المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمريكا بدون قناع



الخياط
08-12-2005, 11:50 PM
أمريكا بدون قناع

لو كان المجتمع الأمريكي الّذي تشكّل منذ عهد قريب يصدُق عليه وصف الأمة لقلنا بأنّه أشبه الأمم بالوحوش الضّارية والبهائم السائمة, ولكنّه لَم يرق بعد إلى مصاف الأمم, إذ هو خليط من الأجناس وأوباش من أراذل النّاس نشأوا وترعرعوا على السّطو والظلم وتربوا في حوانيت الخمور ومواخير الدّعارة والفجور, ولَم يتعارفوا إلاّ على المنكرات, فلا عجب إن وجدناهم يحقدون على الإسلام لأنّه دين الهدى والعدل والخير والفضيلة ويحسدون أمة الإسلام لأنّها أمّة رسالة وأمّة حضارة ماضيها مليء بالأمجاد والبطولات وتاريخها كله خير ونفع وأمن, أمّا هم فليس لهم ماض ولا تاريخ وليس لهم حضارة ولا تراث.
فشتّان بين أمّة مدحها المولى عزّ وجلّ فقال:? كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ ? وبين مجتمع منحطّ الأخلاق فاسد المزاج مستهتر بالفضائل منغمس في الرّذائل متجبر مستكبر.
فالدّولة الأمريكية لمّا كانت مفلسة في الجوانب الروحية والأخلاقية لَم تزدها قوتها الماديّة إلاّ طغيانا وكفرا ولَم يزدها ترفها وغناها إلاّ زيغا وانحرافا حتى غلب على وصفها الظّلم والاعتداء وغلب على طبعها الجشع والطّمع, وصارت لا تكاد تنتهي من عدوان حتى تبدأ في آخر. ولاشكّ أنّ أمريكا الّتي صارت ترى نفسها القطب الّذي يدور حوله رحى العالَم وصارت تظن أنّ حضارتها هي أمّ الحضارات على الإطلاق, لاشكّ أنّها سوف لن تقود العالَم إلاّ إلى الدّمار والخراب ومزيد من الفساد والاضطراب. فالشّيطان"بوش" ليس أقلّ طغيانا من النّازي "هتلر", ولو قدر لألمانيا أن تنتصر على الحلفاء في الحرب العالمية الثّانية لَمَا كان العالَم أشدّ اضطرابا ممّا هو عليه اليوم.
كيف تقود البشرية دولة تعارف أهلها على أن يتزوج الرّجل الرّجل وتتزوج المرأة المرأة ونصوا على ذلك في تشريعاتهم وشجعوه وجعلوه من جنس الزّواج الشّرعي؟حتى أنّهم يفتخرون أنّ حبرهم الأعظم يمارس الشّذوذ الجنسي, في تحدٍّ سافر لكل الشّرائع والطّبائع. لاشكّ أنّ هذا شذوذ عظيم بل جنون عظيم. لقد صاروا حقّا أضلّ من الأنعام لأنّ في مجتمع البهائم لا ينـزو الذّكر على الذّكر, ولا تثبّ الأنثى على الأنثى.
إنّ دولة بلغت بها درجة الانحراف هذا المدى لَم تعد بعيدة عن سخط الله وغضبه وصارت إلى الفناء أقرب منها إلى البقاء.
فلا يصحّ أن يعجب المسلم بحضارة مثل الحضارة الأمريكية أو يعجب بشعب مثل الشّعب الأمريكي. فهؤلاء الأنجاس الأرجاس لمّا خبثوا صاروا يعادون دين العفّة والطّهارة والفضيلة وكلّما اشتدّ خبثهم اشتدّت عداوتهم له ثمّ امتدّت إلى أهل هذا الدّين.
إنّ العداوة الّتي تضمرها أمريكا لدين الإسلام وأهل الإسلام أمر لا يخفى على عاقل, فمنذ بروزها كقوة عظمى في العالَم بعد الحرب العالمية الثّانية دأبت على القيام بنفس الدّور الّذي كانت تقوم به بريطانيا قبل الحرب. فالتعامل الأمريكي مع قضايا المسلمين عموما وقضية فلسطين خصوصا هو امتداد للسّياسة البريطانية الّتي قوامها الظّلم والمكر والشّر.
ولكن مع ظهور الصحوة الإسلامية بدأت أمريكا تستشعر الخطر الدّاهم, فعودة الإسلام كدين يحكم المسلمين سيبقى هاجس أمريكا العظيم ومحنتها الكبرى.
