المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحلل المحبوكة في الرد على صاحب السكسوكة !!



حازم
08-02-2005, 06:27 PM
بقلم : فتى الادغال

• الصراعُ بينَ الأصالةِ والمُعاصرةِ ، صراعٌ مُختلقٌ متوهّمٌ ، لم يفتعلهُ إلا بعضُ المستغربينَ المُتأخرينَ ، والذينَ كانوا يرونَ الدينَ والديانة َ مجموعة ً من القيمَ الفاضلةِ ، والأخلاق ِ الحميدةِ ، وجزءً من التراثِ والتأريخ ِ ، وذكرياتٍ جميلة ً ، ولكنّهُ لا يصلحُ للتطبيق ِ ، أو الممارسةِ الكاملةِ في هذا العصر ِ ، وإن كانَ ولا بُدَّ منهُ ومن ممارستهِ ، فبعدَ تهذيبهِ وتنقيتهِ من دسائس ِ السلفيةِ ، ومكر ِ الوهّابيّةِ ، والتي أرسى دعائمها الشيخُ المُجدّدُ : محمّدُ بنُ عبدِ الوهّابِ ، وحملَ فيما بعدُ رايتَها ملوكُ هذه البلادِ - أدامَ اللهُ سعدهم - ، وجعلوا منها نهجاً لهم وأساساً لمملكتهم وحكمهم .


وقبلَ أيّام ٍ خرجَ علينا البكّاشُ الكبيرُ ، ذو السكسوكةِ المُحترمةِ : سعودٌ السرحانُ ، بمقالةٍ يمجّدُ فيها دعاة َ التغريبِ ، ويحطُّ ويضعُ على من أسماهم فيها بالمحافظين ! ، ويختطفُ الشريعة َ من كونها ديناً وحُكماً ، فيجعلها سياسة ً وولاءاتٍ ، لا دخلَ للدين ِ فيها .

لا يُلامُ السرحانُ في أطروحاتهِ هذه ، فالرّجلُ يُعاني من فوبيا مزمنةٍ معقّدةٍ ، تُسمّى : " السلفيّة َ " و " الوهّابيّة َ " ، فهو يشتمُها بمناسبةٍ وبلا مناسبةٍ ، ويختلقُ حولها الأكاذيبَ والأباطيلَ ، ولا يجرأ على مناقشةِ أحدٍ منهم ، فهم - بحسبِ كلامهِ - أصحابُ شبهٍ ، ويحبّونَ الجدلَ ! ، وإذا خلا هو إلى شياطينهِ عضَّ على أناملهِ غيظاً ، واخترطَ قلمهُ وانتزعَ طِرسهِ ، ثمَّ ثلطَ بكلام ٍ ممجوج ٍ ، وأسلوبٍ ثقيل ٍ ، يجمعُ ضحالة َ الطرح ِ ، وبرودَ الأسلوبِ ، والتلفيقَ والكذبَ ، مع نفثاتٍ مقهور ٍ لكثرةِ ما يُعاني من ضرباتٍ موفّقةٍ منهم .

ومع ذلكَ فنحنُ نُحِبُّ السرحانَ كثيراً ، ونقرأ لهُ ، ونكرهُ أن يتركَ الكتابة َ ، فالنفوسُ قد ملّتْ من الأخبار ِ والحوادثِ ، والنوادرُ اضمحلّتْ ، والطرائفُ تلاشتْ أو كادتْ ، والحمدُ للهِ الذي منَّ علينا بهذا المهيريج ِ ، لنضحكَ من ثقافتهِ العاليةِ المستوى ، وكِتاباتهِ الجليلةِ المكانةِ ، وتدليسهِ الذي بزَّ بهِ من سبقَ .

