك العظام لاجتياز ذلك الاختبار، كان بهدف أعطاء " الإنسان الإنجليزي الأول" شرعية علمية إضافية، أيضاً، غير أن نصف الكارثة، وقع خلال اختبار الأجزاء العلوية من عظام الجمجمة، بينما وقعت الكارثة بأكملها، وعض الأصابع، عند اختبار الفك الأسفل منها، وهو الفك، مع ذلك الناب، اللذان أُقِرِّ بهما، في الأساس، أن تلك العظام تعود لإنسان قديم، تاريخه يصل إلى زهاء مليون سنة.

غريب هذا "الإنسان الأول" نصفه عاش فيما قبل التاريخ، والنصف الآخر في القرن العشرين
فقد كانت نتيجة ذلك الاختبار مفاجئة حقاً، حيث أتضح من خلالها، أن نسبة (الفلور) في عظام الجمجمة قليلة جداً، بحيث لا يمكن معها بأي حال من الأحوال، أعادتها إلى مليون سنة، وحتى إلى مئة ألف سنة، وإنما تاريخها، لا يتعد بالكثير خمسون ألف سنة، مع أن هذا التأريخ قديم، أيضاً، ولكنه لا يتجاوز، في جميع الحالات، بداية ظهور الجنس البشري المعاصر (الإنسان العاقل) (Homo Sapiens)، والذي يؤرخ له من حوالي أربعين ألف سنة. بينما الفك السفلي الذي أخضِع لنفس للاختبار، لم تسجل فيه نسبة تذكر من ذلك الغاز، وهذا يعني أنه كان حديث العهد جداً، لا يتجاوز تاريخه القرن التاسع عشر الميلادي، أو بداية القرن العشرين. وهنا أجاب، أنصار "بيلتداون" على هذا السؤال المهم في الحال، وهو: هل من الممكن أن يكون في ذلك التأريخ القديم، وهو قرابة خمسين ألف سنة، قد وجد فيه بشر على وجه الأرض من نوع الإنسان المعاصر، بمثل هذه الجمجمة القديمة والكبيرة، أيضاً، وفي الوقت نفسه بفك صغير، ذو سمات فيزيائية (بدائية) يعود تاريخه إلى الوقت الراهن؟، أو بعبارة أخرى فإن ذلك تحليل، يخالف الحقيقة.
لقد كان بالفعل كائن غريب جداً، بهذه الصورة، نصفه عاش فيما قبل التاريخ، أو (منذ خمسين ألف سنة)، وهي الأجزاء العلوية من تلك الجمجمة، بينما النصف الآخر منه عاش في القرن العشرين، أو إلى أقدم من ذلك بقليل، وهو الفك السفلي من الجمجمة نفسها، والذي يُعدُّ من حيث السمات الفيزيائية، أكثر بدائية من جزءها العلوي. مع أن ذلك الاختبار كان يُشير بوضوح إلى أن عظام الجمجمة أُخِذ من مكان ما لإنسان قديم. بينما الفك السفلي أخِذ من مكان آخر، لكائن آخر، أيضاً، وهو حديث العهد. ولكن هذه النتيجة لم يرض بها أنصار "إنسان بيلتدوان" فقد كانت، بالنسبة لهم، سيئة جداً، على الرغم من إشادتهم بهذه الطريقة خلال اختبار البقايا العظمية الأخرى.

الاختبار الثاني، والنتيجة 3,6 :
قُدِّمت هذه العظام لاختبار آخر، وهو اختبار كيميائي، يقاس من خلاله نسبة غاز النيتروجين، أو (الأزوت) في العظام. وقد قام بهذا الاختبار في هذه المرَّة، متخصص إنجليزي آخر، في مجال الكيمياء، فكانت النتيجة مذهلة، كذلك، أو أسوأ بكثير من نتيجة الاختبار الأول، بالنسبة لأنصار " الإنسان الإنجليزي الأول". فالاختبار المذكور مبني على مبدأ قياس نقص النيتروجين في البقايا العظمية القديمة المطمورة تحت سطح الأرض، بالمقارنة مع النسبة الموجودة من ذلك الغاز في عظام الكائن الحي، أو المعاصر، بوجه عام..
فقد عُرف أن كمية (النيتروجين) في عظام الإنسان المعاصر تصل إلى نسبة 4%، بينما هذا النسبة في البقايا العظمية المطمورة تحت سطح الأرض لبضع ألاف من السنين، تصل إلى 2%، وقد أظهر ذلك الاختبار الذي خضعت له الأجزاء العلوية من جمجمة "إنسان بيلتدَاون"، أن النتيجة الأخيرة متقاربة جداً، مع ما وصل إليه (أوكلي) باختبار مادة (الفلور) من قبل، إن لم تكن هذه النتيجة قد قلَّلت من عدد تلك السنوات، سالفة الذكر.
أمّا بالنسبة للفك الأسفل من جمجمة ذلك "الإنسان الإنجليزي الأول"، فقد احتوت على 3,6% في المائة من ذلك الغاز، وهي النسبة التي تؤكد بوضوح أن ذلك الفك، هو فك لكائن آخر معاصر جداً، وهي النتيجة نفسها التي تطابقت كذلك، مع الاختبار السابق للفك نفسه عند (أوكلي)، بعنصر (الفلور)، أيضاً.

"الجنتلمان" في اختباره الثالث: يا ترى من يخسر الرهان؟
فقد تطلب الأمر التأكد من النتيجة الأخيرة بصور أكثر، من خلال الفحص الدقيق لأسنان هذا "الإنسان المبكر" باستخدام عدسات مكبرة، في هذه المرة، ولكي يقتنع أنصار وجوده، كذلك، بما ستؤول إليه هذه الدراسة، أيضاً. فقد كانت تلك الأسنان تحمل سمات مشتركة بين أسنان الإنسان، وأسنان القردة، ولكن نتيجة فحصها بتلك العدسات كانت مذهلة، هي الأخرى، حيث أفادت أن السمة الإنسانية في تلك الأسنان ناتجة عن عمل حَدَث بيد إنسان معاصر، أيضاً، استخدمت هذه اليد، في ذلك العمل، مبْرَداً، أو آلة حديدية أخرى، لتعديل تلك الأسنان، بحيث أكسبتها تلك الصفة الإنسانية، من خلال ذلك العمل، إلى جانب سماتها الأصلية، سالفة الذكر

المصدر : مجلة الآثار-28/4/2010الكاتب : الدكتور عبدالرزاق المعمري

المصدر الموقع العربي لمجلة الاثار

الفيلق
06-24-2010, 01:51 PM
أشكرك أخيب الإشبيلي على هذا الموضوع الهام في نقض الأضحوكة الداروينية

لكن عندي تصحيح: هي عمرها 150 وليس 100 عام

وأبشرك آردي هي الأخرى مزيّفة ترقبوا قريباً خبرها

ابو يوسف المصرى
06-24-2010, 05:25 PM
بارك الله فى علمك ووقتك

وقت الموضوع مناسب بفضل الله تعالى

جعله الله فى ميزان حسناتك يا إشبيلى


---

هكذا أخى فى الله

حافظ على تواجدك هنا .......(إبتسامه):emrose: