المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : على أي المبادئ تعيش - كلام نفيس لأبي الفداء بن مسعود حفظه الله.



كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
09-26-2010, 10:13 PM
يقول حفظه الله :

فأقول وبالله التوفيق
دعني أولا أمهد للجواب عن تلك الشبهة بتمهيد مهم للمشتغلين بالرد على الشبهات بصفة عامة، يتعلق بتشخيص مصدر الشبهة وأصلها العقلي. فإن طالب العلم كالطبيب، يعنيه وصف الداء قبل وصف الدواء.. ورب أدواء شتى يكون علاجها في دواء واحد جامع، يهتدي إليه الطبيب إن أحسن التصور والتأمل والتشخيص من قبل أن ينطلق إلى وضع الدواء.
فلعلك تلمس أن كثيرا من الإخوة المشتغلين بالرد على الشبهات في المنتديات ينقصهم الكثير من العلم ومن التأصيل الشرعي الصحيح، فتراهم يسارعون - على سبيل المثال - إلى تضعيف أحاديث لم يسبق من أحد من أئمة الحديث المتقدمين أن تكلم فيها لا سندا ولا متنا، فتراه يدخل على موقع الشيخ علوي السقاف حفظه الله (الدرر السنية) فيبحث عن الحديث الذي أثيرت حوله الشبهة، فما أن تقع يده على واحد من المحدثين يضعف تلك الرواية بعينها، حتى يطير بذلك إلى صاحب الشبهة يقول له : الحديث ضعيف ولا يحتج به، ثم يمضي قرير العين منتفخ الأوداج يحسب أنه قد أتى بنيان الشبهة من القواعد، وما يدري المسكين أن ضعف رواية من روايات الحديث لا يعني بالضرورة ضعف سائر الروايات أو الطرق لنفس الحديث، ولا يدري أن الأصل في خلاف المحدثين تقديم أحكام الأقدمين منهم عند الخلاف وعند فقد القرائن الأخرى المرجحة لأحد القولين، ولا يدري أن من لوازم تضعيفه الحديث وجعله ذلك التضعيف ردا على صاحب الشبهة (التي لا تكون بطبيعة الحال إلا تشنيعا على المتن) = القدح في سائر من صححه من أهل العلم عبر قرون الأمة، إذ كأنه يتهمهم جميعا بالغفلة - على أقل تقدير - عما في المتن من تلك الفظائع المزعومة التي حملت صاحب الشبهة على التشنيع عليه.. بل لا يدري هذا المسكين أنه حتى مع الحكم بضعف سائر ما في باب من الأبواب من الروايات، فإن ذلك لا يلزم منه سقوط الاحتجاج بالمعنى المنقول في تلك الروايات هكذا جملة واحدة، فضلا عن بطلانه أو فساده! فهل يرام دفع تشنيع المجرمين على متن الحديث بمجرد إسقاط سنده؟؟ وهل كل حديث ضعيف في بعض طرقه أو حتى في مجموعها يصح أن يُسلك فيه هذا المسلك؟؟
لقد كان دأب الراسخين في العلم في أمتنا أنهم لا يقفون على رواية من الروايات تلقاها بعض الأئمة بالقبول أو احتج بها بعضهم، ولم يكن فيها علة قادحة كاتهام بالكذب أو نحوه، إلا جهدوا جهدهم في دفع ما يظهر لهم من الإشكال فيها على افتراض صحة الرواية، حتى مع كونهم يرون ضعفها، ما لم يكن معناها منكرا شاذا يعارض نصا قطعيا أو إجماعا أو معلوما من الدين بالضرورة.. فهذا أصل عزيز يغفل عنه أكثر المشتغلين بالرد على الشبهات لحداثة أسنانهم وقلة حظهم من العلم ومن مطالعة تآليف الأئمة، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.


