المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ



القلم الحر
08-05-2010, 02:45 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

يتعامل القران العظيم مع قضية وجود الله باعتبارها بدهية لا تحتاج الى برهان
بل ان القران الذى اعتنى باثبات التوحيد اعتبر التوحيد ايضا مسالة بدهية
{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ)

فانكار وجود الله او وحدانيته الغاء للعقل و استخفاف به
و الايمان هو نداء الفطرة و موقف العقل السوى
و كما فى الحديث " إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين"
و ياتيك الملحد الشاذ المنكر لله و الشيطان ليجادل
فيلجئنا عقله غير السوى الى البرهنة , ليس على وجود الله فحسب , بل و البرهنة على ان عقل الملحد مريض يحتاج الى علاج, هذا على فرض سلامة سريرته و حرصه بالفعل على ادراك الحقيقة , و الا فقد اشار الكتاب المعجز الى ان من اسباب الكفر الحب المرضىللدنيا
" إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ"

و لا انسى اعتراف احد مشاهير اللادينية فى دنيا النت انه يشعر بلذة لا توصف لاحساسه انه لا اله فى هذا الكون و لا قيود و لا حساب !
و نعود الى البرهان المذكور
عندما تتامل موقف الملحد و اللادينى من الدين تجد مبرره فى النقد ان فى الدين نقص , فالقران و الدين و السيرة فى زعمه فيها نقائص
فهو كما ترى ينشد الكمال
و ليس كمالا محدودا بل كما ل مطلق
و عندما تتامل موقفه من الله المستجمع فى عقيدة المسلمين لصفات الكمال تجده ينكر هذا الخالق العظيم
و عندما تتامل ما سبق تكتشف انه سفه نفسه
فلا شك ان الانسان يشعر فى اعماقه بانه يحب الكمال اللامحدود
و المحبة وصف وجودى لا تكون دون موصوف و محبوب
تماما كما ان العطش دليل وجود الماء
فالحب قرين الواقعية و الوجود
و الانسان عاشق للحقيقة اللامحدودة و اذا رايته مندفعا وراء تحقيق كمالات مؤقتة او محدودة فانما يتحرك فى هذا السبيل بدافع ن طلب الكمال المطلق و ان اشتبه فى المصداق
فالتناقض بين طلب الكمال التام فى الدين و النبى , و بين انكار وجود الكمال المطلق اى الله تعالى لا يصدر الا ممن سفه نفسه
و هى ملة ابراهيم عليه السلام -الذى لا يحب الافلين -و التى لا يفارقهاالا سفيه
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ 76 فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ 77 فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ 78 إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 79

و لا يختلف موقف الللادينى المقر بوجود خالق عن موقف الملحد

فكلاهما يطلب الكمال المطلق و هو دليل وجود هذا الكمال , و مع ذلك ينكر الملحد وجود الخالق المستجمع لصفات الكمال
و يثبت اللادينى خالقا ناقصا لا يتواصل مع خلقه و لا يعنى بامرهم و مع انه لا شك بين العقلاء فى حاجتهم الى التكليف فى طريق تكاملهم , و عدم تكليف الخالق اما لعدم علمه بحاجتهم إلى التكليف ، وهذا جهل يتنزه عنه الحق تعالى ، وإما لان الله أراد حجبهم عن الوصول إلى كمالاتهم ، وهذا بخل يستحيل على الجواد المطلق ، وإما لانه أراد تكليفهم فلم يمكنه ذلك ،
وهو عجز يمتنع على القادر المطلق ، فلا بد من تكليف البشر ، ومن الضروري أن التكليف يحتاج إلى مبلغ من نوع البشر يوقفهم على خفي التكليف وجليه
و الخالق الذى يخلق خلقا كالانسان و يهمله و لا يحاسب و لا يعتنى مطلقا بكل المظالم و الافساد البشرى فى الارض و لا يعوض من انهكته الالام هو خالق عابث و ناقص
و بهذا تثبت للعاقل النبوة و يثبت المعاد و الاخرة
و يثبت معها ان منكر النبوة ايضا قد سفه نفسه

نبوة محمد(ص)
سفاهة الرافض لملة ابراهيم هى سفاهة المنكر لنبوة محمد - دعوة ابراهيم - عليهما صلوات الله
فمن ابسط ادلة نبوة ابى القاسم(ص) انه قدم للبشرية الهدى الذى تحتاجه من الخالق
و قد كان كفار مكة يعرفون فى قرارة انفسهم انه جاء بهذا الهدى (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا)
فسيرته صلوات الله عليه قصة كفاح فى سبيل ان يعرف الناس ان لهم الها واحد فى محيط جاهلى يعتقد ان لله بنات و ابن و شركاء ,فجاهد من اجل الله و و كان يقدم فى المعارك احب الناس اليه بل كانوا يحتمون به اذا حمى الوطيس , وصحح انحرافات الاديان الكتابية و واجه اهل الكتاب الذين يزعم البعض انه تعلم منهم بكل ثقة , و لم يسال على ذلك اجرا الا المودة فى القربى
فلماذا الشك فى صدق هذا الانسان الشريف ؟
(اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ)
فالاسلام قام و يستمر فى الواقع على حب الناس لمحمد(ص)(و اجعل افئدة من الناس تهوى اليهم )و ادراكهم انه اكمل من ان يفترى على الله

فصلاته – حتى تتورم قدماه – و نسكه و حياته وموته كان لله رب العالمين

و هم يرونه ينسب : القران لغيره و هو حسب افتراض خصومه انفس اثار عقله و اغلى ما جادت به قريحته؟ .
فلماذا لا ينسبه لنفسه ؟
ان قيل انه راى فى نسبته الى الوحى الالهى ما يعينه على هدفه المفترض باستيجاب طاعة الناس له و نفاذ امره فيهم لان تلك النسبة تجعل لقوله من الحرمة و التعظيم ما لا يكون له لو نسبه لنفسه
فهذا فى الواقع قياس فاسد فى ذاته لان صاحب هذا القران قد صدر عنه الكلام المنسوب الى نفسه و الكلام المنسوب الى الله فلم تكن نسبته ما نسبه الى نفسه بناقصة من لزوم طاعته شيئا , و لا نسبة ما نسبه الى ربه بزائدة فيها شيئا , بل استوجب على الناس طاعته فيهما على السواء ,فكانت حرمتهما فى النفوس على سواء , و كانت طاعته من طاعة الله و معصيته من معصية الله , فهلا جعل كل اقواله من كلام الله تعالى لو كان الامر كما يهجس به ذلك الوهم؟

و هو انسان كامل يقول عنه احد القسس المعادين له :
كانت شخصية محمد بن عبد الله الهاشمى القرشى ، النبى العربى ، مجموعة عبقريات مكنته من تأسيس أمة و دين و دولة من لا شىء .
و هذا لم يجتمع لأحد من عظماء البشرية . كان محمد عبقرية دينية ... و كان محمد عبقرية سياسية ... و كان عبقرية دبلوماسية ... و كان محمد عبقرية عسكرية ... و كان محمد عبقرية إدارية ... و كان محمد عبقرية تشريعية ... و أخيرا كان محمد عبقرية أدبية"
و قد ادرك المسلمون الذين عايشوا هذ الانسان الطاهر ان الامر ليس عبقرية او سحر كما تقول قريش بل نبوة , و كما نقول العبقرية تكون فى ميدان او اثنين لا فى كل الميادين
و كنت اناقش بعض اللادييين حول تهمة شهوانية النبى- الذى لم يتزوج الا بعد الخامسة و العشرين من سيدة غير شابة ظل مخلصا لها حتى بعد زيجات لاسباب اجتماعية واضحة لا تثبت شهوانية غير منطقية بعد تجاوز الخمسين- , و فى خضم وقاحتهم ذكرت لهم اسماءا لاشخاص يعظمهم هؤلاء و يجعلونهم من القمم المحترمة مع انهم معروفون بالشذوذ الجنسى !
فبما تفسر هذا الطعن فى محمد وهذا التعظيم و الاحترام لهؤلاء الحثالى ؟

هل هو سفه ام حقد يغلى فى نفوس غير سوية ؟

و مرة اخرى يلجئنا السفه الى البرهنة ,فيقولون اين المعجزة ؟
و اول جواب ان العقل السوى يثبت وجود النبوة و الانبياء كما سبق , و اذا لم يكن محمد
نبيا فلا انبياء
و قد كان اهل الكتابين يعرفون نبوته لانها تثبت عندهم بدليل بسيط هو عند اليهود حلول اللعنة على بنى اسرائيل حتى بعد المسيح ابن مريم كما شرح ذلك صاحب الرسالة السبعينية فكان لا بد من نبى يضع الاصر عن بنى اسرائيل و كانوا ينتظرونه –لذا تجد فى اشارة القران العظيم لبشارة التوراة بمحمد انه يضع عنهم اصرهم و الاغلال –
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به
اما المعجزة فمن تامل شخصية محمد سيجد فيها المعجزة
و قد كان قرانا يمشى و القران ايضا معجز
و لن نتحدث عن الاعجاز البيانى و العلمى و نحوه بل نلخص الامر فى جملة وصف بها القران فى الاثار :
(لا تنقضى غرائبه )
القران معجزة لمن تدبره لا لمن يفتشون فى اياته عن نقاط ضعف متوهمة ليهاجموا الدين
هذا الكتاب العزيز لا مثيل له و لا يقدر بشر على الاتيان بمثله , فهو كلام الخالق المطلق الذى لا تنفذ زخيرته و لا تنقضى عجائبه المبهرة
لكن كيف يتوصل الباحث الى هذاالادراك ؟
الوصول لذلك يكون بتدبر القران مع الوقوف على كتب علماء الاسلام التى تحتج بالقران و تستنبط منه المعانى و الادلة , و ستبهرك الغرائب و العجائب مع توفيق الله لطالب الحق المخلص الذى يطلب الهداية من الخالق العظيم و كما فى الحديث " استهدونى اهدكم "


و لنضرب مثالا
قد يتسائل المرءعن الغرض من العقوبة الالهية ؟
فهل هو التّشفي كما في قوله سبحانه: (وَ مَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا)؟
ولكن هذه الغاية منتفية في جانب الحق سبحانه لأنه أجلّ من أنْ يكون له هذا الداعي
. ام هو لياخذ الاخرون العبرة ؟
لكن هذا إنَّما يصح في دار التكليف لا في دار الجزاء. يقول سبحانه: (الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِد مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَة وَ لاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الآَخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَـائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)
فقوله: (وَ لْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَـائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) قرينة على أنَّ الغاية من جلد الزانية و الزاني هو اعتبار الآخرين، أو أنه أَحد الغايات.
نقرر بدءا حقيقة عقلية هى ان السؤال عن غاية العقوبة، و إنها هل هي للتشفي أو لإِيجاد الإِعتبار في غير المعاقَب إنما يتوجه على العقوبات التي تترتب على العمل عن طريق التقنين و التشريع، فللتعذيب في ذلك المجال إحدى الغايتين: التَشَفّي أو الإِعتبار
أما إذا كانت العقوبة أثراً وضعياً للعمل -كما سياتى -، فالسؤال ساقط، لأَن هناك ضرورة وجودية بين وجود المجرم والعقوبة التي تلابس وجوده في الحياة الأخروية، فعند ذلك لا يصح أن يُسأل عن أن التعذيب لماذا، و إِنما يتجه السؤال مع إمكان التفكيك، و الوضع والرفع، كالعقوبات الإِتفاقية
نفتش فى القران فنجد قوله تعالى
: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَـامَى ظُـلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا)
وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَـاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
(يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَِنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)
هذه الآيات تدل على حضور نفس العمل يوم القيامة، لكن باللباس الأخروي، و هذا يعرب عن أَنَّ لفعل الإِنسان واقعية تتجلى في ظرف بصورة و في آخر بأُخرى
و هذه الإعمال تلازم وجوده و لا تنفك عنه، فإِذا كان عمل كل إِنسان يعد من ملازمات وجوده، و ملابسات ذاته، فالسؤال عن أنَّ التعذيب لماذا، يكون ساقطاً، إِذ السؤال إِنما يتوجه إذا كان التفكيك أمراً ممكناً
فالانسان لا يحشر وحده بل يحشر مع ما يلازم وجوده و يقارنه و يلابسه و لا ينفك عنه
و فى ذلك يقول تعالى
"وَ كُلَّ إِنسَان أَلْزَمْنَـاهُ طَـائرَهُ فِي عُنُقِهِ"

و تتوالى الايات و العجائب
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْس مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُّحْضَر"
"وَ وَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْـلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)
(يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّة مِّنْ خَرْدَل فَتَكُن فِى صَخْرَة أَوْ فِي السَّمَـاوَ اتِ أَوْ فِي الاَْرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ)
و تواصل التدبر فتجد قوله تعالى قال سبحانه: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا "
ِفذات العمل طاعة كان أو عصيانا، حَبٌّ يزرعه الإِنسان في حياته الدنيوية، و هذا الحَبّ ينمو و يتكامل و يصير حرثاً له في الاخرة

هذه قطرة من بحر لا ينزف

بوعابدين
08-05-2010, 03:04 AM
أحسنت أخي بارك الله في علمك

solonely11
08-05-2010, 04:24 AM
انا صراحه عاجزه عن وصف المقال بالكلمات

لكن لخصت بارك الله فيك الكثير من المواضيع المهمه بأسلوب واضح وموجز

(السهل الممتنع )

جزاك الله خيرا وزادك علما

ahmedmuslimengineer
08-05-2010, 04:56 AM
جزاك الله خيرا

عبد الغفور
08-06-2010, 04:19 AM
جزاك الله خيرا أخي الفاضل ، وزادك الله علما ورفعة ..

القلم الحر
08-13-2010, 07:53 PM
.قطرة اخرى
إن متشابهات القرآن مصدر تخريب للقرآن بيد المخربين، ولكن القرآن نفسه حمى نفسه بنفسه من هذا المعول . حيث لا يصح الجمع بين المتشابهات (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) هذه حصانة اسقطت كل التلاعب بالقرآن
إن من يفهم هذه الآية المباركة يدرك أن جميع من يريد تخريب القرآن إنما يقوم بالجمع بين المتشابهات والقرآن قد شخص هذه الحالة. وقال إن استخدامها لا ينفع. وهو زيغ وفتنة وتأويل الكتاب بالباطل . وليس لهم القيامة به ، فتأويله عند أولي الرسوخ الذين يفهمون التشابه.
هذه عصمة للقرآن بحيث أنه يستبطن رد كل ما قالوه عنه بجملة واحدة .
فلا راد للقرآن مطلقا.
وكل من يدعي الرد فهو قد جمع المتشابهات وهذه محسومة مسبقا.
والنتيجة السقوط

و نضرب مثالاللمتشابه :اختلف المسلمون فى مسالةافعال العباد نتيجة الاخلاف فى فهم ايات الاضلال و الهداية , و اعجاز لقران يتجلى ايضا فى هذه المواطن عندما يقف المتدبر على اسرار الهداية المنقذة من الحيرة
يقول سبحانه :"وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " النحل -93
فهل تدل الاية الكريمة على الجبر ؟
هذا ما فهمه البعض خطئا , و ما فهمه اعداء القران عمدا طلبا لتخطئته
و المخرج من هذا و امثاله ان نفهم طبيعة هذا الكتاب العزيز
قال تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء) الزمر :23
لا يسمى الشئ مثاني إلا إذا كانت له مطاوي ومحاني ومعاطف ومنعَرَجات .

تقول : ثنى الشيء ثَنْياً : أي ردَّ بعضه على بعض وقد تثنى وانثنى . وأثناؤه ومثانيه : قواه وطاقاته وأثناء واحدها ثني ومثناة ومثناة عن ثعلب
وأثناء الحية : مطاويها إذا تحوَّت أي إذا انطوت . وثني الحية : انثناؤها وهو أيضا ما تعوج منها إذا تثنت والجمع أثناء .
ومثاني الوادي ومحانيه : معاطفه . والثِّني : واحد أثناء الشيء أي تضاعيفه تقول : أنفذت كذا ثِنْيَ كتابي أي في طيه .
وثِنْي الناقة ولدها وكذلك المرأة . أقول سمي ولد الناقة او ولد المرأة ثني ، لانه كان في أحنائهما وطياتهما .

وفي ضوء ذلك يتضح ان وصف الكتاب بالمثاني معناه ان آياته لها ارتباط بعضها ببعض كارتباط المحاني ومعاطفها ومنعرجاتها بعضها ببعض ، وكارتباط محاني الوادي ومنعطفاته ومنعرجاته بعضها ببعض .

ولم يترك القرآن قارئه حيران لا يهتدي الى هذه المنعرجات والمحاني والبطون بل هداه إليها بواسطة ألفاظ الآية أو مترادفاتها غالبا وأحيانا بواسطة عبارة أو جملة منها .

و عندما نطبق هذا هنا نجد قوله تعالى :"إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا " المزمل
و قوله تعالى :"وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ
الكهف
و هو نص لا يحتمل الا ان الايمان و الكفر الى مشيئة المكلف , و ان اتخاذ السبيل الى مشيئة المكلف
و حمل المحتمل على النص و تفسيره به و رد المتشابه الى المحكم شان المؤمن الواعى بطبيعة القران , بينما اتباع المتشابه المحتمل - فى مورد المحكم و النص غير المحتمل - شان اهل الزيغ
يقول الامام القاسم الرسى رحمه الله :" زعموا ..أن العباد ما شاءوا شيئا قط، ولا يريدون شيئا، .. فرد الله عليهم بقوله:﴿ من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴾ [الكهف:29]. و:﴿ من شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ﴾ [الإنسان:29]. وقال:﴿كلاَّ إنها تذكرة فمن شاء ذكره، في صحف مكرمة ﴾ [عبس:11 - 13]. وقال موسى، عليه السلام:﴿ لو شئت لاتخذت عليه أجرا ﴾ [الكهف: 29]. وقال أهل الجنة:﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾ [الزمر:74]. "

فماذا عن الاية الاولى ؟
الاية الشريفة من المحتمل , و قد بينت نصوص السنة الشريفة سرها
ففى الحديث القدسى الذى اخرجه مسلم " كلكم ضال الا من هديته فاستهدونى اهدكم "
فرتب تعالى هدايته للعبد على استهدائه نفسه و ارادته اياها و طلبه لها
و كذلك قوله تعالى "وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ" البقرة
فضلالهم به لعلة كونهم فاسقين بارادتهم
و عليه نفهم قوله تعالى" وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء "
فهو بمعنى يضل من يشاء الضلالة , و يهدى من يشاء الهداية
بارجاع الضميرين فى " يشاء " الى القريبين و هما " من " لا البعيد و هو كلمة " الله "
على قاعدة ارجاع الضمير الى القيب دون البعيد اذا دار بينهما
و حتى لو رجع الى البعيد فانه تبين فى الكتاب و السنة ان الذى يهديه هو من يستهديه , و الذى يضله هو من يقتحم الفسق باختياره
و يقول تعالى فى ذات الاية من سورة النحل :" وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "و هو ينادى بان الضمير للقريب تنزيها لله عن الظلم

ي

القلم الحر
08-13-2010, 09:20 PM
تتمة : اما قوله تعالى "وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ " الانسان
فهى ايضا من المحتمل الذى يجب حمله على النص المحكم
فان المتعدى اذا لم يذكر له مفعول يدل ذلك على ان المقصود هو الفعل دون ملاحظة مفعوله فيكون المتبادر من قوله تعالى "وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّه "هو ذات المشيئة, بمعنى انكم لا تكونون -احرارا - ذوى مشيئة الا بسبب ان يشاء الله لكم ذلك
و المقصود الاشارة الى طبيعة القران المعجز الذى وصفه الله تعالى بانه " مثانى ", و لا يوجد كتاب فى الكون يماثل هذا

القلم الحر
08-13-2010, 10:06 PM
قطرة اخرى ..
يحتج خصوم محمد (ص) بالايات التى تحتمل معنى انه لم يات بمعجزات
فمن هذه الايات قوله تعالى : " وما منعنا أن نرسل بالايات إلا أن كذب بها الاولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالايات إلا تخويف"

و قد اجاب علماء الاسلام بان المقتضي للارسال بالايات هو اقتراح المقترحين . ومن الضروري أن المقترحين إنما يقترحون امورا زائدة على الايات التى تتم بها الحجة ، فإن هذا المقدار من الايات مما يلزم على الله أن يرسل به لاثبات نبوة نبيه ، وما زاد على هذا المقدار من الايات لا يجب على الله أن يرسل به ابتداء ، ولا يجب عليه أن يجيب إليه إذا اقترحه المقترحون .