هذا الرّجلُ هو الأبُّ الرّوحي للمهرِج ِ الآخر ِ : حسن ِ بن ِ فرحانَ المالكيِّ ، ذلكَ الخنفشاريُّ الممتعُ ، والذهينُ المتشبّعُ بما يجهّزهُ لهُ السرحانُ ، فالسّرحانُ هو من يحضّرُ النصوصَ لعلاّمةِ الزمان ِ ابن ِ فرحانَ ، والآخرُ يخرجُ مزهواً بها ، يمدُّ بها أشداقهُ ، وينفخُ بها كيرهُ .

لا تعجبوا فالزّمانُ كلّهُ عجائبُ ! .

رحمَ اللهُ نادرة َ الزمان ِ أبا العيناءِ ، ذلكَ الأديبَ النديمَ الظريفَ ، أوحدَ الزمان ِ في الطرافةِ والمجون ِ والملاحةِ في الجوابِ ، وأحدَ دهاةِ الدهر ِ في سرعةِ البديهةِ واللطافةِ ، فقد سُئلَ ذاتَ مرّةٍ : لمَ لا تشربُ الخمرَ ، فقالَ : لأنّي أعجزُ عن قليلهِ ، وأفتضحُ عندَ كثيرهِ ، ورحمهُ اللهُ وبرّدَ مضجعهُ ، فقد أنصفَ من نفسهِ ، وتركَ تعاطي ما يجلبُ عليهِ العارَ والفضيحة َ .

وليتَ باحثة َ العصر ِ ونادرة َ الزمان ِ السرحانَ ، أخذ َ نصيحة َ صاحبِنا أبي العيناءِ ، فتركَ الكتابة َ والبحثَ ، وذاكَ لأنّهُ يفتضحُ عندَ قليلهِ قبلَ كثيرهِ ، ويضنيهِ التجرّدُ و يُتعبهُ الإنصافُ ، فيحملانهِ على التزيّدِ والكذبِ والتدليس ِ .

كم تمنّيتُ لو كانَ السرحانُ سطراً في حياةِ أبي العيناءِ ، لأنَّه سيجدُ فيهِ مادّة ً خصبة ً لنوادرهِ وتهكّماتهِ ، ويخلعُ عليهِ صفاتِ الثّول ِ والأفْن ِ ، فيثبتُ خبرهُ في الأذهان ِ ويستقرَّ في النفوس ِ ، ويغدو مع مرور ِ الزمان ِ رمزاً من رموز ِ الشلل ِ الفكري ، والإعاقةِ العلميّةِ .

يقولُ السرحانُ فيما كتبَ أخيراً : " اتخذ الصراع على لبس "البرنيطة" وجهاً آخر فقد صار صراعا بين مؤيدي الخلافة والداعين إلى إعادة إحيائها، لا سيما في مصر والشام، وبين الذين فرحوا بزوال الخلافة وملك آل عثمان، وانتهاء عهد السلطان عبدالحميد المستبد " .

لاحظوا هنا توظيفَ بعض ِ المفرداتِ المنفّرةِ في مكر ٍ منهُ ، والتي تحوي خلفها كمّاً هائلاً مُختزلاً من المعاني الموتورةِ ، والمقاصدِ الموبوءةِ ، فهو يقصدُ بذلكَ أنَّ الخلافة َ انتهتْ لأنَّ الناسَ أرادوا ذلكَ ، حيثُ كانَ " السّلطانُ عبدالحميدِ " مُستبدّاً ، وقامعاً لهم ، فضجَّ النّاسُ وملّوا ، وارتموا في حضن ِ أتاتورك وجماعتهِ .

هنا تكمُنُ بشاعة ُ فكر ِ السّرحان ِ ورهطهِ ، وكيفَ يختلونَ بالقرّاءِ ، فقد أغفلَ في لؤم ٍ منهُ ، جميعَ ممارساتِ أتاتوركَ القمعيّةِ ، وجميعَ أشكال ِ الاستبدادِ التي فعلها ، ولم يوجّهُ لهُ كلمة َ نقدٍ واحدةٍ ، أو حرفاً لاذعاً ، بل على العكس ِ من ذلكَ جعلهُ هو وأصحابهُ : " تيار التحديث الذي يجمع دعاة التنوير والاصلاح ومعهم دعاة التغريب ويطلق عليهم خصومهم اسم "المتفرنجين"، وهؤلاء كانوا يدعون إلى الاصلاحات الدينية والسياسية والاجتماعية والسعي إلى النهوض بالأمة، وكانوا يدعون إلى الاستفادة مما وصل إليه الغرب من معارف " .