وليست هذه العلة وحدها ما يعتور الأكثرين من إخواننا في ذلك، ولكنك ترى فيهم كذلك - إلا ما رحم ربك - تأثرا ذميما بالأصول التشريعية والفكرية والثقافية العامة التي ينطلق منها أصحاب الشبهات من النصارى والملاحدة في زماننا هذا!.. فمع أن كل مبتدئ في طلب العلم يعلم أن الله تعالى قد شرع لولاة الأمر في بلاد المسلمين جهاد الطلب لإزالة طواغيت الكفر ووضع عدالة الإسلام في مكان جور الأديان في بلاد الكفار رحمة بهم - وهو مقصد إضافي زائد على مقصد الدعوة إلى دين الله وإدخال عامة الكفار فيه ولكن كثيرا من الناس لا يميزون بين المقصدين نظرا لكونهما وسيلتين لغاية واحدة - إلا أنك ترى من الإخوة - ومنهم طلبة علم بكل أسف - من يرد على شبهة "نشر الإسلام بالسيف" بأن يزعم - هكذا بمنتهى السهولة - أن الإسلام لم يفرض الجهاد إلا صدّا للعدوان ولصولة الصائلين وصيانة لبيضة الإسلام في الأمة! فلماذا يتهيب هذا المسكين من أن يشرح وبكل وضوح وبكل ثقة ورسوخ قدم الحكمة الربانية الكبرى من فرض شريعة الغزو في سبيل الله ووضع شريعة الرب في مكان شرائع الكفار، ومن خروج السرايا والبعثات من زمان الخلفاء الراشدين وإلى آخر عصور الدولة العثمانية للغزو والفتح وتوسعة بلاد المسلمين، ثم فرض الجزية على كل من أبى من أهل الكتاب الدخول في الدين الحق من بعد ما قامت عليه حجته، يعطونها عن يد وهم صاغرون؟ السبب أن هذا الداعية متأثر - تأثرا خفيا - بفكر فلسفي غربي نصراني-علماني الأصل، صار يُبث في زماننا هذا في قلوب الناس في كل مكان - بما في ذلك بلاد المسلمين - فكر مفاده أن القتال والحرب من حيث المبدأ فساد وجريمة أخلاقية كبرى أيا ما كان مبررها، وأن التعايش السلمي المطلق والمحبة "الإنسانية" المطلقة مع حرية الفكر والتعبير المطلقة في إطار ما يجعلونه هم من "حقوق الإنسان" = فريضة هذا الزمان وواجب هذا الوقت الذي نحن فيه، بل وأن مطلق القتل نفسه (قتل النفس) عمل لا أخلاقي مذموم!! وكثيرا ما تجد الداعية أو طالب العلم يجزم بكل قوة بأنه متفطن لتلك الأشياء وأنه غير متأثر بها، ولكن عندما تتأمل في تخريجاته وتأويلاته واختياراته واجتهاداته الحديثية وردوده ومواقفه في كثير من القضايا وعلى كثير من الشبهات، ترى فيه من هذا ما لا تراه عيناه!
فلما أُشربت قلوب بعض إخواننا بتلك الأصول الفكرية الثقافية المختلطة ما بين الفلسفة النصرانية والعلمانية وبعض فلسفات الشرق الوثنية، وتربوا عليها في مجتمعاتهم المسلمية المعاصرة من حيث لا يشعرون، حيث كثر حصار المفكرين والكتاب من تلك الملل لآذان وأسماع الناس في كل مكان، وكثر نشاط أذنابهم ممن يلفون لفهم في بلادنا، وهم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا في الإعلام ليل نهار، وقل اطلاع الإخوة على كتب السنة ومؤلفات الأئمة المتقدمين، صار الواحد من إخواننا يتهيب من تقرير كثير من الحق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصار ينبغي علينا - بلسان حال الواحد من هؤلاء المفتونين - ألا نقدم الإسلام للناس إلا على وفق هذه المبادئ والكليات الكبرى عند هؤلاء، حتى لا يقال إننا متخلفون أو إرهابيون أو نعيش في قرن غير هذا القرن! بل إنك تراه يأتي أحيانا على بعض تفاسير الأئمة المتقدمين عند آيات القتال فيتحرج منها ولعله يخفي بعضها عندما يجادله المجادلون في تلك الآيات، بدعوى أنها قد تفتن الكفار في هذا الزمان، لا سيما أهل الغرب!! ولا شك في أن ليس كل ما يعلم يقال، وأن من فقه الدعوة صيانة حدثاء العهد بالإسلام مما قد لا تستوعبه أفهامهم ولا يلزمهم تعلمه، ولكن تأخير بعض المعارف عن المسلمين الجدد لحين رسوخ أقدامهم في الدين شيء، وتعليمهم كلاما باطلا يخالف تلك المعارف الموروثة في ديننا أصلا شيء آخر!!