سيقول الخصم ان هذا توجيها متحيزا لم يرد به القران
والرد ان نرجع الى القران و نفهم طريقته ,فالقران وصف بانه محكم و مثانى , و بتتبع نظائر الاية يفتينا القران , فيجد المتدبر قوله تعالى :"وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ 109 وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ 110
الانعام
فهنا تذيع الايات الشريفة سر المسالة , فهم اتتهم المعجزات و لم يؤمنوا بها اول مرة , بل اقترحوا بعد تكذيبهم لها ايات اخرى
و نواصل التدبر فنجد قوله تعالى " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " و فيه بيان لعلة منع الايات المقترحة
فتكذيب الايات المقترحة يوجب نزول العذاب على المكذبين . وقد ضمن الله تعالى رفع العذاب الدنيوي عن هذه الامة إكراما لنبيه صلى الله عليه واله وسلم وتعظيما لشأنه , و هوالرحمة المهداة

ثم نلاحظ مورد هذه الاية الكريمة وسياقها . فنجد الاية التى قبلها هي قوله تعالى : " وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا " .
وقد ذكرت فيها آية ثمود التي أعقبها نزول العذاب عليهم . وقصتهم مذكورة في سورة الشعراء ، وختمت هذه الاية بقوله تعالى : " وما نرسل بالايات إلا تخويفا " .

فهذه قرائن دالة على أن المراد بالايات الممنوعة هي الايات المقترحة التي تستلزم نزول العذاب .
ثم نواصل التدبر و سبر الايات القرآنية , فيظهر لنا ظهورا تاما لا يقبل التشكيك أن المشركين كانوا يقترحون إنزال العذاب عليهم ، أو يقترحون آيات اخرى نزل العذاب على الامم السابقة بسبب تكذيبها .


فمن القسم الاول قوله تعالى : " وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم 8 : 32 .

وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون : 33 .

قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون 10 : 50 .

ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه 11 : 8 .

ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون 29 : 53 " .


ومن القسم الثاني وقوله تعالى : " وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ألله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين ظلموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون 6 : 124 .

فليأتنا بآية كما أرسل الاولون 21 : 5 .

فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لو لا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون 28 : 48 " .


ويدلنا على أن نظير هذه الآيات المقترحة قد كذبها الاولون فاستحقوا به نزول العذاب قوله تعالى : " قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون 16 : 26 .

و فى ذلك بيان لشىء من غرائب هذا الكتاب المحكم المعجز, مع ملاحظة انه نزل نجوما حسب الوقائع طيلة 23 عاما و مع ذلك نجد فيه هذا الاحكام المدهش

د. هشام عزمي
08-14-2010, 01:21 AM
تتمة : اما قوله تعالى "وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ " الانسان
فهى ايضا من المحتمل الذى يجب حمله على النص المحكم
فان المتعدى اذا لم يذكر له مفعول يدل ذلك على ان المقصود هو الفعل دون ملاحظة مفعوله فيكون المتبادر من قوله تعالى "وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّه "هو ذات المشيئة, بمعنى انكم لا تكونون -احرارا - ذوى مشيئة الا بسبب ان يشاء الله لكم ذلك
و المقصود الاشارة الى طبيعة القران المعجز الذى وصفه الله تعالى بانه " مثانى ", و لا يوجد كتاب فى الكون يماثل هذا

هذا تحكم بلا دليل ..
وليس له مستند حتى في سائر آيات القرآن الكريم ..
فإن الله تعالى أخبر في هذه الآية أن مشيئة البشر موقوفة على مشيئة الله ..
والمقصود بالمشيئة هنا الفعل الإرادي لا مجرد صفة المشيئة أو الإرادة المخلوقة في بني آدم ..
والأدلة على هذا متواترة في الآيات القرآنية الشريفة ..
كقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} ..
وقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ..
وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} ..
وغيرها من الآيات التي تثبت هيمنة المشيئة الإلهية على الأفعال الإرادية لبني آدم ، وليس مجرد خاصية الإرادة الحرة المركوزة في داخلهم ..

د. هشام عزمي
08-14-2010, 01:49 AM
.قطرة اخرى
إن متشابهات القرآن مصدر تخريب للقرآن بيد المخربين، ولكن القرآن نفسه حمى نفسه بنفسه من هذا المعول . حيث لا يصح الجمع بين المتشابهات (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) هذه حصانة اسقطت كل التلاعب بالقرآن
إن من يفهم هذه الآية المباركة يدرك أن جميع من يريد تخريب القرآن إنما يقوم بالجمع بين المتشابهات والقرآن قد شخص هذه الحالة. وقال إن استخدامها لا ينفع. وهو زيغ وفتنة وتأويل الكتاب بالباطل . وليس لهم القيامة به ، فتأويله عند أولي الرسوخ الذين يفهمون التشابه.
هذه عصمة للقرآن بحيث أنه يستبطن رد كل ما قالوه عنه بجملة واحدة .
فلا راد للقرآن مطلقا.
وكل من يدعي الرد فهو قد جمع المتشابهات وهذه محسومة مسبقا.
والنتيجة السقوط

و نضرب مثالاللمتشابه :اختلف المسلمون فى مسالةافعال العباد نتيجة الاخلاف فى فهم ايات الاضلال و الهداية , و اعجاز لقران يتجلى ايضا فى هذه المواطن عندما يقف المتدبر على اسرار الهداية المنقذة من الحيرة
يقول سبحانه :"وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " النحل -93
فهل تدل الاية الكريمة على الجبر ؟
هذا ما فهمه البعض خطئا , و ما فهمه اعداء القران عمدا طلبا لتخطئته
و المخرج من هذا و امثاله ان نفهم طبيعة هذا الكتاب العزيز
قال تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء) الزمر :23
لا يسمى الشئ مثاني إلا إذا كانت له مطاوي ومحاني ومعاطف ومنعَرَجات .

تقول : ثنى الشيء ثَنْياً : أي ردَّ بعضه على بعض وقد تثنى وانثنى . وأثناؤه ومثانيه : قواه وطاقاته وأثناء واحدها ثني ومثناة ومثناة عن ثعلب
وأثناء الحية : مطاويها إذا تحوَّت أي إذا انطوت . وثني الحية : انثناؤها وهو أيضا ما تعوج منها إذا تثنت والجمع أثناء .
ومثاني الوادي ومحانيه : معاطفه . والثِّني : واحد أثناء الشيء أي تضاعيفه تقول : أنفذت كذا ثِنْيَ كتابي أي في طيه .
وثِنْي الناقة ولدها وكذلك المرأة . أقول سمي ولد الناقة او ولد المرأة ثني ، لانه كان في أحنائهما وطياتهما .

وفي ضوء ذلك يتضح ان وصف الكتاب بالمثاني معناه ان آياته لها ارتباط بعضها ببعض كارتباط المحاني ومعاطفها ومنعرجاتها بعضها ببعض ، وكارتباط محاني الوادي ومنعطفاته ومنعرجاته بعضها ببعض .

ولم يترك القرآن قارئه حيران لا يهتدي الى هذه المنعرجات والمحاني والبطون بل هداه إليها بواسطة ألفاظ الآية أو مترادفاتها غالبا وأحيانا بواسطة عبارة أو جملة منها .

و عندما نطبق هذا هنا نجد قوله تعالى :"إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا " المزمل
و قوله تعالى :"وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ
الكهف
و هو نص لا يحتمل الا ان الايمان و الكفر الى مشيئة المكلف , و ان اتخاذ السبيل الى مشيئة المكلف
و حمل المحتمل على النص و تفسيره به و رد المتشابه الى المحكم شان المؤمن الواعى بطبيعة القران , بينما اتباع المتشابه المحتمل - فى مورد المحكم و النص غير المحتمل - شان اهل الزيغ
يقول الامام القاسم الرسى رحمه الله :" زعموا ..أن العباد ما شاءوا شيئا قط، ولا يريدون شيئا، .. فرد الله عليهم بقوله:﴿ من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴾ [الكهف:29]. و:﴿ من شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ﴾ [الإنسان:29]. وقال:﴿كلاَّ إنها تذكرة فمن شاء ذكره، في صحف مكرمة ﴾ [عبس:11 - 13]. وقال موسى، عليه السلام:﴿ لو شئت لاتخذت عليه أجرا ﴾ [الكهف: 29]. وقال أهل الجنة:﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾ [الزمر:74]. "

فماذا عن الاية الاولى ؟
الاية الشريفة من المحتمل , و قد بينت نصوص السنة الشريفة سرها
ففى الحديث القدسى الذى اخرجه مسلم " كلكم ضال الا من هديته فاستهدونى اهدكم "
فرتب تعالى هدايته للعبد على استهدائه نفسه و ارادته اياها و طلبه لها
و كذلك قوله تعالى "وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ" البقرة
فضلالهم به لعلة كونهم فاسقين بارادتهم
و عليه نفهم قوله تعالى" وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء "
فهو بمعنى يضل من يشاء الضلالة , و يهدى من يشاء الهداية
بارجاع الضميرين فى " يشاء " الى القريبين و هما " من " لا البعيد و هو كلمة " الله "
على قاعدة ارجاع الضمير الى القيب دون البعيد اذا دار بينهما
و حتى لو رجع الى البعيد فانه تبين فى الكتاب و السنة ان الذى يهديه هو من يستهديه , و الذى يضله هو من يقتحم الفسق باختياره
و يقول تعالى فى ذات الاية من سورة النحل :" وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "و هو ينادى بان الضمير للقريب تنزيها لله عن الظلم

هذا أيضًا من تأويلات المعتزلة القدرية الباطلة ..
فإن الله يهدي من يشاء الله أن يهديه ويضل من يشاء الله أن يضله ..
وهذا ثابت في عشرات الآيات القرآنية لا يسع المنكر أن ينكرها جميعًا ولا دلالاتها الواضحة البينة ..
كقوله عز وجل : {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ..
وقوله : {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} ..
وقوله: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ..
وقوله عز وجل : {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ..
وقوله: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} ..
وغيرها من الآيات التي ترد على نفاة المشيئة الإلهية في أفعال العباد ..
ولو لم يكن لله تعالى هيمنة على هداية الناس وإضلالهم لما كان له معنى أن ندعو الله أن يثبت قلوبنا على دينه أو يصرف قلوبنا على طاعته كما علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحديث في صحيح مسلم في باب القدر ..!
لأننا لا ندعو الله إلا في أمر في قدرته واستطاعته ..
فإذا كان الله لا يستطيع أن يهدينا أو يضلنا ، والأمر عائدٌ إلى مشيئتنا المجردة ، فلماذا ندعوه أصلا ..؟!
بل نحن ندعوه تبارك وتعالى لأن الهداية والضلال بيده سبحانه ، وأن قلوبنا حقًا بين أصبعين من أصابعه يصرفها كيف يشاء ، إن شاء أقامها ، وإن شاء أزاغها ، كما في الحديث ..
وليس معنى هذا الجبر والقهر والإكراه ..
بل الإنسان حرٌ في أفعاله ومحاسبٌ عليها ..
بل يكون الجبر والقهر والإكراه إذا أراد الفرد الهداية وأضله الله رغمًا عنه ..
بل الواقع أن الإنسان لا يكره ولا يجبر على شيء لأن إرادة الله موافقة لإرادة الإنسان لا مخالفة لها ..
وهذا هو السر الذي ذهل عنه القدرية والجبرية ..
فالأولون نفوا المشيئة الإلهية في فعل العبد ، والآخرون نفوا المشيئة المخلوقة في فعل العبد ..
وأهل الحق بين هؤلاء وهؤلاء ..
فهم يثبتون المشيئة الإلهية ومشيئة العبد الحرة كلاهما ..
ثم يثبتون أنه لا تعارض بينهما ..
لأن التعارض يكون بأن يريد العبد فعلاً ويريد الله خلافه ، وهذا لا يحدث أصلاً ..
بل المشاهد والمحسوس أن العبد يفعل ما يريد والله يريد عين ما يريده العبد ..
فلا جبر ولا قهر ولا إكراه ..
والله أعلم .

القلم الحر
08-14-2010, 01:49 AM
وقفة مع ابن كمونة:
ناقش اليهودى ابن كمونة ادلة المسلمين على معجزات المصطفى (ص) ومنها ان اخبار المعجزات لو كانت موضوعة فالوضع هو اما من الاعداء و هذا بعيد , و اما من الاولياء فهو باطل ايضا لان المسلمين يعلمون من دين محمد(ص) بالضرورة تحريم الكذب
و كان رده ان كثيرا من الناس يفعل المعاصى لاجل اغراض دنيويه و وضع ما يؤكد دين الانسان هو مما تدعو اليه طباع الناس طلبا للتغلب على المخالفين و قد يضعه من يظن انه مثاب علي لجهله بتحريم الكذب
او وضعها من هو منحاز الى الدين بظاهره ككثير ممن نجده يدخل الاسلام ليستظهر به على الاقران مع كونه لا يكون مؤنا فى الباطن و لو صح ما ذكرتموه لما وضع مسلما حديثا قط . انتهى المراد
و قد نقلت كلامه ليتضح عناد خصوم محمد (ص)

لان احاديث المعجزات فيها احاديث مشهورة شهرة وجود النبى (ص) نفسه , منها حديث الاستسقاء يوم قال النبى (ص): حوالينا لا علينا و هى قصة مشهورة حتى صار قوله (ص)" حوالينا لا علينا " مثلا يضرب لاشتهاره ,
و قصة الشاة المسمومة حتى احتج ببعضها الكندى النصرانى فى رسالته , و نعيه (ص)للنجاشى و هو بالمدينة و لشهرته جعل كثير من الفقهاء تكبيره (ص) اصلا فى الصلاة على الجنائز , و كحديث الحواب و هو مشهور حتى صار يفسره اهل العربية قال الخليل فى العين :"الحواب موضع حيث نبحت الكلاب عائشة " رضوان الله عليها ,
و حديث عمار تقتله الفئة الباغية و قد اشتهر تفاوض اصحاب معاوية فيه و اضطرابهم فى تاويله حتى قالوا نحن البغاة لانا نبغى دم عثمان

و الاحاديث فى معجزاته (ص)رواها حشد من الرواة يوجب ردها رفع اليد راسا عن كل التاريخ المحمدى

و رواتها يستحيل ان يتواطا جميعهم على الكذب على النبى ص لاجل غرض دنيوى , فاجتماعهم لاجل ذلك ممتنع مع العلم باختلاف مذاهبهم و تباعد ديارهم, فان قيل لا يمنع الاختلاف فى المذهب من الاتفاق على هدف جامع , فيرده ان الامة فرق لم يحصل اتفاقهم على مثل ذلك كما هو المشاهد فى زماننا فانهم لا يتعاونون فيما اتفقوا فيه بل باسهم بينهم شديد
ناهيك ان يكون التعاون على الكذب على رسول الله ص فهذا يراه كل عاقل محالا
و القول بان وضع ما يؤكد دين الانسان هو ما تدعو اليه طبائع الناس كلام واضح التهافت, لان من يرى حاجة دينه الى الكذب عن النبى (ص)لا يمكن ان يكون مؤمنا بنبوته
و ليس يقول عاقل ان كل هذا الحشد من الرواة - و عامتهم اهل علم- يجهلون تحريم الكذب فهذا تهافت جلى من ابن كمونة
و مثله استحالة ان يكون كل هؤلاء غير مؤمنين فى الباطن يريدون الاستظهار على ان فيهم من نشا مسلما
اما قوله لما وضع مسلم حديثا قط , فليس مناسبا للمقام لاننا نتحدث عن احاديث رواها جمع كبير لا حديث احاد و يستحيل عادة تواطؤهم على وضعها لانه لا يعقل ان يكون جميعهم على حال الوضاعين لما سبق بيانه عن حالهم
و قد كان الراوى يخاف من وضع حديث حتىلا يسقط فى نظر اهل الحديث فكيف يتصور اجتماع كل هؤلاء على الوضع ؟

و قد اورد على نفسه دليلا هو ان من لم يظهر منه شىء من المعاجز اصلا فانه يستحيل ان يجتمع الجمعالكبير على اسنادها اليه
و هو كلام سديد تجاهل الرد عليه
و الحديث ذو شجون

القلم الحر
08-14-2010, 02:31 AM
الدكتورالمحترم

لا احب الجدل مع مسلم فى هذا المنتدى لكن اشكرك لمروركم و ارجو تقبل ما اقول
لا يوجد تنافى بين ما ذكره الفقير و بين الايات التى ذكرتها

فلم انف اصلا شمول المشيئة الالهية لافعال العباد
بل ما قلته ان المراد فى ايات الهداية و الاضلال مشيئة الله الهداية لمن شاءها و هو مقتضى حديث مسلم : استهدونى اهدكم
فهل نفيت فى ذلك هيمنة مشيئة الله ام النزاع هو فى جعلكم مشيئة الله قبل مشيئة العبد و هو ما لا تثبته الايات التى ذكرتها و اذا كانت تثبته فاوضحه مشكورا

فقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} ..
لا يفيد غير ان الله قادر على منع اقتتالهم و هو واضح و هو ما لم انكره
و قوله : {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} ..لا ينافى ما ذكرته فالله يهدى من يشاء و هو كما بين حديث مسلم يهدى من استهداه
فاين الاشكال
و مثله قوله سبحانه
{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ..
{فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ..
{وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} ..

