الفيلق
07-01-2010, 08:01 PM
دراز أخي العزيز
صدّقني يا دراز الشيطان هو من يلقي عليك مثل هذه الوساوس الشيطان يجد منك قبولاً عندما يشكّك في شيء ما لذلك فهو يتسلّط عليك من هذه الناحية.
قال تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إبراهيم آية 22
هذا الكون إما وجد بموجد أو وجد بمحض الصدفة.
لو تفكّرت قليلاً فقط في هذا الكون سوف تحلف يا دراز أنّه لا يمكن أن يوجد ذاته. لكن شغّل عقلك لبرهة في هذا الكون. الحقيقة عندي أدلة ذكرتها في إحدى المواقع لذلك سوف أقدمه لك هنا, رغم أنّها أدلة ماديّة وجّهة إلى أناس مخصوصين لكن كاتبها ما أراد بها إلا الخير:
إنّ أوّل الأدلة الدالة على وجود الله هو وجود الوجود, فهذا الكون الفسيح أحد ابرز وأهمّ الأدلة الدّالة عليه, فكما قدّمنا لا يمكن القول بأنّ هناك وجود بِلا موجد, والوجود لا يخرج عن حالتين: إمّا أن يكون أزليّاً, أو أن يكون مستحدث. فأمّا القول بأنّه أزلي فباطل؛ لأنّ المصادر العلمية تؤكّد بأنّ الكون مستحدث, وما فيها من مخلوقات هي الأخرى مستحدثه, فبقي القول بأنّه مستحدث, فإن كان مستحدثاً فله حالتان: إمّا أن يوجّد بموجِد, أو أن يوجِد هو ذاته. فأمّا القول بأنّه أوجَد ذاته فباطل؛ لأنّ المستحدث في الأصل عَدَم, والعَدَم يحتاج إلى موجِدٍ ليوجِدَه فبقي القول بأنّه أوجِد بموجِد, وهذا الموجِد هو الله.
ثانيها: هذا النظام الكوني العجيب, والتوازن الطبيعي المذهل, ينفي وبشكل قاطع, أن يكون هو من نظّم ذاته أو جعلها متوازنة بطبعها.
ثالثها: أنّ العبوديّة فطرة في كلّ نفسٍ بشريَّة؛ لذلك تجد نسبة البشر المنكرين لوجود ربٍّ معبود قليلة جدّاً بالنسبة للمقرّين بوجود الربّ المعبود, وهذه العبوديّة الكامنة في النفس لا تحتاج سوى من يوجّهها, فهناك من يوجّهها الوجهة الصحيحة وهناك من يوجّهها الوجهة الخاطئة, فتجد هناك من يصرف العبوديّة إلى الله, ومنهم من يصرفها إلى بوذا, وآخرون إلى جنس من الحيوانات, وآخرون إلى جنس من الأشجار, وآخرون إلى جنس من الجمادات التي لا حياة فيها, وآخرون يصرفون العبوديّة إلى جنسٍ من البشر, بل حتّى الملاحدة المنكرين لوجود الربّ المعبود يصرفون العبادة للطبيعة وهم لا يشعرون؛ لذلك تجدهم يقدّسون الطبيعة تقديس الموحّدين لربهم وتقديس أهل الآلهة لآلهتهم.
إذا علمنا أن العبوديّة إحساسٌ كامنٌ في النفس البشريّة, فيجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً: من الذي جعل هذا الإحساس يطغى على البشر إلى الحدّ الذي نجد فيه البشري لا يستطيع أن يحيى بدون آلهة يعبدها؟! لماذا لا يكون الإنسان حرّاً بلا آلهة ولا عبوديّة لغيره؟!
