المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خالص جلبي شيخ (العصرانيين) في القصيم !!



قاهر
08-13-2005, 01:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

القسم 1

انحرافات

خالص جلبي

شيخ (العصرانيين) في القصيم !!

إعداد
سليمان بن صالح الخراشي
1422 هـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فلا زالت بلادنا –حفظها الله وثبتها على الحق- ملاذاً آمناً لكل من يريد إقامة دينه ودنياه من أبناء المسلمين على اختلاف هوياتهم، وملتقىً لهم بما خصها الله به من وجود الحرمين الشريفين على أراضيها. وقد أمَّها الكثير منهم، ما بين كبير وصغير، وعالم وجهل، فعاد فئام إلى أهاليهم وقد استقامت أحوالهم الدينية –ولله الحمد- بعد أن تبصروا وتفقهوا في تلك الأحوال وفق ما جاء في الكتاب والسنة، وهو ما لم يجده كثير منهم في بلاده نظراً للظروف التي مرت بالعالم الإسلامي، مما لا يجهلها أحد.

ولكن بقي فئات قدمت إلى هذه البلاد (متشربة) البدعة ومخالفة الكتاب والسنة، راضية بما هي عليه من انحراف، قد انتكست فطرتها، فرأت المعروف منكراً والمنكر معروفاً.

أتت وقد تشبعت قلوبها من أئمة الضلال ببغض دعوة الكتاب والسنة التي تقوم عليها بلادنا –ولله الحمد- ، فلم ترض أن تتنازل عن ما هي عليه من باطل.

وهذه الفئة صنفان:

1- صنف أتى لهذه البلاد طالباً للعيش، وجوار الحرمين الشريفين، غير ساعٍ في نشر بدعته وانحرافه بين أهلها، إما خوفاً([1]) أو عدم حماس لها، مما جعله يتستر عليها ولا يُسر بها إلا لخواصه الأدنين ، جاعلاً شعاره قول المتنبي:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى

عدواً له ما من صداقته بدُ !

وقول الآخر :

ودارهم ما دمت في ( دارهم ) وأرضهم ما دمت في ( أرضهم ) !



وهذا الصنف قد كفانا مؤنة الرد عليه وفضحه، لما هو عليه من تستر وتحفظ من نشر بدعته وانحرافه، فهو (مبتدع) غير داعية إلى بدعته .

فمثل هذا يناصح برفق، ولا يرد عليه علناً، لكي لا تشتهر بدعته، أو تأخذه الحمية في نصرتها.

2- والصنف الآخر: كالأول تماماً في بدعته وانحرافه، لكنه لم يخضع كما خضع الأول ! ولم يستتر كاستتاره ، بل جاهر ببدعته وانحرافه، مستعملاً كل أسلوب متاح لترويج ذلك بين شباب هذه البلاد؛ لكي يصرفهم عن دعوة الكتاب والسنة إلى ما يوافق مشربه.

فهو لأجل ذلك يُصنف الكتب، ويكتب في الصحف والمجلات، ويشارك في الندوات .

وهؤلاء يختلفون في بدعهم ومشاربهم؛ فمنهم الأشعري الخَلَفي، والصوفي الخرافي، والمعتزلي العقلاني.. الخ

إنما يجمعهم كلهم: (بغض دعوة الكتاب والسنة) ومحاولة صرف الشباب عنها إلى أهوائهم.

فهذا الصنف يجب على دعاة الكتاب والسنة أن يتصدوا له، وأن يفضحوه بين الناس، ويُشهّروا به في الآفاق؛ حتى يدع بدعته أو يكف عن بثها ونشرها.

والطبيب خالص جلبي من هذا الصنف ! فهو قد قدم إلى هذه البلاد منذ عشرات السنين مستقراً في بلاد القصيم! ليعمل في أحد مستشفياتها.

قدم وقد تشربت نفسه انحرافات عديدة ظنها حقاً يجب أن يبشر به الناس حوله.

قدم وفي نفسه (أشياء) من دعوة الكتاب والسنة التي لم يجد فيها بغيته! ولم تُرض طموحه! لهذا فما أن ألقى عصاه في بلاد القصيم وطاب له المقام فيها، حتى شمر عن ساعديه في نشر انحرافاته وأفكاره التي استولت على نفسه. فبدأ يؤلف الكتب، وينشر مقالاته في مختلف الصحف، ويجتمع بالآخرين لينقل إليهم ما عنده؛ هادفاً من هذا إلى تجميع الشباب حول أفكاره التي آمن بها ورضيها، ولا زال على هذا الحال!

قد يقول قائل ممن يعرف ما عند الدكتور: يا فلان لقد ضخَّمت القضية، فالرجل ليس عنده سوى مذهب (السِّلم ونبذ العنف) الذي آمن بجدواه بعد أن جرَّب غيره، في بلاده، وهذا المذهب (السلمي) الخانع مع أعداء الأمة لن يؤمن به الشباب مهما حاول الدكتور؛ نظراً لمخالفته للفطرة ولطبائع البشر قبل مخالفته لشريعة رب العالمين –كما سيأتي- .

فأقول: نعم ، فكرة الدكتور الكبرى وهي الدعوة إلى السِّلم (مع الجميع!) لن تشد أحداً من الشباب إليها كما قلت ، بل سيتخذها بعضهم سخرياً في زمنٍ لا يؤمن إلا بمبدأ واحد هو القوة، ولو تعامى الدكتور عن ذلك.

لذا فأنا لا أخاف على الشباب من هذه الفكرة الخيالية الحالمة، إنما أخاف عليهم من حواشيها! ومتطلباتها! ؛ لأن الدكتور –كما سيأتي- جعل لنجاح هذه الفكرة شروطاً ينبغي أن تتحقق في المؤمنين بها، وهو ما أخافني منه على الشباب!؛ فهو يرى أن العالم ينبغي أن يعيش في سلم عام، يتحقق له عن طريق:

1- احترام وجهات النظر والرأي الآخر مهما كان !

2- حرية الإنسان في الدعوة إلى ما يعتقده في كل مكان!

3- حرية الإنسان في التنقل بين العقائد والأديان!!

4- إلغاء ما يعارض ذلك، وهو حد الردة !!

5- أن الحقيقة المطلقة لا يملكها أحد من البشر!!

إلى غير ذلك من الشروط والحواشي الخطيرة! ، وهي ما نجح الدكتور في بثها في عقول بعض الشباب ممن يسمون (بالعصرانيين) ، وساعده على ذلك أن هذه الحواشي والأفكار الفرعية تلائم عصر العولمة! وترضخ للضغوط المعاصرة التي لا يجهلها أحد، إضافة إلى أنها تريح النفوس البطالة التي تعبت من الدعوة إلى دين الله الحق وأصابها (طول الأمد) والملل !

فجاء الدكتور يستثمر هذا كله، ويستفيد منه في نقل أفكاره إلى عقول بعض شبابنا ممن نراهم يدندنون كما ما يدندن الدكتور.

أما فكرته الكبرى (وهي الدعوة إلى مذهب السلم) فلا أظنها تلقى الرواج والقبول عن الشباب ، كما لقيته هذه الأفكار الفرعية.

لهذا كله: كان لابد من عرض أفكار الدكتور –ولو بإيجاز- تحت مجهر الكتاب والسنة؛ ليتبين للشباب ما عند الرجل من انحرافات ، لتكون هذه الرسالة عوناً لهم تركها أو الحذر منها .



ولعل الشباب الذي تأثر بدعاوى (العصرنة) و (التمييع) يراجع نفسه، ويجدد حياته ، ويعود إلى سبيل النجاة بعد أن تنكب عنه سنين عددًا ، أضاعها في الترويج لهذه الأفكار ( العصرانية ) المنحرفة .



وليتعظ المرء من هؤلاء بحال من سبقوه من أساطين العصرنة الذين أرادوا تشذيب الإسلام حتى يوافق عقولهم القاصرة وعصرهم المتقلب ، ولكنهم لم يجنوا من ذلك سوى ضياع الدين وخسارة الدنيا ، والعياذ بالله .



ولا تزال لهم قدم سوء في هذه الأمة التي ضللوها عن دينها القويم .



فليعتبر ناصح نفسه بحالهم ومآلهم ، ولا تأخذه العزة بالإثم أن يعود إلى الحق ؛ فإن ( الحق قديم ).

أسأل الله أن يهدينا جميعًا إلى صراطه المستقيم ، وأن يباعد بيننا وبين البدعة وأهلها ، وأن يوفق الدكتور جلبي للخلاص مما وقع فيه من انحرافات .



والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه (أجمعين)



كتبه

سليمان بن صالح الخراشي
1/7/1422هـ

تعريف بالدكتور خالص جلبي([2]) :

- هو الدكتور خالص مجيب جلبي كنجو من مواليد القامشلي، سورية 1945م، تخرج من كلية الطب ، جامعة دمشق 1971م، وتخرج من كلية الشريعة، جامعة دمشق 1974م، وحصل على الزمالة الألمانية (تخصص جراحة) من ألمانيا الغربية 1982م.

يعمل حالياً رئيساً لوحدة جراحة الأوعية الدموية في مستشفى الملك فهد التخصصي بالقصيم .

من مؤلفاته:

1- الطب محراب الإيمان (جزءان).

2- ظاهرة المحنة.

3- النقد الذاتي .

4- الإيدز الطاعون الجديد.

5- عندما بزغت الشمس مرتين: قصة السلاح النووي.

6- أين يقف العلم اليوم .

7- ثلاث مقالات ، أبحاث في العلم والسلم.

8- مخطط الانحدار .

9- سيكولوجية العنف واستراتيجية الحل السلمي.

10- العصر الجديد للطب .

11- جدلية القوة والفكر والتاريخ .

- يكتب الدكتور مقالاته في صحف ومجلات متنوعة، أبرزها جريدة الشرق الأوسط، ومجلة الفيصل، وزاويته بجريدة الاقتصادية .

- الدكتور متزوج من ليلى سعيد أخت المفكر (المادي) المشهور جودت سعيد، الذي كان له أثر كبير في فكر خالص جلبي –كما سيأتي- ، وكما يعترف الدكتور نفسه.



خالص جلبي متأثر بجودت سعيد:

لكي نفهم خالص جلبي لابد أن نفهم (أخ زوجته) جودت سعيد، فالدكتور متأثر به جداً، ويكاد أن يكون رجع صدى لصوته بصورة شكلية مغايرة. والدكتور لا يخفي هذا الأمر بل يفخر به، فهاهو يهدي كتابه (في النقد الذاتي) إليه قائلاً ((إلى أخي المفكر جودت سعيد، فهو الذي غرس النباتات الأولى لهذا الإتجاه عندي)) (ص7).

ويقول في نفس الكتاب: ((لابد من ذكر فضل خالص للأستاذ جودت سعيد في إثارة هذا الجانب العقلي ودفعه للنمو)) (ص11).

ويثني في كتابه (سيكولوجية العنف) (ص12) على كتاب (شيخه) جودت (حتى يغيروا ما بأنفسهم) ويرى أنه "جدير بالمراجعة والتأمل" .

يقول الأستاذ عادل التل بعد أن عرض لمجموعة من أفكار جودت سعيد: (( يتابع جودت على هذه الأفكار : خالص جلبي وزوجته ليلى سعيد…)) (النـزعة المادية في العالم الإسلامي ، ص 83 ) . (وانظر أيضاً ص 69 و ص99)

قلت : ولكي نفهم جودت سعيد لابد من قراءة كتبه ومقالاته التي ينشرها بين المسلمين ، وكذا قراءة كتاب الأستاذ عادل التل (النـزعة المادية في العالم الإسلامي: نقد كتابات جودت سعيد، محمد إقبال ، محمد شحرور، على ضوء الكتاب والسنة) وقد قمت بهذا ولخصت كتاب الأستاذ التل مع بعض الزيادات في بحث بعنوان (انحرافات جودت سعيد) سأنشره قريباً –إن شاء الله-

وأوجزه في نقاط :

1- يعد جودت سعيد أبرز دعاة مذهب (السّلم) ونبذ ما يسميه (بالعنف)، فهو يدعو إلى هذا بكل ما أوتي من استطاعة، وقد خصص له جلَّ كتبه ومقالاته، وعلى رأسها كتيبه الشهير (مذهب ابن آدم الأول) .

2- يرى أن هذا المذهب (مذهب السلم) هو الأنجح في حل قضايانا، وتحقيق أهدافنا ، بخلاف غيره، ولو كان الجهاد! .

3- يرى أن (الوحي) و (النبوة) قد انتهى دورهما !! وأن لنا أن نستبدل ذلك (بقراءة التاريخ والسنن الكونية) ! ، ولهذا نجده لا يُعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يجعله مرجعاً له. بل –والعياذ بالله- يرى أن الرجوع إلى الكتاب والسنة مما يزيدنا فرقة واختلافاً!!

4- يتابع الفلاسفة (أهل التخييل) في أمور الغيب !

5- يمجد الفلاسفة والكفرة ويُعظم أفكارهم؛ من أمثال سقراط وغاندي وماركس وكونت وغيرهم، لاسيما إذا كانوا يخدمون فكرته.

6- يحرف المعاني الشرعية؛ كمعنى الشرك ومعنى العبادة…، بمعانٍ مخترعة من عنده.

7- يطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

8- يؤمن بفكرة (النشوء والارتقاء) البائدة ! .

9- يُحرف آيات القرآن الكريم بما يخدم أفكاره.



قلت : هذه بعض انحرافات جودت سعيد، ولتوثيقها ومعرفة المزيد عنه، مع تفنيد هذه الانحرافات ، انظر : (انحرافات جودت سعيد) .

التلميذ يتابع شيخه :

تابع خالص جلبي شيخه جودت سعيد في أفكاره السابقة كلها، وعلى رأسها (الدعوة لمذهب السلم) الذي استحوذ على معظم كتاباته –كما سيأتي- وفي ظني أن الذي دعاه لهذا أمران :

1- قربه من جودت سعيد، فهو متزوج من أخته – كما سبق- ، ومعلومٌ أن القرين بالمقارن يقتدي، وأن الصاحب ساحب، ولهذا نعلم حكمة (النهي عن مجالسة المبتدعة) الذين يلقون الشبه في ذهن المرء فيشككونه في أمر دينه ، حتى يرى المنكر معروفاً والمعروف منكراً. مهما ادعى المرء أنه ذو حصانة من هذا التأثر، أو أن مبدأ (النهي عن مجالسة المبتدعة) ينبئ عن عدم ثقة بما لدى الإنسان من حق .. الخ ما يردده (العصرانيون) في زماننا.

2- أنه اتخذ مبدأ (العنف) و (العمل السري) في مطلع حياته، فلما لم يثمر هذا المبدأ سوى التعرض للسجن والتنكيل من قبل السلطة الحاكمة في بلاده، انقلب الرجل إلى الضد من ذلك، و (كفر) بما كان يؤمن به سابقاً من جدوى (العنف) و(العمل المسلح)، وأصبح لفعله الأول ردة فعل عليه بعد خروجه من السجن قادته إلى (تطرف) آخر على الجهة المقابلة، وهو الدعوة إلى (مذهب السِّلم) ونبذ كافة أنواع (العنف) ولو كان من ضمنها الجهاد المشروع !

بل قاده ذلك إلى تقبل (الآخر) والدفاع عن معتقداته وحريته في نشر تلكم المعتقدات مهما كانت ! بدعوى (الحرية) و (الحوار) و (قبول وجهات النظر) و (الآراء المختلفة) … الخ ما يدندن حوله عصرانيو اليوم .

يقول خالص في مقدمة كتابه (سيكولوجية العنف واستراتيجية الحل السلمي) –الذي خصصه للدعوة إلى مذهب السلم- : ((منذ ظروف المعتقل في عام 1974م ما زال هذا البحث ينمو عندي ويترسخ)) (ص 24).

ويقول –أيضاً- : ((ثم سجلت خطة العمل المستقبلية في كتابي (ظاهرة المحنة) مؤكداً على ضرورة تطهير ساحة العمل من (العنف) و (التنظيمات السرية) (المرجع السابق، ص 25) .

