المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مؤسس المسيحية شاءول/بولس Paulus von Tarsus



dr.elramady
06-29-2010, 07:01 PM
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم [سورة الفاتحة:آية 1]
{ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون } [سورة المائدة: آية82]



شاءول/بولس Paulus von Tarsus

تمهيد :

الجالية الإسلامية تعيش في الغرب منذ زمن، والظاهر أننا سنبقى هنا ولن نرحل للديار التي أتينا منها، حيث أن الكثير منا بل صارت الغالبية تحمل جنسية الدولة التي تسكنها، والجيل الثاني والثالث من أبنائنا يدرس ويتعلم تاريخ وعادات وتقاليد الشعوب التي يعيش بينها، بل صارت المناسبات الدينية والأعياد على كثرتها في الغرب يتم الإحتفال بها ويتعلمها النشئ داخل رياض الأطفال والمدارس النظامية وفق المناهج التعليمية، وفي كثير من الحالات صار بين الجيل الثاني وبين قومه واللغة التي يتحدثها أهله والمقاييس والمفاهيم والقناعات التي تربى عليها الجيل الأول بون شاسع، حتى صارت مسألة الإنتماء والهوية مسألة غائبة عن الذهن لا تبحث إلا بين القلة النادرة.
والحال هكذا صار لزاماً علينا أن نعرِف من هم القوم الذين نعيش بين أظهرهم، خاصةً بعد التظاهرة الثقافية والحضارية التي حدثت يوم الإثنين الـ 14 من أبريل 2008 حين إطلق اسم المفكر والعالم الإسلامي "محمد أسد" على ميدان في ولاية فيينا والعاصمة لجمهورية النمسا الإتحادية، وأمام مبنى منظمة الأمم المتحدة العالمية، وما يعارض هذه التظاهرة الثقافية من تصريحات لكبار السياسيين أو مغموريهم أو نشر رسوم كاريكاتورية وأفلام سبقت هذه التظاهرة وما سيلحقها من إساءات أو تصريحات معادية للإسلام أو لـنبي الإسلام الرسول "محمد بن عبدالله " أو المسلمين، أقول صار لزاماً علينا معرفة القوم عن قرب لنحسن التعايش والتعامل معهم، فالمسألة ليست فقط مسألة عقيدة ودين، بل ينبغي علينا أن نفهم كيف يفكرون، وكيف يتفاعلون مع الأحداث، وكيف ينظرون إلينا، ما يفرحهم وما يغضبهم، والمدخل والمفتاح لعقولهم وتفكيرهم وشخصيتهم، وإني أرى أنه ينبغي على المؤسسات الرسمية والجمعيات والإتحادات العاملة ورجالات الجالية الإسلامية ومفكريها ومثقفيها دراسة الوضع الحالي بوعي وإستنارة، وعمل دراسات ميدانية مكثفة في مجالات متعددة، كما لا ينبغي لي إغفال الدراسات والإصدارات ذات العلاقة، ولكنها دراسات خاصة لمفكرين ولم توضع تحت المجهر ومن قراءها فلإطلاع الشخصي عليها، هذا مدى علمي.
وهناك فارق بين إستصدار قوانين لصالح الأقليات/ الجاليات التي تعيش في الغرب وبين قبول الآخر في المجتمعات الغربية على مختلف مستواياتها، فقانون الإعتراف بالمذهب الحنفي صدر في بداية القرن الماضي ( 1912م) إبان حكم الإمبراطورية النمساوية المجرية، ثم عدل بعد ذلك بالإعتراف بالدين الإسلامي وليس فقط مذهب من مذاهبه المعتبرة، غير أن الغربي مازال غير مقتنع تماماً بأن متبع هذا الدين ـ الإسلام ـ له الحق قانونياً بمزاولة وتفعيل الأحكام الشرعية الممكنة والمسوح بها والتي لا تتعارض مع قوانين وأعراف الدولة في حياته اليومية، وإن صدر قانون بذلك، دون المقارنة ببعض الدول التي يطلق عليها إسلامية من حيث عدد السكان كتركيا مثلاً.
والواقع الحالي المنظور يبيَّن بالفعل أن الجالية الإسلامية بالغرب حصلت على مكاسب مهمة ومتنوعة وكثيرة، كما ويوجد من يمثل الجالية ـ إسلامياً ـ أمام الحكومة والدولة، ومنَّا من يمثلنا في موضع صنع القرار والمجالس البرلمانية والتشريعية، غير أن المناخ بصفة عامة ليس لصالحنا، فنحن لسنا فاعلين بل مفعول بنا ولايصح أن ننتظر حتى تأتي الأحداث سواء أكانت تصريحات المسؤولين أو أعمال يطلق عليها فنية أو ما يندرج تحت حرية التعبير والرأي أو حرية الصحافة، أو أسئلة من جهات حكومية، حول ماذا يحل للمسلم أن يفعله أو يقوم به؟، ثم نقوم برد الفعل، بل يجب من الآن أن ندرس الوضع الحالي ونعدله كما نرى نحن، وليس كما يراد لنا، طالما أردنا البقاء في البلاد، وتمتعنا بحقوق المواطنة والزمنا انفسنا بواجباتها، فأعضاء الجالية على جميع مستواياتها العلمية والمهنية يحملون جنسية الدولة التي يعيشون فيها وعليهم نفس الواجبات كدفع الضرائب لخزانة الدولة مثلا، ولهم نفس الحقوق كإنتخاب الرئيس والمجالس النيابية، فالكل أمام القانون سواء، مع وضوح الرؤية المستقبلية لوضع الخطوط الأساسية العريضة للأجيال القادمة، ووضع الإستراتيجية الضرورية لما يجب عليه أن يكون، وكذلك يجب علينا أن نعرِّفَهُم من نحن، ونعرف من هم.
نحن، مسلمي الغرب في الوقت الراهن نقف أمام معضلة عسيرة إن لم تكن مستحيلة الحل، ألا وهي أننا نعيش في كنف الغرب وتحت ظل حمايته، ومع علمنا الكامل نظرياً بأن الرازق هو الله، إلا أننا لا نترجم ذلك عمليا في سلوكنا، ولخوفنا الشديد على ارزاقنا سرنا نقبل بمسائل عدة لا تتفق مع إسلامنا، ونقوم بأعمال تخالف صريح نصوص الشريعة السمحاء، فنحن الأن في وضع ضعيف للغاية لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ويفعلون بنا كما تفعل الريح العاصف بريشة عصفور، ثم وما يملى علينا سواء كنا أفراد أو حكومات نقبل به وننفذه دون أدنى حرج أمام الله أو أمام أنفسنا، إلا ثلة ترى الحق حقا وتتبعه.
وبالرغم من أننا نعيش في هذا الواقع المذكور، إلا إنه يجب علينا، نحن مسلمي الغرب، ونحن نعيش بين أظهرهم أن نقدم هذه الدراسة الواعية والمدعمة والمستندة إلى الأدلة القطعية التي ثبتت في كتبهم أو على لسان علمائهم، أو مانراه صحيحا وفق منهجية بحث ملتزم بالقواعد والأصول، حيث جاء الأمر الالهي بقوله سبحانه وتعالى: { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين } [سورة النحل: آية 125]، ثم بيَّنَ سبحانه وتعالى حال بعض الناس فقال: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [سورة الحج: آية3]، ثم يؤكد سبحانه وتعالى مرة ثانية بكلمات واضحات فيقول: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِير } [الحج:8]، هذا أولا، أما ثانيا فقد جاء الأمر ابتداءً: { وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون } [سورة العنكبوت: آية 46]، وبنزول هذا الآيات البينات صار الأمر ملزما لمن يملكون آلة المجادلة وأدوات البيان، أن نجادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن، ونبين الحق عن بينة واضحة كالشمس في رابعة النهار. وحيث أننا نسير على هدي رسول الإسلام وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم فقد نطق الوحي: { قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } [سورة الأنعام: آية 57]، ونحن نقف أمام كلمات الخالق الرازق فهو الذي يقول: { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون} [سورة المائدة: آية 82]

ولعل تصريح المستشار السابق الألماني "هلموت كول" الذي يقول فيه أن "الإتحاد الأوروبي هو نادي مسيحي" يلزمنا مرة ثانية أن نعرف فعلا من هم القوم الذين نعيش ونتعايش معهم.
كما وأن قول بابا الفاتيكان بأننا ـ نحن المسلمين ـ علينا أن نأخذ بالتجربة النصرانية، وجاء خطابه بصورة طلب، فهو يطالب الإسلام "أن يتبع نفس الطريق التي سلكتها وأتمتها الكنيسة الكاثوليكية تحت ضغوط عصر التنوير" تلزمنا مرة ثالثة بالبحث في أساس العقيدة النصرانية.
ومن هنا جاء هذا البحث.


**








النصرانية

مسيحية بولس

التصفية والتربية :

إن الأساس الذي بنيت عليه هذه الدراسة "التصفية": هو دعوتنا أن نعود للحق، وأن نخلِّص معتقدات البشرية مما تسرب لها من أخطاء وما قادها لإنحراف، ليحلَّ الوفاق محل الخلاف، والوئام محل الصراع. ونحن نعتقد أن العقيدة الصـحيحة معروفة لكثيرين من قادة "الأديان"، ولكن الاحتراف وحب الدنيا وزينتها يُزَيِّنان الباطل ويدفعان لتأييد الإنـحراف (1).

ولهذه التصفية شقان :
الشق الأول :
متعلق بما يطلق عليه "الأديان" كاليهودية والمسيحية وغيرهما، والإنحراف الذي تم في العقيدة والعبادة عند معتنقي هذه الديانات!!.
أما الشق الثاني :
فمتعلق بعقول المسلمين وقلوبهم وما علق في عقيدتهم من أنواع الشرك والتقرب إلى الله بما لم يشرعه، وجحد الصفات الإلهية وتأويلها، والسلوكيات الخاطئة التي تمارس مع مخالفتها للهدي النبوي (2).
وهذه "التصفية" وحدها لا تكفي، بل يجب أن يضاف إليها واجب آخر، ألا وهو "التربية"، فيجب تربية الجيل الناشئ ـ خاصة الجيل الثاني والثالث من أبناء الجالية في الغرب - على هذا الإسلام المصفى من أي شائبة - سواء في العقيدة الإسلامية أو الفقه الإسلامي ـ تربية إسلامية صحيحة منذ نعومة أظفاره، دون أي تأثر بالتربية الغربية.

وعليه فليكن مسمانا لهذه السلسلة "التصفية والتربية".

وإني لأرجو بواسطة هذه السلسلة أن أكون من المشاركين ـ مع ضعفي وقلة علمي ـ في القيام بهذين الواجبين: أعني "التصفية والتربية". فإذا كنا نعمل على استئناف الحياة الإسلامية في زمن الصحوة الإسلامية، فلابد اليوم من القيام بهذين الواجبين معاً.
بذرة هذه الدراسة جاءت إثناء محاضرات "مادة التاريخ" بالأكاديمية (3) الإسلامية في فيينا، إلقاء أستاذ المادة المحاضر: الأستاذ أنس الشقفة (4)، لإعداد معلمي الدين الإسلامي، وقد قمت ـ وافتخر إني كنت من طلبة هذه الأكاديمية ـ إثناء سنوات دراستي ما بين العام 1999-2002 ميلادية - ببحث من شقين تحت إشرافه، الأول بعنوان "النبي موسى عليه السلام، والشق الثاني مدينة القدس الشريف"، وإثناء بحثي لجمع المادة العلمية لهذا البحث تجمعت نقاط عدة كانت تحتاج لإجابة مقبولة، وكان إثناء المحاضرات يتفضل مشكوراً بالإجابة عليها لسعة إطلاعه وفهمه الصحيح لأحداث التاريخ وتراجم الرجال الذين لعبوا دوراً مهماً، وربطه الواعي بين أجزاء التاريخ ومقولات الرجال وسيرتهم.
وكان من هؤلاء الرجال " شاءول"ورسم لنا ـ نحن طلبة الأكاديمية ـ صورة موجزة عنه مشفعة بالأدلة من الكتاب المقدس. وإني لأعترف أن أستاذي ومعلمي البروفيسور أنس الشقفة ـ إثناء إلقاءه المحاضرات بالأكاديمية الإسلامية في فيينا - قد غرز في عقلي ووجداني، أُسس البحث العلمي النزية الخالي من أغراض التشهير أو التقليل من قيمة أحد، أو مهاجمة الأخرين وإن أختلفنا معا في العقيدة أو الرأي، كما ويجب إعتماد النصوص الصحيحة والمراجع الدقيقة، وأقوال العلماء. وفي المسائل المختلف عليها أو فيها نرجح غلبة الظن على ماتوصلنا إليه حسب قدرتنا دون جزم في المسألة طالما أختلف فيها من سبقنا، ونترك الباب مفتوحاً لمزيد من البحث والتدقيق للوصول إلى الحقيقة وإن أعيانا البحث وتنكبنا وعورة الطريق، وقصدنا من البحث الوصول إلى طمأنينة القلب وإقناع العقل وهدوء النفس لما توصلنا إليه من نتائج، ونترك البحث مفتوحاً لمن خالفنا فيما توصلنا إليه في بعض المسائل دون تعصب لرأينا ليظهر لنا ـ ونرحب بهذا بل نحث الباحث المخالف لنا عليه ـ صحة ما عنده وخطأ ما توصلنا إليه، ولكن يبقى لدينا أن رأينا صحيحاً وصواباً مادام لم تقم حجة تتحضه. وهي محاولة لفتح باب الحوار بصورة آخرى غير الحالية.
وأظن أن هذه المحاولة (5) لفتح حوار هادئ بين عقلاء القوم ومثقفيهم ستأتي بثمرة طيبة الريح حلوة المذاق تروي العطشان، عطش الروح وبحثها عن الحقيقة الخالدة، وتشبع الجوعان، جوعة الجسد لما فيه راحة وإنسجام مع الكون، وتقنع عقل الإنسان، شجرة هذه الثمرة: جذورها ثابتة في أرض الخصب والنماء وفروعها تعانق السحاب: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء } [ سورة إبراهيم: آية24].

الشخصية المحورية :

طبيعة البحث تلزمنا التعرض بشكل كامل عن الشخصيات المحورية والتي وضعت خطوط أساسية لمسيحية اليوم، من هذه الشخصيات الهامة "شاءول"، وبعض الكُتَّاب (6) ترى أن:"أحوال حياة شاءول المبكرة في شبة ظلام، ... ففي الوقت المبكر من حياته ظل عدواً لدوداً للمسيح وتلاميذه، ... ثم انقلب مؤمناً به مع الإخلاص، ... فبدأ يكاتف الحواريين في التبشير بالمسيحية، حتى عد أكبر قائد للمسيحية". لذلك قمت بهذه الدراسة لأهمية دور شاءول/بولس، فهو المؤسس الحقيقي للديانة المسيحية، لذا رأينا أن نبدأ هذا البحث بترجمةٍ عنه، ثم نكمل بقية نقاط البحث في مسيحية اليوم.