هذه هي أساليبُ التدليس ِ المفضوحةِ ، والتي تعتمدُ على الكذبِ الصريح ِ ، ولفّهُ فيما بعدُ تحتَ عباءةِ الفكر ِ المُستنير ِ ، والبحثِ الحرِّ النزيهِ .

لقد أغفلَ هذا الشابُ الظريفُ ! جميعَ أفعال ِ أتاتوركَ القمعيّةِ ، وممارساتِهِ الإقصائيةِ ، والتي تمثّلتْ في إعدام ِ مجموعةٍ كبيرةٍ من العلماءِ ، ومن مؤيدي الخلافةِ ، ومطاردتهم في جميع ِ البلدان ِ ، فقد قامَ أتاتوركُ بطردِ السلطان ِ عبدِ الحميدِ وإخراجهِ من قصرهِ في منتصفِ الليل ِ وهو بلباس ِ النّوم ِ ، وبعدَ يومين ِ قامَ بطردِ جميع ِ أمراءِ آل عُمانَ وأميراتِهم من البلادِ .

ثمَّ في تدليس ٍ آخرَ يقولُ : " فالصراع على لبس "البرنيطة" كان صراعاً فكرياً على الحداثة والتحديث فالتحديثيون دعوا إلى لبس البرنيطة (التي كانت تلبس في الغرب) بدلاً من الطربوش شعار الدولة العلية العثمانية، أما المحافظون فكان لبس البرنيطة عندهم حراماً " .

هكذا يحصرُ الخلافَ في لبس ِ البرنيطةِ على مدرستين ِ فكريتين ِ ويجعلهُ صِراعاً فكريّاً فحسبُ ، ولكنّهُ يغفلُ أنَّ أتاتوركَ الذي حرّمَ لُبسَ البرنيطةِ ، وهو نفسهُ من حرّمَ جميعَ مظاهر ِ الديانةِ والتديّنُ في تركيّا ، بلغ َ بهِ الاستبدادُ مبلغهُ حينَ قامَ الأتراكُ بقتل ِ المئاتِ من المُسلمينَ وتعليقهم على أعوادِ المشانق ِ ، لرفضهم لُبسَ البقعةِ والبرنيطةِ ، وقد تمّتْ مُحاكمة ُ أولئكَ في محاكم ِ الاستقلال ِ التي أقيمتْ في جميع ِ أنحاءِ تركيّا آنذاكَ .

لقد كانتْ أفعالُ أتاتوركَ المُستبدّة ُ أكبرَ بكثير ٍ من مجرّدِ قتل ٍ مئةٍ أو مئتين ِ ، بل وصلتْ إلى حدِّ الإسفافِ والتبجّح ِ ، حينَ فرضوا على النّساءِ السفورَ ونزعَ الحِجابِ ، بل زادَ صلفهُ ووقاحتهُ حدّاً لا مزيدَ عليهِ فيهِ ، حينَ حرّمَ الكتابة َ باللغةِ العربيّةِ ، وأربى على ذلكَ بأنهُ جازى من يفعلُ ذلكَ في المطابع ِ التركيّةِ بالسجن ِ لمدّةِ ثلاثةِ أشهرَ وغرامةٍ ماليّةٍ قدرُها عشرة ُ جُنيهاتٍ .

ولولا خشيتْ الإطالةِ لنقلتُ لكم هنا كلامَ المستشرق ِ " كارل بروكلمان " حولَ ما فعلهُ المستبدُّ الظالمُ " مصطفى كمال أتاتوركَ " من عظائمَ وطوامٍّ يندى لها الجبينُ ، والتي قامَ الباحثُ النزيهُ " السرحانُ " ! بغضِّ الطرفِ عنها ، وكأن لم تكنْ ! ، وأمّا عبدُالحميدِ ورهطهُ فهم المتزمّتونَ ، والمستبدّونَ ، وهم من جعلوا البرنيطة َ حراماً ، والطربوشَ واجباً ! .