ثم قلتم : ((هذا تحكم بلا دليل ..
وليس له مستند حتى في سائر آيات القرآن الكريم ..
فإن الله تعالى أخبر في هذه الآية أن مشيئة البشر موقوفة على مشيئة الله ..
والمقصود بالمشيئة هنا الفعل الإرادي لا مجرد صفة المشيئة أو الإرادة المخلوقة في بني آدم .))

و ما قلته ان المتعدى اذا لم يذكر له مفعول يدل ذلك على ان المقصود هو الفعل دون ملاحظة مفعوله فيكون المتبادر من قوله تعالى "وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّه "هو ذات المشيئة,

فاين ردكم على كلامى عن المتعدى و الذى تقول انه تحكم ؟
و ليس فى الايات التى تفضلت بسردها ما ينافى ما ذكرته
{مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ..
فنعم من يشا الله يضلله لكن بين النص ان الاضلال مترتب على الفسق
" و ما يضل به الا الفاسقين "
وقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ..
هو نص محتمل لانه يحتمل ان يكون قوله سبحانه "الا ان يشاء الله " متعلق بالنهي لا بقوله: إني فاعل لأنه لو قال إني فاعل كذا إلا أن يشاء الله، كان معناه: إلا أن تعترض مشيئة الله دون فعله، وذلك مما لا مدخل فيه للنهي
وتعلقه بالنهي على وجهين، أحدهما: ولا تقولنّ ذلك القول إلا أن يشاء الله أن تقوله، بأن يأذن لك فيه. والثاني: ولا تقولنه إلا بأن يشاء الله، أي: إلا بمشيئة الله، وهو في موضع الحال. يعني: إلا ملتبساً بمشيئة الله قائلاً: إن شاء الله وفيه وجه ثالث، وهو: أن يكون { أن يشاء الله } في معنى كلمة تأبيد، كأنه قيل ولا تقولنه أبداً.
وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} ..
فلا خلاف فى انه لو شاء الله لمنعهم و ما فعلوه
وقوله : {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} ..
نعم يهدى به تعالى من يشاء و قد تبين من حديث مسلم انه يهدى من استهداه و هذا ما قلته و لم انف اصلا شمول المشيئة
و مثله
قوله: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ..
وقوله عز وجل : {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ..
وقوله: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} ..و هو واضح فى ان الاضلال للظالمين اى من يشاؤن الضلال

و الخلاصة اننى لم انكر اصلا شمول المشيئة الالهية لكن بينت فحسب ان مشيئة الهداية تكون لمن استهداه تعالى , و مشيئة الاضلال تكون للفاسقين المريدين للفسق بنص القران

و دمتم سالمين

solonely11
08-14-2010, 02:48 AM
[سؤال اذا سمحتم لانى متحيره فى هذا الموضوع وانا لست بصاحبه علم

هل مشيئه الله لهدايه العبد واضلاله تنقص من حريه العبد والتكليف الملقى عليه ؟

وماهى نهايه الاشكال هل الانسان مخير محاسب على كفره وفسوقه ام مسير؟

القلم الحر
08-14-2010, 03:20 AM
الاخت المحترمة
لا داعى للحيرة
قال تعالى فى الحديث القدسى الذى رواه مسلم :
" كلكم ضال الا من هديته فاستهدونى اهدكم "
فمن شاء الهداية و طلبها يشاء الله هدايته
و القران ينطق بان العبد مخير " فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ "
و الخلاف بينى و بين الدكتور الفاضل هو فى كون مشيئة الله قبل مشيئة العبد ام بعدها
و اراه نقاشا مثمر لانه يقدم صورة لاستكشاف المسلم لاسرار القران مادبة الله التى لا تنقضى غرائبها و اسرارها و دلالاتها , فهو ليس نصا سطحى بل بحر لا ينزف

د. هشام عزمي
08-14-2010, 04:18 AM
أخي الفاضل القلم الحر ..
بارك الله فيك ..
وطالما أنك لا تنفي كون الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء عز وجل ، فلم هذه التأويلات المشبوهة ..؟
وأعني قولك إن قوله تبارك وتعالى {وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء} يشير إلى مشيئة العبد لا مشيئة الله ..
وهو إن كان يمكن الترويج له في هذا الموطن ، فكيف في قوله {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ..؟
وقوله {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} ..؟
وهي صريحة في كون المشيئة الإلهية هي ركيزة الهداية والضلال ..
ولا نزاع في كون الهداية والضلال مستحقَين للعبد فهو إما مستهدٍ يهديه الله أو فاسقٌ يضله الله ..
فإن حكمة الله الواسعة وحجته البالغة تقتضي هذا ، ولا ريب ..
لكن الخلاف في التأويل التي يعاند ما جرت عليه سائر الآيات في نفس الموضوع ..
وما يضرك إن ذكرت التفسير السليم للآية ، وهو لا يضرك كما هو ظاهر ..؟
ثم هناك كذلك استشهادك بكلام القاسم الرسي ، وهو من أئمة الزيدية ..
أليس في كلام علماء أهل السنة ما هو خيرٌ من هذا وأسلم وأقرب للحق والصواب ..؟!
فكلام الرسي فيه إنكارٌ لهيمنة مشيئة الله على أفعال العباد جريًا على عقيدته القدرية ..
وكان الأولى أن تذكر كلام أهل السنة والجماعة أصحاب العقيدة السليمة القويمة ..
أليست مثل هذه الأمور مما يطرح حولك الشكوك والشبهات ..؟

أما قولي عن تأويلك أنه تحكم بدون دليل فهو بالضبط قولك :
(( بمعنى انكم لا تكونون -احرارا - ذوى مشيئة الا بسبب ان يشاء الله لكم ذلك )) ..
فهذا لا تدل عليه الآية كما تقول ..
فإن المقصود بـ(ما تشاؤون) هو فعل المشيئة أي الفعل الإرادي ، وليست صفة المشيئة أو الإرادة الحرة من حيث هي صفة وخاصية للإنسان ..
فأفعال الإنسان الاختيارية الإرادية المتعلقة بمشيئته المخلوقة موقوفة على مشيئة الله عز وجل ..
ودللتُ على ذلك بجملة الآيات التي ذكرتها ، وفيها أن فعل الإنسان متوقف على مشيئة الله ..
كقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} ..
وقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ..
وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} ..
فهذا هو موطن الاعتراض ووجه الاستشهاد ..
وحتى إن كانت الآية تشير إلى خاصية المشيئة في الإنسان فهذا لا ينفي المعنى الأقرب وهو الفعل نفسه ..
فليست المشكلة فيما تثبته أخي الفاضل ، بل فيما تنفيه وتنكره وتستبعده ..!
فلو لاحظت طريقة تناولك للآيات تجد أنك تنفي تفسيرًا لمجرد وجود بديل له ..
رغم أن التفسير الذي ترفضه قد يكون هو الأقرب والأرجح والأشهر ..!
وعندك الاحتمال في المعنى يقودك إلى نفي التفسير المحتمل لصالح تفسير محتمل آخر ..
رغم أن المنهج الصحيح غير ذلك ..
وأعتذر عن الإطالة ، وأرجو ألا أكون قد ضايقتك بملاحظاتي ..
واغفر لي شدتي وغلظتي ..

وبارك الله فيك أخي الحبيب ، وجزاك خيرًا ، وهداك إلى الصراط المستقيم ..

القلم الحر
08-14-2010, 04:34 AM
الدكتور الفاضل
قال كل ما عنده و اترك للقارىء التامل فيه
اما بخصوص القاسم الرسى فانا زيدى , لكن لا يهمنى مطلقا ان اروج هنا لمذهب يخالف اهل السنة بل تناولت قضية الجبر ردا على اشكال الملاحدة و دفاعا عن الاسلام و نبيه (ص)

تقبل تحياتى و بارك الله فى جهودكم لنصرة الاسلام

القلم الحر
08-14-2010, 04:54 AM
يثير الحوار السابق قضية الاختلاف فى القران و الواقع ان اعجاز اقران يتجلى هنا ايضا فلن يجد انسان اى تناقض وتضاد صريح بين نصوص نزلت على مدى 23 عاما، ولو كانت من بشريٍ فيكون ذو مزاج متقلب، ولكن هذا غير حاصل، إنما كله متزن ومتساوٍ النسبة للواقع،فلا يوجد مهما حاول الانسان اى تناقض صريح بين ايتين بل يمكن دوما الجمع بين الايات رغم اختلاف المشارب و تنوع الانظار, و كم تناقشت مع ملحدين يدعون التناقض فلا ينتهى الحوار الا بعجزهم عن اثبات تناقض لا لبس فيه , و قد ترك الله لاولى الالباب المقارنة بين الاقوال لمعرفة المراد القرانى ليلمسوا فى طيات ذلك بعض غرائب هذا الكتاب المعجز و يفتح الله على المخلصين
{‏الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ‏}
" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ "

مثال :

قالوا ان هنا تناقض :
- وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا (رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ )وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ {10} النمل
تناقضها
- فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا (هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ) {107}الاعراف

و الجواب : لا تناقض، فالآية الأولى تشبه العصى بعد صيرورتها ثعبانا بالجان وهو النار المتحركة بدلالة (كأنها) ، أم الثانية فلا تشبه ولكن تتكلم حقيقة بانها أصبحت ثعبانا بدلالة كلمة (مبين). فالمعنى: اصبحت ثعبانا تهتز كالجان.


قيل :
سته أيام أم ثمانيه أيام؟

ا - اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ {4} السجدة

تناقضها

ا - قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * (10-12) فصلت

الجواب :
القرآن لا يقول بان الأرض خلقت في أربعة أيام بل في يومين وكذلك السماوات السبع في يومين في نفس سياق الآيات المتصلة، و قد قال الله أن خلق السماوات والأرض في ستة أيام.

و معنى اليوم مختلف عن هذا اليوم، و معناه المرحلة أو الدورة أو الطور وليس اليوم بطلوع الشمس وغروبها.

ولا يبعد أن معنى اليومين الأولين لخلق السماوات وهو مرحلتا الرتق والفتق بالانفجار ولحظته [كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا]، ومعنى اليومان الثانيان بعدها هو حصول الدخان بعد الانفجار وسباحته في السماء ثم التكثيف لمواده بصناعة الشموس وتكوين الاجرام فهذه أربعة مراحل لصناعة الأجرام [ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا] ثم أن الأرض بردّها فصنع معادنها وطبيعتها القابلة للحياة فهذه مرحلة خامسة وثم صنع الحياة فيها وهذه مرحلة سادسة. وأما قوله تعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي [يَوْمَيْنِ] ) متعلق بمرحلة الدخان والتجميع لورودها بعده فتأمل رعاك الله.

وأما ذكر تقدير الأقوات بأربعة أيام فهذا يتعلق بمرحلة أرضية لا علاقة لها بخلق السماوت والأرض. وإنما بمرحلة إنتاج القوت أي هو دورة ثانية تماما، وإلا لكان خلقهن بحسب الآيات المترابطة ثمانية أيام (2ارض+4أرض+ 2سبع سماوات) وهذا واضح الخلل وهو غير مقصود قطعا سواء من السياق أو من البحث الدلالي. والتفسير الأقرب هنا للأقوات هو الفصول الأربعة للإنتاج الفصلي بحسب طبيعة النباتات والحيوانات. وهذا هو ما يقتضيه النظر في مجموع الآيات في كلامه تعالى وليس فيها ما يفهم من لأيام بالفهم العامي ولا علاقة له بأهميةٍ أو كبر حجمٍ أو صغر حجمٍ.

وهذه هي مجموع الآيات فتأملها جيدا :{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي [سِتَّةِ أَيَّامٍ] ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (54) سورة الأعراف {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي [سِتَّةِ أَيَّامٍ] ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} (3) سورة يونس {أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ}(الأنبياء/30). { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي [يَوْمَيْنِ] وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي [أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ] سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي [يَوْمَيْنِ] وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (9- 12) سورة فصلت

القلم الحر
08-14-2010, 05:04 AM
قطرة اخرى


قد يتساءل المرء لماذا يجب علينا ان نعبد الله مع انه غنى عن عبادتنا له و ليس فى ترك العبادة ضرر بالغير ..

و الجواب : أن العبادة ضرورة لنا وليس له ، لأنها جزء من استكمال إنسانيتنا وهي أداة تهذيب لازمة لتكويننا الجسدي والنفسي . وهي صلة بالله تديم النعم وتوجب الكرم . وفيها جنبة تكوينية يتعلق بها التشريع بحسب تكويننا ، و بتدبر القران نجد انه يشير إلى ناحية تكوينية عجيبة في العلاقة بين الطاعة وأمور كونية خارجية غير متوقعة مثل المطر والمعادن وما شابه ذلك. قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (96) سورة الأعراف وقال تعالى : {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}(نوح/10 - 12).

وهذا يعني بكل تأكيد بأن هناك ترابطا تكوينيا بين الطاعة وأمور كونية تتعلق بحياة الإنسان والحيوانات وقد يؤثر ترك الإنسان الطاعة على الحياة البرية (حيوانات ونباتات ومكروبات) وهذا الكلام لمن يفكر جيدا في علاقة الله بمخلوقاته وترابط حاجات وتكوين المخلوقات بشكل عجيب فاذا انقطع المطر أو زاد بشكل كارثي تضررت الأحياء بفعل الإنسان . وأما من لا يؤمن بالله وبنظرية الترابط في الكون فمثل هذا لا شأن له بالسؤال عن التكليف، ومن لا يؤمن بالإسلام يكفيه نظرية الاستكمال التي تبرر العبادة كأداة استكمال طبيعية
وفي المقابل يقرر القرآن إن الكفر بعد نزول المطر وعدم العظة ولزوم الطاعة سيكون سببا لفناء أقوام وهلاكهم: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} (6) سورة الأنعام وهذا يفسر لنا دمار الكثير من الأمم مع توفر الخير عندهم فقد بادت أمم في أوربا وآسيا وهي في عز النعيم وحسن عطاء الأرض والسماء.

tuto
08-14-2010, 05:21 AM
موضوع رائع الزميل القلم الحر كما ألفناك وخاصة في موضوع اثبات نبوة المصطفى
( الغزالي )
:emrose:

القلم الحر
08-14-2010, 03:40 PM
ارجو الانتباه لهذه المشاركة :
وقفة مع ابن كمونة:
ناقش اليهودى ابن كمونة ادلة المسلمين على معجزات المصطفى ومنها ان اخبار المعجزات لو كانت موضوعة فالوضع هو اما من الاعداء و هذا بعيد , و اما من الاولياء فهو باطل ايضا لان المسلمين يعلمون من دين محمد بالضرورة تحريم الكذب
و كان رده ان كثيرا من الناس يفعل المعاصى لاجل اغراض دنيويه و وضع ما يؤكد دين الانسان هو مما تدعو اليه طباع الناس طلبا للتغلب على المخالفين و قد يضعه من يظن انه مثاب علي لجهله بتحريم الكذب
او وضعها من هو منحاز الى الدين بظاهره ككثير ممن نجده يدخل الاسلام ليستظهر به على الاقران مع كونه لا يكون مؤنا فى الباطن و لو صح ما ذكرتموه لما وضع مسلما حديثا قط . انتهى المراد
و قد نقلت كلامه ليتضح عناد خصوم محمد صلى الله عليه و اله

لان احاديث المعجزات فيها احاديث مشهورة شهرة معارك النبى ونحوه , منها حديث الاستسقاء يوم قال النبى : حوالينا لا علينا و هى قصة مشهورة حتى صار قوله " حوالينا لا علينا " مثلا يضرب لاشتهاره ,
و قصة الشاة المسمومة حتى احتج ببعضها الكندى النصرانى فى رسالته , و نعيه للنجاشى و هو بالمدينة و لشهرته جعل كثير من الفقهاء تكبيره اصلا فى الصلاة على الجنائز , و كحديث الحواب و هو مشهور حتى صار يفسره اهل العربية قال الخليل فى العين :"الحواب موضع حيث نبحت الكلاب عائشة " رضوان الله عليها ,
و حديث عمار تقتله الفئة الباغية و قد اشتهر تفاوض اصحاب معاوية فيه و اضطرابهم فى تاويله حتى قالوا نحن البغاة لانا نبغى دم عثمان

و الاحاديث فى معجزاته رواها حشد من الرواة يوجب ردها رفع اليد راسا عن كل التاريخ المحمدى

و رواتها يستحيل ان يتواطا جميعهم على الكذب على النبى ص لاجل غرض دنيوى , فاجتماعهم لاجل ذلك ممتنع مع العلم باختلاف مذاهبهم و تباعد ديارهم, فان قيل لا يمنع الاختلاف فى المذهب من الاتفاق على هدف جامع , فيرده ان الامة فرق لم يحصل اتفاقهم على مثل ذلك كما هو المشاهد فى زماننا فانهم لا يتعاونون فيما اتفقوا فيه بل باسهم بينهم شديد
ناهيك ان يكون التعاون على الكذب على رسول الله ص فهذا يراه كل عاقل محالا
و القول بان وضع ما يؤكد دين الانسان هو ما تدعو اليه طبائع الناس كلام واضح التهافت, لان من يرى حاجة دينه الى الكذب عن النبى لا يمكن ان يكون مؤمنا بنبوته
و ليس يقول عاقل ان كل هذا الحشد من الرواة - و عامتهم اهل علم- يجهلون تحريم الكذب فهذا تهافت جلى من ابن كمونة
و مثله استحالة ان يكون كل هؤلاء غير مؤمنين فى الباطن يريدون الاستظهار على ان فيهم من نشا مسلما
اما قوله لما وضع مسلم حديثا قط , فليس مناسبا للمقام لاننا نتحدث عن احاديث رواها جمع كبير لا حديث احاد و يستحيل عادة تواطؤهم على وضعها لانه لا يعقل ان يكون جميعهم على حال الوضاعين لما سبق بيانه عن حالهم
و قد كان الراوى يخاف من وضع حديث حتى لا يسقط فى نظر اهل الحديث فكيف يتصور اجتماع كل هؤلاء على الوضع ؟

و قد اورد على نفسه دليلا هو ان من لم يظهر منه شىء من المعاجز اصلا فانه يستحيل ان يجتمع الجمع الكبير على اسنادها اليه
و هو كلام سديد تجاهل الرد عليه

القلم الحر
08-14-2010, 04:04 PM
قطرة اخرى ..