رابعها: الإنسان هو الكائن الحيّ الوحيد القادر على استغلال موارد الأرض وثرواتها! فالإنسان يستغلّ الحيوانات لأكل لحومها وشرب ألبانها والاستفادة من جلودها, الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه القدرة على الزراعة وإنتاج المحاصيل الزراعيّة التي لولا تدخّل الإنسان لكانت كميّة أنتاجها محدودة وقليلة, الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه القدرة على استخراج المعادن من بطن الأرض والاستفادة منها, الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على صناعة الأشياء واستهلاكها, الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه القدرة على تشييد العمران وبناء المدن, الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع التفكير وتذليل صعوبات الحياة. ولنا أن نسأل: كيف يكون الإنسان هو الكائن الحيّ الوحيد القادر على الاستفادة من موراد الأرض وثرواتها؟ ولماذا الإنسان وحده؟ لماذا لم تكن هناك حيوانات أخرى لديها القدرة على التفكير واستغلال الأرض مثل الإنسان؟ إذا كان وجود الإنسان والكون صدفة, لماذا لم تصنع الصدف كائنات أخرى لديها نفس القدرة التي لدى الإنسان, وتشارك الإنسان في هذه الثروات الأرضيّة الهائلة؟!
خامسها: الرسل الذين أرسلهم الله ليبشّروا به ويخبروا بوجوده ويأمروا النّاس بعبادته, وممّا يثبت مصداقيّة هؤلاء الرسل, تباعد أزمنتهم وأمكنتهم, وتوحّد دعوتهم, واختلاف شرائعهم, ففي تباعد أزمنتهم وأمكنتهم دليلٌ على أنّهم لم يتّفقوا على بثّ هذه الدعوة بين النّاس لغرض ما, وفي توحّد دعوتهم دليل على أن المرسل واحد, وفي اختلاف شرائعهم دليلٌ على أنّهم لم ينقلوا عن بعضهم البعض, وإنّما اختلاف شرائعهم من المُشرِّع الذي شرّع لكل رسولٍ من رُسُله ما يتناسب مع زمانه ومكانه من القوانين.
ومن أوضح الأدلة على صدقهم, أنّهم لم يطلبوا في دعوتهم حظّاً لأنفسهم, بل كان كلّ جهدهم منصبٌّ على الدعوة إلى الله, فلو كان هؤلاء الرُسُل إنّما قاموا من تلقاء أنفسهم؛ لآثروا أنفسهم بشيء من حظوظ دعوتهم, من مالٍ أو مُلكٍ أو أيّ نوعٍ من أنواع المترفات في الحياة الدُنيا. ومن العجيب أن غالبهم توفّي ولا يملك من الدنيا سوى ما كان يقيم أوَدَه أثناء حياته!
ومن الأدلة على صدقهم, أنّهم تحمّلوا المشاق والصعاب, وضحّوا بالغالي والرخيص في سبيل دعوتهم, وتحمّلوا الضرب والأذى الحسّيّ والمعنوي, دون أن يثنيهم ذلك عن دعوتهم, فدلّ ذلك على أنّهم مبعثون من الله, الذي لا يستطيعون أن يتخلّصوا من رسالته إلّا بأمرٍ وإذنٍ منه, وهم مع ذلك محبّون له, قادرين على تحمّل الشدائد في سبيله حبّاً وتعبّداً له. فلو كان هؤلاء الرسل قاموا من تلقاء أنفسهم, لصعب عليهم هذا الأمر صعوبة تجعلهم يقعدون عن الاستمرار في الدعوة إليه.
وإثبات كون حياة هؤلاء الأنبياء حقيقة وليست من قبيل الأساطير, تكمن في تواتر أخبارهم والجزم بصحّتها, والعامّة عادة لا يجزمون بصحّة خبرٍ إلّا كان كذلك, وهم يميّزون بين ما هو حقيقة وما هو أسطورة, بل حتّى لو بلغت الأسطورة عندهم مبلغ الحقائق, فيبقى فيها من المؤشّرات ما يردها إلى حقيقتها, وهو كونها أسطورة.