عندما يكونُ رائدُ البحثُ هو الهوى ، وحاديهِ الحقدُ والكراهية ُ ، فسوفَ تكونُ النتيجة ُ الكذبُ والتزويرُ ، والحمدُ للهِ أنَّ كتبَ أهل ِ العلم ِ موجودة ٌ ، والتأريخ ٌ حاضرٌ ، ومن أرادَ المزيدَ فليرجعْ إلى الكتبِ التاليةِ :

- تركيا الحديثة ُ لمحمّد عزّت دروزة .

تاريخُ الشعوبِ الإسلاميّةِ لكارل بروكلمان .

- التيّاراتُ القوميّة ُ والدينيّة ُ في تُركيّا المُعاصرةِ لأحمدَ السعيدِ سُليمانَ .

- الذئبُ الأغبرُ لأرمسترونج .

وغيرُها من الكتبِ والمراجع ِ ، والتي توضّحُ بجلاءٍ حقيقة َ أولئكَ الغزاةِ من التغريبيينَ الحاقدينَ ، والذين كانوا يدّعونَ التنويرَ والحضارة َ ، فتحوّلوا بينَ عشيّةٍ وضُحاها إلى دعاةٍ قتل ٍ واستبدادٍ وهمجيّةٍ ، ومع ذلكَ لم نسمعْ من هذا الباحثِ المنصفِ النزيهِ المُحترم ِ ! كلمة َ لوم ٍ واحدةٍ ، أو حتّى إنصافاً لخصومهم ، والذي كانوا يُحاولونَ الحفاظَ على ما تبقّى من كرامتهم ودينهم ، في وجهِ ذلكَ المدِّ اللادينيِّ السافر ِ .

وهاهو التأريخُ يعيدُ نفسهُ ، فهذه ربّة ُ الحضارةِ المُعاصرةِ ، أمريكا المصونُ ، تلكَ الحية ُ الرّقطاءُ ، والذئبة ُ الغبراءُ ، تكشفُ عن حقيقةِ حضارتِها ، وتعلّمُ العالمَ أصولَ الديمقراطيّةِ ، فيفجأنا الواقعُ بالصور ِ الفاضحةِ ، والمشاهدِ البائسةِ ، لأولئكَ الأشرافِ الذين سُجنوا في سجون ِ دعاةِ الحضارةِ ذاتِ القذارةِ ، فتبيّنتْ حالُهم ، واتضحَ زيفُ دعواهم ، وسقطوا وأسقطوا معهم أولئكَ النفرَ المفتونينَ بتراثِ الغربِ العظيم ِ من حقوق ِ الإنسان ِ ، ودعم ِ الحرّياتِ .

ثمَّ يقولُ : " وبعد إلغاء كمال أتاتورك الخلافة العثمانية سنة 1924م وبدئه بمحاربة كل ما يمت إلى الخلافة بصلة " .