تكرار القصص:
كما يقول الدكتور محمد عناية سبحانى فى كتابه الفذ" امعان النظر فى نظام الاى و السور :نرى ان سورة واحدة تجمع بين قصص مختلفة بحيث يعمها لون و اسلوب واحدعلى رغم ما يفصل بينها من فترة هائلة و قرون متطاولة
لاحظ سورة الشعراء فكل مصرع فيها من مصارع الطغاة يبدا بقوله تعالى :أَلَا تَتَّقُونَ 106 إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ 107 فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 108 وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِين
ثم ينتهى بقوله :
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ 139 وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
و هذا الاسلوب كما يدل على نظم القران الدقيق
فانه يتناول القصص حسبما يقتضى (جو السورة و هدفها و طبيعتها )لما انها تذكر ما تذكر من القصص حسبما يلائم طبيعتها و يساير هدفها

مثال : قصة ادم

اولا - سورة البقرة
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ 30 وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 31 قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 32 قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ "
هذه الحلقة من قصة ادم لا توجد فى اى سورة اخرى
فلماذا هذا الاختصاص؟
ان جو الايات له مناسبة خاصة بجو السورة
فلنمعن النظر فيما خصت به السورة
نلاحظ ان الخلافة فى الارض تعتمد على العلم فهو المؤهل للخلافة
و عندما نتامل جو السورة , نجد انها فى عمومها لاثبات رسالة محمد (ص)
و ان مبعثه كان ايذانا بنقل الخلافة من بنى اسرائيل الى قوم اخرين لما ضيعوا العلم
و قد فصل ذلك فى السورة
فلما ضيعوا العلم لم يبق عندهم الا الاهواء
"وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ "
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِين "
و نرى انه تعالى حين حول الخلافة الى الاميين بعث فيهم رسولا يعلمهم
"كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ "

و نرى فى نفس السورة ان بنى اسرائيل لما طلبوا ملكا للقتال
قال لهم نبيهم : إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "
فسر الاختيار البسطة فى العلم و الجسم
و لما انتقل الملك لداود عليه السلام, اهله لهذا العلم و الحكمة
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء "
و هذا كاف فى بيان مناسبة جو السورة لتلك الحلقة من قصة ادم التى خصت بها هذه السورة

القلم الحر
08-14-2010, 04:10 PM
الاخ /الاخت tuto شكرا لمروركم

القلم الحر
08-14-2010, 04:33 PM
سورة الاسراء :
تحكى لنا تلك القصة فى جو يختلف عن جو السور الاخرى حيث قال :
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا 61 قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً 62 قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا 63 وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا 64 إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً"
فهى تعرض القصة فى صورة كلها استفزاز و ارهاب
و نقيس مدى ملائمة القصة لجو السورة فنجد :
وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً 76 سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً "
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا 101 قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا 102 فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا "
فما اشبه هذه الايات بتلك فى قصة ادم
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ "
فانظر كيف صاغ الوحى تلك القصة متلائمة مه هذا الجو الذى يرمى بشرر الاستفزاز ,و علما بان لفظ الاستفزاز لم يرد الا فى تلك السورة
و استعملت ثلاث مرات مرة فى قصة ادم و اخرى فى قريش و ثالثة فى فرعون

القلم الحر
08-14-2010, 04:46 PM
سورة الكهف :

تعرض السورة القصة عرضا بلون اخر
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا "
فالسورة تكشف لاول مرة ان ابليس من الجن و السور الاخرى ساكتة عن ذلك
فهل هناك صلة لهذا بمضمون السورة ؟
لنستحضر الايات التالية :
وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا "
هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا "

قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا 26 وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدا "

وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا 42 وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا 43 هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا "

وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا "

أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا "
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا "

واضح ان عمود السورة هو التوحيد و نفى الولد عن الله تعالى
فن كان يعنيه المشركون بقولهم اتخذ الله ولدا ؟
و من الذين اتخذوهم اولياء من دون الله ؟

نجد الاجابة فى الايات التى تحكى خبر ادم :

إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا 50 مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا
فالعرب المشركون كانوا يعبدون الجن و يقولون زورا انهم ولد الله
و تناول الوحى الموضوع من عدة جوانب :
1- ما مصدر علمكم بان الله اتخذ ولدا , اليس هذا قول بغير علم ؟
2-ان الله لم يشهدهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم فكيف يكونون شركاءه فى الملك
3- ثم هؤلاء كلهم غواة و كلم مضلون فكيف يكون لهموجاهة عند الله و هو لا يحب المضلين "وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا "
4- كيف طابت انفسكم ان تتخذوا الجن اولياء من دون الله و هم اعداؤكم و اعداء ابيكم" أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ" ؟
فتامل كيف تناول السياق هذه القصة حتى تناسقت مع جو السورة تماما

القلم الحر
08-14-2010, 06:14 PM
من درر الامام الفراهى رحمه الله

تاملات فى سورة العصر :
قال الشافعي رحمه الله في سورة "والعصر" : "لوتدبر الناس هذه السورة لوسعتهم"
مناسبتها لما قبلها :
فاعلم أنه قد مر في السورة السابقة- التكاثر -أن أهل النعم انهمكوا في طلب المال، فأفنوا فيه أعمارهم ، وهذا هو الخسران العظيم ، كما قال تعالى : ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ` الذين ضل سعيهم (أي كدهم في جمع الوفر) في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.(أي إنهم يدأبون للتكاثر والتنافس، ويحسبونه حزما وعقلا ، ويسفهون من يعمل للآخرة) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم (الدالة على البعث والجزاء) ولقائه فحبطت أعمالهم (وهذا هو الخسران) فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ` ذلك جزاء هم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ( [سورة الكهف/103-106] .
فهذا ذكر أهل النعيم المستهزئين بالرسل ، وآيات الله ، ولقائه .
وفي أول سورة "والعصر" بين خسران هؤلاء واضحا. ثم بين طريق الفلاح واقتناء الفوز العظيم والحظ الكامل من هذا العمر المستودع ، لكي يتنافسوا فيما هو أحق به ، وينتبهوا عن نوم اللهو والغفلة قبل الفوت والحسرة ، كما بين لنا في قوله : ) حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ` (أي إلى الحياة الدنيا) لعلي أعمل صالحا فيما تركت (أي من الأموال) كلا (أي لن يرجعوا) إنها كلمة هو قائلها (أي ليسوا بفاعلين ما يعدون ، ولا نائلين ما يتمنون) ومن ورائهم برزخ (أي سد قاطع بينهم وبين ما تركوا خلفهم) إلى يوم يبعثون ` فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ` (أي بعد البعث أيضا هم مقطوعون عن كل ما تركوا في الدنيا من أعوانهم إلا أعمالهم كما قال : ) فمن ثقلت موازينه (أي بما اقتنى من الخير الباقي) فأولئك هم المفلحون ` ومن خفت موازينه (لما لم يكسبوا صالحا ، وضيعوا أيامهم في أباطيل الدنيا وتطلب زخارفها) فأولئك الذين خسروا أنفسهم (فهذا هو الخسران الكلي) في جهنم خالدون ( [سورة المؤمنون/99-103] فأي خلد كسبوا ، ويا لمتاع خسروا .
ولا يخفى مما تلونا من الآيات أن خسران الإنسان مبني على كون الجزاء حقا ، وكون الإنسان تحت قدرة ربه مسئولا عما فعل في مدة عمره فيما آتاه ربه من نعمه. فكان إثبات الجزاء أول الأمر ههنا. فلذلك جعل السورة دالة على لزوم الجزاء ، ثم على الخسارة العظمى بإضاعة النعمة الكبرى من الله- وهي هذه الأيام التي لا عوض لها. ثم بين طريق الفوز والربح. وكل ذلك بغاية الإيجاز والإحكام ، كما ستعرف في الفصول الآتية إن شاء الله تعالى .

دلالة كلمة العصر
فاعلم أن كلمة العصر اسم للزمان من جهة ذهابه ومروره ، كما أن الدهر اسمه من حيث مجموعه. ولذلك يستعمل العصر كثيرا للأيام الخالية، كما قال امرؤ القيس :
وهل ينعمن من كان في العُصُر الخالي
وكما قال عبيد بن الأبرص :
فذاك عصر ، وقد أراني تحملني نهدة سرحوب أي حينما كنت أراني ، كما يظهر مما سبقه. وقال المتلمس :
عرفت لأصحاب النجائب جدة إذا عرفوا لي في العصور الأوائل
وقال القطامي أيضا ، ولم يكن من الجاهليين :
إني اهتديت لتسليم على دمن بالغمر ، غيرهن الأعصر الأول
ومن هنا جاز استعمال العصر في قول دريد بن الصمة حيث قال :
فإن لا تتركي عذلي سفاها تلمك عليه نفسك غير عصر
أي من غير أن يمر بك كثير زمان .
ومن ههنا "الإعصار" للريح السريعة من جهة المرور والذهاب. و"عصر المائع": إمراره ، و"العصر" لآخر النهار من جهة ذهاب النهار وانعصاره. ومنه : عنصر الشئ .
فكلمة العصر تذكرهم الأيام الخالية ، وتوجههم من صفة الزمان إلى زواله وسرعة ذهابه. والأولى عبرة لهم بما جلب على الإنسان من حكم الله فيهم حسب أعمالهم ، والثانية تحرضهم على التشمير لكسب ما ينفعهم من زمان أجلى صفته سرعة الزوال .
وكان للعرب إلمام بطرف من هذين الأمرين ، ونطق بهما ذووالبصائر منهم. قال المثقب العبدي :
إن الأمور إذا استقبلتها اشتبهت وفـي تدبرها التبيان والعبر
وقال قس بن ساعدة :
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر
وأراد بالبصائر: العبر، وأن الله هو المولى الحق.فإنه أنشد هذا الشعر بعد ما قال :
"تبا لأرباب الغفلة. من الأمم الخالية والقرون الماضية. يا معشر أياد ! أين الآباء والأجداد ؟ وأين المريض والعواد ؟ وأين الفراعنة الشداد ؟ أين من بنى وشيد ، وزخرف ونجد ، وغره المال والولد ؟ أين من بغى وطغى ، وجمع فأوعى ، وقال أنا ربكم الأعلى ؟ ألم يكونوا أكثر منكم أموالا ، وأطول منكم آجالا ؟ طحنهم الثرى بكلكله ، ومزقهم بتطاوله. فتلك عظامهم بالية. وبيوتهم خاوية. عمرتها الذئاب العاوية. كلا بل هو المعبود" .
وفي هذا الكلام مع حسنه نقص ، وهو أنه ترك ذكر المجازاة. والقرآن كلما يذكر هذه الأمور ينبه على طرف العدل ، كقوله تعالى : ) فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ( [سورة النمل/52] .
وكان قس قد كاد أن يبصر هذا حيث قال : "بغى وطغى". ولكنه غفل عن أمر الجزاء ، وقصر نظره على زوال النعم. والقرآن كثيرا ما يستدل على الجزاء بما وقع على الأمم الخالية ، وكذلك الصحف الأولى تذكر قصص الأمم استشهادا على لزوم الجزاء .
وأما ذكرهم الزمان بالزوال ، وأنه لا معول عليه فكثير.
وقال المتلمس :
عرفت لأصحاب النجائب جدة إذا عرفوا لي في العصور الأوائل
وقال القطامي أيضا ، ولم يكن من الجاهليين :
إني اهتديت لتسليم على دمن بالغمر ، غيرهن الأعصر الأول
ومن هنا جاز استعمال العصر في قول دريد بن الصمة حيث قال :
فإن لا تتركي عذلي سفاها تلمك عليه نفسك غير عصر
أي من غير أن يمر بك كثير زمان .
ومن ههنا "الإعصار" للريح السريعة من جهة المرور والذهاب. و"عصر المائع": إمراره ، و"العصر" لآخر النهار من جهة ذهاب النهار وانعصاره. ومنه : عنصر الشئ .

فكلمة العصر تذكرهم الأيام الخالية ، وتوجههم من صفة الزمان إلى زواله وسرعة ذهابه. والأولى عبرة لهم بما جلب على الإنسان من حكم الله فيهم حسب أعمالهم ، والثانية تحرضهم على التشمير لكسب ما ينفعهم من زمان أجلى صفته سرعة الزوال .
وكان للعرب إلمام بطرف من هذين الأمرين ، ونطق بهما ذووالبصائر منهم. قال المثقب العبدي :
إن الأمور إذا استقبلتها اشتبهت وفـي تدبرها التبيان والعبر
وقال قس بن ساعدة :
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر
وأراد بالبصائر: العبر، وأن الله هو المولى الحق.فإنه أنشد هذا الشعر بعد ما قال :
"تبا لأرباب الغفلة. من الأمم الخالية والقرون الماضية. يا معشر أياد ! أين الآباء والأجداد ؟ وأين المريض والعواد ؟ وأين الفراعنة الشداد ؟ أين من بنى وشيد ، وزخرف ونجد ، وغره المال والولد ؟ أين من بغى وطغى ، وجمع فأوعى ، وقال أنا ربكم الأعلى ؟ ألم يكونوا أكثر منكم أموالا ، وأطول منكم آجالا ؟ طحنهم الثرى بكلكله ، ومزقهم بتطاوله. فتلك عظامهم بالية. وبيوتهم خاوية. عمرتها الذئاب العاوية. كلا بل هو المعبود".
وفي هذا الكلام مع حسنه نقص ، وهو أنه ترك ذكر المجازاة. والقرآن كلما يذكر هذه الأمور ينبه على طرف العدل ، كقوله تعالى : ) فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ( [سورة النمل/52] .
وكان قس قد كاد أن يبصر هذا حيث قال : "بغى وطغى". ولكنه غفل عن أمر الجزاء ، وقصر نظره على زوال النعم. والقرآن كثيرا ما يستدل على الجزاء بما وقع على الأمم الخالية ، وكذلك الصحف الأولى تذكر قصص الأمم استشهادا على لزوم الجزاء .
وأما ذكرهم الزمان بالزوال ، وأنه لا معول عليه فكثير. وأحسنهم قولا عدى بن زيد، حيث قال :
أ عـاذل ، مـا يـدريك أن منيتي
إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد ؟
أ عـاذل ، إن الجهـل من لذة الفتى
و إن المنايا للـرجال بمـر صـد
كفـى زاجـرا للمـرء أيام دهره
تـروح لـه بالـواعظات وتغتدى
فقرب من صريح الحكمة ، ومع ذلك لم يعرج إلى أمر الجزاء وذكر الدار الآخرة.

وجه القسم بالعصر

قد أشهد الله العصر تذكارا لما علموا من جريان حكم الله على الأمم الخالية حسبما أصلحوا أو أفسدوا في الأرض ، ليعلموا أنهم لابد مجزيون يوما .
وكذلك أشهد الله على خسارة الإنسان بهذا الزمان الذي هو رأس بضاعته ، وهو أسرع شئ زوالا ، مع أن الإنسان معتمد عليه وغافل عن يوم انتهاء عمره ولقاء الله وجزاء أعماله. فإنما مثله كمن بضاعته الثلج ، وهو غافل عن الاقتناء به ثمنا يبقى ، بل يتلذذ برونقه الزائل وبرده الفاني حتى تنفد هذه البضاعة ويهجمه الأجل الموعود ، فيعلم حينئذ خسرانه. وهذا تأويل الخسران جاء به القرآن مرارا ، فمنه قوله تعالى : ) قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاء تهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون ` وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون ( [سورة الأنعام/31-32] .
وهذا هو المراد من قول بعض العلماء كالقسطلاني وغيره في تفسير "والعصر" : "أقسم بالدهر لاشتماله على العجائب والعبر".
ثم في مر الزمان بشارة وعون على الصبر ، فإن بهذه المدة القليلة الفانية تستطيع أن تكسب كنـزا باقيا وملكا لا يبلى. فكما أن الزمان يشقى به المنهمك في لذات هذه الحياة الدنيا ، فكذلك يربح به العاقل ، ويستعين به على الصبر والتقوى وكبح النفس في أيام قليلة. فهو يرى هذه الحياة كحلم نائم ، وبرق خاطف ، فهو متثبت على الحق الغائب الباقي ، ومعرض عن الباطل المشهود الفاني .
فتبين لنا أن العصر ليس محض المثل والآية ، بل هو دليل حق وحجة قاطعة على الجزاء وعلى الخسران ، وفيه عون على الصبر والتقوى. فأحسن به مثلا عاليا جامعا لمعنى الخسران والفوز في غاية الصدق ونهاية الإيجاز .

وجوب الخلافة والطاعة من التواصي بالحق والصبر

فبعد ما أعلن بخسران الإنسان عموما ، هدى إلى طريق الرابحين الذين اشتروا بهذا العمر الذاهب نجاحا وفلاحا ، وهم أصحاب الإيمان ، والعمل الصالح ، والتواصي. فجمع بهذه الصفات الثلاث جميع الخيرات. ولقد جلت عظمة هذا القول عند من تفكر في إيجازه وسعة نطاقه ، فإنه لم يترك من الخيرات شيئا. فإن الإيمان جماع العقائد ، والعمل الصالح جماع الشرائع ، والتواصي كمال فضل الله تعالى به هذه الأمة لا سيما الأئمة ، لما أوجب عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر. وبذلك جمع شملهم وجعلهم إخوانا ، وجنبهم عن التفرق والشقاق. ولم يزل يسمو أمر هذه الأمة متى قامت على هذه القاعدة ، كما ترى في أوائل الخلافة ، حتى انشقت عصاهم .
وقد فصل الله تعالى هذه الفريضة في قوله : ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ` (أي مذ عنون للإطاعة) واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ` ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ` ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاء هم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ( إلى قوله تعالى : ) كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ( [سورة آل عمران/102-110]. فكان هذا فرضا عظيما على هذه الأمة ، وفي ذلك آيات أخر .
ولا يخفى أن الله تعالى جعل ذمة الأمر والنهي على أمراء الأمة وأئمتهم، كما تفهم من قوله : تعالى ) ولتكن منكم أمة ( [سورة آل عمران/104]. ولكنه تعالى جعل التواصي فرضا عاما .
فدلنا على أصل الأمر ، وهو أن المؤمنين غير موفين بذمتهم حتى أن يعملوا الصالحات ، ثم يساعد بعضهم بعضا في أداء الحقوق الواجبة عليهم ، والاستقامة عندما تزل أقدامهم. ولا يستتب أداء الحقوق إلا بعد إقامة الخلافة والسياسة ، ولا يتم التثبت عليه إلا بعد الإذعان لها. وليتضح هذا الأمر لابد أن نفسر معنى "الحق" و"الصبر" .