فالرجل قد عالج الخطأ بخطأ آخر أعظم منه. فهو في مطلع شبابه لم يلتزم منهج السلف أهل السنة والجماعة في التعامل مع الحكام، من حيث الصبر على جَوْرهم وظلمهم مع الاستمرار في الدعوة إلى الحق إلى أن يقضي الله أمره، استجابة للأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الآمرة بذلك، مع عدم الالتفات إلى دعاوى (التثبيط) أو الاتهام بالخوف أو التخاذل إلى آخر دعاوى المتحمسين أو المبتدعة من الخوارج أو المعتزلة.

ولكن الدكتور آثر مذهب (الخروج) على الحاكم والتأليب عليه، والانخراط في الأعمال السرية للإطاحة به، مما أدى به إلى السجن ؛ لأن الحاكم سيدافع حتماً بما أوتي من قوة عن سلطته ولن يفرط فيها بسهولة، كما قد يتوهم البعض .

فلما علم الدكتور –بعد حين- خطأ مسلكه الأول ، لم يصححه بالتزام مذهب السلف أهل السنة والجماعة في عقيدته ودعوته، بل ارتد إلى الطرف الآخر وهو نبذ (العنف) بكافة ألوانه والتنفير منه، والدعوة إلى (مذهب السلم) الذي ظن بجهله اتباعاً لشيخه جودت أنه سيسود العالم في يومٍ ما !! –كما سيأتي- .

فقاده هذا (التطرف) تجاه الجهة المقابلة إلى عدة انحرافات خطيرة سترى شيئاً منها فيما يلي –إن شاء الله-. فكان كما قيل:

إذا استشفيتَ من داء بداء

فأقتل ما أعلك ما شفاك !

وأنا لن أتهم الدكتور –وكذا شيخه- كما فعل البعض، بأنهما مجردُ صنيعتين من صنائع أعداء الأمة (من اليهود والنصارى) ، استخدموهما لترويج مذهب (السلم) بين أفراد الأمة وشبابها لإماتة روح الجهاد التي تقلق الأعداء -كما هو معلوم- .

أنا لن أفعل هذا؛ لأنه لا دليل مؤكد عليه حتى الآن، بل سأتعامل معهما كمنحرفَيْن من مئات المنحرفين الذين مروا على أمة الإسلام، هادفاً التحذير من أطروحاتهما التي قد تروج على البعض ؛ نظراً لتماشيها مع ضغط الواقع المعاصر!

فإلى انحرافات الدكتور:

الانحراف الأول: دعوته إلى مذهب "السِّلم" أو "السلام"، ونبذه لجميع أنواع ما يسميه "بالعنف" دون تفريق بين حقٍ وباطل. وحصره مفهوم الجهاد الشرعي في الدفاع عن البشر المظلومين (أياً كان دينهم) المكرهين على تغيير آرائهم واعتقاداتهم، وذلك بعد قيام الدولة الإسلامية بواسطة الطريق السلمي، أما قبل قيامها فلا يجوز أيُّ نوع من أنواع الجهاد (المسلح) ! .

وإليك شيئاً من أقواله تبين هذا ، ثم التعقيب عليها:

- يقول الدكتور تحت عنوان (أنظمة فكرية أربعة في كيفية استعمال العنف): ((توجد أربعة أنظمة فكرية، أو أربع لغات في جواز استخدام العنف ومشروعيته من حرمته وعدم جواز استخدامه:

1- فاللغة الأولى هي شريعة الغاب : القوي فيها يأكل الضعيف ولا يوجد أي ظل لأي قانون ضمن الدولة الواحدة أو بين الدول، وهي مرحلة مشى فيها الجنس البشري، وهو يودعها تقريباً الآن، وقد يعترض من يقول: لا ، إن الوضع لم يتغير، وهذا ينسف كل إمكانية أو تحقيق أي تطور عن الإنسان والجنس البشري عموماً، وهو تصور غير صحيح، في ضوء إنجازات الجنس البشري حتى الآن، من نظام الأمم المتحدة، ومحكمة لاهاي للعدل الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان، ومعاهدة جنيف لأسرى الحرب، ومنظمة الهلال والصليب الأحمر الدوليين… الخ . وهذا لا يعني الكمال في الإنجاز، ولكنها خطوة متواضعة، في طريق تحقيق الكمال الإنساني، والدولة العالمية الواحدة، لتأمين الخبز، ودحر المجاعات، واحتكار السلاح ، وإيقاف الحروب.

2- واللغة الثانية هي لغة الديموقراطيات الغربية: وتؤمن بالعنف لإطاحة الحكومات الظالمة المستبدة، وتحرم العنف بعده، ويصب معهم في الاتجاه نفسه تيار (الخوارج) من التاريخ الإسلامي، الذين لم يؤمنوا باستقراطية الحكام (أن يكونوا من قريش مثلاً)، فالإنسان الأسود (كونه من الشرائح المستضعفة في قاع المجتمع) يمكن أن يتولى منصب الرئاسة، كما هو الحال في نيلسون مندلا، في جنوب أفريقيا الآن، وهذا التصور كان مستحيلاً في تلك الأيام، كما آمنوا بالثورة المسلحة، لتغيير الحاكم المنحرف (وهو ما تفعله جماعات الإسلام السياسي في الوقت الحاضر، حيث أحيت مذهب الخوارج من جديد)، فالخوارج رأوا في الحكم الأموي، أنه غير إسلامي وظالم؛ فوجب الإطاحة به، على كل حال هم يُكَفِّرون مرتكب الكبيرة ، ولقد كفَّروا عليّاً واستباحوا دمه، ثم قتلوه في النهاية، وقد استنفدوا طاقتهم في الصراع مع الأمويين، وجعلوا الدولة الأموية تنـزف حتى الموت، وسقطت كالتفاحة الناضجة ليست بأيديهم، ولا بأيدي آل البيت المنتظرين بفارغ الصبر، بل بيد العبّاسيِّين المحنَّكين، المختبئين في الظلام المجهولين!