إنّ أمريكا لمّا اختارت غزو أفغانستان أولا ثمّ العراق ثانيا لَم يكن اختيارها اعتباطا وإنّما كان الأمر محسوبا ومدروسا بدقّة فائقة.
فأفغانستان وإن كانت دولة فقيرة من أفقر دول المعمورة, ضعيفة أنهكت إمكاناتها الماديّة والبشرية عقود متتالية من الحروب المدمّرة إلاّ أنّها تعتبر رمزا لكل المسلمين ومعقد آمالهم, فهي الدّولة المسلمة الوحيدة والنّموذج الفذّ في هذا العصر الّذي استطاع أن يدخل العقيدة على حياة النّاس ويمزج الدّين بالدّنيا حتى تحرّر الإسلام من كل القيود, فلم يبق حبيس المساجد, بل مشى بين النّاس في شوارعهم وأسواقهم, ودخل عليهم متاجرهم ومصانعهم وإداراتهم وكل مرافق حياتهم, وصارت الشّريعة هي الأساس لا شيء يعلو على الشّريعة, فتقهقر الشّرك وأدبرت البدع وتكمّشت المعاصي وصارت أفغانستان جديرة بأن تكون مثالا يُحتذى به في كل بلاد المسلمين.
أمّا العراق فبالرّغم من كونها دولة علمانية على نقيض دولة أفغانستان الإسلامية إلاّ أنّها هي أقوى دولة عربية بثرواتها النّفطية وقدراتها العلمية وطاقاتها البشرية حتّى صارت - قبل الحصار- تُقاس ـ في مجال التّصنيع و التّسلح ـ ببعض الدّول الأوروبية كإسبانيا. وأمريكا تخشى كثيرا اليوم الّذي تقع فيه هذه القوّة بين الأيدي المتوضّئة, فاختارت أن تضرب المسلمين ضربة استباقية في رموزهم وآمالهم الرّوحية والماديّة جميعا وهي لَم تكتف بمثل هذه الضربات الاحترازية بل أعدّت للمسلمين مشروعا خبيثا هو أكبر كيدها وأعظم مكرها سمّته"مشروع الشّرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا"محصّلته أن يخرج دين الإسلام من أرضه لتحلّ محلّه عقيدة الدّيمقراطية, ويتّم هذا التّحول باللّين ما أمكن إلى ذلك سبيلا, فإن تعذّّر فبالحرب الشّاملة.
فأمريكا تريد حمل المسلمين على ترك دينهم وأعرافهم واعتناق دين الكفّار وعوائدهم . وأمريكا تريد من المسلمين ألاّ يُعلّموا أولادهم لغتهم وتاريخ أمّتهم لأنّ ذلك كافٍ لأن يجعلهم إرهابيين محتملين, وحتّى لا يجنحوا إلى الإرهاب عليهم أن يتعلّموا لغة الكفّار وتاريخ الكفّار.
وأمريكا تريد من المسلمين أن يُخرجوا المحصنات من بيوتهنّ والعذارى من خدورهن وينـزعوا عنهنّ الجلباب ويعلمونهنّ كيف يتحرّرن من الحشمة والعفاف والفضيلة, وكيف يكتشفن شيئا فشيئا عالَم الرّذيلة.
هذا باختصار ما تريد أمريكا أن يكون عليه المسلمون, ولا ترضى بغير ذلك بديلا.
بعد غزوة "11سبتمبر"سمعنا كلب أمريكا يقول للعالَم في نبرة المظلوم المتشكّي ما معناه "أنّ الإرهابيين لا يقصدون بهذه العمليات إلاّ ضرب مقوّمات الغرب الحضارية والثّقافية ونمط حياتهم وأسلوب عيشهم " والغريب أنّه عندما كان المسلمون يقولون للغرب منذ أزمنة بعيدة: دعونا نحفظ مقوماتنا الحضارية والثقافية ونعيش حياتنا الإسلامية فنحن عندنا من الخير والحقّ والعدل ما يُغنينا عن ديمقراطيتكم. كانوا يُجيبون: هذه أصولية وظلامية وتطرّف ديني. أليس هذا هو منطق الغاب الذي لا ينفع معه إلاّ الإرهاب؟
ومن أهم مظاهر الطّغيان والاستبداد استحواذها على"منظمة الأمم المتّحدة"وتسخيرها لتحقيق أغراضها وإضفاء الشّرعية على ظلمها وعدوانها وتبرير جرائمها. فباسم هذه الشّرعية الدّولية الباطلة اقترفت كل الجرائم في حقّ المسلمين, وباسم هذه الشّرعية الأممية الفاسدة أزهقت أنفس كثيرة, وسلبت أراض كثيرة, وانتهكت أعراض وضاعت حقوق. فكم جرّمت هذه المنظمة من بريء؟ وكم نصرت من ظالم؟ وكم خذلت من مظلوم؟ فكأنّ هذه الأمم يوم أن اتّحدت لَم تتّحد إلاّ على الباطل.