تفسير كلمتي الحق والصبر وربط ما بينهما ونظام السورة
فاعلم أن للحق عند العرب معنى عاما ، ونذكره إذا فسرنا السورة بتأويلها العام ، ومعنى خاصا مناسبا بربط السورة بما قبلها وبعدها : وهو المواساة بمن هو أهلها ، كأن المرحمة كانت ذمة وحقا واجبا عليهم. قال ربيعة بن مقروم :
يهينون فـي الحق أموالهم إذا اللزبات التحين المسيما
أي ينحرون في القحط ، ويطعمون الجياع .
وقال سويد بن أبي كاهل اليشكري :
مـن أناس ليس من أخلاقهم عاجل الفحش ولا سوء الجزع
عـرف للحق مـا نعيا بـه عند مر الأمر ، ما فينا خرع
وقال لبيد :
فإن تقبلوا المعروف نصبر لحقكم ولن يعدم المعروف خفا ومنسما
وهذا كثير في كلامهم. فكأنه قيل : "وتواصوا بالمرحمة وتواصوا بالصبر". وكأن القرآن العظيم فسره هكذا حيث جاء : ) وتواصوا بالصبر ` وتواصوا بالمرحمة ( [سورة البلد/17] .
فانظر كيف خص بالذكر من الخيرات ما هو ملاكها. فإن المرحمة هي التي تؤلف قلوب الناس وتجعلهم كنفس واحدة كراما سمحاء. وقد ذكر الله تعالى في السورة السابقة من تنافسهم في التكاثر ، وذلك أصل دائهم ، فحسمه بالتواصي للمرحمة ، ثم أتبع ذلك بالتواصي بالصبر. فإن المرحمة لا تمكن إلا بأن يحتمل المرء أذى الناس ، ويسامح لهم ويعفو عنهم ، كما قال تعالى : ) ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ( [سورة الشورى/43] .
وترى اعتناق المرحمة بالصبر ، وإنهما صنوان بل ثنيا لحبل واحد في قوله تعالى في خاتمة آل عمران : ) يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ( [الآية/200].
فأوثق عرى الوفاق ، وجمع شمل الأمة بالصبر وروابط الاتحاد. ويشبه هذا ما قال تعالى : ) إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات ( [سورة هود/11].
فهدانا بهما من الخيرات لعلياها وملاكها .
وقد بينا في تفسير سورة الماعون وسورة الكوثر أن المحبة لله والخلق أول ركن الإيمان ، ويعبر عنها بالصلاة والزكاة أو ما يشبههما. فأجدر بهما أن يقارنا بالصبر ، فترى في قوله تعالى : ) واستعينوا بالصبر والصلاة ( [سورة البقرة/45].
وقوله تعالى : ) و أمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ( [سورة طه/132]. مقارنة الصبر بالصلاة .
واعلم أن الصبر عند العرب ليس من التذلل في شئ كما يصبر المضطهد العاجز ، بل هو أصل القوة والعزم. وكثر في كلام العرب استعماله بهذا المعنى. قال حاتم الطائي :
وغمـرة موت ليس فيها هوادة يكون صدور المشرفي جسورها
صبرنا له في نهكها ومصابها بأسيافنا حتى يبوخ سعيرها
وقال الأصبغ :
يا ابن الجحاجحة المداره والصابرين على المكاره
وقال زهير بن أبي سلمى :
قود الجياد وأصهار الملوك وصبر في مواطن لو كانوا بها سئموا
وهذا كثير .
وفي القرآن بين معنى الصبر ، حيث قال تعالى : ) والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ( [سورة البقرة : 177].
فذكر من مواطن الصبر : الفقر ، والمرض ، والحرب. وذلك أصول الشدائد. وكذلك الصبر عند نزعات النفس على أذى الناس ، كما مربك في قوله تعالى : ) ولمن صبر وغفر ( [سورة الشورى/43].
فتبين لنا من مقارنة المرحمة والصبر أشرف حالة النفس من الجمع بين الدماثة والحماسة. وبيان ذلك في الفصل الثاني عشر. فما أجمع هذا الكلام وأوجزه في تعليم الأخلاق ، كأنه مفتاح لكنوز البركات ، ومصباح للساري على سبيل الخيرات ، ودواء لأدواء القلب الشحيح ، وكبح لنـزغات النفس الجموح. فصارت هذه السورة واسطة بين سورتي التكاثر والهمزة اللتين في ذكر شناعة أهل الحرص والكبرياء المغترين بمتاع الدنيا السريع زوالها .
هذا، والآن نشرع في تفسير تأويل أوسع مما ذكرنا،فإن السورة تلمع إليه


توضيح الحق والصبر والنسبة التي بينهما
فاعلم أن ملاك النجاة إصلاح القوى العقلية والأخلاقية ، وأن للعقل والقلب كليهما جانبين من اللين والشدة ، والدماثة والحماسة .
فأما جانب الدماثة من العقل فهو أن يخضع للحق كلما وأينما لاح له ، ومن القلب فهو أن يتحنن إلى الخالق والمخلوق. فالعقل يؤمن بالحق : وهو الله تعالى ، وصفاته، وآياته. والقلب يحس بعبوديته وأصله ، فيتحنن إلى مولاه الحق، ويحس بما يجب عليه من المواساة إلى جميع الخلق .
فأما جانب الحماسة ، فمن العقل أن يصبر على الغيب الحق وينبذ الباطل المشهود ، ومن القلب أن يستقيم على المكاره عند الشدائد ، ويقوى على العفو عند القدرة. فكما أن الحق يتعلق بالعقل والقلب ، فكذلك الصبر يتعلق بهما .
وجملة القول أن الحق يفتح أبواب الخيرات كلها ، والصبر يسد عورات الشرور بأجمعها. فالحق هو المحبوب ، والصبر هو الالتـزام به. وبمثل هذا جاء قوله تعالى : ) إن الذين قالوا (أي بالصدق) ربنا الله (وهذا قول جامع للإيقان والطاعة ، فإن من أقر بربوبيته صار موقنا مطيعا) ثم استقاموا ( [سورة الأحقاف/13].(أي تقبلوا الحق ، ثم صبروا عليه) .
ولا يخفى أنه ليس بعد الفوز بالسعادة الكبرى إلا الدوام عليها. فجمع الخير كله في كلمتين : الحق والصبر ، وتبين لك وجه الربط بينهما .
وليس أن الصبر ينتهي بعد الفوز بجميع الخيرات ، بل بعد كل خير ينبغي التمسك به لكي يعطى ما فوقه. فظهر أن الصبر عون للخير ، ولذلك صار من أول شرط للارتقاء. ألا ترى ، كيف أمر النبيون بالصبر أولا ، وكيف كان أمر موسى وصاحبه عليهما السلام ؟ فإنه لم يطلب أولا من موسى u إلا الصبر ، فامتحنه به. ومزيد بيان منـزلة الصبر في الفصل الخامس عشر. وإنما أردنا ههنا التنبيه على أن الحق والصبر كخطوتين في سيرك .
والآن تمهد لك أن تعلم أن ههنا سلسلة تفصيل وتفريع. فكما أن "الإيمان" هو الأصل والأم ، وذكر العمل الصالح تفصيل لطرف ظاهر من الإيمان كما بيناه ، فكذلك لما كان "الحق" هو محبوب العقل والقلب ، وبه كما لهما وصلاحهما كان "الصبر" نتيجة هذه المحبة. وبقدر المحبة للشيء يكون الالتـزام به ، والذب عنه ، والغضب له ، والغيرة عليه. وهذا هو أصل النقمة من الله الرحمن. هل تراك تحب أحدا ولا تغضب إن يقهر أو يهان ؟ ألا ترى غيرة المرأة على ولدها وفلذة كبدها ، وتشجع الأمهات للذب عن أبنائها ، والأقوام لحماية ذمارها ، حتى أن الحمامة المسكينة تضربك بجناحها إن مددت يدا إلى بيضتها وفرخها. فعلمنا مما تقدم أن الصبر يتفرع من نفس المحبة للحق .
ثم إن الحق جله غيب كما مر ، فلزمك الصبر له ، كما قال تعالى : )فاصبر إن وعد الله حق( [سورة الروم/60] .
فلتكن هذه جهات الربط بين الحق والصبر بين عينيك .

بيان النسبة بين العمل الصالح والتواصي
واعلم أن قوله تعالى : ) وتواصوا بالحق ` وتواصوا بالصبر ( يدل على أنهم أهل الحق والصبر ، ويتواصون بهما بعد العمل. وإنما لم يصرح بهذا ، لأن الإيمان ثم عمل الصالحات قد اشتمل عليه ، ولأن نفس التواصي بالشيء من غير العمل به بادي القبح. وهذا موقع المدح ، فلا يصار إليه .
فقد تبين لنا أن التواصي يتفرع من عمل الصالحات ، كما أن عمل الصالحات يتفرع من الإيمان. فإن من زين إليه الحق ، وعمل به ، وصبر له ازداد به علما ، وله حبا ، وعليه غضبا ؛ وأفرغ جهده لحمايته. فلا يمكنه أن يرى الحق مخذولا ولا مضاعا ، والباطل عائثا في عباد الله. فمثله كمثل بطل شجاع يحرض إخوانه على أن يحاموا عن الحقيقة ، ويصبروا على البأس. وهذا التحريض ليس إلا جزءا من حمايته. فكذلك ههنا التواصي جزء من العمل الصالح ، وذكره الله تعالى على سبيل التفصيل والتوضيح .
وقد مر أن العمل الصالح هو حفاظ السلم والتمدن ، فيلزمه التواصي بما هو الحق ، وبالاستقامة عليه. وهذا مثل ما قال : )وتعاونوا على البر والتقوى( [سورة المائدة/2] .
فالبر هو الحق ، والتقوى هي الصبر : أي تثبيت النفس على الخير في مواقع الزلة .

ربط السورة بالتي قبلها والتي بعدها
لا نحتاج إلى كبير بيان لإيضاح موقع السورة ونظامها. فإن السورة السابقة- كما علمت- في ذكر أهل النعيم المنهمكين في التنافس لزخارف الدنيا، وذكر غفلتهم وسوء عاقبتهم. والسورة التالية في تصوير عقاب هذه الطائفة ، وذلتها ، وهوانها على رغم حبها للترف ، والعزة ، والفخار. فوضع هذه السورة بينهما بحيث ينبهم على خيبة عملهم وضلال رأيهم. وفي ضمن هذا عرف لنا خصال المؤمن ، وسبيل الفلاح. وكثيرا ما ترى في القرآن يجمع بين المتقابلين كذكر البر والفاجر ، والجنة والنار ، فهكذا ههنا. لم يذكر في السورة السابقة ولا في اللاحقة إلا أهل النار ، فأكمل بهذه السورة أسلوبا عاما في القرآن .
ونظام هذه السورة بالتي قبلها كنظام قوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ` وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ( [سورة المنافقون/9-10]. فتأمل في معنى هاتين الآيتين ، والتمس المطابقة التي بينهما وبين سورة "التكاثر" وسورة "والعصر" .
هذا ، ولا يحيط بعلمه وكلماته إلا هو .

القلم الحر
08-14-2010, 06:23 PM
سورة الحج

شرح رباط آياتها :

من الاية 1 الى آية (25). ذكر المجادلين في الله وبالآية.
الأخيرة تخليص إلى كشف هذه الفرقة، وأنهم هم الذين يجادلون في المسجد الحرام.

من الاية 26 إلى آية (41) الاستدلال من تاريخ أمر المسجد الحرام على أنه للمؤمنين. وبيان حكمة الحج وضرورة استخلاص المسجد وإذن الجهاد له، ووعد النصر.

-من الاية 42 إلى آية (57) إنذار المكذبين والمعترضين ورفع شبهانهم.

من الاية 58إلى آية (60) وعد أجر المهاجرين وحكمة بناء على العدل.

من الاية 61 إلى آية (66) بيان الحكمة العامة في غلبة الحق على الباطل وأن الحق هو قوام العالم وان الله يعاملهم بالرأفة.
لكل أمة جعلنا _ على الله يسير إلى آية (70) جواب المنكرين من اليهود.

من 71  إلى آية (76) جواب المنكرين من عبدة الأوثان.

- الاية 77 و(78) أمر بعبادة الرب الواحد، وفعل الخير، وجهاد في الله، وأن الله جعلهم شهداء على جميع الناس، وان الله مولاهم ونصيرهم

.

هذه السورة تبتدأ بذكر الساعة وبوعدهم بها. ويخلط ذكر المجادلين في الله وآياته بذكر الساعة. والمجادلة لم تكن إلا في أمر الكعبة والتوحيد. فإن تأملت اتضح لك أن الحج مثال يوم البعث، وإظهار أن الملك لله الواحد.
عمودالسورة
اعلم أن عمود هذه السورة بيان حكمة الحج وجلالة محله في الدين، لنعلم ما يجب علينا فيه من الاعتقاد والعمل، والنـزوع إليه، والمحافظة عليه، والغضب له من جهة البصيرة والحكمة.
وإنما أنزلت هذه السورة على حين شدة الحاجة إلى معرفته ما ذكرنا، والتعصب له، والتشمر لإقامته. ولقد مر في القسط الأول من تفسير سورة البقرة محل البيت وحجه، وكونه مركزاً للدين الإلهي. استخلاصه أكبر همة النبي العربي. فنجولك إلى ذلك المقام لتعلم موقع نزولها.
فأما أسلوب السورة فهي تخاطب الصادين عن الحج، المدنسين بيت الله المقدس، المبطلين مقصده، القابضين على أمانة كريمة خانوا فيها وجادلوا الذين هم أولى وأحق بها خطابا مشحونا بالزواجر الدامغة والحجج البالغة.
فكان من المطالب المهمة للسورة (1) ذكر حقيقة الحج (2) وجواب المجادلين، (3) وإبطال ولايتهم (4) وإثبات ولاية المؤمنين، (5) والبشارة بنصرهم. ثم ذكر (6) ما يجب عليهم ليعتصموا به، فتبقى لهم هذه النعمة العظمى. هذا قول مجمل ينفع ذوى البصائر ويهديهم ويكفيهم للتدبر
اعلم أن الآيات متصلة، ولكن لتسهيل النظر والتأمل نقسمها جملا، فمن أول السورة إلى آية 25 جملة واحدة. ثم فيها جمل خاصة نشير إليها.


فالسورة تخاطب (1-2) بذكر أهوال القيامة كل خصم مجادل في الله وهم ثلاث فرق:
(1) فأولهم عامة المشركين الذين ذكرهم الله بقوله: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد وهم أكثرهم، ودائهم أن غلبت عليهم لذات الدنيا فأنكروا القيامة واتبعوا أئمة الكفر ‘‘كل شيطان مريد’’ فلا تقطعون حبال مودتهم فأنذرهم بحتم الساعة والعذاب (3-7).
(2) وثانيهم قادتهم الذين ذكرهم الله بقوله: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتب منير (8-10) فهم الشياطين المردة الذين يضلون الناس من غير علم وكتاب لحب الرياسة الدنياوية، فخو فهم أن لهم الخزي في الدنيا، وفي الآخرة عذاب الحريق.
(3) وثالثهم من يعبد الله واقفا على طرف من العبودية غير داخل فيها ولا مطمئن بها. فإذا أصابته مصيبة انفلت إلى أئمة الكفر وما جلعه لله تعالى من شركاء فيدعو لمن ضره أقرب من نفعه فأعلن له أن كل أمر بيد الله ومن لا ينصره الله فليس له نصير. فإن شاء فليمدد وسببا إلى السماء. وهذا مثل لغاية الجهد، كما قال زهير:
ولو نال أسباب السماء بسلم.
وقال الأعشى:
ورقيت أسباب السماء بسلم
(وتفسير تلك الآية في الحرف الثاني)
فهذا ذكرهم (11-15).وختم القول بآية واحدة (16).
ثم أخذ أسلوبا آخر أوسع محتوياً كل فرقة من المؤمنين وأهل الكتاب والمشركين، فإن الخصام بينهم. ثم وسع القول حتى اتسع السماء والأرض. فإن الإسلام وسع كل شئ كما علمت في سورة آل عمران (82).
فقال: إن ههنا بينكم خصام والله تعالى يفصله يوم القيامة. فذكر أنهم فريقان: الساجدون لله، والكافرون به فلهم العذاب والهوانة، وللمؤمنين الكرامة والسرور. فصور الإهانة والعذاب في ثيابهم وغلهم وضرب بمقامع وردهم في دار الخزي كلما أرادوا الخروج. وصور الكرامة والسرور كحلي الذهب واللولوء ولباس الحرير والجنة ذات الأنهار. وذكر من سمات هذه الفرقة المؤمنة أنهم في الدنيا ‘‘هدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد’’.
فهذه آيات: (17-24) ليس فيها إلا ذكر خصام وجدال من فرق الكافرين وتخويفهم بيوم الفصل، وما ادخر لهم من العذاب على سبيل العموم من غير تعيين أمر المخاصمة. فبآية (25) تخلص إلى كشف ما مهد له من منع كفار مكة عن عبادة الله وصدهم المسلمين عن المسجد الحرام، وهم أهل الكتاب وكفار قريش رأس المخاصمين. فذكرهم بقوله إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم.
فبآية (25) بلغ التمهيد غايته وانكشف ما هو المراد من الفرق الثلاث وما هو المراد من المجادلة، وأن الله يعذب عذابا أليما كل من أراد إلحاداً في داره.
فتأمل كيف سماهم الله المجادلين وجعلهم أعداء الحق. فإن السورة سورة الحرب. وإذ كانت الحرب مكروهة مبعدة عن أهل التقوى لا يفزع إليها ألا لحفظ الخيرات، وإقامة سنن الهدى، وقمع الضلالة، وبعدما نفد كل تدبير.
ذكر أسباب القتال وبين من الأمور العظام في آيات (26-41).

القلم الحر
08-14-2010, 06:30 PM
بحث نفيس فى القبلة

فاعلم أولا أن المسجد الحرام هو البيت الذي أسكن الله إبراهيم  عنده لخدمته، كما قال: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا
واليهود كتموا هذا الأمر حسدا وبغيا، والتوراة شاهدة على كذبهم. فهذا هو تأويل قوله تعالى: بوأنا لإبراهيم مكان البيت وتسميته بالبيت العتيق والبيت المقدس بيت حديث.
وثانيا أن مقصد البيت ثلاثة: اجتماع الناس لعبادة رب واحد، وكف الناس عن قرابين الأوثان. فإن أغلب الناس في النشأة الجسمانية مولعون بحب الشعائر الظاهرة. فبين أن الغاية ليست إلا تقوى الله (32) و(37). فالشرك غالب على طبائع الناس إلا المخلصين وهم قليل. وما يؤمن أكثرهم إلا وهم مشركون (وبسطت القول في مقدمة فيها أن اتخاذ الأوثان أمر فطري). فجعل لهم شعائر ظاهرة ومناسك قامت مقام قرابينهم ونسكهم للأوثان. وفي آية (34) وجه الكلام إلى اليهود الذين زعموا أن مناسكهم تبطل هذه المناسك سيأتيك جوابهم.
والمقصد الثاني بعد إقامة التوحيد وإبطال الأوثان هو إطعام الفقراء. فلم يفرق بين ركني التقوى وهما حب الله وحب عباده. فصار الحج جمعا بين الصلاة والزكاة والدعاء والمواساة.
والمقصد الثالث اجتماعهم إلى مركزهم فطرة وملة، فإن الله تعالى جعل آدم خليفة في الأرض فبعد ما انتشروا في عمارة هذه الأرض لزم جمعهم على مركز واحد لكيلا يتقطع بعضهم عن بعض. فوجب الحج إليها كما جاء في آيات التوراة والقرآن. واختار لذلك أرضا وسطا، لا شرقية ولا غربية ولا الجنوب، بين البر والجزيرة، وعمرها بأمة بارك عليها بين أمتين: أولا ديافث، وحام (خلقة 9: 25-27).
‘‘وقال (نوح) اللعنة على كنعان (وهم أولاد حام كما ذكر في سفر الخلق 9: 18) يكون عبيدا لعبيد لإخوانهم. وقال بارك الله ساما ويكون كنعان عبيدهم ويزيد الله يافت ويسكنون في ظل سام ويكون كنعان عبيده’’. وبسط الكلام في غير هذا الموضع.
فبارك الدنيا بالأرض المقدسة وجعل الكعبة أول بيت والموضع الوسط، وجعل بيت يروشلم كالفرع. فأسكن إبراهيم وولده الأكبر وذريته عند بتيه الأول، وولده الثاني عند بيته الثاني. فحمى هذا أصل البركات ومنبع التوحيد والسلام، ونفى عنه الزائغين وأهلك الملحدين فيه، كما أغرق فرعون لما منع بني إسرائيل عن حجهم إلى الأرض المقدسة.
وثالثا ذكر ما فيه الجواب عن حجة الذين زعمو أن بيت القرابين هو مسجد يروشلم، وعن حجة المشركين الذين زعموا أنهم يتبعون سنة إبراهيم بأن إلهكم واحد فله أسلموا جميعا (34) كما مر في سورة الأنبياء بعد ذكر سبعة عشر نبيا: إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون.فتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون. فوبخهم بتقطع أمرهم، كما قال في الشورى: شرع لكم من الدين ما وصى بها نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيمو الدين ولا تتفرقوا فيه.