ومن هؤلاء الرُسُل من بقية أثاره حيَّة للعيان حتّى زماننا هذا, فعلى سبيل المثال آثار سفينة نبي الله نوح, والتي عثر عليها العلماء على سفح جبل الجودي في دولة تركيا, ومدائن صالح, والتي هي في الحقيقة منازل قوم نبيٍّ من أنبياء الله يدعى صالح, ولا تزال أثار عمرانهم قائمة حتّى يومنا هذا, كشاهد حيّ على صحّة حياة النبي صالح عليه السلام. وممن بقية له آثار تدلّ على صحة حياته نبي الله موسى, فقد عثر علماء الآثار في الأهرامات على مومياء تنسب إلى فرعون موسى, وهذه النسبة تعود إلى بعض الأدلة الظاهريّة على المومياء تفيد انتسابها إلى فرعون موسى. ومن الأنبياء الذين يقطع بصحّة حياتهم, نبي الله عيسى ونبي الله محمّد؛ لكونهم أخر الأنبياء مبعثاً, وقرب عهدهم قياساً على عمر الزمن, وتواتر أخبارهم تواتراً متسلسلاً مترابطاً إلى زماننا هذا يؤكّد صحّة حياتهما. وبما أنّه ثبت لدينا صحّة حياة خمسة من الأنبياء, فما عاد هنالك حاجة لنفي باقيهم؛ لأنّ بعض هؤلاء الأنبياء أخبروا عن حياة من سبقهم من الأنبياء.
والأنبياء كُثُر منهم: آدم, ونوح, وإبراهيم, وإسماعيل, وإسحاق, ويعقوب, ويوسف, وموسى, وهارون, وشعيب, ويوشع, وأيّوب, وذو الكفل, وياسين, واليسع, وداءود, وسليمان, وإدريس, وهود, وصالح, ويونس, وزكريّا, ويحيى, وعيسى, ومحمّد؛ وهو خاتم الأنبياء والرُسُل, حسب ما أملته الشريعة الإسلاميّة. وما بين آدم ومحمّد أنبياء كُثُر إلّا أنّ هؤلاء بعض من وصلنا خبرهم.
ولقد بعث الله تعالى مع هؤلاء الأنبياء الكتب, وأنزل فيها الشرائع, وأشهر هذه الكتب أربعة: التوراة, وأنزله الله على موسى, والزبور, وأنزله الله على داءود, والإنجيل, وأنزله الله على عيسى, والقرآن, وأنزله الله على محمّد. وهذه الكتب تخدم قضيّة واحدة, وهي أنّها آيات من الله تعالى أنزل فيها شرائعه؛ ليتحاكم النّاس إليها, إلّا أنّ النبي محمّد دُعِم بمصدر تشريعٍ أخر, وهو ما أثِر عنه من أقوال أو أفعالٍ أو تقريرات, وهو ما يسمى في الشريعة الإسلاميّة بالأحاديث النبويّة الشريفة.
وإلى جانب هذه الأدلة الخمسة, فهناك أدلة أخرى, لكنّها بقدر ما هي مثبتة لوجود الموجِد, فهي مثبتة أن دين الإسلام هو الدّين الحقّ, وذلك لما يلي:
أولها: أنّنا إذا نظرنا إلى ماء زمزم وجدنا أمراً عجبا, فهذا الماء نصّت الشريعة الإسلاميّة على أنّه مبارك, وأنّه يستعمل كبديل للطعام, كما أنّه يشفي من العديد من الأمراض, وفي هذا إشارة إلى كونه باقياً ما عمّرت الأرض بالنّاس, ومع هذا فقد أثبتت التجارب صحّة ذلك, فهو يحتوي على عناصر غذائيّة إلى كونه شفاء للعديد من الأمراض, وفوق هذا كلّه, فهو لم ينضب منذ أكثر من أربعة آلاف سنة! مع أنّ البيئة التي تحيط به بيئةٌ صحراويّة جافّة, ولا يمكن لأي بئرٍ أن تستمر في مثل المناخ الذي تعيشه بئر زمزم! كيف إذا قلنا بأنّ هذه البئر تستمر في النبع بالماء حتّى في مواسم الجفاف الشديدة! هذا من أعجب العجب! فمن الذي أمدّ هذه البئر بهذه الخصائص العجيبة؟ ومن الذي جعلها تستمرّ منذ أن حُفِرت إلى يومنا هذا في مثل هذا المناخ القاسي؟