فما أقول لهؤلاء إلا كما قال الله تعالى في أولئك الذين تذرعوا بالخوف على أنفسهم من الفتنة يريدون التخلف عن القتال: ((وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)) [التوبة : 49]
فليكن خطابنا متجردا، بالحجة والدليل العقلي والنقلي الدامغ، وليكن عميقا، يأتي بنيان الباطل من القواعد، فإما هذا وإما أن نشوه ديننا ليكون كما يرتضون، كما طلبت قريش من النبي عليه السلام أن يسمح للناس بأن يعتنقوا كلتا الملتين جميعا، فيتعبدوا بدين محمد يوما وبدين قريش يوما! فهذه دعوى نعرفها من قديم، يراد لنا أن نقطع الرباط بيننا وبين تراثنا، ونهيم على وجوهنا مع دعاة التغريب في نعيقهم "بتجديد الخطاب الديني" وبالتفسير العصري للنصوص، وهي دعوى يراها طلاب العلم والدعاة ولكن قليل منهم من يتفطن إلى عمقها وإلى مبلغ ما حققته بالفعل في ساحات الدعوة حتى في خطاب إخواننا المشتغلين بالرد على الشبهات، والله المستعان!!
وليعلم الخلق جميعا أننا ليس عندنا - معاشر المسلمين - ما نخفيه أو نخجل منه في تلك الشريعة الكاملة الشاملة التي جاءت بخطاب موجه لسائر بني آدم في كل زمان ومكان!! فإن قالوا لنا إننا في هذا الزمان نرى هذه الأشياء من الوحشية والبربية، قلنا لهم أنتم إذن جهال في زمان الجهل، قد غلبت عليكم فلسفات قوم ضُلّال لا يهتدون بهدي الحكمة السماوية ولا يتبعون إلا ظنا لا يغني من الحق شيئا!! فمن الذي له أن يحكم بصحة عمل من الأعمال أخلاقيا أو بضد ذلك؟؟ من الذي له أن يقرر هل قتل فلان أو الخروج لقتال الطائفة الفلانية من بني آدم = ظلم لا يصح، أو عدل لا يصح سواه؟ من الذي قال إنه يلزمنا الآن معاشر المسلمين أن نعيد النظر في تراث أمتنا العلمي وفي فهمنا لنصوص كتابنا حتى تتوافق مع فكر كانط أو ماركس أو هذا أو ذلكم من فلاسفة القوم المعظمين عندهم الذين شكلوا لهم تلك الثوابت الكلية في ثقافتهم، التي بها يزنون ويميزون الحق من الباطل، ويحكمون على خلق بأنه قويم والآخر بأنه دون ذلك؟؟؟
هذه قضية كلية كبرى في غاية الخطورة ينبغي أن يتنبه إليها شباب الدعاة حتى لا يُفسدوا من حيث يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فيكونوا كالذي أراد أن يبني قصرا فهدم مصرا!!
نقول للجهال والمجرمين صناع الشبهات: إن كنتم ترون هذا وذاك من شرائع الإسلام ظلما أو وحشية أو كذا أو كذا، فإنما ذلك لجهلكم ولفساد أصولكم الكلية التي استقيتموها من فلان وفلان من فلاسفتكم.. فلا نقبل بأن تجعلوا هذه الفلسفات حكما على ما ندعي نحن أنه الحق المنزل من رب العالمين!!
