المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعض الآداب يجب مراعاتها عند المناظرة



أبو عبد الرحمن الشهري
10-27-2004, 02:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
بعض الآداب يجب مراعاتها عند المناظرة
1- إخلاص النية لله تعالى
2- اجتناب الهوى فيغلب متابعة الحق على حظ نفسه ولانتصار لها ولكبرائها ومن علامات ذلك أن لايهمه انكشاف الحق على لسانه أو لسان خصمه فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى .
3- الرجوع إلى الحق متى تبين قال تعالى فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) (النساء : 65 ) (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) (الزمر : 18 ).
4- التحلي بالحلم والصبر (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ) (المؤمنون : 96 ) .
5- التريث .
6- التزام الصدق (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء : 36 ) .
7- الترفق بالخصم (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل : 125 )
8- حسن الاستماع لكلام الخصم .
9- الإنصاف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة : 8 ) .
10- إصلاح المنطق وتهذيبه .
11- تجنب المماراة فالمماري لا يطلب الحق بل المغالبة ومعارضة الخصم وكسره أبدا وهذا ليس من شيم أهل الحق .
12- المناظرة المفيدة إنما تكون بين النظراء في العلم أو المتقاربين .
13- تجنب الإساة للخصم .
14- أصناف لا ينبغي مناظرتهم 1-جاهل لا يقر بجهله 2- مسفسط 3- من عادته التسفه في الكلام

د. هشام عزمي
10-27-2004, 07:27 AM
بارك الله فيك و أحسن إليك

أبو عبد الرحمن الشهري
10-27-2004, 07:43 AM
جزاك الله خيرا يا د. هشام عزمي

وأحب أن أنبه أيضا الأخوة إلى أن يكونوا فطنين فالمؤمن كيس فطن حيث أنه قد يدخل شخص يدعي أنه مسلم ويحاور ثم يرمي بشبه قوية ليشكك في الدين وفي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولا تنسوا قول الله تعالى (وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (آل عمران : 72 )
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) (الروم : 60 )
فكونوا فطنين

أبو عبد الرحمن الشهري
10-28-2004, 03:04 AM
قال تعالى(قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة : 136 )

يجب على من يحاور اليهود والنصارى أن يبين لهم عند الطعن في كتبهم التي حرفوها ، أنه يؤمن بجميع الرسل وجميع الكتب المنزلة فهي من عند الله ولكن أهل الكتاب حرفوا التوراة والإنجيل فالموجود بأدبهم الآن ليست هي التي انزل على موسى وعيسى بل حرفت قال تعالى (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة : 79 )
و أن القرآن ناسخ لما قبله من الكتب قال تعالى (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة : 48 ) .

وهناك كتاب منهج الجدل والمناظرة للشيخَ الدكتور عثمان علي حسن في مجلدين والطبعة التي لدي الأولى لدار أشبيليا 1420هـ عدد صفحاته 1274 ولا أعلم إن كان له طبعات أخرى وهو كتاب ماتع أنصح من يناظر أو يجادل أعداء الدين والفرق المنحرفة أن يقتنيه فهو مفيد جدا في بابه .

كما أو أصي من ينافح عن الإسلام أن يتسلح بالعلم لأنه إذا لم يكن ذا علم يكون ضره أكثر من نفعه.
كما قال الناظم
ربما إذا نظر ****أراد نفعا فأضر
ولا يدافع بمجرد أنه يرأي هو كذا بل لابد أن يكون دفاعه مبني على أصول علمية تفحم الخصم المعاند وتبين الحق لمن كان يطلبه .

أبو عبد الرحمن
10-30-2004, 10:17 PM
جزاك الله خيرا وجزى الله القائمين على الموقع خيرا على تثبيت هذة النصائح

أبو عبد الرحمن الشهري
10-31-2004, 06:14 AM
جزاك الله خيرا يا أبا عبد الرحمن على المرور والمشاركة

وأود أن أضيف هنا أن هناك كتاب يسمى كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة مؤلفة عبد الرحمن بن حسن الميداني عدد صفحاته 764 مجلد واحد ، فهو كتاب قيم تقرره بعض الجامعات من ضمن المقررات التي يدرسها الطلاب .

سيف الكلمة
10-31-2004, 09:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

إضافة صغيرة لما تفضل علينا به الأخ عبد الرحمن جزاة الله خيرا
قد ينجح المحاور فى إثبات خطأ محاوره
وتكون الفائدة قليلة
فإذا كان الموضوع من القرآن ودافعت عنه ونجحت عليك بإبراز ما يقابل ذلك فى الكتاب المقدس وعمل مقارنة ستكون بإذن الله فى صالح القرآن
وإذا كان الموضوع من الكتاب المقدس أوما شابهه من مذاهب الأمم وأثبت خطأ فى قضية فقدم الصواب من القرآن وستكون المقانة فى صالح الإسلام
فحجة الإسلام أقوى دائما
هذا طبعا لمن لديه العلم من المدافعين عن الإسلام كما تفضلتم بالتوضيح
وتكون الفائدة لمن يتفكر ويتدبر بإخلاص من محاورينا وليس لمن يكون من أهل الجدل والسفسطة والسفه مع الجهل كما تفضلتم بالإشارة

أبو عبد الرحمن الشهري
11-01-2004, 11:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكرك أخي سيف الكلمة على هذه الإضافة وجزاك الله خيرا فبعضنا مكمل لبعض وأُعجبت بالمقرنة التي أجريتها في مشاركاتك في موضوع الأسئلة الثلاثة واتفق معك في ما تقول تماما وإنما أردت أعلاه أن أنبه بأنه إذا طعن في كتبهم أن يبين لهم أننا نومن بالكتب سماوية أنزلت على الرسل غير أن اليهود والنصارى حرفوها حتى تكون الحجة واضحة عليهم ولا يجد الخصم مطعن بأننا نطعن في الكتب السماوية دون قيد .

الجندى
03-22-2005, 09:38 PM
حكم مناظرة أهل البدع ، وضوابطها .. للشيخ سليم الهلالي