مدخل للموضوع :

بعدما رُفعَ المسيح (7) عليه الصلاة والسلام، واشتد الإيذاء والتنكيل بأتباعه وحوارييه بوجه خاص؛ حيث قُتل يعقوب بن زبدي أخو يوحنا الصياد فكان أول من قتل من الحواريين، وسجن بطرس، وعذب سائر الأتباع، وحدثت فتنة عظيمة لتلاميذ المسيح عليه الصلاة والسلام حتى كادت النصرانية (8) أن تفنى. في ظل هذه الأجواء المضطربة أعلن شاءول الطرسوسي اليهودي الفريسي، صاحب الثقافات الواسعة بالمدارس الفلسفية والحضارات في عصره، وتلميذ أشهر علماء اليهود في زمانه جمالائيل، أعلن شاءول الذي كان يُذيق أتباع المسيح سوءَ العذاب، إيمانه بالمسيح بعد زعمه رؤيته عند عودته من دمشق، مؤنباً له على اضطهاده لأتباعه، آمراً له بنشر تعاليمه بين الأمم، فاستخف الطرب النصارى، في الوقت الذي لم يصدقه بعضهم، إلا أن برنابا (9) الحواري دافع عنه وقدمه إلى الحواريين فقبلوه، وبما يمتلكه من حدة ذكاء وقوة حيلة ووفرة نشاط استطاع أن يأخذ مكاناً مرموقاً بين الحواريين وتسمى بـ "بولس" (10).

فمن هو شاءول؟

شاءول هو يهودي روماني من الفريسيين، أحد طبقات اليهود العليا، لم ير عيسى عليه السلام، ولا سمعه يبشر الناس جاء ولعب دوراً قبل أن توشك نصرانية عيسى عليه السلام أن تدخل عالم النسيان، لما لحقها من إضطهاد وأذى، وشاءول ذاته كان أحد العناصر الناشطة في ملاحقة أتباع عيسى عليه السلام وتعذيبهم وزجهم في السجون، بل وموافقته على قتلهم بتأييد من رؤساء الكهنة اليهود.
أول ما نذكره عن شاءول هو مقتطفات مما كتبه هو عن نفسه أو كتبها عنه تلميذه الطبيب الحبيب "لوقا"، ننسق بها تعريفا به، قال بولس:"أنا يهودي فريِسي ابن فريسى على رجاء قيامة الأموات" (أعمال الرسل 23 :6.)
فشاءول ـ الذي سمى فيما بعد بولس - هو في الحقيقة مؤسس المسيحية، ونص عبارة Wells:" أن يسوع الناصري هو نواة المسيحية أكثر منه مؤسساً" (11).
فمسيحية اليوم، مسيحية الكنائس، الذي انشئها ووضع أسسها ومدِّون قوانينها هو شاءول الذي سُمِّيَ فيما بعد بولس.
يقول عنهBerry :"إنه هو في الحقيقة مؤسس المسيحية"، ويقول عنه Wells :" إن كثيراً من الثقات العصريين يعدونه المؤسس الحقيقي للمسيحية" (12).
وستكون ترجمتنا لبولس مأخوذة من رسائله المعتمدة لدى الكنائس. فالكلام عن مؤسس هذه الديانه: "بولس الرسول"، الرجل الذي له ابتكارات في المسيحية، وله نقاط ابتدعها مثل:
أن المسيحية ليست ديناً لبني إسرائيل فقط، بل هي دين عالمي (13)،
أوجد صورة جديدة اقترحها للسيد المسيح عيسى عليه السلام (14) والذي رسم للمسيح هذه الصورة هو بولس الذي سنتكلم عنه فيما بعد، وهي صورة قلبت الفكر الذي ينسب للمسيح، فالأب بولس إلياس في كتابه "يسوع المسيح" ص 17-18 وهو رائد مسيحي وقس متبحر يصدقُ القول عندما يقول:" إن المسيح الذي نتكلم عنه الآن هو "مسيح بولس". وفيما يلي عبارة الأب بولس إلياس:" لقد ترك لنا بولس الرسول عن المسيح رسما واضح القسمات وإن اختلف ظاهرا عن رسم مسيح الأناجيل، فمسيح بولس هو مسيح الإيمان أكثر منه مسيح التاريخ. ولا عجب فــبولس الفيلسوف واللاهوتي لم يرالمسيح في الجسد ولا رافقه كباقي الرسل، فمسيحه هو ابن الله ( روما 8 :3 و 23-غلاطية 4:4) له طبيعتان إلهية وإنسانية، تجسَّد واتخذ صورة عبد (فيلبى 2 :7) وتحدَّر من ذرية إبراهيم حسب الجسد ( غلاطية 3: 15 ) ومات مصلوبا وقُبِر وقام من بين الأموات ( كورنثوس الأولى 1 : 24، 27, وفليبى 15 ) (15).
نعم ذلك هو مسيح بولس وليس عيسى ابن مريم عليه السلام.(16)
مسألة التثليث، ويتبع ذلك ألوهية المسيح، وألوهية الروح القدس، وكوْن عيسى ابن الله ونزوله ليضحي بنفسة تكفيراً عن خطيئة البشر،
قيامة عيسى من الأموات وصعوده ليجلس على يمين أبيه كما كان من قبل ليحكم ويدين البشر،
وإدخاله على "ديانته !" تعليمات أخرى تزيل الهُوَّة بين ديانات بني إسرائيل وأفكار الأمم المختلفة الذي فُتِحَ لهم باب المسيحية، وبخاصة الوثنيون الأوربيون واليونانيون، واقتبس الكثير من طقوسهم (17)، وأتباع ديانة "متراس" وغيرهم.
ولم يقف دوره عند هذا الحد، فلم يكتف بأن يضع مبادئ المسيحية وشعائرها، بل قام بدور كبير في التشريع، فشرَّع قوانين للمسيحيين يتبعونها في حياتهم العامة، نجمل بعض النقاط منها:
أوصى بما نراه اليوم في الكنائس من: التسابيح، والأغاني الروحية، والمزامير، والتراتيل (18)،
عدم وجوب الختان (19)،
يجيز الزواج للأساقفة (20)،
يقرر بوضوح أن الرجل أفضل من المرأة، وأنها خلقت من أجله (21).
فهو كان أحياناً ينسب آراءه إلى عيسى !! وكان أحياناً يعترف بأنه يشرِّع من عنده هو وبرأيه (22).


**


شاءول/بولس مؤسس المسيحية

1. العائلة :
وُلدَ مولودٌ من أبوين يهوديين أصلهما من الجليل. فاثبت ذلك فَقَالَ عن نفسه:« 39 أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ » (أع 21 :39)، من قبيلة بنيامين « 1أَنَا أَيْضًا إِسْرَائِيلِيٌّ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ » (رو 11 :1 )، ( غل 3 :5)

2. المدينة التي وُلد فيها :
فهو وُلد في طرسوس (23) في آسيا الصغرى (تركيا القديمة) ويقول: «3 أَنَا ... وُلِدْتُ فِي طَرْسُوسَ. » (أع 22 :3). وطرسوس في كيليكية. مدينة معروفة، فقال: «39 أَنَا رَجُلٌ ... طَرْسُوسِيٌّ، مِنْ أَهْلِ مَدِينَةٍ غَيْرِ دَنِيَّةٍ مِنْ كِيلِيكِيَّةَ ». (أع 21 :39).

3. زمن المولد :
مسقط رأسه لا خلاف عليه فهوالقَائل: « 3...وُلِدْتُ فِي طَرْسُوسَ كِيلِيكِيَّةَ » (أع 22 :3 )، أما زمن مولده، ففيه خلاف:
3. 1. وتحقيق ذلك كالتالي:
أنه في مقتل استفانوس كان بعد شابًّا، كما ورد في الإصحاح السابع من سفر أعمال الرسل: « 59فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ:« أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي ». « 60ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: « يَارَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ ». ثم يكمل في نفس السفر، الإصحاح الثامن بقوله: « 1وَكَانَ شَاوُلُ رَاضِيًا بِقَتْلِهِ. » (أع 8 :1) أي كان ذلك في سنة 33 - 34 بعد الميلاد أو 35 - 36، أي كان شابًّا (حوالي 30 سنة).
ثم في سنة 62 - 63 يسمّي نفسه شيخًا: « 9إِذْ أَنَا إِنْسَانٌ هكَذَا نَظِيرُ بُولُسَ الشَّيْخِ » (فلم: 9).
فمعنى ذلك أنه وُلد في أولى سنوات الزمن المسيحيّ.

3. 2. ولهذا أختلف في سنة مولده، على رأيين :
3. 2. 1. الأول منهما: قيل إنه وُلدَ في العام الـرابع الميلادي: أي ولد في مدينة طرسوس بتركيا القديمة في عام 4م. فيكون مولده في الـ 4م، ومماته في العام الـ 64م.
3. 2. 2. أما القول الثاني فنحو السنة العاشرة للميلاد، فيكون مولده في العام الـ 10م، ومماته (24) في العام الـ 67م.

4. أب وأم المولود :
هذا الرجل كان يهودي الأب والأم. فكان والداه عبرانيّين: « 5عِبْرَانِيٌّ مِنَ الْعِبْرَانِيِّينَ. » (فل 3: 5) أي من اليهود الذين يتكلّمون الأراميّة، ومن الفريسيّين فوصف نفسه قائلاً: « 6أَنَا فَرِّيسِيٌّ ابْنُ فَرِّيسِيٍّ.» (أع 23 :6 )، وذكر أيضا:« 5مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ. » (فل 3 :5 ).
4. 1. وهو يصف هؤلاء الفريسيين بقوله: «5 ويَعْرِفونَ، منْ زَمَنٍ بَعيدٍ - لو شاءُوا أَنْ يَشْهَدوا - أَنّي قد عِشْتُ على أَضْيَقِ مَذْهَبٍ في دِينِنا... فَرِّيسيًّا» (أعمال الرسل 26: 5)
4. 2. كان والده مواطنًا طرسوسيًّا: فيصف نفسه بقوله:«39 أَنَا رَجُلٌ ... طَرْسُوسِيٌّ » (أع 21 :39) ومواطنًا رومانيًّا، وفق الرواية التي وردت في سفر أعمال الرسل:« 25فَلَمَّا مَدُّوهُ لِلسِّيَاطِ، قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ الْوَاقِفِ: « أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَانًا رُومَانِيًّا غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ؟ » « 26فَإِذْ سَمِعَ قَائِدُ الْمِئَةِ ذَهَبَ إِلَى الأَمِيرِ، وَأَخْبَرَهُ قَائِلاً: « انْظُرْ مَاذَا أَنْتَ مُزْمِعٌ أَنْ تَفْعَلَ! لأَنَّ هذَا الرَّجُلَ رُومَانِيٌّ ». « 27فَجَاءَ الأَمِيرُ وَقَالَ لَهُ: « قُلْ لِي: أَنْتَ رُومَانِيٌّ؟ » فَقَالَ: « نَعَمْ ». « 28فَأَجَابَ الأَمِيرُ: « أَمَّا أَنَا فَبِمَبْلَغٍ كَبِيرٍ اقْتَنَيْتُ هذِهِ الرَّعَوِيَّةَ ». فَقَالَ بُولُسُ :« أَمَّا أَنَا فَقَدْ وُلِدْتُ فِيهَا ». (أع 22:25 - 28).
هذا يعني أن والده كان رجلاً ميسورًا، بل نحسبه هو كذلك لما ورد من قوله: « 8بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ » (فل 3 :8).


5. اسمه :
تسمّى باسم شاءول، أي سأله والداه وطلباه. في اليونانيّة: ساولوس. وتسمّى في الوقت نفسه باسم رومانيّ: بولس: « 9وَأَمَّا شَاوُلُ، الَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضًا ». (أع 13 :9)
فيكون اسمه قبل الهداية وقبل أن يعتنق المسيحية: شاءول. وبعد أن درس على يد معلمه جملائيل دُعي فيما بعد بولس.

6. ختانه :
وكما جاء في الإنجيل: سفر اَلاَّوِيِّينَ، الإصحاح الأول:« 1وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: «2 كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: إِذَا حَبِلَتِ امْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَرًا، تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ عِلَّتِهَا تَكُونُ نَجِسَةً. «3وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُخْتَنُ لَحْمُ غُرْلَتِهِ» (لا 12 :3)، فعلى شريعة موسى يختن الولد الذكر، لذلك خُتن شاءول في اليوم الثامن بعد ولادته « 5مِنْ جِهَةِ الْخِتَانِ مَخْتُونٌ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ. » ( فل 3 :5 ).

7. ديانته :
وعلى الرغم من أنه روماني الجنسية فإنه كان يهودي الديانة. يخبر عن نفسه بالقول في رسالته إلى أهل غلاطية، الإصحاح الأول: « 13فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَبْلاً فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ ... «14وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي».

7. 1. اليهود عند بولس كما يخبر عنهم :
يصف اليهود بقوله: فقالَ أَغْريبا لبولُس: « 1مَأْذونٌ لكَ أَنْ تُدافِعَ عن نَفْسِك حينَئذٍ بَسَطَ بولسُ يَدَهُ، وأَخَذَ يَحْتَجّ « 2إِنِّي أَحْسَبُ نَفْسي سَعيدًا، أَيُّها المَلِكُ أَغريبا، لأَنّي أَحْتَجُّ اليومَ أَمامَكَ عن كلِّ ما يَشْكوني بِهِ اليَهود؛ «3ولاسِيَّما وأَنْتَ خَبيرٌ بجميعِ ما لِلْيَهودِ من عاداتٍ ومُماحَكات». (أعمال الرسل 26)
ويصف نفسه في صغره فيقول: « 4إِنَّ ما كانَتْ عليهِ سيرَتي مُنْذُ نُعومةِ أَظْفاري، في أُمَّتي وفي أُورَشَليمَ، لَمَعْروفٌ عندَ جَميعِ اليهود. «5ويَعْرِفونَ، منْ زَمَنٍ بَعيدٍ - لو شاءُوا أَنْ يَشْهَدوا - أَنّي قد عِشْتُ على أَضْيَقِ مَذْهَبٍ في دِينِنا... فَرِّيسيًّا » (أعمال الرسل 26).

8. تعليمه :
ومنذ حداثته تعلّم اليونانيّة، لغة التعامل اليوميّ في طرسوس. وقد درس اللغة العبرية في شبابه. وتعلّم أن يقرأ بها.

9. دراسته :
درس الفلسفة على يد أشهر معلميها في زمانه.

10. معلمه :
درس الفلسفة والفقة على العالم الشهير جملائيل (25) في اورشليم.