وعند التأمل فإنك تجد جميع الشبهات على الإسلام تختصر في صنفين:
فإما أن تراها في صورة أكاذيب يطلقها النصارى - بصفة خاصة - على نصوص الإسلام يريدون بها إيهام جهال المسلمين بأن دينهم فيه ما يصحح دين النصارى (!!!!) أو بأن نصوص المسلمين تتناقض وأنه قد وقع فيها التحريف، فيكون في دعاواهم تلك من التحريف والبتر والعبث بالنصوص والنقل عن الزنادقة والمبتدعة ما يعلمه القاصي والداني، وإما أن تراها في صورة اتهامات أخلاقية سفيهة لشرائع الإسلام ولأفعال النبي العدنان عليه صلوات ربي وسلامه، وكأن أصول القوم الفلسفية التي صاروا يأخذون منها مرجعيتهم الأخلاقية المريضة في هذا الزمان = ملزمة لنا ولسائر البشر، ويتوجب علينا الرجوع إليها كما يرجعون لاستخراج الحكم الأخلاقي على شرائع سائر الملل، بما فيها ما ندعي نحن أنه الحق المنزل من ربهم الذي خلقهم جل وعلا!!!
فأمسك بنواجذك على هذين الأصلين الكليين، فإنهما أصل سائر الشبهات في زماننا ولا تكاد تخرج عنهما شبهة واحدة.


نقول لهم نعم يا هؤلاء، ما تجدون في نصوصنا هو كما تجدونه.. وهو الحق المنزل من لدن حكيم خبير وان كرهتم! نعم شُرع لنا أن نفعل كذا وكذا بنسائنا، وشرع لنا أن نتخذ من نساء الكفار سراري وإماء عند غزو بلادهم، ونعم شرع الله لنا أن نبيعهن ونبتاعهن كالسلعة تباع وتشترى، فما أسوأه من مسلك معوج أن ترى الداعي إلى الله يتذرع ويتلمس مخرجا من الشبهة في بيان كيف أن الشريعة قد حببت وندبت إلى عتق الرقاب، حتى يرضى عنا الكفار في ثقافاتهم العلمانية العفنة هذه، ويثقل ديننا في ميزانهم الفاسد (وهيهات)!! ترى من إخواننا من يتخذ تلك الطريقة الذميمة مسلكا بالغا إلى حد أن يدعي بعضهم - سامحه الله - أن الإسلام قد جاء بتحرير العبيد وأنه قصد إلى القضاء على الرق في العالم بصورة تدريجية!! فالحاصل أن صاحب هذه الدعوى يوافق الكفار في الحقيقة على نظرتهم بإزاء الرق وملك اليمين من حيث الجملة، فإذا ما جوبه بالشبهة لم يجد لنفسه مخرجا منها إلا القول بأن الإسلام قصد إلى القضاء على الرق ومحوه من العالم ولو بعد حين!
سل الآن أي عامي من عوام المسلمين عن موقف الإسلام من الرق ستجده لا يجيب إلا بهذا الجواب الفاسد، يقول الإسلام ألغى الرق تدريجيا.. بل ولعله يقول بكل ثقة: الإسلام حرر العبيد والأرقاء كما لم تفعل شريعة من الشرائع! فأنا أسأل صاحب هذه الدعوى: لو قدر الله لولي أمر مسلم في بلد من بلاد المسلمين أن يخرج في جهاد الطلب ليغزو بلدا من بلاد الكفار كما كان دأب ملوك وولاة المسلمين إلى عهد قريب جدا من تاريخ أمتنا المجيدة، ثم أخذ ذلك الحاكم من نساء ذلك البلد إماءً وموالي وأسهمهم على المجاهدين فصاروا رقيقا عندهم، وصار أبناؤهم عبيدا عند المسلمين، كما كان معمولا به في بلاد المسلمين حتى القرن الماضي، فهل تفتي أنت بحرمة ذلك أو بعدم مشروعيته بالنظر إلى كونه الآن يخرق اتفاقيات الأمم المتحدة، ويخالف ما جعلته أنت مقصدا من مقاصد التشريع في شأن الرق والرقيق؟؟؟ وهل كان النبي عليه السلام يوافق السائد في زمانه مضطرا فيمتنع عن تحريم أخذ السبايا والرقيق في الحرب، ولا يشير إلى كراهة الرق ولو من بعيد، ليس هذا فحسب، بل ويذهب إلى التشريع الدقيق المفصل في أحوالهم وبيعهم وشرائهم ومكاتبتهم ومعاملتهم وأنكحة الإماء منهم وأولادهن وعورتهن.. الخ، كل هذا مع علمه بأن الإمساك بالرقيق وتملك رقابهم ظلم وجور، لأنه لا يمكنه - وتأمل - أن يمنعه لغلبته على بلاد العالم في زمان التشريع؟؟ أي طعن في شريعة رب العالمين أبشع من هذا؟؟
فانظر - بارك الله فيك - في ردود الأكثرين من أصحاب الجواب عن شبهة الرق والرقيق وملك اليمين في الإسلام بم يجيبون، لن تجده إلا يدور في تلك الدائرة! مع أنهم يخرجون من كتب أهل الكتاب في كثير من الأحيان وفي سياق الرد على الشبهة نصوصا فيها الرق وأخذ السراري والإماء وملك اليمين! فهل نفهم من هذا أن تلك الأزمنة الغابرة كلها كانت أزمنة ظلم وجور في الحروب، وكان الأنبياء والمرسلون كلهم مضطرين - كذلك - إلى القبول بذلك الظلم والجور بل والتورط فيه حتى تراهم يأخذ الواحد منهم ثلاثمئة أمة يواقع منهن مئة في ليلة واحدة؟؟؟ أين عقول هؤلاء، وكيف يغفلون عن لازم الزعم بأن الإسلام جاء بتحرير العبيد والرقيق؟؟ نعم من فضل الله ورحمته أن جعل من الكفارات ومن المندوبات عظيمة الأجر = العتق وفك الرقاب، ولكن هذا لا يعني أن القضاء على طبقة الرقيق في المجتمع المسلم كان غاية من غايات الإسلام أو مقصدا من مقاصدة الكلية! وإنما يعني أن الشارع الحكيم أراد - فضلا منه ورحمة - التخفيف على الصالحين من المنتمين إلى تلك الطبقة في المجتمع المسلم، وحسين أحوالهم ورفع درجتهم بالعتق والمكاتبة ((فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا)) إلى طبقة أعلى. فإن الرقيق وأسواق بيعهم كانت منتشرة في بلادنا إلى عهد قريب للغاية كما يجد ذلك من يطالع كتب التاريخ، حتى أعتق آخر مملوك في بلاد المسلمين بضغط من الدول الاستعمارية وباتفقاية مع الملكة فيكتوريا!! ولولا هذا لظل في بلاد المسلمين ملك يمين ورقيق إلى يوم الناس هذا، ولرأى هؤلاء الجهال من الكفار، والمفتونون بهم ممن تولى كبر تلك الردود الواهنة على هذه الشبهة، كيف هي شريعة رب العالمين في معاملة تلك الفئة المهمة في مجتمع المسلمين، وكيف رأى المجتمع المسلم - مع وجود تلك الطبقة فيه - قرونا من السلام الاجتماعي لا يحلم بمثلها سفهاء الإلحاد أصحاب حقوق الإنسان في هذا الزمان!!