مناظرة أهل البدع والرَّد عليهم من أصول الإسلام

اعلموا إخواني في الله أسعدكم الله: أن الرَّدَّ من أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح أهل الحديث على رؤوس البدع, رأس في مراد الشارع الحكيم.
ومن استقرأ الوحيين رأى في مواقف الأنبياء مع أممهم, والدعاة مع أهلهم مواقف المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن, وهكذا ورثتهم من بعدهم, فإليكم بيانها:
أولاً- القرآن الكريم:
وردت إشارات صريحة في القرآن الكريم تدل على ذلك, وباستقرائها تبين أنها وردت على وجوه:
أ- بيان وظيفة الأنبياء والرسل في دعوتهم:
من المهمات التي بعث الله جلَّ جلاله رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, بيان مواطن النزاع, والفصل في موارد الإشكال, وفي ذلك يقول الحق عزَّ وجلَّ: (﴿ ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين&#64830 { النحل: 36-39}.
وفى متعلق اللام فى قوله تعالى﴿ ليبين لهم الذى يختلفون فيه ﴾تفسيران:
الأول: أنها تتعلق بقوله ﴿ بلى ﴾ أي: يبعثهم ﴿ ليبين لهم ﴾, الضمير في قوله: ﴿ لهم ﴾ عائد إلى من يموت, لأنه شامل للمؤمنين والكافرين.
الآخر: أنها تتعلق بقوله: ﴿ ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً ﴾ أي: بعثناه ﴿ ليبين لهم ﴾.
قلت: والراجح هو التفسير الأخير, بدلالة قوله تعالى:
﴿ تالله لقد أرسلنا إلى أمم قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم. وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ﴾ {الزخرف: 63-64}.
إذن, فبيان الخلاف بإحقاق الحق وإزهاق الباطل مقصد إلهي من مقاصد إرسال وإنزال الكتب.
ب- الرد على صنوف المخالفين: من الدَّهريين, الصابئة, والمجوس, وأهل الكتاب, والمنافقين, والكفار, والمبتدعين.
ت- إبطال شبه الكافرين والجاحدين بالباطل, وعلى رأسهم إبليس حيث فند الحق شبهه.
ث- تعليم المؤمنين طريق الحوار والاسترشاد والجدل بالتي هي أحسن.
ثانياً: السنة النبوية الصحيحة:
ففي نصوصها الكثير الطيب, فمن فعله:
1- ردَّه صلى الله عليه وسلم على الخويصرة التميمي عندما اعترض على قسمته صلى الله عليه وسلم .
2- وردَّه صلى الله عليه وسلم على النفر الثلاثة الذين سألوا عن عبادته وتقالّوها.
3- وردَّه صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل.
4- وردَّه صلى الله عليه وسلم على من سأله يوم حنين أن يجعل للمسلمين ذات أنواط.
5- محاجة وفد نصارى نجران.
قال ابن قيم الجوزية معلقاً على قصة وفد نجران:
"ومنها : جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم, بل استحباب ذلك, بل وجوبُه إذا ظهرت مصلحته من إسلام من يرجى إسلامه منهم, وإقامة الحجة عليهم, ولا يهرب من مجادلتهم إلا عاجز عن إقامة الحجة, فليول ذلك إلى أهله, وليُخَلِّ بَيْنَ المَطِيِّ وحَادِيها, والقوس وباريها, ولولا خشية الإطالة لذكرنا من الحُجج التي تلزم أهل الكتابين الإقرار بأنه رسول الله بما في كتبهم, وبما يعتقدون بما لا يمكن دفعه ما يزيد على مئة طريق, ونرجو من الله سبحانه إفرادها بمصنف مستقل.
ودار بيني وبين بعض علمائهم مناظرةٌ في ذلك, فقلت له في أثناء الكلام: ولا يتم لكم القدح في نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم إلا بالطعن في الربِّ تعالى والقدح فيه, نسبته إلى أعظم الظلم والسفه والفساد, تعالى الله عن ذلك.
فقال: كيف يلزمنا ذلك؟.
قلت: بل أبلغ مِن ذلك, لا يَتمُّ لكم ذلك إلا بجحوده وإنكار وجوده تعالى, وبيان ذلك أنه إذا كان محمد عندكم ليس بنبي صادق, وهو بزعمكم ملك ظالم, فقد تهيأ له أن يفتري على الله, ويتقول عليه ما لم يقله, ثم يتم له ذلك, ويستمر حتى يحلل, ويحرم, ويفرض الفرائض, ويشرع الشرائع, وينسخ الملل, ويضرب الرقاب, ويقتل أتباع الرسل, وهم أهل الحق, ويسبي نسائهم وأولادهم, ويغنم أموالهم وديارهم, ويتم له ذلك حتى يفتح الأرض, وينسب ذلك كله إلى أمر الله تعالى له به ومحبته له, والربُّ تعالى يشاهده, وما يفعل بأهل الحقّ وأتباع الرسل, وهو مستمر في الافتراء عليه ثلاثاً وعشرين سنة, وهو مع ذلك كله يؤيده وينصره, ويعلي أمره, ويمكن له من أسباب النصر الخارجة عن عادة البشر, وأعجب من ذلك أنه يجيب دعواته, ويهلك أعداءه من غير فعل منه نفسه ولا سبب, بل تارة بدعائه, وتارة يستأصلهم سبحانه من غير دعاء منه صلى الله عليه وسلم , ومع ذلك يقضي له كل حاجة سأله إياها, ويعده كل وعد جميل, ثم ينجز له وعده على أتم الوجوه, وأكملها, هذا وهو عندكم في غاية الكذب والإفتراء والظلم, فإنه لا أكذب ممن كذب على الله, واستمر على ذلك, ولا أظلم ممن أبطل شرائع أنبيائه ورسله, وسعى في رفعها من الأرض, وتبديلها بما يريد هو, وقتل أولياءه وحزبه وأتباع رسله, واستمرت نصرته عليهم دائماً, والله تعالى في ذلك كله يقره, ولا يأخذ منه باليمين, ولا يقطع منه الوتين, وهو يخبر عن ربه أوحى إليه أنه لا صلى الله عليه وسلم أظلم ممن افترى على الله كذِباً أو قال أوحي إليَّ ولم يُوحَ إليه شيء ومن قال سأنزلُ مِثْلَ ما أنزل الله){الأنعام: 93} فيلزمكم معاشر من كذبه أحد أمرين لابد لكم منها:
إما أن تقولوا: لا صانع للعالم, ولا مدبر, ولو كان للعالم صانع مدبر قدير حكيم, لأخذ على يديه, ولقابله أعظم مقابلة, وجعله نكالاً للظالمين إذ لا يليق بالملوك غير هذا, فكيف بملك السماوات والأرض, وأحكم الحاكمين؟
والثاني: نسبة الرب إلى ما لا يليق به من الجور, والسفه, والظلم, وإضلال الخلق دائماً أبد الآباد, لا بل نصرة الكاذب, والتمكين له من الأرض, وإجابة دعواته, وقيام أمره من بعده, وإعلاء كلماته دائماً, وإظهار دعوته, والشهادة له بالنبوة قرناً بعد قرن على رؤوس الأشهاد فكل مجمع وناد, فأين هذا من فعل أحكم الحاكمين, وأرحم الراحمين؟ فلقد قد حتم في رب العالمين أعظم قدح, وطعنتم في أشد طعن, وأنكرتموه بالكلية, ونحن لا ننكر أن كثيراً من الكذابين قام في الوجود, وظهرت له شوكة, ولكن لم يتم له أمره, ولم تطل مدته, بل سلط عليه رسله وأتباعهم, فمحقوا أثره, وقطعوا دابره, واستأصلوا شأفته.
هذه سنته يفي عباده منذ قامت الدنيا, وإلى أن يرث الأرض ومن عليها فلما سمع مني هذا الكلام.
قال: معاذ الله أن نقول: إنه ظالم أو كاذب, بل كُل منصف من أهل الكتاب يقر بأن من سلك طريقه, واقتفى أثره, فهو من أهل النجاة والسعادة في الأخرى.
قلت له: فكيف يكون سالك طريق الكذاب, ومقتفي أثره بزعمكم من أهل النجاة والسعادة؟
فلم يجد بدأ من الاعتراف برسالته, ولكن لم يرسل إليهم.
قلت: فقد لزمك تصديقه, ولابد وهو قد تواترت عنه الأخبار بأنه رسول رب العالمين إلى الناس أجمعين, كتابيهم وأمِّيهم, ودعا أهل الكتاب إلى دينه, وقاتل من لم يدخل في دينه منهم حتى أقروا بالصغار والجزية, فَبُهِتَ الكافر, ونهض من فوره".
والمقصود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل في جدال الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم إلى أن توفى, وكذلك أصحابه من بعده, وقد أمره الله سبحانه بجداله بالتي هي أحسن في السورة المكية والمدنية, وأمره أن يدعوهم بعد ظهور الحُجَّة إلى المباهلة, وبهذا قام الدين, وإنما جعل السيف ناصراً للحجة, وأعدل السيوف سيف ينصر حجج الله وبيناته, وهو سيف رسوله وأمته" ا.هـ.
ومن قوله:
1-"جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.
2-"يحمل هذا العلم من كل خلف عدد له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".
ومن إقراره صلى الله عليه وسلم :
1- إقراره لحسان بن ثابت في هجائه للمشركين:
ثالثاً: أقوال الصحابة رضي الله عنهم:
قام الصحابة رضي الله عنهم بواجب الجهاد عن الإسلام عقيدة وشريعة خير قيام من رد البدع, وتفنيد الأهواء المضلة ووئدها في مهدها, فمن ذلك:
1-مناظرة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لأفراخ الخوارج في مسجد الكوفة.
2-مناظرة عبد الله بن عباس رضي الله عنه للخوارج.
3-مناظرة أمير المؤمنين على بن أبي طالب للخواج.
وستمر بك إن شاء الله, وهي مشهورة:
قال ابن عبد البر رحمه الله:
" وناظر على رضي الله عنه الخوارج حتى انصرفوا, وناظرهم ابن ابن عباس أيضاً بما لا مدفع فيه من الحجة من نحو كلام علي, ولولا شهرة ذلك وخشية طول الكتاب لاجتلبت ذلك على وجهه").