لاحظوا عِبارة َ : " ما يمتُّ إلى الخلافةِ بصلةٍ " ! ، وكأنَّ الأمرَ لم يعدُ عن كونهِ تغييرَ لنظام ِ حكم ٍ بنظام ٍ آخرَ بديل ٍ ، والمسألة ُ مسألة ُ حضارةٍ وتقدّم ٍ ، ويُقابلها آخرونَ قابعونَ في التخلّفِ ، متقوقعينَ على أنفسهم ، منكفئينَ على ذواتِهم ، وهو في هذا يذهبُ بعيداً ، فيختلسُ من قارئهِ الموافقة َ على أنّ أساسَ الخلافِ هو هذا فقط ، وهو أمرٌ لم يقلهُ حتّى دهاقنة ُ الكفر ِ وعباقرة ُ الباحثينَ منهم ، برغم ِ عظيم ِ حقدهم على الإسلام ِ ، ومحاولتهم للنيل ِ منهُ ومن دولتهِ ، إلا أنّهم أنصفوا جدّاً ، حينما ذكروا أتاتوركَ ، وكيفَ أنَّ الرجلَ هدمَ صوى الإسلام ِ ومنارها في تركيّا ، وحوّلها إلى دولةٍ علمانيّةٍ لا دينيّةٍ ، وكانَ يقصدُ إزالة َ جميع ِ مظاهر ِ الديانةِ ما أمكنهُ ذلكَ ، وتضييق ِ الخِناق ِ على الإسلام ِ ليبقى في أقلِّ دائرةٍ لهُ ، فياللهِ كيفَ يكونُ كفرة ُ بني آدمَ ، أكثرَ عدلاً وإنصافاً لأهل ِ الإسلام ِ من أهلهِ ! .

ثمَّ يقولُ : " إن لهذا اللباس الظاهر للرجال والنساء المنتسبين إلى الصحوة دلالة سياسية فمع كونه أصبح رمزاً للصحوة، وعلامة فارقة لها، فإنه يعطي إشارة إلى كثرة المنتمين إليها في المجتمع مما يشكل وسيلة لاستعراض القوة " .

أرأيتم الباحثَ النزيهَ ذا السكسوكةِ المحترمةِ ! ، كيفَ لم يقاومْ حنقهُ وغيظهُ ، حينَ خرجَ علينا بأسلوبٍ لا علميٍّ ، ولا يمتُّ للبحثِ النزيهِ بصلةٍ ، فوصفَ مظاهرَ الديانةِ والتديّن ِ أنّها مُجرّدُ " وسائلَ لاستعراض ِ القوّةِ " ، فهو بهذا يُخليها من الجانبِ الرّوحيِّ فيها ، والتعبّدِ للهِ بها ، والقيام ِ بإظهار ِ شعائر ِ اللهِ تعالى ، وأنّها مجرّدُ مظاهرَ داجّةٍ ! ، لا تمتُّ للدين ِ بصلةٍ .

لكن ما هو رأيُ الباحثِ النزيهِ بالدول ِ التي تنتشرُ فيها مظاهرُ السفور ِ والتفسّخ ِ ، وتكثرُ فيها مغاني الشرِّ وقلاعهُ ، هل ذلكَ أيضاً دليلٌ على استعراض ِ القوّةِ ، أم أنّهُ حريّة ٌ شخصيّة ٌ ، وواقعٌ يجبُ قبولهُ ، واعترافٌ بآخرَ لهُ حقُّ العيش ِ والمواطنةِ وإبداءِ الرأي ؟ .

لقد أصبحَ كلُّ آخر ٍ مقبولاً مكفولاً لهُ حقُّ المواطنةِ والرأي ، إلا آخرُ آخرٌ جلسَ هناكَ بعيداً ، حينَ رفضهُ عقلاءُ العقلاءِ ! وسادة ُ البحثِ النزيهِ ، ولفظوا رأيهُ وفكرهُ ، وجعلوا منهُ ومن آراءهِ ورماً لا بُدَّ أن يستأصلَ ، ومرضاً لا بُدَّ أن يُقضى عليهِ ، وهذا الآخرُ هو من التزمَ الإسلام ِ بحرفيّتهِ ونصوصهِ ، وجعلهُ أساسَ الحياةِ ومادّة َ الوجودِ المُديرةِ لنظامهِ ، والمُصلحةِ لشئونهِ .

ثمَّ يقولُ : " لذا فإن الحكومة الفرنسية لما أرادت أن تخوض حرباً مع جماعات الإسلام السياسي بدأت بمحاربة هذا الرمز تحت مسمى منع الرموز الدينية، وهو لم يكن رمزاً دينياً بقدر كونه رمزاً أيديولوجياً " .