الإسلام لم يأت بتحرير العبيد، ولا جاء بمنع الرق، لا تدريجيا ولا غير ذلك.. وإنما ضيق الإسلام سبب العبودية والرق وقصره على الاسترقاق في الحروب، ثم شرع أحكم الشرائع وأعدلها في بيعهم وشرائهم وإهدائهم ومعاملتهم كفئة مستقرة في مجتمع المسلمين لها ما لها وعليها ما عليها.. وهكذا كانت عبر القرون إلى أن وهنت أمة الإسلام وظهر عليها أعداؤها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
ولا بأس بأن يقال كما يقول بعض إخواننا إن تلك الشرائع تفيد في إصلاح أحوال النسوة اللاتي قتل أزواجهن في الحرب وملئت قلوبهن غلا على المسلمين.. وتفيد في حفظ استقرار المجتمع الجديد الذي غزاه المسلمون.. فإن من العلاج ما لا مفر من احتمال مرارته، ومن العلاج الكيّ! فمن الرحمة ببعض الناس قهرهم وإذلالهم حتى يكون كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من الأئمة: يسحبون إلى الجنة في السلاسل!! من آمن منهم فقد أراد الله له خيرا، ومن مات على كفره مصرا عليه فقد انتقل من ذلة إلى ذلة أشد وأخزى، نسأل الله السلامة.. فقولهم هذا في الحكمة من سبي نساء الكفار صحيح ولكنه اجتهاد من بعض الإخوة في استخراج الحكم التشريعية من تقرير الرق وجعل الرقيق طبقة من طبقات المجتمع لها أحكامها وضوابط التعامل معها، وليست الحكمة من هذا التشريع مقصورة على هذا.. فإن التسرية والتوسعة على المجاهدين بامتلاك تلك الأبضاع غاية معتبرة كذلك، ومجرد الابتلاء بالرق حكمة.. فمن الابتلاء ما يكون عقوبة، ومنه ما يكون كفارة، ومنه ما يكون رفعة للدرجات عند الله جل وعلا.. وكم من عبد أشعث مدفوع بالأبواب لا يعبأ به أحد من الناس، لو أقسم على الله لأبره! كلنا في هذه الدنيا عبيد نعلق في أعناقنا ما ندين به من واجبات تلزمنا تجاه غيرنا من الناس فضلا عمن نتخذه إلها له منتهى الطاعة والخضوع.. كل الناس عبيد مقيدون بقيود أحوالهم والتزاماتهم الأخلاقية إزاء تلك الأحوال في هذه الحياة الدنيا، مهما زعموا أنهم أحرار!
فلا يلزمنا أن نقبل دعواهم أن الإنسان يولد حرا ويجب أن يُكفل له هذا الحق عند مولده! صحيح أن الأصل في ابن آدم ألا يكون مملوكا لأحد من الناس، ولكن ليس كل الناس يولدون على السواء فيما جعلهم الله فيه من الأحوال! فمن الناس من يولد غنيا مرفها ومنهم من يولد فقيرا معدما! ومن الناس من يأتي إلى الحياة أميرا ومنهم من يأتي إلى الدنيا أسيرا! ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)) [الأنعام : 165] فليس المالك بأسعد حظا من المملوك في هذه الدنيا إن كان على شقاوة من أمره! وليس الغني بأسعد حظا من الفقير إن كان على ضلالة ينفق ماله فيما فيه هلكته يوم القيامة!! فإنما الدنيا دار امتحان وبلاء لسائر بني آدم، أعلاهم وأدناهم في ذلك سواء! فهذا الذي يدعي أن الناس من حقهم ألا يولدوا جميعا إلا أحرارا متساوين في ذلك، فليجعل كذلك من حقهم ألا يولدوا إلا أغنياء منعمين إن استطاع، وليجعل من حقهم ألا يولدوا إلا أصحاء بلا مرض وراثي أو عضو عليل في أجسادهم، وألا يولدوا إلا عند الغاية من الجمال والبهاء وحسن الخلقة، وألا يجدوا الحياة الدنيا إلا جنة نعيم لهم ولأولادهم من بعدهم!! فأي حقوق هذه ومن الذي يمنحها للناس تكوينا وتشريعا؟؟ أي حقوق إلحادية هذه التي صرنا نتحرج بسببها من تقرير مشروعية الرق وملك اليمين في دين رب العالمين وصرنا نتمحل الجواب الفاسد له والاعتذار عنه وكأنه نقيصة ومعيبة في تلك القرون الأولى كان الأكمل والأمثل ألا يتم التشريع في ديننا في زمان الوحي إلا وقد منعه منعا مطلقا كما يريد الكافرون؟؟؟؟


فلهذا كله صار الحال إلى أن كثيرا من تلك الشبهات يندر جدا أن تجد له ردا شافيا وافيا عميقا تكون فيه الكفاية، لا لشيء إلا لأن أكثر ما صُنِّف في الرد على الشبهات في زماننا هذا إنما يقوم على أصول مختلطة مدخولة عند أصحاب تلك الردود كما ترى، والله المستعان لا رب سواه!!

Rengle
09-16-2014, 03:22 PM
جزاكم الله خيراً ... فعلاً كلام نفيس يدعونا إلى مراجعة أنفسنا وإلتزام الحذر عند الرد على المخالف حتى لا تخالف الشريعة من حيث لا ندري ...