3- واللغة الثالثة هي لغة الأنبياء: الذين حَرّموا صناعة الحكم بالقوة المسلحة وبالعنف، من خلال الانقضاض على الحكومات القائمة، حتى لو كان مجيئها إلى السلطة بالسيف وبالعنف، فاللاشرعية لا تزال باللاشرعية، بل بالشرعية، والخطأ لا يزال بالخطأ ، بل يُقَوم بالعمل الصحيح، وهذا ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، الذي غيّر المجتمع بالفكر وسلميّاً، فحين فشل في اختراق مجتمع مكة والطائف، نجح في نشر دعوته في أهل يثرب، التي ستأخذ اسم مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك (المدينة المنورة) ، حتى تفشى الإسلام في مجتمع المدينة، فلم يذهب إليهم على ظهر الدبابات بانقلاب عسكري، بل خرجوا لاستقباله، في مظاهرة ضخمة، ضمت أهل المدينة من الرجال والنساء، في مشاركة رائعة، مع فرقة موسيقية كاملة،([3]) والكل ينشد: طلع البدر علينا،([4]) معلنين خضوع مجتمع المدينة للفكرة الجديدة ، دون سفك قطرة دم واحدة، وهذا التحول المدهش، في مجتمع المدينة المنورة سابقاً وبهذه الطريقة السلمية، غاب عن أعين المسلمين منذ ذلك الوقت، وعطلوا سنة عظيمة من سُنن الإسلام، في كيفية بناء المجتمع أو معالجته حين الانحراف، وتبخر الحكم الراشدي تحت حرارة العنف ودمويته، وانزلق المجتمع الإسلامي، إلى ليل التاريخ، حيث المغامرون والانقلابيون يتناوبون قنص السلطة الدموي دون رحمة، ولم يخلص العالم الإسلامي من هذا المرض حتى اليوم، وأعيد مذهب الخوارج، بكل عنفوانه وقوته مرة أخرى، في مناطحة الحكومات، واستنفاد الجهود في معارك مدمرة، بحيث توقفت عملية نقل السلطة السلمي، وتحول المجتمع إلى شرائح، لا يثق بعضها ببعض، وتوقف الحوار، وأضمرت النفوس الحقد والتآمر، وسُفِكت الدماء غزيرة.

4- وأما اللغة الرابعة: فهي بعد قيام الحكم الشرعي، فإذا صار الحكم شرعياً، استطاع وسُمح له بالجهاد المسلّح، بعد أن بنى مجتمع (اللاإكراه).

عند ذلك، من لا يريد أن يدخل في السلم، ويريد أن يُكره الناس على أي دين ومبدأ وفكرة، فهذا يتصدى له المجتمع الإسلامي (مجتمع لا إكراه في الدين)، فهذا هو مجال الجهاد، أي حماية الناس من الفتنة (الإكراه) ([5]) (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)، (والفتنةُ أشدُّ منَ القتلِ)، وهذا يتولد منه مجموعة هامة من المعاني: الجهاد هو لحماية المخالف، والجهاد أداة واحتكار للعنف بيد السلطة، والسلطة أي سلطة، لا يسمى ما تفعله جهاداً، حتى يتم وصولها إلى الحكم برضا الناس، فالجهاد هو ذو جانبين في المجاهِد (بكسر الهاء) والمجاهَد (بفتح الهاء) ضدّه، فلا جهاد إلا بيد سلطة وصلت إلى الحكم برضا الناس، ولا جهاد إلا ضدّ من يمارس الظلم على الآخرين بإخراجهم من ديارهم وأديانهم بالقوة المسلحة (لا يَنهَاكُمُ الله عنِ الذينَ لم يُقاتلُوكُمُ في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسِطُوا إليهِمْ)) ([6]) .

قلت: هذا المقطع الطويل يوجز لنا الفكرة التي يدندن حولها الدكتور في كثير من كتاباته .

فالتغيير (أي تغيير السلطة الظالمة) يكون سلمياً دون (عنف) أو (استخدام سلاح)، وبعد الوصول إلى السلطة من قبل (السلميين) يجوز استخدام (الجهاد) أو (السلاح) أو (العنف) لا لنشر الإسلام وحماية الدولة الإسلامية !! إنما لحماية المكرهين على تغيير آرائهم ومعتقداتهم فقط !! .

وهذا فيه تلبيس عجيب من الدكتور الذي لو تابع مذهب السلف أهل السنة والجماعة بعد نبذه للعمل السري الحربي المسلح لأراح نفسه وجنبها تحريف الحقائق الشرعية وتزويرها – هداه الله- .

فنصوص السنة تفصل في هذه المسألة التي أرقت الدكتور حتى جعلته يصنف كتابه هذا، وتخبر بأن الحاكم (المسلم) الظالم الجائر لا يجوز الخروج عليه بالسلاح ، وعلى هذا استقر مذهب السلف . أما إذا ارتكب هذا الحاكم كفراً بواحاً ظاهراً فإنه يجوز الخروج عليه بالسلاح وتغييره إذا كان المسلمون لديهم القدرة على ذلك، وأقواله صلى الله عليه وسلم كثيرة مشهورة في تقرير هذا؛ من أوضحها ما رواه عوف بن مالك –رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم))، قال: قلت : يا رسول الله ! أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال : ((لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)) أخرجه مسلم .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ((ستكون بعدي أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ ، ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع)) قالوا : أفلا نقاتلهم؟ قال : ((لا ، ما صلوا )) أخرجه مسلم([7]).