آه من هذه الضحالةِ المُفرطةِ ، والسذاجةِ المُضحكةِ ! ، وعجباً لهذه السطحيّةِ الفظيعةِ من هذا الباحثِ الأكاديميِّ المهذّبِ ! .

فرنسا تُحاربُ إسلاماً سياسياً .

يا للغباءِ حينُ يكتنفُ شخصاً كهذا ، فيجعلهُ أضحوكة ً ومهزلة ً لم تحصلْ ، فلقد غابَ عن عقليّةِ المفكّر ِ الفذِّ أن فرنسا ذاتَها هي من حرّمتْ الصليبَ الكبيرَ البارزَ على صدور ِ النصارى ، فهل هذا يرمزُ للنصرانيّةِ السياسيّةِ أيضاً ؟ ، أم هو الحربُ على الحجابِ وغيرهِ من المعالم ِ لأنّها من الدين ِ والشرع ِ ؟ ، وليسَ كما يصوّرهُ هذا الشخصُ المهذّبُ ! على أنّهُ مجرّدُ رمز ٍ سياسيٍّ لأناس ٍ امتطوا صهوة َ الدين ِ لنيل ِ مآربَ سياسيّةٍ ومطامعَ رئاسيّةٍ .

يعمدُ هؤلاء ِ المستغربونَ إلى شعائر ِ الدين ِ وتعاليمهِ ، فينتزعوا قدسيّتها ،ويزعموا أنها ليستْ سوى شِعاراتٍ لإسلام ٍ سياسيٍّ ، الغرضُ منها احتلالُ السلطةِ ، وخوضُ معاركَ رئاسيّةٍ ، أو لانتزاع ِ ولاءاتٍ شعبيّةٍ ، واستعراض ٍ للقوّةِ .

ويبدو التناقضُ واضحاً هنا حينَ يقولُ : " إلا ان الجدير بالملاحظة انه مع إفتاء علماء السعودية بجواز لبس العقال، إلا أن المشايخ وطلبة العلم الديني لا يلبسونه اليوم " .

من الذي يجعلُ اللباسَ الآنَ شِعاراً سياسيّاً ! ، هل هم أربابُ الإسلام ِ السياسيِّ – على حدِّ قول ِ المهذّبِ - ، أم خصومهم الذين يحشرونَ جميعَ أفعالهم سواءً كانتْ عفواً أو قصداً ، على أنّها تسييسٌ للدين ِ ، وحربُ مظاهر ٍ مع الطوائفِ الأخرى ، ومحاولة ٌ لكسبِ ودِّ الشارع ِ ، أو التميّز ِ عنهم .

لقد كنّا ولا زلنا نلبسُ أشمغتنا تارة ً بعقال ٍ وأخرى بدونِها ، وأكثرُنا حينَ يذهبُ وظيفتهُ أو يخرجُ في مناسبةٍ فإنّهُ يُزيّنُ رأسهُ بلبس ِ العقال ِ ، وهناكَ أكثرية ٌ من الناس ِ لا تلبسهُ استثقالاً لهُ ، وتخفيفاً منهُ ورحمة ً بالرأس ِ ، فلماذا يُجعلُ من الفعل ِ البريءِ الخالص ِ من شوائبِ المظاهر ِ دليلاً على ولاءٍ وانتماءٍ لطائفةٍ أو أخرى ! .

إنَّ هؤلاءِ البؤساءِ لا يعرفونَ معنى حلاوةِ الإيمان ِ ، ولا طعمَ العبادةِ ولذّةِ المناجاةِ ، فلفرطِ بعدهم عن اللهِ أظلمتْ قلوبُهم ، ورقّتْ أفهامهم ، وخارتْ عزائمهم ، وأصبحوا يعلمونَ ظاهراً من الحياةِ الدنيا وهم عن الآخرةِ هم غافلونَ .