هذا، ثم ترجع إلى هذا الأمر إذا وصلنا آية (52) التي هي معركة الآراء في هذه السورة
. فقد جعل الله منسكا لكل أمة من أمم الأنبياء، فلا يمنع حج البيت المقدس عن حج هذا المسجد الذي هو أول بيت وضع للناس. وبين نزاعهم وثبت النبي  في آية (67) حيث قال: لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم. وهكذا قال حين بدل القبلة: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم. ثم أشار في هذا الجواب إلى أمر عظيم وحجة دامغة، وهو أن منسكهم كان محض ذبح الحيوان مع ذكر الله؛ فأما منسك هذه الأمة فأصل الأمر فيه التزكية والتقوى من الصلاة والإنفاق والصبر في سبيل الله. وأما الذبح فيه فغير مقصود بالذات، بل المقصود إطعام البائس الفقير.
فتأمل في آيات (26-28) و(34-37) وانظر كيف بشر هذه الأمة بشارتين بقوله وبشر المخبتين وبشر المحسنين وذكر بينهما من خصالهم: الإيمان، والصبر، والصلاة، والإنفاق. ثم انظر كيف بدأ وختم هذه جملة ست آيات، لتعلم أن المقصد هو الصلاة كما مر في سورة إبراهيم أن مقصد استعمار هذا الوادي كان عبادة الله الواحد، ثم الإنفاق والتعاون في الخيرات أمرا ونهيا وهو مقصد الاجتماع. ولهذا المقصد سن الله خطبة الحج، فكان إبراهيم  أول خطباء الحج كما قال: وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا….. وكما بينته في تفسير سورة البلد. وهذه السنة بقيت في أيام الجاهلية حتى جاء الإسلام.
فدعوى اليهود بأن هذه الشريعة لا ينبغي أن تنسخ ما عندهم باطل. فإن الشرائع مترقية حتى تكمل. فإنها صراط مستقيم إلى الله تعالى. فشأو الخلف لابد أن يسبق شأو السلف وإلا لم يكن مستقيما، كما قال تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها. فما نسوا من كتبهم جاء الله بمثله في القرآن، وما نسخه منها فإنما جاء بخير منها. وقد أخبر المسيح  عن علو مرتبة هذه الأمة. فبما ذكر الله تعالى من محاسن هذه المناسك بطل إنكار النسخ.
وبعد الجواب عن حجتهم وعد النصر للمؤمنين.
فلم يأمر بالحرب ولكن قال (38): إن الله يدافع عن الذين آمنوا. وذكر الذين صدوا عن الحج وتطهير البيت بقوله: إن الله لا يحب كل خوان كفور.
فأما اليهود فخانوا الله لما أعطاهم كتابا وبشارة لهذا النبي فاشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، ووصلوا بالمشركين. وأما قريش فكانوا سدنة بيت الله وأولياءه فوافقوا المشركين ومتعوا المؤمنين عن الصلاة بل صدوهم عن الحج.
ففي وعد النصر (38-41) ذكر حكمة هذا القتال من إبقاء مواضع العبادة، وتمكين الدين في الأرض، والإصلاح، ورفع الفساد كما قال في سورة البقرة: فهزموهم بإذن الله وقتل داؤد جالوت واتاه الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين وهكذا في آخر السورة اجتنب كلمة الحرب بل قال: وجاهدوا في الله حق جهاده.

فبعد بيان هذه المصالح والدلائل للإخلاص وبيان وعد النصر وبشارة المؤمنين جاء بآيات (42-57) في وعيد المكذبين، ودفع شبهة المنكرين. فأوعد المكذبين وأهل مكة في آيات (42-48). أي بعد إتمام الحجة إن كذبوك فقد مضت سنة الأولين، وكذلك سنة الله في عذابهم. وإن استعجلوا بالعذاب جهالة فالله لا يخلف وعده ولكنه من رحمته وحكمته لا يعجل.
ثم جاء بآيات (49-57) في دفع شبهة المعترضين من اليهود والمشركين بعد إثبات الحق بدليله اللمى، كما مربك في (3). وهذا لما تمسكوا بكتابهم وحكم الله وقالوا إن الكعبة خلاف دين الله الذي أنزل علينا. فأجاب بأن هذا البيت ليس إلا على وفق آيات الله التي أنزلت من قبل ولكن الشياطين كتموه. فإذا جاء الحق آمن به أولو العلم، وكفر به الذين في قلوبهم مرض وقست قلوبهم، وليس الكافرون على بصيرة. فهم في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم. والله يحكم بينهم، فيثاب المؤمنون ويعذب المكذبون.
هذا إجماله فأما بيانه فيستدعى تفصيلا. فإن هذا المقام أشكل على الناس لما لم يلتمسوا التفسير من القرآن، ولم يكن لهم علم بالكتب السابقة، واستهوتهم غوائل الدجالين. فنفصل بحوله تعالى كلمات هذه الآيات في فصول آتية.
إن جل اعتراض اليهود في الكعبة كان أنه يخالف ما نزل إليهم. والجواب أن الله أنزل في كتابكم هجرة إبراهيم إلى بكة وأنه بنى هناك بيتا للصلاة والحج، وكان ذلك أول بيت لله تعالى ولكن الشياطين منكم بدلوه. وإن قلتم لم جعل حجنا إلى يروشلم ثم ينسخحها؟ فالحواب أن الله جعل منسكا لكل أمة ليبلوكم فيما آتاكم من الشرائع، وهذا التبديل نفسه ابتلاء كما صرح في سورة البقرة في أمر تبديل القبلة. فقوله هناك: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لروف رحيم

مثل قوله ههنا: ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم
فجعل نسخ ما كان في الشريعة السابقة ابتلاء، ليهتدي به المؤمن الذي أوتي علم الكتاب ويضل به القاسية قلوبهم.
وقد علمنا أن الأشرار لا يزالون يضلون الناس ويعادون الأنبياء فيصدون الناس عن الحق الظاهر ويلقون الشبهات عليهم لكي يلتبس الحق بالباطل. وهذا مما ذكره القرآن كثيرا، وسماهم شياطين الإنس والجن. فكل شبهه وبدعة دخلت في الدين من هولاء فبين في رد شبهتم فقال إن الشياطين يلقون زخرف القول على سبيل الإضلال في أمور يتمناه النبي من هداية الناس ودعوتهم إلى ربهم، والشياطين يصدون عنها فيلقون إليهم من الشبهة. ثم بعد النبي يزنون لهم ذلك فيأخذونها.
ومثل ذلك ما أجاب في سورة الأنعام إذا اعترضوا في أحكام الذبائح فقال: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصفى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون. أفغير الله ابتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منـزل من ربك، بالحق فلا تكونن من الممترين وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا (أي صدقا في ما أخبر، وعدلا فيما أمر فما كان خلافه في الخبر أو يشهد بكونه ظلما لا يكون إلا مما ألقته الشياطين) لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم فبين أن الشياطين يزخرفون الأقوال ويضلون الناس ويدخلون في الدين وشرائعه من البدع والأهواء. وأن الذين لهم علم لا يغرون بذلك ويعرفون الحق إذا جاء بإبطال ما ألقاه الشيطان. فهكذا أجاب ههنا.
والحاصل أن ما كان عندكم خلاف ما أنزل في القرآن شاهدا بكونه غير الصدق والعدل فلا يكون من الله بل مما أوحاه إليكم الشياطين، فإنهم مولعون بعداوة الأنبياء وهدايته، وأن الله تعالى يبطله. فهذا القرآن ينسخ ما ألقاه الشياطين ويحكم آيات الله المنـزلة في الكتب السابقة. ولما كانت الكتب السابقة مخلوطة فيها كلام الله وكلام الكتبة صار ذلك ثلمة وخللا لدخول الشيطان فاختلفوا واختلف كتبهم وكانت مثل كتب التفسير عندنا فيه الصحيح والسقيم. ولذلك قال يرمياه النبي (8: 8-10): ‘‘كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا حقا إنه إلى الكذب حرفها قلم الكتبة الكاذبة. الحكماء خزايا حيارى مدركون ألا قد نبذوا كلام الرب فأي حكمة لهم لذلك أعطى نساءهم لأجانب وحقولهم لمن يرثها لأنهم من الصغير إلى الكبير مولعون بالحرص، من التي إلى الكاهن يعمل بالكذب’’..

المراد من لفظ الشيطان في الآية
اعلم أن المراد من الشيطان كل من ألقى الباطل في الحق من الجن والإنس. كما ترى في سورة الأنعام لما اعترضوا على ما أجل الله لهم من الطيبات حيث قال: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذر هم وما يفترون. ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخره وليرضوه وليقترفو ما هم مقترفون وكذلك منها في آيات (122-124): ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وان الشياطين ليوجون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون. أومن كان متيا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون. وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها (هؤلاء سماهم الشياطين) ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون.
وهكذا في هذه سورة الحج سمى قادة المجادلين شياطين ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد.
فقد تخلص لنا من هذه الآيات أمور:
1- ما من نبي إلا له عدو.
2- سماهم الله الشياطين.
3- يوحون بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.
- تصغى إليه أفئدة الذي لا يؤمنون بالآخرة.
وقد كثر في القرآن ذكر اليهود بأنهم كانوا يضلون المسلمين بأقوال ينسبونها إلى كتب الله، وهي أهواؤهم وظنونهم. وكانوا يكتمون كل ما يؤيد هذه البعثة.
في آل عمران: ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون الا أنفسهم وما يشعرون. يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون: يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلون. وأيضا فيها وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب ويعلمون."
وفيها: "قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون."
وفي النساء: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل. وفيها: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هولاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا [سورة النساء/51].

اعلم أن القرآن إما ينسخ (المراد من النسخ في قوله تعالى فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته) ما جاء في الكتب السابقة من الله تعالى، إما ينسخ ما زادوا فيها وخلطوا بها من الأباطيل كما فعلت قريش بوصا يا إبراهيم ، واليهود بوصا يا موسى  وأنبيائهم.
أما الأول فدفع اعتراضهم مرارا. وتفصيله في تفسير سورة البقرة وآل عمران.
فأما الثاني فأجاب عن شبهتهم عليه في سورة المائدة، والأنعام، والنحل، والشورى. وأوضح الآيات هذه (52-55) من الحج. وبين أنه ليس لكم سبيل خروج من اختلافكم إلا بهذا الكتاب المفصل أوتأتيكم القيامة.
ومثل ذلك ما جاء في (14-15) من الشورى: وما تفرقوا إلى من بعد ما جاءهم العلم (أي وحي الله وصيته) بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى اجل مسمى (أي وعد الفصل الكامل يوم القيامة) لقضى بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم (أي اليهود والنصارى) لقي شك منه مريب (أي من كتابهم الذي اختلفوا وخلطوا فيه) فلذلك (أي لما شرع لكم من الدين كما مر في الآية السابقة) فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم (أي أهواء كل فرقة من المشركين من العرب وأهل الكتاب) وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب (أي بقدر ما أنزل الله من كتابه، لا ما ضممتهم به من الأهواء) وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير (أي بعد إتمام الحجة لا نبغي الخصام، فيوم القيامة يفصل بيننا).

ومثل ذلك ما جاء في سورة هود: (109-112): فلاتك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص. ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم (أي كلاّ من المشركين واليهود) إنه بما يعملون خبير. فاستقم كما أمرت (أي بهذا الذي أنزل إليك) ومن تاب معك ولا تطغوا (أي في الخصام) إنه بما تعملون بصير.

ومثل ذلك في (124-125) من النحل: انما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادهم بالتي هي أحسن.

وهكذا في هذه سورة الحج (67-69) لكل أمة (أي من أمم الأنبياء) جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم، وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون (أي من البدع والأهواء والاختلاف. فهو يجازيهم ويفصل بينكم ولا حاجة لنا إلى الغلو في الخصام) الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون. وآيات كثيرة في القرآن تخبرنا بأن أهل الكتاب اختلفوا اختلافا شديدا. والتاريخ. ملآن منه حتى أكلوا بعضهم بعضا بعد النبي، ولو آمنوا به لما فعلوا

القلم الحر
08-14-2010, 06:49 PM
اقتبست كلام الامام الفراهى بطوله لما فيه من صورة لتدفق معانى القران التى لا تنفذ , مع الاشارة لعلم المناسبة الجليل

القلم الحر
08-18-2010, 03:58 AM
قطرة ..
يقول تعالى: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ 31 فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ 32 كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ 33 قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ 34 قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ "
يقول بعض اولى العلم :هذه الآيات بلغت من الفصاحة والبلاغة ما لا يمكن التعبير عنه بألسنة الأقلام، ولا تدرك غوره غويصات الأفهام حيث تضمنت إخراج الكلام على مقتضى الحال حتى بلغ في المحاججة المبلغ الذي يذعن الخصم وتنقطع حجته ويقر بالله تعالى وأنه الخالق وحده، فيقال له بعد ذلك ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾،﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾، ومن حيث جمع في هذا الكلام اليسير جملة أدلة عديدة مفيدة وأوردها على العبارات التي لا تفتقر إلى تصحيح بإقامة برهان حتى صارت كل جملة منها قائمة الأركان غنية عن البرهان ظاهرة المعاني والبيان مستقلة الدلالة والاحتجاج مقرونة بما يناسبها من المعطوفة عليه أو معطوف عليها في الوضوح والابتهاج وشروط العطف، حيث أتى في الشاهد الأول بصيغة المضارع لأن المقام يقتضيه إذ هو محاججة في شأن الرزق الواقع على المخاطبين وهو حاصل في الحال والاستقبال فقال: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ﴾، وسلك مسلكاً لا يقدر الخصم على إنكاره فقال: ﴿منْ السَّمَاءِ﴾، وأراد به المطر، وعطف عليها الأرض وأراد جميع النباتات المسببة عن المطر ثم عطف الجمل الآخرات بصيغة المضارع وأتى فيها بالأفعال التي لا يقدر عليها غيره فقال: ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾، فإن في هذه الجمل الخمس من الإيجاز والاختصار مع عدم الإخلال بشيء من المعنى المراد وإيراده على أبلغ الوجوه في الشمول والوضوح ومراعات النظير ورد الصدر على العجز فيما يحتاج إليه كقوله: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ﴾، وتركه فيما لا يحتاج إليه، والحذف فيما يلزم ليصح العموم معه في قوله: ﴿وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾، فيشمل كل أمر أي شأن من أحوال السماوات والأرضين أو الحيوانات أو النباتات أو النبوات أو الشرائع وجميع ما يتعلق به التدبير، وكذلك ما بعد هذه الآية إلى قوله: ﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ أتى فيها بصيغ المضارع ليناسب الجملة الأولة، لأن من شرط حسن العطف وصحته أن يعطف المضارع على المضارع والماضي على الماضي والأمر على الأمر فلا يقال: سيقوم زيد وقام عمرو أو وقم يا عمرو، ثم ختم كل آية بالفاصلة المناسبة للجمل المذكورة فيها فقال في الأولى ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ أي أفلا تتقون عقابه حيث تعبدون من دونه أصناماً لا تفعل شيئاً مما ذكر من الرزق وما بعده، وقال في الثانية: ﴿ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾لما قال فيها ﴿فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾، فسمى نفسه عز وجل الحق، وسمى الأصنام الضلال، وسمى عبادته الحق وعبادة الأصنام الضلال، وإن لم تذكر العبادة فهي المرادة من إرسال الرسول بالمحاججة على التوحيد أولاً لكونه شرطاً في صحتها، ثم على استحقاقه تعالى إياها ثانياً لكونه المنعم بما ذكر في تلك الآية وغيرها من النعم، يدل على هذا قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾{الأنبياء:25}،فلما سمى نفسه عز وجل أو عبادته الحق أو هما معاً أو الأول في الأول والثاني في الثاني، سمى الأصنام أو عبادتها بالضلال، وكان المشركون لا يكادون يفارقون اعتقاد إلهية الأصنام وعبادتها مع عدم المقتضي لها بعد إقرارهم بأن الذي رزقهم وجعل لهم السمع والأبصار وأخرج الحي من الميت والميت من الحي ودبر الأمر هو الله تعالى لا غيره، فكان من حقهم ومن اللازم عليهم أن ينصرفوا عن عبادة الأصنام إلى عبادة الله تعالى وتوحيده في الإلهية فقال: ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾، وأتى فيه بصيغة المجهول ليدل على توغلهم وفرط محبتهم للأصنام وعبادتهم إياها حتى كأنهم أصنام لا ينصرفون عنها إلا بصرف صارف لهم عنها وكأنه أمر جِبِلّي فيهم وخِلْقَةٌ كناية عن المبالغة في ذمهم وعنادهم ثم قال: ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾{يونس:33}، لما حكى عنهم في الآيتين التي قبلها أنهم لم يتقوا عقابه، ولم ينصرفوا عن عبادة الأصنام، حكم عليهم بالفسق وبعدم الإيمان، وأفاد أن هذا الحكم سنته وكلمته المحكوم بها على كل من فسق - إي أفحش في الخروج عن طاعته - وأن هذا الحكم حق منه عز وجل لا باطل ولا ظلم ولا جور ولا كذب فيه، فانظر إلى ما في هذه الآية من الحذف والتقدير والطي والنشر والاختصار والإيجاز والتشبيه والتأكيد وحسن السَّبك والمناسبة لما قبلها ومطابقة مقتضى الحال وعدم تنافر الكلمات والحروف وحسن التقفية والسجعة وغير ذلك مما اشتملت عليه مع قلة كلماتها وصغرها في ذاتها، ثم أعاد عليهم المحاججة على وجه وأسلوب آخر فقال عز من قائل: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾{يونس:34}، ولما كانوا منكرين الإعادة لم يحسن هاهنا أن يقول فسيقولون الله نظراً إلى إقرارهم أن الله هو الذي يبدأ الخلق كما حسن في الآية السابقة فسيقولون الله لأنهم فيما ذكر في الآية السابقة لم ينكروا شيئاً هاهنا هم مقرون بالبعض ومنكرون البعض الآخر، فلو قال فسيقولون الله لكذب الخبر، فقال معلماً ومرشداً لكل من وقف على السؤال ومثبتاً لرسوله في كيفية الاحتجاج بصحيح المقال: ﴿قُلْ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾، والإعادة وإن كانت محل النـزاع بينهم وبينه صلى الله عليه وآله وسلم فلا يصح أن يسلك فيها مسلك الدعوى المحض بقوله: ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾فقد قرنت بما يدل على صحتها قطعاً وهم موافقون عليه وهو أنه تعالى يبدأ الخلق فنظم الجميع في سلك الجواب وقال: ﴿قُلْ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾، فكما أنه لا سبيل لهم إلى إنكار بدء الخلق لا سبيل لهم إلى إنكار الإعادة لأن شأن الإعادة في جميع الأفعال أيسر من شأن البداية كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾{الروم:27}، فقياس النشأة الأخرى على النشأة الأولى قياس جلي عقلي يكاد أن يلحق بالضروريات لعدم الفارق بل هو من باب الأَولى، ثم قال: ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾، فكيف تصرفون عنه تعالى وعن توليه إلى غيره؟ فانظر إلى بلاغة هذا الكلام وفصاحته وجزالة ألفاظه واشتماله على البرهان بأقرب بيان وأوضح تبيان وخروج الجواب على مقتضى الحال، ثم قال عز من قائل: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾{يونس:35}، فهذه والتي قبلها سمى الأصنام شركاء تنـزلاً لهم على زعمهم أنها آلهة مع الله مشاركة له في الإلهية لينبني عليه وجه المحاججة كأنه قال: سلمنا كونها شركاء فهل يصح منها أن تهدي إلى الحق ؟ لا يصح فلما كان تقدير الكلام هكذا صار كأنه قيل بعد ذلك فمن ذا يهدي إلى الحق ؟ فأجاب عن هذا السؤال بقوله: ﴿قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ﴾، وأضاف الشركاء إليهم والحال أنهم لا يقولون إنهم مشتركون هم وإياها في الإلهية واستحقاق العبادة، وإنما يزعمون أنها شركاء لله في ذلك لكونهم القائلين بهذا القول ولم يقل قل هل من شركائي يعني على زعمكم لما فيه من ظاهر الإقرار بأنها شركاءٌ له عز وجل وعد السؤال في قوله: ﴿مَنْ يَهْدِى﴾ بإلى والجواب باللام ليفيد تخفيف المسئول عنه وتحقيره وعظم المجاب به وتكثيره فكأنه قال: هل من شركائكم من يصدر منه أدنى هداية وأقل إرشاد إلى الحق - أي موجه ذلك الإرشاد إلى الحق- سواء أوصل إليه أم لا بل بمجرد الأخذ والشروع فيه ﴿ قُلْ اللَّهُ يَهْدِي﴾فأتى باللام المفيدة الإيصال وإلصاق الهداية بالحق والتعظيم والتكثير والاختصاص علمت من تقديم المسند إليه ووضع الظاهر موضع المضمر حيث قال: ﴿قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ﴾، ولم يقل يهدي إليه الله أو يهدي إليه،ولما كان نفي الهداية من الأصنام ووجودها من الله تعالى قد علم بهذه الجملة، أخذ في محاججتهم وجدالهم بالنظر إلى نفوسهم وإلى نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال سبحانه: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾ وهو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه يهدي إلى الحق بمعنى يرشد إليه ويبينه كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾{الشورى:52}، وعداه بإلى لئلا يظن أن هذه مثل هداية الله تعالى في العظم والتكثير والإيصال أحق أن يتبع فيما يدعو إليه ويرشد ويبينه من توحيد الله تعالى وعبادته ﴿أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾ وهم المخاطبون وغيرهم مثلهم لذلك أتى بِمَن العامة في السؤال، فإنهم جميعاً لا يهدون إلى الحق -أي لا يدعون إليه ولا يبينونه-، لعدم علمهم به ولا يتأتى منهم ذلك إلا أن يبينه لهم ويدعوهم ويرشدهم إليه غيرهم، وإنما قلنا: إن هذه الجملة الأخيرة راجعة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإلى المشركين وليست كالأولى راجعة إلى الله تعالى وإلى الأصنام، لأنه لا معنى للاستثناء في حق الأصنام لأنه لا يصح أن يقال فيها أنها لا تهدي إلا أن تهدى لأنها جماد لا يصح فيها هذا المعنى، ولما كانت هذه المحاججة والمسألة المذكورة من أول الآيات ختم الكلام بما يعود إلى جميعها بأن أنكر عليهم الحكم في جميع ذلك بغير الصواب وبالغ في الإنكار حتى أخرجه مخرج السؤال عن ماذا غَيَّر عقولهم وقلبها حتى لم تدرك الحكم الصحيح في هذه المعدودات مع كونها بين مصادق به وبين قائم برهانه فقال: ﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾.