11. تربيته :
وتربّى على ممارسة شريعة موسى عليه السلام وفرائض الآباء ممارسة دقيقة. وحسب العادة اليهوديّة، وبسبب تربيته الفرّيسيّة، فليس من الأكيد أنّه ذهب إلى المدارس اليونانيّة العديدة في بلدته، أفسس التي كانت مركزًا هلينيًّا هامًّا. ولكن نقدر أن نفترض أنه ذهب إلى مثل هذه المدارس بسبب معرفته الواسعة للغة اليونانيّة وأفكارها ولأساليب الجدال.
فهو يورد بعض اسماء كتّاب اليونان مثل أراتوس: « 28كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضًا لأَنَّنَا أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ» ( أع 17 :28)، ومثل مـيـنـانـدريس: «33لاَ تَضِلُّوا: «فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْـلاَقَ الْجَـيِّدَةَ» (1كور 15 :33)، ومثل أبـيـماناديس: « 12قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ نَبِيٌّ لَهُمْ خَاصٌّ: « الْكِرِيتِيُّونَ دَائِمًا كَذَّابُونَ. وُحُوشٌ رَدِيَّةٌ. بُطُونٌ بَطَّالَةٌ» (تي 1 :12) ولكن هذه الأقوال لا تبرهن على أنّ بولس قرأ مؤلّفات هؤلاء الكتّاب.
نجهل متى أرسِل بولس إلى أورشليم ليتعرّف إلى الكتاب المقدّس والتقليد وأساليب الرابينيّين بطريقة عميقة. ولكنه على كل الأحوال في تلك المدينة كان تلميذَ جملائيل: « 3أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ ... وَلكِنْ رَبَيْتُ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ مُؤَدَّبًا عِنْدَ رِجْلَيْ جَمَلاَئِيلَ عَلَى تَحْقِيقِ النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ. » (أع 22 :3)، وفي طبعة البشارة ورد النص كما يلي: « تربيته على يد الحاخام اليهودي غماليئل »، فيقول في سفر أعمال الرسل: « ... باللُّغةِ العِبْريَّةِ ... ». « 3إِنّي رجُلٌ يَهودِيٌّ، وُلِدْتُ في طَرْسوسَ بكيليكِيةَ، بَيْدَ أَنّي رَبيتُ في هذِهِ المَدينَةِ، وتأَدَّبْتُ بدِقَّةٍ لدى قدَمَيْ غَمالِئيلَ على ناموسِ آبائِنا؛ وكُنتُ غَيورًا للهِ كما أَنتمُ اليومَ جَميعُكُم » وبقيادته دخل في الأساليب التأويليّة لدى الرابينيّين وصار عضوًا في شيعة الفريسيّين: « 5مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ » (فل 3 :5)، فاهتمّ بممارسة الشريعة وتقليد الآباء ممارسة دقيقة: « 14وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي » (غل 1 :14)؛ « 3أَنَا ... رَبَيْتُ ... مُؤَدَّبًا عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالاَئِيلَ عَلَى تَحْقِيقِ النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ » (أع 22 :3).
إذاً فهو تلقى علومه في القدس متتلمذاً على يد الحاخام الشهير جملائيل والذي يظهر من سرد الخبر إنه مكث مدة طويلة عند معلمه كي يتربى على ممارسة شريعة موسى ويمارس فرائض الأباء تلك الممارسة الدقيقة، وبتعلمه الفقه والفلسفة يكون قد حصل على قدر كاف من هذه العلوم، وبتمكنه من اللغة اليونانية والعبرية، يكون قادرا على قراءة وفهم المعتقدات والأفكار والآراء والمفاهيم السائِدة في تلك الحقبة التاريخية.

12. ثقافته :
تثقّف الولد في اللغة العبرانيّة كان يتكلّمها بولس بطلاقة: « 40وَقَفَ بُولُسُ عَلَى الدَّرَجِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّعْبِ، فَصَارَ سُكُوتٌ عَظِيمٌ. فَنَادَى بِاللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ» (أع 21 :40).
فهو كان شاباً نشأ في مجتمع بني إسرائيل عندما كان عيسى المسيح عليه السلام رسول الله إلى اليهود. وقد تعلم ناموس موسى عليه السلام عبدالله ورسوله، وأصبح مرتبطاً بحركة الأصوليين في أيامه، وفي ذلك الوقت كان يعرف باسم شاءول!?.

12. 1. لغاته و ثقافته :
كانت اليونانية هي لغة الثقافة في أنحاء الإمبراطورية الرومانية الشرقية هذا إلى جانب لغة البلاد الأصلية، ويجمع الباحثون النصارى أن بولس كان يجيد اليونانية المنتشرة بين أهل بلدة طرسوس إلى جانب معرفته بلغة قومه العبرية (لغة الناموس) فلقد كان يدرس التوراة باللغة العبرية في حين يذهب بعض الباحثين أنه في كتاباته ورسائله قد اقتبس من التوراة السبعينية والمكتوبة باللغة اليونانية وإن كان هذا غير أكيد فلعل هذا راجعا إلى اختلاف ترجمة بعض أقواله حسب المذاهب المسيحية المختلفة. وقد سهل له ذلك اطلاعه على كتب الفلسفة اليونانية القديمة والتي كانت لها أكبر الأثر في حياته المستقبلية وأفكاره كما سنرى (26).

13. حرفته :
وحسب التقليد اليهوديّ، تعلّم بولس مهنة هي صنع الخيام: « 1وَبَعْدَ هذَا مَضَى بُولُسُ مِنْ أَثِينَا وَجَاءَ إِلَى كُورِنْثُوسَ، «2فَوَجَدَ يَهُودِيًّا اسْمُهُ أَكِيلاَ، بُنْطِيَّ الْجِنْسِ، كَانَ قَدْ جَاءَ حَدِيثًا مِنْ إِيطَالِيَة، وَبِرِيسْكِلاَّ امْرَأَتَهُ، لأَنَّ كُلُودِيُوسَ كَانَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يَمْضِيَ جَمِيعُ الْيَهُودِ مِنْ رُومِيَةَ، فَجَاءَ إِلَيْهِمَا. 3وَلِكَوْنِهِ مِنْ صِنَاعَتِهِمَا أَقَامَ عِنْدَهُمَا وَكَانَ يَعْمَلُ، لأَنَّهُمَا كَانَا فِي صِنَاعَتِهِمَا خِيَامِيَّيْنِ » (أع 18 :1 – 3). كان يقوم بجمع القماش أو بحياكته. وقد عُرفت كيليكية بالكيليكيات أي هذا القماش المنسوج من شعر الماعز. ومن هذا القماش كانوا يصنعون الخيام ومعاطف السفر.

14. مهنته :
انتقل إلى أورشليم ليدرس اللاهوت اليهودي، وصار معلماً لأصول الدين، وتفرغ لهذه المهنة في طرسوس (24-34م)

15. صفاته :
فشاءول يمتاز بأنه صاحب دراية في السياسة والابتكار (27). وبدراسة رسائل شاءول/بولس العديدة بالإضافة الى سفر أعمال الرسل يتبين لنا أنه قد تميز بثلاث مزايا عمن عاصره من الحواريين أو من جاءوا بعده من القديسين وعلماء النصارى:
كان نشيطا دائم الحركة لا يكل من كثرة الأسفار،
ذكي، فطن، بارع الحيلة، ذو فكر، متصرف يدبر الأمور بذكاء،
قوي التأثير على نفوس الناس وعلى أهوائهم، قادر على قلب دفة الحوار إلى ما يريد. وبذلك استطاع أن يكون محور الدعاة المسيحيين، واستطاع أيضا أن يفرض كل ما ارتآه على مريديه فيعتنقوه دينا ويتخذون قوله حجة دامغة.
وبهذه الصفات أيضا استطاع أن يحمل صديقه برنابا على أن يصدقه فيما رواه له عن رؤيته للمسيح، ومن ثم فقد احتل المرتبة الأولى بين تلاميذ المسيح الذين عاصروه وأخذوا تعاليمهم منه.
فبهذه الصفات القوية استطاع أن يحملهم على نسيان ماضيه الدموي مع اخوانهم النصارى (28) وأن يندمغوا في شخصه حتى يصير هو كل شيء فلا يستطيع أحد رد مقولته في الجماهير حتى صارت كلماته وأفكاره هي عماد المعتقدات ومراسي الفكر وبداية ونهاية المطاف (29).

هذا هو شاءول، الذي موطنه طَرْسُوسَ من مقاطعة كِيلِيكِيَّةَ الرومانية.
بعد هذا التجوال مع شخصية شاءول منذ مولده إلى شبابه، نصل إلى أنه أصبح:

16. رسول يسوع المسيح :
ثم يصف نفسه في رِسَالَتة إِلَى تِيطُسَ، الأصحَاحُ الأَوَّلُ: « 1بُولُسُ، عَبْدُاللهِ، وَرَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ».
أردنا من هذا الوصف الدقيق - لهذا اليهودي الطرسوسي الروماني الفريسي شاءول/بولس ـ منذ ولادته حتى شبابه رسم صورة واضحه عنه ليتسنى لنا بعد ذلك توضيح الدور المحوري والتغيير الجذري الذي قام به في إلباس السيد المسيح ثوبا جديدا، غير الثوب الذي بشر خالقه به أمه العذراء البتول في قوله سبحانه وتعالى: { إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِين }، { وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِين }، { قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون }، { وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيل }، { وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين }، { وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُون }، { إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم } [سورة آل عمران: الآيات 45 51] ثم بإيجاد مسيحية جديدة، ما أنزل الله بها من سلطان.

سنحاول ـ بعون الله تعالى وتوفيقه ـ إثبات ذلك في الفقرات القادمات، وبالدليل والبرهان، ولا نبغي إلا رضوان الله تعالى، ولا نخشى في الله لومة لائم. ونريد من هذا البحث - إذا أعاننا الله سبحانه وتعالى على إتمامه ـ التصفية والتربية، التصفية الخالصة مما يشوب العقيدة، والتربية الصحيحة على منهاج النبوة، خاصة والجيل الثاني والثالث من أبناء الجالية يحتاج حقاً، فضلا عن المسيحيين أنفسهم لمثل هذه الأبحاث لتظهر الحقيقة الكاملة { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد } [سورة ق: آية 37]

ملخص هذا الجزء من بحث "مؤسس المسيحية :

ولد بولس لأبوين يهوديين في مدينة طرسوس في آسيا الصغرى (تركيا القديمة) تقريبا في العام الرابع للميلاد، ونشأ فيها من أصل عبراني خالص فيجمع أغلب المؤرخين النصارى أنه لم يكن هناك أصل أممي في أجداده أبدا، وتعلم حرفة صنع الخيام لسهولتها وقلة رأسمالها أنذاك، ويقول مؤرخي النصارى أيضا أن أبوه قد وهبه لدراسة الناموس منذ صغره، وعندما شب أرسله إلى أورشليم (القدس)، فأكمل تعليمه عند رجل يدعى جمالائيل أحد أشهر معلمي الناموس في أورشليم.
فيقول سفر أعمال الرسل عن لسان بولس: « أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ وُلِدْتُ فِي طَرْسُوسَ كِيلِيكِيَّةَ وَلَكِنْ رَبَيْتُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ مُؤَدَّباً عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالاَئِيلَ عَلَى تَحْقِيقِ النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ. وَكُنْتُ غَيُوراً لِلَّهِ كَمَا أَنْتُمْ جَمِيعُكُمُ الْيَوْمَ.» ( اعمال 22/3)، ويقول أيضا عن صناعته: « ... وَلِكَوْنِهِ مِنْ صِنَاعَتِهِمَا أَقَامَ عِنْدَهُمَا وَكَانَ يَعْمَلُ لأَنَّهُمَا كَانَا فِي صِنَاعَتِهِمَا خِيَامِيَّيْنِ.» ( اعمال 18/3)، وكان اسمه فيما مضى (شاؤول)، ومعناه: (طالب) كما نفهم من سفر الأعمال، ثم أسمـى نفـسه بعـد تنـصره (بولس)، ومعناه (الصغير) وربما كان ذلك تواضعا. فيقول سفر اعمال الرسل عن هذا: « 7كَانَ مَعَ الْوَالِي سَرْجِيُوسَ بُولُسَ وَهُوَ رَجُلٌ فَهِيمٌ. فَهَذَا دَعَا بَرْنَابَا وَشَاوُلَ وَالْتَمَسَ أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ. «8فَقَاوَمَهُمَا عَلِيمٌ السَّاحِرُ لأَنْ هَكَذَا يُتَرْجَمُ اسْمُهُ طَالِباً أَنْ يُفْسِدَ الْوَالِيَ عَنِ الإِيمَانِ. «9وَأَمَّا شَاوُلُ الَّذِي هُـوَ بُولُسُ أَيْضـاً فَامْتَلأَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَشَخَصَ إِلَيْهِ » (اعمال 13/7-9). وتذكر كذلك أغلب المصادر أنه كان ذو غيرة على دينه أكثر من كل أقرانه اليهود كما قال عن نفسه في سفر أعمال الرسل. فهو كان يهودياً معادياً للنصرانية.(30)

المختصرات
) أع: أعمال الرسل
غل: رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية
_______
مراجع الفصل الأول :

1 . يراجع: د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية، ص297، ط 10، 1998م.
2 . يراجع: الشيخ محمد ناصرالدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السئ في الأمة، صفحة ترقيم "د"، المجلد الثاني، ط 5، 1412هـ - 1992م.
3 . أنشئت الأكاديمية الإسلامية، Islamische religionspädagogische Akademie, Neustiftgasse 117, A–1070 Wien فرع الأزهر في ولاية فيينا، العاصمة في جمهورية النمسا الإتحادية بموافقة الأزهر الشريف من جمهورية مصر العربية في سنة 1998 الميلادي.
4 . أنس بن حسن الشقفة: الرئيس الحالي للهيئة الإسلامية الدينية بجمهورية النمسا الإتحادية.
5 . كاتب هذه السطور يقوم الأن بترجمة هذا البحث للسان القوم الذين نعيش بين أظهرهم، اللغة الألمانية، وإن كنت أظن أن هذا العمل يحتاج لمجموعة عمل أكثر من قيام فرد به.
6 . محمد تقي العثماني، عضو مجلس القضاء الشرعي الأعلى لباكستان، ص 125، 22 ربيع الأول 1392هـ، طبعة رابطة العالم الإسلامي .
7 . "المسيح" سنخصص فصلا كاملا عن المسيح عليه السلام وفق ماورد عند بولس الرسول، وكما ورد في الأناجيل المعتبرة عند نصارى اليوم، والأناجيل الآخرى وآراء العلماء في هذه المسألة، مع مقارنة كل هذا بما ورد في كتاب الإسلام "القرآن الكريم " ، والسنة الصحيحة لنبي الإسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم.
8 . سيلاحظ القارئ الكريم أننا نستخدم تارة لفظة "المسيحية" وتارة آخرى لفظة "النصرانية"، والأولى إذا تحدثنا عن مسيحية بولس أما الآخرى فنقصد نصرانية عيسى.
9 . "برنابا" هو أحد محاور هذه الدراسة، ولنا معه فصل خاص به.
10 . الموسوعة الميسرة للأديان.
11 Outline of History vol 3 p. 679. . وأيضا د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية ص93، ط10، 1998م .
12 .695 Outline of History vol 3 p . د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية ص111، ط10، 1998م .
13 . رومية 1 :5، و 14-16، و 2 :25-29، و كورنثوس الأولى 13، و غلاطية 3 :26-29، و أفسس 2: 12، ومابعدها، و 33: 8، و كولوسي 3: 11. يراجع كذلك: د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية ص116، ط10، 1998م . وسنبحث هذه الجزئية بشئ من التفصيل في موضعها إثناء البحث، إن شاء الله تعالى.
14 . المسيح عند بولس هو (1.) ابن الله: روما 8: 3 و 23، و غلاطية 4: 4، (2.) له طبيعتان إلهية وبشرية ( إنسانية ) تجسَّد واتخذ صورة عبد: فيلبي 2: 7، (3.) وتحدَّر من ذرية إبراهيم حسب الجسد: غلاطية 3: 15، (4.) ومات مصلوباً وقُبِر وقام من بين الأموات: كونثوس الأولى 1: 24 وفيلبي 15. هذا هو مسيح بولس، وليس عيسى عليه السلام ابن مريم. كذلك يراجع: الأب بولس الياس، يسوع المسيح ص 17-18، وأيضاً د. احمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية ص106-107، ط10، 1998م .
15 . الأب بولس الياس : يسوع المسيح ص 17 -18
16 . يراجع د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية ص111- 117، ط 10، 1998م.
17 . يراجع كذلك: د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية ص95، ط10، 1998م .
18 . أفسس 5: 19. ويراجع كذلك: د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية ص127، ط10، 1998م .
19 . كورنثوس الأولى 7: 12-19. رومية 3: 1، ويراجع كذلك: د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية ص128، ط10، 1998م ).
20 . تيموثاوس الأولى: الاصحاح الثالث. ويراجع كذلك: د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية ص128، ط10، 1998م ).
21 . كورنثوس الأولى 11: 3-11، افسس5: 22-24، كونثوس الأولى 14: 34-35. يراجع كذلك: د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية ص128، ط10، 1998م .
22 . كونثوس الأولى، الإصحاح السابع، الفقرات 10، 12، 25. يراجع كذلك: د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية ص129، ط10، 1998م .
23 . وهي مدينة أسّسها الفينيقيون على كدنوس بالقرب من البحر. وارتبطوا معها بعلاقات تجاريّة منذ القرن التاسع ق.م. وانطبعت بالطابع الهليني في أيام السلوقيين فصارت مركزا جامعيا. في أيام انطونيوس صارت مدينة رومانية وعاصمة مقاطعة كيليكية الرومانية. وأقام فيها بولس بعض الوقت بعد اهتدائه: « ... وَأَرْسَلُوهُ إِلَى طَرْسُوسَ. 31وَأَمَّا الْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَالْجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ، وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ الرَّبِّ، وَبِتَعْزِيَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ. » (أع 9 :31 )؛ «25 ثُمَّ خَرَجَ بَرْنَابَا إِلَى طَرْسُوسَ لِيَطْلُبَ شَاوُلَ. وَلَمَّا وَجَدَهُ جَاءَ بِهِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ.» (أع11 :25).
24 . سنفسر هذه الجزئية "موت بولس" في فصل قادم إن شاء الله تعالى.
25 . تعمدنا ترك بعض الأسماء كما جاءت من مصادرها.
26 . طارق الشافعي: من هو بولس؟.
27 . د. أحمد شلبي، سلسلة من الكتب في مقارنة الأديان، الجزء الثاني: المسيحية ص 93، ط10، 1998.
28 . هذا ما سنوضحه في هذه السلسلة تحت عنوان: محاربة "شاءول" لأتباع السيد المسيح عيسى، وسطوه على الكنائس، بأقواله وأقوال تلميذه لوقا
29 . طارق الشافعي: من هو بولس؟ .
30 . طارق الشافعي: الفصل الأول من هو بولس ؟