الجندى
03-22-2005, 09:39 PM
باب ذكر ما تعلق به من أنكر المجادلة وإبطاله

احتج من ذهب إلى إبطال الجدال بقول الله تعالى: ﴿الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص﴾ {الشورى: 35}.
وبقوله تعالى: (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن ){آل عمران: 20}.
ومن السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل", ثم قرأ:﴿ ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون ﴾ {الزخرف: 58}.
عن إسحاق بن عيسى الطباع قال: رأيت رجلاً من أهل المغرب جاء مالكاً فقال: " إن الأهواء كثرت قبلنا فجعلت على نفسي إن أنا رأيتك أن آخذ بما تأمرني".
فوصف له مالك شرائع الإسلام الزكاة والصلاة والحج ثم قال: " خذ بهذا ولا تخاصم أحداً ".
عن أبي عبد الله الأزدي قال: حدثني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون بهذه الرسالة وقرأها علي:
" أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله, والاختصار في أمره, وإتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وترك ما أحدث المحدثون في دينهم مما قد كفوا مؤنته, وجرت فيهم سنته, ثم اعلم أنه لم تكن بدعة قط إلا وقد مضى قبلها عليها, فعليك بتقوى الله, ولزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة, وإنما جعلت السنة ليستن بها ويعتمد عليها, وإنما سنها من علم ما في خلافها من الزلل والخلاف والتعمق فارض لنفسك ما رضوا لأنفسهم بعلم وقفوا, وببصر ما كفوا, ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى, وبفضل لو كان فيها أحرى, وأنهم لهم السابقون, فإن كان الهدى ما أحدثتم وما أنتم فيه لقد سبقتموه, ولئن قلتم حَدَثَ حَدَثٌ بعدهم فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيله ورغب بنفسه عنهم, ولقد وضعوا ما يكفي, وتكلموا بما يشفي, فما دونهم مقصر, ولا فوقهم محسن, وإنهم لذلك لعلى هدى مستقيم, فارجعوا إلى معالم الهدى وقولوا كما قالوا, ولا تفرقوا بينما جمعوا, ولا تجمعوا بينما فرقوا, فإنهم جعلوا لكم أئمة وقادة, هم حملوا إليكم كتاب الله وسنة نبيه, فهم على ما حملوا إليكم من ذلك أمناء وعليكم فيه شهداء, واحذروا الجدل فإنه يقربكم إلى كل مؤبقة ولا يسلمكم إلى ثقة ".
فنظرنا في كتاب الله تعالى وإذا فيه ما يدل على الجدال والحجاج فمن ذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ {النحل: 125}.
فأمر الله رسوله في هذه الآية بالجدال, وعلمه منها جميع آدابه من الرفق البيان والتزام الحق والرجوع إلى ما أوجبته الحجة.
وقال تعالى: ﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ﴾ {العنكبوت: 46}.
وقال تعالى: ﴿ ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ﴾ {البقرة: 258}.
وقال تعالى: ﴿ ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم ﴾ {النحل: 123}.
وكتاب الله تعالى لا يتعارض ولا يختلف, فتضمن الكتاب ذم الجدال والأمر به, فعلمنا علماً يقيناً: أن الذي ذمه غير الذي أمر به, وأن من الجدال ما هو محمود مأمور منهي عنه, فطلبنا البيان لكل واحد من الأمرين فوجدناه تعالى قد قال: ﴿ ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق ﴾ {الكهف: 56}.
وقال: ﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا﴾ {غافر: 35}.
فبين الله في هاتين الآيتين المذموم, وأعلمنا أنه الجدال بغير حجة, والجدال في الباطل.
فالجدال المذموم وجهان:
أحدهما: الجدال بغير علم.
والثاني: الجدال بالشغب والتمويه نصرة للباطل بعد ظهور الحق وبيانه.
قال الله تعالى: ﴿ وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ﴾ { غافر:5}.
وأما جدال المحقين فمن النصيحة في الدين, ألا ترى إلى قوم نوح عليه السلام حيث قالوا: ﴿ يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا ﴾ {هود: 32}.
وجوابه لهم: ﴿ ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن انصح لكم إن كان الله يريد أن يقويكم ﴾ {هود: 34}.
==========
وعلى هذا جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم".
فأوجب المناظرة للمشركين, كما أوجب النفقة والجهــــاد في سبيل الله. عن الشعبي قال: قال عمـــــــر لزيــاد بن حدير: "أتدري ما يهدم الإسلام؟ ".
قال: فقال عمر: "زلة عالم, وجدال منافق, وأئمة مضلون".
عن مالك أنه بلغه أن الزبير بن العوام قال لابنه: "لا تجادل الناس بالقرآن فإنك لا تستطيعهم ولكن عليك بالسنة".
وقد تحاج المهاجرون والأنصار وحاج عبد الله بن عباس الخوارج بأمر علي بن أبي طالب, وما أنكر أحد من الصحابة قط الجدال في طلب لاحق. وأما التابعون ومن بعدهم, فتوسعوا في ذلك.
وثبت أن الجدال المحمود هو طلب الحق ونصره, وإظهار الباطل وبيان فساده, وأن الخصام بالباطل هو اللدد الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم".
وجميع ما حكينا أنه تعلق به من أنكر المجادلة محمول على أنه أريد به الجدال المذموم الذي وصفناه, على أن مالك بن أنس قد بينه وأنه الجدل الذي يقصد به رد ما جاء به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم , وكذلك قول الخليل: " ما كان جدل قط إلا أتى بعده جدل يبطله".
أراد به الجدال الذي ينصر به الباطل, لأن ما تقدم كان حقاً لا يأتي بعده شيء يبطله وهو في معنى قول عمر بن عبد العزيز: "من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل".
ويقال لمن أنكر ما ذكرناه: خبرنا عن نفيك المحاجة ودعاءك إلى ترك المناظرة أقلت ذلك بدليل وبرهان أم بغير حجة ولا بيان؟.
فإن قال: قلته بحجة, فقد التزم ما بقى وكفى به حاكماً على نفسه لخصمه.
وإن قال: قلته بغير برهان ولا حجة, كفى الخصم مؤنته بتحكيمه الهوى على نفسه, وكان له عليه إثبات ما بقى من المناظرة مثل دعواه من غير حجة ولا برهان: ﴿ ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ﴾ {القصص: 50}.
والله تبارك وتعالى يقول: ﴿ ولو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن ﴾ {المؤمنون: 71}.
وكفى بقول يقود إلى هذا قبحاً " ا. هـ مختصراً.

الجندى
03-22-2005, 09:40 PM
التوفيق بين أقوال السلف في النهي عن مجادلة
أهل البدع وقيامهم بهذا الأصل