فالجهاد أو ما يسميه الدكتور (بالعنف!) يجوز استخدامه من قبل المسلمين قبل الوصول للسلطة –لا كما يزعم الدكتور- وذلك في الحالة السابقة ، وأقواله صلى الله عليه وسلم تشهد بهذا ، وهي لا تخالف سيرته صلى الله عليه وسلم التي حاول الدكتور أن يوهمنا أنها تعارض هذا ، لأنه هو نفسه الآمر بذلك الجهاد أو (الخروج) الشرعي.

انحرافات أخرى للدكتور تفرعت عن انحرافه الأول:

قلت : فترتب على (غلو) الدكتور في هذا المذهب الغريب مذهب السِّلم وعدم العنف انحرافات كثيرة، سأذكرها مع مقولة أو أكثر للدكتور تشهد لكل واحدة منها ، ثم أعقب عليها بإيجاز بما يبين للقارئ بطلانها:

1- الدكتور يؤمن بأن الحروب ستنتهي !

يقول الدكتور: "كانت الحروب قديماً تؤدي دوراً من الغنائم والأسلاب والرقيق ، واليوم فات وقتها ، فكما تم إلغاء الرق فالعالم في طريقه لإلغاء مؤسسة الحرب" (سيكولوجية العنف، ص143).

قلت : هذا مقولة إنسان خيالي يسبح عقله في ما يتخيله مثالياً، لا أساس لها من الواقع.

وهي –أيضاً- مقولة إنسان لا يؤمن بحكمة مشروعية الجهاد في الإسلام! حيث ارتبطت الحروب عنده فقط بالغنائم والأسلاب والرقيق والأمور (المادية) التي تناسب تفكيره (المادي)! التي متى ما استغنى الناس عنها –كما يزعم الدكتور- سيتوقف (القتال)!! ([8]) متغافلاً عن أن الجهاد في الإسلام لا تأتي هذه الأمور (المادية) إلا تبعاً لحِكَمِهِ العالية ومقاصده الشريفة؛ وعلى رأسها (إعلاء كلمة الله في الأرض)، ونشر دينه، واكتساب المجاهدين الأجر العظيم الوارد فيمن جاهد لأجل ذلك، وغير ذلك من المقاصد الشريفة([9]).

فليست مقاصد الجهاد في الإسلام هي مجرد الغنائم والرقيق كما يزعم جلبي الذي ينظر للأمور بتفكير (مادي).

وأيضاً: ففي كلامه هذا مصادمة لنصوص الشريعة (الآمرة) بالجهاد والمخبرة عن استمراره إلى يوم القيامة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم في مسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ) وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين:(الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة).

بل هذا من جملة عقائد أهل السنة الثابتة عندهم دون شك، قال الطحاوي –رحمه الله- في عقيدته : ((والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين ، برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما)) ([10])

ويقول الشيخ علي العلياني في كتابه (أهمية الجهاد، ص 186): "لا ينتهي جهاد الكفار إلا إذا أسلموا أو خضعوا لحكم الإسلام ودفعوا الجزية" .

وأيضاً: ففي كلامه السابق مصادمة للنصوص الشرعية (المخبرة) عن استمرار القتال (من جميع الأطراف) ! على وجه الأرض إلى أن تقوم القيامة، ومن راجع ما جاء في أشراط الساعة علم هذا ، ويأتي على رأس ذلك مقاتلة المسلمين لليهود التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، وكذا خروج يأجوج ومأجوج ، وغير ذلك .

فكلام الدكتور باطل (شرعاً) و (قدراً) .

ثم قوله (تم إلغاء الرق) ليس فيه دليل على (تحريم) الرق أو أن الإسلام قد جاء بما يشين –كما يوهم كلامه- .

بل الرق باقٍ ما بقي الجهاد ، ولا حرج منه . وإجماع (العالم) على إلغائه لا يغير من حكمه شيئاً في الإسلام ؛ لأن الإسلام يُحْتج به ولا يُحتج عليه بالأمور الواقعة. ولو فعلنا هذا لحللنا كثيراً من المحرمات التي (استباحها) أو (أذن بها) العالم اليوم .

يقول الشيخ عبدالله بن يابس –رحمه الله- في تعقبه على بعض الكتاب : ((وإذا كان القتال ماضياً إلى قيام الساعة، والكفار موجودين في كل زمن فسنة الإسلام جواز الاسترقاق لمن استولوا عليه بطريق الحرب)) ([11]).

ويقول الدكتور علي العلياني راداً على بعضهم ممن يرى رأي الدكتور: ((من الأحكام الإسلامية المتعلقة بالجهاد التي حرفها تلاميذ الاستشراق والاستعمار: حكم الرق، حتى إنا نرى بعض أولئك الضعاف المهازيل من قليلي العلم والتقوى الذين أعجبوا بمبادئ الدول الغربية والشرقية من الدول الكافرة والملحدة يعتذرون عن رب العالمين في تشريعه للجهاد، ويعللون إباحة الإسلام للرق بتعليلات ساقطة من عند أنفسهم، لم يدل عليها دليل من كتاب ولا سنة…))([12])

وقال رداً على من قال: بأن الإسلام لا يتعارض مع إلغاء الرق من العالم اليوم !: ((هذا كذب صراح وافتراء على الإسلام …. وهل يظن هذا الكاتب أن المسلمين منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عام 1842م عندما وُقعت اتفاقية دولية تحرم الرق كانوا يعملون غير مباح؟! نعوذ بالله من هذا التحريف المشين)) ([13]) .