**
الزواج عند بولس الرسول :
سقط سهواً إثناء مراجعتي الفصل الأول من بحث مؤسس المسيحية هذه الفقرة ، لذا وجب التنبيه
15. الزواج :
تتلمذ على يد المعلم اليهودي غملائيل الكاهن الفريسي اليهودي .. وتروي بعض المصادر أن بولس :" أحب ابنة معلمه غملائيل وأراد الزواج منها ولكن غملائيل رفض أن يزوجه ابنته .. فلم يتزوج بولس بعد ذلك وحث تابعيه على عدم الزواج .. حتى ذبح بالسيف في روما . وفي هذا يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل كورنثه : " إن من يزوج ابنته يأت عملا طيبا ، ولكن من لا يزوجها يأت ما هو خير … وإنه من الخير للرجل أن يظل أعزب ، إلا إن خاف الوقوع في الخطيئة … وإنني لأنصح للأيامى من الرجال والنساء أن يقتدوا بي فيظلوا على ما هم عليه، فإن لم يقو أحدهم على العفة فلا مندوحة له حينئذ عن الزواج ؛ فلأن يتزوج خير من أن يكون وقوداً لنار جهنم " . (الرسالة الأولى لبولس الرسول إلى أهل قورنثة، إصحاح 7، آية 38)
ويعلق ترتوليان على هذه الفقرة الأخيرة من رسالة بولس الرسول فيقول: " إن الأفضل من حالتين لا يلزم أن يكون خيرا في ذاته. فلأن يفقد الإنسان عينا واحدة أفضل من أن يفقد كلتا عينيه، ولكن فقد عين واحدة ليس من الخير في شيء، فكذلك الزواج: فهو لمن لم يقو على العفة أفضل من أن يحرق بنار جهنم؛ ولكن الخير أن يتقي الإنسان الأمرين معاً، فلا يتزوج ولا يعرض نفسه لعذاب النار. (1)
15 . 1 . زواج بولس :
يورد صاحب قصة الحضارة من أقوال بولس فقرة توحي ولكنها لا تثبت أنه قد تزوج :" ألََعَلَّنا { يقصد هو نفسه وبرنابا } ليس لنا سلطان ، نجول بأخت زوجة كباقي الرسل وإخوة الرب وصفا؟" ، ولكنه في فقرة آخرى يسمى نفسه عزباً وكان يشبه يسوع في تجرده من الشهوات الجسمية .!! " ولقد روع حين سمع بالشذوذ الجنسي بين الإناث والذكور . وسأل أهل كورنثه قائلا:" أولستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم ... فمجدوا الله في أجسادكم " ، وعنده أن بقاء البنات عذارى خير من الزواج ، ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا لأن التزوج أصلح من التحرق " ، وعليه يرى أن بولس يجيز الحب الجنسي ، ولكن لا يشجعه مطلقاً" (2)
ـــــ
(1) د. علي وافي ، بحث شبكة المعلومات ، العزوبة في اليهودية والمسيحية والإسلام
(2) وِل وَايريل ديورانت ، قصة الحضارة ، الحضارة الرومانية { قيصر والمسيح } ، عصر الإيمان ، الجزء الثالث من المجلد الثالث (ترقيم : 11) ، الكتاب الخامس : شباب المسيحية من 4 ق.م إلى 325م ، الفصل الثاني : بولس ، عنوان : 3: العالم الديني ، ص 266 ، ترجمة الأستاذ محمد بدران ، دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع ، 1408هـ ~ 1988م .
ــــ

**
الفصل الثاني :

محاربة شاءول لأتباع السيد المسيح عيسى عليه السلام ؛ وسطوه على الكنائس ؛ وموافقته على قتل القديسين.

تقصدنا في الفصل الأول من هذا البحث تحت عنوان « مؤسس المسيحية » ؛ التعرض بصورة تفصيلية عن نشأته وتربيته ؛ خاصةً أنه تتلمذَ على يدِ الحاخام الشهير جملائيل (رُسِمَ في الكتاب المقدس : غَمالائيل) وتعرفنا على لغاته التي تعلمها ومستوى ثقافته وصفاته الشخصية لنعطي صورةً واضحةً عن بولس/ شاءول للقارئ ، وهو تلقى تعليماً على يد الرابي "جَملِئيل" الأكبر من أحفاد هيّلل ، والذي يعتبر من أشهر المعلمين ومن كتبةِ التلمود ومدونِيه في المرحلة الثالثة من مراحل تدوين التلمود ؛ وهو أحد التنائيم ( المعلّمون ) من الجيل الأول فيما بين 10 – 80 بعد الميلاد ، وهذه التربية لها دورها الهام في تكوين عقليته وتهذيب نفسيته وفق تعاليم التوراة والتلمود ، فهو يهودي العقلية فريسي الهوية ، تشبع بتعاليم التلمود على يد أستاذه ومعلمه ، وهو اعلن عن ذلك بنفسة ، ويظهر لنا اطلاعه الواسع على الثقافات المتداولة في زمنه وإلمامه بديانات موجودة في بيئته وهي ملل وثنية ؛ وهذه ستأتي بمزيد بيان في موضعها من نقاط البحث .

تمهيد :

قامت دعوة المسيح - رسول الله - عليه السلام في فلسطين ، وأقبل الناس على دين الله عز وجل، وكان هناك من لا يرضى بهذا القبول الفطري فحدث إضطهاد وملاحقة وسجن وقتل لأتباع الدين الجديد، وبعد وفاة!!!(1) المسيح كان أتباعه يلقون التعذيب الشديد بتهمة الكفر، وقد ساهم بولس (2) (شاءول) في اتهام أتباع المسيح بالزندقة. ولم يكتفي بهذا بل تتبعهم وسجنهم وكان راضياً بقتلهم، فكان عدواً لـ "عيسى" عليه السلام، وعقيدته وفكره وآرائه، وعدواً لـ " أتباع المسيح " أتباع الـ " نصرانية " الذين آمنوا بعيسى ابن مريم نبياً ورسولا (3). وكما بيَّنا في الفصل الأول من هذا البحث؛ عن شاءول حين تتبعنا سيرته أنه ومنذ صغره تربي على مذهب معين فيقول: «4 مُنْذُ نُعومةِ أَظْفاري ... 5 عِشْتُ على أَضْيَقِ مَذْهَبٍ في دِينِنا ... فَرِّيسيًّا« (سفر أعمال الرسل 26 / 4 - 5). فتربيته كانت على نمط معين فيخبر عن نفسه بالقول: « 13فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَبْلاً فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ ... 14وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي. « (رسالة بولس إلى أهل غلاطية؛ الإصحاح الأول 13،14.). ويكمل الصورة وعن تربيته فيخبرنا: أنه تربّى على ممارسة شريعة موسى وفرائض الآباء ممارسة دقيقة، وحسب العادة اليهوديّة، والتربية الفرّيسيّة: (طبعة بشارة: صاحَ بُولسُ: « أَنا فَرِّيسِيٌّ ابْنُ فَرِّيسِيّ« (سفر أعمال الرسل 23/6) (4) . ويحدد كـشابٍ على يدِ مَنْ تربى، ففي "طبعة البشارة" ورد النص؛ حين يتحدث عن تربيته على يد الحاخام اليهودي جماليئل (5)، فيقول : «3إِنّي ... تأَدَّبْتُ بــ"دِقَّةٍ" لدى قدَمَيْ غَمالِئيلَ على ناموسِ آبائِنا؛ وكُنتُ غَيورًا للهِ كما أَنتمُ اليومَ جَميعُكُم« (سفر أعمال الرسل: 22/3)، وبقيادته ـ جمالئيل ـ دخل في الأساليب التأويليّة لدى الرابينيّين، وصار عضوًا في شيعة الفريسيّين: « 5مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ« (فل3/ 5)، فاهتمّ بممارسة الشريعة وتقليد الآباء ممارسة دقيقة «14وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي.« (غل 1/ 14)؛ «3أَنَا ... رَبَيْتُ ... مُؤَدَّبًا عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالاَئِيلَ(5) عَلَى تَحْقِيقِ النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ. « ( سفر أعمال الرسل 22/3).
والذي يظهر - لنا - من سرد الخبر إنه مكث مدة طويلة عند معلمه كي يتربى على ممارسة شريعة موسى ويمارس فرائض الأباء ممارسة دقيقة، وبتعلمه الفقه والفلسفة يكون قد حصل على قدر كاف من هذه العلوم، وبتمكنه من اللغة اليونانية والعبرية يكون قادرا على قراءة وفهم المعتقدات والأفكار والآراء والمفاهيم السائِدة في تلك الحقبة التاريخية. وكان متفوقاً على أترابه فيقول: « 14 ... كنتُ أَفوقُ، في المِلَّةِ اليهوديَّةِ، كثيرينَ من أَتْرابي في أُمَّتي« (رسالة بولس إلى أهل غلاطية 1/14، طبعة البشارة )
ونشأ شاءول من أصل عبراني خالصٍ فيجمع أغلب المؤرخين المسيحيين أنه لم يكن هناك أصل أممي في أجداده أبدا، وأنه روماني الجنسية، يهودي الديانة.
أردنا من هذا التمهيد أن نعين القارئ على تصور حال إنسانٍ تربى على نمطٍ معين في العبادة ومارس فرائض آبائه بدقة، وكان غيوراً وكأنه قد أُعدَ للقيامِ بدورٍ معين مستقبلي دون أن يدري، ولكنها على كل حال كانت هي التربية التي أرادها له الوالد وبرع فيها وفاق أقرانه، فلا عجب أن يقوم بما سيقوم به من واجب مقدس أملته عليه عقيدته وينفذ ما فعله بما تمليه عليه ديانته من متابعة أتباع السيد المسيح وملاحقتهم وسجنهم وبل الموافقة على قتل الصالحيين منهم.
فلنبدأ الفصل الثاني من بحث « مؤسس المسيحية « بالأدلة التي وردت في الكتاب المقدس وأقوال العلماء، ونتعمد نقل النصوص كما وردت ونرفع القلم عن كتابة ما يجول في خاطرنا أو إبداء رأي لنا؛ فالأصل في هذه المسألة تتبع ما ورد من أدلة في الكتب المعتبرة عند قومه وإن سمح لنا المقام فنحلل موقفا للوصول لحقيقة يقبلها العقل الفاهم .

مقدمة الفصل الثاني :

وباعتباره تلميذاً غيوراً، اكتسب شهرة بين القادة الدينين في أورشليم (القدس)، وأصبح قائداً بين أشد العناصر الأصولية في طائفته، وكان هدفه هو محو كل أثر لفكر جديد أو فساد يمكن أن يعصف بالتقاليد الدينية لشعبه وتفسيرهم للناموس.
وفي ذلك الوقت كانت تعاليم عيسى المسيح عليه السلام تنتشر في كل المنطقة، وكانت كلماته، كلمات الحق تعارض الرياء والتعاليم المضللة للكهنة اليهود، وعلاوة على ذلك كان الناس بعامة متأثرين بمعجزات السيد عيسى المسيح عليه السلام الحسية.
ونتيجة لذلك بدأوا في اعتناق تعاليمه التي ـ بالطبع ـ أغاظت القادة الدينيين؛ اليهود. وأصبح الموقف أسوأ بغياب عيسى المسيح. ولكن بوجود العديد من الناس أتباعاً للمسيح الذين صاروا يعرفون بأتباع الطريق : «4.. الطَّرِيقَ « - أزعج جداً الكهنة اليهود.
فكثف القادة الدينيون (اليهود) جهودهم للقضاء على هذه المشكلة المزعجة، وجندوا أحد شبابهم المتحمسين وانسبهم لهذا الدور، فكان شاءول.
وفي ذلك الوقت كان شاءول يحتدم بغضا لاتباع المسيح، فكان يعتبرهم أعداء الله القدير، لذلك اعتبر من واجبه الديني أن يستأصلهم ويقضي عليهم بأي ثمن، فكل وسيلة كانت مبررة طالما أنها كانت في سبيل الله وهذا الاقتناع أضاف وقوداً لحماسته.
تزعم شاول حملة ملاحقة المسيحيين الأوائل للقضاء على الكنيسة في مهدها. (1كور 1 :23، البشارة) الذي كان يكرز بالطابع المؤقّت للشريعة الموسويّة والعبادة اليهوديّة فكان يمقت ويضطهد كل مَن يخالف شريعة آبائه. ولإفراطه في الغيرة على سُنن آبائه فيقول عن نفسه: « إذْ كنتُ أَغارُ بإِفْراطٍ على سُنَنِ آبائي. « (رسالة بولس إلى غلاطية1 : 13. 14) تمت هذه المتابعة والملاحقة والمحاربة فقام شاءول بسجن وقتل أتباع السيد المسيح عليه السلام.
وهذا ما يوضحه لنا شاءول/ بولس في الفقرات التالية، فأول ما نذكره عن شاءول هو مقتطفات مما كتبه هو عن نفسه، وهذا هو الجزء الأول، أما الثاني فما كتبه عنه تلميذه الحبيب "لوقا"، وبالجزئين معا ننسق (6) بهما تعريفا به، وكيف كان حاله في محاربة الدين الجديد.

الجانب الأول :
مقاومة عقيدة وفكر السيد المسيح عيسى عليه السلام :
قال شاءول: «أُقاوِمَ؛ بكُلِّ وسيلَةٍ؛ اسْمَ يَسوعَ النَّاصِريّ.« (سِفر أعمال الرسل 26 /9)
فكان معادياً للنصرانية وتفرغ لهذه المهنة في طرسوس (24-34م) وفي هذه الأثناء قامت دعوة المسيح في فلسطين، ووضعت أسس الكنيسة في أورشليم. وتزعم حملة ملاحقة الأتباع الأوائل للقضاء على الكنيسة في مهدها.