وردت أقوال كثيرة عن السلف في النهي عن مجادلة أهل البدع ومناظرتهم:
عن أبي على حنبل بن إسحاق بن حنبل قال:كتب رجل إلى عبد الله رحمه الله كتاباً يستأذنه في أن يضع كتاباً يشرح فيه الرد على أهل البدع, وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم, ويحتج عليهم, فكتب إليه أبو عبد الله :
بسم الله الرحمن الرحمن : أحسن الله عاقبتك, ودفع عنك كل مكروه ومحذور.
الذي كنا نسمع, وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم أنهم كانوا يكرهون الكلام, والجلوس مع أهل الزَّيغ, وإنما الأمور في التسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ, لتردَّ عليهم, فإنهم يلبسون عليك, وهم لا يرجعون.
فالسلامة - إن شاء الله- في ترك مجالستهم, والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم, فليتق الله امرؤ, وليصر إلى ما يعود عليه نفعه غداً من عمل صالح يقدمه لنفسه, ولا يمكن ممن يحدث أمراً, فإذا هو خرج منه, أراد الحجة, فيحمل نفسه على المحال فيه, وطلب الحجة لما خرج منه بحق أو بباطل, ليزين به بدعته, وما أحدث, وأشدُّ من ذلك أن يكون قد وضعه في كتاب قد حمل عنه, فهو يريد أن يزين ذلك بالحق والباطل, وإن وضح له الحق في غيره, ونسأل الله التوفيق لنا ولك.والسلام عليك" .
وقد ثبت عن أئمة السلف رحمهم الله أقوال مثل كلمة الصديق الثاني العالم الرباني إمام أهل السنة وناصر الإسلام يوم المحنة أحمد بن حنبل الشيباني.وقد أوردها بأسانيدها الشيخ الإمام والعلامة الهمام أبو عبد الله عبيد الله ابن محمد بن بطة العكبري في كتابه الفذ الموسوم بـ"الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة" (2/429-483), فانظره, فإنه نفيس, وحسبك قوله (2/429):
"قد أعلمتك يا أخي- عصمني الله وإياك من الفتن, ووقانا وإياك جميع المحن- أن الذي أورد القلوب حمامها, وأورثها الشك بعد اتقائها, هو البحث والتنقير وكثرة السؤال عما لا تؤمن فتنته. وقد كفى العقلاء مؤنته, وأن الذي أمرضها بعد صحتها, وسلبها أثواب عافيتها, إنما هو من صحبة من تغر إلفته, وتورد النار في القيامة صحبته.
أما البحث والسؤال, فقد شرحت لك ما إن أصغيت إليه –مع توفيق الله, عصمك, ولك فيه مقنع وكفاية. أما الصحبة, فسأتلوا عليك من نبأ حالها ما إن تمسكت به, نفعك, وإن أردت الله الكريم به, وفقك".
ثم ساق الآيات والأحاديث والآثار, وعززها بكلمات تنبئ البصير الحاذق, والغفل الرَّيّض عن جناية مجالسة أهل البدع والأهواء, وأن فاعل ذلك على شفا جرف الفتنة, وإنْ رأى أنه أهلّ لمجابهتهم, نعوذ بالله من خاتمة السوء.
ومن ذلك قوله (2-470).
"فالله الله معشر المسلمين! لا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه, وما عهد من معرفته بصحة مذهبه, على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء, فيقول : أدخله, لأناظره أو لاستخرج منه مذهبه؛ فإنهم أشد فتنة من الدجال, وكلامهم ألصق من الجرب, وأحرق للقلوب من اللهب.
ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم, فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم, فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم".
قلت: صدق ونصح, فقد رأينا ذلك عياناً.
ولقد نشأت نابتةٌ اعتزت إلى منهج السلف, وما هم على ذلك, إلا دعوى لأمور لا تخفى, جالسوا أهل الأهواء تحت شعار مناظرتهم, وكشف حقيقتهم, ولم يركنوا لأقوال أئمة السلف الذين خبروا أهل الأهواء, وسبروا مذاهبهم الصماء, فحذروا من هذه الفتنة الصلعاء, حتى صار الأمر كما وصفه ابن بطة فقال (2/480):
"فقط فاض البحر العميق, فاستغنى عن هذا التمييز والنظر والتدقيق, وفقدت تلك الأعيان, وصارت الزندقة يتفكه بها الأحداث والشبان, ظاهرة في السوقة والعوام, وصار التعريض تصريحاً, والتمريض تصحيحاً, فإنا لله وإنا إليه راجعون.
مسَّكنا الله وإياكم بعروته الوثقى, وأعاذنا وإياكم من مضلات الهوى, ولا جعلنا وإياكم ممن باع آخرته بالدنيا, إنه سميع مجيب".
وقال (2/482):
"فرحم الله أئمتنا السابقين وشيوخنا الغابرين, فلقد كانوا لنا ناصحين, وجمعنا وإياهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وحسن أولئك رفيقاً, ولا جعلنا من الأئمة المضلين, ولا ممن خلف محمداً صلى الله عليه وسلم في أمته بمخالفة, وجاهده؛ لمحاربته, والطعن على سنته, وشتم صحابته, ودعا الناس بالغش لهم إلى الضلال وسوء المقال".
قلت: رحم الله أئمتنا من السلف الصالح, الذين سبقونا بالعلم والإيمان, فقد نصحوا لنا, وصدقوا, فإن الرائد لا يكذب أهله, وما كان الأمر ليصير إلى ما نرى لو درج الأدعياء على أثرهم, ولكنهم زبَّبوا قبل أن يحصرموا, وراموا البروز قبل أن ينضجوا, وبالغوا قبل أن يبلغوا, وناموا عن العلم فما استيقظوا, وركبوا مطايا الخير للشر, فاصطنعوا النزال في حلائب العلم, يريدون أن يعظموا بذلك, فاللهم نشكو إليك هذا الغثاء الذي أكثر في العلوم الشرعية الدخن, وفتح على الأمة الإسلامية دهاليز الوهن, وعلى أيديهم تسلل أهل البدع والفتن.
قال العلامة البحر الرائق ذو التحقيق الفائق أبو القاسم اللالكائي في كتابه المستطاب الموسوم بـ "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (1/17-20):
" فمضت على هذه القرون ماضون, الأولون والآخرون, حتى ضرب الدهر ضرباته, وأبدى من نفسه حدثانه, وظهر قوم أجلاف زعموا أنهم لمن جعلهم أخلاف, وادعوا أنهم أكبر منهم في المحصول, وفي حقائق المعقول, أهدى إلى التحقيق, وأحسن منهم في التدقيق , وأن المتقدمين تفادوا من النظر, لعجزهم, ورغبوا عن مكالمتهم, لقلة فهمهم, وأن نصرة مذهبهم في الجدال معهم, حتى أبدلوا من الطيب خبيثاً, ومن القديم حديثاً, وعدلوا عما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم , وبعثه الله عليه, وأوجب عليه دعوة الخلق إليه, وامتن على عباده إتمام نعمته عليهم بالهداية إلى سبيله, فقال تعالى: ﴿ واذْكُروا نِعْمَةَ الله علْيكُمْ وما أنْزَلَ مِن الكِتابِ والحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِه ﴾ {البقرة: 231}.
وقال في آية أخرى: ﴿ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ {النحل: 125}. أي بالجدال والخصومة.
فرغبوا عنهما, وعوَّلوا على غيرها, وسلكوا بأنفسهم مسلك المضلين, خاضوا مع الخائضين, ودخلوا في ميدان المتحيرين, وابتدعوا من الأدلة ما هو بخلاف الكتاب والسنة, رغبة للغلبة وقهر المخالفين للمقالة, ثم اتخذوها ديناً اعتقاداً بعدما كانت دلائل الخصومات والمعارضات, وضللوا من لا يعتقد ذلك من المسلمين, وتسموا بالسنة والجماعة, ومن خالفهم وسموه بالجهل والغباوة.
فأجابهم إلى ذلك من لم يكن في معرفة السنة, ولم يسع في طلبها, لما يلحقه فيها من المشقة, وطلب لنفسه الدعة والراحة, واقتصر على حسمه دون رسمه, لاستعجال الرياسة, ومحبة اشتهار الذكر عند العامة, والتقلب بإمامة أهل السنة, وجعل دأبه الاستخفاف بنقلة الأخبار, وتزهيد الناس أن يتدينوا بالآثار, لجهله بطرقها, وصعوبة المرام بمعرفة معانيها, وقصور فهمه عن مواقع الشريعة منها, ورسوم التدين بها, حتى عفت رسوم الشرائع الشريفة, ومعاني الإسلام القديمة, وفتحت دواوين الأمثال والشبه, وطويت دلائل الكتاب والسنة, وانقرض من كان يتدين بحججها للأخذ بالثقة والتمسك بهما للضنة, ويصون سمعه عن هذه البدع المحدثة, وصار علك من أراد صاحب مقالة, وجد على ذلك الأصحاب والأتباع, وتوهم أنه ذاق حلاوة السنة والجماعة بنفاق بدعته.