إنّهُ الرانُ ، حينَ يغشى القلوبَ ، فتعمى وتعشى عن الهُدى ، فتنتكسَ وتنقلبَ ، فيغدو الحقُّ باطلاً ، والمعروفُ منكراً ، فلا تعرفُ إلا هواها ، ولا تريدُ غيرَ مبتغاها ، فتهيمُ في أوديةِ الدنيا ، وتتردّى في مهاوي الشقاءِ والتيهِ ، فلا تلقى إلا صدراً حرجاً ضيّقاً ، كأنّما يصّعّدُ في السماءِ .

و ارحمتا لهُ ولحالهِ ، كم هو مسكينٌ واللهِ .

هذا بعضُ تهوّرهِ - وهبهُ اللهُ فهماً ورزقهُ عقلاً - فيما كتبَ واستطالَ بهِ على القرّاءِ الكِرام ِ ، ومن تتبّعَ سقطاتهِ وجدها على قارعةِ الطريق ِ سهلة َ المُتناول ِ ، حمىً مباحاً لكلِّ أحدٍ .

إنَّ هذا السرحانَ كغيرهِ من عقلانيِّ العصر ِ ، ومتسولةِ الفكر ِ ، والذينَ يُحاولُ جاهداً أن يحذوَ حذوهم ، ويسيرَ في ركابهم ، ويقلّدهم فيما يطرحونَ ، مع أنّهُ لا يفقهُ كثيراً ممّا يقولونَ ، وإنّما ينتشي فرحاً بما يجدُ ، ثمَّ يمتطي جوادَ فكرهِ المتبلّدِ ، ليكتبَ جملاً وعباراتٍ يسمّيها تجوّزاً : " حروفٌ وأفكارٌ " ، وهي بريئة ٌ من الفكر ِ براءة َ هبنّقة َ من الفطنةِ والذكاءِ ، فتجيءَ وقد حوتْ زيفاً ، واشتملتْ تدليساً ، فلا هو بالذي انتفعَ بما يكتبُ ، ولا هو بالذي حرسَ غفلة َ قومهِ ، أو حصّنَ عورتهم ، بل دلَّ العقلاءَ على خطل ِ رأيهِ ، و أبانَ مخبوءَ حالهِ ودفينَ جهلهِ .

عندما تقرأون لأمثال ِ هذا المهيريج ِ المهذّبِ ! ، لا بدَّ أن تستعرضوا ما بينَ السطور ِ من مكر ٍ وتلبيس ٍ ، وتستخرجوا منها أباطيلهِ وألاعيبهُ ، فتطربوا حيناً وتسترجعوا أخرى ، فمثلُ هذا الباحثِ المُنصفُ الحصيفِ ! جديرٌ بأن يكونَ معلماً بارزاً ، ونُصُباً تذكارياً ، لخنفشاريٍّ حديثِ الفكر ِ ، كثير ِ التخبّطِ ، يُعاني من عسر ٍ هضم ٍ للمعلوماتِ ، وتهتّكٍ في خلايا الفهم ِ والاستيعابِ ، لينالَ بجدارة ٍ لقبَ : سِرحان ِ العصر ِ .

لقد كذبتِ المعتزلة ُ من قبلُ والجهميّة ُ والملاحدة ُ والفلاسفة ُ ، ثُمَّ مشى على دربهم وسلك طريقهم الصليبيّونَ من المستشرقينَ ، وتابعهم دعاة ُ العقلنةِ والتغريبِ ، وحاولوا أن يطفئوا نورَ اللهِ بأفواههم وأقلامهم ، وتباروا جميعاً ليكونوا أشقى القوم ِ ، في وأدِ القيم ِ ودثر ِ الفضائل ِ ونشر ِ التبرّج ِ والسفور ِ ، والتعالي على تعاليم ِ الشرع ِ ، فجاءهم سوطُ ذي النقم ِ ، وجهّزَ لهم بمكر ٍ لطيفٍ منهُ عباقرة ً أفذاذاً ، فبيّنوا للنّاس ِ زيفهم ، وكشفوا عوارهم ، وجعلوهم عبرة ً للنّاس ِ .

ولا تنسوا دوماً : إنَّ للبيتِ ربا يحميهِ .

دمتم بخير ٍ .

أخوكم : فتى .