الجانب الثاني :
مُضطهد الكنيسة يسطو على الكنائس : شاءول "اللص"
يحكي سفر الأعمال أيضا عن اضطهاد بولس للكنيسة فكان لصاً سارقاً يسطو على الكنائس والمعابد:« 3وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ. « (سفر أعمال الرسل 8/ 3 ، وكان شاول يسطو/ يعيث في الكنيسة. ( طبعة البشارة : الكلمة هنا يعيث وهناك يسطو: أعمال الرسل 8: 3 « يَعيثُ «.
وقال عن نفسه في اضطهاد كنيسة الله فجاء في رسالته إلى غلاطية1 :13-14 ما نصه «كُنتُ أَضطهِدُ بإِفراطٍ كنيسةَ اللهِ وأُدمِّرُها«. فهو كان أكبر مضطهد للكنيسة في فلسطين بإفراط ويدمرها. [ جاء في ترجمة أخرى: « أتلفها » والمعنى قريب.]
ويأتينا الكتاب المقدس؛ الععهد الجديد بوصفٍ دقيق عنه فشاؤول إذ قال: « 6مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ الْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الَّذِي فِي النَّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ. » (فل 3/ 6 وانظر أيضا طبعة البشارة.)
مطاردة وملاحقة أتباع السيد المسيح ومن يؤمنون بعقيدته وسجن القديسين :
صار أتباع عيسى المسيح يعرفون بأتباع الطريق ، وكان شاءول يضطهدهم. فيؤكد ذلك بقوله : « 4وَاضْطَهَدْتُ هذَا الطَّرِيقَ « (سفر أعمال الرسل 22

الجانب الثالث :
مطاردة أتباع السيد المسيح ومن يؤمنون بعقيدته :
ملاحقتهم :
فيخبرنا عن هذه الملاحقة بقوله: «وكَثيرًا ما كُنْتُ ، في كلِّ المجامِعِ ، اضْطَرُّهُم بضُروبِ العُنْفِ ، الى التَّجْديف ؛ ولِفَرْطِ حَنقي عَلَيْهِم ، كنْتُ أَتعقَّبُهم حَتَّى في المُدُنِ الغَريْبَة. « (سفر أعمال الرسل 26 / 11.)/ 4.)، وكان شاول يطاردهم من بيت إلى بيت، ويجرهم إلى السجن، كما ورد في الكتاب المقدس. «3 أَمَّا شاوُلُ فكانَ ... يَلِجُ البيوتَ ويَجُرُّ الرِّجالَ والنِّساءَ ويُسْلِمُهم الى السِّجْن« (سفر أعمال الرسل 8/ 3، طبعة البشارة، وفي طبعة آخرى ورد اللفظ هكذا:" ... يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ. ، ولم يكتفي بحبس وسجن الأتباع بل أيضا قام :
بــسجن القديسين : فيخبرنا قائلاً: « ... حَبَسْتُ أَنا بنَفْسي في السُّجونِ كثيرينَ مِنَ القِدِّيسينَ « (سفر أعمال الرسل 26/ 10). وكان هؤلاء الضحايا الأبرياء يضربون أشد الضرب. ويصرح بما لا يقبل الشك أو الإرتياب وباعترافه بالفعل ـ أي فعل حبس الأتباع بنفسه بتفويض وموافقة رؤساء الكهنة فقال:« ولَقد فَعَلْتُ ذلكَ في أُورَشليم؛ وحَبَسْتُ أَنا بنَفْسي في السُّجونِ كثيرينَ مِنَ القِدِّيسينَ، بَعْدَ أَنْ فُوِّضَ اليَّ السُّلطانُ مِنْ قِبَلِ رُؤَساءِ الكَهَنَة«.
هروب الأتباع إلى دمشق وملاحقتهم :

الجانب الرابع :
ضرب الأتباع :
وكان هؤلاء الضحايا الأبرياء يضربون أشد الضرب، كما جاء في طبعة البشارة: فجاء التعبير هكذا: « ولَقَدِ اضْطَهَدْتُ هذا المَذْهَبَ (لاحظ كلمة الطريق وكلمة المذهب بين الطبعتين) حَتَّى المَوْتِ).
فكان شاءول يقوم باضطهاد عام كما جاء في سفر أعمال الرسل 7 : 60

الجانب الخامس :
قتل اتباع المسيح :
« وكُنْتُ مِمَّنْ أَصْدَرَ رَأْيَهُ بِقَتْلِهِم. « (سفر أعمال الرسل 26 )

أما الجانب السادس من أعماله ضد الدين الجديد فكانت استخدام
اسلوب التهديد والقتل تلاميذ الرب (7)::
«أَمَّا شاوُلُ ، فَإِذ كانَ لا يزالُ يَقْذِفُ على تَلاميذِ الرَّبِّ ، تَهديدًا وقَتْلاً « (سفر أعمال الرسل 9 / 1، طبعة البشارة).
وقُتل بعضهم لاتهامهم بالارتداد. ولما انتشر الاضطهاد، هرب أتباع الطريق/ المَذْهَب من أورشليم، وكثيرون هربوا إلى دمشق. ولكن لم يكن هذا ليكبح غضب شاءول العنيف فأخذ رسائل توصية من الكهنة في أورشليم ليقدمها لقادة اليهود في دمشق، تخوله القبض على المرتدين(!) وإرجاعهم إلى أورشليم للمحاكمة، فينطق الكتاب المقدس؛ العهد الجديد على لسانه فقال « 4وَاضْطَهَدْتُ هذَا الطَّرِيقَ حَتَّى الْمَوْتِ، مُقَيِّدًا وَمُسَلِّمًا إِلَى السُّجُونِ رِجَالاً وَنِسَاءً، 5كَمَا يَشْهَدُ لِي أَيْضًا رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَجَمِيعُ الْمَشْيَخَةِ، الَّذِينَ إِذْ أَخَذْتُ أَيْضًا مِنْهُمْ رَسَائِلَ لِلإِخْوَةِ إِلَى دِمَشْقَ، ذَهَبْتُ لآتِيَ بِالَّذِينَ هُنَاكَ إِلَى أُورُشَلِيمَ مُقَيَّدِينَ لِكَيْ يُعَاقَبُوا« ( أعمال الرسل 22: 4-5).
اضطهاد عام2 وحَمَلَ استفانُسَ رِجالٌ أَتقياءُ، وعَمِلوا لَهُ مَناحةً عَظيمة. كان بولس ولا شك من أشد خصوم استفانوس ! فمن هو إستفانوس، يقول الكتاب المقدس عنه :
استفانس أمام المحفل: 8: أَمَّا استِفانُسُ، المَمْلوءُ نِعْمةً وقُوَّةً، فكانَ يُجري عجائبَ وآياتٍ عظيمةً في الشّعبِ. اع-6-9: فنَهضَ قَومٌ منَ المَجْمعِ المَدْعُوِّ مَجمعَ المُعْتَقِينَ والقَيْرَوانِيِّينَ والإِسْكَنْدرِيِّينَ والذينَ مِن كيليكِيَةَ وآسِيَةَ، يُباحِثونَ اسْتِفانُس؛ (سفر أعمال الرسل : أع 6 :9.) من هنا انطلقت غيرته التي بها حارب الجماعة النصرانية (اع-8-1 «أَمَّا شاوُلُ فكانَ مُوافِقًا على قَتْلِ [اسْتفانُس] « اع 22 :20 «وحِينَ هُدِرَ دَمُ اسْتِفانوسَ شَهيدِكَ ، كُنْتُ حاضرًا، أَنا أَيضًا، أُؤَيِّدُ قاتِليهِ وأَحْفظُ ثِيابَهم. « لذلك ساهم في رجم اسطفانوس رفيقه اول الشهداء. ثارَ في ذلكَ اليومِ اضْطِهادٌ شديدٌ على الكنيسةِ التي في أُورشليمَ، فتشتَّتَ الجميعُ في جَنَباتِ اليَهودِّيَّةِ والسامِرَةِ، ماخلا الرُّسُل.)
والكنيسة ترد على ما فعله بولس بالأتباع فتقول :" فشاءول/ بولس لم يبدأ حياته الدينية كتابع مكرس، أو كتلميذ يتلقى من السيد المسيح تعالم دينه السماوي؛ بل في الحقيقة لقد بدأ عدوا لدوداً؛ حاقدا أشد الحقد على النصرانية(!)، مشمرا عن ساقه في معاداة هذا الدين الجديد". وهذا اعتراف صريح بنص قول الكنيسة (والكاتب لا تعليق له)

حبس الأتباع :
يصرح بما لا يقبل الشك أو الإرتياب وباعترافه بالفعل ـ أي فعل حبس الأتباع بنفسه ـ فيقول: «10ولَقد فَعَلْتُ ذلكَ في أُورَشليم؛ وحَبَسْتُ أَنا بنَفْسي في السُّجونِ كثيرينَ مِنَ القِدِّيسينَ ، بَعْدَ أَنْ فُوِّضَ اليَّ السُّلطانُ مِنْ قِبَلِ رُؤَساءِ الكَهَنَة ؛ وكُنْتُ مِمَّنْ أَصْدَرَ رَأْيَهُ بِقَتْلِهِم. 11وكَثيرًا ما كُنْتُ، في كلِّ المجامِعِ ، اضْطَرُّهُم بضُروبِ العُنْفِ ، الى التَّجْديف ؛ ولِفَرْطِ حَنقي عَلَيْهِم ، كنْتُ أَتعقَّبُهم حَتَّى في المُدُنِ الغَريْبَة «. (سفر أعمال الرسل : 26-10-11.)
أخذه الرسائل من رئيس الكهنة ورحلته هذه إلى دمشق وكان ذلك حوالي سنة 38 ميلادية :
حصل على تكليف بملاحقة اتباع السيد المسيح عليه السلام في دمشق وإعادتهم أسرى إلى أورشليم «4وَاضْطَهَدْتُ هذَا الطَّرِيقَ حَتَّى الْمَوْتِ ، مُقَيِّدًا وَمُسَلِّمًا إِلَى السُّجُونِ رِجَالاً وَنِسَاءً ، 5كَمَا يَشْهَدُ لِي أَيْضًا رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَجَمِيعُ الْمَشْيَخَةِ ، الَّذِينَ إِذْ أَخَذْتُ أَيْضًا مِنْهُمْ رَسَائِلَ لِلإِخْوَةِ إِلَى دِمَشْقَ ، ذَهَبْتُ لآتِيَ بِالَّذِينَ هُنَاكَ إِلَى أُورُشَلِيمَ مُقَيَّدِينَ لِكَيْ يُعَاقَبُوا. « (سفر أعمال الرسل 22: 4. كما ورد النص :" اع 22 :5-16 طبعة البشارة ، أعمال الرسل22. 4ـ 5 ." 4 ولَقَدِ اضْطَهَدْتُ هذا المَذْهَبَ حَتَّى المَوْتِ ، مُقَيِّدًا ومُسْلِمًا الى السُّجونِ رِجالاً ونساءً ، 5كما يَشْهَدُ لي بذلكَ رئيسُ الكَهَنَةِ وجَميعُ مَجلِسِ الشُّيوخ ؛ بَلْ أَخَذْتُ مِنْهُم رسائِلَ الى الإِخْوَةِ ، وانْطَلَقْتُ الى دِمَشْقَ لِأَجيءَ أُورَشليمَ بمَنْ هُناكَ [مِن هذا المَذْهَبِ] مُوثَقينَ، فيُعاقَبوا.)
ثم يؤكد ما فعله بأن رئيس الكهنة يشهد بذلك كما جاء في سفر أعمال الرسل طبعة البشارة فقال: «5 كما يَشْهَدُ لي بذلكَ رئيسُ الكَهَنَةِ وجَميعُ مَجلِسِ الشُّيوخ ؛ بَلْ أَخَذْتُ مِنْهُم رسائِلَ الى الإِخْوَةِ" (سفر اع-22-5.) «12وبيَدي سُلْطانٌ وتَفْويضٌ من رُؤَساء الكَهَنَةِ « ( اعمال الرسل 26 :12) ، ويَلِجُ البيوتَ ويَجُرُّ الرِّجالَ والنِّساءَ ويُسْلِمُهم الى السِّجْن.«
تختلف هذه الشهادات في التفاصيل، ولكنّها تتّفق على الجوهر. فالنتيجة الحتمية لما أوردناه وسردناه عن هذه الفترة الزمنية في حياته أن شاءول/ بولس أنه كان يضطهد المسيحيّين « 9.. شاوُلُ، ..كانَ .. يَقْذِفُ على تَلاميذِ الرَّبِّ، تَهديدًا وقَتْلاً ،«(أع 9 ) ويذكر الكتاب المقدس العهد الجديد أيضاً « 4ولَقَدِ اضْطَهَدْتُ هذا المَذْهَبَ حَتَّى المَوْتِ « (أعمال الرسل 22 :4)

ــــ
الهوامش والمراجع :
(1.) نستسمح القارئ الكريم عذراً، حين نستخدم بعض الألفاظ والمصطلحات والمقاطع والتي ترد في بحثنا هذا، ويكون هناك إختلاف في استخدامها، فقد يحدث – كثيراً - أن لفظ الكنيسة لا يتفق مع لفظ القرآن الكريم – الوحي المُنزل والمحفوظ – أو ألفاظ السنة النبوية المشرفة على صاحبها افضل الصلاة والسلام – وهي وحي مُنزل ومخرجة - .
(2.) صار شاءول بعد المفاجأة التي حدثت له في الطريق إلى دمشق –وسنتعرض إليها بالتفصيل - : القديس بولس؛ رسول الأميين، أحد الأنبياء الذين أرسلهم - كما سنرى - السيد المسيح!؟ ليكرز (يبشر) باسمه في المحافل والتجمعات.
(3.) ينبغي أن نعلم أن لفظة " المسيحية " كمصطلح إذا اطلقَ يقصد به فئة معينة تدين بدين لم تكن مستخدمة في ذلك الوقت ـ وقت محاربة بولس (شاؤول) لأتباع السيد المسيح بل هي مسمى جاء متأخراً.
(4.) وانظر د. أحمد شلبي، سلسلة مقارنة الأديان، 2-المسيحية، ص: 111، طبعة العاشرة ؛ 1998م، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة.
(5.) يلاحظ القارئ الكريم عند ذكر اسم هذا الحاخام اليهودي التأرجح بين حرف وبين آخر يقتربان من حيث المخرج، وهذا يعود للمترجم، فقط لوحظ أن السادة المترجمين من أهل الشام يستخدمون الـ "غين" وأبناء وادي النيل يستخدمون حرف الـ "جيم"، وتوجد قواعد للترجمة ودقة تحويل أحرف الأسم من الأصل إلى لغة الترجمة فينظر في موضعه.
(6.) هذا التقسيم أوردته وفق ما جاء في الكتاب المقدس " الإنجيل "، فهذه الألفاظ مستوحاة من الفقرات حسب ورودها. وهذه الدقة في التقسيم تعمدتها، فالمسألة بحث وفق الكتاب المقدس وليس إلقاء تُهم على شخص دون قيام دليل صحيح على ما أقول !.
(7.) نستخدم هذه اللفظة: " تلاميذ الرب "(!!) كما وردت في الإصحاح دون تغير. (اع-9-1)، فأمانة البحث تستلزم نقل النص كما ورد في مصدره.
***

« الشخصيات المحورية وأمهات المسائل في المسيحية الحالية «
شاءول/ بولس
الجزء الثالث
تمهيد :

تحدثنا مِن قبل وفي جزئين سابقين متتاليين عن شاءول/ بولس؛ اليهودي الروماني الفريسي. في الجزء الأول تتبعنا نشأته وتربيته وثقافته، وعلى يد مَنْ تعلم! وكيف كانت غيرته على دين آبائه، وأخبرنا هو ذاته في الثاني عن كيفية متابعته ومحاربته لأتباع السيد المسيح وملاحقته لهم وزجهم في السجون واعتماد رأيه في قتلهم والعبث/ تخريب الكنائس أو سرقتها(1)؛ وهي مقدمة ضرورية، فبعد هذا التاريخ الحافل بكراهيته للسيد المسيح وتعاليمه وملاحقته لأتباعه وعدم قدرته على تحمل مجرد سماع اسم السيد المسيح الذي يصفه بالــ" ناصري "، وسجن وقتل من آمن بالسيد المسيح عليه السلام، يقوم بعد ذلك كلِه بدورٍ في منتهى الأهمية وبالغ الخطورة معاً، وهو دور معاكس لكل ما قام به من قبل. والحقنا بالجزء الثاني أقوال الحبيب لوقا عنه نقلاً من إنجيله.