وكلا, إنه ليس كما ظنه أو خطر بباله, إذ أهل السنة لا يرغبون عن طرائقهم من الإتباع, ولو نشروا المناشير, ولا يستوحشون لمخالفة أحد بزخرف قول من غرور, أو بضرب أمثال زور.
فما جنى على المسلمين جناية أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة, يموتون من الغيظ, كمداً ودرداً, ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً.
حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقاً, وصار لهم إلى هلاك الإسلام دليلاً, حتى كثرت بينهم المشاجرة, وظهرت دعوتهم بالمناظرة, وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة, حتى تقابلت الشبه في الحجج, وبلغوا من التدقيق في اللجج, فصاروا أقراناً وأخداناً, وعلى المداهنة خلاّناً وإخواناً, بعد أن كانوا في الله أعداء وأضداداً, وفي الهجرة في الله أعواناً يكفرونهم في وجوههم عياناً, ويلعنونهم جهاراً, وشتان ما بين المنزلتين, هيهات ما بين المقامين.
نسأل الله أن يحفظنا من الفتنة في أدياننا, وأن يمسكنا بالإسلام والسنة, ويعصمنا بمهما بفضله ورحمته".
================
فإن قيل: كيف يتفق نهيهم عن مناظرة أهل البدع مع قيامهم به؟
فالجواب: أنهم ذموا مناظرة أهل البدع في حالات, وقاموا بها في حالات أخرى, فذمهم يدخل في أبواب, منها:
1- ذمهم للكلام والفلسفة ولو كان للذب عن العقائد الشرعية وحراستها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " درء تعارض العقل والنقل" (7/165-173) بعد أن نقل كلام الغزالي في ذم السلف لذلك:
"فهذا كلام أبي حامد, مع معرفته بالكلام والفلسفة, وتعمقه في ذلك يذكر اتفاق سلف أهل السنة على ذم الكلام, ويذكر خلاف من نازعهم, ويبين أنه ليس فيه فائدة إلا الذب عن هذه العقائد الشرعية التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته, وإذا لم يكن فيه فائدة إلى الذب عن هذه العقائد, امتنع أن يكون معارضاً لها, فضلاً عن أن يكون مقدما عليها, فامتنع أن يكون الكلام العقلي المقبول مناقضاً للكتاب والسنة, وما كان من ذلك مناقضاً للكتاب والسنة, وجب أن يكون من الكلام الباطل المردود الذ لا ينازع في ذمه أحد من المسلمين: لا من السلف والأئمة, ولا أحد من الخلف المؤمنين أهل المعرفة بعلم الكلام والفلسفة, وما يقبل من ذلك وما يرد, وما يُحمد وما يُذم, وإن من قبل ذلك وحمده كان من أهل الكلام الباطل المذموم باتفاق هؤلاء.
هذا مع أن السلف والأئمة يذمون ما كان من الكلام والعقليات والجدال باطلاً, وإن قصد به نصر الكتاب والسنة, فيذمون من قابل بدعة ببدعة, وقابل الفاسد بالفاسد, فكيف من قابل السنة بالبدعة, وعارض الحق بالباطل, وجادل في آيات الله بالباطل ليدحض به الحق؟!
ولكن المقصود هنا بيان ما ذكره من اتفاق أئمة السنة على ذمه, وما ذكره من أنه هو وطريق المتفلسفة لا يفيد كشف الحقائق ومعرفتها, مع خبرته بذلك.
وهو تكلم بحسب ما بلغه من السلف, وما فهمه وعلمه مما يحمد ويذم, ولم تكن خبرته بأقوال السلف وحقيقة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم , كخبرته بما سلكه من طرق أهل الكلام والفلسفة, فلذلك لم يكن في كلامه من هذا الجانب من العلم والخبرة, ما فيه من الجانب الذي هو أخبر من غيره, وذلك أن ما ذكره من أن مضرته هي إثارة الشبهات في العلم, وإثارة الغضب في الإرادة, إنما يقال إذا كان الكلام في نفسه حقاً, بأن تكون قضاياه ومقدماته صادقة, بل معلومة.
فإذا كان مع ذلك قد يورث النظر فيه شبهاً وعداوة قيل فيه ذلك, والسلف لم يكن ذمهم للكلام لمجرد ذلك, ولا لمجرد اشتماله على ألفاظ اصطلاحية إذا كانت معانيها صحيحة, ولا حرموا معرفة الدليل على الخالق وصفاته وأفعاله, بل كانوا أعلم الناس بذلك, وأعرفهم بأدلة ذلك, ولا حرموا نظراً صحيحاً في دليل صحيح يُفضي إلى علم نافع, ولا مناظرة في ذلك نافعة: إما لهدى مسترشد, وإما لإعانة مستنجد, وإما لقطع مبطل متلدد, بل هم أكمل الناس نظراً واستدلالاً واعتباراً, وهم نظروا في أصح الأدلة وأقومها, فإن الناظر الطالب للعلم: إما أن يكون نظره في كلام مَعُلَّم يبين له ويخاطبه بما يعرّفه الحق, وإما أن يكون في نفس الأمور الثابتة, التي يخبر عنها المتكلم, ويريد أن يعلم أمرها المتعلم, كسائر الناظرين في الطب والنحو وغير ذلك: إما أن ينظر في كلام المعلمين لهذا الفن, وإما أن ينظر فيما من شأنه أن يخبر عنه كالأبدان واللغات.
والسلف كان نظرهم في خير الكلام وأفضله, وأصدقه وأدله على الحق, وهو كلام الله تعالى, وهم ينظرون في آيات الله تعالى التي في الآفاق وفي أنفسهم, فيرون في ذلك من الأدلة ما يبين أن القرآن حق.
قال تعالى: ﴿ سَنُرِيِهمْ آيَاتِنَأ في الآفَاقِ وَفِي أنفٌسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الْحَقَّ ﴾ {فصلت: 53}.
والمناظرة المحمودة نوعان, والمذمومة نوعان.
وذلك لأن الناظر: إما أن يكون عالماً بالحق, وإما أن يكون طالباً له, وإما أن لا يكون عالماً به ولا طالباً له.
فهذا الثالث هو المذموم بلا ريب.
وأما الأولان: فمن كان عالماً بالحق فمناظرته المحمودة أن يبين لغيره الحجة التي تهديه إن كان مسترشداً طالباً للحق إذا تبين له, أو يقطعه ويكف عدوانه إن كان معانداً غير متبع للحق إذا تبين له, ويوقَّفٌه ويُسلََّكه ويبعثه على النظر في أدلة الحق إن كان يظن أنه حق وقصده الحق.
وذلك لأن المخاطب بالمناظرة إذا ناظره العالم المبين للحجة: إما أن يكون ممن يفهم الحق ويقبله إذا فهم, أو ليس له غرض في فهمه, بل قصده مجرد الرَّد له, فهذا إذا نوظر بالحجة انقطع وانكف شرُّه عن الناس وعداوته, وهذا هو المقصود الذي ذكره أبو حامد وغيره, وهو دفع أعداء السنة المجادلين بالباطل عنها.
وإما أن يكون الحق قد التبس عليه, وأصل قصده الحق, لكن يصعب عليه معرفته لضعف علمه بأدلة الحق, مثل من يكون قليل العلم بالآثار النبوية الدالة على ما أخبر به من الحق, أو لضعف عقله لكونه لا يمكنه أن يفهم دقيق العلم, أو لا يفهمه إلا بعد عسر, أو قد سمع من حجج الباطل ما اعتقد موجبه وظن أنه لا جواب عنه, فهذا إذا نوظر بالحجة أفاده ذلك: إما معرفة بالحق, وإما شكاً وفوقفاً في اعتقاده الباطل, أو في اعتقاده صحة الدليل الذي استدل به عليه, وبعث همته على النظر في الحق وطلبه, إن كان له رغبة في ذلك, فإن صار من أهل العصبية الذين يتَّبعون الظن وما تهوى الأنفس أُلحق بقسم المعاندين.
وأما المناظرة المذمومة من العام بالحق, فأن يكون قصده مجرد الظلم والعدوان لمن يناظره, ومجرد إظهار علمه وبيانه لإرادة العلو في الأرض, فإذا أراد علوّاً في الأرض أو فساداً كان مذموماً على إرادته.
ثم قد يكون من الفجار الذين يؤيد الله بهم الدين, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" .
فكما قد يجاهد الكفار فاجر فينتفع المسلمون بجهاده, فقد يجادلهم فاجر فينتفع المسلمون بجداله, لكن هذا يضر نفسه لسوء قصده, وربما أوقعه ذلك في أنواع من الكذب والبدعة والظلم, فيجره إلى أمور أخرى.
وقد وقع في ذلك كثير من هؤلاء وهؤلاء.
وأما إن كان المناظر غير عالم بالحق, بأن لا يعرف الحق في نفس المسألة, أو يعرف الحق لكن لا يعرف بعض الحجج, أو الجواب عن بعض المعارضات, أو الجمع بين دليلين متعارضين, وأمثال ذلك فهذا إذا ناظر طالباً محموداً, وإن ناظر بلا علم, فتكلم بما لا يعرف من القضايا والمقدمات كان مذموماً.
================