2- الدكتور يتمنى قيام دولة عالمية واحدة !!

يقول الدكتور تحت عنوان (الدولة العالمية كمقصد أعلى للبشر) : "إن وجود دولة عالمية تحتكر العنف من الدول سيحقق الأمن عالمياً، فندخل العصر الذي تتوقف فيه الحروب" ويقول : "الأمل أن تتحقق الدولة العالمية الواحدة في مدى القرنين القادمين أو ربما أسرع…. عندها تنتهي لعبة الحروب نهائياً ، ويلغى عصر الجوع" !! (سيكولوجية العنف..، ص158) .

ويقول في موضع آخر : "الطريق ما زال طويلاً لإقامة الدولة العالمية التي ستحتكر السلاح والخبز، فتلغي الحروب بين الدول، وتنهي عصر المجاعات" (المرجع السابق، ص 218)

قلت : لا زال الدكتور يحلم ويمني النفس! وليته إذ مارس (حلمه) و (أمنياته) هذه مارس ذلك لوحده أو بين أهله إذاً لكففت القلم عنه وقلت

إذا تمنيتُ بتُّ الليل مغتبطاً إن المنى رأس أموال المفاليس !

ولكن حلمه هذا تحول إلى فكرة تشغل ذهنه ، ثم سوّلت له نفسه نشرها وتكتيل الأنصار حولها ، فعندها لزم الرد، وإيقاظ الدكتور من نومه.

أما أن فكرته عبارة عن حلم ، فهذا يعرفه كل مسلم، وكل من له عقل، وقد قضى الله (كوناً) هذا الخلاف بين البشر وقدَّره .

يقول سبحانه عن البشر (ولا يزالون مختلفين) .

وليس معنى هذا –كما يتوهم البعض- أن يرضى المسلم بهذا الاختلاف ويقره ولا يحاول تغييره ؛ لأن هذا الأمر مما يحبه الله ولذلك قدره!! .

فهذا قول من لا يفرق بين إرادة الله (الكونية) وإرادته (الشرعية)، -كما هو معتقد أهل السنة-، ويخلط بينهما ، فيظن أن الله إذا قدر وأراد (شيئاً) بإرادته (الكونية) ينبغي للمسلم أن يقر ذلك ويرضاه ، وهذا قول شنيع، يلزم منه أن يقر صاحبه الكفر والمعاصي ويرضى بها، ولا يحاول تغييرها! والله تعالى يقول (ولا يرضى لعباده الكفر) ، مع أنه واقع في الأرض بإرادته سبحانه (الكونية) لا (الشرعية) .

فاختلاف البشر واقع ولا يزال مستمراً ، وقد أراده الله بإرادته (الكونية) التي لا يخرج عنها شيء من المقدَّرات، ولكنه لم يرده (شرعاً)، بل أراد لعباده جميعاً أن يعبدوه ويوحدوه ، والمسلم مطالب بعدم الرضا بهذا الاختلاف ، والسعي لإزالته بما يستطيع، ومحاولة جمعهم على الكتاب والسنة. والله أعلم.

ثم ليت الدكتور حينما خالف هذا الأمر الكوني بحلمه وأمنيته تلك حلم وتمنى بأن يجتمع العالم في دولة (إسلامية) واحدة، تحكم بشريعة الله –سبحانه وتعالى-، وهو حلم كل مسلم.

لكنه لم يفعل هذا ، بل تمنى دولة عالمية واحدة تطعمه من الجوع وتؤمنه من الخوف!! مهما كان دينها أو مذهبها!! كل هذا لا يهم عند الدكتور، مادام ينام هانئاً آمناً ممتلئاً بطنه بالخبز والماء البارد، ونعوذ بالله من دناءة المطلب.

3- الدكتور يدعي أن الغرب المتحضر ترك (العنف) و (الحرب) !

يقول الدكتور: "غدت الحرب موضة قديمة يمارسها المتخلفون، وكل بؤر النـزاع والحروب في العالم اليوم هي في معظمها مناطق المتخلفين " !! (المرجع السابق، ص 164) .

قلت : كل متابع للأحداث يعلم بطلان هذا القول ومخالفته للواقع، بل (العنف) و (الحروب) مستمرة ما دام هناك بشر مختلفون ، دون تفريق بين (متحضر) و (متخلف) كما يزعم الدكتور.

وشاهد ذلك من الواقع كثير: فهذه زعيمة التحضر (أمريكا) لا تزال تمارس عنجهيتها وعنفها مع المسلمين ؟ كما حدث في السودان وأفغانستان .

وهذه روسيا تفعل ذلك في الشيشان .

وهذه إسرائيل وهي من الدول المتحضرة عندك بلا شك! لامتلاكها للتكنولوجيا والصناعة المتطورة، غارقة في أوحال الحرب مع العرب بين حين وآخر .

إن قال الدكتور: ما يحدث من روسيا وأمريكا ليست حروباً، إنما هي حملات تأديب ! أو نحو ذلك. أقول له :

هذه التي تسميها (حملات تأديب) أليست هي عنفاً في نظرك؟! هي كذلك بلا شك، وهذا مما ينقض قولك ؛ لأن من مارس (العنف) الجزئي سيمارسه (كلياً) عندما يحتاج إليه ! ويحمى الوطيس.