وجزء اليوم - الثالث - يتحدث عن الإنقلاب العجيب في عقيدة شاءول وأقواله وأعماله وسلوكه، ونعتمد الأدلة التي وردت في الكتاب المقدس المطبوع عام 1991م النسخة العربية، والصادر من دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط تحت عنوان:
" الكتاب المقدس؛ أي كُتب العهد القديم والعهد الجديد " وقد ترجم من اللغات الأصلية"، وأيضاً طبعة "البشارة".
فبعد أن علمنا بسيرته الأولى كما أخبرنا - هو - سابقاً وتربيته وما قام به من أعمال، نقف اليوم أمام الإنقلاب العجيب في حياته فقد أتى حدثٌ كمفاجأةٍ غير متوقعة؛ غيَّرهُ إلى النقيض مما كان عليه، وأعد نفسه له دون مقدمات معقولة أو مفهومة، ثم اعتبر نفسه رسول للسيد المسيح، مع أنه لم يلقاه ولم يتتلمذ علي يديه ولو للحظة واحدة؛ وهذا اعتراف من الكنيسة ذاتها، ثم أعطى شاءول المسيحَ صورةً جديدةً تماماً، بل ألبسه ثوباً لم يرتديه السيد المسيح من قبل ولا أحد من تلاميذه أُخبر به، والأمر الخطير حقاً هو تربعه على مقعد « المشرع « في الدين المسيحي، كما أخبر هو بلسانه وكما سُطر هذا في الأناجيل، وهذا ما سنبينه في فصل قادم تحت عنوان "بولس و الدين الجديد".
بحثنا يدور حول النصرانية ووردت لفظة « نصارى « في القرآن بمعنى أتباع المسيح إذ جاء في الآية 14 من سورة المائدة :".. إنّا نصارى.. "، كما جاء في سورة التوبة آية رقم 30:"وقالت النصارى المسيح ابن الله "، وللمفسرين أيضاً آراء في معنى هذه الكلمة وفي أصلها فقد ذهب الرّازي إلى أنها في نظر من أطلقوها على أنفسهم نسبةٌ إلى « نُصرة الله « وإلى قول النصارى لعيسى نحن أنصار الله (المرجع : محمّد الرّازي فخر الدين، التفسير الكبير، ج11، ص : 188) تعلق د. سلوى بقولها :" فرغم ما يلاحظ من اختلافات جزئية حول مصدر اللفظ « النّصارى؛ النّصرانية « فإن الاتفاق حاصل حول مدلوله وهو اتباع المسيحية في الشرق بما في ذلك العرب؛ تلك النصرانية التي طُمست بفعل الشخصيات المحورية التي لعبت أدوراً أساسياً في إيجاد دين جديد يطلق عليه المسيحية / الديانة البولوسية : فالنصرانية هي الإسم الشرعي للديانة، وينبهنا أحد الباحثين بقوله :" أنَّ عيسى من " ملة إبراهيم " جاء مصدقاً به وبكل النبيين وبموسى وبتوراته، مواصلاً منهاجهم القائم على الدعوة إلى التوحيد ومبشراً بمحمّد وبرسالته فدين عيسى حسب القرآن هو الإسلام ولا شئ غير الإسلام، فلا ذكر لدين اسمه « المسيحية « أو « النصرانية «، سورة آل عمران 3/52 :"..وأشهد بأنَّا مسلمون.."، والمائدة 5/111: "..وأشهد بأَنَّنا مسلمون " أي "مستسلمون لآمر الله تعالى، مُقرون بأنّ دينهم الإسلام أنه دين كلَ الأنبياء وهو ما اتفق عليه جمهور المفسرين في شرح هذه الآيات (مرجع: الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، ج:7، ص: 83، والرازي، التفسير الكبير: ج:8، ص : 64، والقرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج: 6، ص 363.
اهتم القرآن بهذه الديانة وتعرض لها في مناسبات عدة، ويبلغ عدد الآيات المتعلقة صراحة بالمسيحية والمسيحيين حوالي مائة وسبع عشرة آية وإذا أخذنا بعين الاعتبار الخطاب الموجّه إلى من أُسْمُوا بــ « الضالين « و « الكافرين « و « الأحزاب « وهي صفات تشمل في أكثر من موضع المسيحيين أو النصارى فإن عدد تلك الآيات يتجاوز المائتي آية من جملة الــ « 6836 « آية المشتمل عليها القرآن [تصل النسبة إلى حوالي 2.9%] ولئن بدا عدد الآيات المتعلقة بالمسيحية وبأتباعها ضئيلاَ مقارنةً بعدد آيات القرآن عامة، فإنه على عكس ما قد يتبادر إلى الأذهان، لا يعبر عن كون الغرض الذي تناوله ليس ذا أهمية بل إنه غرض أساسي إذا نظرنا إليه من زاوية ردّ القرآن على العقائد، فالرد على المسيحية يحتل الموقع الثاني بعد الرد على الشرك، والرد على هذه العقيدة استمر حتى آخر سورة حسب ترتيب بلاشير [ „R. Blachere“ ] وهي سورة المائدة (المرجع د. سلوى ص 103)، وقد جاءت هذه الآيات متفرقة في حوالي ثلاث وعشرين سورة : (1) الفاتحة؛ رقمها [1]، (2) البقرة؛ رقمها [2]، (3) آل عمران؛ رقمها [3]، (4) النساء؛ رقمها [4]، (5) المائدة،؛ رقمها [5]، (6) الأنعام؛ رقمها [6]، (7) الأنفال؛ رقمها [8]، (8) التوبة،؛ رقمها [9]، (9) يونس؛ رقمها [10]، (10) الرعد؛ رقمها [13]، (11) النحل؛ رقمها [16]، (12) الكهف؛ رقمها [18]، (13) مريم؛ رقمها [19]، (14) الحج؛ رقمها [22]، (15) العنكبوت؛ رقمها [29]، (16) الأحزاب؛ رقمها [33]، (17) الشورى؛ رقمها [42]، (18) الزخرف؛ رقمها [43]، (19) الفتح؛ رقمها [48] (20) الحديد؛ رقمها [57]، (21) الصف؛ رقمها [61]، (22) التحريم؛ رقمها [66]، (23) البيّنة؛ رقمها [98]، هذا الترقيم وفق مصحف المدينة المنورة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، طبعة عام 1425 هـ، بإشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية [تصل نسبة السور إلى حوالي 20.1% من مجموع سور القرآن الكريم ]، فالنصرانية أو التعاليم التي جاء بها عيسى عليه السلام أو التعاليم التي نادى بها وجاءته وحياً من خالقه وربه هي رسالة سماء للسيد المسيح، والنصارى هو الإسم الذي سُمي به أتباع عيسى عليه السلام في عصره وبعد رفعه؛ {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم} وإن لم يكن هذا الإسم أتى إلا من قولهم هم لأنه عرف بهم وكان الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ خاتم الأنبياء والمرسلين وبشرى عيسى [61: سورة الصف، رقم الآية: 6 « ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد «] فالنبي كان يستخدمه، إذن تطلق لفظة « النصرانيّة « عموماً في الشرق مُرَادِفاً للفظة « المسيحيّة « ، كما تطلق لفظة « النَّصارى « على أتباع المسيح أما لفظة « التنصّر « فتطلق على التشيع للمسيحية، فقال خاتم الأنبياء والمرسلين رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم :" يولد المرء على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه.. الحديث. ولفظة « النصرانيّة « أو « المسيحيّة « لم ترد في القرآن، الذي ورد لفظ « النّصارى «(د. سلوى ص: 104) ، ويرى بعض المسشترقين أنَّ لفظة « النصارى « من أصل سرياني هو نصرايا „Nasraya“ وتطلق على مسيحيي الشرق ويرى بعض المؤرخين أنّ لها صلة بـ « الناصرة « المدينة التي كان منها يسوع حيث يقال « يسوع النّاصري « أو لها صلة بــ « النّاصريين وهم إحدى الفرق القديمة اليهودية المتنصرة «(د. سلوى ص 27).
والبحث يستلزم منا بحث الشخصية المحورية الأولى على الإطلاق أقصد عيسى ابن مريم عليه السلام كما ورد في القرآن وبعض المصادر الآخرى، وسنهتم بإنجيله؛ الكتاب الذي أنزله الله عليه وبالتأكيد سنهتم بالشخصية المحورية الثانية وهو برنابا وإنجيله وهذا سيأتي في موضعه.
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يستخدمه - نصارى - في حقهم وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين؛ فهذا اللفظ أولى من إستخدام لفظ " المسيحية " الذي يطلق كثيراً على النصارى، وذلك لأن المسيحية نسبة إلى عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وهو منهم بريء، إذ قد خالفوا أمره وغيّروا منهجه وتركوا عقيدته ودينه، قال الرسول "إنَّ أولى الناس بعيسى ابن مريم" كما في البخاري فالأولى بكل الأنبياء هم الذين اتبعوهم وأحيوا سنتهم ودينهم جميعا وهو التوحيد، وبما أنه وجدت تعاليم جديدة وأفكار جديدة لم ينادي بها رسول الله ـ عيسى ابن مريم عليه السلام ـ بل ابتكرت مفاهيم جديدة كما كتبت أسفار وأناجيل بها القدر الضئيل مما ترسب في الأذهان من أقوال الرسول إلى بني إسرائيل؛ كما يصرح بذلك كاتب إنجيل لُوقَا، في الإصحاح الأول إذ قال:" إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا ..... رأيتُ أنا أيضاً أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثَاوُفِيلُس .."... دين جديد، لذا فيمكننا من حيث التقسيم العام للأديان أن نطلق لفظة النصرانية ونسميها بأنها دين المسيح ابن مريم عليه السلام أما المسيحية فهي الدين الذي ابتكره شاءول وبدأت جذوره تنمو في رحم الأحداث المظلمة منذ أن دعى إليها وعادت للظهور بقوة في العام الــ 100 من الميلاد .

حصول شاءول على تكليف بملاحقة الأتباع في دمشق وإعادتهم أسرى إلى أورشليم؛ من هنا تبدأ قصة الإنقلاب العجيب : فقد جاء في سِفر أعمال الرُّسل الأصحاح الثاني والعشرون "22/ 5"، وكما جاء في طبعة البشارة ما نصه :"5كما يَشْهَدُ لي ـ أي شاءول ـ بذلكَ رئيسُ الكَهَنَةِ وجَميعُ مَجلِسِ الشُّيوخ [المشيخة]؛ بَلْ أَخَذْتُ مِنْهُم رسائِلَ الى الإِخْوَةِ، وانْطَلَقْتُ الى دِمَشْقَ لِأَجيءَ أُورَشليمَ بمَنْ هُناكَ [مِن هذا المَذْهَبِ] مُوثَقينَ، فيُعاقَبوا."، وكما جاء (12 "ولمَّا انطَلَقْتُ الى دِمَشْقَ، وأَنا على ذلكَ، وبيَدي سُلْطانٌ وتَفْويضٌ من رُؤَساء الكَهَنَةِ) (سِفر أعمال الرُّسل الأَصحاح السادس والعشرون "26/ 12") فأخذه الرسائل من رئيس الكهنة ورحلته هذه إلى دمشق كان ذلك حوالي سنة 38 ميلادية، ورحلته هذه مهمة رسمية أعطاها له رؤساء الكهنة وجميع مجلس الشيوخ، هذا التكليف حصل عليه لأنه الأنسب لهذه المهمة.

أخي الكريم؛ عزيزي القارئ، نقف الأن معاً أمام قصة إما أن تقبل فتصدق، ونصدق كل ما يبنى عليها، وإما أن ترفض فتكذب، وتقع الكنيسة في حرج أمام شعبها ورعاياها وتقع في مأزق فــ: كيف ستبرر موقفها بعد مرور كل هذه السنوات والأعوام!!؟.. لترد على قصة مختلقة تشكك فيها المؤيد قبل المتوجس.
وبالفعل قد أجابت الكنيسة على مثل هذه الأسئلة، بيَّد أنها أجوبة خجولة لا ترتقي لرد علمي أو مسكت لسائل!.
هذه القصة التي سنرويها بأدلتها التي يعتمدها النصارى في كتابهم المقدس؛ بُني عليها عقيدة دين، فإذا رفضت ـ القصة ـ رفض الدين بأكلمه، وإذا كذبت كذب قائلها وهُدم الدين من أساسه لأنها هي العماد الوحيد لهذه العقيدة وأحدى الأسس لما بُني عليها، فماذا ستفعل الكنيسة في أسفار العهد الجديد؛ خاصة رسائل القديس بولس، فشاءول هو مؤسس هذا الدين الذي يدين به الأن أكثر من مليارد من البشر (يراجع التقدير الأخير لعدد نصارى العالم الصادر عن الفاتيكان)، ونحن لا نخفي سراً بقولنا أن بعض العلماء المسيحيين والتاريخيين يعتبرون أن السيد المسيح شخصية أخترعها بولس من بنات أفكاره، ولكن لإيماني العميق بنبوة محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وبرسالته وكتابه، الذي جاء بالتصريح بنبوة عيسى ابن مريم عليه السلام ـ وليس باعتباره ابناً لله تعالى؛ حاشا لله أن يتأخذ ولدا؛ سبحانه كما صرح بذلك في العديد من آيات الذكرالحكيم (ومن هذه الأدلة ما جاء في سورة 2: البقرة، آية 116 :"وقالوا آتخذ الله ولدا سبحانه"، 10 يونس، آية رقم 68 :"قالوا آتخذ الله ولداً سبحانه هو الغني"، 17 الإسراء، آية رقم 111: "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا"، 37: الصافات، آية رقم 152، :"ألا إنهم من إفكهم ليقولون : ولد الله وإنهم لكاذبون"، 112: الإخلاص، آية رقم 3 :"لم يلد ولم يولد"، ويؤكد الخطاب القرآني على الوحدانية بقوله 4: النساء، آية رقم 171: "إنما الله آله واحد سبحانه أنى يكون له ولد"، 6 الأنعام، آية رقم : 101: "أنَّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شئ"، 19: مريم، آية رقم 35 :"ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه"، 19 مريم، آية رقم 88: "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئاً إدَّا"، 19 مريم، 91: "وتخر الجبال هدَّا أن دعوا للرحمن ولداً"، آية 92 : "وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا"، 21 الأنبياء، 26: :"وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمين"، ويمنع القول : 23: المؤمنون، آية رقم 91: "وآتخذ الله من ولد"، 25 الفرقان، 2 :"الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً"، 72: الجن، آية رقم 3 :"وإنه تعالى جد ربنا ما آتخذ صاحبة ولا ولداً"، ثم ينبه سبحانه وتعالى على مسألة آخرى عرضتها الكنيسة وهي أن بجوار الآله الآب سيجلس على يمينه الآله الأبن ليحكم العالم : 23: المؤمنون، آية رقم 91: :"وما كان معه من إله"، 17 الإسراء، آية رقم 111: "ولم يكن له شريك في الملك"، كما ورد في محكم الكتاب الكريم ـ فالمسألة إذن ليست في شخصية السيد المسيح وتعاليمه ودعوته وعقيدته وأقواله والمعجزات التي آتى بها؛ بل المسألة في " المشرع " بولس الرسول الذي ينطق بإسم السيد المسيح؛ أحيانا أو باسمه أحيانا آخرى، فورد في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كُورِنْثُوس ما نصه :" بُولسُ المدعوُّ رسولاً ليسوعَ المسيحِ بمشيئةِ اللهِ " (الأَصحاح الأول /1، ص 368، طبعة الكتاب المقدس في الشرق الأوسط كتاب العهد الجديد لربنا ومخلصنا يسوع المسيح، وقد ترجم من اللغة اليونانية، النص منقول من طبعة "الكتاب المقدس أي كتب العهد القديم والعهد الجديد، وقد ترجم من اللغات الأصلية، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط" مابين القوسين نُقل من الصفحة الأولى، وفي الصفحة الأخيرة من الكتاب؛ أي نهاية العهد الجديد كتب بحروف لاتينية :" „Arabic Bible 43 20M – 1991 “ اسفل أخر صفحة من رؤيا يوحنا اللاهوتي).