والسلف رضوان الله عليهم كانت مناظرتهم مع الكفار وأهل البدع –كالخوارج وغيرهم- من القسم الأول, وكانت مناظرة بعضهم لبعض في مسائل الأحكام والتفسير: تارة من القسم الأول, وتارة من القسم الثاني, وهي المشاورة التي مدحهم الله عليها بقوله عز وجل: ﴿ وَأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ {الشورى: 38}.
وما ذكره الله تعالى عن الأنبياء المؤمنين من المجادلة يتناول هذا وهذا. وقد ذم الله تعالى في القرآن ثلاثة أنواع من المجادلة:
ذم صاحب المجادلة بالباطل ليدحض به الحق.
وذم المجادلة في الحق بعد ما تبين.
وذم المحاجة فيما لا يعلم المحاج.
فقال تعالى: ﴿ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ﴾ {غافر: 5}.
وقال تعالى: ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقَّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ ﴾ {الأنفال: 6}.
وقال: ﴿ هَا أنتُمْ هؤلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحاجون فِيمَا لِيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ﴾ {آل عمران: 66}.
والذي ذمَّه السلف والأئمة من المجادلة والكلام هو من هذا الباب, فإن أصل ذمهم الكلام هو: الكلام المخالف للكتاب والسنة, وهذا لا يكون في نفس الأمر إلا باطلاً, فمن جادل به جادل بالباطل, وإن كان ذلك الباطل لا يظهر لكثير من الناس أنه باطل لما فيه من الشبهة, فإن الباطل المحض الذي يظهر بطلانه لكل أحد لا يكن قولاً ومذهباً لطائفة تذب عنه, وإنما يكون باطلاً مشوباً بحق, كما قال تعالى: ﴿ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وأنتُمْ تَعْلَمُون ﴾ {آل عمران: 71}.
أو تكون فيه شبهة لأهل الباطل, وإن كانت باطلة وبطلانها يتبين عند النظر الصحيح, كالذين قالوا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم شاعر وكاهن ومجنون.
قالوا: إنه شاعر لأن الشعر كلام موزون مقفى فشبهوا القرآن به من هذا الوجه.
والكاهن يخبر أحياناً بواحدة تصدق فشبهوا الرسول به من هذا الوجه.
والمجنون يقول ويفعل خلال ما في عقول ذوي العقول, فلما زعموا أن ما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم يخالف ما يأتي به العقلاء نسبوه إلى ذلك!
لكن ما ينصبه الله من الأدلة, ويهدي إليه عباده من المعرفة, يتبين به الحق من الباطل الذي يشتبه به, ولكن ليس كل من عرف الحقّ –إما بضرورة أو بنظر- أمكنه أن يحتج على من ينازعه بحجة تهديه أو تقطعه, فإن ما به يعرف الإنسان الحق نوع, وما به يعرفه به غيره نوع, وليس كل ما عرفه الإنسان أمكنه تعريف غيره به, فلهذا كان النظر أوسع من المناظرة, فكل ما يمكن المناظرة به يمكن النظر فيه, وليس كل ما يمكن النظر فيه يمكن مناظرة كل أحد به.
ولهذا كان أهل العلم بالحديث لهم علوم ضرورية بأقوال الرسول ومقاصده, ولا يشركهم فيها إلا من شركهم في أسبابها.
والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته, والجواب عما يعارضه, وإن كانوا في ذلك درجات, وليس كل منهم يقوم بجميع ذلك, بل هذا يقوم بالبعض, وهذا يقوم بالبعض, كما في نقل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم , وغير ذلك من أمور الدين.
والكلام الذي ذموه نوعان:
أحدهما: أن يكون في نفسه باطلاً وكذباً, وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل وكذب, فإن أصدق الكلام كلام الله.
والثاني: أن يكون فيه مفسدة, مثلما يوجد في كلام كثير منهم: من النهي عن مجالسة أهل البدع, ومناظرتهم, ومخاطبتهم, والأمر بهجرانهم.وهذا لأن ذلك قد يكون أنفع للمسلمين من مخاطبتهم, فإن الحق إذا كان ظاهراً قد عرفه المسلمون, وأراد بعض المبتدعة أن يدعو إلى بدعته, فإنه يجب منعه من ذلك, فإذ هجر وعزر, كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيغ ابن عسل التميمي, وكما كان المسلمون يفعلونه, أو قتل كما قتل المسلمون الجعد بن درهم وغيلان القدري وغيرهما – كان ذلك هو المصلحة, بخلاف ما إذا ترك داعياً, وهو يقبل الحق : إما لهواه, إما لفساد إدراكه, فإنه ليس في مخاطبته إلا مفسدة وضرر عليه وعلى المسلمين.
والمسلمون أقاموا الحجة على غيلان ونحوه, وناظروه وبيّنوا له الحق, كما فعل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه واستتابه, ثم نكث التوبة بعد ذلك, فقلتوه.
وكذلك علي رضي الله عنه بعث ابن عباس إلى الخوارج فناظرهم, ثم رجع نصفهم, ثم قاتل الباقين.
والمقصود أن الحق إذا ظهر وعُرف, وكان مقصود الداعي إلى البدعة إضرار الناس, قوبل بالعقوبة.
قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي الله مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وْعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابُ شَدِيدٌ ﴾ {الشورى: 16} ا.هـ.
2- ذمهم المناظرة إذا كان المناظر ضعيفاً لا يستطيع درء الشبهات ولا حلُّ المعضلات, فإن القلوب ضعيفة والشبه خَطَّافة.
قال شيخ الإسلام في "درء تعارض العقل والنقل" (7/173):
" وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة, إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة, فيُخاف عليه أن يفسده ذلك المُضلُّ, كما يُنهى الضعيف في المقاتلة في أن يقاتل عِلجاً قوياً من علوج الكفار, فإن ذلك يضرُّه ويضر المسلمين بلا منفعة".
أما إذا كان المناظر أحد الراسخين في العلم ويعرف الفلج في قوله لزمه البيان:
قال ابن عبد البر رحمه الله في " جامع بيان العلم" (2/106-107):
"هذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو ممن جاء عنه التغلط في النهي عن الجدال في الدين, وهو القائل: "من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل" , ولما اضطر وعرف الفلج في قوله: ورجى أن يهدي الله به لزمه البيان, فبين وكان أحد الراسخين في العلم رحمه الله.
قال بعض العلماء: كل مجادل عالم وليس كل عالم مجادلاً, يعني: أنه ليس كل عالم يتأتي له الحجة, ويحضره الجواب, ويسرع إليه الفهم بمقطع الحجة, ومن كانت هذه خصاله فهو أرفع العلماء, وأنفعهم مجالسة ومذاكرة, والله يؤتي فضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم" ا.هـ.
3- ذمهم المناظرة إذا كان الخصم معانداً مقيماً على بدعته ولو ظهر له الحق:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "درء تعارض العقل والنقل" (7/174):
"وقد يُنهى عنها إذا كان المناظر معانداً يظهر له الحق فلا يقبله- وهو السوفسطائي- فإن الأمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بينة بنفسها ضرورية وجحدها الخصم كان سوفسطائياً, ولم يؤمر بمناظرته بعد ذلك, بل إن كان فاسد العقل داووه, وإن كان عاجزاً عن معرفة الحق –ولا مضرة فيه- تركوه, وإن كان مستحقاً للعقاب عاقبوه مع القدرة: إما بالتعزيز وإما بالقتل, وغالب الخلق لا ينقادون للحق إلا بالقهر.
والمقصود أنهم نهوا عن المناظرة من لا يقوم بواجبها, أو مع من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة, أو فيها مفسدة راجحة, فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال.
أما جنس المناظرة بالحق فقد تكون واجبة تارة ومستحبة وتارة أخرى. وفي الجملة جنس المناظرة والمجادلة فيها: محمود ومذموم, ومفسدة ومصلحة, وحق وباطل" أهـ.
4-ذمهم التعرض لكل من طلب المناظرة.
5-ذمهم مناظرة من لم يعرف خطره, وينتشر شرر, فإن فِعْلَ ذلك يُظْهِرُهُ, وقد مضى هذا صريحاً في كلام اللالكائي