إنّ أيّ دولة تريد أن تبدأ غيرها بالظّلم تستطيع أن تختار أين ومتى تبدأ الحرب, ولكن بكل تأكيد لن تستطيع أن تختار كيف ولا متى تنتهي الحرب.
لقد علمنا وعلم النّاس كلّهم كم كانت أمريكا - بشأن العراق متحمّسة وحريصة بل ومتلهّفة على الحرب, ورأينا كم كان ساستها متشوّقون لدخول بغداد, ولكن أمريكا ما أن دخلت حتّى أدركت أنّها قد غرقت, وعلمت أنّها إن تمضى تهلك, وإن ترجع تهلك, ولقد رأيناها اليوم وهي تبحث عن منفذ للخروج أو مُنقذ يُخلّصها من ورطتها فلم تعثر عليه, لقد كانت تطمح في أمرٍ فوجدته على خلاف ما كانت تظنّ, فصارت تخبط خبط عشواء في سياساتها وسلوكاتها حتى كثرت أخطاؤها, وصارت تتوالى عليها الفضائح تترى, فلا تكاد تخرج من ورطة حتى تسقط في أخرى. غير أنّ أكبر سُبّة على أمريكا في هذا العصر هي عدوانها على الفلّوجة, تلك المدينة البريئة الآمنة المحافظة على دينها, الغيورة على شرفها الّتي رفضت أن تلين لهذا العدّو الغادر أو تستكين لهذا الظّالِم الجائر الّذي يعيث في الدّماء والأعراض والأموال.
فأمريكا عندما لَم يرقها هذا الإباء وهذا الكبرياء, ولَم تعجبها هذه العزّة وهذه الأنفة, وغاظتها هذه المقاومة وهذا الاستبسال, جمعت كيدها, ثمّ أتت لتعتدي على هذه المدينة في عملية اختارت أن تسميها "الوحش الغاضب", وما علمت الخبيثة أنّ هذا الاسم الّذي اختارته هو أنسب اسم يليق بها وأصدق وصف ينطبق عليها. فإن كانت أجسام الجنود الأمريكيين أجسام بشر, فطباعهم ـ كما شاهد ذلك العالَم كلّه ـ طباع وحوش, البطش شيمتهم, والفتك سمتهم, والتّعذيب طريقتهم والفساد هوايتهم, وما عدا ذلك من الشّعارات البرّاقة الّتي يكثرون التّشدق بها كمبادئ الحريّة والعدالة وحقوق الإنسان إنّما هي من التّطبّع الّذي لا يغني عن الطّبع شيئا.
فأين همجية صدّام من همجية بوش؟ وأين ما فعلته ببني الإنسان أحطّ الدّيكتاتوريات في الشّيلي على عهد "بينوشي" ممّا فعلته بهم"أرقى الدّيمقراطيات"في العالَم على عهد "بوش"؟.
أمريكا داست في الفلّوجة كلّ القيم الّتي كانت تنادي بها وتناضل عنها, واعتدت على كلّ الحقوق المتعارف عليها, ولَم تلتزم بالمواثيق الّتي وقّعت عليها, ولَم تحترم العقود الّتي أبرمتها, وارتكبت من الجرائم ما تشيب لهولها الولدان, لَم ترحم امرأة ولا رضيعا ولا شيخا, قتلت المرأة في جوف بيتها, وقتلت الرّضيع في جوف أمّه, وأعدمت الشّيخ في محراب مسجده, لَم تفرّق بين مسلّح وأعزل, ولا بين حيّ وميّت, منعت الأحياء من أبسط الحقوق المسموح بها في حالات الحرب, ومنعت حتّى حقّهم في الدّفن. في الفلّوجة.
حُرمت الصّحافة من ممارسة حريّتها, ومنعت المنظمات الإنسانية من ممارسة"إنسانيتها". فالجريمة لفظاعتها ولبشاعتها يجب أن تتمّ تحت جنح الظّلام بعيدا عن فضول وسائل الإعلام, فهم كانوا بحقّ كما وصفهم الله تعالى:? لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً?.