ثانيها: أنّنا وجدنا أن كل من لم يتلزم بالشريعة الإلهيّة الإسلاميّة فهو عرضة للعقوبة الإلهيّة, ولعل سائلاً يقول: كيف هذا؟ والجواب: أنّه في الشريعة الإسلاميّة هناك مباحات وهناك محرّمات, فكل من تمادى في ارتكاب المحرّمات ففي الغالب تقع له مصيبة حسّية أو معنويّة, وانظر إلى الإسلام كيف أنّه حرّم الزِنا, فلمّا لم يتورّع النّاس عنه أصيبوا بالأمراض الخبيثة الفتّاكة, وكذلك إذ لم يتقيّدوا بشرائعة, فإن أي شريعة يضعها البشر تكون قاصرة عن تنظيم النّاس, وانظر إلى أن الدول الإسلاميّة هي أقلّ الدول من ناحية الإصابة بالأمراض الجنسيّة الخبيثة, كما أنّها أقل الدول في وقوع الجرائم وما شابه ذلك, بل انظر إلى ما يصيب البلدان التي لا تطبّق الشريعة الإسلاميّة تجدها عرضة للمحن من زلازل وأعاصير مدمّرة وفيضانات إلى غير ذلك ممّا الدول المطبقة للشريعة الإسلاميّة في منأً عنه, وإذا لحقهم من ذلك شيء لم يلحقهم سوى الشيء البسيط على قدر ما أرتكبوا من الخطيئة, وكل ما زاد تمسّك قومٍ بالشريعة الإسلاميّة كلّما كان حالهم أفضل ومعيشتهم أفضل, وهذا شيء مشاهد وجرّب.
ثالثها: هي ذات الشريعة نفسها, وهي الشريعة الإسلاميّة, فإنّك إذا اطّلعت عليها وجدتها أكمل الشرائع, فهي لا تأمرك إلّا بخير ولا تنهاك إلّا عن الشرّ, وربما نهتك عن شيء تحبه ولكنّه خير لك في دنياك ومعيشتك, فهي تنهاك عن الخمر مع حبّ النّاس له؛ وذلك لأنّه يذهب العقل وبذلك يساهم في وقوع الجرائم, وتحرّم عليك الزنا وهو لذيذ ومحبّبٌ إلى النفس؛ وذلك لما يحدثه من انتهاك للأعراض, واختلاط في الأنساب, وتفشٍّ للأمراض, وقس على هذا سائر شرائعه تجدها كلّها خير. فمن الذي وضع هذه الشريعة الكاملة؟ ومن الذي عرف المضرّات فنهى النّاس عنها؟
فهذه ثمان أدلّة, تحمل في طيّاتها الكثير من الأدلة الدّالة على وجود الموجِد, وأنّه لا يمكن للمصادفة أن تقوم بإنشاء هذا الكون العجيب, بكل ما فيه من كواكب ومخلوقات, تسير على نظام غاية في الإتقان والروعة, ولا يمكن أن تحقّق للنّاس نظاماً كاملاً ينظّم حياة النّاس.
الوجود
الوجود الذي نعاينه نحن البشر على ثلاثة أنواع: السماء, والكواكب, والأرض. ومع أنّ الأرض كوكبٌ من الكواكب؛ إلّا أنّا ذكرناه منفصلاً عن بقيّة الكواكب لاختصاصه بوجود البشر وسائر المخلوقات الحيّة فوقه.
والكوكب, والنجم, والشِهاب, والمُذنّب, ثلاثة أسماء لوجود واحد, فيسمّى الكوكب كوكباً إذا كان يرى بالعين في شكل مستدير, ويسمّى نجماً إذا ابتعد في الفضاء وصار يصدر ضوءً وكأنّه خماسي الأضلاع أو سداسيّ الأضلاع, ويسمّى شهاباً إذا انقضّ من مكانه بسرعة, ويسمّى مذنّباً إذا صدر منه حرارة وضوءٌ شديد كهيئة الذنب.