ومع مساهمة شاءول ـ لاحقاً رسول السيد المسيح؛ ويصرح بما لا يقبل الشك أو الإرتياب وباعترافه بالفعل – أي فعل حبس الأتباع بنفسه فيقول : ( سِفر الأعمال الأَصحاح السادس والعشرون (26/ 10) إثناء حديثه مع الملك أَغْرِيبَاس « 10ولَقد فَعَلْتُ ذلكَ في أُورَشليم؛ وحَبَسْتُ أَنا بنَفْسي في السُّجونِ كثيرينَ مِنَ القِدِّيسينَ، بَعْدَ أَنْ فُوِّضَ اليَّ السُّلطانُ مِنْ قِبَلِ رُؤَساءِ الكَهَنَة؛ وكُنْتُ مِمَّنْ أَصْدَرَ رَأْيَهُ بِقَتْلِهِم. 11وكَثيرًا ما كُنْتُ، في كلِّ المجامِعِ، اضْطَرُّهُم بضُروبِ العُنْفِ، الى التَّجْديف؛ ولِفَرْطِ حَنقي عَلَيْهِم، كنْتُ أَتعقَّبُهم حَتَّى في المُدُنِ الغَريْبَة «

(أخي الكريم؛ عزيزي المطلع على بحثي هذا، تواجهني مسألة تعدد الترجمات واختلاف الألفاظ من طبعة إلى آخرى، بيَّد أن المعنى يكون متقارب، فاكتفي بطبعة دون آخرى، غير أنه يفضل ذكر الإختلافات؛ وهذا قد يخرج البحث عن مضمونه وقصده فنكتفي بنص واحد من مصدر )
هذا هو رسول الأمميين؛ القديس بولس ـ يصرح بفعله في اتهام أتباع المسيح بالزندقة. فالرجل الذي كان عدواً للـ "نصرانية" (2)، والذي أجمعت كافة المصادر على أنه لم يلق عيسى ابن مريم في حياته ولا مرة واحدة ولم يرافقه ولم يكن أحد تلاميذه أو حوارييه، أصبح من أئمة دعاتها وأعظم أعمدتها. وحتى لا نعطي حكماً مسبقاً نعرض القصة كما وردت في الكتاب المقدس ـ الإنجيل ـ.

جاء تحت عنوان :
الانقلاب العجيب

ما نصه: «1أَمَّا شاوُلُ، فَإِذ كانَ لا يزالُ يَقْذِفُ على تَلاميذِ الرَّبِّ، تَهديدًا وقَتْلاً، أَقبلَ على رَئيسِ الكَهَنةِ....« (سفر أعمال الرُّسل؛ الأَصحاح التاسع "9 / 1") من هنا تبدأ القصة ... إعداد تام وتهيئة كاملة وجو مشحون فهو لم يزل ينفث تهديداً وقتلاً على تلاميذ الرب؛ وتلاميذ الرب هنا هم أتباع السيد المسيح، وهذه الجملة " تلاميذ الرب " هي بداية العقيدة الجديدة التي املاها بولس ـ رسول يسوع المسيح ـ على تلاميذه هو، ففي هذا المناخ بدأت رحلته إلى دمشق، فيكمل بعد أن قال له أغريباس :" مأذون لك أن تتكلم" فقال «12 ولمَّا انطَلَقْتُ الى دِمَشْقَ، وأَنا على ذلكَ، وبيَدي سُلْطانٌ وتَفْويضٌ من رُؤَساء الكَهَنَةِ« (سفر أعمال الرسل؛ الأَصحاح السادس والعشرون "26/ 12") ويجب أن لا ننسى أنه قام بهذه الحرب ضدّ الجماعة باندفاع؛ فهو من جنس إسرائيل من سِبط بنيامين عِبُراني منَ العِبرانيين ومن جهة الناموس فَرّيسي « 6مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ الْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الَّذِي فِي النَّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ. « (رسالة بولس الرسول إلى اهل فِيلبّي؛ الأصحاح الثالث "3/ 6") ومهيأ بكامل قواه العقلية والنفسية لممارسة هذا العنف، فهو على كل حال متيقّن أنه يدافع عن قضيّة الله «9أَمَّا أَنا فكُنتُ قدِ اعتَقَدْتُ منَ الواجبِ عليَّ أَنْ أُقاوِمَ، بكُلِّ وسيلَةٍ، اسْمَ يَسوعَ النَّاصِريّ« (سفر أعمال الرّسل الأصحاح السادس والعشرون 26 / 9، طبعة دارالكتاب المقدس الشرق الأوسط استخدمت تعبيرات آخرى غير أنها تعطي نفس المعنى: "9 .. ارتأيتُ في نفسي أنَّه ينبغي أن أصنعَ أموراً كثيرة مضادة لاسم يسوع الناصري") وكان قاسيًا أيضاً على سائر الجماعات المسيحيّة في اليهوديّة، وأراد أن يدفعها لكي تجحد اسم يسوع «11وكَثيرًا ما كُنْتُ، في كلِّ المجامِعِ، اضْطَرُّهُم بضُروبِ العُنْفِ، الى التَّجْديف؛ ولِفَرْطِ حَنقي عَلَيْهِم، كنْتُ أَتعقَّبُهم حَتَّى في المُدُنِ الغَريْبَة. «(سِفر أعمال الرسل الأصحاح السادس والعشرون 26 / 11.)

قصة رؤية السيد المسيح :

عنوَّن بعض السادة الكُتَّاب هذه الجزئية من بحوثهم بقولهم :" اهتداء شاءول/ بولس إلى المسيحية "، ونحن نتوقف عند لفظة " المسيحية " ونتحفظ عليها، فما سميت بعد عقيدة وتعاليم السيد المسيح ـ عليه السلام ـ بالمسيحية؛ وقتذاك، لكن التسمية جاءت متأخرة، فالنبي الرسول عيسى عليه السلام لم ينادي بمسيحية أو نصرانية بل جاء متمماً للناموس؛ الذي جاء به كليم الله موسى عليه السلام، هذه واحدة. أما الثانية: فهي أن شاءول/ بولس في نظر بعض دارسي المسيحية هو المسؤول الأول عن تحويل تلك الجماعة من مجرد طائفة يهودية إلى ديانة كبرى، ويذهب البعض الآخر إلى أنه هو المسؤول الأول عن عبادة المسيح وتأليهه. أما الثالثة فهي: أن هناك بعض الباحثين وبعض الفلاسفة المسيحيين يرون أنه هو الذي أقام المسيحية وليس المسيح، ثم نتوقف مرة رابعة عند عنوان أبحاثهم " هداية بولس " (!!)، فلفظ الهداية تعني أنه كان في ضلال وظلمات وخرج إلى النور والإيمان، وهذه قضية في حد ذاته تحتاج لبحث مفصل سندرجها تحت مسألة " مقارنة الأديان "؛ فــ " موقف اليهودية من المسيحية ومن المسيح معروف فلم تعترف بالمسيحية ولا بالمسيح واعتُبِر المسيح ثائراً استحق عندهم الحكم بالإعدام؛ والمسيحية اعتبرت نفسها وريثة اليهودية ولم تر مع وجود المسيحية وجوداً لليهودية " (المرجع: د. أحمد شلبي، 1 اليهودية ص: 27، الطبعة الثانية عشر 1997م، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة؛ مصر) فعنوان " الهداية " تعبير كنائسي بامتياز يعطي للسامع أو القارئ إنطباعاً قوي مفاده : " خروج شاءول من الضلال الذي كان فيه إلى نور الإيمان "، بمعنى آخر؛ أنها ـ الكنيسة ـ تؤكد الفصل التام بين يهوديته التي تربى عليها ودافع عنها ومن أجلها وفعل ما قام به عن قناعة وبين إيمانه العميق الجديد بالمسيح؛ ابن الإله . وسوف نفصل هذه القضية في فصل لاحق إن شاء الله تعالى.
كان شاءول مازال يهدد أتباع عيسى بالقتل. فذهب إلى رئيس الأحبار وطلب منه رسائل إلى بيوت العبادة التي في دمشق، لكي يقبض على الذين يجدهم من أتباع الطريق من رجال ونساء ويأخذهم إلى القدس. وحدثت له أثناء رحلته إلى دمشق مواجهة غيرت حياته إلى الأبد. يروي الإنجيل هذا الاختبار (لفظة كنائسية) كما يلي، ويصف ما حدث بعد ذلك. وبينما هو مسافر، وكان قد اقترب من دمشق، فجأة أضاء حوله نور من السماء فوقع على الأرض، وسمع صوتاً باللغة العِبْرانيِّة يقول له: «14 شَاوُلُ! شَاوُلُ! لماذا تضطهدني؟، صعبٌ عليك أنْ ترفسَ مَنَاخِس« (سفر أعمال الرّسل، الأصحاح السادس والعشرون "26/ 14")، وجاءت الفقرة الأولى من هذه الجملة أيضاً في نفس السِفر؛ أعمال الرُّسل الأصحاح التاسع "9/ 4". وجاءت نفس الفقرة في نفس السِفر أعمال الرُّسل الاصحاح الثاني والعشرون "22/ 7".

نكمل في حلقة قادمة بإذن الله سبحانه وتعالى؛ الرؤية مع المسيح كما يرويها شاءول..
ـــــ
المراجع والهوامش :
(1.) الجمل التي وردت في سفر أعمال الرسل 8-3: أَمَّا شاوُلُ فكانَ يَعيثُ في الكنيسةِ.، اع 9-1 «أَمَّا شاوُلُ، فَإِذ كانَ لا يزالُ يَقْذِفُ على تَلاميذِ الرَّبِّ، تَهديدًا وقَتْلاً « ثم يذكر:" وحِينَ هُدِرَ دَمُ اسْتِفانوسَ شَهيدِكَ، (يخبر فيقول) كُنْتُ حاضرًا، أَنا أَيضًا، أُؤَيِّدُ قاتِليهِ وأَحْفظُ ثِيابَهم.« )سفر أعمال الرسل 22: 20 )، «وكُنْتُ مِمَّنْ أَصْدَرَ رَأْيَهُ بِقَتْلِهِم« (أعمال الرسل 26/10)
(2.) الأصح والأدق في التسمية أن نطلق النصرانية، { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم } أما المسيحية فهي الدين الجديد الذي آتى به شاءول/ بولس.
اعتمدنا الكتاب المقدس :" كتاب العهد الجديد لربنا ومخلصنا يسوع المسيح، وقد ترجم من اللغة اليونانية، النص منقول من طبعة "الكتاب المقدس أي كتب العهد القديم والعهد الجديد، وقد ترجم من اللغات الأصلية، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط" مابين القوسين نُقل من الصفحة الأولى، وفي الصفحة الأخيرة من الكتاب ؛ أي نهاية العهد الجديد كتب بحروف لاتينية :" „Arabic Bible 43 20M – 1991“ اسفل أخر الصفحة من رؤيا يوحنا اللاهوتي.
ـــ

**

الإنقلاب العجيب ... المتمم للجزء الثالث

أطلنا النفسَ في هذا الجزء من سلسلة «الشخصيات المحورية« ليس بقصد الإطالة ولكن حجتنا التدقيق والتحقيق، أضف أيضاً ما نحصل عليه من أبحاث ومراجعتها؛ وما نطلع عليه من مراجع ودراستها، فالكنيسةُ؛ سواء الشرقية منها أو الغربية تسلمُ تسليماً مطلقاً دون نقاش فيه أو مراجعة بعقائدها وتاريخها وبقديسيها وآبائها وبنصوص العهد الجديد، وهذا الموقف يقفل باب الحوار ويغلقه أمام الباحث أو المحاور، ومن خاض من السادة العلماء تجربة الحوار اعلم مني بذلك؛ إذ لا توجد أرضية مشتركة للحوار أو اسس ثابتة للنقاش، أو مبادئ متفق عليها للبدء على أساسها؛ توجد فقط افكار عامة لا يختلف عليها اثنان من العقلاء وهي لاتكفي، ويبقي ـ لنا ـ نور الوحي مضيئاً بنص قوله سبحانه وتعالى : « 29: سورة العنكبوت: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «(46). والنصُ أمرٌ آلهي لا يحتاج إلا تفعيل وتطبيق، هذه واحدة.
أما الثانية فالشخصيات المحورية في الديانة المسيحية لعبت دوراً هاماً وفي غاية الخطورة، وبدأتُ بــ"شاءول/ بولس" لأنه ابتكر
أولاً : فكرةَ أنه رسول السيد المسيح، برواية هو مؤلفها وبطلها الوحيد،
ثانياً : ألزم/ أقنع بعض "تلاميذه" بهذه الفكرة؛ وتم التجاوب معها بصوّر مختلفة،
ثالثاً : فصَّل وطرزَّ ثوباً جديداً يرتديه " عبد الله ونبيه ورسوله – عيسى ابن مريم " حتى اليوم،
رابعاً : ابتكر عقائد جديدة،
خامساً : فتح الباب لدخول العقائد الوثنية،
سادساً : ابتكر طقوساً جديدةً،
سابعاً : ألغى الناموس،
ثامناً : أعطى لنفسه كاملَ الحقِ في التشريع؛ فصَنَعَ شريعةَ بولس،
تاسعاً : عالمية الديانة الجديدة،
عاشراً : اعتماد مبدأ التناقضات والقفز فوق الأحداث والتسليم بالنتائج غير منطقية أو عقلية (غير مفهومة أو تدرك بالذهن البشري).

هذه النقاط تحتاج لتفصيل وتتطلب الآتيان بمزيدٍ من أدلة من الكتاب المقدس؛ المعتمد حتى اليوم في الكنائس، خاصة العهد الجديد، واقوال المتخصصين والعلماء في هذا الشأن.