علي أبو عبد الله
05-03-2005, 06:29 AM
يمكن الرجوع إلى موضوع الضوابط المنهجية لدى علماء السلف في الرد على المخالف ضمن هذا القسم من المنتدى سائلا الله تعالى أن ينفع الجميع بكلا الموضوعين.

علي أبو عبد الله
05-03-2005, 01:28 PM
إن مما اتفقت عليه الشرائع أنها جاءت بالعدل وحاربت الظلم ، وأعدل العدل توحيد الله وإفراده بالعبادة ، وأظلم الظلم أن يجعل مع الله شريك في عبادته سبحانه وتعالى ، كما قال جل وعلا على لسان لقمان حينما أوصى ابنه فقال : إن الشرك لظلم عظيم ( ) ، وبالعدل قامت السموات والأرض وصلح أمر الدنيا والآخرة ، والله سبحانه حكم عدل لا يظلم مثقال ذرة ، وقد حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً كما جاء ذلك في الحديث الصحيح ( ).
ومن العدل اتباع ما أمر به الله عز وجل وما جاء به رسوله الكريم  ، ومن حاد عن منهج الله ومنهج رسول الله فقد جانب العدل ، ووقع في الظلم ، ولهذا كان المخالف لأوامر الله الواقع في المعاصي من الظالمين لأنفسهم .
وعليه فإن من خالف السنة في أبواب الاعتقاد واتبع غير طريق المؤمنين فهو ظالم واقع فيما نهى الله عنه ، ومن اتبع السنة في أقواله وأفعاله واعتقاداته فهو المسلم العدل المجانب للظلم.
وكل منهج بني على الظلم فحقيق أن يكون في تعامله مع الآخرين ظلم وتعد وطغيان كما هو حال أهل البدع .
وأما أهل السنة لأن منهجهم قائم على العدل فمن الطبيعي أن يكونوا في تعاملهم مع غيرهم من الخصوم وغيرهم عادلين منصفين مجانبين للظلم والعدوان.
أهل السنة إذا قدروا عدلوا ، وأهل البدع إذا قدروا ظلموا:
لقد سطر لنا التاريخ عبراً وعظات من مواقف المواجهة بين أهل البدع وأهل السنة ، وكانت الحرب بينهم سجالاً فمرة يمكن لهم وتكون لهم السلطة والقوة ويتمكنون من رقاب أهل البدع وحينها لا يعاملونهم فوق ما أمر الله به ولا يتجاوزون الحد ولا يظلمون ، وأما أهل البدع فحدث ولا حرج عن الظلم والطغيان واستغلال السلطة في البطش بعلماء أهل السنة والتنكيل بهم ولا حول ولا قوة إلا بالله .
يقول شيخ الإسلام:"..ولهذا كثير من أهل البدع مع القدرة يشبهون الكفار في استحلال قتل المؤمنين وتكفيرهم كما يفعله كثير من الخوارج والرافض والمعتزلة والجهمية وفروعهم ...ومنهم من يسعى في قتل المقدور عليه من مخالفيه ، إما بسلطانه وإما بحيلته ، ومع العجز يشبهون المنافقين ، يستعملون التقية والنفاق كحال المنافقين ،....ولهذا كان أهل السنة مع أهل البدعة بالعكس ؛إذا قدروا عليهم لا يعتدون عليهم بالتكفير والقتل وغير ذلك ، بل يستعملون معهم العدل الذي أمر الله به ورسوله ، كما فعل عمر بن عبد العزيز بالحرورية والقدرية ، وإذا جاهدوهم فكما جاهد علي  الحرورية بعد الإعذار وإقامة الحجة ، وعامة ما كانوا يستعملونه معهم الهجران والمنع من الأمور التي تظهر بسببها بدعتهم ، مثل ترك مخاطبتهم ومجالستهم لأن هذا هو الطريق إلى خمود بدعتهم ، وإذا عجزوا عنهم لم ينافقوهم ، بل يصبرون على الحق الذي بعث الله به نبيه كما كان سلف المؤمنين يفعلون ، وكما أمرهم الله في كتابه ، حيث أمرهم بالصبر على الحق ، وأمرهم أن لايحملهم شنآن قوم أن لايعدلوا "أ.هـ( )
تنبيه :
أهل السنة لم يمنعهم عدلهم من الرد على أهل البدع والتشنيع عليهم :
وهنا قد يتبادر إلى ذهن بعض الناس أننا حينما ندعوا للعدل معهم نقصد من ورائه التهوين من شأن البدع وأهلها ، وهذا فهم غير صحيح ، بل القصد أننا نرد عليهم وننكر عليهم بدعتهم ، ولكن وفق ما أراد الله منا وهو العدل وعدم تجاوز الحد المشروع معهم .
صور من عدل أهل السنة مع خصومهم من خلال مصنفاتهم :
1. الاعتراف والأخذ بالحق مع كل الطوائف الموافقة والمخالفة :
من أبرز صور العدل عند أهل السنة وهو منهج برز عملياً وإن لم يقولوا به صراحة فهو واضح وضوح الشمس ،أنهم أخذوا بالحق من موافقيهم ومخالفيهم فكانوا أسعد الطوائف بالصواب في الأقوال والأفعال .
يقول ابن القيم –رحمه الله –بعد ذكره الطوائف المخالفة في باب القدر :
"وأهل السنة وحزب الرسول وعسكر الإيمان لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء بل هم مع هؤلاء فيما أصابوا فيه ، ومع هؤلاء فيما أصابوا فيه ، فكل حق مع طائفة من الطوائف فهم يوافقونهم فيه ، وهم برآء من باطلهم ، فمذهبهم جمع حق الطوائف بعضه إلى بعض ، والقول به ونصره وموالاة أهله من ذلك الوجه ، ونفي باطل كل طائفة من الطوائف وكسره ، ومعاداة أهله من هذا الوجه ، فهم حكّام بين الطوائف لا يتحيزون إلى فئة منهم على الإطلاق ، ولا يردون حق طائفة من الطوائف ، ولا يقابلون بدعة ببدعة ، ولا يردون باطلاً بباطل ، ولا يحملهم شنآن قوم يعادونهم ويكفرونهم على أن لا يعدلوا فيهم ، بل يقولون فيهم الحق ، ويحكمون في مقالاتهم بالعدل .
والله سبحانه وتعالى أمر رسول أن يعدل بين الطوائف ؛ فقال : فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم  ( )فأمره سبحانه أن يدعوا إلى دينه وكتابه ، وأن يستقيم في نفسه كما أمره أن لا يتبع هوى أحد من الفرق ، وأن يؤمن بالحق جميعه ؛ لا يؤمن ببعضه دون بعض ، وأن يعدل بين أرباب المقالات والديانات"أ.هـ( )
بل إن أخذ الحق من جميع الطوائف هو من الهدى لما اختلف فيه من الحق ، كما قال جل وعلا :فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ،والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم  ( )،ولو كان الحق مع من يبغضه أو يعاديه ( ).
أمثلة من عدل أهل السنة مع أهل البدع من خلال مصنفات السلف في مثل هذه الصورة:
المثال الأول :الدارمي في رده على بشر المريسي :
قال الإمام الدارمي أثناء رده على بشر المريسي :" أما قولك :لايجوز لأحدٍ أن يتأول في التوحيد غير الصواب ، فقد صدقت ، وتفسير التوحيد عند الأمة وصوابه قول : لا إله إلا الله وحده لاشريك له ..."أ.هـ( )
ولنتأمل كيف عدل الإمام الدارمي مع خصمه حينما أقر للخصم بالحق الذي جاء به وهو :( أنه لا يجوز أن يتأول في توحيد الله) .
المثال الثاني :الإمام الدارمي أيضاً في رده على المريسي :
قال –رحمه الله -:" وأما قولك :أنه غير محوي ولا محاط به ، فكذلك هو عندنا وفي مذهبنا...."أ.هـ( )
المثال الثالث: الإمام الدارمي أيضاً:
قال –مخاطباً المريسي –:" فأما قولك :إن السلف كانوا يكرهون الخوض في القرآن فقد صدقت .."أ.هـ( )
وهذا مع أن كتاب الدارمي في رد على رأس من رؤوسهم بل ممن قد كفره السلف ، ولكن هو العدل الذي لم ولن يتخلى عنه أهل السنة ، وللإمام الدارمي مواضع أخر يظهر فيها أيضاً هذا المنهج.( )
2. التثبت قبل إصدار الحكم على الخصم أو اتهامه:
من تمام عدل أهل السنة أنهم لايدينون أهل البدع بأي أمر إلا بعد التثبت والتأكد من تلبسهم بما اتهموا به من أقوال أو أفعال أو اعتقادات عملاً بقول الله جل وعلا :
 ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، ولهذا لم يكذبوا فيما نسبوه إلى أهل البدع بخلاف فإنهم كذبوا على أهل السنة وقالوا فيهم ماليس فيهم .
مثال على تثبت أهل السنة :
جاء في السنة لعبدالله بن الإمام أحمد أنه قال :" أخبرت عن يحيى بن أيوب قال :كنت أسمع الناس يتكلمون في المريسي فكرهت أن أقدم عليه حتى أسمع كلامه لأقول فيه بعلم فأتيته فإذا هو يكثر الصلاة على عيسى بن مريم صلوات الله عليه فقلت له :إنك تكثر الصلاة على عيسى فأهل ذاك هو ، ولا أراك تصلي على نبينا ، ونبينا  أفضل منه؟ فقال لي " ذلك كان مشغولاً بالمرآة والمشط والنساء "أ.هـ( )