فالكواكب لها وظيفتان علّميّتان هما: علامات يُهتدى بها, وزينة للسماء. وثالثة دينيّة حيث تنصّ المصادر الإسلاميّة على أنّها رجومٌ للشياطين, وسوف يأتي معنا بيان ذلك. فأمّا كون الكواكب علامات يهتدى بها, فهي علامات في ثلاثة مواضع: علامات لمعرفة الاتجاهات الأربع, وعلامات لمعرفة المواسم والفصول, وعلامات لمعرفة الأيّام والشهور.
فأمّا كون الكواكب علامات لمعرفة الاتجاهات الأربع, فإن النجم القطبي, يشير دائماً إلى جهة الشمال, ويمكن تمييز النجم القطبي من بين سائر النجوم بكونه أدنى النجوم إلى الأرض. وإذا عرفت اتجاه الشمال سهل عليك معرفة باقي الاتجاهات الأخرى.
وأمّا كونها علامات لمعرفة المواسم والفصول, فذلك أنّه لكل فترة زمنيّة على وجه الأرض, يبرز نجمٌ في السماء, وهذا النجم يحمل شكلاً فريداً, وعند خروج هذا النجم يتميّز مناخ الأرض بحالة خاصّة ما دام هذا النجم ساطعاً في السماء. فإذا أفل هذا النجم, زالت هذه الحالة المناخيّة, وبرز نجم آخر وحالة مناخيّة أخرى.
وأمّا كونها علامات لمعرفة الأيّام والشهور, فهذا مختصٌّ بكوكب القمر, ذلك أنّ القمر يدور حول الأرض, وله في كل يومٍ منزل معيّن وشكل معيّن, ومن خلال شكله ومنزله من السماء يعرف اليوم الذي يعيشه النّاس, هل هو الأوّل أو الثاني وهكذا, ويستدل بالقمر على معرفة الشهور, وذلك أنّه عند بداية الشهر يكون له شكلٌ معيّن وهيئة معيّنة ووِلادة معيّنة, وعند نهاية الشهر كذلك, إلّا أنهما تختلفان عن بعضهما فيعرف النّاس من خِلال ذلك بداية الشهر ونهايته.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إنّ الصدفة لا يمكن أن تحدّد وظائف هذه الكواكب ولا يمكن أن تكون هذه الكواكب تبرّعت بخدمة الإنسان مجّاناً؛ لأنّها في الأصل جمادات لا حياة فيها, بقي أن نقول: بأنّ هناك من أسّس هذه الكواكب وأوجدها لخدمة الإنسان, فمن هو الذي قام بذلك؟ وما الذي ميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات حتّى يسخّر الكواكب في خدمته؟!
أمّا الأرض فتحتوي على عدّة عناصر: الغازات, والجمادات, والمياه, والنباتات, والحيوانات, والإنسان. ولكلّ من الأرض وعناصرها وظيفة تقوم بها, وحتّى الآن وأظنّه إلى الأبد, فإنّ كوكب الأرض هو الكوكب الوحيد الصالح للحياة؛ لما أودع فيه من المميزات والخصائص التي تجعله صالحاً لها, فكيف حدث هذا؟ وكيف تكون الأرض وحدها هي الكوكب الصالح للحياة؟ لا يمكن أن نقول بأنّ الصدفة هي من عمل ذلك؛ لأنّ الصدفة في هذه الحالة سوف تؤهّل كوكباُ وثانٍ وثالثٍ للحياة, وهذا ما لا نجده ولن يوجد. بقي أن نقول بأن موجد الوجود هو من أهلّ الأرض لهذه المهمّة.
النظام الكونيّ الطبيعي البديع
من أعجب ما يميّز الوجود, هو النظام الكونيّ البديع, فها أنت ترى أنّ الكواكب تسير في طريق مرسومٍ لها, وهي في حركتها لا تتصادم,؛ لأنّ كل كوكبٍ منها قد جعل له مسلكاً لا يحيد عنه, ثم نحن نرى الشمس والقمر, وحركتهما البديعة, والعجيب أنّهما لم يغيّرا مسارهما منذ وجدا, فإذا هبطت إلى الأرض, ننظر إلى الجبال ما بين أسود وأزرق وأبيض, وإلى الهضاب الحُمر, وإلى التلال, والأودية, والأنهار, والجداول, وإلى السهول, والغابات, وما في ذلك كلّه من ألوان مختلفة بديعة يعجز عن رسمها أحذق الرّسّامين والمصوّرين.