لقد افتضحت أمريكا وافتضحت معها الدّيمقراطية الملعونة وانكشفت كلّ الشّعارات الزّائفة, فتبخّرت الحريّة الكاذبة وتلاشت الإنسانية المزعومة وسقطت كلّ الأقنعة وزالت أصباغ التّجميل وظهر الوحش على حقيقته في أبشع صورة وأقبح منظر وأنتن ريح. بعد مآسي "غوانتانامو", وجرائم "سجن أبو غريب", وبعد الإبادة الجماعية لأهالي الفلّوجة من المدنيين العزّل, هل يبقى لأمريكا الحقّ في الكلام عن المبادئ الجميلة والقيم النّبيلة, وعن الخير والعدل والحرّية؟ فأمريكا صارت بحقّ قطب العالَم, ولكن القطب الّذي تدور حوله رحى كلّ الشّرور والآثام, وصار زعيمها أشبه بالكلب العقور الّذي لا يسلم منه بريء.
إنّ الدّيمقراطية في النّهاية ليست إلاّ شعارا رفعته أمريكا لتُضلّل به المغفّلين وتخدع به السذّج من أبناء هذه الملّة, فلو كان همّها بحقّ نشر الدّيمقراطية في العالَم وليس حرب الإسلام, لكانت كوبا أولى بهذه الحرب من العراق لعدّة اعتبارات؛ منها: الموقع الجغرافي, فكوبا لقربها من أمريكا تكاد تكون جزء منها, وفيها اعتبارات الجنس واللّغة والدّين, فهما متقاربتان, ومنها الاعتبارات السّياسية, فكوبا منذ العهد الشّيوعي البائد لازالت متمرّدة على الجارة العظمى في أعظم تحدّ لها وكادت في وقت من الأوقات تكون سببا في اندلاع حرب كونية ثالثة.
ولو كان همّ أمريكا الحدّ من انتشار أسلحة الدّمار الشّامل لكانت كوريا الشّمالية أولى بالغزو من العراق, فالتحدّي الكوري أعظم وأظهر من التّحدي العراقي. ولو كان همّها إزاحة صدام من الحكم باعتباره جبارا سفّاكا للدّماء عدوّا للحرّيات لكان شارون أولى بالنـزع منه, لأنه أشدّ وأطغى, فعل بالمسلمين في "صبرا وشاتيلا " بلبنان ما لَم يفعله أسلافه من اليهود, وجرائمه في فلسطين لا تحصى ولا تعدّ؛ فبان لكلّ أحد من النّاس أنّ المقصود هو الإسلام.
إنّ هذه الهجمة الشّرسة للوحش الأمريكي الحاقد لَم تزد على أن نبّهت الأمة من غفلتها وأيقظتها من رقدتها وأعادتها إلى دينها, فربّ ضارّة نافعة, ولاشكّ أنّ الأمّة ستتجاوز هذه المحنة مهما كانت وطأتها, وستتحمّل هذه الصّدمة مهما كانت قوتها, ثمّ تكون العاقبة ـ يقينا ـ لها.أمّا العدوّ الباغي فسيتقهقر إلى الأبد وسيعود من حيث أتى خاسئا مدحورا.
لقد ابتلي الإسلام وقُتّل المسلمون وخُربت بغداد على أيدي التّتار في العراق وعادت بغداد ومعها أمّة الإسلام لتواصل سيرها في مقدّمة الأمم وبقي التّتار إلى يوم النّاس هذا في ذيل الأمم. مَن منكم يسمع اليوم بدولة اسمها منغوليا؟ ومَن سمع بها سألناه ما هي عاصمتها؟ لاشكّ أنّ معظم المسلمين لا يعرفونها. فالتّتار اليوم جنس مغمور ودولتهم دولة منسية, ونحن نسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يكسر شوكة أمريكا ويُشتّت شمل الأمريكان ويُفرّق كلمتهم ويزيل دولتهم وينسي ذكرهم ويجعل حالهم شرّ من حال التّتار, حتى يأتي على النّاس زمان لا يعرفون فيه إن كان يوجد في الدّنيا جنس اسمه الأمريكان.




انتهى من كتاب " لفت النظر إلى ما في الحرب على العراق من دروس وعبر "

كتبه الشيخ أبو عبد الله محمد

أبو مبرك الأثري
08-13-2005, 01:26 PM
انتهى من كتاب " لفت النظر إلى ما في الحرب على العراق من دروس وعبر "

هل الكتاب موجود على الأنترنت؟؟؟