فهذا الإمام رحمه الله كره أن يقول فيه ويناظره أو يذكر شيئاً قاله الناس فيه وليس بثابت عنه .
فكل هذا هو من باب التثبت مع الخصم.
وبالمقابل لو رأينا ظلم أهل البدع وكيف أنهم يكذبون على السلف والأئمة وينسبون إليهم من الأقوال ما ليس فيهم لعرف المنصف الفرق بين المنهجين .
الأمثلة على كذب أهل البدع على أهل السنة :
كثر عند الإمام الدارمي الإشارة إلى هذه القضية في مواضع عدة منها:
الموضع الأول :
بين كذب المريسي وأتباعه بأنهم يصفون الله بأن له جوفاً فقال:" وأما أن نصفه بالجوف كما ادعيت علينا زوراً فإنا نجله عن ذلك وهو المتعالي عنه ، لأنه الأحد الصمد ،.."أ.هـ( )
الموضع الثاني :
ادعى المريسي وأتباعه كذباً على أهل السنة أنهم يفسرون ضحك الله بما يشبه ضحك المخلوقين فقال –رحمه الله -:" ..ثم ادعيت على قوم من أهل السنة أنهم يفسرون ضحك الله على ما يعقلون من أنفسهم ، وهذا كذب تدعيه عليهم ؛ لأنا لم نسمع أحداً منهم يشبه شيئاً من أفعال الله تعالى بشيءٍ من أفعال المخلوقين..."أ.هـ( )
الموضع الثالث :
ادعى أهل البدع أن أهل السنة يصفون الله بالجارحة ، وللأسف هذا التعبير يكثر حتى عند جهلة المتأخرين ممن هم على غير طريقة السلف ،وقد بين الإمام الدارمي كذب هذه الدعوى فقال –رحمه الله -:
" فيقال لهذا المعارض : أما ما ادعيت أن قوماً يزعمون أن لله عيناً فإنا نقوله؛ لأن الله قاله ورسوله ، وأما جارح كجارح العين من الإنسان على التركيب فهذا كذب ادعيته عمداً لما أنك تعلم أن أحداً لا يقوله ، غير أنك لا تألوا ما شنعت ، ليكون أنجع لضلالتك في قلوب الجهال ، والكذب لا يصلح منه جد ولا هزل فمن أي الناس سمعت أنه قال : جارح ومركب؟ ..."أ.هـ( )
وهناك مواضع أخرى فليرجع إليها.( )
3. عدم التعميم في الأحكام ضد الخصم بل التفصيل وبيان ما أصاب فيه وماأخطأ:
أن من صور العدل مع الخصوم أن لا يعمم في الأحكام عليه بل يفصل ويذكر ما أصابوا فيه وما أخطأوا ، لأن هذا الحق الذي أصابوا فيه هو الحق الذي يؤمن به أهل السنة ، ولأن الله سبحانه قد أمرنا بالعدل مع كل أحد وأحق الناس بالعدل هم أهل السنة .
مثال على هذه الطريقة :
الإمام الدارمي لما رد على تأويل ضحك الرب جل وعلا بالرضا والرحمة الذي يقول به أهل البدع ، من عدله أنه لم يرد هذا التأويل وإنما شنع عليهم نفي صفة الضحك فبين أن الرضا والرحمة من لوازم الضحك وهذا حق ولم يرده وفصل القول ولم يرد كل قولهم فكان مما قال:"وأما قولك : إن ضحكه : رضاه ورحمته ، فقد صدقت في بعضٍ ؛لأنه لا يضحك إلى أحد إلا عن رضى فيجتمع منه الضحك والرضا ، ولا يصرفه إلا عن عدو ، وأنت تنفي الضحك عن الله ، وتثبت لهالرضا وحده ..."أ.هـ( )
والأمثلة على هذا كثيرة .( )
4. الحكم على أهل البدع بما يظهرون من أقوال وترك سرائرهم إلى الله :
إن من أجلى صور العدل أن لا يؤآخذ أحد كائناً من كان إلا بما أظهر فيقال للمحسن أحسنت وللمسيء أساءت ، ولا ننقب عن النيات وما في القلوب فهذه علمها عند الله ، والرسول  كان أعدل الخلق وكف عن المنافقين ورضي منهم بما أظهروه ووكل سرائرهم إلى الله تعالى .
قال الإمام الدارمي :" وأنا أقول كما قال الشافعي أن تقبل علانيتهم إذا اتخذوها جُنّةً من القتل ، أسرّوا في أنفسهم ما أسروا فلا يقتلوا كما أن المنافقين اتخذوا أيمانهم جنة فلم يؤمر بقتلهم ، والزنديق عندنا شر من المنافق ، فلربما كان المنافق جاحداً بالرسول والإسلام ، مقراً بالله عز وجل مثبتاً لربوبيته في نفسه ، والزنديق معطل لله جاحد بالرسل والكتب ، وما يعرف في الإسلام زنادقة غير الجهمية ،وأي زندقة أظهر ممن ينتحل الإسلام في الظاهر ، وفي الباطن يضاهي قوله في القرآن قول مشركي قريش ....."أ.هـ( )
فهذا من عدل أهل السنة مع خصومهم أنهم لا يدينوهم إلا بما أظهروه أما أن يتهموهم بشيء مما لا يعلمه إلا الله فهذا لم يعهد منهم رحمهم الله .
5. يذكرون من وافقهم على الحق من خصومهم أثناء سرد مذهبهم :
من صور العدل عند أهل السنة يذكرون من وافقهم في بعض مسائل الاعتقاد ولو كان خصماً لهم من أهل البدع ، وهذا ناتج عن تجردهم وإخلاصهم وتحريهم العدل والصدق مع كل أحد.
بل قد يذكرون مذاهب أهل البدع فإذا نصوا على بعض ما قالوا به سواءً كان فيه حق أو باطل بينوا من وافقهم على هذه المسألة من أهل السنة .
ولهذا الأمر أمثلة :
المثال الأول : الإمام المروزي في تعظيم قدر الصلاة :
لما أورد الإمام الحديث المرفوع الذي فيه خصال المنافق وما يشبهها بينوا بعض مواقف أهل البدع من الخوارج وغيرهم تجاه هذه النصوص فقال :
"واحتجوا بهذه الأخبار ، وزعموا أنه منافق ،مخلد في النار ، وقد وافقهم على ذلك فرقة ممن يقول بالحديث فزعموا أنه منافق ، لما جاء فيه من الأخبار على غير تلخيص ولا شهود عليه بالنار ، ولكن اتباعاً للأخبار على ما جاءت يسمونه بالنفاق ، ولا يسمونه مؤمناً ، ولا مسلماً ، ولا كافراً "أ.هـ( )
فالإمام المروزي مع أنه لم يرتض قول أهل البدع في إطلاق المنافق على من تلبس ببعض خصال المنافقين فقد نص على بعض من وافقهم من أهل الحديث ، وهذا من عدله مع الخصم أن يبين من وافقه في قوله من أهل السنة الذين قد يكونوا أخطأوا.
ومما ينبغي أن ينبه عليه أن المروزي أشار كذلك إلى أن أهل الحديث لم يوفقوا أهل البدع في بدعتهم الأساسية وهي : تخليدهم أهل الكبائر في النار.
المثال الثاني : ابن نصر في تعظيم الصلاة أيضاً:
لما بين مذهب المرجئة في الإيمان ، بين أن جزء مما يقولوا به حق يقول به أهل السنة وهو إدخالهم القول ضمن الإيمان فقال :
" وقد جامعتنا في هذا المرجئة كلها ،على أن الإقرار باللسان من الإيمان إلا فرقة من الجهمية كفرت عندنا ..."أ.هـ( )
6. إدانة أهل البدع بأقوالهم لا بأقوال غيرهم :
إن من تمام العدل أن تدين الشخص بأقواله التي سطرها وكتبها أو تفوه بها وقالها لا بأقوال أصحابه وأتباعه ، فقد لا يقول بهذا القول فيتهم الشخص بما ليس فيه .
وهذا يعبر عنه بالأمانة العلمية في النقل .
يقول الدارمي –أثناء رده على المريسي - :
" وسنعبر لكم عنه من نفس كلامه ما يحكم عليه بالجحود بعون الملك المجيد الفعال لما يريد"أ.هـ( )
7. التفريق بين أحوال الخصوم وبيان الغالي منهم والقريب من أهل السنة :
بين الإمام الدارمي وغيره من أئمة أهل السنة أن طوائف البدع لا تكفر كلها وليس كلها على درجة واحدة ، وقد بينوا أن من الفرق التي أجمعوا على تكفيرها هم الجهمية ، ومن رؤوسهم : الجهم والمريسي ، ولم يكفروا كل مبتدع بل من قامت عليه الحجة ووضحت له المحجة .
و الإمام الدارمي بين تدليس من أراد أن يسوي بين جميع طوائف أهل البدع وأن الخطب فيها يسير والخلاف هين فقال :
"وقد أخطأ المعارض محجة السبيل وغلط غلطاً كثيراً في التأويل لما أن هذه الفرق لم يكفرهم العلماء بشيء من اختلافهم ، والمريسي وجهم وأصحابهما لم يشك أحد منهم في إكفارهم .....ولايقيس الكفر ببعض اختلاف هذه الفرق إلا امرؤ جهل العلم ولم يوفق فيه لفهم .."أ.هـ باختصار. ( )
8. أهل السنة يعترفون بما وقعوا فيه من أخطاء:
قد يقع بعض جهلة أهل السنة في زلة وخطأ وهم بشر غير معصومين ، ولكن العصمة لجميعهم وليس لأفرادهم فإجماعهم معصوم من الخطأ لأن مصدره الكتاب والسنة المنزهين عن كل عيب ونقص .
والكلام في هذا المبحث كثير وحسبنا ما ذكرنا والله المستعان.
( مقتبس من رسالة الدكتور الحنيني / تدوين العقيدة في القرون الثلاثة الأولى )