أيضاً: فقل لي –بالله- متى خلت البلاد (المتقدمة) من الحروب؟! أليست الحرب العالمية الثانية لم تضع أوزارها إلا قبل خمسين عامًا تقريباً، فكيف حكمت بهذا الحكم خلال هذه المدة القصيرة ؟ ! ومثل هذه الأحكام لا تبنى إلا خلال قرون.

ثم أقول: لقد غاب عنك، أن هذه الدول المذكورة لم تدع (الحروب) في السنوات الأخيرة نظراً (لتقدمها) أو (لتحضرها) كما تزعم بل ودعتها لأنها تعلم أن حروب اليوم لو وقعت لأكلت الأخضر واليابس، ولأحرقت الجميع بنارها؛ نظراً لتطور الأسلحة ، فسبب تركهم -إن سلمناه لك – هو خوفهم من الموت ومن الهلاك ، ولا علاقة (بالتحضر) في هذا الأمر.

4- (المتقدم) يحل مشاكله بالحوار لا بالعنف ، عند الدكتور!

يقول الدكتور: "العالم اليوم فيه شريحتان: شريحة ودعت الحرب وتحل مشاكلها بالحوار، وشريحة لم تصل إلى هذا المستوى، فتحل مشاكلها بالصدام والسلاح" ! (المرجع السابق، ص144) . (وانظر ص 164 و219 وما بعدها)

قلت: وهذه كذبة أخرى للدكتور يؤيد بها (أحلامه) !

ونحن لم نر هذا الحوار في تعامل أمريكا مع السودان أو أفغانستان !

ولم نره في تعاملها مع العراق !

وهكذا لم نره في تعامل الروس مع الشيشان .

ولا في تعامل اليهود مع المسلمين الفلسطينيين .

5- الصراع بين الناس لا يمكن حله إلا بالسلام !

يقول الدكتور: "هذا الصراع بين الإنسان وأخيه لا يمكن تحويله أو إلغاؤه إلا بالسلام" (المرجع السابق، ص184) وكثيراً ما يردد الدكتور بأن (العنف لا يحل المشكلة) (سيكولوجية العنف ، ص152، وانظر : ص168، 211).

قلت : وهذا ليس على إطلاقه ! بل بعض الصراعات تُحل بالسلام وبالصلح ، وبعضها –وهي الأكثر- لا تحل إلا بالقوة والعنف !! وشاهد هذا من التاريخ القديم والمعاصر كثير لا يخفى على عاقل . فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا لو تعامل بمنهجك هذا مع الكفار لما استجابوا له، ولما خضد شوكتهم ، وكسر هيبتهم، وحل بديارهم .

ولقد أحسن القائل:

دعا المصطفى دهراً بمكة لم يُجب

وقد لان منه جانبٌ وخطـابُ

فلما دعا والسيـف صلـتٌ بكفه

له أسلمـوا واستسلموا وأنابوا

وهكذا خلفاؤه لو فعلوا ذلك مع الفرس والروم وغيرهم لما ازدادوا إلا ضعفاً وتراجعاً .

------------------------

([1]) ولتعلم صدق هذا : انظر إلى حالة بعد خروجه من هذه البلاد، كيف ينقلب ! (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها).

([2]) نقلاً عن مجلة " الفيصل" (العدد 225، وغلاف كتابه "جدلية القوة والفكر والتاريخ " ، مع إضافات يسيرة.

([3]) !!

([4]) ذكر ابن القيم في الزاد (3/551) : أن هذا كان عند مقدمه صلى الله عليه وسلم من تبوك وقال : ((بعض الرواة يهم في هذا ويقول : إنما كان ذلك عند مقدمه إلى المدينة من مكة، وهذا وهم ظاهر؛ لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام)).

([5]) الفتنة : الشرك، ولكن هذا من تحريفات الدكتور للآيات حتى توافق هواه ! _كما سيأتي-.

([6]) سيكولوجية العنف … (ص 123-126).

([7]) وانظر للزيادة : كتاب "الورد المقطوف في وجوب طاعة ولاة أمر المسلمين بالمعروف " للأخ فوزي الأثري، تقديم الشيخ صالح الفوزان.

([8]) قلت: وهذا الافتراء في أن غايات الجهاد اقتصادية تلقفه جلبي من المستشرقين وأذنابهم، الذين نشروا هذه الفكرة الخبيثة محاولين تشويه الجهاد الإسلامي. يقول صاحب كتاب (تاريخ العرب المطول) (ص195): ((لم تكن الحماسة الدينية بل الحاجة الاقتصادية هي التي دفعت بمعاشر البدو الذين تكونت منهم أكثر جيوش الفتح إلى ما وراء تخوم البادية..))! وانظر في الرد عليه: رسالة (افتراءات فيليب حتى وكارل بروكلمان على التاريخ الإسلامي) للأستاذ عبد الكريم علي باز (ص 53 وما بعدها) ، وكذا انظر كتاب (افتراءات حول غايات الجهاد) للأستاذ محمد نعيم ياسين.

([9]) يقول الشيخ علي بن نفيع العلياني في أهداف الجهاد في الإسلام : (الهدف الرئيسي هو تعبيد الناس لله وحده، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد، وإزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعاً) (ص158)، ثم ذكر أهدافاً أخرى .

([10]) العقيدة الطحاوية (ص 387، بتحقيق الألباني) .

([11]) مجلة المنار ( ج 2 م 34 ص141) .

([12]) أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية (ص 371) .

([13]) المرجع السابق (ص 374)

http://66.34.76.88/SuliemanAlkharashy/Khalis1.htm