فانظر أيها المطلع وفقك الله تعالى وإيانا، هل وجدت كلاماً في أكاليم البشر من سلف منهم ومن غبر هل تجد فيه ما يداني هذا الكلام أو يقرب إليه في كثرة جمله واختصارها، وإفادتها لكل معنى مراد، واحتراسها عن كل معنى لا يراد، لما فيه من الفساد وتناسق العطف بينها ومناسبته فيما عطف منها، وقطع العطف فيما لم يحسن منها، وخروج الكلام في كل جملة منها على مقتضى الحال بحيث لا يزيد على المعنى المراد منها ولا ينقص منه شيئاً، وجزالة الألفاظ وسلامتها عن الغرابة والوحشة ومخالفة القياس وتناسبها وتناسب حروف كل جملة منها حتى لا يستثقل من النطق شيء منها، واشتمالها على ما يفوته التعداد من أنواع البدائع كما قد أشرنا إلى بعض من ذلك وحسن الإبتداء والتخلص واشتماله من المحاججة القولية مع البراهين العقلية على إثبات الصانع جل وعلا، وعلى كمال صفاته سبحانه وتعالى، وإثبات توحيده وعدله وحكمته بما لا يبقى معه شغب لمشاغب ولا ريب لمرتاب إلا على وجه العناد وعدم الإدراك للحقائق، فأين تبلغ فصاحة المفلقين من فصاحة هذا الكلام! وأين يتاه ببلاغة المصقعِين عن بلاغة هذا الإلمام! وأين تبلغ أدلة المتكلمين ومقدمات المنطقيين مما بلغ إليه هذا المقال من البرهان وما قطعه من شبه أهل الضلال والبهتان

القلم الحر
08-18-2010, 03:21 PM
برر اليهود رفضهم الاسلام بان الملاك الذى ياتى محمدا هو جبريل

(قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ 97 مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ)

لقد روى ان اليهود سألوا المصطفى:
ليس من نبى الا له ملك ياتيه بالخبر فاخبرنا من صاحبك ؟
قال صلى الله عليه و آله : جبريل عليه السلام
قالوا : جبريل ! ذاك الذى ينزل بالحرب و القتال و العذاب عدونا )

رواه احمد فى مسنده 1/374

و هو تهرب منهم من اتباع الحق , و مثله موقف القساوسة الكارهين لمحمد صلى الله عليه و اله
يقول القس جورج بوش فى كتابه (محمد مؤسس الدين الاسلامى و مؤسس امبراطورية المسلمين) صفحة 416:

( اننا لا نشك فى ان كتبنا المقدسة قد تنبأت بهذا الدعى الكبير - اى المصطفى صلى الله عليه و آله - و دينه و و لكن بمعنى آخر يختلف عما ذكره محمد و اتباعه

فلم تكن كتبنا المقدسة لتغفل التنبؤ بهذا الدين الذى اتى به محمد و هذه الامبراطورية التى شادها

بوصفهما : سوط عذاب نزل على الكنيسة و العالم المتحضر )



لكنه فى صفحة 353 اعترف بعجزه عن فهم الظاهرة المحمدية مع الاقرار برعاية الله لمحمد صلوات الله عليه
( الحقيقة ان ما حققه نبى الاسلام و الاسلام لا يمكن تفسيره الا بان الله كان يخصهما برعاية خاصة
فالنجاح الذى حققه محمد لا يتناسب مع امكاناته , و لا يمكن تفسيره بحسابات بشرية معقولة
لا مناص اذن من القول انه كان يعمل فى ظل حماية الله و رعايته , لا تفسير غير هذا لتفسير هذه الانجازات ذات النتائج الباهرة
و لا شك انه يجب علينا ان ننظر للاسلام النص الدينى المحمدى فى ايامنا هذه بوصفه شاهدا قائما ينطوى على حكمة غامضة لله لا ندرى مغزاها)

(انْظُر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الاََمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً)

القلم الحر
08-18-2010, 03:50 PM
زواجه - صلى الله عليه و اله و سلم من ام المؤمنين عائشة

من الشبهات التى يثيرها خصوم المصطفى (ص) من النصارى و من اللادينيين (الذين لا يوجد اى مانع حقيقى فى لادينيتهم من نكاح امهاتهم )شبهة زواجه من عائشة و هى صغيرة
و قد اجيب عنه بان بان من كانت فى سن التاسعة ليست طفلة , لان هذا سن بلوغ للفتاة , و الاشكال مبنى على عرف هذا الزمان و هو ليس بحجة لان ما يستشنعه البعض الان لم يكن مستشنعا عند العقلاء وقتها , فليس فى الزواج منها فى هذه السن ما يحكم العقل بقبحه و الا لاستقبحه العقلاء من قبل , و قد كانت النساء الى وقت قريب يتزوجن بلا اى استشناع فى مثل هذه السن و هذا معلوم

و المؤكد ان النبى الاكرم لم يتزوجها لاشباع شهوة كما يتصور هؤلاء الطاعنون فان سنها حسب النقل لا يغرى على الاستمتاع
و من كان بين الخمسين و الستين و يريد الاستمتاع الشهوانى فله ان شاء فيمن تيقظت فيهن الانوثة كفاية
و هذا يؤكد ان ابا الزهراء انما تزوجها لغرض اجتماعى

فرية الشهوانية
من قرأ حياته(ص) وهو في شرخ شبابه إلى ان ذرّف العقد السادس من عمره الشريف يقف، على أنّه كان بعيداً عن أيّ عمل يمت إلى ذلك بصلة.

«فهو قد تزوج خديجة وهو في الثالثة والعشرين من عمره وهو في شرخ الصبا، وريعان الفتوة، ووسامة الطلعة، وجمال القسمات وكمال الرجولية، ومع ذلك ظلَّت خديجة وحدها زوجه ثماني وعشرين سنة حتى تخطّى الخمسين، هذا على حين كان تعدد الزوجات أمراً شائعاً بين العرب في ذلك العهد وعلى حين كان لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مندوحة في التزويج على خديجة أن لم يعش له منها ذَكَر، في وقت كان تُوأد فيه البنات، وكان الذكور وحدهم هم الذين يعتبرون خلفاً وقد ظل النبي مع خديجة سبع عشرة سنة قبل بعثه وإحدى عشرة سنة بعده وهو لا يفكر قط في أن يُشرك معها غيرها في فراشه، ولم يعرف عنه في حياة خديجة ولم يعرف عنه قبل زواجه منها، انّه كان ممن تغريهم مَفاتن النساء، في وقت لم يكن فيه على النساء حجاب بل كانت النساء يتبرجنَّ فيه ويبدينّ من زينتهنّ ما حرّم الاِسلام من بعد».

فمن غير الطبيعي ان تراه وقد تخطى الخمسين ينقلب فجأة هذا الانقلاب ..

وأمّا تعدد زوجاته ونسائه، فمن قرأ صفحات تاريخه يقف على أنّه كان لاَجل غايات سياسية أو اجتماعية أو ما يشبههما.

مثلاً انّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يشرك مع خديجة أحداً مدى 28 سنة، فلمّا قبضها اللّه إليه تزوج سودة بنت زمعة أرملة السكران بن عمرو بن عبد شمس، ولم يرو راو انّ سودة كانت من الجمال أو من الثروة أو من المكانة بما يجعل لمطمع من مطامع الدنيا أثراً في زواجه بها، إنّما كانت سودة زوجاً لرجل من السابقين إلى الاِسلام الذين احتملوا في سبيله الاَذى والذين هاجروا إلى الحبشة بعد ان أمرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهجرة وراء البحر إليها، وقد أسلمت سودة وهاجرت معه وعانت من المشاق ما عانى، ولقيت من الاَذى مالقي، فإذا تزوّجها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك ليعولها وليرتفع بمكانتها إلى أُمومة الموَمنين، فذلك أمر يستحق من أجله أسمى التقدير وأجلَّ الحمد.)



والواقع مع ذلك ان القرآن قرر بشرية الرسول الاكرم، وانه كان يقدر الجمال البشرى (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) الاحزاب :52

لكن ليست الحاسة الخلقية في انعدام الاحساس والشعور بل في السيطرة على الاهواء الذاتية

و هنا نجد خضوع الرسول الاكرم ص المطلق للايات التي تعلو على ميوله كالقاعدة القرآنية التي تحدد له فئات النساء اللاتى يمكنه الزواج منهن

و القاعدة التي حرمت عليه عقد اى زواج جديد مهما كانت رغبته ولا ان يبدل زوجات بزوجات آخر

و اغلب زيجاته فرضت عليه لاعتبارات انسانية سامية مثل مواساة وتشريف زوجة شهيد أو مهاجر مات بين اصحابه في هجرته

أو توثيق بعض الروابيط القبلية بين القبائل التي تعاهد معها

أو ايجاد جو مناسب لعتق اسرى قبيلة باكملها _ وقد كانوا بالفعل في ايدى المسلمين واعتقهم المسلمون في الحال نظرا لقرابتهم الجديدة بالرسول ..

هذا مع ملاحظة اعباءه وهمومه المختلفة مثل :
اقامة الصلوات الخمس من الفجر حتى العشاء،
وتعليم القرآن،
وتوزيع الصدقات العامة،
والفصل في المنازعات،
ومقابلة الوفود، ومراسلة الملوك،
وقيادة المعارك العسكرية،
وسن التشريع، وتاسيس الدولة ..

و باختصار العناية بكل شيء وبكل الناس ثم بعد ذلك قيام الليل راكعا أو ساجدا أو قائما

كل هذا يدعونا إلى الاعتقاد بان الباعث الحقيقى على الزواج هو شيء آخر بعيد كل البعد عن ارضاء الغريزة

القلم الحر
08-19-2010, 05:20 PM
كما فى صدر الموضوع فان القران ينطلق من مفروغية وجود الله
و مع ذلك فانه يمكن اقتباس حجة تامة على وجود الله من اي الذكر الحكيم المسوقة لتربية المؤمنين
انه برهان الغنى و الفقر
و هو اقوى من برهان الامكان الذى احتج به المتكلمون
و خلاصته :
قال سبحانه "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ "
فلو اننا اخذنا اى عينة من الواقع الخارجى فانها اما ان تكون غنية فيثبت المطلوب
او فقيرة فتحتاج الى غنى تتحقق به
و يكفى تامل الانسان - وهو تحفة عالم الخلق ـ فانه فى حقيقته فى ظاهره و باطنه و علنه و سره ليس الا فقير يحتاج الى الغنى
و قد اشار الكتاب العزيز الى هذا المعنى فى قوله تعالى :
فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
فهو عليه السلام مع ما اوتى من قوة بدنية و ما يجعله غنيا عن جميع الناس نجده يقر بفقره الى الله , فلسان حاله : مهما اعطيت سابقى فقيرا
لان فقر الانسان حقيقى دائم و كذلك سائر الكائنات
فالموجودات كلها عبارة عن الفقر والحاجة ، وان ذات الله المقدسة عبارة عن الغنى والإستغناء
( يَسِئَلُه مَنْ في السَّمواتِ والأَرضِ كُلَّ يَوم هُوَ في شَأْن )

القلم الحر
08-22-2010, 12:14 AM
مع اليهود ..

كان اليهود ينتظرون محمدا صلى الله عليه واله الذي بشرت به اسفارهم

ففي سفر اشعياء ‏:

"قال لي السيد: اذهب أقم الحارس، ليخبر بما يرى، فرأى ركاباً أزواج فرسان، ركاب حمير، ركاب جمال، فأصغى إصغاء شديداً، ثم صرخ كأسد: أيها السيد أنا قائم على المرصد دائماً في النهار، وأنا واقف على المحرس كل الليالي، وهوذا ركاب من الرجال، أزواج من الفرسان. فأجاب وقال: سقطت، سقطت بابل، وجميع تماثيل آلهتها المنحوتة كسرها إلى الأرض. يا دياستي وبني بيدري، ما سمعته من رب الجنود إله إسرائيل أخبرتكم به، وحي من جهة دومة.صرخ إليّ صارخ من سعير: يا حارس ما من الليل، يا حارس ما من الليل. قال الحارس: أتى صباح وأيضاً ليل، إن كنتم تطلبون فاطلبوا. ارجعوا تعالوا، وحي من جهة بلاد العرب، في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين، هاتوا ماء لملاقاة العطشان، يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه، فإنهم من السيوف قد هربوا .... قال لي السيد: في مدة سنة كسنة الأجير، يفنى كل مجد قيدار " (إشعيا 21/ 6 - 16).

وهذا نص معوج لنصٍ مفيدٍ ومهمٍ يدل بكل وضوح بمجيء النبيين: راكب الحمار وراكب البعير. وهما عيسى ومحمد’ .