ثم انظر كيف أنّ النباتات لمّا كانت في نموٍّ مستمرّ, وجِدَت الحيوانات آكلة الأعشاب لتحدّ من هذا النموِّ المتزايد للنباتات, ولمّا كانت الحيوانات العشبيّة في تكاثر مستمرّ, وجِدَت الحيوانات المفترِسَة, لتحدّ من تكاثرها, ثم الحيوانات المفترسة قصيرة الأعمار, وبما أنّ ضررها متعدّي على الإنسان, أُذِن للإنسان في قتل العادي منها, فكان تكاثرها بذلك محدوداً لا يخلّ بالنظام الطبيعي العامل على حفظ توازن الطبيعة.
وربما يسأل سائلٌ: إذا كان الأمر هكذا, فلماذا لم يكن نموّ النباتات بسيطاً ولا حاجة لنا في وجود الحيوانات آكلة الأعشاب والحيوانات المفترسة؟ والجواب: أن النباتات مهما كان نموّها بسيطاً فسوف تتزايد وتنمو حتّى يستفحل أمرها وتغطيّ وجه الأرض, فكان لزاماً وجود كائنات تقتات عليها من أجل العيش.
إنّ حوادث الموت الفجائي والسببي, ووقوع المجاعات المهلكة, وقضاء الكائنات بعضها على بعض, كلّ ذلك من أجل توازن الطبيعة, والحيلولة دون استفحال عنصر من عناصر الطبيعة على الأخرى, فالصدفة لا يمكن أن تحدث مثل هذا النظام والتوازن, ولنا أن نسأل: من أوجد هذا النظام والتوازن الطبيعي؟
إنّه لا يمكن أن يختلّ توازن الطبيعة إلّا بتدخل سافرٍ من الإنسان, فالإنسان إذا اقتصد في استهلاك الأرض للزراعة, واقتصر في صيده للحيوانات على ما دعته الضرورة, لن يكون هناك تخلخل في توازن الطبيعة, لكن حتّى تدخّل الإنسان في الطبيعة, ليس له سوى تأثيرٌ وقتي عليها ثم تعود كما كانت.
فصل
إنّ جميع ما سبق, ليثبت حقّاً أنّ هذا الكون أوجده الله تعالى بقوّته وقدرته, وأنّه لا حظّ للمصادفة فيه بتاتاً؛ لأنّ المصادفة لن تخلق لنا كوناً عظيماً في تركيبه وتنظيمه, ولو سلّمنا بذلك جدلاً, فإنّ المصادفة لن تخلق لنا سوى كائناتٍ لا روح فيها, جامدةً في حركتها وسكونها, خالية من التمييز والعقل والإدراك, هذا إن استطاعت المصادفة أن توجد ولن توجد.
وما كنت في حاجة لسرد هذه الاستدلالات؛ لأنّ وجود الخالق والتعلّق به غريزة فطريّة في نفوس الخلق, لا ينكرها إلّا مكابر متكابر, وإحساس البشر خصوصاً بالعبوديّة, وحاجتهم إلى إله يأمنون به, ويلوذون به وقت شدائدهم, ويصرفون له العبادة لإشباع هذه الغريزة, أكبر شاهدةٍ على هذه الحقيقة, فأيّ شهادة أوثق من هذه الشهادة, وأيّ دليل هو أمتن من هذا الدليل, والله يهدي من يشاء ويختار.
انتهى
في النهاية أقول: إذا كنت تريد الإيقان بالله تعالى, فلتتقرّب من الله, ولتسأله الهداية, ولكن بصدق وإخلاص. وصدّقني سوف تعرف الله حقّ المعرفة.
Powered by vBulletin™ Version 4.2.1 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, ENGAGS © 2010