نؤكد على مسألة وهي :

لقيا بولس المسيح :

لا تذكر المصادر المسيحية لقيا بولس المسيحَ على الرغم من أنَّ الأول كان من معاصريه عليه السلام، وأول ذكر لبولس فيما يتصل بالمسيحية هو شهوده محاكمة وقتل اسْتِفَانُوس أحد تلاميذ المسيح عليه السلام وكان ذلك حوالي عام 37 م، ويُذكر بولس أنه كان راضياً عن قتله، فجاء في سِِفر الأعمال: « 58 وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ. 59 فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ ...». 60 ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ... وَ ... رَقَدَ؛ . 1 وَكَانَ شَاوُلُ رَاضِياً بِقَتْلِهِ». (سِفر أعمال الرسل؛ الأصحاح السابع "58 – 60"، الفقرة الأخيرة الأصحاح الثامن من سفر أعمال الرسل "1"، نقلاً من مجلة النعمة)
وهذه المسألةُ؛ ملاحقة ومتابعة وسجن الأتباع ملفتةٌ للإنتباه : فهو يظهر نفسه كالمدافع عن عقيدته التي تربى عليها، متعمقاً في دراستها، متأدباً بين قدمي أشهر من دوَّن التوراة في زمنه، متصلاً مباشرة بالمشيخة ورؤساء الكهنة، حاملاً منهم رسائل لملاحقة أتباع المسيح، وبدورنا نتساءل :
1.) لمَ لمْ يلاحق المسيحَ ذاته؛ الرجل الأول؛ صاحب الرسالة والثائر على تعاليم الكهنة اليهود،
2.) لمَ تركه وأتجه بكل قوته وأساليبه في ملاحقة وسجن الأتباع،
3.) لمَ خربَّ الكنائس واكتفى بهذا دون التعرض لشخص المسيح وتجمعاته،
4.) أين كان وقت المحاكمة الشهيرة،
بل نتساءل :
5.) أين كان موضع قدمه في طريق آلام السيد المسيح ـ كما تدعي الكنيسة ـ وتوجد أربع عشرة محطة في هذا الطريق،
5.) أين كان لحظة الصَلب ـ حسب روايتهم، وإثناء الفترة الزمنية التي مكث فيها المصلوب على خشبته
6.) أين كان لحظة التأكد من موت المصلوب،
7.) بل أين كان لحظة نزوله القبر - كما يدعون .
كمٌ من الأسئلة يتدفق عند إمعان النظر في المواقف وهي أحداث متتابعة ومتلاحقة؛ وهي أحداث في تقديري - حسب مواقفه وأعماله ضد الأتباع - تلزمه أن يكون شاهداً عليها إن لم يكن مشاركاً فيها ومتفاعلاً معها؛ فلمَ غابَ عن مشاهد محاكمة السيد « الرب « وهو المقرب من رؤساء الكهنة اليهود، ولمَ غاب عند ملاحقة السيد، ولمَ غاب لحظة القبض عليه؛ غياب تام في مشاهد وحضور متعمد/ مقصود في آخرى ... كمن يرسم بريشته لوحةً من خياله يقنع نفسه والآخرين بصدقها والويل والثبور لمن يخالف أمره أو يخرج عن آطارالصورة .
بيَّد أنَّ أمانة البحث العلمي تلجئني إلى متابعتها والوقوف على أقوال علمائهم وماذا كُتبَ في مجلدات تاريخ الكنيسة!!!، وحتى كتابة هذه السطور لا أجد أجوبة مقنعة كافية لما طرحته من استفسارات ..لأن الطرف الثاني غائب!!، أو يرغب كقديسهم الغياب.

مدخل لرؤية بولس السيد المسيح :

موقف بولس المفاجئ من السيد المسيح !
يذكر سِفر أعمال الرسل عنوان : [ "تنصر" شاءول/ بولس ] المفاجئ وانقلابه دون مقدمات تهيؤ الشخص لهذا الإنتقال ولا تمهيدات تمهد له العبور من عقيدة إلى آخرى أو من تعاليم إلى سواها أو من طقوس إلى ما عداها، راجع حال المهتدين إلى الإسلام؛ على مر الأزمان والدهور؛ مروا في مراحل، وعايشوا أحوال، وتفاعلت في ضمائرهم ووجدانهم وأحاسيسهم وعقولهم وذهنهم نصوص مقابل نصوص وعقيدة مقابل عقيدة ثم جاء القرار وهذا لم تم بين عشية وضحاها، أما رواية القديس بولس، رسول الأمميين فتحتاج لإعادة نظر كي تبنى عليها عقيدة صحيحة، فرؤية السيد المسيح عليه السلام - بعد رفعه بسنوات وفق عقيدة الإسلام أو عقيدة الصلب والموت والدفن وفق عقيدة المسيحيين – كما وردت في العهد القديم موضوع بحث وتمحيص ونقاش والحجة بالحجة.

رواية الرؤية تبدأ وهو ذاهب إلى دمشق في مهمة لرؤساء الكهنة فيقول النص : « 1 أَمَّا شاول ... فقَصَدَ إِلى عَظيمِ الكَهَنَة، 2 وطَلَبَ مِنه رَسائِلَ إِلى مَجامِعِ دِمَشق «حوالي سنة 38 ميلادية، وحالته النفسية كما ذكرها سِفر أعمال الرسل «1 ... ما زالَ صَدرُه يَنفُثُ تَهديدًا وتَقتيلاً لِتَلاميذِ الرَّبّ «.

ما أردنا أن نظهره هي تلك الحالة النفسية التي تواكبه في رحلته إلى دمشق والتكليف الذي في يده، وحضور تلك الذهنية والعقلية القوي لمتابعة التلاميذ، ثم يقول النص وقد تجلى له إنسان(1) !! دون القافلة التي كان يسير معها، فيروي لنا "لوقا" خبراً فقال " وفيما هو ماضٍ في هذه المهمّة، وعندما كان بولس قريباً من دمشق بغتةً أبرق حوله نور من السماء: « 3 وبَينَما هو سائِرٌ، وقَدِ اقتَرَبَ مِن دِمَشق، إِذا نورٌ مِنَ السَّماءِ قد سَطَعَ حولَه« ولحالةِ إرتباكٍ أو خوف أو من المفاجأة : « 4: .. سَقَطَ إِلى الأَرض»، وسَمِعَ هاتفاً/ : « 4: ... صَوتًا يَقولُ له: «شاوُل ، شاوُل، لِماذا تَضطَهِدُني؟«. « 5 فَقَالَ : « مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ » فَقَالَ الرَّبُّ : « أَنَا يَسُوعُ الذي تضطهده » (سِفر أعمال الرسل، الأصحاح السادس والعشرون) وورد نفس النص كذلك: «15فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ: أَنَا يَسُوعُ» (سفر أعمال الرسل الأصحاح الثاني والعشرون) وجاء النص هكذا بمزيد إيضاح عن شخص المتكلم: « 8 فَقَالَ لِي: أَنَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ» ( يقصد بكلمة يسوع : السيد المسيح عليه السلام) كما أشار بولس للقصة في مواضع متعددة في رسائله. ورد في قصة رؤية المسيح: فقد سأل شاءول:" 5 فَقَالَ:«مَنْ أَنْت َيَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ الرَّبُّ:«أَنَا يَسُوعُ» (سفر أعمال الرسل الأصحاح التاسع).

هذا المشهد يحتاج لإعادة تصوير في ذهن القارئ - المسلم أو غير المسلم – وهذه الإعادة نراها هامة للأسباب التالية :
1.) فكرة آلوهية السيد المسيح لم تكن معلومة من قبل، ولم تظهر في هذا العهد المبكر، إلا على لسان شاول، فهي من ابتكاراته بدليل الحوار من القديس برنابا، وهذا قفز على الأحداث، وتقرير نتيجة ثم
2.) اعطاء حكم نهائي،
3.) التسليم بهذه النتيجة واعتماد هذا الحكم النهائي دون إعمال عقل أو تدبر، أي دون نقاش، وهو ما يطلق عليه الإيمان الكنائسي، أي التسليم المطلق دون مقارنة النصوص ببعضها أو فهمها أو إدراك الوقائع: إذ أنَّ قصة سماع الهاتف جاءت في ثلاثة مواضع بالعهد الجديد :

الموضع الأول : في سفر أعمال الرسل؛ الأصحاح التاسع "3 - 22"،
و
الموضع الثاني : من كلام بولس في خطبته أمام الشعب : سفر أعمال الرسل الأصحاح الثاني والعشرون " 6 - 11"،
أما
الثالث من رواية بولس أمام الملك أغريباس سفر أعمال الرسل الصحاح السادس والعشرون "12 - 18".
الرواية الأولى : سفر أعمال الرسل الأصحاح التاسع: فقال شاءول : « 5 مَن أَنتَ يا ربّ؟ « هنا يخاطب مباشرة الرب!
الرواية الثانية : أعمال الرسل الأصحاح الثاني والعشرون: « 8 فأَجَبتُ: مَن أَنتَ، يا رَبّ؟ «
الرواية الثالثة : سفر أعمال الأصحاح السادس والعشرون : « 15 فقُلتُ: مَن أَنتَ يا ربّ؟« هذه نصوص طبعة البشارة؛ الموسوعة المسيحية العربية.
أما إذا اعتمدنا :" كتاب العهد الجديد لربنا ومخلصنا يسوع المسيح، وقد ترجم من اللغة اليونانية، النص منقول من طبعة "الكتاب المقدس أي كتب العهد القديم والعهد الجديد، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط" مابين القوسين نُقل من الصفحة الأولى، وفي الصفحة الأخيرة من الكتاب؛ أي نهاية العهد الجديد كتب بحروف لاتينية :" „Arabic Bible 43 20M – 1991“ اسفل أخر الصفحة من رؤيا يوحنا اللاهوتي.
فسنجد: «15 فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ بدلا من لفظة "الرب" جاء لفظة الـ «سيد« كما جاءت في الأصحاح التاسع/ الفقرة 5 ثم يأتي فقال الرب، الرواية الثانية الأصحاح الثاني والعشرون الفقرة 8 أيضاً جاءت بلفظ الـ «سيد« فقال لي أنا يسوع الناصري، الأصحاح السادس والعشرون الفقرة 15 بلفظ الـ «سيد«.

الإشكالية تعود لشخصية الهاتف أو المتحدث مع شاءول فحتى هذه اللحظة غير معروفة شخصيته أو هويته، هو سمع صوتاُ أو سمع هاتفاً مجهول الهوية بدليل صيغة السؤال بــ «مَنْ أنتَ؟« غير أنه اعطاه حكماً بأنه الــ "رب" في رواية وأنه الــ "سيد" في رواية آخرى فالمسألة حسمت بأن السيد أي الرب يسوع المسيح اين الاله هو المتحدث مع شاءول، فلا نقاش أو حوار، بدليل النص ذاته فيسأل: « مَنْ أنتَ ياسيد؟ فتأتي الإجابة: "الرب" «. والمقصود هنا الرب اي الآله وليس الرب بمعنى السيد وفق معاجم اللغة، والقارئ للكتاب المقدس يفهم من الحوار بين بولس وبين الهاتف بهذه الصياغة أن المتحدث/ الهاتف هو الرب >>> الآله.
ولا ينبغي أن تفوت القارئ إشكالية آخرى من أشكاليات النصارى وهي مصداقية الكتب، فصدقية الأناجيل وصحة نسبتها لمن قاله معلومة، ولكنها تحتاج لتسليط الضوء عليها، وهذا بحث يندرج تحت أمهات المسائل، فصدقية النص وليس قدسيته تعود للتواتر في الرواة، وهذا علم أسلامي خالص؛ استسمح القارئ في بعض الوقت لعرضه في مناسبته ووقته.
بالرجوع إلى الكتاب القدس باللغة الألمانية ترجمة „D. Martin Luther“ والصادرة بتاريخ 1964م اثبت لفظة „Herr“ وترجمتها العربية تعني السيد، أما في الصلوات فتقال للرب، وبعض المسلمين في بلاد المهجر يستخدمونها - لفظة „Herr“ - كما جاءت عند نظرائهم مواطني دول الغرب، وإشكالية الترجمة من لغة إلى آخرى سببها الأساسي ثقافة المترجم وإحساسه باللغة الأصلية والتركيبة الذهنية لحظة القيام بالترجمة، فمَنْ هو متشبع بالثقافة المسيحية ودرس لاهوتها يترجم خلاف من درس ثقافة علمانية أو إسلامية، وشخصية بولس المحورية في ابتكار المسيحية الحالية اسطع برهان على صدق ما نقول، فلا توجد كلمة : « السيد « كمرادفة للفظ الجلالة „الله“ في الثقافة الإسلامية، والسيد ليس من اسماء الله الحسنى، وإن كان من معاني لفظة السيد كما جاء عند ابن منظور : « السَّــيِّــدُ « يطلق على الرب والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم ومُحتَمل أذى قومه والزوج والرئيس والمقدَّم (لسان العرب، باب السين ص: 422، المجلد السادس/ ط:1 1408هـ ~1988م، دار إحياء الثراث العربي، بيروت ~ لبنان ).



جدول بالترجمات المعتمدة
الأولى : "الترجمة المشتركة:
5-9 فقالَ شاوُلُ: «مَنْ أنتَ، يا ربُّ؟»
الثانية : "ترجمة فانديك"
5-9 فَقَالَ : «مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟»
الثالثة : "الترجمة البوليسية"
5-9 فقال: «مَنْ أَنْتَ، يا ربّ»
الرابعة : "ترجمة كتاب الحياة"
5-9 فَسَأَلَ: «مَنْ أَنْتَ يَاسَيِّدُ؟»


**
د. محمد الرمادي
ــــــــــ
(1) الكاتب لا يشكك في الرواية بل ينفيها.
ــــــــــ

يتبع ...
**

د. هشام عزمي
06-29-2010, 08:29 PM
بارك الله فيك .. متابعون باهتمام ..!

ontology
06-29-2010, 09:18 PM
كان لدي فقط ملاحظة حول الممهدة.. فلما دكتورنا العزيز لا تفرغو طاقاتكم وطاقة اطفالكم بالبلاد الاسلامية, اليست هي احق بنّا ومن قدراتنا من الغرب؟ اليس البلاد الاسلامي تراجعت في المجالات العلمية بسبب تكاسل شعوبها او تفريغ قدراتهم بما هو دون ذلك؟
اعتذر على التطفل وفعلاً متابع وبشدّة لكتابتك.. وفقك الله لمراضيه انه سميعٌ مجيب..

dr.elramady
06-30-2010, 05:14 PM
الحمد لله على نعمة الخلق والإيجاد والحمد لله نعمة العقل والإدراك ثم الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان.
اشكركما لمروركما العاطر.
أخي الكريم د٠هشام عزمي؛ ارجو متابعتي مع التصحيح.

أخي الكريم ontology قضية المهجر وتواجد الجالية / الأقلية المسلمة في الغرب الأوروبي أو الأمريكي؛ مسألة تعدّت حدود البحث وما وجد استراتيجية لبحثها فقط محاولات ؛هرب الشباب وهجرت العقول البلاد الإسلامية لاوضاعها فابتليت باوضاع غريبة عنها في مهجرها والضحية افراد الاسرة باكملها
طلاب الدرسات العليا ذات التخصصات يجدون في الغرب فرصة أفضل من بلادهم
،والبحث عن لقمة العيش ارغم الكثير على البقاء، أكثريتهم يحملون جنسية الغرب ״الكافر״ ؛هذه المسألة- العيش في الغرب – لاتبحث هكذا كمرور الكرام تحتاج تفصيل وقد نتعرض لها!!
ساعدني ....