و هناك تحريف فى كتاب أشعيا في ‏الوحي من جهة برية البحر فقد عمدوا إلى قوله. "زوج فرسان: راكب حمار، وراكب جمل " ‏فحرفوه إلى قولهم: (أزواج فرسان ركاب حمير وركاب جمال "
مع أن الأصل العبراني ‏يقول هكذا: " ورأه ركب صمد ركب حمور وركب جمل " فإن لفظ ركاب بالعبرانية " ‏ركبيم " ومع الاضافة " ركبي " أنظر أقلها سفر القضاء في الأصل العبراني 5: 10 و‏‏10: 4 و12: 14 ولفظ جمال " جمليم " أنظر أقلها سفر التكوين 12: 16 و24: 30 و‏‏31 و35 ولفظ الحمير " حموريم " أنظر أقلها. تك 24: 35 وعد 31: 28 و30 و4 و‏‏39 ولفظ حمار " حمور " أنظر أقلها. خر 22: 8 و9 ولفظ الجمل " جمل " أنظر أقلها. ‏لا 11: 4 وتث 14: 7



و هناك كما في كتاب " الهاجريون " ل باتريشيا كرونة ومايكل كوك سفر رؤيوي يهودي يرجع إلى منتصف القرن الميلادي الثامن، يدعى «أسرار الحبر شمعون بن يوحاي»، والذي يحتفظ بتفسير مسياني للغزو العربي وبما أن المسيا ينتمي إلى نهاية النص الرؤيوي وليس إلى منتصفه، فهذا التفسير مأخوذ على الأرجح من سفر رؤيوي أقدم منه كُتب مباشرة بعد الحوادث التي يشير إليها أما ما يهمنا في بحثنا الحالي فهو المقطع التالي:

حين رأى أن مملكة اسمعيل كانت آتية، شرع يقول: «ألم يكف ما فعلته بنا مملكة أدوم الشريرة، حتى تأتينا مملكة اسمعيل أيضاً؛ وللفور أجابه متاترون أمير التشجيع بقوله: «لا تخف، ياابن الإنسان، فالقدوس المبارك لا يأتي بمملكة اسمعيل إلا لتخلّصكم من هذا الشر. إنه بحسب إرادته يقيم عليهم نبياً وسوف يفتح لهم الأرض وسوف يأتون ويحيونها بعظمة، وسيكون هنالك خوف مريع بينهم وبين أبناء عيسو». أجاب الحبر شمعون قائلاً: «كيف نعرف أنهم خلاصنا؟» أجاب: «ألم يقل النبي اشعيا: «فيرى ركباً، أزواج فرسان» الخ؟» - النص الأصلي للسفر الرؤيوي كان يستند على الترغوم، وليس على النص العبراني الذي نمتلكه الآن. ففي حين يتحدّث النص العبراني عن «أزواج فرسان. ركّاب حمير وركّاب جمال»، يتحدّث الترغوم عن «أزواج فرسان، واحد يركب على حمار، وآخر يركب على جمل»- لماذا جعل ركّاب الحمير قبل ركّاب الجمال، في حين أنه لا يحتاج إلا لأن يقول: «ركّاب جمال وركّاب حمير»؟ لكن حين يأتي راكب الجمل أولاً فالمملكة سوف تقوم عبر راكب على أحد الحمير. ومن جديد نقول: «ركّاب حمير»، كونه يركب على حمار، تظهر أنهم خلاص إسرائيل، مثل خلاص الراكب على أحد الحمير)) انتهى


فاليهود كانوا يؤمنون باسماعيلى عربي – راكب الجمل – يكون نبيا يقيمه الله حسب ارادته ويقول كما سبق :لماذا جعل ركّاب الحمير قبل ركّاب الجمال"

والواقع ان راكب الحمار قبل راكب الجمل لان راكب الحمار هو عيسى عليه السلام لكن اليهود لم يؤمنوا به

القلم الحر
08-22-2010, 12:13 PM
فى الاعجاز اللغوى

معلوم ان القرآن يتحدى بسورة وسور , و تصورى ان التحدى لا ينحصر فى اللغة بل اهم اركانه التحدى بطلاقة القران اى كونه كما سبق لا تنقضى غرائبه بحيث ان القارىء للسورة القرانية يدهشه مع الاطلاع او التامل ان فيها معانى لم ينتبه اليها فيكون لسان حاله معها : كانى لم اقراها من قبل

اما التحدى باللغة و البيان فكما يقول الامام الزيدى المؤيد بالله الهارونى في كتابه النفيس (اثبات نبوة النبي ص /181)، فان اسم السورة لا ينطلق على الشعر، ولا الخطبة، ولا الرسالة، ولا اسجاع الكهنة، ولا المحاضرة
و انما ينطلق على ما له هذا النظم المخصوص"

و لم تكن العرب تستعمل هذا اللفظ قبل نزول القرآن, فهناك اذن تحدى بالنظم

و هنا نشير الى ان ابرز خصائص النص القرآني اللغوية انه ابتدع معجمه واتسمت الالفاظ القرآنية بطبيعة خاصة، فالقاعدة ان دلالات المفردات تكفلت بها معاجم اللغة في ضوء الحقيقة والمجاز

و كما يقول الدكتور عبد الصبور شاهين في "عربية القرآن "

" فان تفسير النصوص الادبية يتم عبر الاجيال بطريقة واحدة هي دراسة دلالات الالفاظ ومتابعة المعنى التركيبى المتالف من معاني المفردات في سياقاتها، وتعتبر المعاجم القديمة مصادر لمعرفة المعانى القديمة وليس من المنطق تفسير بيت قديم شعرى بحمل الفاظه على معان محدثة

لكن القرآن يخرج تماما عن هذه القاعدة، حيث تتسع الفاظه للمعانى المحدثة في حالات كثيرة ولا سيما " الالفاظ المفاتيح " والتي تتصل بمعانى الصفات الالهية، والغيب، والعلم الالهى، والموجودات الكونية التي اثبت القرآن وجودها، بل وكثير من الالفاظ الأخرى

و من امثلة ذلك كل صفات الله في القرآن، ومن امثلته الفاظ الملك والجن والسماء والعرش والكرسي واللوح والقلم

و من امثلته الفاظ الجنة والنار، والحساب والصراط والكتاب والقيامة

فكلها الفاظ عربية دات مدلول لغوى محدد، ولكن مدلوها القرآني غير محدد

اى اننا نعرف مبتداها ولكنا لا نعرف منتهاها

و نرى ان اللفظ يبدا في لسان العرب قبل الاسلام محدود الدلالة، فاذا هو معنى متراحب لا يطيق العقل ان يدركه أو يحدد دلالته في لغة القرآن

و كمثال لفظ " القلم "

قد كانت لاهل الجاهلية اقلام يستخدمونها في الكتابة ويتخذونها من اعواد النبات، لا يتعدى لفظ القلم هذا المدلول المادى الضئيل

و مع ذلك نجد ان القرآن في الآيات الاولى يذكر " القلم " مرتين، مرة في سورة العلق " الذي علم بالقلم "، وبعدها مباشرة في سورة القلم :"ن والقلم وما يسطرون "

و المقصود في بالكلمة في الآية الثانية هو المعنى الاصلى الحقيقى، نظرا لارتباطه بما يستخدم فيه على أيديهم " وما يسطرون "

و لكن المقصود في الآية الاولى متصل بعلم الله الذي يفيضه على الإنسان

فالقلم هنا هو ذلك الوجود المخلوق الذي يسجل كل شيء، والذي علم الله به الإنسان ما لم يعلم

و بين المعنى الاصلى والمعنى القرآني مسافة تنتهى إلى المجهول

فهو بلا شك البعد الالهى في الدلالة، وهو بعد لا نهائى، على شكل المخروط الذي يبدا بنقطة وينتهى إلى علم الله اللامحدود )انتهى



هذا اضافة إلى التحول المعجمى الذي احدثه القرآن وهذا التحول في العادة، يكون تعبيرا عن تطور ذهنى عام في الثقافة، ومن وراء ذلك عن تطور في بني الحضارة كما لدى اليونان وغيرهم

و لا يمكن ان يكون هذا من افراز عقل واحد

و ان يحدث كتاب مثل هذا التحول والتاثير في لغة فهذه معجزة، لان العادة ان اللغات تتطور عبر القرون والاجيال لا فجاة

و لذلك اشار القرآن إلى ان لسانه العربي دليل على نبوة محمد ص في قوله تعالى :" وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ" النحل :103

القلم الحر
08-23-2010, 12:21 AM
خاتمة

اختم الموضوع ببحث ماتع فى مسالة الشرور التى يحتج بها الملاحدة

التحليل الفلسفي لمسألة الشرور.

حاصل هذا التحليل أنَّ ما يظنه بعض الناس من أنَّ هناك حوادث غير منتظمة، أوْ ضارّة مدمّرة، فإنما هو ناشيء من نظراتهم الضّيقة المحدودة إلى هذه الأمور. و لو نظروا إلى هذه الحوادث في إطار «النظام الكوني العام» لأذعنوا بأنها خير برمتها، و يكون موقف المسألة :

ما ليس مَوْزوناً لِبَعْض مِنْ نَغَم * فَفي نِظامِ الكُلِّ كُلٌّ مُنْتَظَم

هذا إجمال الجواب، و أَما تفصيله فيتوقف على بيان أمرين:

الأَمر الأَول - النَّظرة الضيّقة إلى الظواهر

إِنَّ وصف الظواهر المذكورة بأنَّها شاذّة عن النظام، و أَنَّها شرور لا تجتمع مع النظام السائد على العالم أولا، و حكمته سبحانه - بالمعنى الأعم - ثانياً، و عدله و قسطه ثالثاً، ينبع من نظرة الإِنسان إلى الكون من خلال نفسه، و مصالحها، و جعلها محوراً و مِلاكاً لتقييم هذه الأمور. فعندما ينظر إلى الحوادث و يرى أنَّها تعود على شخصه و ذويه بالإِضرار، ينبري من فوره إلى وصفها بالشرور و الآفات. و ما هذا إلاّ لأَنه يتوجه إلى هذه الظواهر من منظار خاص و يتجاهل غير نفسه في العالم، من غير فرق بين من مضى
من غابر الزمان و من يعيش في الحاضر في مناطق العالم أو سوف يأتي و يعيش فيها. ففي النَّظرة الأَولى تتجلى تلك الحوادث شراً وبليّة. ولكن هذه الحوادث في الوقت نفسه و بنظرة ثانية تنقلب إلى الخير و الصلاح و تكتسي خلق الحكمة والعدل و النَّظْم. و لبيان ذلك نحلل بعض الحوادث التي تعد في ظاهرها من الشرور فنقول:

إِنَّ الإِنسان يرى أنّ الطوفان الجارف يكتسح مزرعته، و السَيْل العارم يهدم منزله، والزلزلة الشديدة تُزَعْزِعُ بُنيانه، ولكنه لا يرى ما تنطوي عليه هذه الحوادث و الظواهر من نتائج إيجابية في مجالات أُخرى من الحياة البشرية.

و ما أَشبه الإِنسان في مثل هذه الرؤية المحدودة بعابر سبيل يرى جرّافة تحفر الأرض، أو تهدم بناءً مُحْدِثَةً ضوضاءَ شديداً و مُثيرة الغبار والتراب في الهواء، فيقضي من فوره بأنه عمل ضار و سيء و هو لا يدري بأَنَّ ذلك يتم تمهيداً لبناء مستشفى كبير يستقبل المرضى و يعالج المصابين و يهيء للمحتاجين إلى العلاج وسائل المعالجة والتمريض.

ولو وقف على تلك الأَهداف النبيلة لقضى بغير ما قضى، ولَوَصَفَ ذلك التهديم بأنه خير، و أَنّه لا ضير فيما حصل من الضوضاء، و تصاعد من الأَغبرة.

إِنَّ مَثَلَ هذا الإِنسان المحدود النظر في تقييمه، مَثَل الخفاش الذي يؤذيه النور لأنه يَقبض بصره، بينما يبسط هذا النور ملايين العيون على آفاق الكون و يسهل للإِنسان مجالات السعي والحياة. أَفهل يكون قضاء الخفاش على النور بأنه شرٌ مِلاكاً لتقييم هذه الظواهر الطبيعية المفيدة؟ كلا، لا.

الأمر الثَّاني - الظواهر حلقات في سلسلة طويلة

إنَّ النظر إلى ظاهرة من الظواهر، منعزلة عن غيرها، نظرة ناقصة
و مبتورة. لأنَّ الحوادث حلقات مترابطة متسلسلة في سلسلة ممتدة، فما يقع الآن منها يرتبط بما وقع في أعماق الماضي و بما سيقع في المستقبل، في سلسلة من العلل و المعاليل و الأسباب و المسبَّبات.

و من هنا لا يصحّ القضاء على ظاهرة من الظواهر بحكم مع غض النظر عما سَبَقَها، و ما يلحقها، بل القضاء الصحيح يتحقق بتقييمها جُملة واحدة والنظر اليها نظراً كلياً لا جزئياً. فإِنَّ كل حادثة على البسيطة أو في الجو ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما سبقها أَوْ يلحقها من الحوادث. حتى أنَّ ما يهب من النسيم و يعبث بأوراق المنضدة التي أَمامك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما حدث أو سيحدث في بقاع العالم. فلا بد للمحقق أن يلاحظ جميع الحوادث بلون الإِرتباط و التَّشكل. فعند ذاك يتغير حكمه ويتبدل قضاؤه ولن يصف شيئاً بالشذوذ، ولن يَسِمَ شيئاً بأَنَّه من الشرور.

إذا عرفت هذين الأمرين فلنأْتِ ببعض الأَمثلة التي لها صلة بهما:

1ـ إذا وقعت عاصفة على السواحل فإنها تقطع الأشجار و تدمر الأَكواخ و تقلب الأثاث، فتوصف عند ساكني الساحل بالشر و البلية، ولكنها في الوقت نفسه تنطوي على آثار حيويّة لمنطقة أُخرى.

فهي مثلا توجب حركة السُفُن الشِّراعيَّة المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الريح. و بهذا تنقذ حياة المئات من ركّابها اليائسين من نجاتهم، و توصلهم إلى شواطئ النجاة، فهي موصوفة عند ركّاب السفينة بالخير.

2ـ إِنَّ الرياح و إِنْ كانت ربما تهدم بعض المساكن إلاّ أَنها في نفس الوقت تعتبر وسيلة فعالة في عملية التلقيح بين الإَزهار و تحريك السحب المولدة للمطر و تبديد الأدخنة المتصاعدة من فوهات المصانع والمعامل التي لو بقيت و تكاثفت لتعذرت أَوْ تعسّرت عملية التنفس لسكان المدن و القاطنين حول تلك المصانع. إلى غير ذلك من الآثار الطيبة لهبوب الرياح، التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيئة أو تكاد تنعدم نهائياً.
ـ الزلازل و إِنْ كانت تسبب بعض الخسائر الجزئية أو الكلية في الأَموال و النفوس، إِلاّ أَنَّها توصف بالخير إذا وقفنا على أَنَّ علّتها - على بعض الفروض - جاذبية القمر التي تجذب قشرة الأرض نحو نفسها، فيرتفع قاع البحر و يوجب ذلك الزلازل في مناطق مختلفة من اليابسة. فإنَّ هذا في نفس الوقت يوجب أَنْ تصعد مياه البحار و الأَنهار فتفيض على الأراضي المحيطة بها و تسقي المزارع و السهول فتجدد فيها الحياة و تجود بخير العطاء.

و يترتب على الزلازل آثار نافعة أُخرى يقف عليها الإِنسان المتفحص في تلك المجالات، فهل يبقى مجال مع ملاحظة هذين الأَمرين للقضاء العاجل بأنَّ تلك الحوادث شرور و بلايا لا يترتب عليها أيّة فائدة؟.

إِنَّ عِلْمَ الإِنسان المحدود هو الذي يدفعه إلى أَنْ يقضي في الحوادث بتلك الأقضية الشاذة، ولو وقف على علمه الضئيل و نسبة علمه إلى ما لا يعلمه لرجع القَهْقَرى قائلا: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ )(. و لأذعن بقوله تعالى: (وَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً )( و قوله سبحانه: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ).

و لهذا السبب نَجِدُ أنَّ العلماء الموضوعيين الذين لم تبهرهم منجزات العلوم ولم يغرّهم ما حصل لهم من التقدم، يعترفون بقصور العلم البشري و يَحْذَرُون من التسرع في القضاء والحكم على الأشياء. كيف و هذا العالم الإِنكليزي الأستاذ (وليم كروكش) مكتشف إشعاع المادة، والمخترع لكثير من أدوات التجارب الكيميائية قال: «من بين جميع الصفات التي عاونتني في مباحثي النفسية، و ذلّلت لي طرق اكتشافاتي الطبيعية، و كانت تلك الإِكتشافات أحياناً غير منتظرة، هو اعتقادي الراسخ بجهلي»
تحليل فلسفي آخر للشرور

قد وقفت على التحليل الفلسفي الماضي، و هناك تحليل فلسفي آخر لمشكلة البلايا و المصائب و لعله أدق من سابقه، و حاصله:

إِنَّ الشر أمر قياسي ليس له وجود نفسي و إِنما يتجلى عند النفس إذا قيس بعض الحوادث إلى بعض آخر، و إليك بيانه:

إِنَّ القائلين بالثَّنوية يقولون إِنَّ الله سبحانه خير محض، فكيف خلق العقارب السّامة والحيَّات القاتلة و الحيوانات المفترسة و السباع الضواري.

ولكنهم غفلوا عن أنَّ اتصاف هذه الظواهر بالشرور اتصاف قياسي وليس باتصاف نفسي، فالعقرب بما هو ليس فيه أي شر، و إنما يتصف به إذا قيس إلى الإِنسان الذي يتأذَّى من لسعته، فليس للشرّ واقعية في صفحة الوجود، بل هو أمرُ انتزاعي تنتقل إليه النفس من حديث المقايسة، ولولاها لما كان للشرّ مفهوم و حقيقة. و إليك توضيح هذا الجواب.

إِنَّ الصفات على قسمين: منها ما يكون له واقعية كموصوفه، مثل كون الإِنسان موجوداً، أو أَنَّ كل متر يساوي مائة سنتيمتر. فاتصاف الإِنسان بالوجود والمتر بالعدد المذكور، أَمران واقعيان ثابتان للموجود، توجه إليه الذهن أَم لا. حتى لو لم يكن على وجه البسيطة إِلاّ إنسان واحد أو متر كذلك فالوصفات ثابتان لهما .

ومنه ما لا يكون له واقعية إلاّ أَنَّ الإِنسان ينتقل إلى ذلك الوصف، أَو بعبارة صحيحة ينتزعه الذهن بالمقايسة، كالكبر و الصغر، فإِنَّ الكبر ليس شيئاً ذا واقعية للموصوف و إنما يُدْرَك بالقياس إلى ما هو أصغر منه.

مثلا: الأرض توصف بالصِغَر تارة إذا قيست إلى الشمس، و بالكِبَر أخرى إذا قيست إلى القمر. و لأجل ذلك لا يدخلان في حقيقة الموصوف، و إِلا لما صح وصف الأرض بوصفين متعارضين.

إذا عرفت انقسام الأَوصاف إلى القسمين، فعليك تحليل مفهوم الشر على ضوء هذا البيان فنقول: إِنَّ كون العقرب موجوداً و ذا سمَّ، من الأمور الحقيقية. و أما كونه شرّاً، فليس جزءاً من وجوده، و إِنمايتصف به سمّ العقرب إذا قيس إلى الإِنسان و تضرره به أو فقدانه لحياته بسببه، و إِلاّ فانه يعدّ كمالا للعقرب و موجباً لبقائه. فإذا كان كذلك سهل عليك حلّ عقدة الشرور من جوانبها المختلفة.

أَما من جانب التوحيد في الخالقية و أنَّه ليس من خالق في صفحة الوجود إلاّ الله سبحانه و هو خير محض ليس للشر إليه سبيل، فكيف خَلَقَ هذه الموجودات المتسمة بالشر، فالجواب أنَّ المخلوق هو ذوات هذه الأشياء و ما لها من الصفات الحقيقية، و أَما اتصافها بالشر فليس أمراً حقيقياً محتاجاً إِلى تعلق العلّة، بل هو أَمرٌ قياسي يتوجه إليه الإِنسان، عند المقايسة"